الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما رزقهم به من طيبات فى هذه الحياة، مما يتقلبون فيه من فضل الله ونعمته..
وهذا كلّه من عطاء الله، وهو جدير بأن يحمد ويشكر.. ولكن كثيرا من النّاس يكفرون بالله، ويجحدون فضله ويجعلون ولاءهم لغيره، مما هو باطل وضلال.. «أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ» ؟ .. إن ذلك وضع مقلوب للأمور.. حيث يكون الباطل متعلّق الإنسان وموطن رجائه، بدلا من الحق الذي ينبغى أن يكون متعلّقه ومناط ولائه ورجائه.. وحيث يستقبل النعمة بالكفران والجحود، بدلا من أن تستقبل بالحمد والشكران..
وفى العدول من الخطاب إلى الغيبة فى قوله تعالى: «أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ» .. إبعاد لهؤلاء المنحرفين عن طريق الحق، من أن ينالوا شرف الخطاب من رب العالمين، وأن يأخذوا مكانهم بين من هم أهل لهذا الشرف العظيم..
وقوله تعالى: «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ» .. هو تسفيه لهؤلاء المنحرفين الضالين، ووعيد لهم، إذ تعلقوا بهذه الأوهام، وخدعوا أنفسهم بهذا السراب، فعبدوا من دون الله، ما لا يملك شيئا من هذا الرزق الذي ينزل عليهم من السماء، ويخرج لهم من الأرض، ولا يستطيع- هذا المعبود- إن هو حاول- أن ينال شيئا، وهو كله فى ملك الله، وفى سلطان الله..
الآيات: (74- 77)[سورة النحل (16) : الآيات 74 الى 77]
فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
التفسير:
قوله تعالى: «فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» الأمثال: جمع مثل، وهو شبيه الشيء ونظيره..
وضرب المثل: مقابلته بمثله، حين يجمع بين النظير ونظيره، أو الشيء وضده، كما يقول سبحانه:«كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ» والأمر هنا موجه إلى المشركين، الذين يضربون أمثالا، يقيمون منها حججا لضلالهم، وهى أمثال باطلة فاسدة، تولدت من عقول مريضة، وقلوب سقيمة.. كما يحكى القرآن بعض أمثالهم فى قوله تعالى:«وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» .. (78: يس) أما الأمثال التي يضربها الله، فهى التي تكشف الطريق إلى الحق والخير، لأنها أمثال مستندة إلى علم الله المحيط بكل شىء.. «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» .
وقوله تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ
مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ.. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» .
هذا مثل من الأمثال التي يضربها الله.. وفيه الحجة البالغة، والبيان المبين، لما بين الحق والباطل، من بعد بعيد! فهذا عبد مملوك.. هو فى يد مالكه، لا يملك من أمر نفسه شيئا..
وهذا إنسان رزقه الله رزقا حسنا، ليس لأحد عليه سلطان، فهو ينفق من هذا الرزق الحسن كيف يشاء، سرا وجهرا.. يعطى من يشاء مما فى يده، ويحرم من يشاء! فهل يستوى هذا، وذاك؟ هل يستوى العبد والسيد؟ هل يستوى المملوك والمالك؟ ثم هل يستوى المخلوق والخالق؟ هل يستوى من لا يملك ومن يملك؟
هل يستوى من لا يرزق ومن يرزق؟
العقلاء يحكمون بداهة أن لا مساواة بين هذين النقيضين.. ثم يخرجون من هذا إلى الاتجاه إلى الله بالحمد على أن كشف لهم الطريق إليه، وعرّفهم به..
أما أهل الزيغ والضلال، فإنهم لا يجدون فى هذا المثل شعاعة من أضوائه، بل يظلون على ما هم عليه من عمى وضلال..
- وفى قوله تعالى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» إشارة إلى أن هذا هو منطق الذين يستمعون إلى هذا المثل ويعقلون، فيؤمنون بالله ويحمدونه..
قوله تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ، أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» .. وهذا مثل آخر، لما بين الحق والباطل من تفاوت كبير، وبعد بعيد..
هذان رجلان: أما أحدهما فأبكم، مغلق الحواس، والمشاعر، والمدارك.
لا يفهم شيئا، ولا يحسن شيئا.. إنه حيوان، يمسك به من مقوده إلى حيث