الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذباب لا يقع في الطعام وإن كان من شأنه أن لا ينفك عنه كالعسل والسكر. الخامسة قلة البعوض بها، ونظمها بعضهم فقال:
وآي منى خمس فمنها اتساعها
…
لحجاج بيت الله لو جاوزوا الحدَّا.
ومنع حداة من تخطف لحمها
…
وقلة وجدان البعوض بها عدّا.
وكون ذباب لا يقع في طعامها
…
ورفع الحصا المقبول دون الذي ردّا.
--
فصل:
فإذا أتى مكة متعجل أو غيره وأراد خروجاً لبلده أو غيره لم يخرج من مكة حتى يودع البيت بالطواف إذا فرغ من جميع أموره ليكون آخر عهده بالبيت على ما جرت به العادة في توديع المسافر إخوانه وأهله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون آخر عهده بالبيت إن لم يقم بمكة أو حرمها فلا وداع عليه، وهو على كل خارج من مكة أو حرمها، فإن أقام بمكة أو حرمها فلا وداع عليه، وهو على كل خارج من مكة ووطنه في غير الحرم، سواء كان حراً أم عبداً ذكراً أم أنثى صغيراً أم كبيراً، وتقدم في أول فصل من هذا الكتاب حكم طواف الصغير فليراجع عند الاحتياج إليه، ودليل ذلك ما روى ابن عباس قال:(أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف على المرأة الحائض) متفق عليه وفي رواية عنه قال (كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة. وعن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف بالبيت إذا كانت قد طافت في الإفاضة) رواه أحمد.
وعن عائشة قالت (حاضت صفية بنت حيي بعدما أفاضت قالت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحابستنا هي؟ قلت يا رسول الله
إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة قال فلتنفر إذاً) متفق عليه، ومن كان خارج الحرم ثم أراد الخروج من مكة فعليه الوداع سواء أراد الرجوع إلى بلده أو غيره لما تقدم، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: فلا يخرج الحاج حتى يودع البيت فيطوف طواف الوداع حتى يكون آخر عهده بالبيت، ومن أقام بمكة فلا وداع عليه، وهذا الطواف يؤخره الصادر من مكة حتى يكون بعد جميع أموره فلا يشتغل بعده بتجارة ولا نحوها، ولكن إن قضى حاجته أو اشترى شيئاً في طريقه بعد الوداع أو دخل إلى المنزل الذي هو فيه ليحمل المتاع على دابته ونحو ذلك مما هو من أسباب الرحيل فلا إعادة عليه، وإن أقام بعد الوداع أعاده، وهذا الطواف واجب عند الجمهور، ولكن يسقط عن الحائض انتهى كلامه، ومن مفهومه يؤخذ أنه لو دخل منزله بعد طواف الوداع فاشتغل فيه بغير ما هو من أسباب الرحيل أنه يلزمه إعادة الوداع، وبالأولى لو ودع في الليل ونام في بيته أو غيره من مساكن مكة أو ما يدخل في مسماها، لأن هذا يعد إقامة وينافي مقتضى الحديث الذي نص فيه بأن يكون آخر عهده بالبيت، أما لو ودع البيت ثم انتظر وداع رفقته حتى يسافروا جميعاً فإنه لا يضر هذا الانتظار إذا لم يشتغل بعد الوداع بما هو ممنوع منه، والله أعلم. وقال في الترغيب والتلخيص: لا يجب طواف الوداع على غير الحاج، قال في الفروع وإن خرج غير حاج فظاهر كلام شيخنا لا يودع انتهى. قلت: كلام شيخ الإسلام يخالف ما استظهره في الفروع. قال شيخ الإسلام: وطواف الوداع ليس من الحج وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة انتهى، والمذهب وجوبه على كل من أراد الخروج من مكة وبلده في غير الحرم.
(هذا بحث نفيس مهم لا تجده في غير هذا الكتاب) وهو أن يقال: هل يجوز طواف
الوداع أول أيام التشريق قبل حل النفر والفراغ من واجبات الحج والإقامة بعده بمنى والبيع والشراء فيه أم لا؟ فنقول وبالله التوفيق: قال في المنتهى وشرحه: فإذا أتى مكة متعجل أو غيره لم يخرج من مكة حتى يودع البيت بالطواف انتهى ملخصاً، قال الشيخ عثمان النجدي فهم منه أنه لو سافر إلى بلده من منة ولم يأت مكة لا وداع عليه، صرح في الإقناع عن الشيخ تقي الدين في موضع انتهى.
قلت لم أجد ذلك في الإقناع بعد المراجعة مراراً اللهم إلا أن يكون مراده بذلك قوله الآتي وطواف الوداع ليس من الحج إلى آخره وهذا ليس بصريح فيما قاله عن الشيخ تقي الدين، وقال النووي الشافعي: ولو أراد الحاج الرجوع إلى بلده من منى لزمه دخول مكة لطواف الوداع انتهى. قال ابن حجر المكي: أي بعد نفره، وإن كان قد طاف قبل عوده من مكة إلى منى كما في المجموع انتهى، وقال ابن نصر الله البغدادي الحنبلي في حواشي الكافي، وظاهر كلام الأصحاب لزوم دخول مكة بعد أيام منى لكل حاج ولو لم يكن طريق بلده عليها لوجوب طواف الوداع عليه ولم يصرح به وقال ابن نصر أيضاً: وقوة كلام الأصحاب أن أول وقت طواف الوداع بعد أيام منة، فلو ودع قبلها لم يجزئه ولم أجد به تصريحاً، ويؤخذ ذلك من قولهم: من أخر طواف الزيارة فطافة عند الخروج كفاه ذلك الطواف عن طواف الزيارة والوداع ولم يقولوا من اكتفى بطواف الزيارة يوم النحر عن طواف الوداع ولم يعد إلى مكة انتهى. قلت: بل قد صرح به المغني حيث قال فيما يأتي كما لو طافه قبل حل النفر، أي فإنه لا يجزئه قال في المغني: ووقته بعد فراغ المرء من جميع أموره ليكون آخر عهده بالبيت على ما جرت به العادة في توديع المسافر إخوانه وأهله ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (حتى يكون آخر عهده بالبيت) انتهى. قال في الإنصاف: وظاهر
كلام المصنف يعني الموفق أن طواف الوداع يجب ولو لم يكن بمكن، قال في الفروع وهو ظاهر كلامهم، قال الآجري: يطوف من أراد الخروج من مكة أو من منى أو من نفر آخر انتهى.
وفي أثناء كلام للشيخ يحيى بن عطوة النجدي تلميذ الشيخ العسكري قال: وأخبرنا جماعة أن الشويكي أفتاهم بجواز طواف الوداع أول أيام التشريق قبل حل النفر والفراغ من واجبات الحج والبيع والشراء والإقامة بعده بمنى، ونقلوا عنه أنه بالغ حتى نسب ذلك إلى جميع الأصحاب، ولو تحقق ما صرح به الزركشي والمغني والشرح الكبير وغيرها من كتب الأصحاب ما قال ما قال.
قال الخرقي: فإذا أتى مكة لم يخرج حتى يودع البيت، قال الزركشي والمراد الخروج من الحرم، قال في الشرح: ووقته بعد فراغ المرء من جميع أموره ليكون آخر عهده بالبيت وكذا قال في المغني قال: ولقد كشفت قريباً من خمسين كتابا من كتب المذهب فلم أظفر فيها بما نسبه هذا المتفقه إليهم وأفتى به عنهم، وأنا أتعجب منه كيف صدرت منه هذه النسبة إلى جميع الأصحاب والصريح عنهم العكس، ولعله دخل عليه اللبس من لفظ الخروج في كلام الخرقي وتوهم أنه الخروج من مكة وليس كذلك فقد صرح الزركشي أن مراد الخرقي الخروج من الحرم ولعله ذهل عن وقت الطواف: أعني طواف الوداع، ولو حقق النظر في المغني والشرح الكبير وغيرهما لزالت عنه ضبابة الشك ولعله اعتمد على ما وجهه ابن مفلح في فروعه قال: فإن ودع ثم أقام بمنى ولم يدخل مكة فيتوجه جوازه، ومراده بعد حل النفر ودخول وقت الوداع هذا مع تسليم جواز الإفتاء بالتوجيه المذكور وجواز اعتماد المقلد عليه من غير نظر في الترجيح انتهى كلام ابن عطوة قلت أما لفظ الخروج، فهو صريح في كلام الأصحاب أنه الخروج من مكة
خلافاً لما فهمه الشيخ أحمد بن عطوة، قال الخرقي: فإذا أتى مكة لم يخرج حتى يودع البيت يطوف به سبعاً ويصلي ركعتين إذا فرغ من جميع أموره حتى يكون آخر عهده بالبيت، قال الموفق في المغني: وجملة ذلك أن من أتى مكة لا يخلو إما أن يريد الإقامة بها أو الخروج منها فإن أقام بها فلا وداع عليه، فأما الخارج من مكة فليس له أن يخرج حتى يودع البيت بطواف سبع وهو واجب من تركه لزمه دم انتهى ملخصاً ومثله في الشرح الكبير، قال في الإقناع وشرحه: فإذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف إلى أن قال وهو على كل خارج من مكة انتهى ملخصاً.
قال في المنتهى وشرحه: فإذا أتى مكة متعجل أو غيره وأراد خروجاً لبلده أو غيره لم يخرج من مكة حتى يودع البيت بالطواف انتهى، وقال في الإقناع أيضاً، قال الشيخ: وطواف الوداع ليس من الحج وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة، قال في المستوعب: ومتى أراد الحاج الخروج من مكة لم يخرج حتى يودع انتهى، وأما فتوى الشيخ الشويكي بجواز طواف الوداع أول أيام التشريق قبل حل النفر والفراغ من واجبات الحج والإقامة بمنى فلا نسلم له صحة فتواه هذه لما تقدم عن ابن نصر الله أن ظاهر كلام الأصحاب لزوم دخول مكة بعد أيام منى لكل حاج ولو لم يكن طريق بلده عليها لوجوب طواف الوداع عليه ولما تقدم عنه أيضا أن قوة كلام الأصحاب أن أول وقت طواف الوداع بعد أيام منى، فلو ودع قبلها لم يجزئه.
قال في المغني بعد كلام سبق ولأنه إذا أقام بعده، أي طواف الوداع، خرج عن أن يكون وداعاً في العادة فلم يجزه كما لو طافه قبل حل النفر، إلخ فجعل صاحب المغني ما إذا طاف للوداع قبل حل النفر أصلاً في عدم الإجزاء وقاس عليه من ودع بعد حل النفر ثم اشتغل بتجارة أو إقامة فعلم منه أنه لو طاف للوداع قبل
حل النفر وهو ثاني عشر ذي الحجة أنه لا يجزئه لأن وقت طواف الوداع لا يدخل إلا بعد حل النفر، والله أعلم، ومثل في الشرح الكبير.
وأما توجيه صاحب الفروع الذي نصه: فإن ودع ثم أقام بمنى ولم يدخل مكة فيتوجه جوازه فمراده والله أعلم إذا كان طاف للوداع بعد حل النفر ودخول وقت الوداع، وقد نص العلماء أن وقت طواف الوداع إذا فرغ من جميع أموره: ومن كان بقي عليه المبيت ليالي منى ورمى الجمار فإنه لا يكون قد فرغ من جميع أموره، بل بقي عليه شيء من واجبات الحج، أما إذا نفر من منى النفر الأول أو الآخر، ثم ودع البيت وسافر ونزل خارجاً عن بنيان مكة للبيتوتة أو المقيل أو غيرهما، سواء كان ذلك النزول بمنى أو غيره من بقاع الحرم المنفصلة عن مسمى بنيان مكة فلا يلزمه إعادة طواف الوداع لأنه قد سافر عن مكة وليس مقيماً بها بعد الوداع، هذا ما ظهر لي في تحرير هذه المسألة التي طال فيها النزاع قديماً وحديثاً والله سبحانه وتعالى أعلم، وفي التحفة للشافعية: وإذا أراد الحاج أو المعتمر المكي وغيره الخروج من مكة، أو منى عقب نفره منها، وإن كان طاف للوداع عقب طواف الإفاضة عند عوده إليها طاف وجوباً للوداع إذ لا يعتد به، ولا يسمى طواف وداع إلا بعد فراغ جميع النسك انتهى ملخصاً بتصرف في التقديم والتأخير، قال في المغني: فصل ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي لا وداع عليه، ومن كان منزله خارج الحرم قريباً منه فظاهر كلام الخرقي أنه لا يخرج حتى يودع البيت، وهذا قول أبي ثور وقياس قول مالك ذكره ابن القاسم. وقال أصحاب الرأي في أهل بستان ابن عامر وأهل المواقيت إنهم بمنزلة أهل مكة في طواف الوداع لأنهم معدودون من حاضري المسجد الحرام بدليل سقوط دم المتعة عنهم.
ولنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن
أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولأنه خارج عن الحرم فلزمه التوديع كالبعيد انتهى، وكذا في الشرح الكبير، قال في الإقناع وشرحه: ومن كان خارجه: أي خارج الحرم ثم أراد الخروج من مكة فعليه الوداع وهو على كل خارج من مكة انتهى ملخصاً، وتقدم أول الفصل أنه إذا أقام بمكة أو حرمها لا وداع عليه وأنه على كل خارج من مكة ووطنه في غير الحرم ثم بعد طواف الوداع يصلي ركعتين خلف المقام كسائر الطوافات، قال في المنتهى والإقناع وغيرهما ويأتي الحطيم نصاً أيضاً وهو تحت الميزاب فيدعو انتهى.
قال ابن القيم: وأما الحطيم فقيل فيه أقوال: أحدها أنه ما بين الركن والباب وهو الملتزم، وقيل هو جدار الحجر لأن البيت رفع وترك هذا الجدار محطوماً، والصحيح أن الحطيم الحجر نفسه وهو الذي ذكره البخاري في صحيحه واحتج عليه بحديث الإسراء قال:(بينا أنا نائم في الحطيم، وربما قال: في الحجر) قال: وهو حطيم بمعنى محطوم كقتيل بمعنى مقتول انتهى. ثم يأتي زمزم فيشرب منها ثم يستلم الحجر ويقبله ويدعو في الملتزم بما يأتي من الدعاء، وتقدم في فصل ويحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة. شيء من الآثار الواردة في فضل ماء زمزم وما يقال عند شربه فليراجع. قال شيخ الإسلام: ويستحب أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منها ويدعو عند شربه بما شاء من الأدعية الشرعية: ومنها: اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً وشبعاً، وشفاء من كل داء، واغسل به قلبي واملأه من خشيتك، ولا يستحب الاغتسال منها انتهى، فإن ودع ثم اشتغل بغير شد رحل أو اتجر أو أقام أعاد الوداع وجوباً، لأن طواف الوداع إنما يكون عند خروجه من مكة ليكون آخر عهده بالبيت وتقدم ذلك، ولا يعيد الوداع إن اشترى حاجة في طريقه أو اشترى زاداً أو شيئاً
لنفسه أو صلى لأن ذلك لا يمنع أن يكون آخر عهده بالبيت الطواف، وتقدم أول الفصل حكم ما لو ودع في الليل ونام فليراجع.
قال في الإقناع وشرحه: فإن خرج قبله: أي قبل الوداع فعليه الرجوع إليه، أي إلى الوداع لفعله إن كان قريباً دون مسافة القصر ولم يخف علة نفسه أو ماله أو فوات رفقته أو غير ذلك من الأعذار، ولا شيء عليه إذا رجع قريباً سواء كان ممن له عذر يسقط عنه الرجوع أولا، لأن الدم لم يستقر عليه لكونه في حكم الحاضر، فإن لم يمكنه الرجوع لعذر مما تقدم أو لغيره أو أمكنه الرجوع للوداع ولم يرجع أو بعد مسافة قصر عن مكة فعليه دم رجع إلى مكة وطاف للوداع أولاً، لأنه قد استقر عليه ببلوغه مسافة القصر فلم يسقط برجوعه كمن تجاوز الميقات بغير إحرام ثم أحرم ثم رجع إلى الميقات، وسواء تركه: أي طواف الوداع عمداً أو خطأ أم نسياناً لعذر أو غيره لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطؤه والمعذور وغيره كسائر واجبات الحج، ومتى رجع من القرب لم يلزمه إحرام لأنه في حكم الحاضر ويلزمه مع البعد الإحرام بعمرة يأتي بها فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، ثم يطوف الوداع إذا فرغ من أموره انتهى. قال الخرقي: مسألة: فإن خرج قبل الوداع رجع إن كان بالقرب، وإن بعد بعث بدم: قال في المغني: هذا قول عطاء والثوري والشافعي وإسحق وأبي ثور. والقريب: هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، والبعيد: من بلغ مسافة القصر نص عليه أحمد وهو قول الشافعي، وكان عطاء يرى الطائف قريباً. وقال الثوري: حد ذلك الحرم، فمن كان في الحرم فهو قريب. ومن خرج منه فهو بعيد. ووجه القول الأول أن من دون مسافة القصر في حكم الحاضر في أنه لا يقصر ولا يفطر ولذلك عددناه من حاضري المسجد الحرام.
وقد روى (أن عمر رد رجلاً من مرّ إلى مكة ليكون