الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قد حل له كل شيء إلا النساء.
قال القاضي وابنه وابن الزاغوني والشيخ (يعني الموفق) وجماعة والعقد، وظاهر كلام أبي الخطاب وابن شهاب وابن الجوزي حله وقاله شيخنا (يعني شيخ الإسلام) وذكره عن أحمد، قال في التصحيح القول الأول وهو المنع أيضاً من عقد النكاح اختاره من ذكره المصنف واختاره ابن نصر الله في حواشيه وابن منجا في شرحه وجزم به في الرعاية الكبرى. والقول الثاني ظاهر كلام أكثر الأصحاب وهو الصواب انتهى، ومشى في الإقناع وشرح المنتهى وغيرهما من كتب متأخري الأصحاب على المنع من عقد النكاح بعد التحلل الأول وقبل الثاني إلحاقاً بالوطء والمباشرة والقبلة واللمس بشهوة والله أعلم.
--
فصل:
ويحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة: رمي لجمرة العقبة، وحلق أو تقصير، وطواف إفاضة؛ لحديث سعيد عن عائشة السابق وقيس الطواف على الحلق والرمي، فلو حلق وطاف ثم واقع أهله قبل الرمي فحجه صحيح وعليه دم لوطئه، فلو ترك الرمي بأن ذهب إلى أهله ولم يرم فعليه دم أيضاً لتركه الرمي، ويحصل التحلل الثاني بالثالث من الحلق والرمي والطواف مع السعي، إن كان متمتعاً ولو سعى مع عمرته أو كان مفرداً أو قارناً ولم يسع مع طواف القدوم، فعلى هذا يحصل التحلل الثاني باثنين من أربعة، فإن كان المفرد أو القارن سعى مع طواف القدوم لمن تسن له إعادة السعي كسائر الأنساك لأنه لا يشرع تكراره كما سبق، ولو طاف ولم يكن سعى لم يحل حتى يسع في الأصح، قال في المغني والشرح والحلق أو التقصير نسك في الحج والعمرة في ظاهر مذهب أحمد وهو قول
مالك وأبي حنيفة والشافعي: وعن أحمد أنه ليس بنسك وإنما هو إطلاق من محظور كان محرماً عليه بالإحرام فأطلق فيه عند الحل كاللباس وقتل الصيد والطيب وسائر محظورات الإحرام، فعلى هذه الرواية لا شيء على تاركه ويحصل الحل بدونه، ووجهها (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحل من العمرة قبله) فروى أبو موسى، قال:(قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي بِمَ أهللت؟ قلت لبيك بإهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أحسنت فأمرني فطفت بالبيت وبين الصفا والمروة ثم قال لي أحل) . متفق عليه. وعن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سعى بين الصفا والمروة قال: من كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة) . رواه مسلم. ولأن ما كان محرماً في الإحرام إذا أبيح كان إطلاقا من محظور كسائر محرماته، والرواية الأولى أصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة وليقصر وليحل) .
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحلوا إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا) وأمره يقتضي الوجوب ولأن الله تعالى وصفهم به بقوله سبحانه: (محلقين رءوسكم ومقصرين) ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به كاللبس وقتل الصيد ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ترحم على المحلقين ثلاثاً وعلى المقصرين مرة ولو لم يكن من المناسك لما دخله التفضيل كالمباحات، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوه في جميع حجهم وعمرهم ولم يخلوا به ولو لم يكن نسكاً لما داوموا عليه بل لم يفعلوه لأنه لم يكن من عادتهم فيفعلوه عادة ولا فيه فضل فيفعلوه لفضله. وأما أمره بالحل فإنما معناه والله أعلم الحل بفعله، لأن ذلك كان مشهوراً عندهم فاستغنى عن ذكره، ولا يمتنع الحل من العبادة بما كان
محرماً فيها كالسلام من الصلاة انتهى. واختار ابن القيم رحمه الله أن الحلق نسك وليس بإطلاق من محظور، وهو الذي مشى عليه في المنتهى والإقناع وغيرهما من كتب الأصحاب وهو المذهب، فعليه إذا ترك الحلق والتقصير معاً وجب عليه دم، وعلم من كونهما نسكاً أنه لا بد من نيتهما كنية الطواف نبه عليه الشيخ منصور في كل من شرح المنتهى والحاشية، وإن أخر الحلق والتقصير عن أيام منى فلا دم عليه لأنه لا حدَّ لآخرهما كما أنه لا حدَّ لطواف الإفاضة لقوله تعالى:(ولا تحلقوا رءوسكم حتى تبلغ الهدي محله) فبين أول وقته دون آخره فمتى أتى به أجزأه، وبهذا قال عطاء وأبو يوسف وأبو ثور.
وعن أحمد عليه دم بتأخيره الحلق والتقصير عن أيام منى، وهو مذهب الحنفية لأنه نسك أخره عن محله، ومن ترك نسكاً فعليه دم، ولا فرق في التأخير بين القليل والكثير والعامد والساهي، وقال مالك الثوري وإسحق وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن: من تركه حتى حل فعليه دم لأنه نسك فوجب أن يأتي به قبل الحل كسائر مناسكه، قال في الشرح الكبير: وهل يحل قبله؟ فيه روايتان: إحداهما أن التحلل إنما يحصل بالحلق والرمي معاً وهو ظاهر كلام الخرقي وقول الشافعي وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) وترتيب الحل عليهما دليل على حصوله بهما ولأنهما نسكان يتعقبها الحل فكان حاصلاً بهما كالطواف والسعي في العمر. والثانية يحصل التحلل بالرمي وحده وهذا قول عطاء ومالك وأبي ثور، قال شيخنا (يعني عمه الموفق) وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله في حديث أم سلمة (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) وكذلك قال ابن عباس: قال بعض أصحابنا هذا ينبني على الخلاف في الحلق إن قلنا هو نسك حصل الحل به، وإلا حصل بالرمي وحده وهو الذي ذكره شيخنا
في كتابه المشروح انتهى كلام الشارح، ومراده بالكتاب المشروح المقنع لأن الشرح الكبير شرح له: وعبارة المغني قال: ظاهر كلام الخرقي هاهنا أن الحل إنما يحصل بالرمي والحلق معاً وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) وترتيب الحل عليهما دليل على حصوله بهما ولأنهما نسكان يتعقبهما الحل فكان حاصلاً بهما كالطواف والسعي في العمرة.
وعن أحمد إذا رمى الجمرة فقد حل وإذا وطيء بعد جمرة العقبة فعليه دم ولم يذكر الحلق، وهذا يدل على أن الحل بدون الحلق وهذا قول عطاء ومالك وأبي ثور وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله في حديث أم سلمة:(إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) وكذلك قال ابن عباس: قال بعض أصحابنا هذا ينبني على الخلاف في الحلق هل هو نسك أو لا؟ فإن قلنا نسك حصل الحل به، وإلا فلا انتهى. قلت: تقدم أن التحلل الأول يحصل باثنين من ثلاثة: رمي، وحلق أو تقصير، وطواف إفاضة، وأن الحلق والتقصير نسك وهذا هو الصحيح من المذهب وعليه عمل المسلمين قديماً وحديثاً.
وإن قدم الحلق على الرمي أو على النحر أو طاف للزيارة قبل رميه أو نحر قبل رميه جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، وكذا لو كان عالماً لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال: يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي؟ فقال ارم ولا حرج، وأتاه آخر: فقال إني ذبحت قبل أن أرمي؟ فقال ارم ولا حرج، وأتاه آخر فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي؟ قال ارم
ولا حرج، قال فما رأيته سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعلوا ولا حرج) . متفق عليه. وعنه قال:(وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر؟ فقال اذبح ولا حرج، ثم جاء رجل آخر، فقال: يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال: ارم ولا حرج، قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدّم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج) . رواه مسلم. وعن عليّ قال: (جاء رجل فقال: يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر؟ قال: انحر ولا حرج، ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق؟ قال: احلق أو قصر ولا حرج) . رواه أحمد، وقوله صلى الله عليه وسلم: ولا حرج، يدل على أنه لا إثم ولا دم فيه، قال في الإقناع وشرحه: لكن يكره ذلك للعالم خروجاً من الخلاف، قال في الغاية، لكن السنة تقديم رمي فنحر فطواف انتهى.
قال في المغني والشرح وروى ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى قال رجل رميت بعد ما أمسيت قال لا حرج رواه البخاري فإن أخرها إلى الليل لم يرمها حتى تزول الشمس من الغد، وبه قال أبو حنيفة وإسحق، وقال الشافعي ومحمد وأبو يوسف وابن المنذر يرمي ليلاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم ارم ولا حرج، ولنا أن ابن عمر رضي الله عنهما قال من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ارم ولا حرج إنما كان في النهار لأنه سأله في يوم النحر ولا يكون اليوم إلا قبل مغيب الشمس.
وقال مالك يرمي ليلاً وعليه دم ومرة قال لا دم عليه انتهى. وعند المالكية: إن قدم الحلق على الرمي فعليه دم، وإن قدمه على النحر أو النحر على الرمي فلا شيء عليه لأنه بالإجماع ممنوع من حلق شعره قبل التحلل الأول ولا يحصل إلا برمي الجمرة،
فأما النحر قبل الرمي فجائز لأن الهدي قد بلغ محله، وعندهم أيضاً لا تجزئه الإفاضة قبل الرمي، وعند الحنفية إن قدم الحلق على الرمي أو على النحر فعليه دم، فإن كان قارناً فعليه دمان. ومذهب الحنابلة هو ما تقدم للأحاديث الصحيحة الواردة في رفع الحرج عمن قدم أو أخر شيئاً قبل شيء.
قال ابن القيم رحمه الله بعد كلام له سبق: وهناك سئل صلى الله عليه وسلم عمن حلق قبل أن يرمي، وعمن ذبح قبل أن يرمي، فقال: لا حرج إلى أن قال: وقال أسامة بن شريك (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً وكان الناس يأتونه، فمن قائل: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئاً وقدمت، فكان يقول لا حرج لا حرج إلا على رجل اعترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك) . وقوله سعيت قبل أن أطوف في هذا الحديث ليس بمحفوظ والمحفوظ تقديم الرمي والنحر والحلق بعضها على بعض انتهى كلامه رحمه الله تعالى. والسنة أن يرمي جمرة العقبة ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف طواف الإفاضة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها كذلك، فإن أخل بترتيبها فلا شيء عليه وتقدم قريباً، ثم يخطب الإمام أو نائبه يوم النحر بكرة النهار بمنى خطبة مفتتحة بالتكبير يعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي للجمرات كلها أيام منى لحديث أبي بكرة قال (خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى. قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليست بالبلدة؟ قلنا: بلى، قال: فإن
دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مُبلَّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه أحمد والبخاري، وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر يعني بمنى، وفيه: ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت) . رواه البخاري.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وخطب صلى الله عليه وسلم الناس يعني بمنى خطبة بليغة أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر وتحريمه وفضله عند الله وحرمة مكة على جميع البلاد، وأمر بالسمع والطاعة لمن قادهم بكتاب الله، وأمر الناس بأخذ مناسكهم عنه، وقال لعلي لا أحج بعد عامي هذا، وعلمهم مناسكهم وأنزل المهاجرين والأنصار منازلهم، وأمر الناس أن لا يرجعوا بعده كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض، وأمر بالتبليغ عنه، وأخبر أنه رب مبلغ أوعى من سامع وقال في خطبته:(لا يجني جان إلا على نفسه) وأنزل المهاجرين عن يمين القبلة والأنصار عن يسارها والناس حولهم وفتح الله له أسماع الناس حتى سمعها أهل منى في منازلهم، وقال في خطبته تلك:(اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم) ، وودع حينئذ الناس فقالوا حجة الوداع انتهى كلامه رحمه الله تعالى. قال عطاء كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى بالخيف قاله في المغني وتقدم.
ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر (هذا يوم الحج الأكبر) رواه البخاري، وسمي بذلك لكثرة أفعال الحج فيه: من الوقوف بالشعر والدفع منه إلى منى والرمي والنحر والحلق