المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (1- 9) [سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٧

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌(الآيات: (53- 57) [سورة يوسف (12) : الآيات 53 الى 57]

- ‌الآيات: (58- 62) [سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 62]

- ‌الآيات: (63- 67) [سورة يوسف (12) : الآيات 63 الى 67]

- ‌الآيات: (68- 76) [سورة يوسف (12) : الآيات 68 الى 76]

- ‌لمحة من القضاء والقدر

- ‌الآيات: (77- 83) [سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 87) [سورة يوسف (12) : الآيات 84 الى 87]

- ‌الآيات: (88- 92) [سورة يوسف (12) : الآيات 88 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 98) [سورة يوسف (12) : الآيات 93 الى 98]

- ‌[قميص يوسف.. ما هو

- ‌الآيات: (99- 101) [سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌الآيات: (102- 107) [سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 107]

- ‌الآيات: (108- 111) [سورة يوسف (12) : الآيات 108 الى 111]

- ‌13- سورة الرعد

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 7) [سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 15) [سورة الرعد (13) : الآيات 8 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 18) [سورة الرعد (13) : الآيات 16 الى 18]

- ‌الحق والباطل.. دولة ودولة

- ‌الآيات: (19- 24) [سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 29) [سورة الرعد (13) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[ذكر الله.. واطمئنان القلوب به]

- ‌الآيات: (30- 34) [سورة الرعد (13) : الآيات 30 الى 34]

- ‌الآيات: (35- 43) [سورة الرعد (13) : الآيات 35 الى 43]

- ‌14- سورة إبراهيم

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 8) [سورة إبراهيم (14) : الآيات 5 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 17) [سورة إبراهيم (14) : الآيات 9 الى 17]

- ‌الآيات: (18- 23) [سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 23]

- ‌الآيات: (24- 27) [سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[الكلمة الطيبة.. والكلمة الخبيثة]

- ‌الآيات: (28- 34) [سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌الآيات: (35- 41) [سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 52) [سورة إبراهيم (14) : الآيات 46 الى 52]

- ‌15- سورة الحجر

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 15) [سورة الحجر (15) : الآيات 6 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 25) [سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 50) [سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 50]

- ‌[إبليس ومن له سلطان عليهم]

- ‌الآيات: (51- 60) [سورة الحجر (15) : الآيات 51 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 77) [سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 84) [سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 84]

- ‌الآيات: (85- 99) [سورة الحجر (15) : الآيات 85 الى 99]

- ‌16- سورة النحل

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 19) [سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 29) [سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 32) [سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 40) [سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌الآيات (41- 50) [سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌الآيات: (16- 60) [سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 67) [سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 67]

- ‌الآيات: (68- 73) [سورة النحل (16) : الآيات 68 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 77) [سورة النحل (16) : الآيات 74 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 83) [سورة النحل (16) : الآيات 78 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 89) [سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 89]

- ‌[القرآن الكريم.. والحقائق الكونية]

- ‌الآيات: (90- 97) [سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 97]

- ‌الآيات: (98- 102) [سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 102]

- ‌الآيات: (103- 105) [سورة النحل (16) : الآيات 103 الى 105]

- ‌الآيات: (106- 111) [سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌الآيات: (112- 119) [سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌الآيات: (120- 124) [سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 124]

- ‌الآيات: (125- 128) [سورة النحل (16) : الآيات 125 الى 128]

الفصل: ‌الآيات: (1- 9) [سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

‌16- سورة النحل

نزولها: مكية.. إلا آيات منها فمدنية عدد آياتها: مائة وثمان وعشرون آية عدد كلماتها: ألفان وثمانمائة وأربعون كلمة عدد حروفها: سبعة آلاف، وسبعمائة، حرف، وسبعة أحرف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

‌الآيات: (1- 9)[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

بسم الله الرحمن الرحيم

أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَاّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)

وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9)

ص: 267

التفسير:

بهذا البدء: «أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ» تبدأ هذه السورة، فيلتقى بدؤها مع ختام السورة التي قبلها، وكأنه جواب على سؤال تلوّح به الآية التي كانت ختاما للسورة السابقة..

ففى ختام سورة الحجر، كان قوله تعالى:«وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» - كان هذا مثيرا لبعض الأسئلة: ما هو اليقين؟ ومتى هو؟ وهل يطول انتظاره؟

وقد جاء قوله تعالى: «أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ» مجيبا على هذه الأسئلة.

فاليقين: هو أمر الله، وهو يوم القيامة.. وقد كان المشركون يسألون.. منكرين هذا اليوم، ومستعجلين وقوعه إن كان له وجود، وفى هذا يقول الله تعالى:

«فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً» (51: الإسراء) .. ويقول سبحانه: «اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها» (17- 18: الشورى) .

أما موعد هذا اليوم، فعلمه عند الله.. ولكنه قريب.. وهل بعيد هو ذلك اليوم الذي ينتهى فيه عمر الإنسان، ويفارق هذه الدنيا؟ إن الموت قريب من كلّ إنسان، فقد ينتزع روحه وهو قائم، أو قاعد، أو سائر. فليس للموت نذر يقدمها بين يديه لمن انتهى أجله.. وإذن فالموت مصاحب لكل إنسان، دان منه، ممكّن من انتزاع روحه فى أي لحظة من لحظات حياته..

وإذا مات الإنسان، فقد قامت قيامته، بمعنى أنه رحل من الدنيا، دار الفناء، إلى الآخرة، دار البقاء..

ص: 268

- وفى قوله تعالى: «أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ» تقرير لحقيقة واقعة، وهى أن أمر الله، وهو انتقال الناس من دار الفناء إلى دار البقاء- قد أتى فعلا منذ كان للناس حياة على هذه الأرض.. فلم يستعجلون أمر الله فيهم، وهو موجود بينهم، عامل فيهم؟ إن الموت يأتى كل يوم على أعداد كثيرة من الناس، فمن لم يمت اليوم، فهو سيموت غدا أو بعد غد فلم يستعجل الناس أمرا يطلبهم؟

وفى قوله تعالى: «سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» تنزيه لله سبحانه وتعالى عن هذا الشرك الذي هم فيه، وعن هؤلاء الشركاء الذين يعبدونهم من دونه.. ثم هو إلفات لهم إلى أن يخرجوا من هذا المنكر الذي هم فيه، وقد أظلّهم يوم القيامة، ونزل بهم أمر الله.. فإنهم إن لم يسرعوا للفرار مما يعبدون من دون الله، أدركهم الموت، ووقعوا فى شباكه ولم يكن لهم ثمّة سبيل إلى النجاة..

وقوله تعالى: «يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ» .

هو نذير بين يدى أمر الله الواقع، ينذر هؤلاء المشركين، أن يتخلصوا من شركهم، وأن يخلصوا عبادتهم لله وحده، وأن يتقوه، ويحذروا عقابه..

فهو سبحانه- رحمة بعباده- قد بعث فيهم رسله، وأمرهم أن ينذروا الناس بما أوحى إليهم من أمره، الذي هو دعوة إلى الإيمان به، والولاء له، والبراءة من كل شريك..

والرّوح، هو أمر الله الذي تحمله الملائكة إلى رسل الله، وهو كلماته المنزلة على الرسل، وسميت روحا لأن فيها الحياة للناس، فمن لم يأخذ حظّه منها، فهو ميت، وإن كان فى عالم الأحياء.. وفى هذا يقول الحق جلّ وعلا:

«أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها» (122: الأنعام) .

ص: 269

قوله تعالى: «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» .

هو استعراض لقدرة الإله الواحد، الذي يدعو رسل الله إلى عبادته وحده.. فهو سبحانه الذي خلق السموات والأرض بالحقّ.. فحقّ على هذه المخلوقات جميعها أن تعبده، وأن توجه وجوهها إليه..

- وفى قوله تعالى: «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» - إشارة إلى أن الإنسان، وهو مما خلق لله، قد خرج عن الولاء لله، وكفر به، ووقف خصما لله، ويحاربه.. وهو- أي الإنسان- مخلوق ضعيف خلق من ماء مهين، وجاء من نطفة أمشاج، ولكنّ قدرة الله، قد صورت من هذا الماء المهين، ومن تلك النطفة القذرة كائنا، له عقل، وله إرادة، وقد كان جديرا به أن يرتفع بعقله وإرادته عن عالم الطين، وأن يسمو إلى مشارف العالم العلوي، إلا أنه قد استبد به الغرور، واستولى عليه الهوى، فكان أن كفر بخالقه، وجحد الرّبّ لذى أنشأه وربّاه «إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» (34: إبراهيم) وقوله تعالى: «وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ» ..

هذا عرض لبعض مظاهر قدرة الله، وفضله على عباده، الذين كفروا بنعمته، وضلوا عن سبيله. فهو- سبحانه- الذي خلق الأنعام كلها، ينتفع الإنسان منها فى وجوه كثيرة.. فمنها كساؤه وغطاؤه، الذي يدفع عنه عادية البرد والحر، ومنها طعامه الذي يغتدى به، فيأكل من لحمها، ولبنها.. ومنها يجد الرّوح لنفسه، والبهجة لعينيه، إذ يراها، غادية رائحة بين يديه، وعليها

ص: 270

يحمل أثقاله، وبمتطيها ركوبة له إلى أماكن بعيدة، لم يكن يبلغها سعيا على قدميه إلا بشق الأنفس.. وذلك من رحمة الله به، وشفقته عليه.. «إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ..»

وقوله تعالى: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ» .

هو تفصيل لهذا الإجمال الذي جاء فى قوله تعالى: «وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ» . فمن هذه الأنعام: الخيل والبغال، والحمير.. وهى دواب الركوب والحمل، ومراكب البهجة والمتعة، حيث يستوى الإنسان على ظهرها، فيجد لذلك ما ببهجة، ويشرح صدره، ويعلى فى الناس منزلته وقدره.

- وفى قوله تعالى: «وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ» إشارة إلى ما خلق الله من مخلوقات لا يعلمها إلا هو، ولا يملك تسخيرها إلا هو، إذ لا تخضع لسلطان الإنسان، ولا تستجيب لعلمه.

- وفى قوله تعالى: «وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ» إشارة إلى أن من هذه الحيوانات ما هو مستجيب لحاجة الإنسان، قد يسر الله سبحانه وتعالى طبيعته حتى توافق طبيعة الإنسان وتألفه، ومنها ما هو جائر، أي منحرف عن وجهة الإنسان، غير متلاق معه، أو آلف له.

- وفى قوله تعالى: «وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ» دفع لهذا الاعتراض الذي يندفع فى بعض الصدور، حين يرى أصحابها هذه المخلوقات الكثيرة التي لا تفيد الإنسان. بل ربما كانت أعداء تتربص الشر به، وتتحين الفرصة للقضاء عليه، فينكر خلق مثل هذه الحيوانات، ولا يعترف لها بحق الوجود على الأرض، إذ لا حكمة من خلقها، ولا فائدة من وجودها، فى تقدير الإنسان وحسابه.

ص: 271

وهذا خطأ من وجوه.

فأولا- ليس الإنسان وحده هو المالك لهذه الأرض، المستقل بها..

بل إنه كائن من كائناتها، ومخلوق من مخلوقات الله فيها. وكونه خليفة الله على الأرض ليس بالذي يمنع من أن يكون معه غيره.. بل أن خلافته لا تتم إلا إذا كانت له رعايا يسوسها، ويقوم على تدبيرها. وأنه كلما تعددت هذه الرعايا، واختلفت صورها وأشكالها، كان ضبط الإنسان لها، وسيادته عليها، دليلا على أهليته لهذه الخلافة، واستحقاقه لها.. والله سبحانه وتعالى يقول:«وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ» (38: الأنعام) وثانيا- ليس ما لا ينتفع به الإنسان دليلا على أنه غير ذى نفع له، فقد يكون فيه نفع كثير للإنسان ذاته، وإن خفى ذلك عنه.. وأنه إذا لم يكن فى مقدور الإنسان الآن أن يسخر كثيرا من المخلوقات، وينتفع بها، فقد يستطيع يوما أن يجد الوسيلة التي تمكّن له من الانتفاع بها فى وجوه كثيرة.. فقد كان الإنسان الأول يخاف جميع هذه الحيوانات التي استأنسها اليوم وسخرها، بل إنه كان ليعبد بعضها اتقاء لشرّه، فأصبح الآن يتخذها مركبا له!! وثالثا: أن هذه الحيوانات، هى من قوى الطبيعة، التي استطاع الإنسان بذكائه، أن يدلل كثيرا من تلك القوى التي كانت فى وقت ما قوى مخيفة، تهدّد أمن الإنسان وسلامته، فما زال بها حتى انقادت له، وأصبحت قوة مسخرة بين يديه، سواء أكانت تلك القوى من عالم الحيوان أو عالم الجماد..

ومطلوب من الإنسان أن يوجّه مدركاته كلها، إلى كل حرون شارد من هذه القوى، ويتعرف إلى مواطن الخير فيها.. وبهذا تظل مدركات الإنسان معاملة غير معطلة، تزداد مع الأيام قوة وتمكينا..

ص: 272