الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
أولاً: حكم المرتد
قوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) أي ومن يرتد عن الدين، ويكفر بشرائع الإيمان فقد حبط عمله، وهو من الهالكين (2)، وروى ليث عن مجاهد: ومن يكفر بالإيمان: قال الإيمان بالله تعالى.
قال الزجاج: ((معنى الآية: من أحل ما حرم الله، أو حرم ما أحل الله فهو كافر.
وقال أبو سليمان: من جحد ما أنزله الله من شرائع الإيمان، وعرفه من الحلال والحرام، فقد حبط عمله المتقدم.
وسمعت الحسن بن أبي بكر النيسابوري الفقيه يقول: إنما أباح الله عز وجل الكتابيات؛ لأن بعض المسلمين قد يعجبه حسنهنّ، فحذّر ناكحهنّ من الميل إلى دينهنّ بقوله:{وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (3).
ثانياً: حكم من حكم بغير ما أنزل الله
.
قال الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (4)،
(1) سورة المائدة، الآية:5.
(2)
صفوة التفاسير للصابوني، 1/ 329.
(3)
زاد المسير في عمل التفسير، 2/ 297، وانظر حكم المرتد مُفصلاً في كتابي:((قضية التكفير)).
(4)
سورة المائدة، الآية:44.
وقال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1)، وقال سبحانه:{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (2).
لما كان الموضوع الذي قبل هذا هو الكلام عن بعض أحكام المرتدّ، أحببت أن أتبعه بحكم من حكم بغير ما أنزل الله؛ لأن من حكم بغير ما أنزل الله قد يكون مرتدّاً، وقد يكون مسلماً عاصياً مرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب؛ فلهذا نجد أن أهل العلم قد قسموا الكلمات الآتية إلى قسمين، وهي كلمة: كافر، وفاسق، وظالم، ومنافق، ومشرك، فكفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسوق دون فسوق، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك.
فالأكبر يخرج من الملة؛ لمنافاته أصل الدين بالكلية.
والأصغر ينقص الإيمان، وينافي كماله، ولا يخرج صاحبه من الملة.
ولهذا فصّل العلماء القول فيمن حكم بغير ما أنزل الله، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه عندما سئل عن حكم من حكم بغير ما أنزل الله.
قال: ((من حكم بغير ما أنزل الله فلا يخرج عن أربعة أنواع:
1 -
من قال: أنا أحكم بهذا لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية، فهو كافر كفراً أكبر.
(1) سورة المائدة، الآية:45.
(2)
سورة المائدة، الآية:47.
2 -
ومن قال: أنا أحكم بهذا لأنه مثل الشريعة الإسلامية، فالحكم بهذا جائز، وبالشريعة جائز، فهو كافر كفراً أكبر.
3 -
ومن قال: أنا أحكم بهذا، والحكم بالشريعة الإسلامية أفضل، لكن الحكم بغير ما أنزل الله جائز، فهو كافر كفراً أكبر.
4 -
ومن قال: أنا أحكم بهذا، وهو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز، ويقول: الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل، ولا يجوز الحكم بغيرها، ولكنه متساهل، أو يفعل هذا لأمر صادر من حُكَّامه، فهو كافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة، ويعتبر من أكبر الكبائر)) (1).
ولا منافاة بين تسمية العمل فسقاً، أو عامله فاسقاً، وبين تسميته مسلماً وجريان أحكام المسلمين عليه؛ لأنه ليس كل فسق يكون كفراً، ولا كل ما يسمى كفراً، وظلماً، يكون مخرجاً من الملة حتى ينظر إلى لوازمه وملزوماته، وذلك لأن كلاً من الكفر، والظلم، والفسوق، والنفاق جاءت في النصوص على قسمين:
أ - أكبر يخرج من الملة؛ لمنافاته أصل الدين بالكلية.
ب - وأصغر ينقص الإيمان وينافي كماله، ولا يخرج صاحبه منه، فكفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسوق دون فسوق، ونفاق دون نفاق.
(1) حدثنا بهذا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أثناء محاضرة له بالجامع الكبير بعد عام 1402هـ، وأظنه عام 1403هـ، ثم طبعت هذه المحاضرة فيما بعد بعنوان القوادح في العقيدة.
والفاسق بالمعاصي التي لا توجب الكفر لا يخلد في النار، بل أمره مردود إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة من أول وهلة برحمته وفضله، وإن شاء عاقبه بقدر الذنب الذي مات مصراً عليه، ولا يخلده في النار، بل يخرجه برحمته، ثم بشفاعة الشافعين إن كان مات على الإيمان (1).
وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن المعاصي صغرت أم كبرت لا تؤدي بذاتها إلى الحكم على المسلم بالكفر، إنما يكون الكفر بسبب استحلال المعصية بتحليل ما حرّم الله، أو تحريم ما أحلّ الله تعالى، وهذه مسألة لا يختلف فيها اثنان من العلماء (2)، فالله تعالى يقول:{إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (3).
ولا أستطيع أن أكتب في هذا المبحث المحدود كل ما قال علماء أهل السنة والجماعة، وإنما ذكرت الخلاصة، ومن أراد التفصيل في حكم المرتد فعليه بالرجوع إلى كتابي ((قضية التكفير))، والله أسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.
(1) معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم أصول التوحيد، 2/ 423.
(2)
الحكم وقضية تكفير المسلم، ص186، وقضية التكفير للمؤلف، ص40.
(3)
سورة النساء، الآية:116.