الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ) يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ
بِالْمُطْلَقِ، وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ
ــ
[منح الجليل]
[بَابٌ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ]
(بَابٌ) أَيْ أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ أَحْكَامُ الطَّهَارَةِ وَمَا يُنَاسِبُهَا وَهِيَ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا بِالْمَاءِ، أَوْ الصَّعِيدِ وَهَذَا هُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى صِفَةٍ تَقْدِيرِيَّةٍ شَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا أَيْ يُقَدِّرُ الشَّارِعُ قِيَامَهَا بِالْحَيِّ، وَالْجَمَادِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ وَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَبِالْآدَمِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ عِنْدَ رَفْعِ الْمَانِعِ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ.
(يُرْفَعُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ يُزَالُ (الْحَدَثُ) أَيْ الْوَصْفُ الْمَانِعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا الْمُقَدَّرُ شَرْعًا قِيَامُهُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، أَوْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ عِنْدَ مُوجِبِهِ.
(وَحُكْمُ) أَيْ الْوَصْفُ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا قِيَامُهُ بِ (الْخَبَثِ) أَيْ ذَاتِ النَّجَاسَةِ وَمَا تَلَطَّخَ بِهَا مِنْ بَدَنِ آدَمِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ وَصِلَةُ " يُرْفَعُ "(بِالْمُطْلَقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَصْلُهُ مَفْعُولُ " أَطْلَقَ "، ثُمَّ نُقِلَ شَرْعًا لِجِنْسِ الْمَاءِ الطَّهُورِ، وَالرَّفْعُ إمَّا غُسْلٌ، أَوْ مَسْحٌ أَوْ نَضْحٌ، وَالْمَسْحُ إمَّا أَصْلِيٌّ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِمَّا بَدَلِيٌّ وَهَذَا إمَّا اخْتِيَارِيٌّ كَمَسْحِ الْخُفِّ فِيهِ، وَإِمَّا اضْطِرَارِيٌّ كَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ، وَالْغُسْلُ إمَّا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ سِوَى الرَّأْسِ، وَالْأُذُنَيْنِ، أَوْ لِمَا تَلَطَّخَ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ بَدَنِ آدَمِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: الِاقْتِصَارُ فِي مَقَامِ التَّبْيِينِ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ إذْ الصَّعِيدُ الطَّاهِرُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثِ عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِجْمَارِ وَمَلْبُوسِ الرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ وَذَيْلِ الْمَرْأَةِ الْمُطَالِ لِلسَّتْرِ،.
قُلْت: الْمُرَادُ الْحَصْرُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بِالرَّفْعِ وَعَدَمِهِ مَعَ الْعَفْوِ.
(وَهُوَ) أَيْ تَعْرِيفُ الْمُطْلَقِ (مَا) أَيْ شَيْءٌ جِنْسٌ شَمِلَ الْمُطْلَقَ وَغَيْرَهُ (صَدَقَ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَيْنِ أَيْ صَحَّ أَنْ يَحْصُلَ (عَلَيْهِ) أَيْ الشَّيْءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ لَفْظًا، وَفَاعِلُ
اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ أَوْ كَانَ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ فَضْلَةَ طُهَارَتِهِمَا
ــ
[منح الجليل]
صَدَقَ " (اسْمُ مَاءٍ) بِالْمَدِّ، وَإِضَافَتُهُ لِلْبَيَانِ أَيْ اسْمٌ هُوَ لَفْظُ مَاءٍ فَصْلٌ مُخْرِجٌ كُلَّ مَا لَمْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ مَاءً، جَامِدًا كَانَ كَالصَّعِيدِ، أَوْ مَائِعًا كَالزَّيْتِ، وَالْعَسَلِ، وَصِلَةُ " صَدَقَ ".
(بِلَا قَيْدٍ) فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ مَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَاءُ إلَّا بِقَيْدٍ نَحْوُ مَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الزَّهْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ وَشَمِلَ مَاءَ الْبَحْرِ وَمَاءَ الْمَطَرِ وَمَاءَ الْعَيْنِ وَمَاءَ الْغَدِيرِ وَمَاءَ النَّدَى وَنَحْوَهَا لِصِحَّةِ حَمْلِ الْمَاءِ عَلَيْهَا بِلَا قَيْدٍ، وَلَمَّا تُوُهِّمَ عَدَمُ شُمُولِهِ النَّدَى الْمَجْمُوعَ وَالذَّائِبَ بَعْدَ جُمُودِهِ بَالَغَ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ جُمِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْمُطْلَقُ فِي يَدِ رَافِعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ، أَوْ غَيْرِهَا، وَصِلَةُ جُمِعَ (مِنْ نَدًى) بِفَتْحِ النُّونِ مَقْصُورٌ رَأْيُ بَلَلٍ نَازِلٍ مِنْ السَّمَاءِ آخِرَ اللَّيْلِ عَلَى وَرَقِ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا فَهُوَ مُطْلَقٌ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثِ وَلَوْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ، أَوْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ اثْنَانِ، أَوْ الثَّلَاثَةُ بِمَا جُمِعَ مِنْ فَوْقِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالْقَرَارِ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ (أَوْ ذَابَ) أَيْ تَمَيَّعَ الْمُطْلَقُ بِنَفْسِهِ، أَوْ تَسْخِينِهِ بِشَمْسٍ، أَوْ نَارٍ (بَعْدَ جُمُودِهِ) كَثَلْجٍ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مُتَحَلِّلًا كَرَغْوَةِ صَابُونٍ جَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى صَارَ كَالْحَجَرِ، ثُمَّ ذَابَ، وَبَرَدٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ نَزَلَ مِنْهَا جَامِدًا كَالْحَجَرِ ثُمَّ ذَابَ، وَجَلِيدٍ نَزَلَ مِنْهَا مُتَّصِلًا بِخَيْطٍ، ثُمَّ ذَابَ، وَمَاءٍ جَمَدَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ، ثُمَّ ذَابَ بِالتَّسْخِينِ.
(أَوْ كَانَ) أَيْ الْمُطْلَقُ (سُؤْرَ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ يُخَفَّفُ بِإِبْدَالِهِ وَاوًا أَيْ بَاقِيًا بَعْدَ شُرْبِ (بَهِيمَةٍ) وَلَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ جَلَّالَةً؛ إذْ الْكَلَامُ الْآنَ فِي الطَّهُورِ الشَّامِلِ لِلْمُبَاحِ، وَالْمَكْرُوهِ هُوَ الْمُحَرَّمُ كَمَاءِ آبَارِ نَحْوِ ثَمُودَ (أَوْ) سُؤْرَ (حَائِضٍ) وَنُفَسَاءَ (وَجُنُبٍ) وَلَوْ كَافِرَيْنِ، أَوْ شَارِبَيْ خَمْرٍ شَرِبَا مِنْهُ مَعًا وَأَوْلَى أَحَدُهُمَا (أَوْ) كَانَ الْمُطْلَقُ (فَضْلَةً) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَقِيَّةَ (طُهَارَتِهِمَا) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْبَاقِيَ بَعْدَ اغْتِسَالِ الْحَائِضِ، وَالْجُنُبِ مَعًا مِنْ الْمَاءِ وَأَوْلَى الْبَاقِي بَعْدَ اغْتِسَالِ أَحَدِهِمَا فَإِضَافَةُ " فَضْلَةَ " لِلْبَيَانِ.
أَوْ كَثِيرًا خُلِطَ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ أَوْ شُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ، أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ وَإِنْ بِدُهْنٍ لَاصَقَ أَوْ بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ،
ــ
[منح الجليل]
أَوْ) كَانَ الْمُطْلَقُ (كَثِيرًا) أَيْ زَائِدًا عَلَى إنَاءِ غُسْلٍ وَكَذَا الْيَسِيرُ عَلَى الرَّاجِحِ (خُلِطَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْكَثِيرُ (بِنَجِسٍ) وَأَوْلَى بِطَاهِرٍ (لَمْ يُغَيِّرْ) النَّجِسُ أَحَدَ أَوْصَافِ الْمَاءِ فَإِنْ غَيَّرَهُ سَلَبَ طَهُورِيَّتَهُ وَطَاهِرِيَّتَهُ.
(أَوْ) كَانَ الْمُطْلَقُ مُتَغَيِّرًا يَقِينًا وَ (شُكَّ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُرُدِّدَ عَلَى السَّوَاءِ (فِي) ضَرَرِ (مُغَيِّرِهِ) لِكَوْنِهِ مِمَّا يُفَارِقُ الْمَاءَ غَالِبًا وَعَدَمِهِ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا فَقَوْلُهُ (هَلْ يَضُرُّ) الْمُغَيِّرُ الْمَاءَ أَيْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ لِمُفَارَقَتِهِ لَهُ غَالِبًا كَالطَّعَامِ وَالدَّمِ، أَوْ لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ لِكَوْنِهِ لَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا كَقَرَارِهِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ بَيَانٌ لِمُتَعَلِّقِ الشَّكِّ، وَإِشَارَةٌ لِلْمُضَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَوْلَى الْمُتَوَهَّمُ ضَرَرُ مُغَيِّرِهِ، أَوْ الْمَظْنُونُ أَوْ الْمَشْكُوكُ، أَوْ الْمُتَوَهَّمُ تَغَيُّرَهُ مَعَ الشَّكِّ فِي ضَرَرِ مُغَيِّرِهِ، أَوْ تَوَهُّمِهِ فَإِنْ ظُنَّ ضَرَرُ مُغَيِّرِهِ فَلَيْسَ طَهُورًا، أَوْ إنْ تُيُقِّنَ ضَرَرُ مُغَيِّرِهِ وَشُكَّ فِي طَهَارَتِهِ وَعَدَمِهَا فَطَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا.
(أَوْ تَغَيَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا رِيحُ الْمُطْلَقِ (بِمُجَاوِرِهِ) بِالْهَاءِ ضَمِيرُ الْمُطْلَقِ مُضَافٌ إلَيْهَا اسْمُ الْفَاعِلِ، أَوْ بِالتَّاءِ مِنْ بِنْيَةِ الْمَصْدَرِ كَوَرْدٍ عَلَى شُبَّاكِ قُلَّةٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاؤُهَا، أَوْ جِيفَةٍ عَلَى شَطِّ غَدِيرٍ كَذَلِكَ وَلَوْ فُرِضَ بَقَاءُ تَغَيُّرِ رِيحِهِ بَعْدَ إبْعَادِ مُجَاوِرِهِ عَنْهُ وَأَمَّا اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ فَلَا يَتَغَيَّرَانِ بِالْمُجَاوَرَةِ وَإِنْ حَصَلَ دَلَّ عَلَى الْمُمَازَجَةِ فَلَيْسَ مُطْلَقًا خِلَافًا لعج وَمَنْ تَبِعَهُ هَذَا إنْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرٍ غَيْرِ مُلَاصِقٍ بَلْ (وَإِنْ) تَغَيَّرَ رِيحُهُ (بِدُهْنٍ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَزَيْتٍ وَشَحْمٍ (لَاصَقَ) الدُّهْنُ ظَاهِرَ الْمَاءِ وَلَمْ يَمْتَزِجْ بِهِ قَالَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ رَاشِدٍ وَخَلِيلٌ وَارْتَضَاهُ الْحَطَّابُ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ عَدَمُ اغْتِفَارِهِ وَارْتَضَاهُ ابْنُ مَرْزُوقٌ وعج وَتَلَامِذَتُهُ، وَأَمَّا تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، أَوْ الطَّعْمِ بِهِ فَيَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ اتِّفَاقًا وَأَوْلَى بِالْمُمَازِجِ.
(أَوْ) تَغَيَّرَ رِيحُهُ (بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ) أَوْ مُقِيمٍ صُبَّ الْمَاءُ فِيهِ بَعْدَ زَوَالِ جِرْمِ الْقَطِرَانِ مِنْهُ وَكَذَا تَغَيُّرُ رَائِحَتِهِ بِجِرْمِ الْقَطِرَانِ عَلَى مَا لِسَنَدٍ، وَأَمَّا تَغَيُّرُ طَعْمِهِ، أَوْ لَوْنِهِ فَيَسْلُبُهَا سَفَرًا وَحَضَرًا وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْحَطَّابُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ دِبَاغًا
أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ؛ أَوْ بِقَرَارِهِ كَمِلْحٍ. أَوْ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ.
ــ
[منح الجليل]
لِلْوِعَاءِ، وَإِلَّا فَلَا يَسْلُبُهَا وَلَوْ غَيَّرَ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ تَغْيِيرًا فَاحِشًا كَغَيْرِهِ إنْ كَانَ دِبَاغًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَأَلْحَقُوا بِهِ الدِّهَانَاتِ الْغَالِبَةَ فِي أَوْعِيَةِ الْبَوَادِي، وَقَاعِدَةُ الِاغْتِفَارِ عُسْرُ الِاحْتِرَازِ.
(أَوْ) تَغَيَّرَ الْمُطْلَقُ لَوْنًا، أَوْ طَعْمًا، أَوْ رَائِحَةً، أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ الْجَمِيعَ (بِمُتَوَلِّدٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا اسْمُ فَاعِلِ " تَوَلَّدَ "(مِنْهُ) أَيْ الْمُطْلَقِ كَطُحْلُبٍ بِضَمِّ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَفَتْحِهَا وَلَوْ نُزِعَ مِنْهُ وَأُلْقِيَ فِيهِ ثَانِيًا، أَوْ فِي غَيْرِهِ مَا لَمْ يُطْبَخْ وَكَسَمَكٍ حَيٍّ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِسَمَكٍ مَيِّتٍ فَلَيْسَ بِطَهُورٍ وَفِي الْمُتَغَيِّرِ بِرَوْثِهِ تَرَدُّدٌ لعج وَمَنْ بَعْدَهُ.
(أَوْ) تَغَيَّرَ الْمُطْلَقُ (بِقَرَارِهِ) الَّذِي اسْتَقَرَّ فِيهِ (كَمِلْحٍ) وَمَغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ وَشَبٍّ وَزِرْنِيخٍ وَطَفْلٍ بِمَعْدِنِهِ (أَوْ) تَغَيَّرَ الْمُطْلَقُ (بِمَطْرُوحٍ) فِيهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ آدَمِيٍّ بِرِيحٍ، أَوْ غَيْرِهِ بَلْ (وَلَوْ) كَانَ طَرْحُهُ فِيهِ (قَصْدًا) أَيْ مَقْصُودًا مِنْ آدَمِيٍّ وَأَشَارَ بِ " وَلَوْ " إلَى أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلًا بِضَرَرِ الْمَطْرُوحِ قَصْدًا وَهُوَ لِلْمَازِرِيِّ وَبَيْنَ الْمَطْرُوحِ بِقَوْلِهِ (مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ) جَمَعَهُمَا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ أَقْرَبُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إلَى الْمَاءِ، وَالْمِلْحَ أَبْعَدُهَا مِنْهُ فَيُعْلَمُ قِيَاسُ مَا بَيْنَهُمَا عَلَيْهِمَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمِلْحُ مَعْدِنِيًّا، أَوْ مَصْنُوعًا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ.
(وَالْأَرْجَحُ) أَيْ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ خِلَافِ الْمُتَقَدِّمِينَ (السَّلْبُ) لِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ (بِالْمِلْحِ) الْمَطْرُوحِ فِيهِ قَصْدًا، مَصْنُوعًا كَانَ، أَوْ مَعْدِنِيًّا وَهَذَا قَوْلُ الْقَابِسِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ الْبَاجِيَّ: الْمَعْدِنِيُّ لَا يَسْلُبُهَا، وَالْمَصْنُوعُ يَسْلُبُهَا، وَضُعِّفَ أَيْضًا، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ.
وَالْقَابِسِيِّ إلَى قَوْلِ الْبَاجِيَّ وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْدِنِيَّ لَا يَسْلُبُهَا اتِّفَاقًا، وَالْمَصْنُوعَ يَسْلُبُهَا اتِّفَاقًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرُدَّهُمَا إلَيْهِ وَأَبْقَاهُمَا عَلَى إطْلَاقِهِمَا وَجَعَلَ الْمَذْهَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَالْخِلَافُ فِيهِمَا، وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ:
وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ.
لَا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ
ــ
[منح الجليل]
وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ) لِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ (بِهِ) أَيْ الْمِلْحِ (إنْ صُنِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْمِلْحُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَتُرَابٍ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ الْمَعْدِنِيَّ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى السَّلْبِ بِهِ وَهَذَا فَهْمُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَرَدِّهَا لِقَوْلٍ وَاحِدٍ وَهَذَا أَحَدُ شِقَّيْ التَّرَدُّدِ وَالشِّقُّ الثَّانِي طَوَاهُ الْمُصَنِّفُ وَتَقْدِيرُهُ: وَعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ فَفِيهِ الْخِلَافُ كَالْمَعْدِنِيِّ وَهَذَا فَهْمُ مَنْ أَبْقَى الْأَقْوَالَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا لِقَوْلٍ وَاحِدٍ وَمُبْتَدَأٍ، وَفِي الِاتِّفَاقِ إلَخْ.
(تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ الرَّاجِحُ مِنْهُ عَدَمُ الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِالْمَصْنُوعِ فَفِيهِ الْخِلَافُ كَالْمَعْدِنِيِّ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ السَّلْبِ بِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا التَّرَدُّدُ لَيْسَ مِنْ تَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَبَا زَيْدٍ وَالْقَابِسِيَّ وَالْبَاجِيِّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلِأَنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ وَلَا فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّهِمْ عَلَيْهِ فَهَذَا التَّرَدُّدُ لَمْ يَجْرِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي أَسَّسَهَا فِي الْخُطْبَةِ.
قُلْتُ: هُوَ مِنْ تَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ؛ إذْ لَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ بِالْمُتَقَدِّمِينَ فِيهَا الْمُتَقَدِّمِينَ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بَلْ أَرَادَ بِهِمْ كُلَّ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ وَلَمْ يُرِدْ بِالِاخْتِلَافِ فِي النَّقْلِ خُصُوصَ نَقْلِ أَقْوَالِهِمْ الَّتِي نَصُّوا عَلَيْهَا بَلْ أَرَادَ مَا يَعُمُّهَا وَمَا فَهِمَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْهُمْ مِنْ كَلَامِهِمْ فَكُلُّ مَنْ فَهِمَ مِنْهُ شَيْئًا نَسَبَهُ لَهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ كَأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَيْهِ وَقَالُوهُ؛ فَهَذَا التَّرَدُّدُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَتِهِ وَمِنْ أَفْرَادِهَا.
وَعَطَفَ عَلَى بِالْمُطْلَقِ بِلَا فَقَالَ: (لَا) يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ (بِ) مَاءٍ (مُتَغَيِّرٍ) يَقِينًا وَظَنًّا قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا وَلَوْ تَغَيُّرًا يَسِيرًا (لَوْنًا، أَوْ طَعْمًا) اتِّفَاقًا (أَوْ رِيحًا) عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ اغْتَفَرَهُ مُطْلَقًا، أَوْ يَسِيرًا وَهَذِهِ تَمْيِيزَاتٌ مُحَوَّلَةٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَصِلَةُ " مُتَغَيِّرًا "(بِمَا) أَيْ شَيْءٍ، أَوْ الشَّيْءِ الَّذِي (يُفَارِقُهُ) أَيْ الْمَاءُ فِرَاقًا أَوْ زَمَنًا (غَالِبًا) أَيْ كَثِيرًا احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يُلَازِمُهُ كَقَرَارِهِ وَعَمَّا يُفَارِقُهُ نَادِرًا كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ فَتَغَيُّرُهُ بِهِمَا لَا يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ وَبَيَّنَ مُفَارِقَهُ غَالِبًا بِقَوْلِهِ (مِنْ)
أَوْ نَجِسٍ: كَدُهْنٍ خَالَطَ، أَوْ بُخَارِ مُصْطَكَى. وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ.
وَيَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ:
ــ
[منح الجليل]
ظَاهِرٍ) كَزَعْفَرَانٍ وَطَعَامٍ. (أَوْ نَجِسٍ) كَدَمٍ وَمَثَّلَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ (كَدُهْنٍ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ مِنْ مُذَكًّى، أَوْ مَيْتَةٍ (خَالَطَ) أَيْ الدُّهْنُ الْمَاءَ لَا إنْ جَاوَرَهُ، أَوْ لَاصَقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ بُخَارِ) أَيْ دُخَانِ (مُصْطَكَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا وَضَمِّهَا مَقْصُورًا فَقَطْ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَبُخَارُهَا كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ نَجِسَةً فَبُخَارُهَا نَجِسٌ عَلَى أَنَّ دُخَانَ النَّجِسِ نَجِسٌ وَهُوَ الْآتِي لِلْمُصَنِّفِ وَسَوَاءٌ بَخَّرَ بِهَا الْمَاءَ بِأَنْ كَانَ وِعَاؤُنَا نَاقِصًا وَوُضِعَتْ الْمِبْخَرَةُ فَوْقَ الْمَاءِ وَحُبِسَ الْبُخَارُ فِي أَعْلَاهُ حَتَّى امْتَزَجَ بِهِ وَغَيَّرَهُ، أَوْ الْإِنَاءِ وَحُبِسَ الْبُخَارُ فِيهِ وَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَامْتَزَجَا وَتَغَيَّرَ الْمَاءُ فَإِنْ لَمْ يُحْبَسْ الْبُخَارُ وَسَرَحَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الْإِنَاءِ وَصُبَّ الْمَاءُ فِيهِ فَتَغَيَّرَ فَهُوَ طَهُورٌ وَلِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ، وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ سَطْحَ الْإِنَاءِ اكْتَسَبَ الرَّائِحَةَ وَلَاصَقَ الْمَاءَ فَهُوَ تَغَيُّرٌ بِمُلَاصِقٍ. (وَحُكْمُهُ) أَيْ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا أَيْ وَصْفُهُ الْحُكْمِيُّ (كَ) وَصْفِ (مُغَيِّرِهِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا أَيْ الْمَاءِ فَالْمُتَغَيِّرُ بِطَاهِرٍ كَعَسَلٍ طَاهِرٌ، وَالْمُتَغَيِّرُ بِنَجِسٍ كَدَمٍ نَجِسٌ وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ أَيْ مَا حُكْمُ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ إلَخْ فَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا.
(وَيَضُرُّ) الْمَاءَ أَيْ بِسَلْبِ طَهُورِيَّتِهِ (بَيِّنُ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ مُشَدَّدَةً أَيْ فَاحِشٌ وَكَثِيرٌ، مُضَافٌ لِ (تَغَيُّرٍ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ: مَصْدَرُ تَغَيَّرَ بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا إضَافَةُ مَا كَانَ صِفَةً لِمَا كَانَ مَوْصُوفًا، وَالْأَصْلُ تَغَيُّرٌ بَيِّنٌ أَيْ فَاحِشٌ لِلَوْنِ أَوْ طَعْمِ، أَوْ رِيحِ الْمَاءِ، وَصِلَةُ " تَغَيُّرٍ "(بِحَبْلِ سَانِيَةٍ) أَيْ بِئْرٍ ذَاتِ دُولَابٍ وَتُسَمَّى فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ سَاقِيَةً وَحَبْلُهَا طَوَنْسًا وَمِثْلُهَا سَائِرُ الْآبَارِ وَمِثْلُ الطَّوَنْسِ سَائِرُ الْحِبَالِ وَالدِّلَاءِ الَّتِي يُنْزَعُ بِهَا الْمَاءُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَلِيفٍ وَحَلْفَاءَ وَخُوصٍ وَجِلْدٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَفَخَّارٍ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَلَوْ بَيِّنًا وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْمَشْهُورِ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْبَيِّنِ
كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ، أَوْ بِئْرٍ بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ وَالْأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ وَفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ وَالْمُوَافِقِ
ــ
[منح الجليل]
وَغَيْرِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ تَغَيُّرُ مَاءِ الْبِئْرِ بِآلَةِ إخْرَاجِهِ مِنْهَا، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَقِيلَ: إنَّهُ مُغْتَفَرٌ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا يُغْتَفَرُ مُطْلَقًا وَقِيلَ يُغْتَفَرُ الْيَسِيرُ لَا الْكَثِيرُ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى إبْدَالُ حَبْلِ سَاقِيَةٍ بِآلَةِ اسْتِقَاءٍ لِيَشْمَلَ الْحَبْلَ وَغَيْرَهُ وَالسَّاقِيَةَ وَغَيْرَهَا وَشَبَّهَ فِي الضَّرَرِ فَقَالَ: (كَ) تَغَيُّرِ (غَدِيرٍ) أَيْ مَاءِ غَدِيرٍ أَيْ تَرَكَهُ السَّيْلُ، أَوْ النِّيلُ فِي مَحَلٍّ مُنْخَفِضٍ يُسَمَّى فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ بِرْكَةً فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَيَصِحُّ كَوْنُهُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْضًا لِغَدْرِهِ أَهْلَهُ بِالْجَفَافِ عِنْدَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ فِي الصَّيْفِ وَصِلَةُ " تَغَيُّرِ " الْمُقَدَّرِ (بِرَوْثِ) وَبَوْلِ (مَاشِيَةٍ) أَلْقَتْهُ فِيهِ حَالَ شُرْبِهَا مِنْهُ فَغَيَّرَهُ تَغْيِيرًا كَثِيرًا، أَوْ يَسِيرًا فَلَيْسَ طَهُورًا فَالتَّشْبِيهُ لَيْسَ تَامًّا هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ رِوَايَتَيْ اللَّخْمِيِّ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى تَقْيِيدُ الضَّرَرِ بِالْكَثِيرِ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْيَسِيرِ وَحَمَلَ عَلَيْهَا بَعْضُ الشَّارِحِينَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَجَعَلَ التَّشْبِيهَ تَامًّا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ نَعَمًا، أَوْ غَيْرَهَا، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ طَهُورِيَّةُ الْغَدِيرِ الْمُتَغَيِّرِ بِرَوْثِ النَّعَمِ مُطْلَقًا وَيُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ. (أَوْ) تَغَيُّرِ مَاءِ (بِئْرٍ) وَلَوْ يَسِيرًا (بِوَرَقِ شَجَرٍ، أَوْ تِبْنٍ) بِالْمُوَحَّدَةِ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِيهِ فَلَيْسَ طَهُورًا فِي بَادِيَةٍ وَلَا فِي حَاضِرَةٍ
(وَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ قَوْلَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه "(فِي) تَغَيُّرِ مَاءِ (بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا) أَيْ وَرَقِ الشَّجَرِ وَالتِّبْنِ (الْجَوَازُ) لِرَفْعِ الْحَدَثِ، وَحُكْمِ الْخَبَثِ بِهِ لِعَدَمِ سَلْبِهِ طَهُورِيَّتَهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُمَا فِيهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمِثْلُ مَاءِ الْبِئْرِ الْغَدِيرُ بِالْأَوْلَى وَبِئْرُ الْحَاضِرَةِ الَّتِي يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا فِيهَا فَالْمَدَارُ عَلَى غَلَبَةِ السُّقُوطِ، وَعُسْرِ الِاحْتِرَازِ فِيَاضُ وَحِيَاضُ الْحَاضِرَةِ الَّتِي يَغْلِبُ سُقُوطُهُمَا فِيهَا وَيَعْسُرُ تَغْطِيَتُهَا كَذَلِكَ.
(وَفِي جَعْلِ) أَيْ تَقْدِيرِ (الْمُخَالِطِ) لِلْمُطْلَقِ (الْمُوَافِقِ) لَهُ فِي لَوْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَهُوَ مِمَّا يُفَارِقُهُ غَالِبًا كَمَاءِ حَطَبِ الْعِنَبِ الْمُسَمَّى زَرْجُونًا وَمَاءِ نَحْوِ وَرْدٍ ذَهَبَتْ أَوْصَافُهُ، وَمَفْعُولُ
كَالْمُخَالِفِ نَظَرٌ.
وَفِي التَّطْهِيرِ بِمَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلَانِ.
وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ
ــ
[منح الجليل]
جَعْلِ " الثَّانِي (كَالْمُخَالِفِ) لِلْمُطْلَقِ فِي الصِّفَاتِ، وَالْحُكْمُ بِسَلْبِهِ طَهُورِيَّةَ الْمُطْلَقِ وَعَدَمِ جَعْلِهِ كَالْمُخَالِفِ فَيُحْكَمُ بِبَقَاءِ الطَّهُورِيَّةِ (نَظَرٌ) أَيْ تَوَقُّفٌ وَتَرَدُّدٌ لِابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ وَاسْتَظْهَرَ الْإِمَامُ سَنَدٌ شِقَّهُ الْأَوَّلَ وَلِذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَطَوَى مُقَابِلَهُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شِقَّهُ الْآخَرَ وَهُمَا فِي الْمَاءِ مُطْلَقًا كَثِيرًا كَانَ، أَوْ قَلِيلًا، وَفَرَضَهُمَا فِي كَوْنِ الْمُخَالِطِ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَغَايَرَ الْمَاءَ يَقِينًا، أَوْ ظَنًّا وَأَجْرَاهُمَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُوَافِقِ النَّجِسِ أَيْضًا كَبَوْلِ مَرِيضٍ بِصِفَةِ الْمَاءِ أَوْ ذَهَبَتْ صِفَاتُهُ بِمُرُورِ الرِّيَاحِ.
وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَبُو عَلِيٍّ نَاصِرُ الدِّينِ وَجَزَمَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَهُ الْبَوْلُ الْمَذْكُورُ وَقَصَرَا التَّرَدُّدَ عَلَى الْمُخَالِطِ الطَّاهِرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُوَافِقِ أَصَالَةً كَمَاءِ الزَّرْجُونِ، أَوْ عُرُوضًا كَمَاءِ الرَّيَاحِينِ الَّذِي ذَهَبَتْ أَوْصَافُهُ قَالَهُ الْإِمَامُ سَنَدٌ وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ وَاسْتَظْهَرَهُ الْبُنَانِيُّ.
(وَفِي) جَوَازِ (التَّطْهِيرِ) مِنْ حَدَثٍ، أَوْ حُكْمِ خَبَثٍ (بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ مُطْلَقٍ (جُعِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ أُدْخِلَ (فِي الْفَمِ) قَبْلَ التَّطْهِيرِ بِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ تَغَيُّرِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ لِعَدَمِ سَلَامَتِهِ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّيقِ مَعَ قِلَّتِهِ جِدًّا وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ " رضي الله عنه "(قَوْلَانِ) مُقَيَّدَانِ بِعَدَمِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ بِالرِّيقِ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا، أَوْ عَدَمِ طُولِ مُكْثِهِ فِي الْفَمِ زَمَنًا يَتَحَقَّقُ، أَوْ يُظَنُّ أَنَّهُ خَالَطَ الْمَاءَ فِيهِ مِقْدَارٌ مِنْ الرِّيقِ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَغَيَّرَهُ فَإِنْ انْتَفَيَا، أَوْ أَحَدُهُمَا اُتُّفِقَ عَلَى مَنْعِ التَّطْهِيرِ بِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالْمُخَالَطَةِ فِي هَذِهِ وَالْجَزْمِ بِهَا فِي تِلْكَ وَلِأَنَّ هَذِهِ مَنْصُوصَةٌ وَلَا نَصَّ فِي تِلْكَ.
وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ الْمُطْلَقِ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
(وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَنْ يُسْتَعْمَلَ (مَاءٌ) قَلِيلٌ كَإِنَاءِ غُسْلٍ مَوْجُودٍ غَيْرُهُ فِي رَفْعِ حَدَثٍ وَحُكْمِ خَبَثٍ، وَطَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ كَغُسْلِ جُمُعَةٍ، أَوْ مَنْدُوبَةٍ كَغُسْلِ عِيدٍ لَا فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُطْلَقِ كَغُسْلِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ وَنَعْتُ " مَاءٌ "(مُسْتَعْمَلٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ أَيْ الْمَاءُ
فِي حَدَثٍ وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ وَيَسِيرٌ: كَآنِيَةِ وُضُوءٍ، وَغُسْلٍ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْ أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ
ــ
[منح الجليل]
قَبْلَ ذَلِكَ (فِي) رَفْعِ (حَدَثٍ) أَوْ حُكْمِ خَبَثٍ وَهُوَ الْمُتَقَاطِرُ مِنْ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ، وَالْمَغْسُولُ فِيهِ الْعُضْوُ لَا الْجَارِي عَلَيْهِ وَلَا الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ الِاغْتِرَافِ مِنْهُ.
(وَفِي) كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي (غَيْرِهِ) أَيْ رَفْعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُطْلَقِ وَيُصَلَّى بِهِ كَغُسْلِ إحْرَامٍ وَوُضُوءٍ مُجَدَّدٍ وَغَسْلِهِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً لِوَجْهٍ وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ فِي رَفْعِ حَدَثٍ وَحُكْمِ خَبَثٍ وَطَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ، أَوْ مَنْدُوبَةٍ وَعَدَمِهَا (تَرَدُّدٌ) أَيْ فِي الْحُكْمِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُطْلَقِ كَغَسْلِ إنَاءٍ طَاهِرٍ، أَوْ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَلَا يُصَلَّى بِهِ كَوُضُوءٍ لِنَوْمٍ، أَوْ زِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ سُلْطَانٍ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُتَوَقِّفٍ عَلَى طَهُورٍ.
(وَ) كُرِهَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَاءٌ (يَسِيرٌ) أَيْ قَلِيلٌ كَإِنَاءِ غُسْلٍ فِي رَفْعِ حَدَثٍ، أَوْ حُكْمِ خَبَثٍ وَطَهَارَةٍ سُنَّةٍ، أَوْ مَنْدُوبَةٍ لَا فِي غَسْلِ نَحْوِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ قَالَهُ عبق وَبَحَثَ فِيهِ الْعَدَوِيُّ بِأَنَّ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ كُرْهِهِ بِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ كُرْهُهُ فِي الْعَادَاتِ أَيْضًا وَهُوَ وَجِيهٌ، وَإِنْ فَرَّقَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْعِبَادَةِ وَمَثَّلَ لِلْيَسِيرِ بِقَوْلِهِ (كَآنِيَةِ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ النُّونِ أَصْلُهُ بِهَمْزَتَيْنِ مَفْتُوحٍ فَسَاكِنٍ فَأُبْدِلَ الثَّانِي الْفَاءَ جَمْعُ إنَاءٍ فَالْأَوْلَى كَإِنَاءٍ؛ لِأَنَّهُ نِهَايَةُ الْقَلِيلِ.
(وُضُوءٍ وَغُسْلٍ) وَإِنَاءُ الْغُسْلِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَضِّئِ أَيْضًا وَمَا دُونَ إنَاءِ الْوُضُوءِ كَإِنَاءِ الْوُضُوءِ وَنَعَتَ " يَسِيرٌ " بِقَوْلِهِ خُلِطَ (بِنَجِسٍ) قَدْرَ قَطْرَةِ مَطَرٍ مُتَوَسِّطَةٍ كَحِمَّصَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا لِإِنَاءِ وُضُوءٍ وَفَوْقَهَا لِإِنَاءِ غُسْلٍ نَقَلَهُ الرَّمَاصِيُّ عَنْ الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَاشْتَرَطَ النَّاصِرُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا لَهُمَا وَاكْتَفَى بِهَا الْحَطَّابُ فِيهِمَا وَنَعَتَ " نَجِسٍ " بِجُمْلَةِ.
(لَمْ يُغَيِّرْ) النَّجِسُ الْمَاءَ وَوَجَدَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَادَّةٌ وَلَمْ يَجْرِ فَإِنْ غَيَّرَهُ نَجَّسَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَتْ لَهُ مَادَّةٌ، أَوْ جَرَى فَلَا كَرَاهَةَ كَالْكَثِيرِ الزَّائِدِ عَلَى إنَاءِ غُسْلٍ، وَالْمُخْتَلِطِ بِطَاهِرٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْمَكْرُوهَ وَصَلَّى بِهِ فَلَا يُعِيدُ وَعَطَفَ عَلَى مُتَعَلِّقِ بِنَجِسٍ وَهُوَ " خُلِطَ " الْمُقَدَّرُ فَقَالَ (أَوْ) يَسِيرٌ (وَلَغَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا أَيْ أَدْخَلَ (فِيهِ) أَيْ الْيَسِيرِ (كَلْبٌ)
وَرَاكِدٌ يُغْتَسَلُ فِيهِ.
وَسُؤْرُ شَارِبِ خَمْرٍ؛ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ.
وَمَا
ــ
[منح الجليل]
لِسَانَهُ وَحَرَّكَهُ فِيهِ وَلَوْ تُيُقِّنَتْ سَلَامَةُ فَمِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَوُجِدَ غَيْرُهُ لَا إنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ فِيهِ وَلَا إنْ سَقَطَ لُعَابُهُ فِيهِ بِدُونِ إدْخَالِ لِسَانِهِ فِيهِ وَلَا إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ عَطَفَ عَلَى " مَاءٌ " فَقَالَ: (وَ) كُرِهَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ (رَاكِدٌ) أَيْ غَيْرُ جَارٍ، وَقَوْلُهُ (يُغْتَسَلُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفَتْحِ السِّينِ (فِيهِ) أَيْ الرَّاكِدِ تَفْسِيرٌ لِاسْتِعْمَالِهِ الْمُقَدَّرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَكُرِهَ اسْتِعْمَالُ رَاكِدٍ أَيْ الِاغْتِسَالُ فِيهِ أَيْ مِنْ جَنَابَةٍ سَنَدٌ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ " أَوْ غَيْرِهَا " خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَمَرْدُودٌ بِالنِّسْبَةِ وَالنَّظَرِ ابْنُ مَرْزُوقٍ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَصْرُ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ فِيهِ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالسُّنَّةُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ وَالِاغْتِسَالُ أَوْ التَّوَضُّؤُ خَارِجَهُ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ الْمَاءُ الْمُتَقَاطِرُ مِنْ الْبَدَنِ، أَوْ الْأَعْضَاءِ وَلَوْ كَثِيرًا غَيْرَ مُسْتَبْحِرٍ وَلَا ذِي مَادَّةٍ كَثِيرَةٍ وَلَمْ يُضْطَرَّ إلَى الِاغْتِسَالِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ اغْتِسَالٌ فِيهِ وَلَوْ نُظِّفَ الْبَدَنُ وَخَلَا عَنْ الْوَسَخِ تَعَبُّدًا فَلَيْسَتْ نَعْتًا لِرَاكِدٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَبَادَرًا لِإِيهَامِهِ شَرْطَ تَقَدُّمِ الِاغْتِسَالِ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(وَ) كُرِهَ (سُؤْرُ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ أَيْ بَقِيَّةُ مَاءِ شُرْبِ (شَارِبٍ) أَيْ كَثِيرِ شُرْبِ (خَمْرٍ) أَيْ مُسْكِرٍ، مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ وَشُكَّ فِي طَهَارَةِ فَمِهِ لِغَلَبَةِ نَجَاسَتِهِ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ، أَوْ ظُنَّتْ طَهَارَتُهُ فَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُهُ، وَإِنْ تَحَقَّقَتْ، أَوْ ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ الْآتِي، وَإِنْ رِيئَتْ مِنْ فِيهِ إلَخْ وَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُ مَنْ شَرِبَهَا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ فَمِهِ وَلَمْ تَغْلِبْ النَّجَاسَةُ عَلَيْهِ.
(وَ) كُرِهَ (مَا) بِالْقَصْرِ أَيْ مُطْلَقٌ (أَدْخَلَ) شَارِبُ الْخَمْرِ (يَدَهُ) مَثَلًا (فِيهِ) وَلَمْ تَتَحَقَّقْ، أَوْ تُظَنَّ طَهَارَتُهَا وَلَا نَجَاسَتُهَا فَإِنْ تَحَقَّقَتْ، أَوْ ظُنَّتْ طَهَارَتُهَا فَلَا يُكْرَهُ أَوْ نَجَاسَتُهَا فَيُعْمَلُ عَلَيْهَا وَكَرَاهَةُ السُّؤْرِ، وَالْمُدْخَلِ فِيهِ مُقَيَّدَةٌ بِيَسَارَتِهِمَا وَوُجُودِ غَيْرِهِمَا وَهُمَا مِنْ أَفْرَادِ الْيَسِيرِ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَأُفْرِدَا بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ دُخُولِهِمَا فِيهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا وَصَلَّى بِهِمَا أُعِيدَتْ الطَّهَارَةُ بِغَيْرِهِمَا نَدْبًا لِلصَّلَاةِ الْآتِيَةِ دُونَ الصَّلَاةِ الْمَاضِيَةِ.
(وَ) كُرِهَ سُؤْرُ (مَا) أَيْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ كَنَعَمٍ وَطَيْرٍ، أَوْ لَا كَخِنْزِيرٍ وَحِمَارٍ وَفَرَسٍ
لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءِ، لَا إنْ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ طَعَامًا: كَمُشَمَّسٍ، وَإِنْ رِيئَتْ عَلَى فِيهِ
ــ
[منح الجليل]
لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا) أَكْلًا، أَوْ شُرْبًا (مِنْ مَاءٍ) بَيَانٌ لِسُؤْرِ الشَّارِبِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَسُؤْرِ الْمُقَدَّرِ هُنَا، وَكَرَاهَةُ سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا إذَا لَمْ يَعْسُرْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ (لَا) يُكْرَهُ سُؤْرُ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا.
(إنْ عَسُرَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ السِّينِ أَيْ صَعُبَ وَشَقَّ (الِاحْتِرَازُ) أَيْ حِفْظُ الْمَاءِ (مِنْهُ) أَيْ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا كَقِطٍّ وَفَأْرٍ وَعَطَفَ عَلَى عَسُرَ فَقَالَ (أَوْ كَانَ) أَيْ سُؤْرُ شَارِبِ الْخَمْرِ، أَوْ مَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، أَوْ سُؤْرُ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا (طَعَامًا) كَلَبَنٍ وَعَسَلٍ وَزَيْتٍ وَمَرَقٍ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُرَاقُ لِشَرَفِهِ وَيَحْرُمُ طَرْحُهُ فِي قَذِرٍ وَامْتِهَانُهُ الشَّدِيدُ وَيُكْرَهُ الْخَفِيفُ كَغَسْلِ الْيَدِ بِهِ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ.
(كَمُشَمَّسٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمِيمِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَاءٍ مُسَخَّنٍ بِشَمْسٍ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالطَّعَامِ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مَذْكُورٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ شَعْبَانَ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَ ابْنُ الْفَرَسِ كَرَاهَتَهُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهَا بِجَعْلِهِ مُشَبَّهًا بِمَا قَبْلَهُ فِي الْكَرَاهَةِ وَقُيِّدَتْ بِالْبِلَادِ الْحَارَّةِ كَالْحِجَازِ، وَالْأَوَانِي الَّتِي تَمْتَدُّ تَحْتَ الْمِطْرَقَةِ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ وَخَصَّ ابْنُ الْإِمَامِ التِّلْمِسَانِيِّ ذَلِكَ بِالنُّحَاسِ الْأَصْفَرِ. وَلَا يُكْرَهُ الْمُسَخَّنُ بِنَارٍ مَا لَمْ تَشْتَدَّ سُخُونَتُهُ فَيُكْرَهَ كَشَدِيدِ الْبُرُودَةِ لِمَنْعِهِمَا كَمَالَ الْخُشُوعِ، وَالْكَرَاهَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْبَدَنِ بِوُضُوءٍ، أَوْ غُسْلٍ، أَوْ رَفْعِ حُكْمِ خَبَثٍ، أَوْ وَسَخٍ ظَاهِرٍ وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَيُكْرَهُ شُرْبُهُ وَأَكْلُ الْمَطْبُوخِ بِهِ إنْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ بِضَرَرِهِ وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِتَبْرِيدِهِ وَكَرَاهَةُ سُؤْرِ الْمَاءِ، وَالْمُدْخَلِ فِيهِ، وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ مَحَلَّهُمَا إذَا لَمْ تُرَ النَّجَاسَةُ عَلَى فَمِهِ، أَوْ يَدِهِ حِينَ اسْتِعْمَالِهِ.
(وَإِنْ رِيئَتْ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ أَصْلُهُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَقْدِيمِ الْهَمْزِ مَكْسُورًا عَلَى الْمُثَنَّاةِ فَحُذِفَتْ ضَمَّةُ الرَّاءِ وَنُقِلَتْ كَسْرَةُ الْهَمْزِ إلَيْهَا وَقُدِّمَتْ الْمُثَنَّاةُ عَلَى الْهَمْزِ أَيْ عُلِمَتْ النَّجَاسَةُ بِمُشَاهَدَةٍ، أَوْ أَخْبَارٍ كَائِنَةٍ (عَلَى فِيهِ) أَيْ فَمِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا أَوْ
وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ عُمِلَ عَلَيْهَا.
وَإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ بِرَاكِدٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ نُدِبَ نَزْحٌ بِقَدْرِهَا،
ــ
[منح الجليل]
يَدِهِ الَّتِي أَدْخَلَهَا فِي الْمَاءِ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَعْضَائِهِ وَصِلَةُ " رِيئَتْ "(وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ) الْمَاءِ وَالطَّعَامِ (عُمِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ حُكِمَ (عَلَيْهَا) أَيْ بِمُقْتَضَاهَا فَإِنْ غَيَّرَتْ الْمَاءَ نَجَّسَتْهُ، وَإِلَّا كُرِهَ اسْتِعْمَالُهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا وَنَجَّسَتْ الطَّعَامَ إنْ كَانَ مَائِعًا، أَوْ جَامِدًا، أَوْ أَمْكَنَ سَرَيَانُهَا فِيهِ.
(وَإِذَا مَاتَ) حَيَوَانٌ (بَرِّيٌّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ أَيْ مَنْسُوبٌ لِلْبَرِّ ضِدِّ الْبَحْرِ لِخَلْقِهِ وَحَيَاتِهِ فِيهِ (ذُو) أَيْ صَاحِبُ (نَفْسٍ) بِسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ دَمٍ (سَائِلَةٍ) أَيْ يَجْرِي عِنْدَ سَبَبِ جَرَيَانِهِ كَتَذْكِيَةٍ وَجَرْحٍ وَقَطْعٍ وَصِلَةُ " مَاتَ "(بِ) مَاءٍ (رَاكِدٍ) أَيْ غَيْرِ جَارٍ وَغَيْرِ مُسْتَجْرٍ جِدًّا أَوْ لَوْ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ.
(وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَتَغَيَّرْ) الْمَاءُ بِمَوْتِ الْبَرِّيِّ ذِي النَّفْسِ السَّائِلَةِ فِيهِ (نُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (نَزْحٌ) بَعْدَ إخْرَاجِ الْحَيَوَانِ، أَوْ قَبْلَهُ إذْ الْعِلَّةُ إزَالَةُ الْفَضَلَاتِ وَهِيَ تَخْرُجُ حِينَ مَوْتِهِ لَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَاءِ، وَصَبُّهُ فِي غَيْرِ الرَّاكِدِ حَتَّى تَطِيبَ النَّفْسُ وَيَزُولَ عَيْفُهَا الْمَاءَ وَكَرَاهَتُهَا إيَّاهُ لِزَوَالِ الْفَضَلَاتِ الَّتِي خَرَجَتْ مَعَ الْمَاءِ مِنْ فَمِ الْحَيَوَانِ وَقْتَ فَتْحِهِ طَلَبًا لِلنَّجَاةِ حِينَ مَوْتِهِ وَيَنْقُصُ النَّازِحُ الدَّلْوَ؛ لِأَنَّ الْفَضَلَاتِ تَعْلُو عَلَى الْمَاءِ كَالدُّهْنِ فَإِنْ مَلَأَ الدَّلْوَ تَسْقُطُ مِنْهُ وَتَعُودُ لِلْمَاءِ حِينَ رَفْعِهِ وَحَرَكَتِهِ فَلَا تَحْصُلُ ثَمَرَةُ النَّزْحِ وَصِلَةُ " نَزْحٌ "(بِقَدْرِهِمَا) أَيْ الْمَاءِ قِلَّةً، أَوْ كَثْرَةً، أَوْ تَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا وَالْحَيَوَانِ صِغَرًا، أَوْ كِبَرًا، أَوْ تَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا فَقَدْ يَكْثُرُ الْمَاءُ وَيَكْبَرُ الْحَيَوَانُ وَقَدْ يَقِلُّ الْمَاءُ وَيَصْغُرُ الْحَيَوَانُ وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ يَكْثُرُ الْمَاءُ وَيَكْبَرُ الْحَيَوَانُ، وَقَدْ يَقِلُّ الْمَاءُ وَيَصْغُرُ الْحَيَوَانُ وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ يَكْثُرُ الْمَاءُ وَيَصْغُرُ الْحَيَوَانُ، أَوْ عَكْسُهُ، وَكُلُّ حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ يُنَاسِبُهَا قَدْرٌ مِنْ النَّزْحِ بِحَسَبِ قَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَكُلَّمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحْسَنُ. ابْنُ الْإِمَامِ لَيْسَ لِمِقْدَارِ مَا يُنْزَحُ حَدٌّ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ مَا مَاتَ مِنْ صَغِيرٍ وَطُولِ إقَامَةٍ وَقِلَّةِ مَاءٍ وَمُقَابِلِهَا وَلِذَا لَمْ يَحُدَّهُ مَالِكٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ غَيْرَ أَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ النَّزْحُ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِمْ وَأَوْلَى وَأَبْلَغَ وَأَحْوَطَ. ابْنُ بَشِيرٍ وَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ تَحْدِيدِهِ بِأَرْبَعِينَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِئَلَّا يُكْثِرَ الْمُوَسْوَسُ وَيُقِلَّ الْمُتَسَاهِلُ وَلِذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ فِي هَذَا فَقَالَ: انْزِعُوا
لَا إنْ وَقَعَ مَيِّتًا.
وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجِسِ، لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ فَاسْتُحْسِنَ الطَّهُورِيَّةُ، وَعَدَمُهَا
ــ
[منح الجليل]
مِنْهَا أَرْبَعِينَ خَمْسِينَ سِتِّينَ دَلْوًا وَقَالَ إنَّمَا قُلْت لَهُمْ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَقَلَّ يَجْزِيهِمْ، وَالْأَكْثَرَ أَحَبُّ وَلَوْ اقْتَصَرْتُ عَلَى خَمْسِينَ لَأَبْطَلْتُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ وَهِيَ مِثْلُهَا وَمَنَعْتُهُمْ مِنْ سِتِّينَ وَهِيَ أَبْلَغُ اهـ.
وَاحْتَرَزَ بِالْبَرِّيِّ عَنْ الْبَحْرِيِّ وَبِذِي النَّفْسِ عَمَّا لَا نَفْسَ لَهُ فَلَا يُنْدَبُ النَّزْحُ بِمَوْتِهِمَا فِي الْمَاءِ وَبِالرَّاكِدِ عَنْ الْجَارِي فَلَا يُنْدَبُ فِيهِ أَيْضًا وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ النَّزْحِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ بِهِ فِي الْوَقْتِ نَقَلَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَالْحَطَّابُ عَنْ الْأَكْثَرِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِمَيْتَةِ الْبَرِّيِّ ذِي النَّفْسِ السَّائِلَةِ تَنَجَّسَ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَصْرُ نَدْبِ النَّزْحِ عَلَى مَا لَا مَادَّةَ لَهُ وَقِيلَ يَجِبُ النَّزْحُ وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَعَطَفَ عَلَى مَاتَ بِلَا فَقَالَ: (لَا) يُنْدَبُ النَّزْحُ (إنْ وَقَعَ) الْبَرِّيُّ ذُو النَّفْسِ السَّائِلَةِ فِي الرَّاكِدِ حَالَ كَوْنِهِ (مَيِّتًا) ، أَوْ حَيًّا وَأُخْرِجَ حَيًّا وَرَجَّحَ ابْنُ مَرْزُوقٍ الْقَوْلَ بِنَدْبِهِ إنْ وَقَعَ مَيِّتًا وَلَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِزَوَالِ الرُّطُوبَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ مُبَالَغَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ أَوْلَى بِنَدْبِ النَّزْحِ.
(وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ) الْمَاءِ الَّذِي لَا مَادَّةَ لَهُ (النَّجِسِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ الْمُتَنَجِّسِ بِبَوْلٍ مَثَلًا وَعَطَفَ عَلَى صِلَةِ " زَالَ " الْمُقَدَّرَةِ أَيْ بِنَفْسِهِ فَقَالَ (لَا بِكَثْرَةِ) أَيْ زِيَادَةِ صَبِّ مَاءٍ (مُطْلَقٍ) عَلَيْهِ وَلَا بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ طَاهِرٍ فِيهِ مِنْ تُرَابٍ، أَوْ طِينٍ، أَوْ نَحْوِهِمَا (فَاسْتُحْسِنَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَكَسْرِ السِّينِ الْأَخِيرَةِ أَيْ مِنْ بَعْضِ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ وَنَائِبُ فَاعِلِ " اُسْتُحْسِنَ "(الطَّهُورِيَّةُ) لِلْمَاءِ الَّذِي زَالَ تَغَيُّرُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِنَجَاسَتِهِ لِتَغَيُّرِهِ وَقَدْ زَالَ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ كَذَهَابِ حُرْمَةِ الْخَمْرِ وَنَجَاسَتِهَا بِذَهَابِ إسْكَارِهَا بِتَخَلُّلِهَا، أَوْ تَحَجُّرِهَا.
(وَعَدَمُهَا) أَيْ الطَّهُورِيَّةِ الصَّادِقُ بِعَدَمِ الطَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَرِينَةِ كَوْنِ الْكَلَامِ فِي
أَرْجَحُ.
وَقُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ إنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا أَوْ اتَّفَقَا
ــ
[منح الجليل]
مُتَغَيِّرٍ بِنَجِسٍ وَخَبَرُ " عَدَمُهَا "(أَرْجَحُ) أَيْ رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ خِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ عج وعبق وشب وَالْعَدَوِيِّ وَاعْتَمَدَ الْبُنَانِيُّ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِي مُقَيَّدٌ بِوُجُودِ غَيْرِهِ وَإِلَّا اُسْتُعْمِلَ مُرَاعَاةً لِلْأَوَّلِ فَحُلَّ الْخِلَافُ إذَا وُجِدَ مَاءٌ آخَرُ غَيْرُ ذَلِكَ الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هُوَ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِلَا كَرَاهَةٍ اتِّفَاقًا لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ ابْنُ غَازِيٍّ لَيْسَ لِابْنِ يُونُسَ هُنَا تَرْجِيحٌ، وَإِنَّمَا تَرْجِيحُهُ فِي إزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ بِمَاءٍ طَاهِرٍ غَيْرِ طَهُورٍ كَمَاءِ وَرْدٍ فَقِيلَ يَزُولُ حُكْمُهَا أَيْضًا وَيَطْهُرُ الْمَحَلُّ وَقِيلَ لَا وَرَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَبِتَسْلِيمِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى تَرْجِيحِ ابْنِ يُونُسَ فِي فَرْعِ زَوَالِ تَغَيُّرِ النَّجِسِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوَالِ عَيْنِهَا بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ فَلَزِمَ مِنْ التَّرْجِيحِ فِي الثَّانِي التَّرْجِيحُ فِي الْأَوَّلِ بِجَامِعِ زَوَالِ أَعْرَاضِهَا بِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ كَانَ النَّجِسُ الَّذِي زَالَ تَغَيُّرُهُ قَلِيلًا فَهُوَ نَجِسٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ زَالَ بِصَبٍّ مُطْلَقٍ عَلَيْهِ وَلَوْ قَلِيلًا فَهُوَ طَهُورٌ اتِّفَاقًا وَمِنْهُ مَا لَهُ مَادَّةٌ، وَإِنْ زَالَ بِإِلْقَاءِ نَحْوِ طِينٍ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ فَلَا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ تَغَيُّرِهِ بِالنَّجِسِ وَخَفَائِهِ بِتَغَيُّرِهِ بِنَحْوِ الطِّينِ، وَمَفْهُومُ النَّجِسِ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِطَاهِرٍ مُفَارِقٌ لَهُ غَالِبًا إنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ طَهُورٌ قَالَهُ الْحَطَّابُ وَرُجِّحَ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ مِنْ فَرْعِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَيْضًا.
(وَ) إنْ شُكَّ فِي ضَرَرِ مُغَيِّرِ الْمَاءِ وَأَخْبَرَ بِنَجَاسَتِهِ مُخْبِرٌ (قُبِلَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ وَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ (خَبَرُ) أَيْ إخْبَارُ الْمُخْبِرِ (الْوَاحِدِ) وَأَوْلَى الْأَكْثَرُ إنْ كَانَ عَدْلًا رِوَايَةً وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ السَّالِمُ مِنْ الْفِسْقِ وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَلَوْ أُنْثَى، أَوْ رِقًّا بِنَجَاسَتِهِ (إنْ بَيَّنَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْمُخْبِرُ (وَجْهَهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ بِأَنْ قَالَ تَغَيُّرٌ بِنَحْوِ دَمٍ.
(أَوْ) لَمْ يُبَيِّنْهُ وَ (اتَّفَقَا) أَيْ الْمُخْبِرُ بِالْكَسْرِ الْعَالِمُ بِالطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ، وَالْمُخْبَرُ بِالْفَتْحِ (مَذْهَبًا) أَيْ فِي أَحْكَامِ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي غَيْرِهَا، وَشُرِطَ الْبَيَانُ أَوْ الِاتِّفَاقِ فِي الْمُخْبِرِ وَلَوْ بَلَغَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، وَالْجِنِّيُّ كَالْإِنْسِيِّ عَلَى الظَّاهِرِ فَإِنْ أَخْبَرَ بِطَهُورِيَّتِهِ مَعَ ظُهُورِ عَدَمِهَا قُبِلَ خَبَرُهُ إنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا، أَوْ وَافَقَ مَذْهَبًا، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُهَا فَقَدْ سَبَقَ حَمْلُهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ حِينَئِذٍ بَيَانٌ وَلَا مُوَافَقَةٌ وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ