الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
فصل:
سوق الهدي من الحل مسنون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله فساق في حجته مائة بدنة، وكان يبعث بهديه وهو بالمدينة ولا يجب سوق الهدي لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر به والأصل عدم الوجوب إلا بالنذر لحديث (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ولأنه نذر طاعة فوجب الوفاء به كغيره، ويستحب أن يقف الهدي بعرفة ويجمع فيه بين الحل والحرم، روي استحباب ذلك عن ابن عباس وبه قالت الشافعية وأصحاب الرأي، وكان ابن عمر لا يرى الهدي إلا ما وقف بعرفة.
وقال مالك: أحب للقارن يسوق هديه من حيث يُحرم فإن اشتراه من دون ذلك مما يلي مكة بعد أن يقفه بعرفة جاز انتهى، وقال مالك أيضاً في هدي المجامع: إن لم يكن ساقه فليشتره من مكة ثم ليخرجه إلى الحل وليسقه إلى مكة انتهى.
وحجة الحنابلة أن المراد من الهدي نحره ونفع المساكين بلحمه وهو لا يتوقف على وقوفه بعرفة ولم يرد بما قالوه دليل يوجبه فبقي على أصله.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكل ما ذبح بمنى وقد سيق من الحل إلى الحرم فإنه هدي سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم ويسمى أيضاً أضحية، بخلاف ما يذبح يوم النحر بالحل فإنه أضحية، وليس بهدي وليس بمنى ما هو أضحية وليس بهدي كما في سائر الأمصار فإذا اشترى الهدي من عرفات وساقه إلى منى فهو هدي باتفاق العلماء، وكذلك إن اشتراه من الحرم فذهب به إلى التنعيم، وأما إذا اشترى الهدي من منى وذبحه ففيه نزاع، فمذهب مالك أنه ليس بهدي وهو منقول عن ابن عمر، ومذهب الثلاثة أنه هدي وهو منقول عن عائشة انتهى كلام شيخ الإسلام وقد تقدم أول الباب.
ويسن إشعار البدن والبقر فيشق صفحة سنامها اليمنى أو يشق محله مما لا سنام له من إبل وبقر حتى يسيل الدم،
وظاهر كلام المنتهى والإقناع وغيرهما أنه لا يشعر غير السنام، وقال في الكافي: يجوز إشعار غير السنام وذكره في الفصول عن أحمد، والظاهر أن ماله سنامان من الإبل كالبخاتي يكفي الإشعار في واحد منهما لأن المقصود العلامة وقد حصلت والله أعلم.
ويسن تقليد إبل وبقر وغنم نعلا أو آذان القرب أو العرى بضم العين جمع عروة لحديث عائشة قالت: (فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها) متفق عليه، وعن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ثم دعا ببدنه فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم عنها بيده) رواه مسلم وقال مالك وأبو حنيفة لا يسن تقليد الغنم لأنه لو كان سنة لنقل كما نقل في الإبل، قلت: قد نقل، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تقليد الغنم فقد قال المجد في المنتقى ما نصه: عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مرة إلى البيت غنماً فقلدها) رواه الجماعة، ففي هذا الحديث الصحيح دليل على سنية ذلك، ونعتذر لأبي حنيفة ومالك أن الحديث لم يبلغهما والله أعلم. وقال أبو حنيفة: الإشعار مثله غير جائز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان، ولأنه إيلام فهو كقطع عضو منه. وقال مالك: إن كانت البقرة ذات سنام فلا بأس بإشعارها وإلا فلا. وحجة الحنابلة نصوص السنة الصحيحة الصريحة وفعل الصحابة رضي الله عنهم، فيجب تقديم ذلك على عموم ما احتجوا به ولأنه إيلام لغرض صحيح فجاز كالكي والوسم والحجامة، وفائدة الإشعار أن لا تختلط بغيرها وأن يتوقاها اللص ولا يحصل ذلك بالتقليد بمفرده لأنه يحتمل أن ينحل ويذهب إذا ثبت هذا فالسنة الإشعار في صحفتها اليمنى كما تقدم، وبه قالت الشافعية. وقالت المالكية وأبو يوسف بل يشعرها في صحفتها اليسرى.
وحجتنا حديث ابن عباس وتقدم، ولا يسن إشعار الغنم لأنها ضعيفة ولأن صوفها وشعرها