الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فدعوة إبراهيم هذه مدخرة له، ولمن استجاب الله له فيهم من المؤمنين، ليوم الحساب:«يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً» (30: آل عمران) .
الآيات: (42- 45)[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 45]
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45)
التفسير:
قوله تعالى: «وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ..» هو خطاب للنبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- ثم هو بعد هذا خطاب عام لكل من هو أهل للخطاب، من المؤمنين والمشركين.. ثم هو تهديد للمشركين، وأخذ لهم وهم متلبسون بجرمهم، وبموقفهم العنادىّ اللئيم من النبي الكريم، ومن كلمات الله سبحانه، التي حملها إليهم..
فالله سبحانه وتعالى مطلع على كل ما يعملون، عالم بكل ما انطوت عليه صدورهم، من تدبير سيىء، ومكر خبيث.. برسول الله، وآيات الله..
وهم إذ كانوا فى دنياهم هذه فى عافية، ولم يؤاخذوا بما أجرموا، فليس ذلك عن غفلة من الله تعالى عن أعمالهم- تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا- وليس عن تجاوز عنهم، إذ هم ليسوا أهلا لأن يحلّوا فى ساحة المغفرة.. وإنما يؤخرهم الله ليوم تشخص فيه الأبصار، أي تتجمد الأبصار، فلا تطرف، لهول ما ترى، حيث يمسك بها هذا الهول، ويشدّها إليه هذا البلاء، فتسكن وتجمد! قوله تعالى:«مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ» .. تبيّن هذه الآية حالا من أحوال هؤلاء الظالمين، وهم فى موقف الحساب والمساءلة وبين يدى هذا الهول العظيم، الذي تنقلب فيه طبيعتهم، ويغيب عنهم صوابهم، وتفلت منهم جوارحهم..
- وفى قوله تعالى: «مهطعين» إشارة إلى أنهم يساقون سوقا عنيفا من قبورهم إلى ساحة المحشر.. كما يقول سبحانه: «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» (43: المعارج) وكما يقول جل شأنه:
«مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ.. يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ» (8: القمر) .
والمهطع: هو المسرع.
- وقوله تعالى: «مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ» أي مطأطئى الرءوس، ذلة، وانكسارا، وضعفا عن حمل هذا الهمّ الثقيل الذي ينوءون تحته، من بلاء هذا الهول العظيم.
- وقوله تعالى: «لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ» أي مأخوذة أبصارهم، إذا وقعت على هول من أهوال المحشر لصقت به، ولم تعد إلى أصحابها.. فذلك هو اليوم الذي تشخص فيه الأبصار!
- وقوله تعالى: «وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ» أي قلوبهم فارغة، معطلة عن أن تنبض بأى شعور، أو تعى أي حديث، مما استولى عليها من ذهول:«إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ» (1- 2: الحج) .
هذا نذير آخر من نذر يوم القيامة، يأتى فى صورة من صور تلك المحاولات الكثيرة، التي يحاولها أهل الشرك والضلال، ليفلتوا من عذاب هذا اليوم العظيم.
وفى هذه الصورة يضرع الظالمون إلى الله أن يعيدهم مرة أخرى إلى الحياة الدنيا، ليصححوا أخطاءهم، وليكفّروا عن سيئاتهم، وليأخذوا طريقا غير الطريق الذي أخذوه.. إنه لو تحقق لهم هذا الرجاء لأجابوا دعوة الله، واتبعوا رسل الله.. وآمنوا كما آمن المؤمنون، وكانوا فى عباد الله الصالحين!! ..
هكذا يقولون وهم كاذبون.
- وفى قوله تعالى: «أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ؟» تذكير للظالمين بما كان منهم فى دنياهم، وقراءة عليهم لصفحة من صفحات حياتهم المجللة بالسواد.. «أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ؟» لقد كنتم فى دنياكم- وقد غركم الغرور- على يقين بأنكم لن تخلوا مكانكم منها، ولن تتحولوا عنها أبدا.. هكذا كنتم مع الدنيا، ولو عدتم إليها لما كنتم أحسن حالا من حالكم الأولى معها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» (28: الأنعام) .