الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وفى قوله تعالى: «وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ.. فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ» .
بيان لما يدخل على المؤمنين من مسرّات، وهم فى جنات النعيم.. إذ يحيّون فيها من ملائكة الرحمن، تحية ترحيب وتكريم:«سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ» وهم لا يدخلون عليهم من باب واحد، بل من أبواب كثيرة.. من يمين وشمال، وأمام، وخلف.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» (44: الأحزاب) وقوله سبحانه: «أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً، وَسَلاماً» (75: الفرقان) .
- وفى قوله تعالى: «سَلامٌ عَلَيْكُمْ» من غير وصله بما قبله، إشارة إلى أن دخول الملائكة عليهم، هو فى ذاته سلام وأمن، وهو تحية حيّة ولو لم ينطقوا بها.. ولهذا لم يجىء اللفظ القرآنى: يقولون «سلام عليكم» بل جاء هكذا:
«سَلامٌ عَلَيْكُمْ» ..
وفى قوله تعالى: «بِما صَبَرْتُمْ» إشارة إلى أن الصّبر هو المطية الذّلول التي بلغت بالمؤمنين هذا المنزل الكريم، ونقلتهم من عالم الفناء إلى عالم البقاء والخلود فى جنّات النعيم.. «فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ» أي فنعم عقبى الدار الدنيا، هذه الدار.. دار الآخرة..
الآيات: (25- 29)[سورة الرعد (13) : الآيات 25 الى 29]
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَاّ مَتاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
التفسير:
قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» - هو بيان للوجه الآخر من وجهى الإنسانية، وهو وجه الكافرين، والمشركين والمنافقين.. الذين نقضوا عهد الله الذي أخذه عليهم الرسول، من بعد الميثاق الذي واثقهم الله عليه، وهم فى عالم الأرواح.. وقد أشرنا إلى شرح هذه الآية من قبل:(الآية 21 من هذه السورة) .
قوله تعالى: «اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ» - مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أنه لما كانت الحياة الدنيا ومتاعها مما يفتن الناس، ويفسد عليهم فطرتهم، ويحجب عنهم وجه الحق، فيضل كثير منهم طريقه إلى الله.. لمّا كان هذا هو شأن الدنيا مع الناس، فقد جاء قوله تعالى:«اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ» منبها هؤلاء الضالّين المتكالبين على الدنيا، إلى أنهم لا يملكون لأنفسهم شيئا، وأن الأرزاق بيد الله سبحانه- يبسطها لمن يشاء، ويقدرها أي يقبضها، ويمسكها عمن يشاء، وأنّ تخبطهم فى طرق الضلال، وركوبهم مراكب النفاق لا ينفعهم فى شىء، ولا ينيلهم من الدنيا إلا ما قدّره الله لهم..
- وفى قوله تعالى: «وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا» - هو تشنيع على الضالّين، واستخفاف بهم، وتسفيه لأحلامهم، إذ كان زخرف الحياة الدنيا، وهذا المتاع الزائل الذي وقع لهم منها- هو مبتغى مسعاهم فيها، ومبلغ حظهم منها، فإذا وقع لهم منها شىء طاروا به فرحا، ولو اغتال ذلك إنسانيتهم، وطمس على عقولهم وقلوبهم..
«أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى.. فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ» (16: البقرة) .
- قوله تعالى: «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ» إشارة إلى أن الحياة الدنيا هى مزرعة للآخرة، يتزود فيها الناس ليوم الفصل.. فمن كان زاده التقوى، ربح، وسعد، وفاز بنعيم الجنة ورضوان الله، ومن تزوّد بالذنوب والآثام، فقد خاب، وتعس، وكان لجهنم حطبا.
هو بيان لتعلّات الكافرين والضالّين، الذين يدعون إلى الإيمان بالله، وتقرع أسماعهم كلمات الله، فلا يصيخون إليها، ولا يفتحون عقولهم وقلوبهم لها، بل يركبون رءوسهم، ويتنادون فيما بينهم:«لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ؟» حتى لكأن هذه الآية التي يقترحونها هى اليد التي تشدّهم إلى الإيمان، وتفتح آذانهم وقلوبهم إلى الله.. والله سبحانه وتعالى يقول:«وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ» (146: الأعراف) .
- وقوله تعالى: «قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ» ..
هو ردّ على تعلّات هؤلاء الكافرين، وردع لهم، وأنهم لن يؤمنوا أبدا..
إذ أنهم لم يكونوا ممن أرادهم الله سبحانه للإيمان، ودعاهم إليه، لما علم من فساد طبيعتهم.. والله سبحانه وتعالى يقول:«وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ»
(23: الأنفال) .. أما أهل الإيمان، فقد دعاهم الله سبحانه وتعالى إليه، ويسّر لهم الإيمان به، إذ كانوا على فطرة قابلة للخير، مستجيبة للحق، متهدّيه إلى الإيمان، والله سبحانه وتعالى يقول:
«وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً» (17: محمد) ويقول سبحانه: «وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً» (77: مريم) .
قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» - هو بدل من قوله تعالى «مَنْ أَنابَ» يعنى أنه سبحانه يهدى من أناب إليه من عباده، أي رجع إليه، ووجه وجهه إلى رحابه..
وهؤلاء هم المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول واطمأنت قلوبهم بذكر الله..
- وفى قوله تعالى: «وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ» إشارة إلى أن من علامات أهل الإيمان، أنهم إذا ذكروا الله، أو ذكّروا به، اطمأنت قلوبهم، واشتملت عليهم السكينة، وغشيهم الأمن والسلام..
- وفى قوله تعالى: «أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» توكيد لهذا الخبر الذي تضمنه قوله تعالى «وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ..»
وقوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» هو توكيد لقوله تعالى: «أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» .. حيث أن ذكر الله يقيم الإنسان على الإيمان بالله، ويمسك به فى مجال العمل الصالح، فيحيا