المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومن لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به لعذر - مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام - جـ ٢

[عبد الله بن جاسر]

الفصل: ومن لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به لعذر

ومن لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به لعذر منعه عن الصوم فلا شيء عليه وإن كان لغير عذر أطعم عنه كما يطعم عن صوم أيام رمضان؛ لأنه صوم وجب بأصل الشرع أشبه صوم رمضان انتهى. ومن ترك سنة فلا شيء عليه، لكن ينقص به أجر الحج ويثاب على فعله، قال في الفصول وغيره ولم يشرع الدم عنها لأن جبران الصلاة أدخل فيتعدى إلى صلاته من صلاة غيره قلت: معنى كلام صاحب الفضول أنه لا يشرع لمن ترك سنة من سنن الحج أن يجبره بدم بخلاف ما إذا ترك سنة من سنن الصلاة فعنده يشرع أن يجبرها بسجدتي السهو، لأن جبران الصلاة أدخل لكن ذكر في شرح المنتهى أنه يباح السجود لترك سنة من سنن الصلاة وفي الإقناع ولا يشرع السجود لترك سنة ولو قولية وإن سجد فلا بأس انتهى قال في الإقناع وشرحه قال أبو الوفا علي بن عقيل: وتكره تسمية من لم يحج صرورة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صرورة في الإسلام) لأنه اسم جاهلي.

قلت: والصرورة بفتح الصاد المهملة وضم الراء الأولى، ويسمى بذلك من لم يحج عن نفسه، قال ويكره أن يقال حجة الوداع لأنه اسم على أن لا يعود، قال وأن يقال شوط بل طوفه وطوفتان انتهى قال السيوطي في الجامع الصغير: حديث (لا صرورة في الإسلام) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والحاكم انتهى.

--‌

‌ فصل:

يعتبر في أمير الحجيج أن يكون مطاعاً ذا رأي وشجاعة وهداية، وعليه جمع الناس في مسيرهم ونزولهم حتى لا يتفرقوا فيخاف عليهم، وعليه ترتيبهم في السير والنزول، حتى لا يتنازعوا ولا يضلوا عنه، ويرفق بهم في السير، ويسير سير

ص: 176

أضعفهم ما لم يحصل عليهم ما هو أهم منه كخوف عطش أو عدو أو فراغ علف ونحو ذلك، ومحل فراغ العلف إذا كانوا على بهائم، ويسلك بهم أوضح الطرق ويرتاد لهم المياه ويحرسهم إذا نزلوا، ويحوطهم إذا رحلوا حتى لا يتخطفهم متلصص، ويكف عنهم من يصدهم عن المسير بقتال إن قدر عليه أو يبذل مال إن أجاب الحجيج إليه، ولا يحل له أن يجبر أحداً على بذل الخفارة إن امتنع منها لأن بذل المال في الخفارة لا يجب، اللهم إلا أن يخاف عليهم إن لم يبذلوا الخفارة من النهب والسلب أو القتل مع عجزهم عن مدافعة طالب الخفارة فله إذاً إجبار الحجيج على بذلها قال الشيخ تقي الدين: ومن جرد معهم وجمع له من الجند المقطعين ما يعينه على كلفة الطريق أبيح له ولا ينقص أجره وله أجر الحج والجهاد وهذا كأخذ بعض الإقطاع ليصرفه في المصالح وليس في هذا اختلاف ويلزم المقطع بذل ما أمر به انتهى.

وفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف طرح الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل الخفارة التي تؤخذ من الحجاج في زمنه وزمن أمراء مكة السابقين فصارت حسنة من حسناته والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ويصلح أمير الحجاج بين الخصمين ولا يحكم بينهما إلا أن يفوض إليه الحكم فيعتبر كونه من أهل فإن دخلوا بلداً، فلحاكم البلد الحكم بينهما، ولو تنازع واحد من الحجيج وواحد من أهل البلد لم يحكم بينهما إلا حاكم البلد، ويراعي الأمير اتساع الوقت حتى يأمن فوات الحج ولا يلحقهم ضيق في الحث على السير، فإذا وصل الميقات أمهلهم للإحرام ولإقامة سنته، فإن كان الوقت واسعاً دخل بهم مكة وخرج بهم مع أهلها إلى منى ثم عرفات، وإن كان ضيقاً عدل إلى عرفات مخافة من فوات الحج فإذا وصل الحجيج مكة، فمن لم يكن على عزم العود زالت إمارته عنه، ومن كان عزم العود فهو تحت إمارته

ص: 177

وملتزم أحكام طاعته في غير معصية إذا قضى الناس حجهم أمهلهم الأيام التي جرت العادة بها لإنجاز حوائجهم ولا يعجل عليهم في الخروج لئلا يحصل عليهم ضرر بذلك، ويلزمه انتظار حائض تطهر لطواف الزيارة لأنه ركن لا يتم الحج إلا به، بخلاف انتظار النفساء لأن مدة النفاس طويلة وفيه مشقة على الحجيج إذا انتظروا طهرها، هكذا ذكر الأصحاب ومعنى هذا أن هذه النفساء الغريبة المسكينة تبقى بمكة حتى تطهر من نفاسها ثم تطوف ولو كان عليها ضرر في البقاء مطلقاً وقد تقدم في باب دخول مكة كلام شيخ الإسلام وابن القيم في جواز طواف الحائض للضرورة ويقاس عليها النفساء، ثم يعود بهم إلى وطنهم ويكون في عوده ملتزماً فيهم من الحقوق ما كان ملتزماً في ذهابه إلى الحج حتى يصل إلى البلد الذي سار بهم منه فتنقطع إمارته بالعود إليه، وشهر السلاح عند قدوم الحاج الشامي تبوك بدعة محرمة، ومثله ما يفعله الحاج المصري ليلة بدر في المحل المعروف بجبل الزينة من إيقاد الشموع.

قال شيخ الإسلام: وما يذكره الجهال من حصار تبوك كذب فلم يكن بها حصن ولا مقاتلة فإن مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كانت بضعاً وعشرين لم يقاتل فيها إلا في تسع: بدر، وأُحد، والخندق، وبني المصطلق، والغابة، وفتح خيبر، وفتح مكة، وفتح حنين، والطائف. وقال: من اعتقد أن الحج يسقط ما عليه من الصلاة والزكاة فإنه يستتاب بعد تعريفه إن كان جاهلاً، فإن تاب وإلا قتل، ولا يسقط حق الآدمي من مال أو عرض أو دم بالحج إجماعاً.

ص: 178