الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عملتم السوء كلّه، إذ كفرتم بالله.. وإن الله عليم بما كنتم تعملون.. «وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ» (22- 23: فصلت) .
قوله تعالى: «فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» هذا هو جزاؤهم، وذلك هو مصير المتكبرين..
- وفى قوله تعالى: «فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ» - إشارة إلى تعجيل عقابهم، وأنهم لا ينظرون، فما هو إلا سؤال.. يكون جوابه إلقاؤهم فى جهنم..
وأبواب جهنّم، هى منازلها التي ينزلون فيها، فلكل طائفة من الضالين باب يلجون منه، إلى مثواهم من النار.. والمثوى: المنزل..
الآيات: (30- 32)[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 32]
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
التفسير:
والصورة التي تقابل الكافرين فى موقف الجزاء يوم القيامة، هى صورة المؤمنين المتقين.. هكذا يواجه بعضهم بعضا، فيكون فى هذا إيلام فوق إيلام للكافرين، ونعيم فوق نعيم للمؤمنين، إذ يتضاعف عندهم فضل الله عليهم،
ورحمته بهم، لأنهم نجوا من هذا البلاء.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فيما يتحدث به أهل الجنة:«وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ» (25- 27: الطور) وقوله تعالى: «وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا، ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً» .. هو فى مقابل قوله تعالى فى مساءلة الكافرين: «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ..
فالذين اتقوا ربّهم، عرفوا طريقهم إلى الله، واهتدوا إلى مواقع الهدى مما أنزل الله على رسوله، فحين سئلوا ماذا أنزل ربكم قالوا:«خيرا» أي أنزل ربنا خيرا كثيرا، نتزود منه زادا طيبا لدنيانا وآخرتنا:«لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ» .. فما يتزوده المؤمن من الإيمان والتقوى، كلّه طيب، والجزاء عليه حسن فى الدنيا، ولكن ما يجده المؤمن فى الآخرة من ثواب الله، ونعيمه، هو الذي يعتدّ به، إذ كان خالدا باقيا، لا يقاس بالقليل منه، ما فى الدنيا كلّها من متاع وقوله تعالى:«جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ.. كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ» .. هو عطف بيان على قوله تعالى:
«وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ» .. فدار المتقين هذه، هى تلك الجنات، التي تجرى من تحتها الأنهار، لهم فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين.. خالدين فيها.
- وفى قوله تعالى: «كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ» تنويه بهذا الجزاء العظيم، الذي لقيه المتقون، من ربّهم، وهو جزاء لا ينال إلّا من الله الكريم الوهاب، لأن ما فى أيدى الناس جميعا، وما فى هذه الدنيا كلّها، يحفّ ميزانه، مع أدنى جزاء جوزى به من نالهم الله برحمته، وأنزلهم منازل رضوانه..
قوله تعالى: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»
.. هو عطف بيان على قوله تعالى: «كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ» .. فالمتقون، هم الذين تتوفاهم الملائكة «طيبين» .. قد طابت نفوسهم، وزكت أرواحهم، بما مسّها من تقوى، وما عبق عليها من إيمان.. فإذا جاء الملائكة لقبض أرواحهم، أقبلوا عليهم فى بشر، يحملون إليهم بشريات مسعدة، حيث يلقونهم بالسّلام، الذي لا خوف معه..
«يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ..» ثم لا تكاد أرواحهم تفارق أبدانهم حتى يروا منازلهم فى الجنة، وبين أيديهم مناد يناديهم:«ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
فتلك هى الجنة التي وعد المتقون.. لهم فيها دار الخلد، جزاء بما كانوا يعملون..
والسؤال هنا: كيف يقال لهم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون.. والمعروف أن دخول الجنة، إنما هو فضل من فضل الله على عباده، وليس ذلك من كسب العبد، ولا بسبب ما قدم من صالح الأعمال، إذ أن الجنّة لا يستطيع أحد أن يقدّم الثمن الذي تنال به، مهما بلغ من إيمان وتقوى. وقد قال النبي- صلوات الله وسلامه عليه- «لا يدخل أحدكم الجنة بعمله» قالوا:«ولا أنت يا رسول الله؟» قال: «ولا أنا إلّا أن يتغمّدنى الله برحمته» .. فما تأويل هذا؟
الجواب- والله أعلم- أن الإيمان والعمل الصالح، هما المطلوبان من الإنسان، ليحتفظ بإنسانيته على الصحة والسلامة من الرجس والدنس.. وإذ كان الناس فريقين: مؤمنا وكافرا، وشفيّا وسعيدا، وأصحاب الجنة وأصحاب النار.. هكذا أرادهم الله، ولهذا خلقهم- إذ كان الناس على هذا، فإن المؤمنين الذين عملوا الصالحات هم أهل الجنّة، والذين كفروا وضلّوا هم أهل النّار.. وفى إضافة المؤمنين إلى الجنة، وإنزالهم منازل الرضوان فيها، وحسبان ذلك بسبب إيمانهم وتقواهم- فى هذا تكريم من الله سبحانه وتعالى لهم، وفضل من فضله