الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
أولاً: معرفة سبب نزول سورة المائدة
.
قال ابن عباس، والضحاك: هي مدنية، وقال مقاتل: ((نزلت نهاراً، وكلها مدنية، وقال أبو سليمان الدمشقي: فيها من المكي: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
…
} الآية، والصحيح أن قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} نزلت بعرفة يوم عرفة؛ فلهذا نسبت إلى مكة (1).
روى الحاكم في المستدرك عن جبير بن نفير قال: ((حججت فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم، قالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه))، قال الحاكم:((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي (2).
قال القرطبي: وهي مدنية بإجماع
…
وكل ما نزل من القرآن بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فهو مدني، سواء نزل بالمدينة أو في سفر من الأسفار (3).
ثانياً: أغراض ومضامين سورة المائدة
.
افتتح الله سبحانه وتعالى هذه السورة بالأمر بالوفاء بالعقود، ثم المضي بعد هذا
(1) زاد المسير في علم التفسير لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي القرشي البغدادي.
(2)
مستدرك الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 2/ 311، ورواه الإمام أحمد، 6/ 54، برقم 26063، وزاد:((وسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: القرآن)).
(3)
الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، 6/ 30.
الافتتاح في بيان الحلال والحرام، من الذبائح، والمطاعم، والمشارب، والمناكح، وبيان كثير من الأحكام الشرعية، والتعبدية، وبيان حقيقة العقيدة الصحيحة، وبيان حقيقة العبودية، وحقيقة الألوهية، وبيان علاقات الأُمّة المؤمنة بشتى الأمم والملل والنحل، وبيان تكاليف الأمة المؤمنة في القيام لله، والشهادة بالقسط، والوصاية على البشرية بكتابها المهيمن على كل الكتب قبلها، والحكم فيها بما أنزل الله كله، والحذر من الفتنة عن بعض ما أنزل الله، والحذر من عدم العدل تأثراً بالمشاعر الشخصية والمودة والشنآن
…
افتتاح السورة على هذا النحو، والمضي فيها على هذا النهج يعطي كلمة ((العقود)) معنى أوسع من المعنى الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، ويكشف أن المقصود بالعقود هو كل ضوابط الحياة التي قررها الله
…
وفي أولها عقد الإيمان بالله، ومعرفة حقيقة ألوهيته سبحانه، ومقتضى العبودية لألوهيته، هذا العقد الذي تنبثق منه، وتقوم عليه سائر العقود، وسائر الضوابط في الحياة (1).
وفي سورة المائدة تسع عشرة فريضة ليست في غيرها وهي:
{الْمُنْخَنِقَةُ، وَالْمَوْقُوذَةُ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ، وَالنَّطِيحَةُ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} ،
{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلَامِ} ، {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} ، {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} ، {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} ، وتمام الطهور في قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى
(1) في ظلال القرآن سيد قطب، 2/ 835 بتصرف.
الصَّلاةِ}، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ، {لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} ، إلى قوله:{عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} ، و {مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَآئِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} ، وقوله تعالى:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية، والفريضة التاسعة عشرة قوله عز وجل:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} ، فليس للأذان ذكر في القرآن إلا في هذه السورة، أما ما جاء في سورة ((الجمعة))، فمخصوص بالجمعة، وهو في هذه السورة عام لجميع الصلوات (1).
(1) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي 6/ 30 وتفسير البغوي 2/ 5.