المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: رفع الإثم عمن اضطر إلى شيء من المحرمات وبيان الحكمة من ذلك: - من أحكام سورة المائدة

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول

- ‌الفصل الأول

- ‌أولاً: معرفة سبب نزول سورة المائدة

- ‌ثانياً: أغراض ومضامين سورة المائدة

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولاً: معرفة سبب نزول الآيات الخمس الأُول من سورة المائدة:

- ‌ثانياً: أهمية نزول هذه الآيات الخمس وما نسخ منها وما لم ينسخ:

- ‌أ- أحكام العقود، والعهود

- ‌ب- أحكام الصيد في الحل والإحرام

- ‌ت - إبطال عادات الجاهلية:

- ‌ث- جاء في هذه الآيات الخمس كذلك

- ‌ج- جاء في هذه الآيات الخمس

- ‌ح- وجاء كذلك فيها حل طعام أهل الكتاب - اليهود، والنصارى

- ‌خ- وكذلك حكم نكاح الكتابيات المحصنات من أهل الكتاب

- ‌د - وجاء في هذه الآيات الخمس حكم من كفر بالإيمان

- ‌ثالثاً: ما نسخ من هذه الآيات الخمس وما لم ينسخ

- ‌أقوال العلماء

- ‌الباب الثانيتفسير الآية الأولى من سورة المائدة

- ‌الفصل الأول

- ‌أولاً: تعريف العقود

- ‌العقود لغة:

- ‌العقود في الاصطلاح:

- ‌المراد بالعهود:

- ‌ثانياً: تعريف بهيمة الأنعام

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولاً: بيان ما أحل الله للمؤمنين ومناسبة ذكر الحل

- ‌ثانياً: ما استُثنِيَ مما أحل الله للمؤمنين من بهيمة الأنعام:

- ‌ثالثاً: الضابط العام للأنواع المحرمة من الحيوانات والطيور:

- ‌الباب الثالثتفسير الآية الثانية من سورة المائدة

- ‌الفصل الأول

- ‌أولاً: تعريف الشعائر:

- ‌ثانياً: سبب النزول، وأقوال العلماء فيما نسخ من هذه الآية وما لم ينسخ:

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولاً: إباحة الصيد بعد حل المحرم إحرامه، والنهي عن الاعتداء على الغير بغير حق

- ‌ثانياً: الأمر بالتعاون على البر والتقوى والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان

- ‌الباب الرابعتفسير الآية الثالثة من سورة المائدة

- ‌الفصل الأول

- ‌أولاً: ما حرَّمه الله من بهيمة الأنعام إبطالاً لعادات الجاهلية:

- ‌ثانياً: الذكاة الشرعية: تعريفها، وشروطها:

- ‌ ذبيحة الأعراب

- ‌ آلة الذبح وذكاة غير المقدور عليه

- ‌ خلاصة شروط الذكاة

- ‌الشرط الأول: أن يكون المذكِّي ممن يمكن منه قصد التذكية، وهو المميز والعاقل

- ‌الشرط الثاني: أن يكون مسلماً أو كتابياً

- ‌الشرط الثالث: أن يقصد التذكية

- ‌الشرط الرابع: أن لا يذبح لغير الله

- ‌الشرط الخامس: أن لا يهلّ لغير الله بأن يذكر عليه اسم غير الله

- ‌الشرط السادس: أن يسمّي الله عليها

- ‌الشرط السابع:

- ‌الشرط الثامن:

- ‌الشرط التاسع:

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولاً: تحريم أكل ما ذبح لغير الله، والاستقسام بالأزلام:

- ‌ثانياً: إتمام الله النعمة وإكماله الدين لهذه الأمة

- ‌ثالثاً: رفع الإثم عمن اضطر إلى شيء من المحرمات وبيان الحكمة من ذلك:

- ‌الباب الخامستفسير الآية الرابعة من سورة المائدة

- ‌الفصل الأولبيان شروط الصيد بالجوارح من الكلاب والطيور:

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولاً: بيان الخلاف في حلّ صيد بعض الجوارح:

- ‌ثانياً: بيان اختلاف العلماء في اشتراط إمساك الجارح من الطيور والكلاب عن الأكل من الصيد:

- ‌القول الأول: إن إمساك الصائد عن الأكل شرط في كل الجوارح

- ‌القول الثاني: إنه ليس بشرط في الكل

- ‌القول الثالث: إنه شرط في جوارح البهائم، وليس بشرط في جوارح الطير

- ‌الباب السادستفسير الآية الخامسة من سورة المائدة

- ‌الفصل الأول

- ‌أولاً: بيان المقصود بالحل في طعام أهل الكتاب:

- ‌ثانياً: حكم نكاح الكتابيات

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولاً: حكم المرتد

- ‌ثانياً: حكم من حكم بغير ما أنزل الله

الفصل: ‌ثالثا: رفع الإثم عمن اضطر إلى شيء من المحرمات وبيان الحكمة من ذلك:

أخبر به فهو الحق والصدق، ولا كذب فيه، ولا خُلْف)) (1).

وقد أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمّه فلا ينقص أبداً، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً.

فقد جعله الله كاملاً لظهوره على الأديان كلّها وغلبته لها؛ ولكمال أحكامه التي يحتاج المسلمون إليها من الحلال، والحرام

قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية الربا، وآية الكلالة، ونحوهما، والمراد باليوم هنا هو يوم الجمعة، وهو يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر، هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2).

‌ثالثاً: رفع الإثم عمن اضطر إلى شيء من المحرمات وبيان الحكمة من ذلك:

قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (3)، ومثل هذا قوله تعالى: {

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (4)، وقوله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (5)، فقوله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ} أي دعته

(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/ 10.

(2)

فتح القدير للشوكاني، 2/ 11، والحديث في صحيح البخاري، برقم 45، ومسلم، برقم 3017، وتقدم تخريجه.

(3)

سورة المائدة، الآية:3.

(4)

سورة البقرة، الآية:173.

(5)

سورة الأنعام، الآية:145.

ص: 50

الضرورة {فِي مَخْمَصَةٍ} في مجاعة، والخمص الجوع، وهذا كلام يرجع إلى المحرمات المتقدمة من: الميتة، والدم وما ذكر معها، {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} .. غير مائل إلى ذلك، والإثم: الحرام أي حال كون المضطر في المخمصة غير مائل لإثم، وهو بمعنى غير باغ ولا عاد (1)، وقال ابن كثير: ((فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك فله تناوله {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر له، وفي المسند، وصحيح ابن حبان عن ابن عمر

رضي الله عنهما مرفوعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)) (2).

ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجباً في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوباً، وقد يكون مباحاً، بحسب الأحوال)) (3).

ولا خلاف في أكل طعام الغير إذا وجده المضطر من غير قطع أو أذى، وهناك لا يحلّ له أكل الميتة ونحوها، ولكن الخلاف هل يضمن ما

(1) زاد المسير في علم التفسير، 2/ 288، وفتح القدير، 2/ 11 بتصرف.

(2)

مسند أحمد، 2/ 108، وهو في مجمع الزوائد، 3/ 162، ورجاله رجال الصحيح، والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وانظر صحيح الجامع الصغير للألباني، 2/ 146، برقم 1881، و1882.

(3)

تفسير ابن كثير، 2/ 11.

ص: 51

أكل، والصحيح أنه لا يضمن)) (1). وقال ابن كثير أيضاً: (({فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} أي في غير بغي ولا عدوان

وغير مستحلّه، وليس له من ذلك إلا القدر الذي يبلغه الحلال، وله أن يحمل منه ما يبلّغه ذلك، فإذا بلّغه ألقاه وهو قوله {وَلَا عَادٍ} )).

قال القرطبي: ((وأما المخمصة فلا يخلو أن تكون دائمة أو لا، فإن كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع من الميتة، إلا أنه لا يحل له أكلها وهو يجد مال مسلم لا يخاف فيه قطعاً، كالتمر المعلق، وحريسة الجبل، ونحو ذلك مما لا قطع فيه ولا أذى)) (2).

قال مجاهد: ((فمن اضطر غير باغ ولا عاد قاطعاً للسبيل، أو مفارقاً للأئمة، أو خارجاً في معصية الله، فله الرخصة، ومن خرج باغياً، أو عادياً، أو في معصية الله فلا رخصة له، وإن اضطر إليه

وقال قتادة .. فمن اضطر غير باغ ولا عاد، قال: غير باغ في الميتة، أي في أكله أن يتعدى حلالاً إلى حرام وهو يجد عنه مندوحة

))، وحكى القرطبي عن مجاهد في قوله:{فَمَنِ اضْطُرَّ} : ((أي أكره على ذلك بغير اختياره)) (3).

قال ابن العربي: ((هذا الضرر الذي بيّناه يلحق إما بإكراه من ظالم، أو جوع في مخمصة، أو بفقر لا يجد فيه غيره، فإن التحريم يرتفع عن ذلك بحكم الاستثناء ويكون مباحاً، فأما الإكراه فيبيح ذلك كله إلى آخر

(1) تفسير ابن كثير، 1/ 133.

(2)

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 1/ 226.

(3)

تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 1/ 205.

ص: 52

الإكراه)) (1)، وقد روى الإمام أحمد:((أنهم قالوا: يا رسول الله، إنّا بأرضٍ تصيبنا بها المخمصة، فمتى تحلّ لنا بها الميتة؟ فقال: ((إذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا فشأنكم بها)) (2).

والحكمة من إباحة هذه المحرمات عند الضرورة:

أن الله تبارك وتعالى: رحيم بعباده، يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وقد أباح لهم سبحانه هذه المحرمات عند الضرورة التي قد تهلك الإنسان، فهو سبحانه رحيم بهم، فمن احتاج تناول شيءٍ من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناوله والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر له.

وهو سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته (3)، والعبد الفقير إلى رحمة ربه إذا ألجأته هذه الضرورة فإنه يعمد إلى رخصة ربه، فيجتنب أكبر الضررين بارتكاب أخفّهما، فإن إثم قتل النفس أعظم من إثم أكل الميتة، بل قد أباحها الله سبحانه عند الضرورة.

قال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (4).

(1) أحكام القرآن لابن العربي، 1/ 55.

(2)

مسند أحمد، 5/ 218، برقم 22246، وقال زهير الشاويش:((تفرد به من هذا الوجه، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين)).

(3)

مسند أحمد، 2/ 108، وسبق تخريجه.

(4)

سورة النساء، الآية:29.

ص: 53