الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم التفسير: ((واختلفوا في المراد بالعهود هنا على خمسة أقوال:
أحدها: أنها عهود الله التي أخذها على عباده فيما أحل وحرم، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد.
الثاني: أنها عهود الدين كلها، قاله الحسن.
الثالث: أنها عهود الجاهلية، وهي الحِلْفُ الذي كان بينهم، قاله قتادة.
والرابع: أنها العهود التي أخذها الله على أهل الكتاب من الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن جرير، وقد ذكرنا أن الخطاب للكتابيين.
الخامس: أنها عقود الناس بينهم: من بيع، ونكاح، أو عقد الإنسان على نفسه من نذر، أو يمين، وهذا قول ابن زيد (1).
قلت: وقد ذكر سبحانه وتعالى في كتابه الكريم العهد الأول الذي أخذه على بني آدم فقال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (2).
ثانياً: تعريف بهيمة الأنعام
قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} .
البهيمة: لغة: كل ذات أربع قوائم ولو في الماء، وكل حي لا
(1) زاد المسير في علم التفسير، 2/ 268.
(2)
سورة الأعراف، آية:172.
يميز
…
والأبهم الأعجم، واستبهم عليه استعجم، فلم يقدر على الكلام (1).
وبهيمة الأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم، قاله: الحسن، وقتادة، وغير واحد (2).
قال ابن الجوزي: في بهيمة الأنعام ثلاثة أقوال هي:
الأول: أنها أجنة الأنعام التي توجد ميتة في بطون أمهاتها إذا ذبحت الأمهات، قاله ابن عمر، وابن عباس.
وفي الحديث: ((ذكاة الجنين ذكاة أمه)) من حديث جابر، وهو حديث صحيح (3).
الثاني: أنها، الإبل، والبقر، والغنم، قاله: الحسن، وقتادة، والسدي.
الثالث: أنها وحش الأنعام كالظباء وبقر الوحش (4).
قال ابن عطية: وهذا قول حسن؛ وذلك أن الأنعام هي الثمانية الأزواج، وما انضاف إليها من سائر الحيوانات يقال لها: أنعام مجموعة
(1) القاموس المحيط، فصل الباء، باب الميم، 4/ 82.
(2)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/ 3، وتفسير البغوي، 2/ 6.
(3)
رواه أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما جاء في ذكاة الجنين، برقم 2830، والترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ذكاة الجنين، برقم 1476، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، برقم الحديث 3199، وانظر: صحيح الترمذي، 2/ 83.
(4)
زاد المسير في علم التفسير، 2/ 269، روي ذلك عن ابن عباس وأبي صالح.
معها، وكأن المفترس كالأسد، وكل ذي ناب خارجة عن حد الأنعام، فبهيمة الأنعام هي: الراعي من ذوات الأربع
…
وعلى القول بتخصيص بهيمة الأنعام بالإبل، والبقر، والغنم، تكون الإضافة بيانية، ويلحق بها ما يحل مما هو خارج عنها بالقياس، بل بالنصوص التي في الكتاب والسنة كقوله تعالى:{قُل لَاّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً} الآية (1)، وقد نهى صلى الله عليه وسلم:((عن كل ذي ناب من السِّباع وعن كل ذي مخلب من الطير)) (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم:((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)) (3)؛ فإنه يدل بمفهومه على أن ما عداه حلال، وكذا سائر النصوص الخاصة كما في كتب السنة المطهرة (4).
قال ابن العربي: ((أما من قال: إن النعم هي: الإبل، والبقر، والغنم، فقد علمتَ صحةَ ذلك دليلاً، وهو أن النعم عند بعض أهل اللغة اسم خاص للإبل يُذَكَّر ويؤنث
…
وقد قال الله تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} (5)، وقال تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا
(1) سورة الأنعام، الآية:145.
(2)
مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل لحمه، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، برقم 1934.
(3)
صحيح مسلم كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل لحمه، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، برقم 1933.
(4)
فتح القدير للشوكاني، 2/ 5.
(5)
سورة النحل، الآيات: 5 - 7.
كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ}، وقال:{وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} (1)، فهذا مرتبط بقوله:{وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} أي خلق جنات وخلق من الأنعام حمولة وفرشاً، يعني كباراً وصغاراً، ثم فسرها فقال: ثمانية أزواج
…
الآية ..
وقال تعالى: {
…
وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا} – وهي الغنم -
{وَأَوْبَارِهَا} – وهي الإبل - {وَأَشْعَارِهَا} – وهي المعزى - {أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} (2).
فهذه ثلاثة أدلة تنبئ عن تضمن اسم النعم لهذه الأجناس الثلاثة: الإبل، والبقر، والغنم، لتأنيس ذلك كله، فأما الوحشية فلم أعلمه إلى الآن إلا اتباعاً لأهل اللغة .. (3).
(1) سورة الأنعام، الآيات: 142 - 144.
(2)
سورة النحل، الآية:80.
(3)
أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي، 2/ 529.