المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌توثيق نسبة الكتاب - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن القيم]

الفصل: ‌توثيق نسبة الكتاب

‌توثيق نسبة الكتاب

هذا هو كتاب "مفتاح دار السعادة" للإمام ابن القيم، نسبةٌ لا يخامرها ريب، ولا يزحزحها توهُّم، بل تتناصر حججُها وتتداعى شواهدُها، وهي بمجموعها قاطعةُ الدلالة، شافيةٌ كافيةٌ لذي نُهْية، وهاهي تجتاز بين يديك:

فأولها: ثبوت اسم الكتاب ونسبته إلى الإمام ابن القيم على صفحات عناوين النسخ الأصلية العِتاق المدونة في عصر المصنف، وبعضها مقابلٌ على نسخته التي بخطه، وأجلُّها بخط أحد الأئمة الحفاظ المتحرِّين، وهو إسماعيل بن محمد بن بَرْدِس المتوفى سنة 784، وستأتيك صورها.

وثانيها: إحالة المصنف في تواليفه الكبار المشهورة على كتابنا هذا، وذِكره إياه باسمه، وما أحال إليه من المسائل موجودٌ فيه.

- قال في "الصواعق المرسلة"(1450): "وعلى هذا الأصل تنشأ مسألة التحسين والتقبيح، وقد ذكرناها مستوفاةً في كتاب المفتاح، وذكرنا على صحتها فوق الخمسين دليلًا". وقد استوفى بحث هذه المسألة في كتابنا وحرَّرها تحريرًا بالغًا بما لا يوجد في سائر كتبه.

- وذكر مسألة التحسين والتقبيح في "مدارج السالكين"(1/ 91)، ثم قال:"ولهذا الأصل لوازم وفروعٌ كثيرةٌ فاسدة، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير المسمى مفتاح دار السعادة ومطلب أهل العلم والإرادة، وبينا فساد هذا الأصل من نحو ستين وجهًا، وهو كتابٌ بديعٌ في معناه".

- وذكرها مرةً أخرى في المدارج (3/ 490)، وقال: "وقد ذكرنا هذه المسألة مستوفاةً في كتاب مفتاح دار السعادة، وذكرنا هناك نحوًا من ستين

ص: 6

وجهًا تبطل قول من نفى القبح العقلي

".

- وذكرها في "إغاثة اللهفان"(2/ 135)، وقال:"ومن قال: إن ذلك لا يعلم بالعقل ولا بالفطرة وإنما عرف بمجرد السمع فقوله باطلٌ قد بينا بطلانه في كتاب المفتاح من ستين وجهًا، وبينا هناك دلالة القرآن والسنة والعقول والفطر على فساد هذا القول".

- وذكر في "شفاء العليل"(382) قول الأشاعرة بنفي التحسين والتقبيح العقليين، ثم قال:"ولعمر الله إنه لمن أبطل الأقوال وأشدها منافاة للعقل والشرع ولفطرة الله التي فطر عليها خلقه، وقد بينا بطلانه من أكثر من خمسين وجهًا في كتاب المفتاح". وردُّه عليهم ومناقشته لأدلتهم مبسوطٌ في الكتاب.

- وبحث في "زاد المعاد"(4/ 154) الأحاديث الواردة في العدوى، ثم قال:"وقد أشبعنا الكلام فى هذه المسألة فى كتاب المفتاح بأطولَ من هذا". والكلام في العدوى مشبعٌ في آخر الكتاب.

- وقال في "إغاثة اللهفان"(2/ 125): "وأما المكذبون للرسل المنكرون للصانع فيقولون: هي النجوم، وقد أشبعنا الردَّ على هؤلاء في كتابنا الكبير المسمى بالمفتاح". وهو كما قال، وردُّه على المنجمين مشبعٌ مستفيض في الكتاب.

وثالثها: إحالة ابن القيم فيه على بعض مصنفاته الأخرى.

- فمن ذلك قوله (ص: 1102) في مسألة استيفاء القصاص: "وقد ذكرنا أدلة المسألة من الطرفين، وترجيح القول الراجح بالنص والأثر والمعقول في كتاب تهذيب السنن". والمسألة هناك كما قال.

ص: 7

- وقوله في سبب الإذكار والإيناث (ص: 1259): "وقد أشبعنا الكلام فيها في كتاب الروح والنفس وأحوالها وشقاوتها وسعادتها ومقرها بعد الموت". وهو كتابه الكبير في الروح، غير كتاب "الروح" المطبوع، وانظر تعليقي على هذا في موضعه.

- وقوله في مبحث مشاهد العبد في المعصية (ص: 808): "وقد ذكرنا في الفتوحات القدسية مشاهد الخلق في مواقعة الذنب". وهو من أوائل كتبه، ويحيل عليه في مصنفاته، ويقع في وهمي أنه مجموعٌ كبير ضمَّنه أبحاثًا متفرقة كتبها أيام مقامه بمكة ثم عاد فنثرها في كتبه.

- وقوله عن صنعة الكيمياء (ص: 633): "وقد ذكرنا بطلانها وبينا فسادها من أربعين وجهًا في رسالة مفردة"، وذكرها له تلميذه ابن رجب في ترجمته من "ذيل طبقات الحنابلة"(5/ 176).

- وقوله (ص: 155) عند ذكر الحكمين الداوودي والسليماني: "وقد ذكرت الحكمين الداوودي والسليماني ووجههما، ومن صار من الأئمة إلى هذا ومن صار إلى هذا، وترجيح الحكم السليماني من عدة وجوه وموافقته للقياس وقواعد الشرع في كتاب الاجتهاد والتقليد". وأشار إليه كذلك في "تهذيب السنن"(6/ 341)، فهو على هذا من أوائل مؤلفاته.

- ومن ذلك وعده بتصنيف كتابٍ كبيرٍ في المحبة (ص: 127) بقوله: "ثم نتبعه إن شاء الله بعد الفراغ منه كتابًا في الكلام على المحبة وأقسامها وأحكامها وفوائدها وثمراتها وأسبابها وموانعها وما يقويها وما يضعفها، والاستدلال بسائر طرق الأدلة من النقل والعقل والفطرة والقياس والاعتبار والذوق والوجد على تعلقها بالإله الحق

". وانظر تعليقي على هذا

ص: 8

الموضع هناك.

- ومن هذا تمنيه (ص: 1068) إفراد محاسن الشريعة بكتاب، وكذلك تمنى في "بدائع الفوائد"(670).

ورابعها: ذكره لبعض أحواله التي ذكرها في كتبه الأخرى.

- فمن ذلك: حديثُه عن مجاورته بمكة، وذكر أن هذا الكتاب مما فُتِح به عليه هناك، قال (ص: 126): "إذ كان هذا من بعض النُّزُل والتحف التي فتح الله بها عليَّ حين انقطاعي إليه عند بيته".

وقصَّ (ص: 1522) حادثة ضياع ابنه منه يوم التروية، ثم وجدانه. وحكى (ص: 657) خبر مجلسٍ حضره بمكة، وجرت فيه مسألة التفضيل بين النخل والعنب.

- ومن ذلك: إخباره (ص: 713) عن مرضه أيام مقامه بمكة، واستشفائه بزمزم؛ لعزة الأدوية والأطباء هناك في ذلك العهد، وقد أخبر بذلك في مواطن عدة من كتبه، كما بينته هناك.

وانظر لتلك المجاورة كتاب "ابن قيم الجوزية"(57 - 59) للشيخ بكر أبو زيد.

وخامسها: نقله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية مواقف شاهدها بنفسه.

فمن ذلك: قوله (ص: 712): "وسمعت شيخنا أبا العباس ابن تيمية رحمه الله يقول، وقد عرض له بعض الألم، فقال له الطبيب: أضرُّ ما عليك الكلام في العلم والفكر فيه والتوجه والذكر! فقال: ألستم تزعمون أن

ص: 9

النفس إذا قويت وفرحت أوجب فرحها لها قوةً تعين بها الطبيعة على دفع العارض، فإنه عدوُّها، فإذا قويت عليه قهرته؟! فقال له الطبيب: بلى، فقال: إذا اشتغلت نفسي بالتوجه والذكر والكلام في العلم، وظفرت بما يشكل عليها منه، فرحت به وقويت، فأوجب ذلك دفع العارض. هذا أو نحوه من الكلام"

(1)

.

وذكر (ص: 844) الاستغفار للمسلمين والمسلمات بلفظٍ أورده، ثم قال:"وسمعت شيخنا يذكره، وذكر فيه فضلًا عظيمًا لا أحفظه، وربما كان من جملة أوراده التي لا يخلُّ بها، وسمعته يقول: إنْ جعَله بين السجدتين جاز".

ونقل عنه في مواضع أخرى (ص: 335، 395، 687، 903، 940، 1483).

وسادسها: ذِكر مترجميه للكتاب ضمن سياق تصانيفه.

فأولهم تلميذه ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"(5/ 175) ووصفه بأنه مجلدٌ ضخم، والصفدي في "الوافي"(2/ 271)، وابن حجر في "الدرر الكامنة"(4/ 22)، وغيرهم

(2)

.

وسابعها: نقل العلماء عنه، واستفادتهم منه، وعزوهم إليهم.

وهاك ما وقفتُ عليه من ذلك، مرتَّبين بحسب وفياتهم:

1 -

برهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح (ت: 803) في "مصائب الإنسان من مكايد الشيطان"(38)

(3)

.

(1)

وذكر هذا الموقف كذلك في "روضة المحبين"، كما بينت هناك.

(2)

انظر: "ابن قيم الجوزية" للشيخ بكر أبو زيد (301).

(3)

أفادنيه الشيخ الدكتور سليمان العمير وفقه الله.

ص: 10

2 -

الدَّميري (ت: 808) في "حياة الحيوان"(3/ 36).

3 -

الدَّلجي (ت: 838) في "الفلاكة والمفلوكون"، ونصَّ على النقل وسمى الكتاب في (29)، ونقل دون عزو في (23 - 28).

4 -

الحافظ ابن حجر (ت: 852) في "فتح الباري"(11/ 296).

5 -

الإزنيقي

(1)

(ت: 885) في "مدينة العلوم"

(2)

.

(1)

محمد بن قطب الدين، كان تلميذًا لقاضي زاده المتوفى نحو سنة 840، كما في "أبجد العلوم"(1/ 5، 2/ 6). وترجمته في "شذرات الذهب"(9/ 513)، و"الفوائد البهية"(185).

وإزنيق أو أزنيك، أو يزنيك كما ينطقها الترك، هي: نيقية nicaea، بلدةٌ قديمة من أعمال القسطنطينية، كان بها مجمع النصارى الشهير، تقع على بحيرةٍ تسمَّى باسمها شرقيَّ بحر مرمرة. انظر:"رحلة ابن بطوطة"(2/ 198)، و"معجم البلدان"(1/ 169)، و"بلدان الخلافة الشرقية"(190)، و"الأعلام"(7/ 50) ، ودائرة المعارف الإسلامية (2/ 51).

(2)

انظر: "أبجد العلوم"(2/ 368).

وهذا الكتاب هو أصل "مفتاح السعادة" لطاش كبري زاده، وعلى هذين و"كشف الظنون" بنى صديق حسن خان كتابه "أبجد العلوم". وذكره الكتاني في "التراتيب الإدارية"(2/ 189)، وتحرفت نسبته في مطبوعته، وذكر - على التوهم - أن مصنِّفه كان في المئة العاشرة. وتحرفت نسبته كذلك في مطبوعة كتابه "تاريخ المكتبات الإسلامية"(153) ، فترجم محققاه لرجل غيره.

وله نسخٌ خطية في خدا بخش والخزانة الملكية الحسنية وغيرها، وبعضها تنسبه لطاش كبري زاده. والغريب أن حاجي خليفة لم يذكره في "كشف الظنون"، على قرب الدار وعلاقته بموضوع كتابه، فأخشى أن يكون الكتابان ــ "مفتاح السعادة" و"مدينة العلوم" ــ إصدارتين لكتاب طاش كبري زاده، ويكون اسم الثاني ونسبته للإزنيقي خطأ قديمًا من أحد النساخ اغترَّ به صديق حسن خان.

ص: 11

6 -

الجلال السيوطي (ت: 911) في "زهر الربى "(3/ 141).

7 -

الصالحي الشامي (ت: 942) في "سبل الهدى والرشاد"(9/ 356).

8 -

طاش كبري زاده (ت: 968) في "مفتاح السعادة ومصباح السيادة"(1/ 314، 339). وزعم أن ابن القيم أفرط في الطعن في علم أحكام النجوم.

9 -

الملا علي القاري (ت: 1014) في "الأسرار المرفوعة"(282) ، نقل عن ابن القيم نصًّا من "المفتاح" دون أن يسمي الكتاب.

10 -

حاجي خليفة (ت: 1067) في "كشف الظنون"(1216).

11 -

السفاريني (ت: 1188) في "غذاء الألباب"(1/ 41، 42، 76، 79، 247، 251، 442، 445، 2/ 10، 60، 121، 122، 444، 595)، و"لوامع الأنوار البهية"(1/ 62، 286، 331، 333، 357، 2/ 256)، وغيرها.

12 -

مرتضى الزبيدي (ت: 1205) في "إتحاف السادة المتقين"، وقد أكثر من النقل عن الكتاب، تارةً بالتصريح باسم الكتاب وابن القيم كما في (1/ 129، 204)، وتاراتٍ بالتصريح بابن القيم فحسب كما في (1/ 100، 105، 135، 138،

)، وتاراتٍ أخرى بدون تصريح كما في (1/ 137، 157، 158،

).

13 -

سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ت: 1233) في "تيسير العزيز الحميد"(660).

ص: 12

14 -

أبو الثناء الآلوسي (ت: 1270)، ونقل عنه كثيرًا في "روح المعاني"، تارة بالتصريح كما في (17/ 105، 23/ 223، 30/ 131)، ومن مبحث الرد على المنجمين في مواضع كثيرة بلا تصريح.

15 -

عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (ت: 1293) في "عيون الرسائل والأجوبة على المسائل"(2/ 953).

16 -

صديق حسن خان (ت: 1307) في "أبجد العلوم"(1/ 97).

17 -

نعمان الآلوسي (ت: 1317) في "جلاء العينين"(294).

18 -

جمال الدين القاسمي (ت: 1332) في "محاسن التأويل"(3378، 4217، 6171، 6208، 6250).

19 -

محمود شكري الآلوسي (ت: 1342). في "صب العذاب"(242)، و"بلوغ الأرب"(3/ 308 - 312)، وغيرهما.

ثم كثر النقل واستفاض.

وثامنها: توافق كثير من مباحث الكتاب مع ما بحثه في كتبه الأخرى، واتحاد أسلوبه وقلمه.

فمن المباحث المتفقة: مسألة التحسين والتقبيح، وقد رأيتَ إحالاته في كتبه على بحثها هنا، وتعليل أفعال الله تعالى، وحكمة إخراج آدم من الجنة، والخلاف في الجنة التي أُسْكِنها، ومشاهد العبد في المعصية، وعجائب خلق الإنسان وغيره، والمراد بالنجوم المقسَم بها في القرآن، ومبحث العدوى والطيرة، وتفضيل العسل على السكر، والمفاضلة بين العنب

ص: 13

والتمر، إلى آخر ذلك، وقد وصلتُها بكتب المصنف الأخرى في الحواشي.

ومن ذلك: ما يستشهدُ به من الشعر، فكثيرٌ من الأبيات يكثر إنشادها في مصنفاته، وطائفةٌ منها يشبه أن تكون له.

أما أسلوبه ونظم كلامه، فهو هو المعهودُ المعروفُ منه في عامة كتبه، وقد ألفناه واستأنسنا به في قراءة نصِّ الكتاب.

* * *

ص: 14