المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فإذا شك الناس في عرفة فقال قوم يوم النحر فوقف - مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام - جـ ٢

[عبد الله بن جاسر]

الفصل: فإذا شك الناس في عرفة فقال قوم يوم النحر فوقف

فإذا شك الناس في عرفة فقال قوم يوم النحر فوقف الإمام بالناس يوم عرفة ثم علم أنه يوم النحر أجزأهم، قال في المقنع: وإن أخطأ الناس فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم وإن أخطأ بعضهم فاته الحج، قال في الشرح الكبير فإن اختلفوا فأصاب بعض وأخطأ بعض لم يُجزِ من أخطأ لأنهم غير معذورين في ذلك، وقد ذكرنا حديث هبار حين قال لعمر: ظننت أن اليوم يوم عرفة فلم يعذر بذلك انتهى.

--‌

‌ فصل:

ومن أحرم فحصره بالبلد عدو في حج أو عمرة من الوصول إلى البيت أو حصره بالطريق قبل الوقوف بعرفة أو بعده أو منه من دخول الحرم ظلماً أو جن أو أغمى عليه ولم يكن له طريق آمن إلى الحج ولو بعدت وخشي فوات الحج ذبح هديا شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة لقوله تعالى: (فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي) ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين أحصروا في الحديبية أن ينحروا ويحلقوا ويحلوا. قال الشافعي: لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية، ولأنه أبيح له التحلل قبل إتمام نسكه فوجب الهدي في صورة ما لو حصر بعد الوقوف كما لو حصر قبله، فإن قيل: كيف يتصور من المجنون والمغمى عليه أن يتحلل إذا خشي فوات الوقوف بذبح هدي بنية التحلل أو بصوم عشرة أيام بالنية أيضاً؟ قلنا: لعل ذلك فيما إذا منعه الجنون أو الإغماء عن الذهاب إلى الوقوف لأنه لا يصح منهما ثم عقل أو أفاق قبل الفوات ولكن في زمن لا يمكنه الوصول فيه إلى عرفة إلا بعد فوات وقت الوقوف فتحلل حينئذ والله أعلم.

ص: 187

تنبيه: فوت الحج ليس شرطاً لتحلل المحصر كما تدل عليه الآية والخبر وكلام الأصحاب، بل إذا خشي فوات الحج فله التحلل بذبح الهدي في موضع حصره، حلا كان أو حرماً لذبحه صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحديبية، وهي من الحل والله أعلم، وينوي المحصر بذبح الهدي التحلل وجوباً لحديث (إنما الأعمال بالنيات) قال في الإقناع: وحلق أو قصر، قال في شرح الإقناع وجوباً، قدمه في الرعاية واختاره القاضي في التعليق وغيره وقدم في المحرر وشرح ابن رزين عدم الوجوب وهو ظاهر الخرقي والمنتهى لعدم ذكره في الآية انتهى، وقال في الإقناع وشرحه أيضاً: ثم حل من إحرامه انتهى يعني بعد الذبح والحلق أو التقصير. وقال في الغاية: ومن منع البيت ظلما ولو بعد الوقوف ولم يَرم ويحلق، أو في عمرة ذبح هدياً حيث أحصر بنية التحلل وجوباً فإن لم يجد صام عشرة أيام بالنية وحل، ويتجه صحة تتميم ما بقي من أركان حجه بإحرام ثان إذا زال حصره ولا إطعام في ذلك ولا مدخل لحلق أو تقصير خلافاً له (يعني للإقناع) وعند بعضهم إن عجز عن صوم لعذر حل ثم صام بعده انتهى كلام صاحب الغاية. قال في المنتهى: ومن منع عن البيت ولو بعد الوقوف أو في عمرة ذبح هدياً بنية التحلل وجوباً فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام بالنية وحل انتهى، قال منصور في شرح المنتهى: وظاهره أن الحلق أو التقصير ليس واجباً هنا وأن التحلل يحصل بدونه، وهو أحد القولين قدمه في المحرر وابن رزين في شرحه وهو ظاهر الخرقي لأنه من توابع الوقوف كالرمي، وقدم الوجوب في الرعاية الكبرى واختاره القاضي في التعليق وغيره وجزم به في الإقناع انتهى.

فائدة: قول الأصحاب في حق المحصر: ذبح هدياً بنية التحلل أي ولو كان

ص: 188

قد عينه هدياً هذا ظاهر كلام المحب بن نصر الله البغدادي في الحواشي وصرح به في المغني فقال: وإذا قدر المحصر على الهدي فليس له الحل قبل ذبحه فإن كان معه هدي قد ساقه أجزأه وإن لم يكن معه لزمه شراؤه إن أمكنه، ويجزئه أدنى الهدي وهو شاة أو سبع بدنة لقوله تعالى:(فما استيسر من الهدي) انتهى. قلت: ويجزئه أيضاً سُبع بقرة كما صرحوا به والله أعلم.

تنبيه: ظاهر الأحاديث الصحيحة أن الحلق أو التقصير لا بد منه في حق المحصر لما روى المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في حديث عمرة الحديبية والصلح (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا) رواه أحمد والبخاري وأبو داود، وقال البخاري في صحيحه: باب النحر قبل الحلق في الحصر، حدثنا محمود، حدثنا عبد الرازق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن المسور رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك)، وعن المسور ومروان أيضاً قالا:(قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وأشعره بذي الحليفة وأحرم منها بالعمرة وحلق بالحديبية في عمرته وأمر أصحابه بذلك ونحر بالحديبية قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك) . رواه أحمد، وعن ابن عمر قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدُنه وحلق رأسه.

رواه البخاري، قال البخاري وقال مالك وغيره: ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت، ثم لم يُذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يقضوا شيئاً ولا يعودوا له، والحديبية خارج من الحرم، وكل هذا كلام البخاري

ص: 189

في صحيحه وفي رواية للبخاري بسنده إلى عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عاملاً قابلاً، والعطف بالواو في هذا الحديث إنما هو لمطلق الجمع، ولا يدل على الترتيب لأن المحصر يقدم النحر على الحلق لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:(فانحروا ثم احلقوا) والله أعلم، وترجم المجد في المنتقى في هذا الباب بقوله: باب تحلل المحصر عن العمرة بالنحر ثم الحلق حيث أحصر من حل أو حرم وأنه لا قضاء عليه انتهى، قال في تصحيح الفروع: اختلف الأصحاب في الحلق والتقصير للمحصر فقيل فيه روايتان مبنيتان على أنه هل هو نسك أو إطلاق من محظور؟ وهذه الطريقة جزم بها في الكافي وقدم في الرعاية الكبرى الوجوب، واختاره القاضي في التعليق وغيره إلى أن قال فعلى هذه الطريقة يجب عليه الحلق أو التقصير على الصحيح لأن الصحيح من المذهب أنه نسك فكذا يكون هنا وتمامه فيه.

قلت: صريح السنة يدل على وجوب الحلق أو التقصير على المحصر والله أعلم، فإن أمكن المحصر الوصول إلى الحرم من طريق أخرى غير التي أحصر فيها لم يبح له التحلل لقدرته على الوصول إلى الحرم فليس بمحصر ولزمه ليتم نسكه لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بعدت الطريق أو قربت، خشي فوات الحج أو لم يخش، قال في المغني: فإن كان محرماً بعمرة لم يفت وإن كان بحج ففاته تحلل بعمرة وكذا لو لم يتحلل المحصر حتى خلى عنه لزمه السعي وإن كان بعد فوات الحج يتحلل بعمرة، ثم هل يلزمه القضاء إن فاته الحج؟ فيه روايتان: إحداهما يلزمه كمن فاته بخطأ الطريق، والثانية لا يجب لأن سبب الفوات الحصر أشبه من لم يجد طريقاً أخرى بخلاف المخطئ فأما من لم يجد طريقاً أخرى فتحلل فلا قضاء عليه إلا أن يكون واجباً يفعله

ص: 190

بالوجوب السابق في الصحيح من المذهب وبه قال مالك والشافعي انتهى، فإن لم يجد المحصر هدياً صام عشرة أيام بنية التحلل كمبدل الصوم وهو ذبح الهدي فإنه يذبحه بنية التحلل كما تقدم ثم حل بعد الصيام، بخلاف ما تقدم فيمن فاته الحج وقضى وعدم الهدي فإنه يحل بإتمام النسك ولا يتوقف صحة حله على الصيام، بل إذا لم يصم قبل يوم النحر الذي حل فيه وجب عليه صيام ثلاثة أيام التشريق الثلاثة عن ثلاثة الأيام في الحج، وسبعة يصومها إذا رجع خلافا لما في الإقناع حيث يؤخذ من عبارته أنه لا يحل حتى يصوم عشرة الأيام، وهذا إنما يكون في حق المحصر لا في من قضى حجه الفائت والله أعلم، ولا إطعام في الإحصار لعدم وروده، بل يجب مع الهدي أو بدله على المحصر حلق أو تقصير على الصحيح، ولا فرق فيما تقدم بين الحصر العام في كل الحجيج وبين الحصر الخاص في شخص واحد، مثل أن يحبس بغير حق أو يأخذه اللصوص لعموم النص ووجود المعنى في الكل، ومن حبس بحق أو دين حال وهو قادر على أدائه فليس له التحلل لأنه ليس بمعذور فإن كان معسراً به عاجزاً عن أدائه فليس له التحلل لأنه ليس

بمعذور فإن كان معسراً به عاجزاً عن أدائه فحبسه بغير حق فله التحلل، قال في المغني: وإن كان عليه دين مؤجل يحل قبل قدوم الحاج فمنعه صاحبه من الحج فله التحلل أيضاً لأنه معذور انتهى، وإذا كان العدو الذي حصر الحاج مسلمين جاز قتلاهم للحاجة إليه، وإن أمكن الانصراف من غير قتال فهو أولى لصون دماء المسلمين، وإن كانوا مشركين لم يجب قتالهم إلا إذا بدأوا بالقتال أو وقع النفير ممن له الاستنفار فيتعين إذاً لما ذكروه في الجهاد فإن غلب على ظن المسلمين الظفر بالمشركين استحب قتالهم حيث لم يجب لإعلاء كلمة الدين، وللحجيج المحرمين لبس ما تجب فيه الفدية إن احتاجوا إليه في القتال ويفدون للبسه كما تقدم في تغطية الرأس، وإن لم يغلب على ظن

ص: 191

المسلمين الظفر بالمشركين فترك القتال أولى خوفاً على المسلمين، فإن أذن العدو للحاج في العبور فلم يثقوا بهم فلهم الانصراف والتحلل، وإن وثقوا بهم لزمهم المضي على الإحرام لإتمام النسك إذ لا عذر لهم إذاً، وإن طلب العدو خفارة على تخلية الطريق للحجيج وكان العدو ممن لا يوثق بأمانة لعادته بالغدر لم يلزم بذلك المال المطلوب خفارة لأنه إضاعة للمال من غير وصول للمقصود، وإن وثق بأمانة والخفارة كثيرة فكذلك لا يجب بذلها للضرر، قال في الإقناع وشرحه: بل يكره بذلها: أي الخفارة إن كان العدو كافراً لما فيه من الذل والهوان وتقوية الكفار، وإن كانت الخفارة يسيرة فقياس المذهب وجوب بذله: أي مال الخفارة قال الموفق والشارح وصححه في تصحيح الفروع لأنه ضرر يسير كماء الوضوء، وقال جماعة من الأصحاب: لا يجب بذل خفارة بحال كما في ابتداء الحج لا يلزمه إذا لم يجد طريقاً آمناً من غير خفارة انتهى، وفي المنتهى وشرحه ويباح تحلل من إحرام لحاجة إلى قتال إلى قتال أو على بذل مال كثير مطلقاً أو يسير لكافر، لا لحاجة بذلك مال يسير لمسلم لأن ضرره يسير انتهى، فعلى ما في المنتهى إذا طلب الكافر من الحجاج مالاً ولو

يسيراً لم يجب عليهم بذله ويباح لهم التحلل، وعلى ما في الإقناع يجب على قياس المذهب بذل المال اليسير لكافر كما يجب للمسلم ولا يتحلل من الإحرام، قال شيخ الإسلام: الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر، ولا يجوز مع عدم الحاجة إليها كما يأخذه السلطان من الرعايا انتهى. وقال الجمهور: لا يلزمه الحج مع الخفارة وإن كانت يسيرة ذكره في المبدع. قلت: الذي تطمئن له النفس وعليه عمل المسلمين قديماً وحديثاً هو ما قاله شيخ الإسلام والله أعلم، وبهذه المناسبة نذكر ما حصل في عامنا هذا سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف، وهو أن

ص: 192

الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل وفقه الله لفعل الخيرات، قد ألغى جميع المظالم والرسوم التي تؤخذ على الحجاج فاستبشر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بهذا وأصبح المسلمون يدعون له فصار ذلك حسنة سبق بها من قبله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

فائدة: لو نوى المحصر التحلل قبل ذبح هدي أو قبل صيام عند عدم الهدي ورفض إحرامه لم يحل، قال في الإقناع وشرحه: ولو نوى المحصر التحلل قبل ذبح هدي إن وجده أو قبل صوم إن عدم الهدي ورفض إحرامه لم يحل ولزمه دم لتحلله ولكل محظور فعله بعده: أي بعد التحلل هكذا في المقنع، قال في الإنصاف: وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع، وقيل لا يلزمه دم لذلك جزم به في المغني والشرح انتهى، وسبق في كلام المصنف (يعني الحجاوي) تبعاً لما صححه في الإنصاف أيضاً إنه لا شيء عليه لرفض إحرامه لأنه مجرد نية، فانظر هل هما مسألتان فيحمل التحلل هنا على لبس المخيط مثلا، أو مسألة واحدة تناقض التصحيح فيها انتهى كلام الإقناع وشرحه وقوله في الإنصاف: وقيل لا يلزمه دم لذلك: أي لتحلله ورفض إحرامه، أما لو فعل محظوراً بعد الرفض فإنه يلزمه دم لفعل ذلك المحظور على كلا القولين والله أعلم.

قال في المنتهى وشرحه: ولو نوى المحصر التحلل قبل أحدهما؛ أي ذبح الهدي إن وجده أو الصوم إن عدمه لم يحل لفقد شرطه وهو الذبح أو الصوم بالنية واعتبرت النية في المحصر دون غيره لأن من أتى فأفعال النسك أتى بما عليه فحل بإكماله فلم يحتج إلى نية بخلاف المحصر فإنه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها فافتقر إلى النية، ولزمه: أي من تحلل قبل الذبح أو الصوم دم لتحلله صححه في شرحه، وقال في الإنصاف هنا: إنه المذهب وجزم

ص: 193

في شرحه فيما سبق أنه لا شيء لرفض الإحرام، لأنه مجرد نية فلا يؤثر، وجزم به في المغني والشرح ولزمه دم لكل محظور بعده، أي التحلل انتهى كلام المنتهى وشرحه، وقال في الإقناع وشرحه في باب الفدية: ومن رفض إحرامه لم يفسد إحرامه بذلك لأنه عبادة لا يخرج منها

ص: 194

بالفساد فلم يخرج منها برفضها بخلاف سائر العبادات ولم يلزمه دم لرفضه لأنه مجرد نية، قال في الإنصاف: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ومشى عليه في المنتهى وشرحه، وقيل يلزمه وذكره في الترغيب وغيره وقدمه في الفروع، وحكم إحرامه باق لأن التحلل من الحج لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء: إما بكمال أفعاله أو التحلل منه عند الحصر أو بالعذر إذا شرط في ابتداء إحرامه أن محلي حيث حبستني، فإن فعل محظوراً بعد رفضه إحرامه فعليه فداؤه لبقاء إحرامه انتهى كلام الإقناع وشرحه، قال في المنتهى وشرحه في باب الفدية: ويفدي من رفض إحرامه ثم فعل محظوراً للمحظور لأن التحلل من الإحرام إما بكمال النسك أو عند الحصر أو بالعذر إذا شرط، وما عداها ليس له التحلل به ولا يفسد الإحرام برفضه كما لا يخرج منه بفساده فإحرامه باق وتلزمه أحكامه ولا شيء عليه لرفض الإحرام لأنه مجرد نية لم يؤثر شيئاً، وقدم في الفروع يلزمه له دم انتهى كلام المنتهى وشرحه، قال الخرقي: فإن قال أنا أرفض إحرامي وأحل فلبس الثياب وذبح الصيد وعمل ما يعمله الحلال كان عليه في كل فعل فعله دم، وإن كان وطئ فعليه للوطء

بدنة ما يجب عليه من الدماء انتهى. قال في المغني: وجملة ذلك أن التحلل من الحج لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء: إكمال أفعاله أو التحلل عند الحصر أو بالعذر إذا شرط، وما عدا هذا فليس له أن يتحلل به فإن نوى التحلل لم يحل ولا يفسد الإحرام برفضه لأنه عبادة لا يخرج منها بالفساد فلا يخرج منها برفضها بخلاف سائر العبادات، ويكون الإحرام باقياً في حقه تلزمه أحكامه ويلزمه جزاء كل جناية جناها عليه، وإن وطئ أفسد حجه وعليه لذلك بدنة مع ما وجب عليه من الدماء، سواء كان الوطء قبل الجنايات أو بعدها، فإن الجناية على الإحرام الفاسد توجب الجزاء كالجنابة على الصحيح وليس عليه لرفضه الإحرام شيء لأنه مجرد نية لم تؤثر شيئاً انتهى ومثله في الشرح.

تنبيه: قد تناقض كلام صاحب المنتهى والإقناع في هذه المسألة حيث

أوجبا في باب المحصر على من رفض إحرامه دما للرفض، ونفيا في باب الفدية عنه وجوب الدم مع اتفاقهما في البابين على وجوب الدم لكل محظور فعله بعد الرفض وعلى عدم فساد الإحرام بالرفض، فلذا قال الشيخ عثمان بن قائد: لعل ما تقدم (يعني في باب الفدية) في غير المحصر وهذا في المحصر فلا تناقض فليحرر انتهى كلامه. قال في شرح الغاية: وما جزم به في شرح المنتهى فيما سبق أنه لا شيء عليه لرفضه الإحرام فهو في غير المحصر لإلغاء رفضه ولزوم أفعال الحج وهذا في المحصر الممنوع من تتميم أفعال الحج، فإذا عدل عن الواجب عليه من هدي أو صوم لزمه دم انتهى، فكلام شارح الغاية يوافق ما ذكره الشيخ عثمان قال في الإقناع وشرحه: ولا قضاء على محصر إن كان حجه نفلا لظاهر الآية، وذكر في الإنصاف أنه المذهب، وقيده في المستوعب والمنتهى بما إذا تحلل قبل فوات الحج، ومفهومهما أنه لو تحلل بعد فوات الحج يلزمه القضاء وهو إحدى روايتين أطلقهما في الشرح وغيره وهو ظاهر كلامه أول الباب انتهى. قال في المنتهى: ولا قضاء على من (أي محصر) تحلل قبل فوات الحج، ومثله من جُن أو أغمي عليه قال منصور في شرحه: وعلم منه أنه لو لم

ص: 195

يتحلل حتى فاته الحج لزمه القضاء لما تقدم أول الباب انتهى، قال منصور في حاشيته على المنتهى: قوله قبل فوات الحج، يعني إن كان نفلا لكن يلزمه فعل الحج في ذلك العام إن أمكنه، وإن لم يمكنه فلا قضاء عليه نصاً نقله الجماعة، ومفهوم تقييده بتحلل قبل فوات الحج أنه لو تحلل بعده عليه القضاء ولم أجد هذا القيد في الفروع ولا في الإنصاف والتنقيح ولا غيرها بل أطلقوا أنه لا قضاء على المحصر.

فإن قيل يؤخذ هذا القيد من كلامهم أولا حيث قالوا من طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة لعذر حصر أو غيره فاته الحج، وقالوا بعده: وعليه القضاء قلت: لا يلزم ذلك إذ التعميم قد يكون بالنسبة إلى فوات الحج فقط كما يرشد إليه السياق انتهى، قال الشيخ محمد الخلوتي: ثم ضرب عليه شيخنا وأثبت ما نصه: وصحح ابن رزين في شرحه أنه لا قضاء فيما إذا أحصر بعده أي بعد فوات الحج ذكره في الإنصاف انتهى كلام الخلوتي وفي حاشية الإقناع، قال في المستوعب: ومن تحلل بالإحصار قبل فوات الحج فلا قضاء عليه بالتحلل انتهى وتبعه في المنتهى، ومفهومهما أنه لو تحلل بعد فوات الحج لزمه القضاء وهو داخل في عموم ما سبق فيمن طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة، وأطلق في الكافي الروايتين فيمن أمكنه سلوك طريق لا يصل منه إلا بعد الفوات مضى وتحلل بعمرة. وفي القضاء روايتان. إحداهما يجب لأنه فاته الحج أشبه من أخطأ الطريق. والثانية لا قضاء عليه لأنه تحلل بسبب الحصر أشبه من تحلل قبل الفوات انتهى، وأطلق في الإنصاف أنه لا قضاء على محصر وتبعه في الإقناع، وقال الشيخ عثمان بن قائد: لو تحلل المحصر بعد فوات الحج عليه القضاء وهو الموافق لما مر أول الباب خلافا لما صححه ابن رزين في شرحه انتهى. قال في المغني والشرح: فإن أمكن المحصر الوصول من

ص: 196

طريق أخرى لم يبح له التحلل ولزمه سلوكها بعد أو قرب خشي الفوات أو لم يخشه، فإن كان محرماً بعمرة لم تفت، وإن كان بحج ففاته تحلل بعمرة، وكذا لو لم يتحلل المحصر حتى زال الحصر لزمه السعي وإن كان بعد فوات الحج ليتحلل بعمرة ثم هل يلزمه القضاء إن فاته الحج؟ فيه روايتان: إحداهما يلزمه كمن فاته بخطأ الطريق، والثانية لا يجب لأن سبب الفوات الحصر أشبه من لم يجد طريقاً أخرى، وبهذا فارق المخطئ انتهى، قال في الغاية: ولا قضاء على محصر تحلل قبل فوات حج انتهى.

تنبيه: مفهوم المنتهى والغاية يخالف منطقو الإقناع في هذه المسألة لأن صاحب الإقناع أطلق أنه لا قضاء على محصر، وصاحب المنتهى والغاية قيدا عدم القضاء عليه بما إذا تحلل قبل فوات الحج فمفهومهما أنه لو تحلل بعد فوات الحج عليه القضاء وهو الموافق لما ذكروه أول الباب، وقد تابع صاحب المنتهى والغاية في هذه المسألة السامري صاحب المستوعب، وتبعهم الشيخ عثمان كما أن صاحب الإقناع تابع صاحب الإنصاف، وأطلق في المغني والكافي والشرح الروايتين في هذه المسألة والله أعلم. قال في شرح الإقناع: وإن زال الحصر بعد تحلله وأمكنه فعل الحج الواجب في ذلك العام لزمه فعله انتهى، ومثله في شرح المنتهى. قال في المغني والشرح: وإذا تحلل المحصر من الحج فزال الحصر وأمكنه الحج لزمه ذلك إن كانت حجة الإسلام أو قلنا بوجوب القضاء أو كانت الحجة واجبة في الجملة لأن الحج يجب على الفور، وإن لمن تكن الحجة واجبة ولا قلنا بوجوب القضاء فلا شيء عليه كمن لم يحرم انتهى، ومن حصر عن فعل واجب كرمي الجمار أو طواف الوداع أو المبيت بمزدلفة أو بمنى في لياليها فليس له التحلل لأن صحة الحج لا تقف على ذلك ولعدم ورود التحلل من ذلك وعليه دم بتركه ذلك الواجب ويرجع بالدم على من حصره كما

ص: 197

لو تركه اختياراً وحجه صحيح لتمام أركانه، وإن صُد المحرم بحج عن عرفة دون البيت تحلل بأفعال عمرة مجاناً ولم يلزمه به دم لأن قلب الحج إلى العمرة مباح بلا حصر فمعه أولى، فإن كان قد طاف وسعى للقدوم ثم أحصر أو مرض أو فاته الحج تحلل بطواف وسعي آخرين لأن الأولين لم يقصد بهما طواف العمرة ولا سعيها وليس عليه أن يجدد إحراماً في الأصح قال الفتوحي في شرح المنتهى.

قال في الشرح الكبير: وقال الزهري: لا بد أن يقف بعرفة، وقال محمد بن الحسن لا يكون محصراً بمكة، وروى ذلك عن أحمد لأنه إنما جاز له التحلل بعمرة في موضع يمكنه أن يحج من عامه فيصير متمتعاً وهذا ممنوع من الحج ثم يتحلل بعمرة، فإنه فاته الحج فحكمه حكم من فاته بغير حصر، وقال مالك يخرج إلى الحل ويفعل ما يفعل المعتمر، فإن أحب أن يستنيب من يتمم عنه أفعال الحج جاز في التطوع لأنه جاز أن يستنيب في جملته فجاز في بعضه، ولا يجوز في حج الفرض إلا أن ييأس من القدرة عليه في جميع العمر كما في الحج كله انتهى. قال في المغني: فإن أحب أن يستنيب من يتمم عنه أفعال الحج جاز في التطوع لأنه جاز أن يستنيب في جملته فجاز في بعضه ولا يجوز في حج الفرض إلا أن ييأس من القدرة عليه في جميع العمر كما في الحج انتهى، وتقدم في فصل الاستنابة في الحج والعمرة شيء من ذلك، قال في المنتهى وشرحه: ومن حصر عن طواف الإفاضة فقط بأن رمى وحلق بعد وقوفه لم يتحلل لنحو جماع حتى يطوف للإفاضة ويسعى إن لم يكن سعى وكذا لو حصر عن السعي فقط لأن الشرع ورد بالتحلل من إحرام تام يحرّم جميع المحظورات وهذا يحرم النساء خاصة فلا يلحق به ومتى زال الحصر أتى بالطواف والسعي إن لم يكن سعى وتم حجه انتهى.

ص: 198

تنبيه: تقدم أن من منع عن البيت ولو بعد الوقوف بعرفة يذبح هديا بنية التحلل حل، وهنا لا يتحلل من منع عن طواف الإفاضة فقط حتى يطوف للإفاضة ويسعى إن لم يكن سعى، وكذا لو حصر عن السعي فقط لا يتحلل حتى يسعى، والفرق بين الموضعين أن محل التحلل هو فيما إذا منع عن البيت قبل التحلل الأول بأن لم يرم جمرة العقبة ولم يحلق أو يقصر بعد الوقوف بعرفة، ومحل عدم التحلل هو فيما إذا منع عن البيت وقد تحلل التحلل الأول بأن رمي جمرة العقبة وحلق أو قصر بعد وقوفه بعرفة، والله أعلم قال في المغني: وإن أحصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلل أيضاً لأن إحرامه إنما هو عن النساء والشرع إنما ورد بالتحلل من الإحرام التام الذي يحرم جميع محظوراته فلا يثبت بما ليس مثله، ومت زال الحصر أتى بالطواف وقد تم حجه انتهى ومثله في الشرح الكبير. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: فإن رجع إلى بلده من حصر عن طواف الإفاضة فقط وقد رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر بعد وقوفه لزمه أن يعتزل النساء وطئاً ومباشرة إلى أن يرجع فيحرم من الميقات بعمرة فإذا طاف طواف العمرة وسعى طاف لحجه وسعى إن لم يكن سعى انتهى. وتقدم في فصل: ثم يفيض إلى مكة عن شرح الإقناع، وفي فصل أركان الحج عن المنتهى وشرحه ما يؤيد ذلك، ولكن قد يرد على هذا قول الأصحاب لا يصح إدخال العمرة على الحج، وقد يقال الممنوع هو إدخال العمرة على الحج الذي لم يتحلل منه التحلل الأول، أما بعد التحلل الأول فإنما بقي عليه بعض أحكام الإحرام فلا يعطى حكم من لم يتحلل التحلل الأول، والله أعلم. وإذا وطئ قبل طواف الإفاضة وقد رمى وحلق فإن إحرامه يفسد ولا يفسد حجه لأنه وطئ بعد التحلل الأول ويلزمه

ص: 199

الإحرام من الحل ليأتي بطواف الإفاضة في إحرام صحيح، فإن أتى على الميقات وأحرم منه فحسن.

قال في المغني: وإذا أحرم من الحل طاف للزيارة وسعى إن كان لم يسع في حجه، وإن كان سعى طاف للزيارة وتحلل، هذا ظاهر كلام الخرقي، والمنصوص عن أحمد ومن وافقه من الأئمة أنه يعتمر، فيحتمل أنهم أرادوا هذا أيضاً وسموه عمرة، لأن هذا هو أفعال العمرة، ويحتمل أنهم أرادوا عمرة حقيقية فيلزمه سعي وتقصير والأول أصح لما ذكرنا انتهى ملخصاً. قلت: ما ذكره الموفق من أن الأول أصح هو الموافق لما ذكروه من أن إدخال العمرة على الحج لا يصح، والله أعلم.

تنبيه: إذا أحصر أو سافر إلى بلده قبل طواف الإفاضة وقد رمى وحلق أو قصر فقد بقي عليه بعض أحكام الإحرام لأنه لم يتحلل التحلل الثاني ولزمه أن يعتزل النساء وطئاً ومباشرة وعقد نكاح، ولا يفسد إحرامه هذا إلا بالوطء فقط ويلزمه الرجوع إلى مكة ليطوف للإفاضة؛ والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة أو ضل الطريق بقي محرماً حتى يقدر على البيت لأنه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حال إلى حال خير منها، ولا التخلص من أذى به بخلاف حصر العدو ولأنه صلى الله عليه وسلم لما دخل على ضباعة بنت الزبير وقالت إني أريد الحج وأنا شاكية؟ قال:(حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني) فلو كان المرض يبيح التحلل لما احتاجت إلى شرط، وحديث (من كسر أو عرج فقد حل) متروك الظاهر فإن مجرد الكسر والعرج لا يصير به حلالا، فإن حملوه على أنه يبيح له التحلل حملناه على ما إذا اشترط الحل، على أن في الحديث كلاما لأن ابن عباس يرويه ومذهبه

ص: 200

بخلافه، فقد روى الشافعي في مسنده عن ابن عباس قال:(لا حصر إلا حصر العدو) وصحح الحافظ إسناده.

واختار شيخ الإسلام جواز التحلل لمن ذكر، قال: ومثله حائض تعر مقامها وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطف لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه ولو لذهاب الرفقة.

قال في الشرح الكبير: ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة لم يكن له التحلل في إحدى الروايتين اختارها الخرقي، روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس ومروان وبه قال مالك والشافعي وإسحق. والثانية له التحلل بذلك، وروى نحوه عن ابن مسعود، وهو قول عطاء والنخعي والثوري وأصحاب الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: من كُسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى. رواه النسائي، فإذا قلنا يتحلل فحكمه حكم من حصره العدو على ما مضى، وإن قلنا لا يتحلل فإنه يقيم على إحرامه ويبعث ما معه من الهدي ليذبح بالحرم وليس له نحره في مكانه لأنه لم يتحلل، فإن فاته الحج تحلل بعمرة كغير المريض انتهى ملخصا، وحديث:(من كُسِرَ أو عَرج فقد حل وعليه حجة أخرى) رواه الخمسة وفيه (قال فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا صدق) وفي رواية لأبي داود وابن ماجة (من عَرج أو كُسر أو مرض فذكر معناه، وسكت عنه أبو داود والمنذري وحسنه الترمذي وأخرجه أيضاً ابن خزيمة والحاكم والبيهقي.

فعلى المذهب إن فاته الحج من أحصر بمرض أو ذهاب نفقة أو ضل الطريق بطلوع فجر يوم النحر قبل وقوفه ثم قدر على البيت تحلل بعمرة كما لو فاته الحج لغير مرض، ولا ينحر من أحصر بمرض أو ذهاب نفقة أو ضل الطريق هدياً معه إلا بالحرم فيبعث بالهدي ليذبح في الحرم بخلاف من حصره العدو نص أحمد على التفرقة بينهما، ويقضي عبدٌ

ص: 201

مكلف حيث وجب عليه القضاء بأن كان نذراً أو فاته الحج في رقه كحر، لأنه أهل لأداء الواجب، وصغير في فوات وإحصار كبالغ، ولا يصح قضاؤه حيث وجب إلا بعد بلوغه وبعد حجة الإسلام كما لو أفسد نسكه بالوطء ولو أحصر في حج فاسد فله التحلل منه بذبح الهدي إن وجده أو الصوم إن عدمه كالحج الصحيح لأن فاسد الحج كصحيحه؛ فإن حل من الحج الفاسد ثم زال الحصر وفي الوقت سعة للقضاء قضى وجوباً في ذلك العام لوجوب القضاء على الفور كما تقدم، وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد فيه الحج في غير هذه المسألة، قاله الموفق والشارح وجماعة.

قال في شرح الإقناع: ولا يصح ممن أحرم بالحج ووقف بعرفة، ثم طاف وسعى ورمى جمرة العقبة وحلق في نصف الليل الثاني أن يحرم بحجة أخرى ويقف بعرفة قبل الفجر، لأن رمي أيام التشريق عمل واجب بالإحرام السابق فلا يجوز مع بقائه أن يحرم بغيره، هذا معنى كلام القاضي، وسلم الإجماع على أنه لا يجوز أداء حجتين في عام انتهى، قال في حاشية الإقناع للشيخ منصور: وقيل للقاضي لو جاز طوافه في النصف الأخير من ليلة النحر لصح أداء حجتين في عام، ولا يجوز إجماعاً لأنه يرمي ويطف ويسعى فيه ثم يحرم بحجة أخرى ويقف بعرفة قبل الفجر ويمضي فيها ويلزمكم أن تقولوا به لأنه إذا تحلل من إحرامه فلا معنى لمنعه منه، فقال القاضي لا يجوز، وقد نقل أبو طالب فيمن أحرم بحجتين لا يكون أهلاً لاثنتين لأن الرمي عمل واجب بالإحرام السابق فلا يجوز مع بقائه أن يحرم بغيره انتهى، واقتصر عليه في الإنصاف مع أنه في باب الإحرام قال: قد قيل إنه يمكن أداء حجتين في عام، وما هنا من حكاية الإجماع التي سلمها القاضي حيث لم يردها يمنعه انتهى.

ص: 202

فائدة نفيسة جليلة: من شرط في ابتداء إحرامه أن يحل متى مرض أو ضاعت نفقته أو نفدت أو ضل الطريق أو قال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فله التحلل بجميع ذلك لحديث ضباعة بنت الزبير السابق، وقوله عليه الصلاة والسلام:(فإن لك على ربك ما اشترطت) ولأن للشرط تأثيراً في العبادات بدليل: إن شفي مريضي صمت شهراً ونحوه، وليس عليه هدي ولا صوم ولا قضاء ولا غيره لظاهر حديث ضباعة ولأنه إذا شرط شرطاً كان إحرامه الذي فعله إلى حين وجود الشرط فصار بمنزلة من أكمل أفعال الحج وله البقاء على إحرامه حتى يزول عذره ويتم نسكه، فإن قال إن مرضت ونحوه فإنا حلال فمتى وجد الشرط حل بوجوده لأنه شرط صحيح فكان على ما شرط. قال في المنتهى وشرحه: ومن شرط في ابتداء إحرامه أن محلي حيث حبستني فله التحلل مجاناً في الجميع من فوات أو إحصار ومرض ونحوه ولا دم عليه ولا قضاء لظاهر خبر ضباعة ولأنه شرط صحيح لكان على ما شرط، لكن إن تحلل ولم يكن حج حجة الإسلام قبل فوجوبها باق لعدم ما يسقطه انتهى. قال في المغني والشرح بعد كلام لهما سبق: ثم ينظر في صيغة الشرط فإن قال إن مرضت فلي أن أحل وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فإذا حبس كان بالخيار بين الحل وبين البقاء على الإحرام، وإن قال: إن مرضت فأنها حلال فمتى وجد الشرط حل بوجوده لأنه شرط صحيح فكان على ما شرط انتهى، وتقدم قريباً.

ص: 203