الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضوع الكتاب
ذكر الوزير ابن الخطيب فى آخر كتابه «الاحاطة» أسماء مؤلفاته اجمالا، وأورد من بينها مؤلفه «معيار الاختيار، فى ذكر المعاهد والديار» على أنه مؤلف قائم بنفسه، ثم أورده فى باب «المقامات» من مؤلفه الضخم «ريحانة الكتاب، وتحفة المنتاب» والذي يشتمل على أكثر من غرض ولون أدبى تاريخى.
والمعيار الذي نتعرض لدراسته عبارة عن وصف شامل لأهم مدن مملكة غرناطة، وأهم مدن المغرب، تناول فيه ابن الخطيب النواحى الجغرافية والتاريخية والاجتماعية لمعظم المدن التى أوردها.
لقد بدأ أول ما بدأ بجبل الفتح (جبل طارق) ، وهو يومئذ ضمن مملكة بنى مرين المغربية، وكان طبيعيا أن يبدأ الوصف بالجبل، فهو كما يقول المؤلف:«فاتحة الكتاب من مصحف ذلك الاقليم، ولطيفة السميع العليم، وقصص المهارق، وأفق البارق، ومتحف هذا الوطن المباين للارض المفارق» ، والجبل بالنسبة للبلاد الاندلسية «محط طارقها بالفتح طارق» وله دوره الهام فى حماية البلاد الاندلسية حيث أنه «مسلحة من وراءه من العباد، وشقة القلوب والاكباد» .
أما المدن الاندلسية التى أعقبها الجبل فى الوصف، فهى- حسب الترتيب الذي أوردها به- كما يلى:
1-
اسطبونة -2 Estepona مربلة -3 Marabilla سهيل -4 Fuenjerola مالقة -5 Malaga بليش مالقة -6 Velez Malaga قمارش -7 Comares المنكب -8 Almuncar شلوبانية -9 Salobrana برجة -10 Berja دلاية -11 Dalias المرية -12 Almaria طبرنش -13 Tabernas بيرة -14 Vera مجاقر -15 Mujacar قنتورية -16 Cantoria برشانة -17 Purchena أورية -18 Oria بليش الشقراء -19 Velez Robia بسطة -20 Baza أشكر -21 Huescar أندرش -22 Andarax شبالش -23 Jubles وادى آش -24 Juadix فنيانة -25 Finana غرناطة -26 Granada الحمة -27 Alhama صالحة Zalia
28-
أليرة ومنتفريد -29 IlIora e Mouteferio لوشة -30 Loja أرجذونة -31 Archidona أنتقيرة -32 Antequera ذكوان -33 Coin قرطمة -34 Cartama رندة Ronda
وأما المدن المغربية فهى حسب ترتيب المؤلف أيضا:
1-
بادس، 2- سبتة، 3- طنجة، 4- قصر كتامة، 5- أصيلا، 6- سلا، 7- أنفا، 8- أزمور، 9- تيط، 10- رباط أسفى، 11- مراكش، 12- أغمات، 13- مكناسة، 14- فاس، 15- مدينة الملك، 16- آقرسلوين، 17- سجلماسة، 18- تازة، 19- غساسة.
وعلى هذا فقد تناول ابن الخطيب أول ما تناول من مدن الاندلس مدينة «اسطبونة» ، وانتهى بمدينة «رندة» ، وهو فى تناوله هذا للمدن لم يراع ترتيبا جغرافيا ولا تاريخيا، بل ولا أولويا، فقد كانت مدينة غرناطة مثلا فى المرتبة السادسة بعد العشرين من وصفه، رغم أنها حاضرة المملكة، ولها من المبررات ما يجعلها أهلا للمرتبة الاولى من وصفه، ولكن المؤلف حرر نفسه من كل قيد لتقديم مدينة على أخرى، أيا كانت دواعى التفضيل، وكيفما بلغت أهميته.
لقد كان المؤلف يتعرض للمدينة فى وصفه، فيتناولها من معظم ما يتعلق بها، اذ يتحدث عن موقعها الجغرافى ومكانتها التاريخية، وحالة سكانها الاجتماعية، فيعطينا صورة واضحة- الى حد بعيد- عن كل مدينة تناولها قلمه.
ففى وصفه لموقع مدينة «قمارش» مثلا، وما للموقع من أهمية، يقول: انها «مودع الوفر، ومحط السفر، ومزاحم الفرقد والغفر،
حيث الماء المعين، والقوت المعين» . وأما منتجات البلد من محاصيله، فقد أشار الى أن «به الاعناب التى راق بها الجناب، والزياتين واللوز والتين، والحرث الذي له التمكين» . وفى معرض الوصف الاجتماعى يستدرك ابن الخطيب، ذاما أهل البلد حين يقول:«الا أنه عدم سهله، وعظم جهله، فلا يصلح فيه الا أهله» .
أما اذا ارتأى مدينة حقيقة بمدح أحوالها الاجتماعية فهو لا يقصر فى حقها، فمثلا مدينة «المرية» - على حد قوله «محط التجار، وكرم النجار، ورعى الجار. ما شئت من أخلاق معسولة، وسيوف من الجفون السود مسلولة، وتكك محلولة، وحضارة تعبق طيبا، ووجوه لا تعرف تقطيبا» وهى- الى جانب تلك الرفاهية وذلك النعيم، واللذة والسرور المقيم- «لم تزل- مع الظرف- دار نساك، وخلوة اعتكاف وامساك» ، فهو حريص فى الوصف، دقيق فى الاحاطة، شأن الخبير بالاماكن والبقاع.
نأخذ أيضا مثالا لنهج المؤلف فى الاشادة بالاجتماعيات عند الناس، وطريقته فى العرض للحقائق، وتقصيه لها، حين يذكر عن مدينة برشانة أن «أهلها أولو عداوة لاخلاق البداوة، وعلى جوههم نضرة وفى أيديهم نداوة. يداوون بالسلافة علل الجلافة، ويؤثرون علل التخلف على لذة الخلافة، فأصبح ربعهم ظرفا قد ملئ ظرفا، فللمجون به سوق، وللمجون ألف سوق، تشمر به الاذيال عن سوق، وهى تبين بعض بيان عن عن أعيان» ، هذا من جانب، ومن جانب آخر لهذه المثالب، يذكر أن «وغدها (المدينة) يتكلم بملء فيه، وحليمها يشقى بالسفيه، ومحياها تكمن حية الجور فيه» .
هذا، وقد ظفرت بعض المدن الاندلسية بعناية خاصة من قلم ابن الخطيب، كغرناطة ومالقة، ولا عجب فلكل منهما مركزها الادارى والسياسى، فالاولى حاضرة ملك بنى الاحمر، وزهرة المدن الاندلسية،
ولها على ابن الخطيب أياد لا تنسى، فكان عليه أن يوفيها حقها، وأن يعطيها مستحقها، فيحلها- من وصفه- مكانتها اللائقة، ولكن هذا لا يمنعه- كمؤرخ صادق- من أن يبرز لنا بعض عيوبها، سواء فى طقسها الشتوى، وبردها الذي «يمنع الشفاه من رد التحيات» ، أو الاسعار التى «معيارها يشعر بالترهات» ، وجفاف طباع بعض أهلها، الذي يصل الى درجة «سوء الجوار، وجفاء الزوار، ونذالة الديار» ، فهذا المسلك من ابن الخطيب نحو المدن فى وصفها يعطينا فكرة عن صدق قلمه، وتحرره من أى قيد، فغرناطة- وان كانت مقامه بجوار مخدوميه بنى الاحمر، ومحل سلطانه وجاهه- الا أن ذلك كله لا يمنعه من اعطاء كل ذى حق حقه، وأنه فى هذا لا تأخذه لومة لائم.
لنستمع اليه فى شأن العاصمة النصرية، حين يستهل وصف حمرائها:
«كرسيها ظاهر الاشراف، مطل على الاطراف، وديوانها مكتوب بآيات الانفال والاعراف» ، وفى معرض موقع المدينة، يذكر لنا أن «هواءها صاف، وللانفاس مصاف. حجبت- الجنوب عنها- الجبال، فأمن الوبا والوبال، وأصبح ساكنها غير مبال، وفى جنة من النبال، وانفسحت للشمال، واستوفت الشروط على الكمال» ، كما يتحدث مشيدا بنهر شنيل، وفضله على جنات غرناطة ومروجها، فيقول «وانحدر منها (جبل سييرا نيفادا) مجاج الجليد على الرمال، وانبسط- بين يديها- المرج (فحص غرناطة) الذي نضرة النعيم لا تفارقه، ومدارى النسيم تفلى بها مفارقه. ريع من وادية بثعبان مبين، ان لدغ تلول شطه تلها للجبين، وولدت حيات المذانب عن الشمال واليمين، وقلد منها اللبات سلوكا تأتى من الحصباء بكل در ثمين، وترك الارض مخضرة، تغير من خضراء السماء ضرة، والازهار مفترة، والحياة الدنيا بزخرفها مغترة» ، ان هذه الروعة البيانية، ودقة التعابير البلاغية، جعلت الصورة تتجسم أمامنا، حتى لنكاد نلمس منها كل جانب.
ثم يعود المؤلف بنا من مطافه الى الحمراء مرة أخرى، فيكشف لنا عن منشآتها الرائعة، وجناتها الساحرة، وكيف أنها مدرج سلالة بنى نصر، فيقول: «وتبرجت بحمرائها القصور مبتسمة عن بيض الشرفات، سافرة عن صفحات القباب المزخرفات، تقذف بالانهار- من بعد المرتقى- فيوض بحورها الزرق، وتناغى أذكار المآذن بأسمارها نغمات الورق.
وكم أطلعت من أقمار وأهله، وربت من ملوك جلة..»
أما مالقة- عاصمة الحموديين الادراسة- فيتحدث المؤلف- بادئ ذى بدء- عن تاريخها كعاصمة لهؤلاء فيقول: «كرسى ملك عتيق، ومدرج مسك فتيق، وايوان أكاسرة، ومرقب عقاب كاسرة، ومجلى فاتنة حاسرة، وصفقة غير خاسرة» ، ثم يشيد بشهرتها الصناعية فى الفخار والحرير «.. ومذهب فخارها له على الاماكن تبريز، الى مدينة تبريز، وحلل ديباجها بالبدائع ذات تطريز» . وبعد أن يصور محاصيلها وفواكهها، وما اشتهر به قومها من الاسهام بالبر بأوفر نصيب، فى تخليص أسرى المسلمين من أيدى النصارى، ووفرة أعيانها وعلمائها- يتناول بعدئذ مساوئ المدينة، فيقول:«وعلى ذلك، فطينها يشقى به قطينها، وأزبالها تحيى بها سبالها، وسروبها يستمد منها مشروبها، فسحنها متغيرة، وكواكب أذهانها النيرة متحيرة.. وطعاما لا يقبل الاختزان، ولا يحفظ الوزان، وفقيرها لا يفارق الاحزان..» الى آخر هذه المساوئ التى أوردها عن مدينة مالقة.
وهكذا نرى أن موضوع الكتاب فى وصفه للبلاد الاندلسية أو المغربية قد اختط فيه ابن الخطيب موضوعية لا تبارى، وشمولا فى الوصف لمختلف النواحى، التاريخية، والجغرافية، والاجتماعية، والاقتصادية، فى صورة ناطقة نابضة.