الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخبر به فهو الحق والصدق، ولا كذب فيه، ولا خُلْف)) (1).
وقد أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمّه فلا ينقص أبداً، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً.
فقد جعله الله كاملاً لظهوره على الأديان كلّها وغلبته لها؛ ولكمال أحكامه التي يحتاج المسلمون إليها من الحلال، والحرام
…
قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية الربا، وآية الكلالة، ونحوهما، والمراد باليوم هنا هو يوم الجمعة، وهو يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر، هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2).
ثالثاً: رفع الإثم عمن اضطر إلى شيء من المحرمات وبيان الحكمة من ذلك:
قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (3)، ومثل هذا قوله تعالى: {
…
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (4)، وقوله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (5)، فقوله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ} أي دعته
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/ 10.
(2)
فتح القدير للشوكاني، 2/ 11، والحديث في صحيح البخاري، برقم 45، ومسلم، برقم 3017، وتقدم تخريجه.
(3)
سورة المائدة، الآية:3.
(4)
سورة البقرة، الآية:173.
(5)
سورة الأنعام، الآية:145.
الضرورة {فِي مَخْمَصَةٍ} في مجاعة، والخمص الجوع، وهذا كلام يرجع إلى المحرمات المتقدمة من: الميتة، والدم وما ذكر معها، {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} .. غير مائل إلى ذلك، والإثم: الحرام أي حال كون المضطر في المخمصة غير مائل لإثم، وهو بمعنى غير باغ ولا عاد (1)، وقال ابن كثير: ((فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك فله تناوله {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر له، وفي المسند، وصحيح ابن حبان عن ابن عمر
رضي الله عنهما مرفوعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)) (2).
ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجباً في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوباً، وقد يكون مباحاً، بحسب الأحوال)) (3).
ولا خلاف في أكل طعام الغير إذا وجده المضطر من غير قطع أو أذى، وهناك لا يحلّ له أكل الميتة ونحوها، ولكن الخلاف هل يضمن ما
(1) زاد المسير في علم التفسير، 2/ 288، وفتح القدير، 2/ 11 بتصرف.
(2)
مسند أحمد، 2/ 108، وهو في مجمع الزوائد، 3/ 162، ورجاله رجال الصحيح، والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وانظر صحيح الجامع الصغير للألباني، 2/ 146، برقم 1881، و1882.
(3)
تفسير ابن كثير، 2/ 11.
أكل، والصحيح أنه لا يضمن)) (1). وقال ابن كثير أيضاً: (({فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} أي في غير بغي ولا عدوان
…
وغير مستحلّه، وليس له من ذلك إلا القدر الذي يبلغه الحلال، وله أن يحمل منه ما يبلّغه ذلك، فإذا بلّغه ألقاه وهو قوله {وَلَا عَادٍ} )).
قال القرطبي: ((وأما المخمصة فلا يخلو أن تكون دائمة أو لا، فإن كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع من الميتة، إلا أنه لا يحل له أكلها وهو يجد مال مسلم لا يخاف فيه قطعاً، كالتمر المعلق، وحريسة الجبل، ونحو ذلك مما لا قطع فيه ولا أذى)) (2).
قال مجاهد: ((فمن اضطر غير باغ ولا عاد قاطعاً للسبيل، أو مفارقاً للأئمة، أو خارجاً في معصية الله، فله الرخصة، ومن خرج باغياً، أو عادياً، أو في معصية الله فلا رخصة له، وإن اضطر إليه
…
وقال قتادة .. فمن اضطر غير باغ ولا عاد، قال: غير باغ في الميتة، أي في أكله أن يتعدى حلالاً إلى حرام وهو يجد عنه مندوحة
…
))، وحكى القرطبي عن مجاهد في قوله:{فَمَنِ اضْطُرَّ} : ((أي أكره على ذلك بغير اختياره)) (3).
قال ابن العربي: ((هذا الضرر الذي بيّناه يلحق إما بإكراه من ظالم، أو جوع في مخمصة، أو بفقر لا يجد فيه غيره، فإن التحريم يرتفع عن ذلك بحكم الاستثناء ويكون مباحاً، فأما الإكراه فيبيح ذلك كله إلى آخر
(1) تفسير ابن كثير، 1/ 133.
(2)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 1/ 226.
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 1/ 205.
الإكراه)) (1)، وقد روى الإمام أحمد:((أنهم قالوا: يا رسول الله، إنّا بأرضٍ تصيبنا بها المخمصة، فمتى تحلّ لنا بها الميتة؟ فقال: ((إذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا فشأنكم بها)) (2).
والحكمة من إباحة هذه المحرمات عند الضرورة:
أن الله تبارك وتعالى: رحيم بعباده، يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وقد أباح لهم سبحانه هذه المحرمات عند الضرورة التي قد تهلك الإنسان، فهو سبحانه رحيم بهم، فمن احتاج تناول شيءٍ من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناوله والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر له.
وهو سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته (3)، والعبد الفقير إلى رحمة ربه إذا ألجأته هذه الضرورة فإنه يعمد إلى رخصة ربه، فيجتنب أكبر الضررين بارتكاب أخفّهما، فإن إثم قتل النفس أعظم من إثم أكل الميتة، بل قد أباحها الله سبحانه عند الضرورة.
قال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (4).
(1) أحكام القرآن لابن العربي، 1/ 55.
(2)
مسند أحمد، 5/ 218، برقم 22246، وقال زهير الشاويش:((تفرد به من هذا الوجه، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين)).
(3)
مسند أحمد، 2/ 108، وسبق تخريجه.
(4)
سورة النساء، الآية:29.