الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر عهده بالبيت) رواه سعيد، وإن لم يمكنه الرجوع لعذر فهو كالبعيد، ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لم يكن عليه أكثر من دم، ولا فرق بين تركه عمداً أو خطأ لعذر أو غيره لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطؤه والمعذور وغيره كسائر واجباته، فإن رجع البعيد فطاف للوداع، فقال القاضي: لا يسقط عنه الدم لأنه قد استقر عليه الدم ببلوغه مسافة القصر فلم يسقط برجوعه كمن تجاوز الميقات غير محرم فأحرم دونه ثم رجع إليه، وإن رجع القريب فطاف فلا دم عليه سواء كان ممن له عذر يسقط عنه الرجوع أو لا لأن الدم لم يستقر عليه لكونه في حكم الحاضر، ويحتمل سقوط الدم عن البعيد برجوعه لأنه واجب أتى به فلم يجب عليه بدله كالقريب.
--
فصل:
إذا رجع البعيد فينبغي أن لا يجوز له تجاوز الميقات إن كان جاوزه إلا محرماً لأنه ليس من أهل الأعذار فيلزمه طواف لإحرامه بالعمرة والسعي وطواف لوداعه، وفي سقوط الدم عنه ما ذكرنا من الخلاف، وإن كان دون الميقات أحرم من موضعه. فأما إن رجع القريب فظاهر قول من ذكرنا قوله أنه لا يلزمه إحرام لأنه رجع لإتمام نسك مأمور به فأشبه من رجع لطواف الزيارة: فإن ودع وخرج ثم دخل مكة لحاجة، فقال أحمد أحب إليّ أن لا يدخل إلى محرما، وأحب إلى إذا خرج أن يودع البيت بالطواف، وهذا لأنه لم يدخل لإتمام النسك إنما دخل لحاجة غير متكررة فأشبه من يدخلها للإقامة بها انتهى كلام صاحب المغني ومثله في الشرح الكبير، وإن أخر طواف الزيارة ونصه أو القدون فطافه عند الخروج كفاه ذلك الطواف عن طواف الوداع،
قال الشيخ مرعي في الغاية ويتجه من تعليلهم ولو لم ينو طواف الوداع حال شروعه في طواف الزيارة أو القدوم انتهى، لأن المأمور به أن يكون آخر عهده بالبيت وقد فعل، ولأنهما عبادتان من جنس فأجزأت إحداهما عن الأخرى، ولأن ما شرع مثل تحية المسجد يجزئ عنه الواجب من جنسه كإجزاء المكتوبة عن تحية المسجد وكإجزاء المكتوبة أيضاً عن ركعتي الطواف وعن ركعتي الإحرام وكغسل الجنابة عن غسل الجمعة، فإن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة ولو كان ناسياً لطواف الزيارة، لأنه لم ينوه، وفي الحديث (وإنما لكل امرئ ما نوى) .
فإن قيل كيف يتصور إجزاء طواف القدوم عن طواف الوداع، وقد قال الأصحاب ثم يفيض إلى مكة فيطوف مفرد وقارن لم يدخلاها قبلُ للقدوم برمَل ثم للزيارة؟ قلنا: يتصور فيما إذا لم يكن دخل مكة لضيق وقت الوقوف بعرفة مثلاً وقصد عرفات فلما رجع منها طاف للزيارة أولا ثم طاف للقدوم إما نسيانا أو غيره فطواف القدوم هذا وإن كان متأخراً عن طواف الزيارة يكفيه عن طواف الوداع، وهذا على القول بسنية طواف القدوم بعد الرجوع من عرفة للمتمتع وللمفرد والقارن اللذين لم يدخلوا مكة قبل وقوفهم بعرفة وهو نص الإمام أحمد اختاره الخرقي، أما على اختيار الموفق والشارح وشيخ الإسلام وابن القيم وابن رجب فلا يسن طواف القدوم بعد الرجوع من عرفة وهو الذي تدل عليه السنة كما تقدم في فصل: ثم يفيض إلى مكة، ويكتفي بطواف الزيارة الذي هو ركن في الحج والله أعلم، ولا وداع على حائض ونفساء لحديث ابن عباس وفيه (إلا أنه خفف عن الحائض) وتقدم، والنفساء في معناها لأن حكمه حكم الحيض فيما يمنعه وغيره، ولا فدية على الحائض والنفساء لظاهر حديث صفية
المتقدم فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بفدية إلا أن تطهر الحائض والنفساء قبل مفارقة بنيان مكة فيلزمهما العود ويغتسلان للحيض والنفاس لأنهما في حكم المقيم بدليل أنهما لا يستبيحان الرخص قبل مفارقة البنيان ثم يودّعان، فإن لم تعودا للوداع مع طهرهما قبل مفارقة البنيان ولو لعذر فعليهما دم لتركهما نسكاً واجباً، فأما إن فارقت الحائض والنفساء البنياء قبل طهرهما لم يجب عليهما الرجوع لخروجهما عن حكم الحاضر. فإن قيل فلم لا يجب الرجوع عليهما مع القرب كما يجب على الخارج لغير عذر؟ قلنا: هناك ترك واجباً فلم يسقط بخروجه مع القرب كما تقدم تفصيله وهاهنا لم يكون واجباً عليهما ولا يثبت وجوبه ابتداء إلا في حق من كان مقيما وهما حين الإقامة لا يجب عليهما لحصول الحيض والنفاس والله أعلم.
وأما المعذور غير الحائض والنفساء كالمريض ونحوه فعليه دم إذا ترك طواف الوداع لأن الواجب لا يسقط جبرانه بالعذر وتقدم.
فائدة: لا يصح أن يستنيب في طواف الوداع إذا كان حجه فرضاً بل يطاف به راكباً على نحو كرسي أو محمولاً، فإن لم يفعل فعليه دم، أما إن كان حجه نفلاً فله الاستنابة فيه ولو كان لغير عذر كطواف الإفاضة وأولى، والله أعلم، وتقدم ذلك في فصل الاستنابة في الحج والعمرة.
تنبيه: الدم الذي يجب على من ترك طواف الوداع كدم التمتع فإذا لم يجد صام عشرة أيام والله أعلم، فإذا فرغ من الوداع واستلم الحجر وقبّله وقف في الملتزم وهو ما بين الركن الذي به الحجر الأسود وباب الكعبة وقدره أربعة أذرع تقريباً فيلتزم الملتزم ملصقاً به صدره ووجهه وبطنه ويبسط يديه عليه ويجعل يمينه نحو الباب ويساره نحو الحجر الأسود، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه قال: (طفت مع عبد الله بن عمرو بن العاص فلما جاء دبر الكعبة قلت ألا تتعوذ؟
قال نعوذ بالله من النار، ثم استلم الحجر فقام بين الركن والباب فوضع صدره وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطاً وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود، ووالد شعيب هو محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فعبد الله بن عمرو رضي الله عنه هو جد شعيب المذكور وتقدم. ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وإن أحب أن يأتي الملتزم وهو ما بين الحجر الأسود والباب فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله حاجته فعل ذلك، وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع فإن هذا الالتزام لا فرق بين أن يكون حال الوداع أو غيره والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة، وإن شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس:(اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى وإلا فمن الآن فارض عني قبل أن تنأى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فأصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير) . انتهى من منسك شيخ الإسلام رحمه الله، وهذا الدعاء هو نص ما ذكره الأصحاب في كتبهم عند الالتزام. قوله قبل أن تنآى: أي تبعد قوله فمنَّ الآن، الوجه ضم الميم وتشديد النون على أنه صيغة أمر من مَنَّ يمن مقصود به الدعاء كما ذكره العلامة ابن أبي الفتح الحنبلي في كتابه (المطلع على ألفاظ المقنع) وذكر أنه قرأه كذلك على شيخه الذي قرأه كذلك أيضاً على العلامة أبي محمد موفق الدين بن قدامة مصنف المقنع، قال في المصباح: قوله
وإلا فمن الآن: أي وإن كنت ما رضيت فامنن الآن برضاك انتهى، ويجوز كسر الميم وفتح النون على أنها حرف جر لابتداء الغاية، والآن: الوقت الحاضر مبني على الفتح. قوله فاصحبني العافية، وقوله وأحسن منقلبي بقطع الهمزة فيهما. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسنا انتهى.
قال في جمع الجوامع ليوسف بن عبد الهادي الحنبلي: قال صاحب كتاب الأعلام: لو لم يقف في الملتزم بل وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام البيت كان حسناً، وقد أخبرنا جماعة من شيوخنا أخبرنا ابن المحب أنبأنا والدي أنبأنا ابن خولان أنبأنا ضياء الدين قال: سمعت أبا محمد عبد الغني الغزنوي يقول: سمعت أبا الحسن الدينوري يقول: سمعت أبا القاسم السهمي يقول: سمعت أبا القاسم عبيد الله بن محمد البزار يقول: سمعت محمد بن الحسن سمعت أبا بكر محمد بن إدريس (هو من أهل مكة وليس بمحمد بن إدريس الشافعي رحمه الله فإن كنيته أبو عبد الله لا أبو بكر) يقول سمعت عبد الله بن الزبير الحميدي (هو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله القرشي الأسدي المكي صاحب الشافعي ورفيقه في رحلته إلى مصر وهو شيخ البخاري وهو لأهل الحجاز كأحمد بن حنبل لأهل العراق) . يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت عمرو بن دينار يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء وما دعا الله تعالى فيه أحد دعوة إلا استجابها أو نحو هذا) قال ابن عباس: فوالله ما دعوت الله فيه قط إلا أجابني، قال عمرو بن دينار: وأنا والله ما أهمني أمر فدعوت الله فيه إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من ابن عباس، قال سفيان بن عيينة: وأنا والله ما دعوت الله فيه قط بشيء إلا استجاب لي منذ سمعت
هذا الحديث من عمرو بن دينار، قال الحميدي: وأنا والله ما دعوت الله فيه قط بشيء إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من سفيان بن عيينة، قال محمد بن إدريس المكي الراوي عن الحميدي: وأنا والله ما دعوت الله بشيء فيه إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من الحميدي.
قال محمد بن الحسن بن راشد الأنصاري: وأنا والله ما دعوت الله عز وجل بشيء فيه إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من محمد بن إدريس، قال أبو القاسم عبيد الله البزار: وأنا دعوت الله فيه فاستجاب لي. وقال أبو القاسم السهمي: قال لنا عبيد الله بن محمد: دعوت الله عز وجل فيه مراراً فاستجاب لي، قال أبو الفتح: وأنا دعوت الله فيه فاستجاب لي، قال الحافظ عبد الغني: وأنا دعوت الله فيه فاستجاب لي، قال الحافظ ضياء الدين: وأنا دعوت الله فيه فاستجاب لي انتهى. قال محب الدين الطبري: هذا حديث حسن غريب من حديث عمرو بن دينار المكي عن ابن عباس انتهى. وقد أخرج هذا الحديث القاضي عياض في الشفاء مسلسلاً، وقد روى من حديث أبي الزبير المكي عن ابن عباس موقوفاً ورواية أبي الزبير أخرجها سعيد بن منصور والبيهقي في سننهما وهو شاهد قوي، وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من وجه آخر عن محمد بن الحسن بن راشد الأنصاري تلميذ محمد بن إدريس مسلسلاً، وتقدم في فصل: ويحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة الكلام على الالتزام فليراجع، قال أبو داود في سننه: (حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة أنبأنا يحيى بن سعيد أنبأنا السائب بن عمر المخزومي قال: حدثني محمد بن عبد الله بن السائب عن أبيه أنه كان يقود ابن عباس فيقيمه عند الشقة الثالثة مما يلي الركن الذي يلي الحِجر مما يلي الباب، فيقول له ابن عباس: أنبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصل هاهنا؟
فيقول نعم فيقوم فيصلي) انتهى، وفي إسناده محمد بن عبد الله بن السائب روى عن أبيه وهو شبه مجهول قاله المنذري قال الحافظ في التقريب محمد بن عبد الله بن السائب المخزومي مجهول انتهى. قوله كان يقود ابن عباس: أي بعد ما كف بصره في آخر عمره. قوله أنبئت بصيغة الخطاب بحذف همزة الاستفهام، وفي رواية النسائي فقال ابن عباس أما أنبئت.
قوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي هاهنا فيقول: أي عبد الله بن السائب نعم: أي نعم كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا فيقوم، أي ابن عباس فيصلي. قلت: ظاهر الحديث أن الشقة الثالثة قريبة من الركن الشامي مما يلي الحجر بكسر الحاء، وفي تاريخ مكة للطبري وابن ظهيرة ما يؤيد هذا خلافاً لما في بذل المجهود شرح سنن أبي داود حيث جعل الشقة الثالثة هي الملتزم، وإن أحب دعا في الملتزم بغير ما تقدم ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج ولاها ظهره ولا يلتفت، قال الإمام أحمد، فإذا ولَّى لا يقف ولا يلتفت، فإن التفت أعاد الوداع نص عليه يعني استحباباً قال في المغني والشرح، إذ لا نعلم لإيجاب ذلك عليه دليلاً انتهى، وقد قال مجاهد: إذا كدت تخرج من المسجد فالتفت ثم انظر إلى الكعبة فقل: اللهم لا تجعله آخر العهد انتهى، قال أبو عبد الله أكره ذلك، قال شيخ الإسلام: فإذا ولَّى لا يقف ولا يلتفت ولا يمشي القهقرى، قال الثعالبي في فقه اللغة: القهقرى مشية الراجع إلى خلف، حتى قد قيل إنه إذا رأى البيت رجع فودع انتهى كلام شيخ الإسلام. والحائض والنفساء تقفان عند باب المسجد الحرام وتدعوان بذلك الدعاء استحباباً لتعذر دخوله عليهما.
فائدة: إذا ودع وأراد الخروج من المسجد الحرام فمن أي أبوابه يخرج؟ ذهب بعض الشافعية إلى أنه يخرج من باب الحزورة وأنه يندب ذلك لكل
مسافر من مكة ولو لغير بلده لحديث علد الله بن عدي بن الحمراء (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته واقفاً بالحزورة يعني في حال خروجه من مكة يقول لمكة: والله إنك لخير أرض الله) . الحديث. قلت: ولا حجة في هذا الحديث لما ذهب إليه البعض لأن الباب المذكور هو المسامت لطريق أهل المدينة المنورة والنبي صلى الله عليه وسلم خرج من باب الحزورة لأنه هو المسامت لطريقه، أما من كان طريقه شرقاً ونحوه فالظاهر أنه مخير والأمر في هذا واسع، وتقدم البحث في موضع الحزورة في فصل: ومكة أفضل من المدينة فليعاود.
قال ابن القيم: وأما المسألة الثالثة وهي موضع صلاته صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح صبيحة ليلة الوداع، ففي الصحيحين عن أم سلمة قالت:(شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي؟ فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، قالت: فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور، فهذا يحتمل أن يكون في الفجر وفي غيرها وأن يكون في طواف الوداع وغيره فنظرنا في ذلك فإذا البخاري قد روى في صحيحه في هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ففعلته ولم تصلّ حتى خرجت) وهذا محال قطعاً أن يكون يوم النحر فهو طواف الوداع بلا ريب، فظهر أنه صلى الصبح يومئذ عند البيت وسمعته أم سلمة يقرأ فيها بالطور انتهى كلام ابن القيم.
تنبيه: قد ذكر بعض من ألف في المناسك أنه ينبغي التبرك بالأماكن الآتية وهذا لا أصل له في الشرع بل هو من البدع والضلال المبين، فمن ذلك
قوله ينبغي التبرك بمولده صلى الله عليه وسلم بسوق الليل ومولد علي رضي الله عنه بقربه وبيت خديجة رضي الله عنها بزقاق الحجر المشهور الآن بمولد السيدة فاطمة رضي الله عنها، وقد اشتراه معاوية وفتح به بابا من دار أبيه أبي سفيان الذي في ظهره المسمى بالقبان وهو الآن مستشفى للغرباء وبابه بأثناء سوق المدعى، فالتبرك بذلك أو شيء منه من البدع المنكرة والأمور المحرمة وكغار حراء وهو المسمى الآن بجبل النور وكالغار الذي في جبل ثور بأسفل مكة المذكور في القرآن صعب المرقى وله بابان ضيق وواسع وكمسجد على جبل أبي قبيس يقال له مسجد إبراهيم وكدار الأرقم التي عند الصفا المعروفة الآن بدار الخيزران جارية المهدي العباسي: أم الخليفتين موسى الهادي وهارون الرشيد وكرباط عثمان رضي الله عنه، وهو رباط معروف يسكنه المغاربة بالسوق الصغير وفيه بئر مالحة وشجرة نبق قطعت ولله الحمد سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف لأنها تشبه ذات أنواط المذكورة في الحديث واشتهر عند أهل الابتداع أن المحموم إذا تبخر بشيء من قشرها واغتسل من بئرها وقت خطبة الجمعة يشفى وهذا كله من المنكرات ولا أصل في الشرع لزيارة جميع ذلك ولا للتبرك به، وكدار أبي بكر الصديق رضي الله عنه التي بزعمهم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم منها وموضعها بحارة المسفلة وبالقرب منها على ما زعموا مولد حمزة رضي الله عنه وهو زاوية بجوار بازان المسفلة مجرى عين مكة لبركة ماجن، وكمولد عمر رضي الله عنه وهو بزعمهم غار لطيف عليه بناء قد تهدم غالبه في الجبل المسمى بجبل عمر، ومنها مسجد في شعب جياد يسمى مسجد المتكأ بزعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ فيه، ومنها مسجد صغير مقابل للقبان بسوق المدعى، ومنها مسجد آخر بعلو سوق المدعى على يسار الصاعد إلى
المعلى مقابل لزقاق بنان، ومنها مسجد
على يسار الصاعد إلى المعلى أيضاً مقابل لزقاق المجزرة جعل سابقاً مكتباً للصبيان والآن عمرته مديرية الأوقاف وجعلت أعلاه مسجداً وأسفله دكاكين ومنها مسجد آخر على يمين الصاعد إلى المعلى على رأس زقاق حوش غراب المقابل للخرازين محوط عليه بأحجار كبار وليس مسقفاً يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه وهذا لا أصل له، ومنها مسجد الراية وهو بأعلى مكة على يمين الصاعد إلى المعلى بزعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ركز رايته يوم فتح مكة عنده وهو أمام الحلقة، ومنها مسجد الجن بزعمهم إنهم استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وهو به ومنها مسجد الشجرة مقابل مسجد الجن بزعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا شجرة في ذلك المسجد فأقبلت تخط الأرض حتى وقفت بين يديه ثم أمرها فرجعت ومنها مسجد بأعلى مكة عند سوق الغنم بزعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الناس عنده يوم فتح مكة ومنها مسجد الإجابة وهو مسجد بالمحصب المسمى بالأبطح في المعابدة على يسار الصاعد إلى منى بزعمهم أنه منزل النبي صلى الله عليه وسلم حين نفر من منى ونزل بالمحصب، فهذه البقاع والمساجد والجبال لا تشرع زيارتها ولا التبرك بها وليس لها من الخصوصية ما ليس لغيرها من المساجد والبقاع، وقد ذكرتها هنا للاحتراز عما يزعمه الجهلة فيها وليعلم أن من ألف في فضلها وفضل زيارتها والدعاء فيها وعندها لا أصل معه شرعاً بل الاعتقاد فيها بما ذكر من البدع، فيجب على من أراد نجاة نفسه التنبه لذلك وتنبيه من يأتي بالحجاج الغرباء على تلك الأماكن وتعليمهم أن زيارتها غير مشروعة، والله أعلم.
فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام كالمسجد الذي تحت الصفا وما في سفح