المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موضوع الكتاب وتقسيمه - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن القيم]

الفصل: ‌موضوع الكتاب وتقسيمه

‌موضوع الكتاب وتقسيمه

* افتتح المصنف الكتاب بمقدمةٍ عن الحِكَم والأسرار في إخراج أبينا آدم من الجنة وإسكانه دار الامتحان والابتلاء، وهو بحثٌ عالجه في غير موضع من كتبه، ولما كان ذلك لا يتمُّ إلا على القول بأن تلك الجنة هي جنة الخلد التي وُعِد المتقون، ذكر الخلاف في الجنة التي أُسْكِنها آدم، وأطال في سياق حجج الفريقين من غير انتصابٍ لنصرة أحد القولين؛ لأن المقصود حاصلٌ على كل تقدير، كما قال.

* ثم كتب فصولًا في التعليق على العهد الذي عَهِدَه الله إلى آدم وبنيه حين أهبطه بقوله سبحانه: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]، وقوله:{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123 - 126].

* ثم لما كان ذاك العهد لا يوصَلُ إليه أبدًا إلا من باب العلم والإرادة، فالإرادة بابُ الوصول إليه، والعلم مفتاحُ ذلك الباب المتوقف فتحُه عليه، وكمال كلِّ إنسان إنما يتمُّ بهذين الأمرين= وضَعَ الكتابَ مؤسَّسًا على هاتين القاعدتين؛ للتعريف بشرف هذين الأصلين.

وبناءً على هاتين القاعدتين قسَم الكتاب إلى قسمين: القسم الأول: للعلم، والقسم الثاني: للإرادة.

ص: 20

والإرادة مصطلحٌ صوفي يتضمن معنى المحبة الباعثة على العمل، وهي بدء طريق السالكين وأول منازل القاصدين إلى الله تعالى

(1)

، وهي مركبُ العبودية وأساس بنائها الذي لا تقومُ إلا عليه، فأكمل الخلق عبوديةً ومحبةً أتمُّهم إرادة

(2)

، واشتقوا منها اسم:"المريد" للواحد، وأهلها هم أهل الإرادة، واستعماله شائعٌ كثير الوقوع في كتب ابن القيم وشيخه.

ولما كان العلمُ إمام الإرادة ومقدَّمًا عليها ومرشدًا لها قدَّم الكلام عليه على الكلام عنها.

ونبَّه القارئ على هذا التقسيم وذكَّره به في مواضع من الكتاب.

- فقال (ص: 608): "وأحسنُ ما أنفقت فيه الأنفاسُ التفكر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمة به دون شيء من مخلوقاته؛ فلذلك عقدنا هذا الكتاب على هذين الأصلين".

- وقال (ص: 584) في حديثه عن حِكَم المخلوقات: "ونحن نذكر هنا فصولًا منثورةً من هذا الباب مختصرةً وإن تضمنت بعض التكرار وترك الترتيب في هذا المقام الذي هو من أهم فصول الكتاب، بل هو لبُّ هذا القسم الأول".

- وقال (ص: 855): "وقد ذكرنا فصلًا مختصرًا في دلالة خلقه على وحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله وأسمائه الحسنى، وأردنا أن نختم به

(1)

"الرسالة القشيرية"(350، 351)، وقال:"فأما حقيقتها فهي نهوض القلب في طلب الحق سبحانه".

(2)

"طريق الهجرتين"(480).

ص: 21

القسم الأول من الكتاب، ثم رأينا أن نتبعه فصلًا في دلالة دينه وشرعه على وحدانيته وعلمه وحكمته

".

- وذكر (ص: 819) من أوجه حِكَم وقوع العبد في الذنب: "أنه سبحانه يستجلب من عبده بذلك ما هو من أعظم أسباب السعادة له من استعاذته واستعانته به

، ومن أنواع الدعاء والتضرع والابتهال والإنابة والفاقة

، فيحصل للروح بذلك قربٌ خاص لم يكن يحصل بدون هذه الأسباب

"، ثم قال: "وأسرار هذا الوجه يضيقُ عنها القلب واللسان وعسى أن يجيئك في القسم الثاني من الكتاب ما تقرُّ به عينك إن شاء الله تعالى ".

- وذكر (ص: 1085) ظنَّ المتكلمين أن الطاعة تصدر عن خوفٍ غير مقرونٍ بمحبة، بناءً على أصلهم الباطل أن الله لا تتعلق المحبة بذاته وإنما بمخلوقاته مما في الجنة من النعيم، ثم قال: "وسنذكر في القسم الثاني إن شاء الله في هذا الكتاب بطلان هذا المذهب من أكثر من مئة وجه،

وسيرد عليك بسط الكلام في هذا عن قريب إن شاء الله".

- وذكر (ص: 1159) أن كمال العبد بمعرفة أسماء الله وصفاته وما ينبغي له، ومعرفة دينه وأمره، ثم قال:"وهذا هو الذي خلق له، بل وأريد منه، بل ولأجله خلقت السماوات والأرض، واتخذت الجنة والنار، كما سيأتي تقريره من أكثر من مئة وجه إن شاء الله".

- وذكر (ص: 813) خبر فرح الواجد راحلته بعد أن أيس منها، ثم قال:"وليس في أنواع الفرح أكمل ولا أعظم من هذا الفرح، كما سنوضح ذلك ونزيده تقريرًا عن قريب إن شاء الله".

- وقال (ص: 19): "وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذا الحديث وذكر

ص: 22

سرِّ هذا الفرح بتوبة العبد".

- وقال (ص: 1161): "وسنبين إن شاء الله عن قريب بالبراهين الشافية أن النفس ليس لها نجاةٌ ولا سعادةٌ ولا كمالٌ إلا بأن يكون الله وحده محبوبها ومعبودها

".

- وقال (ص: 1164): "وسنذكر إن شاء الله عن قريب معنى تعلق الإرادة به تعالى وكونه مرادًا والعبد مريدٌ له".

- وقال (ص: 1166): "وكل حيٍّ شاعر لا صلاح له إلا بأن يكون الله وحده إلهه ومعبوده وغاية مراده، وسيمرُّ بك إن شاء الله بسطُ القول في ذلك، وإقامة البراهين على هذا المطلوب الأعظم الذي هو غاية سعادة النفوس وأشرف مطالبها".

فهل تمَّ بناء الكتاب على تينك القاعدتين؟ وهل أتى الكلام على القسم الثاني المتعلِّق بالإرادة وما ورد في تلك الإحالات؟

أما القسم الأول، وهو ما يتعلق بالعلم، فإنه افتتح القول فيه بعد المقدمة، فساق أكثر من مئة وخمسين وجهًا في بيان فضله وشرفه، ووجوه ذلك، وآثاره، ودلائله، فأمتع وأطرب، وأتى بكل بديع.

ثم ما زال يستطرد من موضوع إلى موضوع حتى طال عليه الأمر، وصار الكتاب مجلدًا ضخمًا

(1)

، ولمَّا يبدأ بعد في القسم الثاني الذي ذكره في

(1)

قال ابن رجب في سياق ذكر مصنفات ابن القيم: "ومفتاح دار السعادة مجلد ضخم". "ذيل طبقات الحنابلة"(5/ 175). وقال الصفدي في "أعيان العصر"(4/ 369): "مجلد كبير".

ص: 23

المقدمة وأحال عليه في تلك المواضع، فكفَّ قلمه بعد أن أرخى له الطِّوَل، واختار أن يجعل الكتاب خالصًا للقسم الأول، وهو العلم وما يتصلُ به، فختم الكتاب بقوله: "وليكن هذا آخر الكتاب

"!

وكأنه رأى أن يدع موضوع القسم الثاني لكتابٍ آخر قائم برأسه، فعاد إلى مقدمة الكتاب فألحق بها ــ عند موضع ذكر بناء الكتاب على تينك القاعدتين ــ قوله:"ثم نتبعه إن شاء الله بعد الفراغ منه كتابًا في الكلام على المحبة وأقسامها وأحكامها وفوائدها وثمراتها وأسبابها وموانعها وما يقويها وما يضعفها، والاستدلال بسائر طرق الأدلة من النقل والعقل والفطرة والقياس والاعتبار والذوق والوجد على تعلُّقها بالإله الحق الذي لا إله غيره، بل لا ينبغي أن تكون إلا له ومن أجله، والرد على من أنكر ذلك وتبيين فساد قوله عقلًا ونقلًا وفطرةً وقياسًا وذوقًا ووجدًا".

ولعل ذلك الكتاب هو "المورد الصافي والظلُّ الضافي"، أو "قرة عيون المحبين وروضة العارفين"، كما بينتُ في تعليقي هناك.

فانظر الآن كيف وقع له ذاك الاستطراد الطويل الغريب!

* افتتح القسم الأول المتعلق بالعلم وشرفه بذكر الوجوه الدالة على ذلك، وحين انتهى إلى الوجه الثالث والخمسين بعد المئة، وهو ما ثبت عن بعض السَّلف أنه قال:"تفكُّرُ ساعةٍ خيرٌ من عبادة ستِّين سنة"، استطرد إلى الكلام في التفكر ومتعلَّقه ومجاريه، ثم استرسل في فصولٍ كثيرة في بيان عجيب خلق الله وباهر صنعه وتدبيره في خلقه!

فهذا موضوعٌ مستقلٌّ كان الأليقُ إفراده بتصنيفٍ خاص، ولابن القيم به عنايةٌ واحتفالٌ في كتبه، خاصة "شفاء العليل"، و"أيمان القرآن"، فلو جمعت

ص: 24

مادتُه من هذه الكتب الثلاثة وغيرها ورتِّبت لجاءت كتابًا لطيفًا.

ومما يتصل بذلك: الكلام في حكمة الله في أمره ونهيه والمحاسن المودعة في شريعته، وخواصُّ العباد يشهدون ذلك أعظم من شهودهم حكمة الخلق، وقد استطرد ببيان الكثير منها، وتمنى إفرادها بالتصنيف، وقال (ص: 1068): "لعل الله أن يساعد بمصنَّف في ذلك".

* ولم يزل يتكلم في بدائع الخلق حتى وصل إلى الحكمة في ستر الآجال عن العباد، فاستطرد بذكر خلاف الناس في الحكمة وتعليل أفعال الرب تعالى، وما تشهده كلُّ فرقةٍ في المعصية، وكتب فصولًا بديعةً في مشاهد الخلق في مواقعة الذنب.

وهو بابٌ جليل أحسن ابن القيم رحمه الله استفتاحه في كتبه، كما بينتُ في التعليق هناك (ص: 808)، ولو أفرد بالتصنيف لكان أهل ذلك وأحقَّ به.

فهذا هو الموضوع الثاني.

* ثم عاد إلى القول في حكمة الله تعالى، فكتب فصلًا في حكمته سبحانه في ابتلاء عباده وصفوته، ثم فصلًا في الحكمة من دينه وشريعته، واستطرد بالاستدلال والاحتجاج على حاجة الناس للشريعة وموافقتها للفطر والعقول، فساق فصولًا في بعض الحِكَم لمباني الدين وشرائعه، ولما كان ذلك يفتقر لإثبات أن في ذوات تلك الأحكام صفاتٍ وجوديةً أوجبت حُسْن المأمور به وقُبْح المنهيِّ عنه، وإلا لزم منه لوازم باطلة= استطرد في بحث مسألة التحسين والتقبيح العقليين وذيولها، وأفاض فيها بذكر أقوال الفِرَق واستدلال أصحابها ومسالكهم وما أورد على أدلة كل فريق من الاعتراضات، ثم جلس مجلس الحكومة ليقضي بالحق بينهم، فقرر مذهب

ص: 25

أهل السنة في هذا الباب أحسن تقرير.

فهذا الموضوع الثالث من موضوعات الاستطراد، وهو أشملُ موضعٍ بحث فيه ابن القيم مسألة الحسن والقبح العقليين، وما زال يحيل عليه في كتبه كلما ورد ذكر المسألة كما مرَّ بك في فصل نسبة الكتاب.

* ثم لمَّا كان من قول بعض فرق الصابئة المنكري النبوَّات في التحسين والتقبيح العقليين: "إنه لمَّا كانت الموجوداتُ في العالم السفلي مركبةً على تأثير الكواكب والروحانيات التي هي مدبرات الكواكب، وكان في اتصالاتها نظرُ سعدٍ ونحسٍ= وجب أن يكون في آثارها حسنٌ وقبحٌ في الأخلاق والخلق والأفعال، والعقول الإنسانية متساوية في النوع، فوجب أن يدركها كل عقل سليم،

فنحن لا نحتاج إلى من يعرِّفنا حُسْن الأشياء وقبحها وخيرها وشرها ونفعها وضرها"= استطرد ابن القيم بالردِّ والإبطال لعلم أحكام النجوم الذي يدعي تأثير الكواكب وتدبيرها لأحوال العالم، وأطال في ذلك، وأتى على بنيانهم من القواعد

(1)

.

وهذا الموضوع الرابع لا نظير له في كتب ابن القيم رحمه الله، وهو مبحثٌ عظيمُ الفائدة جليل النفع. وحقه أن يستقلَّ بمصنَّفٍ يُعَنْوَن بإبطال التنجيم، على غرار رسالته "إبطال الكيمياء".

* ثم لما تصدى لمناقشة احتجاجات الرازي لعلم أحكام النجوم، وكان منها الاحتجاج ببعض حكايات إصابة المنجمين في أحكامهم، أجاب بأنها

(1)

وقال (ص: 1390): "وهذا هو السبب الذي سُقنا الكلام لأجله معهم لمَّا حكينا قولهم: إنه لمَّا كانت الموجوداتُ في العالم السُّفليِّ

".

ص: 26

ليست بأكثر من الحكايات المنقولة عن أصحاب زجر الطير والعيافة ونحوها من علوم الجاهلية، واستطرد في الكلام عليها وعلى العدوى والشؤم، وما حكي عن العرب فيها من قصصٍ وأشعار، وتفسير ما ورد في الكتاب والسنة بشأنها، ومذاهب الأئمة والسلف في الباب.

وهذا خامس الموضوعات، وهو بحثٌ طريفٌ فيه فقهٌ وتاريخٌ وأدب، وهو كما ترى مستقلٌّ بنفسه.

وبعد أن فرغ منه ابن القيم ختم الكتاب بقوله: "وليكن هذا آخر الكتاب

".

فهذه مواقعُ أقدام ذلك الاستطراد الطويل، وتلك هي موضوعاته، وقد كان الأليقُ بصناعة التأليف إفرادها بتصانيفَ مستقلةٍ خاصة، والإحالة عليها إن كانت ناجزة، كما فعل حين جرى ذكر صنعة "الكيمياء" في سياق حديثه عن حكمة خلق الذهب والفضة وعزَّتهما (ص: 633)، فإنه بيَّن بطلانها بكلام موجز، ثم قال:"وقد ذكرنا بطلانها وبينَّا فسادها من أربعين وجهًا في رسالةٍ مفردة"، ألا تراه لو استطرد فذكر تلك الوجوه كما استطرد في المواضع الأخرى، لزادت الموضوعاتُ الخمسة موضوعًا سادسًا؟!

أو العزم على إفرادها بالتصنيف، كما صنع (ص: 588) حين مرَّ به دليل التمانع في آيتي الأنبياء والمؤمنون، فإنه أشار إليه بإيجاز، ثم قال:"وسنفرد إن شاء الله كتابًا مستقلًّا لأدلة التوحيد".

وكما صنع (ص: 711) حين فاضل بين العسل والسكَّر، ثم قال:"وسنفرد إن شاء الله مقالةً نبين فيها فضل العسل على السكَّر، من طرقٍ عديدةٍ لا تُمْنَع وبراهين كثيرةٍ لا تُدْفَع".

ص: 27

فلو صنع بباقي الموضوعات صنيعه هذا لأمكنه أن يأتي على القسم الثاني، وهو الكلام في إرادة الله ومحبته، دون أن يطغى طول الكتاب فيصرفه عن إكماله، وكان سيتمُّ بذلك مستوفيًا لغرضه، محققًا لعنوانه.

وقد حمل هذا الاستطرادُ المصنفَ على أن يختم كتابه بطريقةٍ غير مألوفةٍ في كتبه، إذ جعلها أشبه بالفهرست لمضامينه، فقال: "وليكن هذا آخرَ الكتاب، وقد جُلِبَت إليك فيه نفائس في مثلها يتنافسُ المتنافسون، وجُلِيَت عليك فيه عرائس إلى مثلهنَّ بادَر الخاطبون.

فإن شئتَ ?قتبستَ منه معرفةَ العلم وفضله، وشدَّة الحاجة إليه، وشرفَه وشرفَ أهله، وعِظَم موقعه في الدارين.

وإن شئتَ ?قتبستَ منه معرفةَ إثبات الصانع بطُرقٍ واضحاتٍ جليَّات تَلِجُ القلوبَ بغير ?ستئذان، ومعرفةَ حكمته في خلقه وأمره.

وإن شئتَ ?قتبستَ منه معرفةَ قَدْر الشريعة، وشدَّةَ الحاجة إليها، ومعرفةَ جلالتها وحكمتها.

وإن شئتَ ?قتبستَ منه معرفة النبوَّة وشدَّةَ الحاجة إليها، بل ضرورة الوجود إليها، وأنه يستحيلُ من أحكم الحاكمين أن يُخْلِيَ العالم عنها.

وإن شئتَ ?قتبستَ منه معرفةَ ما فَطر اللهُ عليه العقولَ من تحسين الحسن وتقبيح القبيح، وأنَّ ذلك أمرٌ عقليٌّ فطري، بالأدلة والبراهين التي ?شتَمل عليها هذا الكتاب ولا توجدُ في غيره.

وإن شئتَ ?قتبستَ منه معرفة الردِّ على المنجِّمين القائلين بالأحكام بأبلغ طرق الردِّ عليهم من نفس صناعتهم وعلمهم، وإلزامهم بالإلزامات المُفْحِمة التي لا جوابَ لهم عنها، وإبداء تناقضهم في صناعتهم،

ص: 28

وفضائحهم وكذبهم على الخلق والأمر.

وإن شئتَ ?قتبستَ منه معرفةَ الطِّيَرة والفأل والزَّجْر، والفرقَ بين صحيح ذلك وباطله، ومعرفةَ مراتب هذه في الشريعة والقَدَر.

وإن شئتَ ?قتبستَ منه أصولًا نافعةً جامعةً مما تَكْمُلُ به النفسُ البشرية وتنالُ بها سعادتَها في معاشها ومعادها.

إلى غير ذلك من الفوائد التي ما كان منها صوابًا فمن الله وحده هو المانُّ به، وما كان منها خطأً فمن مؤلِّفه ومن الشيطان، والله بريءٌ منه ورسوله

".

كما حمل ذلك الحاج خليفة على أن يقول عن الكتاب: "وهو كتابٌ كبير الحجم، وليس بمرتَّب، بل فيه فوائدُ مرسلة يقتَبس من مجموعها: معرفة العلم وفضله، ومعرفة إثبات الصانع، ومعرفة قدر الشريعة، ومعرفة النبوة، وشدة الحاجة إلى هذه المذكورات، ومعرفة الرد على المنجمين، ومعرفة الطيرة والفأل والزجر، ومعرفة أصول نافعة جامعة فيما تكمل به النفس البشرية

إلى غير ذلك من الفوائد"

(1)

.

ولعله لذلك أيضًا وصفه نعمان الآلوسي (ت: 1317) بقوله: "وكتاب مفتاح دار السعادة مجلدٌ ضخمٌ غريب الأسلوب"

(2)

.

* * *

(1)

"كشف الظنون"(1761).

(2)

"جلاء العينين"(294).

ص: 29