الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) شَرْطُ الْجُمُعَةِ: وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ لِلْغُرُوبِ، وَهَلْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً
ــ
[منح الجليل]
وَأَفْتَى الْمِسْنَاوِيُّ بِأَنَّ أَهْلَ الْمَدَارِسِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْمَسْجِدِ يُنْدَبُ لَهُمْ الْجَمْعُ فِي الْمَسْجِدِ اسْتِقْلَالًا. وَإِنَّ السَّاكِنَ بِهَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بِهِ إمَامًا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُقِيمِينَ فِي الْمَسْجِدِ كَالْمُعْتَكِفِ، بَلْ هُمْ جِيرَانُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يَجْمَعُ جَارُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِتَبَعِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ كَجَمَاعَةٍ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُقِيمِينَ فِي الْمَسْجِدِ، وَدَلِيلُهُ مَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ إمَامًا وَحُجْرَتُهُ مُلْتَصِقَةٌ بِالْمَسْجِدِ وَلَهَا خَوْخَةٌ» . إلَيْهِ الْبُنَانِيُّ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ إذْ قَدْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّ قَرِيبَ الدَّارِ مِنْ الْمَسْجِدِ إنَّمَا يَجْمَعُ تَبَعًا لِلْبَعِيدِ، وَنَصُّهُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ الْجَمْعُ لِقَرِيبِ الدَّارِ وَالْمُعْتَكِفِ لِإِدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ. اهـ.
قُلْت لَيْسَ فِي نَصِّ ابْنِ يُونُسَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ قَرِيبَ الدَّارِ لَا يَجْمَعُ إلَّا تَبَعًا، وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِإِدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَهِيَ الْعِلَّةُ فِي جَمْعِ الْبَعِيدِ أَيْضًا، وَأَيْضًا عَلَى فَرْضِ أَنَّ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا يَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَضْلًا عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ، فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْل فِي بَيَان شُرُوط الْجُمُعَةَ وَسُنَنهَا وَمَنْدُوبَاتهَا وَمَكْرُوهَاتهَا وَمُسْقِطَاتهَا]
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ وَسُنَنِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا وَمُسْقِطَاتِهَا وَمَا يُنَاسِبُهَا (شَرْطُ) صِحَّةِ صَلَاةِ (الْجُمُعَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَحُكِيَ إسْكَانُهَا وَفَتْحُهَا، وَكَسْرُهَا (وُقُوعُ) هَا (كُلِّهَا) فَكُلُّ تَوْكِيدٌ لِمَحْذُوفٍ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ كُلًّا الْمُضَافَ لِلضَّمِيرِ يَلْزَمُ الِابْتِدَاءُ أَوْ التَّوْكِيدُ وَلَا يَتَأَثَّرُ بِعَامِلٍ لَفْظِيٍّ، وَحَذْفُ الْمُؤَكَّدِ بِالْفَتْحِ أَجَازَهُ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَالصَّفَّارُ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْأَخْفَشُ وَابْنُ جِنِّيٍّ وَابْنُ مَالِكٍ لِمُنَافَاةِ الْحَذْفِ التَّوْكِيدَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ الْإِضَافَةُ فَنَخْلُصُ مِنْ ضَعِيفٍ بِضَعِيفٍ أَيْ جَمِيعِهَا (بِالْخُطْبَةِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَعَهَا وَالْمُرَادُ جِنْسُهَا الْمُتَحَقِّقُ فِي خُطْبَتَيْنِ، وَصِلَةُ وُقُوعُ (وَقْتَ الظُّهْرِ) مِنْ الزَّوَالِ (لِلْغُرُوبِ، وَهَلْ) مَحَلُّ صِحَّتِهَا إنْ وَقَعَتْ مَعَ خُطْبَتَيْهَا وَقْتَ الظُّهْرِ (إنْ أَدْرَكَ) أَيْ بَقِيَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ مَا يُدْرِكُ فِيهِ (رَكْعَةً
مِنْ الْعَصْرِ؟ وَصُحِّحَ، أَوْ لَا: رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا:
بِاسْتِيطَانِ بَلَدٍ
ــ
[منح الجليل]
مِنْ الْعَصْرِ) فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَا يَسَعُ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ وَتَتَعَيَّنُ صَلَاةُ الظُّهْرِ.
(وَصُحِّحَ) هَذَا الْقَوْلُ، وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، بِضَمِّ الصَّادِ، وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مُثَقَّلًا أَيْ صَحَّحَهُ عِيَاضٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ لِلْغُرُوبِ أَيْ لِقُرْبِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا ضَاقَ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ (أَوْ لَا) يُشْتَرَطُ بَقَاءُ رَكْعَةٍ لِلْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَهِيَ رِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنهم، وَهُوَ الرَّاجِحُ. فَقَوْلُهُ لِغُرُوبٍ عَلَى هَذَا أَيْ حَقِيقَةً، وَهَذَا عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْوَقْتِ إذَا ضَاقَ بِالْأَخِيرَةِ وَصَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِكَوْنِهِ الْمُعْتَمَدَ.
ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ كَمَا هُوَ إصْلَاحُهُ، أَوْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ قَوْلَهُ لِلْغُرُوبِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأُصُولِيِّينَ. وَعَلَى كُلٍّ لَا يُقَالُ جَزْمُهُ بِهِ أَوَّلًا يُنَافِي حِكَايَةَ الْخِلَافِ بَعْدَهُ وَالْجُمُعَةُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ كَالظُّهْرِ فِي الْمُخْتَارِ وَالضَّرُورِيِّ، فَلَيْسَ جَمِيعُهُ مُخْتَارًا لَهَا فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ قَوْلَانِ (رُوِيَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَسُكُونِ تَاءِ التَّأْنِيثِ أَيْ نُقِلَتْ الْمُدَوَّنَةُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ الْقَوْلَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَتَّابٍ لَهَا، وَإِذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلْيُصَلِّ الْجُمُعَةَ مَا لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ الْعَصْرَ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ. وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ، وَإِذَا أَخَّرَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلْيُصَلِّ الْجُمُعَةَ مَا لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ بَعْضَ الْعَصْرِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ. عِيَاضٌ هَذَا أَصَحُّ، وَأَشْبَهُ بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ صِحَّتُهَا أَبُو بَكْرٍ التُّونُسِيُّ فَإِنْ عَقَدَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ فَخَرَجَ وَقْتُهَا أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ ذَلِكَ بَنَى، وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا، وَهَذَا إذَا دَخَلَ مُعْتَقِدًا اتِّسَاعَ الْوَقْتِ لِرَكْعَتَيْنِ أَوْ لِثَلَاثٍ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسَعُ إلَّا رَكْعَةٌ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً بَعْدَ الْغُرُوبِ، هَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ مُصْطَفَى.
(بِاسْتِيطَانِ بَلَدٍ) أَيْ سُكْنَاهُ لَا بِنِيَّةِ الِانْتِقَالِ مِنْهُ، وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ شَرْطُ وُجُوبٍ كَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فَذِكْرُهُ هُنَا مَعَ شُرُوطِ الصِّحَّةِ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهَا وَلَيْسَ
أَوْ أَخْصَاصٍ، لَا خِيَمٍ
وَبِجَامِعٍ مَبْنِيٍّ
ــ
[منح الجليل]
كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنَّ الْبَاءَ لِلظَّرْفِيَّةِ، وَاسْتِيطَانٌ بِمَعْنَى مُسْتَوْطَنٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَإِضَافَتُهُ مِنْ إضَافَةِ مَا كَانَ صِفَةً أَيْ وُقُوعُهَا فِي بَلَدٍ مُسْتَوْطَنٍ، وَهَذَا شَرْطُ صِحَّةٍ وَالْآتِي فِي شُرُوطِ الْوُجُوبِ هُوَ اسْتِيطَانُ الشَّخْصِ، فَإِذَا اسْتَوْطَنَ جَمَاعَةً تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ بَلَدًا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا إيقَاعُهَا فِي الْبَلَدِ الْمُسْتَوْطَنِ، فَإِنْ وَقَعَتْ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ، وَإِذَا أَخَذَ الْكُفَّارُ بَلَدَ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ وَصَارَ تَحْتَ حُكْمِهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ إقَامَةِ الشَّعَائِرِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ.
(أَوْ) اسْتِيطَانُ (أَخْصَاصٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خُصٍّ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ بَيْتٍ مِنْ نَحْوِ قَصَبٍ فَارِسِيٍّ فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ (لَا) الْجُمُعَةُ بِاسْتِيطَانِ (خِيَمٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ جَمْعُ خَيْمَةٍ بَيْتٌ مِنْ نَحْوِ شَعْرٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا التَّحْوِيلُ مِنْ مَحَلٍّ لِآخَرَ فَهِيَ كَالسُّفُنِ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ عَلَى كَفَرْسَخٍ مِنْ الْمَنَارِ وَجَبَتْ عَلَى أَهْلِهَا الْجُمُعَةُ فِي الْجَامِعِ تَبَعًا لِأَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا يُعَدُّونَ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِهِمْ.
(وَ) شَرْطُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وُقُوعُهَا (بِجَامِعٍ) أَيْ فِيهِ مِنْ الْإِمَامِ وَالِاثْنَا عَشَرَ (مَبْنِيٍّ) بِنَاءً مُعْتَادًا لِأَهْلِ الْبَلَدِ وَلَوْ خُصًّا لِأَهْلِ الْأَخْصَاصِ فَلَا تَصِحُّ فِي أَرْضٍ خَالِيَةٍ عَنْ الْبِنَاءِ وَلَوْ حُوِّطَتْ بِأَحْجَارٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ مَبْنِيَّةٍ بِبِنَاءٍ أَدْنَى مِنْ الْبِنَاءِ الْمُعْتَادِ لِأَهْلِ الْبَلَدِ كَخُصٍّ لِأَهْلِ بَلَدٍ أَوْ مَبْنِيٍّ بِطُوبٍ نِيءٍ لِمَنْ عَادَتُهُمْ الْبِنَاءُ بِالْحَجَرِ، أَوْ الطُّوبِ الْمَحْرُوقِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُتَّصِلًا بِالْبَلَدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا بِحَيْثُ يَنْعَكِسُ عَلَيْهِ دُخَّانُهَا وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا أَوْ بَاعًا، فَلَوْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهَا فَلَا تَصِحُّ فِيهِ إنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْ إنْشَائِهِ، فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَانْهَدَمَ مَا بَيْنَهُمَا وَصَارَ بَعِيدًا عَنْهَا صَحَّتْ فِيهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.
وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَقِيلَ شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ مَعًا كَالْإِمَامِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا إلَّا إذَا بُنِيَ وَسُقِّفَ إذْ قَدْ يُعْدَمُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَجِبُ، فَصَحَّ كَوْنُهُ شَرْطَ وُجُوبٍ إذْ لَزِمَ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ، وَإِذَا وُجِدَ فَلَا تَصِحُّ إلَّا فِيهِ فَصَحَّ كَوْنُهُ شَرْطَ صِحَّةٍ أَيْضًا فَلِذَا أَفْتَى الْبَاجِيَّ أَهْلَ قَرْيَةٍ انْهَدَمَ مَسْجِدُهُمْ وَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ قَبْلَ بِنَائِهِ بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ
مُتَّحِدٍ.
وَالْجُمُعَةُ لِلْعَتِيقِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءً.
ــ
[منح الجليل]
لَهُمْ الْجُمُعَةُ فِيهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَعُودُ غَيْرَ مَسْجِدٍ بِهَدْمِهِ، وَإِنْ تَوَقَّفَتْ مَسْجِدِيَّتُهُ ابْتِدَاءً عَلَى بِنَائِهِ. وَقِيلَ الْمَسْجِدُ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ شَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ مَسْجِدًا بِمُجَرَّدِ تَعْيِينِهِ وَتَحْبِيسِهِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَلَا يُعْدَمُ مَوْضِعٌ يَصِحُّ اتِّخَاذُهُ مَسْجِدًا. وَحِينَئِذٍ فَمَا يَكُونُ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ شَرْطَ صِحَّةٍ فَقَطْ (مُتَّحِدٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فَلَا تَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ.
(وَالْجُمُعَةُ) الصَّحِيحَةُ (لِ) لِجَامِعِ ا (لِعَتِيقِ) أَيْ الَّذِي صُلِّيَتْ فِيهِ قَبْلَ غَيْرِهِ وَلَوْ تَأَخَّرَ بِنَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ إنْ تَقَدَّمَ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِيهِ عَلَى أَدَائِهَا فِي الْجَدِيدِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ الْأُولَى أَيْضًا بَلْ (وَإِنْ تَأَخَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْعَتِيقُ (أَدَاءً) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ أَيْ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِي الْعَتِيقِ عَنْ أَدَائِهَا فِي الْجَدِيدِ فَهِيَ فِي الْجَدِيدِ بَاطِلَةٌ وَصَحِيحَةٌ فِي الْعَتِيقِ مَا لَمْ يُهْجَرْ الْعَتِيقُ، فَإِنْ هُجِرَ وَصُلِّيَتْ فِي الْجَدِيدِ وَحْدَهُ صَحَّتْ فِيهِ مَا دَامَ الْعَتِيقُ مَهْجُورًا، فَإِنْ صُلِّيَتْ فِيهِ بَطَلَتْ فِي الْجَدِيدِ إلَّا أَنْ يَتَنَاسَى الْعَتِيقُ بِالْمَرَّةِ فَتَكُونُ الْجُمُعَةُ لِلثَّانِي قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ هُجِرَ الْعَتِيقُ لِمُوجِبٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ دَخَلُوا عَلَى دَوَامِ هَجْرِهِ أَمْ لَا وَمَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ بِصِحَّتِهَا بِالْجَدِيدِ تَبَعًا بِحُكْمِهِ بِلُزُومِ نَحْوِ عِتْقٍ مُعَلَّقٍ عَلَى صِحَّتِهَا فِي الْجَدِيدِ بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ إنْ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَصُلِّيَتْ فِيهِ مَعَ صَلَاتِهَا فِي الْعَتِيقِ، فَذَهَبَ الرَّقِيقُ إلَى الْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ فَحَكَمَ بِلُزُومِ عِتْقِهِ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِ الْعَتِيقِ فِي مَذْهَبِهِ فَسَرَى حُكْمُهُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُعَلَّقِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَصَحَّتْ عِنْدَنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِرَفْعِ الْخِلَافِ، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ مِنْ بَانِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ، وَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ صَرَاحَةً؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَدْخُلُ الْعِبَادَاتِ اسْتِقْلَالًا، وَيَدْخُلُهَا تَبَعًا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ يَدْخُلُهَا اسْتِقْلَالًا وَمَا لَمْ يَحْتَاجُوا لِصَلَاتِهَا بِالْجَدِيدِ لِضِيقِ الْعَتِيقِ وَعَدَمِ إمْكَانِ تَوْسِعَتِهِ لِمُلَاصَقَتِهِ لِجَبَلٍ أَوْ بَحْرٍ، أَوْ أَدَاءُ تَوْسِعَتِهِ لِتَخْلِيطٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمْ بِحَيْثُ إنْ اجْتَمَعُوا فِي الْعَتِيقِ يَقْتَتِلُونَ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ حَاكِمٌ، فَإِنْ زَالَتْ الْعَدَاوَةُ أَوْ مَنَعَهُمْ
لَا ذِي بِنَاءٍ خَفَّ، وَفِي اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ، وَقَصْدِ تَأْبِيدِهَا بِهِ، وَإِقَامَةِ الْخَمْسِ: تَرَدُّدٌ، وَصَحَّتْ بِرَحْبَتِهِ،
ــ
[منح الجليل]
حَاكِمٌ مِنْ الْقِتَالِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْعَتِيقِ، فَإِنْ عَادَتْ الْعَدَاوَةُ أَوْ ارْتَفَعَ الْحُكْمُ صَحَّتْ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا (لَا) تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي جَامِعٍ (ذِي) أَيْ صَاحِبِ (بِنَاءٍ خَفَّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ مُشَدَّدَةً أَيْ قَلَّ وَنَقَصَ عَنْ بِنَاءِ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُعْتَادِ عَطْفٌ عَلَى مِقْدَارِ أَيْ ذِي بِنَاءٍ مُعْتَادٍ.
(وَفِي اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ) أَيْ الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ سَقْفُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ لَا نَحْوِ صِحَّتِهِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ تَرَدُّدٌ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ نَقْلُ الْمَوَّاقِ عَنْ الْبَاجِيَّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ فِي دَوَامِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْجِدًا ابْتِدَاءً إلَّا إذَا كَانَ مَسْقُوفًا فَإِذَا هُدِمَ وَزَالَ سَقْفُهُ فَهَلْ تَزُولُ عَنْهُ الْمَسْجِدِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَاجِيَّ أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ سَالِمٌ وتت وعج أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْحَطّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا.
(وَ) فِي اشْتِرَاطِ (قَصْدِ تَأْبِيدِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (بِهِ) أَيْ الْجَامِعِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ تَرَدُّدٌ، وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ قَصْدِ تَأْبِيدِهَا بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ حَيْثُ نُقِلَتْ مِنْ مَسْجِدٍ لِآخَرَ أَمَّا إنْ أُقِيمَتْ فِيهِ ابْتِدَاءً فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدُوا عَدَمَهُ بِأَنْ قَصَدُوا التَّأْبِيدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدُوا شَيْئًا مِنْهُمَا (وَ) فِي اشْتِرَاطِ (إقَامَةِ) الصَّلَوَاتِ (الْخَمْسِ بِهِ) أَيْ الْجَامِعِ لِصِحَّتِهِمَا بِهِ فَإِنْ بُنِيَ لِلْجُمُعَةِ خَاصَّةً أَوْ تَعَطَّلَتْ الْخَمْسُ بِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (تَرَدُّدٌ) فِي الْحُكْمِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ حَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِينَ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ.
وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ الشِّقَّ الثَّانِيَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْمَذْهَبِ فِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ فِيهِ لِاشْتِرَاطِ ابْنِ بَشِيرٍ وَسُكُوتِ غَيْرِهِ عَنْهُ، فَنَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ إذْ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَنَبَّهُوا عَلَيْهِ.
(وَصَحَّتْ) الْجُمُعَةُ مِنْ مَأْمُومٍ لَا إمَامٍ فَشَرْطُ صِحَّتِهَا خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ فِي الْجَامِعِ، وَلَوْ ضَاقَ؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ، وَصِحَّتُهَا فِي غَيْرِهِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِمَنْ فِيهِ وَالْمَتْبُوعُ لَا يَكُونُ تَابِعًا (بِرَحْبَتِهِ) أَيْ مَا زِيدَ خَارِجَ سُوَرِ الْجَامِعِ الْمُحِيطِ بِهِ لِتَوْسِعَتِهِ كَالْمُحِيطِ بِقُبَّةِ جَامِعِ مُحَمَّدٍ بِيكْ الْمُقَابِلِ
وَطُرُقٍ مُتَّصِلَةٍ إنْ ضَاقَ، أَوْ اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ. لَا انْتَفَيَا:
ــ
[منح الجليل]
لِلْجَامِعِ الْأَزْهَرِ بِالْقَاهِرَةِ وَبِقُبَّةِ السُّنِّيَّةِ بِبُولَاقَ، وَلَيْسَ لِلْأَزْهَرِ رَحْبَةٌ.
(وَ) بِ (طُرُقٍ مُتَّصِلَةٍ) بِالْجَامِعِ بِلَا حَائِلٍ مِنْ بُيُوتٍ وَحَوَانِيتَ وَلَا حَدَّ لَهَا وَلَوْ طَالَتْ كَمِيلَيْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مُسَاوِيَةً لِلْمَسْجِدِ أَوْ كَوْنِهِ مُرْتَفِعًا عَنْهَا بِحَيْثُ يَصْعَدُ إلَيْهِ بِدَرَجٍ أَوْ كَوْنِهَا مُرْتَفِعَةً عَنْهُ بِحَيْثُ يَنْزِلُ إلَيْهِ مِنْهَا بِدَرَجٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بِهَا أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ، وَأَبْوَالُهَا. وَقَيَّدَهَا عَبْدُ الْحَقِّ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ قَائِمَةً إلَّا أَعَادَ أَبَدًا إذَا وَجَدَ مَا يَبْسُطُهُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا كَانَ كَمَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهَا بَلْ فِي عَدَمِ ضَرَرِ الْفَصْلِ بِهَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْفَصْلُ بِالنَّجِسِ يَضُرُّ كَالْحَنَفِيَّةِ.
وَمَفْهُومُ مُتَّصِلَةٍ أَنَّهُ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ حِيطَانِهِ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ بُيُوتٌ أَوْ حَوَانِيتُ كَالطَّرِيقِ الَّتِي بِجَانِبِ الْأَزْهَرِ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ وَجِهَةِ الْمَغْرِبِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا، وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ سَالِمٍ. وَاسْتَظْهَرَ الْعَدَوِيُّ صِحَّتَهَا عَلَى مَسَاطِبِ الْحَوَانِيتِ، وَمِثْلُ الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ الْمُتَّصِلَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَحْجُورَةً، وَالْمَدَارِسُ الْمُتَّصِلَةُ كَاَلَّتِي حَوْلَ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ كَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالطَّرْبَسِيَّةِ والابتغاوية. وَأَمَّا الْأَرْوِقَةُ الَّتِي فِيهِ فَهِيَ مِنْهُ وَإِنْ اخْتَصَّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ فَهُوَ تَعَدٍّ وَغَصْبٌ لِبَعْضِ الْجَامِعِ الْمُبَاحِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ. وَعَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا، وَإِنْ حُجِرَتْ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَا تَصِحُّ فِيهَا إنْ حُجِرَتْ. وَمَقَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ الَّتِي بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ كَمَقَامِ أَبِي مَحْمُودٍ الْحَنَفِيِّ وَالسَّيِّدَةِ زَيْنَبَ وَسَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا وَلَوْ لَمْ تُفْتَحْ إلَّا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ قَرَّرَهُ الْعَدَوِيُّ وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ فِي الرَّحْبَةِ وَالطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ.
(إنْ ضَاقَ) الْجَامِعُ (أَوْ) لَمْ يَضِقْ، وَ (اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ) بِالرَّحْبَةِ أَوْ الطَّرِيقِ الْمُتَّصِلَةِ (لَا) تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِرَحْبَةٍ وَلَا طَرِيقٍ مُتَّصِلَةٍ إنْ (انْتَفَيَا) أَيْ الضِّيقُ وَاتِّصَالُ الصُّفُوفِ، وَاَلَّذِي لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ صِحَّتُهَا إنْ انْتَفَيَا أَيْضًا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِيُشَبِّهَ بِهِ قَوْلَهُ
كَبَيْتِ الْقَنَادِيلِ، وَسَطْحِهِ، وَدَارٍ، وَحَانُوتٍ، وَبِجَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ، بِلَا حَدٍّ أَوَّلًا، وَإِلَّا فَتَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ: بَاقِينَ لِسَلَامِهَا
ــ
[منح الجليل]
كَبَيْتِ الْقَنَادِيلِ) الْمُعَدِّ لِخَزْنِهَا، وَإِصْلَاحِهَا فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ لِحَجْرِهِ، وَمِثْلُهُ بَيْتُ الْحُصُرِ وَالْبُسُطِ وَمَاءِ السَّقْيِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَبَحَثَ سَنَدٌ فِيهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقُصِرَ عَلَى بَعْضِ مَصَالِحِهِ فَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الصَّلَاةِ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ نِسَاءَهُ صَلَّيْنَ الْجُمُعَةَ فِيهَا عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَنْ مُتْنَ، وَهِيَ أَشَدُّ تَحْجِيرًا مِنْ بَيْتِ الْقَنَادِيلِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لَهُنَّ لِلتَّشْدِيدِ عَلَيْهِنَّ فِي لُزُومِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الأحزاب: 33] .
(وَسَطْحِهِ) أَيْ الْجَامِعِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِ وَلَوْ ضَاقَ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ شَاسٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَقِيلَ تَصِحُّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَشْهَبَ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَقِيلَ تَصِحُّ عَلَيْهِ لِخُصُوصِ الْمُؤَذِّنِ، وَهُوَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ أَيْضًا. وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَيْهِ إنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ، وَهُوَ قَوْلُ حَمْدِيسٍ، وَمَفْهُومُ سَطْحِهِ صِحَّتُهَا بِدِكَّةِ الْمُبَلِّغِينَ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ تُحْجَرْ.
(وَ) لَا تَصِحُّ فِي (دَارٍ وَحَانُوتٍ) مُتَّصِلِينَ بِالْجَامِعِ إنْ كَانَا مَحْجُورَيْنِ، وَإِلَّا صَحَّتْ فِيهِمَا (وَبِ) حُضُورِ (جَمَاعَةٍ) عَطْفٌ عَلَى بِاسْتِيطَانِ بَلَدٍ (تَتَقَرَّى) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ تَعْمُرُ (بِهِمْ قَرْيَةٌ) بِحَيْثُ لَا يَرْتَفِقُونَ فِي مَعَاشِهِمْ بِغَيْرِهِمْ وَيَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْعَدُوَّ غَالِبًا (بِلَا حَدٍّ) فِي عَدَدٍ مَخْصُوصٍ كَخَمْسِينَ (أَوَّلًا) بِشَدِّ الْوَاوِ مُنَوَّنًا أَيْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ تُقَامُ فِي الْبَلَدِ، فَإِنْ حَضَرَ مِنْهُمْ فِيهَا مَنْ لَا تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ فَلَا تَصِحُّ وَلَوْ اثْنَيْ عَشَرَ.
(وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجُمُعَةُ الْأُولَى (فَتَجُوزُ) الْجُمُعَةُ (بِ) حُضُورِ (اثْنَيْ عَشَرَ) رَجُلًا أَحْرَارًا مُتَوَطِّنِينَ غَيْرَ الْإِمَامِ (بَاقِينَ) مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ بِحَيْثُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ (لِسَلَامِهَا) وَمَفْهُومُ بَاقِينَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ أَحَدِهِمْ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْجَمِيعِ، هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَلَّذِي فَهِمَهُ الْحَطّ
بِإِمَامٍ مُقِيمٍ إلَّا الْخَلِيفَةُ يَمُرُّ بِقَرْيَةِ جُمُعَةٍ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ،
ــ
[منح الجليل]
مِنْهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَتَقَرَّى الْقَرْيَةُ بِهِمْ شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ، وَلَكِنْ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُولَى أَوْ غَيْرَهَا حُضُورُ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ غَيْرَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ لِلسَّلَامِ وَاعْتَمَدَهُ الْأَشْيَاخُ وَالْمَوَّاقُ لِهَذَا وَبِحُضُورِ اثْنَيْ عَشَرَ بَاقِينَ لِسَلَامِهَا مِنْ جَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ.
وَيُمْكِنُ تَنْزِيلُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا بِأَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ أَوَّلًا أَيْ عِنْدَ تَوَجُّهِ خِطَابِهِمْ بِهَا وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ، وَقَوْلُهُ، وَإِلَّا فَتَجُوزُ إلَخْ أَيْ، وَإِلَّا يُعْتَبَرُ حَالُ الْخِطَابِ وَاعْتُبِرَ حَالُ فِعْلِهَا فَتَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ إلَخْ وَفِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا.
فَلَوْ تَفَرَّقَ مَنْ تَقَرَّتْ بِهَا فِي أَشْغَالِهِمْ كَحَرْثٍ أَوْ حَصَادٍ وَبَقِيَ مِنْهُمْ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَالْإِمَامُ جَمَّعُوا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، فَإِنْ ارْتَحَلُوا مِنْهَا وَبَقِيَ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ وَالْإِمَامُ جَمَّعُوا إنْ رَحَلَ غَيْرُهُمْ إلَى أَمَاكِنَ قَرِيبَةٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمْ الِاسْتِغَاثَةُ بِهِمْ عِنْدَ هُجُومِ عَدُوٍّ، وَإِلَّا فَلَا. (بِإِمَامٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الِاثْنَيْ عَشَرَ مَعَ إمَامٍ (مُقِيمٍ) بِالْبَلَدِ الَّذِي تُصَلَّى الْجُمُعَةُ فِيهِ إقَامَةً قَاطِعَةً حُكْمَ السَّفَرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُتَوَطِّنِينَ بِهِ لِغَيْرِ الْخُطْبَةِ وَلَوْ سَافَرَ عَقِبَ الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا بِكَفَرْسَخٍ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ. وَأَمَّا الْمُقِيمُ خَارِجًا عَنْ كَفَرْسَخٍ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ اقْتِدَاءُ مُفْتَرِضٍ بِشِبْهِ مُتَنَفِّلٍ هَذَا قَوْلُ ابْنِ غَلَّابٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَفِي حَاشِيَةِ الطَّرَابُلْسِيِّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ غَيْرِ الْمُتَوَطِّنِ بِقَرْيَةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ، وَاسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ مُقِيمٍ فَقَالَ (إلَّا الْخَلِيفَةَ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِمَامَةِ وَالْحَكَمِ أَوْ نَائِبِهِ فِي الْإِمَامَةِ وَالْحَكَمِ كَالْبَاشَا لَا فِي الْحُكْمِ فَقَطْ كَالْقَاضِي حَالَ كَوْنِهِ (يَمُرُّ) ، وَهُوَ مُسَافِرٌ سَفَرَ قَصْرٍ (بِقَرْيَةِ جُمُعَةٍ) أَيْ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِهَا لِاسْتِيفَائِهِمْ شُرُوطَهَا مِنْ عَمَلِهِ قَبْلَ صَلَاتِهِمْ.
(وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا تَجِبُ) الْجُمُعَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْخَلِيفَةِ لِكَوْنِهِ مُسَافِرًا أَرْبَعَةَ بُرُدٍ فَيُنْدَبُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ فِيهَا، وَإِنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ بَعْدَ صَلَاتِهِمْ فَيُصَلِّي ظُهْرًا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ بِهِمْ، وَإِنْ حَضَرَ، وَهُمْ فِيهَا وَلَوْ بَعْدَ عَقْدِ رَكْعَةٍ بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ وَيَبْتَدِئُهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ
وَبِغَيْرِهَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ
وَبِكَوْنِهِ الْخَاطِبَ إلَّا لِعُذْرٍ وَوَجَبَ انْتِظَارُهُ لِعُذْرٍ قَرُبَ عَلَى الْأَصَحِّ
وَبِخُطْبَتَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ
ــ
[منح الجليل]
وَيَبْتَدِئُ الْخُطْبَةَ أَيْضًا، وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ إنْ قَدِمَ بَعْدَ عَقْدِ رَكْعَةٍ. (وَ) إنْ مَرَّ الْخَلِيفَةُ (بِغَيْرِهَا) أَيْ قَرْيَةِ الْجُمُعَةِ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ أَهْلِهَا شُرُوطَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ بِهِمْ فَإِنَّهَا (تَفْسُدُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ) فِيهَا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنْ جَهِلَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ فَجَمَعَ بِأَهْلِ قَرْيَةٍ لَا تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لِصِغَرِهَا لَمْ تُجْزِهِمْ وَلَمْ تُجْزِهِ.
(وَبِكَوْنِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (الْخَاطِبَ) أَيْ شَرْطُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ كَوْنُ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهَا هُوَ الَّذِي خَطَبَ الْخُطْبَتَيْنِ، فَإِنْ خَطَبَ شَخْصٌ وَصَلَّى شَخْصٌ آخَرُ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ (إلَّا لِ) طَرَيَان (عُذْرٍ) لِلْخَاطِبِ مَنَعَهُ مِنْ الْإِمَامَةِ كَجُنُونٍ وَمَوْتٍ وَرُعَافٍ مَعَ بُعْدِ الْمَاءِ فَيُصَلِّي غَيْرُهُ بِهِمْ وَلَا يُعِيدُ الْخُطْبَةَ.
(وَوَجَبَ انْتِظَارُهُ) أَيْ الْخَاطِبِ (لِعُذْرٍ قَرُبَ) زَوَالُهُ بِالْعُرْفِ وَقِيلَ بِقَدْرِ أُولَتَيْ رُبَاعِيَّةٍ بِفَاتِحَةٍ وَمَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ مِمَّا زَادَ عَلَيْهَا كَسَبْقِ حَدَثٍ أَوْ رُعَافِ بِنَاءٍ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ (عَلَى) الْقَوْلِ (الْأَصَحِّ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِسَحْنُونٍ وَمُقَابِلُهُ لَا يَجِبُ انْتِظَارُهُ لِلْقَرِيبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَيْهِ فَيُنْدَبُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ، فَإِنْ تَرَكَهُ اسْتَخْلَفُوا وُجُوبًا مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ فَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ بِلَا اسْتِخْلَافٍ صَحَّتْ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَمَفْهُومُ قَرُبَ لَا يَجِبُ انْتِظَارُهُ لِلْبَعِيدِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَمَوْضُوعُ الْكَلَامِ فِي طَرَيَان الْعُذْرِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ تَمَامِهَا أَوْ عَقِبَهُ، فَإِنْ حَصَلَ لَهُ الْعُذْرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ إلَى أَنْ يَبْقَى لِدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ مَا يَسَعُ الْخُطْبَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ إنْ أَمْكَنَتْهُمْ بِدُونِهِ، وَإِلَّا انْتَظَرُوهُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِقْدَارُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ أَفْذَاذًا آخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ.
(وَبِخُطْبَتَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) فِي الْجَامِعِ فَلَا تَصِحَّانِ بِرِحَابٍ وَلَا طُرُقٍ مُتَّصِلَةٍ وَلَا عَلَى دِكَّةِ الْمُبَلِّغِينَ الْمَحْجُورَةِ فَلَوْ خَطَبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ عَقِبَ الْخُطْبَةِ إنْ قَرُبَ، وَإِلَّا اسْتَأْنَفَهُمَا لِأَنَّ شَرْطَهُمَا اتِّصَالُ الصَّلَاةِ بِهِمَا، وَكَوْنُهُمَا عَرَبِيَّتَيْنِ وَالْجَهْرُ بِهِمَا. وَلَوْ كَانَ الْجَمَاعَةُ
مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً، تَحْضُرُهُمَا الْجَمَاعَةُ، وَاسْتَقْبَلَهُ
ــ
[منح الجليل]
عَجَمًا لَا يَعْرِفُونَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ صُمًّا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ يُحْسِنُهُمَا عَرَبِيَّتَيْنِ فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ بُكْمًا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ فَالْقُدْرَةُ عَلَى الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ.
وَكَوْنُهُمَا (مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً) بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ تُطْلِقُ الْخُطْبَةَ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى مَا يُقَالُ فِي الْمَحَافِلِ مِنْ الْكَلَامِ الْمُنَبَّهِ بِهِ عَلَى أَمْرٍ مُهِمٍّ لَدَيْهِمْ، وَالْمُرْشِدِ لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَيْهِمْ حَالِيَّةٌ أَوْ مَآلِيَّةٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَوْعِظَةٌ فَضْلًا عَنْ تَحْذِيرٍ وَتَبْشِيرٍ، وَقُرْآنٍ يُتْلَى، وَقَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَقَلُّهَا حَمْدُ اللَّهِ وَصَلَاةٌ وَسَلَامٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَحْذِيرٌ وَتَبْشِيرٌ، وَقُرْآنٌ يُتْلَى. اهـ. مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَكُلٌّ مِنْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنِ مَنْدُوبٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا سَجْعًا فَلَوْ نَظَمَهَا أَوْ نَثَرَهَا صَحَّتْ نَعَمْ تُنْدَبُ إعَادَتُهَا إنْ لَمْ يُصَلِّ، فَإِنْ صَلَّى فَلَا تُعَادُ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ.
وَيُنْدَبُ التَّرَضِّي فِيهَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالدُّعَاءُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَالدُّعَاءُ فِيهَا لِلسُّلْطَانِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ. وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ الْأُولَى قَالَهُ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ (تَحْضُرُهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (الْجَمَاعَةُ) الِاثْنَا عَشَرَ الْأَحْرَارُ الْمُتَوَطِّنُونَ مِنْ أَوَّلِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ فَلَا يَكْتَفِي بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَرَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا إصْغَاؤُهُمْ. وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حُضُورَ الْخُطْبَتَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ وَلَوْ زَادَ عَدَدُهُمْ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَيْنِيَّةَ إنْ كَانَ عَدَدُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ فَمَا زَادَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُهُمَا.
(واسْتَقْبَلَهُ) أَيْ ذَاتُ الْخَاطِبِ لَا جِهَتُهُ وُجُوبًا. وَقِيلَ اسْتِنَانًا وَرُجِّحَ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ صَرِيحُهَا وَنَصُّهَا، وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ قَطْعُ الْكَلَامِ وَاسْتِقْبَالُهُ وَالْإِنْصَاتُ إلَيْهِ وَالثَّانِي قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ الْعَدَوِيُّ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَقْبِلُوهُ بِوُجُوهِكُمْ، وَاصْغَوْا إلَيْهِ بِأَسْمَاعِكُمْ، وَارْمُقُوهُ
غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَفِي وُجُوبِ قِيَامِهِ لَهُمَا: تَرَدُّدٌ.
وَلَزِمَتْ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ الذَّكَرَ
ــ
[منح الجليل]
بِأَبْصَارِكُمْ» . وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ طَلَبُ اسْتِقْبَالِهِ بِمُجَرَّدِ قُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَاَلَّذِي فِي نَصِّهَا الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَفَاعِلُ اسْتَقْبَلَهُ (غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ) فَيُغَيِّرُونَ جِلْسَتَهُمْ الَّتِي كَانَتْ لِلْقِبْلَةِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ اسْتِقْبَالُهُ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِثْنَائِهِ أَهْلَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ ابْنَ الْحَاجِبِ. ابْنُ عَرَفَةَ جَعَلَهُ مَنْ لَقِيتُهُ خِلَافَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ اسْتِقْبَالُ ذَاتِهِ لِلْجَمِيعِ مَنْ يَرَاهُ وَمَنْ لَا يَرَاهُ مَنْ يَسْمَعُهُ وَمَنْ لَا يَسْمَعُهُ كَمَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَسْتَقْبِلُهُ أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ بِوُجُوهِهِمْ لَا بِذَوَاتِهِمْ فَلَا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ.
(وَفِي وُجُوبِ قِيَامِهِ) أَيْ الْخَاطِبِ (لَهُمَا) فِي الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَسُنِّيَّتُهُ وَهُوَ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَعِنْدَ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ فَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا أَسَاءَ وَصَحَّتْ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ.
(وَلَزِمَتْ) الْجُمُعَةُ (الْمُكَلَّفَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ مُثْقَلَةً أَيْ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ فِيهِ مُسَامَحًا إذْ لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهِ (الْحُرَّ) لَا الرَّقِيقَ وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ (الذَّكَرَ) لَا الْمَرْأَةَ لَكِنْ الشَّارِعُ جَعَلَهَا بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَلَّاهَا أَجْزَأَتْهُ عَنْ الظُّهْرِ وَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ لِلْحُضُورِ فَفِعْلُهُ الْجُمُعَةَ فِيهِ الْوَاجِبُ وَزِيَادَةٌ كَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُسْقِطِ لَهُ بَعْدَهُ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى التَّخْيِيرِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى التَّخْيِيرِ إذْ لَوْ كَانَتْ مَنْدُوبَةً لَهُمْ لَمْ تَكْفِ عَنْ الْوَاجِبِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ أُمُورٍ مُتَسَاوِيَةٍ بِأَنْ يُقَالَ الْوَاجِبُ إمَّا هَذَا، وَإِمَّا هَذَا.
وَالشَّارِعُ إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرُوطَ الْجُمُعَةِ الظُّهْرَ ابْتِدَاءً، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْجُمُعَةُ مُشْتَمِلَةً عَلَى شُرُوطِ الظُّهْرِ وَزِيَادَةً كَفَتْ عَنْ الظُّهْرِ. وَلِلْقَرَافِيِّ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ هَذَا الِاصْطِلَاحَ وَيَقُولُ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ مَا يَكْفِي وَاحِدٌ مِنْهُ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ هَذَا
بِلَا عُذْرٍ، الْمُتَوَطِّنَ، وَإِنْ بِقَرْيَةٍ نَائِيَةٍ بِكَفَرْسَخٍ مِنْ الْمَنَارِ: كَأَنْ أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ النِّدَاءَ قَبْلَهُ، أَوْ صَلَّى الظُّهْرَ
ــ
[منح الجليل]
التَّعَبُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ بِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَنُبْ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ فَالنَّدْبُ مِنْ حَيْثُ سَعْيُهُ لِحُضُورِهَا فَقَطْ أَفَادَهُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ، وَهُوَ مَيْلٌ لِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ إنَّهَا فِي حَقِّهِمْ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَتَأَتَّى نِيَّةُ الْوَاجِبِ بِغَيْرِهِ وَعَلَى فَرْضِهِ فَلَا يُقَيَّدُ كَصَلَاةِ صَبِيٍّ الظُّهْرَ مَثَلًا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ، ثُمَّ بُلُوغُهُ فِي وَقْتِهَا فَتَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا حَالَ كَوْنِ الْحُرِّ الذَّكَرِ الْمُكَلَّفِ.
(بِلَا عُذْرٍ) مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ الْمُسْقِطَةِ لَهَا (الْمُتَوَطِّنَ) بِبَلَدِهَا بَلْ (وَإِنْ) كَانَ تَوَطُّنُهُ (بِقَرْيَةٍ نَائِيَةٍ) أَيْ بَعِيدٍ عَنْ بَلَدِهَا (بِكَفَرْسَخٍ) أَيْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَثُلُثٍ (مِنْ الْمَنَارِ) أَيْ الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ لِلْأَذَانِ بِهِ لِلْجُمُعَةِ، لَكِنْ الْمُتَوَطِّنُ بِبَلَدِهَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَالْمُتَوَطِّنُ خَارِجَهَا بِكَفَرْسَخٍ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ.
وَشَبَّهَ فِي اللُّزُومِ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَافُ التَّشْبِيهِ (أَدْرَكَ) أَيْ لَحِقَ (الْمُسَافِرُ) مِنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَفَاعِلُ أَدْرَكَ (النِّدَاءَ) أَيْ الْأَذَانَ الثَّانِيَ، وَصِلَةُ أَدْرَكَ (قَبْلَهُ) أَيْ مُجَاوَزَةُ كَالْفَرْسَخِ، وَمِثْلُ الْأَذَانِ الزَّوَالُ عَلَى مَا لِابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ عَرَفَةَ مِنْ تَعْلِيقِ الرُّجُوعِ بِالزَّوَالِ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَا. وَعَلَّقَهُ الْبَاجِيَّ وَسَنَدٌ بِالْأَذَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَلْزَمُ الرُّجُوعَ إلَّا بِسَمَاعِ النِّدَاءِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِبَلَدِهَا إنْ عِلْم أَوْ ظَنَّ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ مِنْهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا، وَأَقَامَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ سَافَرَ مِنْهَا فَأَدْرَكَهُ النِّدَاءُ أَوْ الزَّوَالُ قَبْلَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَمَالَ إلَيْهِ الْعَدَوِيُّ. وَقَالَ النَّاصِرُ يَلْزَمُهُ وَمِثْلُهُ فِي الْبُنَانِيِّ وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَجَاوَزَ كَالْفَرْسَخِ قَبْلَهُ، وَأَدْرَكَهُ نِدَاءُ بَلَدٍ آخَرَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ اعْتِبَارًا بِشَخْصِهِ، وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ لِأَهْلِهَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ الصَّغِيرُ أَوْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِبَلَدِهِ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِأَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَاسْتَظْهَرَهُ الْعَدَوِيُّ.
(أَوْ صَلَّى) الْمُسَافِرُ (الظُّهْرَ) فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ وَحْدَهَا أَوْ مَجْمُوعَةً مَعَ الْعَصْرِ كَذَلِكَ
ثُمَّ قَدِمَ، أَوْ بَلَغَ، أَوْ زَالَ عُذْرُهُ لَا بِالْإِقَامَةِ إلَّا تَبَعًا.
وَنُدِبَ تَحْسِينُ هَيْئَةٍ، وَجَمِيلُ ثِيَابٍ، وَطِيبٌ،
ــ
[منح الجليل]
قَبْلَ قُدُومِهِ (ثُمَّ قَدِمَ) وَطَنَهُ أَوْ مَحَلَّ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ مَحَلًّا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِهِ وَوَجَدَهُمْ لَمْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ فَتَجِبُ عَلَيْهِ مَعَهُمْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى الْعَصْرَ أَيْضًا وَهُوَ مُسَافِرٌ ثُمَّ قَدِمَ فَوَجَدَهُمْ لَمْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَعَهُمْ، وَيُعِيدُ الْعَصْرَ نَدْبًا كَمَنْ قَدَّمَهَا عَلَى الظُّهْرِ نَاسِيًا، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ مَعَهُمْ فَهَلْ يُعِيدُ الظُّهْرَ أَوْ لَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ الْآتِي وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ إلَخْ الثَّانِي لِعُذْرِهِ بِالسَّفَرِ قَالَهُ الْعَدَوِيُّ.
(أَوْ) صَلَّى الصَّبِيُّ الظُّهْرَ ثُمَّ (بَلَغَ) قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ مَعَهُمْ، وَكَذَا إنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ بَلَغَ وَوَجَدَ جُمُعَةً أُخْرَى فَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ أَعَادَهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْأَوَّلَ وَلَوْ جُمُعَةً نَفْلٌ فَلَا يَكْفِي عَنْ الْفَرْضِ (أَوْ) صَلَّى مَعْذُورٌ بِعُذْرٍ مُسْقِطِ الْجُمُعَةِ الظُّهْرَ ثُمَّ (زَالَ عُذْرُهُ) قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ مَعَهُمْ (لَا) تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ الذَّكَرِ (بِالْإِقَامَةِ) بِبَلَدِهَا أَوْ خَارِجَهَا بِكَفَرْسَخٍ الْقَاطِعَةِ حُكْمَ السَّفَرِ بِلَا تَوَطُّنٍ (إلَّا تَبَعًا) لِأَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا يُعَدُّ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَإِنْ صَحَّتْ إمَامَتُهُ لَهُمْ وَمِثْلُهُ مُتَوَطِّنٌ خَارِجَهَا بِكَفَرْسَخٍ.
(وَنُدِبَ) أَيْ تَأَكَّدَ لِمُرِيدِ حُضُورِهَا (تَحْسِينُ هَيْئَةٍ) كَقَصِّ شَارِبٍ وَظُفُرٍ وَنَتْفِ إبْطٍ وَاسْتِحْدَادٍ إنْ احْتَاجَ لِذَلِكَ وَسِوَاكٍ. وَقَدْ يَجِبُ إنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ كَرِيهَةً وَتَوَقَّفَتْ إزَالَتُهَا عَلَيْهِ (وَجَمِيلُ) أَيْ بَيَاضُ (ثِيَابٍ) أَيْ لُبْسُهُ وَلَوْ عَتِيقًا وَجَمِيلُ الْعِيدِ الْجَدِيدِ وَلَوْ غَيْرَ أَبْيَضَ. وَإِنْ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِيدًا لَبِسَ الْجَدِيدَ غَيْرَ الْأَبْيَضِ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ لِلْيَوْمِ لَا لِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَالْأَبْيَضُ غَيْرُ الْجَدِيدِ حَالَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كَانَ الْجَدِيدُ أَبْيَضَ لَبِسَهُ الْيَوْمَ كُلَّهُ.
(وَ) نُدِبَ (طِيبٌ) أَيْ تَطَيُّبٌ بِطِيبٍ مُذَكَّرٍ، وَهُوَ مَا يَظْهَرُ رِيحُهُ وَيَخْفَى لَوْنُهُ كَمِسْكٍ وَزَبَدٍ، أَوْ مُؤَنَّثٍ، وَهُوَ مَا يَظْهَرُ لَوْنُهُ وَيَخْفَى رِيحُهُ كَوَرْدٍ وَيَاسَمِينٍ لِلْمَلَائِكَةِ الْوَاقِفِينَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَرُبَّمَا صَافَحُوهُ أَوْ لَمَسُوهُ وَلَا حَظَّ لَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ، وَهَذِهِ الْمَنْدُوبَاتُ الثَّلَاثَةُ خَاصَّةٌ بِالرِّجَالِ وَمُحَرَّمَةٌ عَلَى النِّسَاءِ الْمَرِيدَاتِ حُضُورَ الْجُمُعَةِ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ فِي مَحَلِّ الْعِبَادَةِ.
وَمَشْيٌ، وَتَهْجِيرٌ، وَإِقَامَةُ أَهْلِ السُّوقِ مُطْلَقًا بِوَقْتِهَا، وَسَلَامُ خَطِيبٍ لِخُرُوجِهِ
ــ
[منح الجليل]
(وَ) نُدِبَ (مَشْيٌ) عَلَى قَدَمَيْهِ فِي ذَهَابِهِ فَقَطْ تَوَاضُعًا لِسَيِّدِهِ الَّذِي هُوَ ذَاهِبٌ لِعِبَادَتِهِ وَاغْتِنَامًا لِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّارِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» ، أَيْ طَاعَةُ اللَّهِ. وَشَأْنُ الْمَاشِي الِاغْبِرَارُ، وَإِنْ اتَّفَقَ عَدَمُهُ فِي قَرِيبِ الْمَنْزِلِ وَاغْبِرَارُ قَدِمَ الرَّاكِبِ نَادِرٌ فَالِاغْبِرَارُ لَازِمٌ لِلْمَشْيِ عَادَةً، فَأُطْلِقَ اسْمُ اللَّازِمِ وَأُرِيدَ مَلْزُومُهُ، وَهُوَ الْمَشْيُ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ. وَأَمَّا فِي رُجُوعِهِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ الْمَشْيُ لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ.
(وَ) نُدِبَ (تَهْجِيرٌ) أَيْ ذَهَابٌ لَهَا فِي الْهَاجِرَةِ أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَيُكْرَهُ التَّبْكِيرُ خَشْيَةَ الرِّيَاءِ وَلِمُخَالَفَةِ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَذَلِكَ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ الَّتِي يَلِيهَا الزَّوَالُ، وَهِيَ الْمُقَسَّمَةُ فِي الْحَدِيثِ إلَى السَّاعَاتِ أَيْ الْأَجْزَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَاجِيَّ وَشَهَّرَهُ الرَّجْرَاجِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ التَّقْسِيمُ السَّاعَةُ السَّابِعَةُ الَّتِي تَلِي الزَّوَالَ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَخْرُجُ لِلْخُطْبَةِ فِي أَوَّلِهَا وَتَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ لِاسْتِمَاعِهَا.
(وَ) نُدِبَ لِلْإِمَامِ (إقَامَةُ أَهْلِ السُّوقِ) أَيْ أَمْرُهُمْ بِالْقِيَامِ مِنْهَا وَتَرْكِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَنْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَصِلَةُ إقَامَةُ (بِوَقْتِ) خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِ (هَا) مِنْ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى سَلَامِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأُقِيمَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ بَالُ مَنْ تَلْزَمُهُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالرِّبْحِ فَيَضُرُّ مَنْ تَلْزَمُهُ. وَلِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِاشْتِغَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ عَنْهَا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ فَإِقَامَتُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ.
(وَ) نُدِبَ (سَلَامُ خَطِيبٍ) عَلَى الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ فِي الْمَسْجِدِ (لِخُرُوجِهِ) عَلَى النَّاسِ
لَا صُعُودِهِ، وَجُلُوسُهُ أَوَّلًا، وَبَيْنَهُمَا، وَتَقْصِيرُهُمَا وَالثَّانِيَةُ أَقْصَرُ، وَرَفْعُ صَوْتِهِ، وَاسْتِخْلَافُهُ لِعُذْرٍ: حَاضِرُهَا، وَقِرَاءَةٌ فِيهِمَا، وَخَتْمُ الثَّانِيَةِ بِيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، وَأَجْزَأَ اُذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ،
ــ
[منح الجليل]
لِلْخُطْبَةِ أَيْ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ السَّلَامُ فِي ذَاتِهِ سُنَّةً وَرَدُّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (لَا) يُنْدَبُ سَلَامُهُ عِنْدَ انْتِهَاءِ (صُعُودِهِ) أَيْ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيُكْرَهُ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا، وَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا قَالَهُ الْبَرْمُونِيُّ. وَاسْتَظْهَرَ الْبَدْرُ وُجُوبَ رَدِّهِ (وَ) نُدِبَ (جُلُوسُهُ) أَيْ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ (أَوَّلًا) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَشَدِّ الْوَاوِ أَيْ عَقِبَ صُعُودِهِ إلَى الْأَذَانِ (وَ) جُلُوسُهُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَالِاسْتِرَاحَةِ. ابْنُ عَاتٍ قَدْرَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَهَذَا مِنْ السَّهْوِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقِيلَ مَنْدُوبٌ، وَالثَّانِي سُنَّةٌ اتِّفَاقًا بَلْ قِيلَ بِفَرْضِيَّتِهِ.
(وَ) نُدِبَ (تَقْصِيرُهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (وَالثَّانِيَةُ أَقْصَرُ) مِنْ الْأُولَى نَدْبًا (وَ) نُدِبَ (رَفْعُ صَوْتِهِ) بِهِمَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِسْمَاعِ وَالْجَهْرُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِمَا (وَ) نُدِبَ (اسْتِخْلَافُهُ) أَيْ الْخَطِيبِ (لِعُذْرٍ) حَصَلَ لَهُ فِيهِمَا أَوْ بَعْدَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ نُدِبَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا (حَاضِرَهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ هَذَا مَحَطُّ النَّدْبِ. وَأَصْلُ الِاسْتِخْلَافِ مَنْدُوبٌ مِنْ الْإِمَامِ وَوَاجِبٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ إنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ (وَ) نُدِبَ (قِرَاءَةٌ فِي أُولَاهُمَا)«، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي خُطْبَتِهِ الْأُولَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] » ابْنُ يُونُسَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى سُورَةً تَامَّةً مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ.
(وَ) نُدِبَ (خَتْمُ الثَّانِيَةِ بِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، وَأَجْزَأَ) أَيْ كَفَى فِي حُصُولِ الْمَنْدُوبِ أَنْ يَقُولَ فِي خَتْمِهَا بَدَلَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ (اُذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ) وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ. وَأَمَّا خَتْمُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] الْآيَةُ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ
وَتَوَكُّؤٌ عَلَى كَقَوْسٍ، وَقِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ لِمَسْبُوقٍ، وَ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] . وَأَجَازَ بِالثَّانِيَةِ: بِسَبِّحْ أَوْ الْمُنَافِقُونَ
وَحُضُورُ مُكَاتَبٍ، وَصَبِيٍّ. وَعَبْدٍ، وَمُدَبَّرٍ: أَذِنَ سَيِّدُهُمَا
ــ
[منح الجليل]
أَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ، وَأَوَّلُ مَنْ قَرَأَهَا فِي آخِرِهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عِوَضًا عَمَّا كَانَ يَخْتِمُ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ خُطَبَهُمْ مِنْ سَبِّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى خِلَافِهِ.
(وَ) نُدِبَ (تَوَكُّؤٌ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْوَاوِ وَضَمِّ الْكَافِ مُشَدَّدَةً يَلِيهَا هَمْزٌ اسْتِنَادٌ حَالِ الْخُطْبَةِ (عَلَى كَقَوْسٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ عَرَبِيٍّ لِطُولِهَا، وَقُرْبِهَا مِنْ الِاسْتِقَامَةِ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ السَّيْفَ وَالْعِصِيَّ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْهُمَا.
(وَ) نُدِبَ (قِرَاءَةُ) سُورَةِ (الْجُمُعَةِ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِلْإِمَامِ بَلْ (وَإِنْ لِ) شَخْصٍ (مَسْبُوقٍ) بِهَا فَيُنْدَبُ لَهُ قِرَاءَتُهَا فِي قَضَائِهَا ظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا الْإِمَامُ، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَهَلْ أَتَاك) فِي الثَّانِيَةِ (وَأَجَازَ) الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْقِرَاءَةَ (بِ) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ) أَيْ فِيهَا (بِسَبِّحْ) اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى (أَوْ الْمُنَافِقُونَ) فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ هَذَا هُوَ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاك أَوْ سَبِّحْ وَالْمُنَافِقُونَ. وَاحْتَجَّ لَهُ بِكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَاجِيِّ وَالْمَازِرِيِّ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّهَا أَقْوَالٌ. وَقِيلَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَلْ أَتَاك مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ قَوْلُ الْكَافِي.
(وَ) نُدِبَ (حُضُورُ مُكَاتَبٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ أَوْ كَسْرِهَا أَيْ مُعْتَقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ (وَ) نُدِبَ حُضُورُ (صَبِيٍّ) الْجُمُعَةَ لِيَعْتَادَهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ وَمُسَافِرٌ لَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِي حُضُورِهَا وَلَا تَشْغَلُهُ عَنْ حَوَائِجِهِ، وَالْأَخِيرُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ (وَ) نُدِبَ حُضُورُ (عَبْدٍ) قِنٍّ (وَ) عَبْدٍ (مُدَبَّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُشَدَّدَةً أَيْ مُعَلَّقٌ عِتْقُهُ عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهِ (أَذِنَ) لَهُمَا (سَيِّدُهُمَا) فِي حُضُورِ الْجُمُعَةِ كَمُبَعَّضٍ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ وَفِي يَوْمِهِ كَمُكَاتَبٍ، وَيُنْدَبُ
وَأَخَّرَ الظُّهْرَ: رَاجٍ زَوَالَ عُذْرِهِ، وَإِلَّا فَلَهُ التَّعْجِيلُ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ إنْ صَلَّى الظُّهْرَ مُدْرِكًا لِرَكْعَةٍ: لَمْ يُجْزِهِ،
ــ
[منح الجليل]
لِلسَّيِّدِ الْإِذْنُ.
(وَأَخَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا نَدْبًا (الظُّهْرَ) مَعْذُورٌ بِعُذْرٍ مُبِيحٍ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ (رَاجٍ زَوَالَ عُذْرِهِ) قَبْلَ صَلَاتِهَا كَمَحْبُوسٍ ظَنَّ الْخَلَاصَ وَمُسَافِرٍ ظَنَّ الْقُدُومَ وَمَرِيضٍ ظَنَّ الْعَافِيَةَ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَرْجُهُ قَبْلَهَا بِأَنْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ اسْتِمْرَارَهُ إلَى فَوَاتِهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ (فَلَهُ التَّعْجِيلُ) لِلظُّهْرِ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَكِنْ عَقِبَ فَرَاغِ الْجُمُعَةِ.
(وَ) الشَّخْصُ (غَيْرُ الْمَعْذُورِ) الَّذِي لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ كَمُقِيمٍ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ خَارِجَ الْبَلَدِ بِكَفَرْسَخٍ مِنْ النَّارِ. (إنْ صَلَّى الظُّهْرَ) فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ حَالَ كَوْنِهِ (مُدْرِكًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ مُحَصِّلًا (لِرَكْعَةٍ) مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ عَلَى فَرْضِ سَعْيِهِ لَهَا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا (لَمْ تُجْزِهِ) ظُهْرُهُ فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَبَعْدَهَا ظُهْرًا أَبَدًا إنْ لَمْ تُمْكِنْهُ الْجُمُعَةُ، وَإِلَّا لَزِمَتْهُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ يَوْمِهَا وَالظُّهْرَ بَدَلُهَا فِي الْفِعْلِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يُصَلِّهَا وَسَوَاءٌ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ عَازِمًا عَلَى عَدَمِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ إحْرَامِ الظُّهْرِ مُدْرِكًا رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ لَوْ سَعَى لَهَا أَجْزَأَتْهُ
وَلَا يَجْمَعُ الظُّهْرَ إلَّا ذُو عُذْرٍ، وَاسْتُؤْذِنَ إمَامٌ وَوَجَبَتْ إنْ مَنَعَ، وَأَمِنُوا، وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ.
ــ
[منح الجليل]
ظُهْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ غَيْرُ الْمَعْذُورِ إنْ صَلَّى الظُّهْرَ مُدْرِكًا رَكْعَةً تُجْزِئُهُ إذْ كَيْفَ يُعِيدُهَا أَرْبَعًا، وَقَدْ صَلَّاهَا أَرْبَعًا. وَلِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الظُّهْرُ. وَبَنَى الْمَازِرِيُّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ يَوْمِهَا أَوْ بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فَتُجْزِئُهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَلَوْ كَانَ يُدْرِكُ الرَّكْعَتَيْنِ.
(وَلَا يَجْمَعُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ لَا يُصَلِّي (الظُّهْرَ) فِي جَمَاعَةٍ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَيْ يُكْرَهُ (إلَّا ذُو) أَيْ صَاحِبُ (عُذْرٍ) كَثِيرِ الْوُقُوعِ كَمَرَضٍ وَحَبْسٍ وَسَفَرٍ فَيُسَنُّ لَهُمْ الْجَمْعُ، وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهُمْ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَإِخْفَاءُ جَمَاعَتِهِمْ فَلَا يُؤَذِّنُونَ وَلَا يَجْمَعُونَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ رَاتِبٌ لِئَلَّا يُتَّهَمُوا بِالزُّهْدِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَيُكْرَهُ الْجَمْعُ لِمَنْ فَاتَتْهُ لِعُذْرٍ نَادِرِ الْوُقُوعِ كَخَوْفِ بَيْعَةِ أَمِيرٍ ظَالِمٍ وَنِسْيَانٍ. وَإِنْ جَمَعُوا فَلَا يُعِيدُونَ. ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرْجِعْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بَلْ لِوَصْفِهَا، وَهُوَ الْجَمْعُ فَهِيَ مُجْزِئَةٌ بِأَصْلِهَا مَكْرُوهَةٌ بِوَصْفِهَا.
(وَاسْتُؤْذِنَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ، وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فِي ابْتِدَاءِ إقَامَتِهَا بِبَلَدٍ مُسْتَوْفٍ لِشُرُوطِهَا لَا جُمُعَةَ فِيهِ (إمَامٌ) أَيْ سُلْطَانٌ أَوْ نَائِبُهُ نَدْبًا، فَإِنْ أَذِنَ فِيهَا أَوْ سَكَتَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ صَلَاتُهَا (وَوَجَبَتْ) صَلَاةُ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُسْتَوْفِينَ شُرُوطَهَا (إنْ مَنَعَ) الْإِمَامُ إقَامَتَهَا فِيهِ (وَأَمِنُوا) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ لَمْ يَخَافُوا مِنْ ضَرَرِهِ. (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنُوا أَوْ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ مَعَ مَنْعِهِ (لَمْ تُجْزِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ لَمْ تَصِحَّ وَيُعِيدُونَهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ لَا تَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ لَا يَكْفِي فِعْلُهُ عَنْ الْوَاجِبِ قَالَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ غَازِيٍّ الْإِجْزَاءَ وَضَبَطَ تُجْزِ بِفَتْحٍ فَضَمٍّ قَائِلًا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِوُجُودِهِ فِيمَا إذَا مَنَعَ، وَأَمِنُوا وَالنَّصُّ وُجُوبُهَا حِينَئِذٍ، وَمَحَلُّ هَذَا إنْ مَنَعَهُمْ جَوْرًا. وَأَمَّا إنْ مَنَعَهُمْ اجْتِهَادًا لِرُؤْيَتِهِ عَدَمَ اسْتِيفَائِهِمْ شُرُوطَهَا فَلَا تُجْزِيهِمْ وَيُعِيدُونَهَا ظُهْرًا أَبَدًا.
وَسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ، وَأَعَادَ إنْ تَغَذَّى، أَوْ نَامَ اخْتِيَارًا.
ــ
[منح الجليل]
وَسُنَّ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا لِمُرِيدِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (غُسْلٌ) صِفَتُهُ كَصِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ (مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ) أَيْ الذَّهَابِ إلَى الْجَامِعِ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَيُغْتَفَرُ يَسِيرُ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ مَنْدُوبٌ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ لَا يُذْهِبُهَا إلَّا الْغُسْلُ، وَإِلَّا وَجَبَ اتِّفَاقًا. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ نَهَارًا وَنِيَّتُهُ وَاتِّصَالُهُ بِالتَّهْجِيرِ، فَلَوْ رَاحَ قَبْلَهُ مُتَّصِلًا غُسْلُهُ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَقِيلَ يُجْزِئُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ اغْتَسَلَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَرَاحَ فَلَا يُجْزِئُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُعْجِبُنِي، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يُجْزِئُهُ.
وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ مُرِيدُهَا تَلْزَمُهُ بَلْ (وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ) كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ وَصَبِيٍّ (وَأَعَادَ) الْمُغْتَسِلُ غُسْلَهُ اسْتِنَانًا لِبُطْلَانِهِ (إنْ تَغَذَّى) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَكَلَ بَعْدَهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ حَالِ سَعْيِهِ لَهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّوَاحِ لِلْجَامِعِ (أَوْ نَامَ اخْتِيَارًا) خَارِجَهُ فِي غَيْرِ حَالِ ذَهَابِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الطُّولِ وَمَفْهُومٌ اخْتِيَارًا أَنَّهُ إنْ نَامَ غَلَبَةً فَلَا يُعِيدُهُ مَا لَمْ يُطِلْ.
وَكَذَا إنْ أَكَلَ أَوْ نَامَ اخْتِيَارًا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي حَالَ سَعْيِهِ إلَيْهِ فِي عَرَبِيَّةٍ مَثَلًا. عبق يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْأَكْلِ بِالِاخْتِيَارِ أَيْضًا. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ خِلَافُ إطْلَاقِهِمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ النَّوْمَ الْعَدَوِيُّ الْمُعْتَمَدُ رُجُوعُهُ لَهُمَا مَعًا فَالْمَغْلُوبُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يُعِيدُ
لَا لِأَكْلٍ خَفَّ
وَجَازَ تَخَطٍّ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ، وَاحْتِبَاءٌ فِيهَا، وَكَلَامٌ بَعْدَهَا لِلصَّلَاةِ، وَخُرُوجُ كَمُحْدِثٍ بِلَا إذْنٍ، وَإِقْبَالٌ عَلَى ذِكْرٍ قَلَّ سِرًّا:
ــ
[منح الجليل]
لَا) يُعَادُ الْغُسْلُ (لِأَكْلٍ خَفَّ) أَيْ قَلَّ خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَصْرُهُ الِاغْتِفَارَ عَلَى خَفِيفِ الْأَكْلِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّوْمَ الْخَفِيفَ لَا يُغْتَفَرُ، وَكَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ الْخَفِيفَيْنِ فَالنَّوْمُ الْقَصِيرُ لَا يَضُرُّ أَفَادَهُ الْعَدَوِيُّ كَكُلِّ فِعْلٍ خَفِيفٍ.
(وَجَازَ) لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ (تَخَطٍّ) لِلصُّفُوفِ لِفُرْجَةٍ وَكُرِهَ لِغَيْرِهَا (قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ) عَلَى الْمِنْبَرِ الْجِلْسَةَ الْأُولَى وَمَفْهُومُ قَبْلَ عَدَمُ جَوَازِهِ بَعْدَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ لِفُرْجَةٍ، وَيَجُوزُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ، وَقَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ لِغَيْرِ فُرْجَةٍ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ وَمَفْهُومُ تَخَطٍّ جَوَازُ الْمَشْيِ بَيْنَ الصُّفُوفِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ حَالَ الْخُطْبَةِ (وَ) جَازَ (احْتِبَاءٌ) بِيَدٍ أَوْ ثَوْبٍ (فِيهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ لِجَالِسٍ لِاسْتِمَاعِهَا.
(وَ) جَازَ (كَلَامٌ بَعْدَهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (لَا) ابْتِدَاءِ إقَامَةِ (الصَّلَاةِ) ، وَكُرِهَ حِينَهَا وَبَعْدَهَا لِلْإِحْرَامِ وَحَرُمَ بَعْدَ إحْرَامِ الْإِمَامِ أَفَادَهُ عبق. الْبُنَانِيُّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ نَقْلُ الْمَوَّاقِ وَالْحَطّ جَوَازَ الْكَلَامِ حِينَ الْإِقَامَةِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَجُوزُ الْكَلَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَقَبْلَ الصَّلَاةِ. وَرُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِي الرَّجُلَ طَوِيلًا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ» ، وَأَمَّا الْكَلَامُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى كَرَاهَتِهِ إلَّا أَنْ يُشَوِّشَ عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْرُمَ. (وَ) جَازَ (خُرُوجُ) مَعْذُورٍ مِنْ الْمَسْجِدِ (كَمُحْدِثٍ) وَرَاعِفٍ حَالَ الْخُطْبَةِ لِإِزَالَةِ مَانِعِهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْخَطِيبِ هَذَا مَحَطُّ الْجَوَازِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْخُرُوجَ وَاجِبٌ وَالْأَوْلَى الِاسْتِئْذَانُ (وَ) جَازَ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ مَنْدُوبٌ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (إقْبَالٌ عَلَى ذِكْرٍ) مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَحَوْقَلَةٍ وَنَحْوِهَا أَيْ فِعْلُهُ حَالَ الْخُطْبَةِ وَنَعَتَ ذِكْرِ بِجُمْلَةِ (قَلَّ) الذِّكْرُ كَوْنُهُ (سِرًّا) وَمَفْهُومُ قَلَّ مَنْعُ الْكَثِيرِ مُطْلَقًا، وَمَفْهُومُ سِرًّا مَنْعُ
كَتَأْمِينٍ. وَتَعَوُّذٍ عِنْدَ ذِكْرِ السَّبَبِ: كَحَمْدِ عَاطِسٍ سِرًّا.
وَنَهْيُ خَطِيبٍ، أَوْ أَمْرُهُ، وَإِجَابَتُهُ
ــ
[منح الجليل]
الْجَهْرِ بِالْيَسِيرِ. الْبُنَانِيُّ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَنْعِ هَذَا كَرَاهَتُهُ. وَأَمَّا الْجَهْرُ بِالْكَثِيرِ فَيَحْرُمُ قَطْعًا وَمِنْهُ مَا يُفْعَلُ بِدِكَّةِ الْمُبَلِّغِينَ.
وَشَبَّهَ فِي مُطْلَقِ الْجَوَازِ فَقَالَ (كَتَأْمِينٍ) أَيْ قَوْلِ آمِينَ (وَتَعَوُّذٍ) أَيْ قَوْلِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الِاسْتِغْفَارَ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَنَازَعَ تَأْمِينٌ وَتَعَوُّذٌ (عِنْدَ) ذِكْرِ (السَّبَبِ) لَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ هُنَا النَّدْبُ، وَالْقِلَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فَلِذَا قُلْت شَبَّهَ فِي مُطْلَقِ الْجَوَازِ، وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ يَعْنِي النَّدْبَ أَيْضًا فَقَالَ (كَحَمْدِ) شَخْصٍ (عَاطِسٍ) ، وَإِتْيَانِ الْمُصَنِّفِ بِالْكَافِ فِي هَذَا مَعَ تَرْكِ عَطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْكَافَ الْأَوَّلَ لِلتَّمْثِيلِ كَمَا قِيلَ، وَإِنْ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ التَّأْمِينَ وَنَحْوَهُ عَنْهُ سَبَبُهُ مَنْدُوبٌ وَغَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْيَسَارَةِ وَمَا قَبْلَهَا خِلَافُ الْأَوْلَى وَمُقَيَّدٌ بِهَا حَالَ كَوْنِ التَّأْمِينِ وَمَا بَعْدَهُ (سِرًّا) وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ جَوَازِهِمَا جَهْرًا. وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ التَّأْمِينَ وَالتَّعَوُّذَ عِنْدَ السَّبَبِ لَا يُفْعَلَانِ إلَّا سِرًّا، وَالْجَهْرُ بِهِمَا مَمْنُوعٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُفْعَلَانِ وَلَوْ جَهْرًا لَيْسَ بِالْعَالِي وَالْعُلُوُّ بِدْعَةٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَفِيهَا «مَنْ عَطَسَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ حَمِدَ اللَّهَ سِرًّا» اهـ. وَهَلْ الْحَمْدُ مَنْدُوبٌ أَوْ سُنَّةٌ رَجَّحَ عبق وشب الْأَوَّلَ، وَاقْتَصَرَ تت عَلَى الثَّانِي، وَأَقَرَّهُ مُصْطَفَى.
(وَ) جَازَ (نَهْيُ خَطِيبٍ) عَنْ مُنْكَرٍ رَآهُ حَالَ خُطْبَتِهِ نَحْوُ لَا تَتَكَلَّمْ لِمَنْ تَكَلَّمَ وَلَا تَتَخَطَّ لِمَنْ تَخَطَّى (أَوْ أَمْرُهُ) بِمَعْرُوفٍ نَحْوُ قُمْ صَلِّ الْقَضَاءَ أَوْ قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لِمَرِيدِ الْإِسْلَامِ (وَ) جَازَ (إجَابَتُهُ) أَيْ الْخَطِيبِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ يَجُوزُ لِمَنْ أَمَرَهُ أَوْ نَهَاهُ الْخَطِيبُ بِأَنَّهُ تَرَكَ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَوْ فَعَلَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ لِعُذْرٍ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ لِسُلَيْكٍ أَصَلَّيْت فَقَالَ لَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» . اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ أَيْ إجَابَةُ الْخَطِيبِ سَائِلًا حَالَ الْخُطْبَةِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا لِمَنْ سَأَلَهُ حَالَ خُطْبَتِهِ.
وَكُرِهَ تَرْكُ طُهْرٍ فِيهِمَا، وَالْعَمَلِ يَوْمَهَا وَبَيْعٌ: كَعَبْدٍ بِسُوقٍ وَقْتَهَا وَتَنَقُّلُ إمَامٍ قَبْلَهَا، أَوْ جَالِسٍ عِنْدَ الْأَذَانِ وَحُضُورُ شَابَّةٍ، وَسَفَرٌ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَجَازَ قَبْلَهُ، وَحَرُمَ بِالزَّوَالِ.
ــ
[منح الجليل]
وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ لِلْخَطِيبِ (تَرْكُ طُهْرٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ (فِيهِمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ فَلَيْسَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، نَعَمْ هِيَ شَرْطُ كَمَالٍ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ جُنُبًا (وَ) كُرِهَ تَرْكُ (الْعَمَلِ) أَيْ الْخِيَاطَةِ أَوْ الْحِيَاكَةُ مَثَلًا (يَوْمَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ إنْ قَصَدَ بِهِ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ كَسَبْتِ الْيَهُودِ، وَأَحَدِ النَّصَارَى، فَإِنْ كَانَ لِلرَّاحَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لِلتَّجَرُّدِ لِلْعِبَادَةِ نُدِبَ (وَ) كُرِهَ (بَيْعُ كَعَبْدٍ) مُسَافِرٍ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ شَيْئًا وَالْكَافُ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلِ أَيْ تَعَامُلِهِ مَعَ مِثْلِهِ (بِسُوقٍ وَقْتَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْجِلْسَةِ الْأُولَى إلَى السَّلَامِ، وَمَفْهُومُ كَعَبْدٍ حُرْمَةُ بَيْعِ مَنْ تَلْزَمُهُ وَقْتَهَا مُطْلَقًا، وَمَفْهُومُ بِسُوقٍ جَوَازُ بَيْعِ كَعَبْدٍ بِغَيْرِهَا وَمَفْهُومُ وَقْتِهَا كَذَلِكَ.
(وَ) كُرِهَ (تَنَفُّلُ إمَامٍ قَبْلَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ حَيْثُ دَخَلَ لِرُقِيِّ الْمِنْبَرِ، فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ وَقْتِهِ أَوْ لِانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ نُدِبَتْ لَهُ التَّحِيَّةُ (أَوْ) تَنَفَّلَ (جَالِسٌ) فِي الْمَسْجِدِ يُقْتَدَى بِهِ (عِنْدَ الْأَذَانِ) الْأَوَّلِ وَمَفْهُومُ جَالِسٍ جَوَازُهُ لِدَاخِلٍ لِلتَّنَقُّلِ قَبْلَهُ، وَمَفْهُومُ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّ مَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ لَا يُكْرَهُ تَنَفُّلُهُ عِنْدَهُ وَمَفْهُومُ عِنْدَ الْأَذَانِ جَوَازُهُ قَبْلَهُ وَالتَّنَفُّلُ عِنْدَ أَذَانِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ، وَكَذَا بَعْدَهَا إلَى انْصِرَافِ النَّاسِ أَوْ دُخُولِ وَقْتِ انْصِرَافِهِمْ إنْ لَمْ يَنْصَرِفُوا أَوْ دُخُولِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ.
(وَ) كُرِهَ (حُضُورُ شَابَّةٍ) غَيْرِ مَخْشِيَّةِ الْفِتْنَةِ الْجُمُعَةَ لِكَثْرَةِ زِحَامِهَا وَيَحْرُمُ لِمَخْشِيَّتِهَا وَيَجُوزُ لِعَجُوزٍ لَا أَرَبَ فِيهَا وَيُكْرَهُ لِمَنْ فِيهَا أَرَبٌ (وَ) كُرِهَ لِمَنْ تَلْزَمُهُ (سَفَرٌ بَعْدَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) يَوْمَهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إبَاحَتَهُ لِعَدَمِ خِطَابِهِ بِهَا، وَحُجَّةُ الْمَشْهُورِ تَفْوِيتُهُ مَشْهَدُ الْخَيْرِ (وَجَازَ) السَّفَرُ (قَبْلَهُ) أَيْ الْفَجْرِ (وَحَرُمَ) سَفَرُ مَنْ تَلْزَمُهُ (بِالزَّوَالِ) إلَّا أَنْ يَعْلَمَ إدْرَاكَهَا بِبَلَدٍ بِطَرِيقِهِ
كَكَلَامٍ فِي خُطْبَتَيْهِ بِقِيَامِهِ، وَبَيْنَهُمَا، وَلَوْ لِغَيْرِ سَامِعٍ، إلَّا أَنْ يَلْغُوَ عَلَى الْمُخْتَارِ،
ــ
[منح الجليل]
أَوْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ بِذَهَابِ رُفْقَتِهِ وَسَفَرِهِ وَحْدَهُ ابْنُ رُشْدٍ يُكْرَهُ السَّفَرُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيَحْرُمُ بِطُلُوعِهَا وَبِنَاءُ الْحَطّ عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَلَكِنْ الْمُعْتَمَدُ كَرَاهَتُهُ عَدَوِيٌّ.
وَشَبَّهَ فِي الْحُرْمَةِ فَقَالَ (كَكَلَامٍ) مِنْ غَيْرِ الْخَطِيبِ وَمُجِيبِهِ (فِي) حَالِ (خُطْبَتَيْهِ) لَا حَالَ جُلُوسِهِ قَبْلَهُمَا حَالَ كَوْنِهِمَا (بِقِيَامِهِ) أَيْ الْخَطِيبِ (وَ) فِي حَالِ جُلُوسِهِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ وَالتَّرَضِّي عَلَى الصَّحَابَةِ وَالدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ مُلْحَقَانِ بِالْخُطْبَةِ فَيَحْرُمُ الْكَلَامُ حَالَهُمَا قَرَّرَهُ الْعَدَوِيُّ لِسَامِعِهِمَا بَلْ (وَلَوْ لِغَيْرِ سَامِعٍ) لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ إنْ كَانَ بِالْجَامِعِ أَوْ رَحْبَتِهِ لَا خَارِجَهُمَا وَلَوْ سَمِعَ، وَمِثْلُ الْكَلَامِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَتَحْرِيكُ مَا لَهُ صَوْتٌ كَوَرَقٍ وَثَوْبٍ جَدِيدٍ وَسُبْحَةٍ قَالَهُ عبق. الْبُنَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ الرَّاجِحُ حُرْمَةُ الْكَلَامِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُمَا بِأَنْ كَانَ بِالطَّرِيقِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ سَوَاءٌ سَمِعَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الصَّمْتَ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ السَّامِعِ وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَتَى وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْصَاتُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ الْجُمُعَةَ اهـ. وَقَالَ الْأَخَوَانِ لَا يَجِبُ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ. وَقِيلَ إذَا دَخَلَ رِحَابَ الْمَسْجِدِ (إلَّا) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَشَدِّ اللَّامِ حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ (أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ نَاصِبٌ (يَلْغُوَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَتَكَلَّمُ الْخَطِيبُ بِكَلَامٍ لَاغٍ سَاقِطٍ خَارِجٍ عَنْ نِظَامِ الْخُطْبَةِ كَسَبِّ مَنْ لَا يَجُوزُ سَبُّهُ، وَمَدْحِ مَنْ لَا يَجُوزُ مَدْحُهُ، وَقِرَاءَةِ كِتَابٍ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ بِالْخُطْبَةِ، وَكَلَامٍ لَا يَعْنِي فَلَا يَحْرُمُ مِنْ غَيْرِهِ (عَلَى) الْقَوْلِ (الْمُخْتَارِ) لِلَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ حَبِيبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ. وَمُقَابِلُهُ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا لَا يَنْبَغِي الْكَلَامُ حَالَ لَغْوِ الْإِمَامِ.
وَكَسَلَامٍ، وَرَدِّهِ وَنَهْيِ لَاغٍ، وَحَصَبِهِ أَوْ إشَارَةٍ لَهُ وَابْتِدَاءِ صَلَاةٍ بِخُرُوجِهِ، وَإِنْ لِدَاخِلٍ. وَلَا يَقْطَعُ إنْ دَخَلَ.
ــ
[منح الجليل]
وَعَطَفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي الْحُرْمَةِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهَا فَقَالَ (وَكَ) ابْتِدَاءِ (سَلَامٍ) فَيَحْرُمُ حَالَ الْخُطْبَتَيْنِ (وَرَدِّهِ) أَيْ السَّلَامِ فَيَحْرُمُ حَالُهُمَا وَلَوْ بِإِشَارَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ هَارُونَ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَازَ رَدِّهِ بِالْإِشَارَةِ، وَأَنْكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَاعْتَرَضَهُ مُصْطَفَى بِنَقْلِ أَبِي الْحَسَنِ جَوَازَهُ بِهَا عَنْ اللَّخْمِيِّ. الْبُنَانِيُّ لَمْ أَجِدْ فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ مُصْطَفَى. (وَنَهْيِ) شَخْصٍ (لَاغٍ) فَيَحْرُمُ مِنْ غَيْرِ الْخَطِيبِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اُسْكُتْ لِحَدِيثِ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحِهِمَا، لَكِنْ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُقَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَمْ يُفْعَلْ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا فِي زَمَنِ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَإِنَّمَا هِيَ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا أَهْلُ الشَّامِ وَتَبِعَهُمْ النَّاسُ، وَيَدُلُّ لَهَا «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِجَرِيرٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ اسْتَنْصَتَ النَّاسَ ثُمَّ خَطَبَهُمْ صلى الله عليه وسلم» (وَحَصْبِهِ) أَيْ رَمْيِ اللَّاغِي بِالْحَصْبَاءِ زَجْرًا لَهُ فَيَحْرُمُ (وَإِشَارَةٍ لَهُ) أَيْ اللَّاغِي بِأَنْ يَسْكُتَ فَتَحْرُمُ.
(وَابْتِدَاءِ صَلَاةٍ) نَافِلَةٍ فَتَحْرُمُ (بِ) مُجَرَّدِ (خُرُوجِهِ) أَيْ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ عَلَى جَالِسٍ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَيَقْطَعُ مُطْلَقًا بَلْ (وَإِنْ لِ) شَخْصٍ (دَاخِلٍ) الْمَسْجِدَ حَالَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَقْطَعُ إنْ أَحْرَمَ بِهَا عَامِدًا، وَلَوْ عَقَدَ رَكْعَةً لَا إنْ أَحْرَمَ بِهَا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا يَقْطَعُ وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً، وَقَالَ السُّيُورِيُّ يَجُوزُ النَّفَلُ لِلدَّاخِلِ حِينَئِذٍ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِحَدِيثِ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ، وَفِيهِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ لَمَّا جَلَسَ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ لِلْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسْ» . وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا وَدَخَلَ يَطْلُبُ شَيْئًا فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ لِيَتَفَطَّنَ النَّاسُ لَهُ فَيَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصْحَبْهُ عَمَلٌ فَهُوَ مَنْسُوخٌ.
(وَلَا يَقْطَعُ) الْمُتَنَفِّلُ (إنْ دَخَلَ) الْخَطِيبُ لِلْخُطْبَةِ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهَا، وَلَوْ عَلِمَ دُخُولَهُ
وَفُسِخَ بَيْعٌ، وَإِجَارَةٌ وَتَوْلِيَةٌ وَشَرِكَةٌ، وَإِقَالَةٌ وَشُفْعَةٌ بِأَذَانٍ ثَانٍ، فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ حِينَ الْقَبْضِ: كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا نِكَاحٌ
ــ
[منح الجليل]
عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِهَا أَوْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً.
(وَفُسِخَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَنَائِبُ فَاعِلِهِ (بَيْعٌ) حَرَامٌ، وَقَعَ مِمَّنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ مَعَ مَنْ لَمْ تَلْزَمْهُ فِيهَا، فَإِنْ تَبَايَعَ اثْنَانِ تَلْزَمُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فُسِخَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَا مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ الْجُمُعَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا يُفْسَخُ. اهـ. وَهُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ (وَإِجَارَةٌ) كَذَلِكَ، وَهُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى مَنْفَعَةٍ، وَأَرَادَ بِهَا مَا شَمِلَ الْكِرَاءَ (وَتَوْلِيَةٌ) ، وَهُوَ تَرْكُ مَبِيعٍ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ (وَشَرِكَةٌ) ، وَهُوَ تَرْكُ بَعْضِ مَبِيعٍ لِغَيْرِ بَائِعٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ (وَإِقَالَةٌ) ، وَهُوَ تَرْكُ الْمَبِيعِ لِبَائِعِهِ بِثَمَنِهِ.
(وَشُفْعَةٌ) ، وَهُوَ أَخْذُ شَرِيكٍ فِي عَقَارِ مَا بَاعَهُ شَرِيكُهُ مِنْهُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ، وَتَنَازَعَ بَيْعٌ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (بِأَذَانٍ ثَانٍ) أَيْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يُؤَذَّنُ عَقِبَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَفْهُومُ بِأَذَانٍ ثَانٍ أَنَّهَا قَبْلَهُ لَا تُفْسَخُ إلَّا إذَا بَعُدَتْ دَارُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ قَبْلَهُ بِقَدْرِ مَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ فَاشْتَغَلَ بِهِ عَنْ السَّعْيِ فَيُفْسَخُ (فَإِنْ فَاتَ) الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي بِتَغَيُّرِ قِيمَتِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ (فَ) لَا يُفْسَخُ وَتَلْزَمُهُ (الْقِيمَةُ) لِلْمَبِيعِ مُعْتَبَرَةً (حِينَ الْقَبْضِ) لِلْمَبِيعِ مِنْ بَائِعِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ بِالْقِيمَةِ حِينَ الْعَقْدِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يَمْضِي بِالثَّمَنِ، وَقِيلَ لَا يُفْسَخُ وَلَوْ لَمْ يَفُتْ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ التَّوْبَةُ وَمَحَلُّ حُرْمَةِ الْبَيْعِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ وَيَحْتَجُّ لِشِرَاءِ مَاءٍ لِلْوُضُوءِ بِهِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ.
وَاخْتَلَفَ أَشْيَاخُ ابْنِ نَاجِي فِي جَوَازِ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ نَاجِي وَالْحَطّ جَوَازَهُ لَهُ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ فِي تَعْلِيلِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَبَيْعُ الْمَاءِ وَشِرَاؤُهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ لِيُتَوَصَّلَ إلَى الصَّلَاةِ فَلِذَا جَازَ (كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ) أَيْ بِسَبَبٍ غَيْرِ وُقُوعِهِ عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي أَوْ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ، وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَمَا عَلِمْت، وَإِنْ اتَّفَقَ عَلَى مَنْعِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ فِيهِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ هَذَا التَّشْبِيهِ بَعْدَ تَتْمِيمِ الْحُكْمِ (لَا) يُفْسَخُ (نِكَاحٌ) بِأَذَانٍ ثَانٍ، وَإِنْ حَرُمَ، وَهُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى مُتْعَةِ لَذَّةٍ.
وَهِبَةٌ وَصَدَقَةٌ
وَعُذْرُ تَرْكِهَا وَالْجَمَاعَةِ: شِدَّةُ وَحَلٍ وَمَطَرٍ، أَوْ جُذَامٌ وَمَرَضٌ، وَتَمْرِيضٌ
ــ
[منح الجليل]
(وَهِبَةٌ) ، وَهُوَ تَمْلِيكُ ذَاتٍ بِلَا عِوَضٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ (وَصَدَقَةٌ) ، وَهُوَ تَمْلِيكُ ذَاتٍ بِلَا عِوَضٍ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ (، وَكِتَابَةٌ) أَيْ عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى الرَّقِيقِ (وَخُلْعٌ) أَيْ طَلَاقٌ بِعِوَضٍ وَالْحِكْمَةُ فِي عَدَمِ فَسْخِ هَذِهِ الْعُقُودِ، وَإِنْ حَرُمَتْ أَيْضًا لِإِشْغَالِهَا عَنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ لِلْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَضُرُّ الزَّوْجَةَ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَتَشَوُّفُ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَالزَّوَاجِ، وَأَمَّا الْعُقُودُ السَّابِقَةُ فَلَا يَضُرُّ فَسْخُهَا أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لِرُجُوعِ كُلِّ عِوَضٍ لِصَاحِبِهِ.
(وَعُذْرُ) إبَاحَةِ (تَرْكِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (وَ) تَرْكِ الصَّلَاةِ مَعَ (الْجَمَاعَةِ) وَمَفْهُومُ عُذْرُ أَنَّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا، وَهَلْ يَفْسُقُ بِتَرْكِهَا مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً بِلَا عُذْرٍ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِأَصْبَغَ وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا مَرَّةً صَغِيرَةٌ وَتَرْكَهَا ثَلَاثًا غَيْرُ مُتَوَالِيَةٍ كَذَلِكَ، وَلَا يُجَرَّحُ الْعَدْلُ بِصَغِيرَةٍ غَيْرِ الْخِسَّةِ إلَّا إذَا كَثُرَتْ لِدَلَالَتِهَا عَلَى تَهَاوُنِهِ فِي دِينِهِ. اهـ. عَدَوِيٌّ وَخَبَرُ عُذْرُ (شِدَّةُ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (وَحَلٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُهُ أَوْحَالٌ وَسُكُونُهَا وَجَمْعُهُ أَوْحُلٌ، وَهُوَ مَا يَحْمِلُ وَسَطَ النَّاسِ عَلَى خَلْعِ الْمَدَاسِ (وَ) شِدَّةُ (مَطَرٍ) ، وَهُوَ مَا يَحْمِلُ وَسَطَ النَّاسِ عَلَى تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ.
(وَ) شِدَّةُ (جُذَامٍ) فَالْجُذَامُ الْيَسِيرُ لَيْسَ مِنْ أَعْذَارِهَا. وَنَصُّ التَّوْضِيحِ وَاخْتُلِفَ فِي الْجُذَامِ فَقَالَ سَحْنُونٌ مُسْقِطٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُسْقِطُ، وَالتَّحْقِيقُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَضُرُّ رَائِحَتُهُ وَمَا لَا تَضُرُّ. اهـ. بْن وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا يَنْعَزِلُ فِيهِ عَنْ النَّاسِ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ النَّاسُ وَلَوْ طَرِيقًا مُتَّصِلًا، وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ عِبَادِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَرَصِ.
(وَمَرَضٌ) يَشُقُّ مَعَهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مَاشِيًا وَرَاكِبًا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ، وَمِنْهُ كِبَرُ السِّنِّ الَّذِي يَشُقُّ الْإِتْيَانُ مَعَهُ مَاشِيًا وَرَاكِبًا. فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ مَاشِيًا لَا رَاكِبًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إنْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ أَوْ لَمْ تُجْحَفْ بِهِ الْأُجْرَةُ، وَإِلَّا فَلَا، قَرَّرَهُ الْعَدَوِيُّ (وَتَمْرِيضٌ)
وَإِسْرَافُ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ، وَخَوْفٌ عَلَى: مَالٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ ضَرْبٍ وَالْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ، أَوْ حَبْسُ مُعْسِرٍ،
ــ
[منح الجليل]
لِأَجْنَبِيٍّ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ وَخَشِيَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ وَحْدَهُ الضَّيْعَةَ أَوْ لِقَرِيبٍ خَاصٍّ كَوَلَدٍ وَوَالِدٍ وَزَوْجٍ مُطْلَقًا، وَغَيْرُ الْخَاصِّ كَالْأَجْنَبِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَيْدَيْنِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَجَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ تَمْرِيضَ الْقَرِيبِ مُطْلَقًا خَاصًّا أَوْ غَيْرَهُ عُذْرًا مُطْلَقًا بِدُونِ اعْتِبَارِ الْقَيْدَيْنِ (وَإِشْرَافُ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ أَيْ قُرْبِ شَخْصٍ (قَرِيبٍ) مِنْ الْمَوْتِ (وَ) إشْرَافُ (نَحْوِهِ) أَيْ الْقَرِيبِ كَصَدِيقٍ وَرَفِيقٍ وَزَوْجٍ، وَإِنْ لَمْ يُمَرِّضْهُ، وَأَوْلَى مَوْتُهُ، وَكَذَا شِدَّةُ مَرَضِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْرِفْ. فَلَوْ نَصَّ عَلَى شِدَّةِ مَرَضِهِ لَفُهِمَ مِنْهُ الْإِسْرَافُ بِالْأَوْلَى رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَجُوزُ التَّخَلُّفُ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ مِنْ إخْوَانِهِ مِنْ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ خِيفَ ضَيْعَتُهُ أَوْ تَغَيُّرُهُ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَدْخَلِ مِنْ جَوَازِ التَّخَلُّفِ لِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَيْعَتَهُ وَلَا تَغَيُّرَهُ. اهـ عَدَوِيٌّ.
(وَخَوْفٌ عَلَى مَالٍ) لَهُ بَالٌ وَلَوْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُجْحِفُ بِصَاحِبِهِ، وَكَذَا الْخَوْفُ عَلَى الْعِرْضِ كَقَذْفٍ مِنْ سَفِيهٍ أَوْ الدِّينِ كَإِلْزَامِهِ قَتْلَ شَخْصٍ أَوْ ضَرْبِهِ ظُلْمًا، أَوْ بَيْعَةَ ظَالِمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ بِيَمِينٍ يَحْلِفُهَا عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَتِهِ (أَوْ حَبْسٌ أَوْ ضَرْبٌ) أَيْ الْخَوْفُ مِنْهُمَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَلَّا (وَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ (وَالْأَصَحُّ) عِنْدَ اللَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ فَالْأَوْلَى الْمُخْتَارُ.
(أَوْ حَبْسُ) مَدِينٍ (مُعْسِرٍ) أَيْ فِي الْبَاطِنِ وَظَاهِرُهُ الْمِلَاءُ فَخَافَ إنْ خَرَجَ يُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ حَتَّى يُثْبِتَ عُسْرَهُ، فَيُبَاحُ لَهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فِي الظَّاهِرِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُعَدُّ هَذَا عُذْرًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ حَتَّى يُثْبِتَ عُسْرَهُ حُكْمٌ بِحَقٍّ، وَأَمَّا مَنْ ثَبَتَ عُسْرُهُ فَلَا عُذْرَ لَهُ وَلَا يُبَاحُ لَهُ التَّخَلُّفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ نَعَمْ إنْ خَافَ الْحَبْسَ ظُلْمًا دَخَلَ فِيمَا مَرَّ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الْجُمُعَةَ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ يَخَافُ غُرَمَاءَهُ.
وَعُرْيٌ، وَرَجَاءُ عَفْوِ قَوَدٍ، وَأَكْلُ: كَثُومٍ: كَرِيحٍ عَاصِفَةٍ بِلَيْلٍ،
ــ
[منح الجليل]
وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُبِيحُ التَّخَلُّفُ خَوْفَ الْغَرِيمِ مَعَ الْإِعْسَارِ. اهـ. ابْنُ رُشْدٍ كَانَ عَدِيمًا وَخَشِيَ أَنْ يَسْجُنَهُ غُرَمَاؤُهُ فَقَالَ سَحْنُونٌ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِعِلْمِهِ مِنْ بَاطِنِ حَالِهِ مَا لَوْ ظَهَرَ لَا يُحْبَسُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فَهُوَ مَظْلُومٌ فِي الْبَاطِنِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فِي الظَّاهِرِ اهـ. وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ شَبَّهَ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ لَا يُحْبَسُ إذَا تَحَقَّقَ عُسْرُهُ، فَإِنْ خَشِيَ حَبْسَهُ مَعَ ثُبُوتِ عُسْرِهِ لِفَسَادِ الْحَالِ فَيُبَاحُ تَخَلُّفُهُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ظُلْمٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَلَوْ قَالَ كَحَبْسِ مُعْسِرٍ عَلَى الْأَظْهَرِ وَالْمُخْتَارِ لَكَانَ أَحْسَنَ.
(وَعُرْيٌ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْحَطّ عَنْ بَهْرَامَ وَالْبِسَاطِيِّ أَيْ عَدَمُ وُجُودِ سَاتِرٍ لِعَوْرَةٍ زَادَ الْخَرَشِيُّ الَّتِي تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكَشْفِهَا. ابْنُ عَاشِرٍ فَلَا يُقَيَّدُ بِاللَّائِقِ فَإِنْ وَجَدَ سَاتِرًا لِسَوْأَتَيْهِ دُونَ أَلْيَتَيْهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ وَلَوْ أَزَرَى بِهِ. اهـ. وَهَذَا بَعِيدٌ، وَقِيلَ أَنْ لَا يَجِدَ مَا يَسْتُرُهُ مِنْ سُرَّتِهِ لِرُكْبَتِهِ فَإِنْ وَجَدَهُ لَزِمَتْهُ وَلَوْ أَزَرَى بِهِ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَرَّرَ الْعَدَوِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الصَّغِيرِ أَنْ لَا يَجِدَ مَا يَلِيقُ مِثْلُهُ وَلَا يُزْرَى بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَلْيَقُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ (وَرَجَاءُ) بِالْمَدِّ أَيْ ظَنُّ (عَفْوِ قَوَدٍ) أَيْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مِثْلِهِ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ بِاخْتِفَائِهِ وَتَخَلُّفِهِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَكَالْقَوَدِ حَدُّ الْقَذْفِ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ.
(وَأَكْلُ كَثُومٍ) وَبَصَلٍ، وَكُلِّ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَحَرُمَ أَكْلُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُزِيلُ رَائِحَتَهُ، وَبِمَسْجِدٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَأَكْلُهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ قِيلَ يَحْرُمُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ، وَإِلَّا حَرُمَ اتِّفَاقًا. اهـ عَدَوِيٌّ.
وَشَبَّهَ فِي الْإِسْقَاطِ فَقَالَ (كَرِيحٍ عَاصِفَةٍ) أَيْ شَدِيدَةٍ (بِلَيْلٍ) فَتُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ جَمَاعَةِ الْعِشَاءِ لِشِدَّةِ الْمَشَقَّةِ وَمَفْهُومُ بِلَيْلٍ أَنَّهَا لَا تُبِيحُهُ نَهَارًا عَنْ الْجُمُعَةِ وَلَا عَنْ غَيْرِهَا، وَكَذَا