الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الذي يرونه. وهذا يعنى أنهم لن يؤمنوا أبدا، ولو جاءتهم تلك الآيات التي يقترحونها على النبىّ. إذ أن لهم، من ضلالهم، مع كل آية مكر، وفى كل معجزة قاهرة قول..
الآيات: (16- 25)[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (20)
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)
التفسير:
مناسبة هذه الآيات لما قبلها، هى أن الله سبحانه وتعالى ذكر فى الآيات السابقة، ما استولى على قلوب المشركين من ظلام كثيف، وضلال مبين، حتى لو أنهم أصعد بهم إلى السّماء، وشهدوا ما فى الملأ الأعلى من آيات، ما كان لهم فى ذلك طريق إلى الهدى والإيمان بالله، ولاتّهموا حواسّهم، وكذّبوا المشاهد المحسوس بين أيديهم..
أما الذين يرون الحق ويتبعونه، ويشهدون آيات الله، ويتلقون العبرة والعظة منها- فهؤلاء لهم فى كل شىء آية، ولهم من عقولهم معارج يعرجون بها إلى السموات، وهم حيث هم، على هذه الأرض لم يبرحوها..
وقوله تعالى: «وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ» - إشارة إلى ما للعقول السليمة من قدرة على النظر فى ملكوت الله، وارتياد مواقع العبرة والعظة من آياته المبثوثة فى هذا الملكوت..
فهذه السماء، وقد رفعها الله سبحانه بغير عمد، وجعلها بروجا ومدارات للكواكب والنجوم، وزينها بتلك الكواكب، وحلّاها بهذه النجوم- هذه السماء هى مراد فسيح للأنظار، ومسح معجب للعقول.. ينظر الناظرون إليها، فترتدّ إليهم أبصارهم منها وقد امتلأت عبرة وعظة، بما شهدت من جلال الله، وقدرته وعلمه وحكمته.. «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا» (191:
آل عمران) .. فذلك هو ما يعطيه النظر السليم لأهله، من إيمان بالله، وولاء لجلاله وعظمته.
قوله تعالى: «وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ» .
إشارة إلى أن السّماء ليست معرجا لأهل الأرض، وإن كانت مرادا لأبصارهم، ومسبحا لعقولهم.. وأن الشياطين- وهم من سكان الأرض- إن أرادوا العروج إلى السماء بما لهم من طبيعة قادرة على الانطلاق إلى آفاق عالية بعيدة- هؤلاء الشياطين لا يستطيعون أن يعرجوا إلى السماء، وغاية ما يمكن أن يبلغه أحدهم هو أن يحلّق بعيدا، يريد أن يدنو من الملأ الأعلى، ويسترق السمع، إلى ما احتواه هذا الملأ من غيوب وأسرار.. وعندئذ يجد الشيطان
شهابا راصدا يرمى به، فيحترق ويهلك، دون أن يقع على شىء من علم الله..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ» (212: الشعراء) .
وقوله سبحانه، على لسان الجن:«وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً» (9: الجن) .
وهنا سؤال.. وهو: هل إذا كان الجن لا يستطيع أن يعرج إلى السماء وأن يسترق السّمع، فهل يستطيع الإنسان أن يعرج إلى السماء، ويبلغ إلى هذا المدى الذي لم يبلغه الجن؟
إن إرهاصات كثيرة تشير إلى أن الإنسان الآن فى طريقه إلى السماء، وأنه كاد ينجح فى أن ينزل على القمر، بعد أن ارتاده بمراكب ألقت بمراسيها على سطحه، وهى تحمل عددا وآلات نقلت إلى الإنسان كثيرا من طبيعة هذا الكوكب.. فهل إذا نزل الإنسان إلى القمر أو إلى أي كوكب من الكواكب، أيكون فى هذا ما يتعارض مع الآية الكريمة؟
والجواب على هذا، أن الآية الكريمة لم تعرض للإنسان، ولم تسلط عليه من السماء رجوما، كما سلطتها على الشياطين..
وعلى هذا،، فإن الطريق إلى السماء مفتوح للإنسان، وليس ثمة ما يحول بينه وبين أن يبلغ منها حيث وسع علمه وجهده.. إلّا أن الذي لا يبلغه الإنسان أبدا، هو أن يخترق حجب الغيب، ويعلم ما استأثر الله سبحانه وتعالى به من علم.. ذلك هو ما يقطع به إيماننا، ويحدّث به كتابنا.. أما ماوراء ذلك، فهو فى مجال الاختبار لقدرة الإنسان.. والقرآن الكريم يفتح للعقل كل طريق لاختبار قدرته، بل ويبارك عليه كل خطوة موفقة يخطوها إلى الأمام، فى ارتياد معالم الوجود، فى الأرض وفى السماء، وكشف ما يستطيع كشفه من أسرار هذا الكون، فى أرضه وسماواته على السواء! والله سبحانه وتعالى
يقول: «يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا.. لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ» (32: الرحمن) ففى الآية الكريمة إغراء وتحريض لعالمى الإنس والجن، على التسابق فى ارتياد هذا الكون، والنفوذ من أقطار السموات والأرض، والغوص فى أعماقهما، ولكن ذلك لا يكون إلا لمن ملك بين يديه القوة التي تمكن له من اخترق أطباق الأرض، وأجواء السماء، وتلك القوة هى التي أشارت إليها الآية الكريمة بكلمة «سلطان» .. والسلطان الذي يمنح الإنسان تلك القوة، هو العلم..
فبسلطان العلم يمتلك الإنسان القوة، وبتلك القوة وبالقدر الذي يحصل عليه الإنسان منها، يكون مبلغه من النفوذ فى أقطار السموات والأرض..
ومع هذا، فإن هناك حرما إن دنا منه الشيطان احترق، كما أن هناك عوالم لا حصر لها، لا تطولها قدرة الإنسان، ولا يبلغ علمه منها شيئا:«وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» . (85: الإسراء) فإذا بلغ الإنسان بعلمه وقدرته أن يستوى على ظهر هذه الكواكب المتصلة بفلك الأرض.. فهيهات أن يبلغ شيئا من العوالم الأخرى، التي تبلغ المسافات بينها وبين الإنسان ملايين من السنين الضوئية.. اللهم إلا أن يخرج الإنسان عن طبيعته، ويصبح خلقا آخر..
قوله تعالى: «وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ» - وكما فى السماء آيات لأولى الأبصار، فإن فى الأرض آيات وآيات للناظرين..
فهذه الأرض، قد مدّها الله، وألقى فيها رواسى، أي غرس فيها جبالا راسية، وأنبت فيها من كل شىء موزون، أي كل شىء بحساب وقدر، مما
ينفع الناس، والدواب، والطير، وكلّ حىّ يشارك الإنسان الحياة على هذه الأرض..
فما أنبت الله سبحانه فى هذه الأرض، وما بثّ فيها من نبات، وحيوان، وجماد.. كل هذا بقدر مقدور، وبحساب موزون بميزان الحكمة، حتى يعتدل ميزان الحياة، ويكون للناس مستقر فيها ومتاع إلى حين.. ولو اختلّ هذا الميزان، بزيادة أو نقص، لما صلحت الحياة على هذه الأرض..
قوله تعالى: «وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ» - هو تفصيل لما أجملته الآية السابقة فى قوله تعالى: «وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ» - فهذا الذي تخرجه الأرض، هو مما يعيش فيه الإنسان، وتحيا عليه الأحياء الأخرى، التي لا يتولى الإنسان إطعامها.. من هوامّ، وحشرات، ووحوش، وطيور محلقة فى السماء، وأسماك سابحة فى البحار والأنهار..
وغير ذلك كثير، مما لا يعلمه إلا خالقها سبحانه وتعالى.. فهذه الكائنات كلها يرزقها الله سبحانه، ويقدّر لها أقواتها.
قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ» - إشارة إلى أن كل شىء هو إلى الله سبحانه، وفى يده جلّ شأنه، وأنه ينزّل من كلّ شىء بقدر معلوم، حسب ما تقضى حكمته، مما يصلح به أمر الناس وتعمر الأرض.
قوله تعالى: «وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ» .. أي إن من قدرة الله سبحانه، ومن حكمته، أن أرسل هذه الرياح، فجعلها لواقح يكون من نتائجها هذا المطر الذي ينزل من الماء.. فالريح هى التي تحمل بخار الماء، فتنقله إلى أجواء باردة فى آفاق السماء، حيث يصير سحابا..
ثم تدفع هذا السحاب، فيصطدم بعضه ببعض، ويتولد من هذا الصدام
شرارات، هى البرق، الذي يكون أشبه بإشارة إلى ميلاد المطر ونزوله.. كما يقول سبحانه وتعالى:«اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ، فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» (48: الروم) والرياح لقاح للنباتات، إذ تنقل لقاح كثير من ذكور النبات إلى إناثه، ولكن المنظور إليه منها هنا، هو لقاحها للسحاب، حيث جاء قوله تعالى بعد ذلك:«فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً» .. فالفاء هنا للسببية، بمعنى أن هذا اللقاح، هو الذي يتسبب عنه نزول الماء من السماء..
هذا، والقرآن الكريم يفرّق بين الريح، والرياح.. فيذكر الرياح فى مواطن الخير والرحمة، على حين يستعمل الريح فى مواطن البلاء والنقمة..
ذلك أن الريح إذا كانت من مهب واحد كانت عقيما، لا تنتج شيئا، أو تحمل سموما، وأذى، كما فى قوله:«وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ» (41: 42 الذاريات) وقوله تعالى: «فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا.. بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ.. رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ» (24: الأحقاف) .. فإذا أفردت الريح فى مواطن الرحمة، ألحقت بوصف حسن، يرفع عنها الصفة الغالبة عليها..
كما فى قوله تعالى: «وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ» (22: يونس) .
أما إذا كانت الريح من جهات مختلفة، فإنه يلتقى بعضها ببعض، فتتوازن، وتعتدل، وتحمل الخير والرحمة، وتكون لقاحا للسحاب، وللنبات..
- وفى قوله تعالى: «وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ» إشارة إلى أن هذا الماء، هو مما فى يد الله، وفى خزائنه، وأن ليس لأحد أن يتصرف فيه إلا بما يأذن الله به منه..