الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) سُنَّ لِمُسَافِرٍ: غَيْرِ عَاصٍ بِهِ وَلَاهٍ: أَرْبَعَةَ بُرُدٍ، وَلَوْ بِبَحْرٍ
ــ
[منح الجليل]
[فَصْلٌ فِي أَحْكَام صَلَاة السَّفَرِ]
(فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ صَلَاةِ السَّفَرِ (سُنَّ) بِضَمِّ السِّينِ وَشَدِّ النُّونِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ كَوْنُهُ سُنَّةً هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اهـ. وَقِيلَ فَرْضٌ. وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ. وَقِيلَ مُبَاحٌ. وَعَلَى السُّنِّيَّةِ فَفِي آكَدِيَّتِهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَعَكْسِهِ قَوْلَا ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُسَافِرُ إلَّا مُقِيمًا يَقْتَدِي بِهِ فَلَا يَقْتَدِي بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَيُنْدَبُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ عَلَى الثَّانِي (لِ) شَخْصٍ (مُسَافِرٍ) رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَلَوْ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ بِأَنْ كَانَ بِطَيَرَانٍ أَوْ خُطْوَةٍ فِي لَحْظَةٍ (غَيْرِ عَاصٍ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ السَّفَرِ فَالْعَاصِي بِهِ كَالْآبِقِ وَالْعَاقِّ. وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ لَا يُسَنُّ لَهُ الْقَصْرُ، بَلْ يُمْنَعُ. وَقِيلَ يُكْرَهُ، فَإِنْ تَابَ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَهَا أَرْبَعَةَ بُرُدٍ قَصَرَ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ عَصَى بِهِ فِي أَثْنَائِهِ أَتَمَّ وُجُوبًا مِنْ حِينِهِ، فَإِنْ قَصَرَ الْعَاصِي بِهِ فَلَا يُعِيدُ عَلَى الصَّوَابِ، وَأَثِمَ أَوْ أَسَاءَ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِهِ عَنْ الْعَاصِي فِيهِ كَشَارِبٍ وَزَانٍ فَيُسَنُّ لَهُ الْقَصْرُ اتِّفَاقًا.
(وَ) غَيْرِ (لَاهٍ) بِهِ فَاللَّاهِي بِهِ كَالْمُسَافِرِ لِمُجَرَّدِ التَّسَلِّي لَا يُسَنُّ لَهُ الْقَصْرُ بَلْ يُكْرَهُ. وَقِيلَ يُبَاحُ فَإِنْ قَصَرَ فَلَا يُعِيدُ وَصِلَةُ مُسَافِرٍ قَوْلُهُ (أَرْبَعَةَ بُرُدٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ جَمْعُ بَرِيدٍ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ أَلْفَا ذِرَاعٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ مِنْ طَيِّ الْمِرْفَقِ لِآخِرِ الْوُسْطَى ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا عَرْضًا وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ وَالشُّعَيْرَةُ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ وَحَدُّهَا بِالزَّمَنِ مَرْحَلَتَانِ أَيْ سَيْرُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ مَعَ لَيْلَتِهِمَا، أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ النُّزُولِ لِلصَّلَاةِ وَالرَّاحَةِ، وَإِصْلَاحِ الْمَتَاعِ، وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ إنْ كَانَ سَفَرُهَا بِبَرٍّ.
بَلْ (وَلَوْ) ، وَكَانَ سَفَرُهَا (بِبَحْرٍ) كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا تَقَدَّمَتْ مَسَافَةُ الْبَحْرِ أَوْ تَأَخَّرَتْ إنْ كَانَ
ذَهَابًا قُصِدَتْ دُفْعَةً
إنْ عَدَّى الْبَلَدِيُّ: الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ، وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى
ــ
[منح الجليل]
السَّفَرُ فِيهِ بِالْمَجَاذِيفِ أَوْ بِهَا وَبِالرِّيحِ أَوْ بِالرِّيحِ فَقَطْ وَتَقَدَّمَتْ مَسَافَةُ الْبَحْرِ مُطْلَقًا أَوْ تَأَخَّرَتْ، وَكَانَتْ مَسَافَةُ الْبَرِّ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ، وَإِلَّا فَلَا يَقْصُرُ فِي مَسَافَةِ الْبَرِّ، وَتُعْتَبَرُ مَسَافَةُ الْبَحْرِ وَحْدَهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ قَصَرَ، وَإِلَّا فَلَا. هَذَا تَفْصِيلُ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَوْفِيُّ فِي شَرْحِ قَوَاعِدِ عِيَاضٍ وَاعْتَمَدَهُ عج وَالْعَدَوِيُّ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُضَمُّ الْبَحْرُ لِلْبَرِّ مُطْلَقًا.
وَأَشَارَ بِ وَلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّفَرَ فِي الْبَحْرِ إنْ كَانَ بِجَانِبِ الْبَرِّ فَالْعِبْرَةُ بِأَرْبَعَةِ الْبُرُدِ، وَإِلَّا فَبِسَفَرِ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي قَصْرِ الْمُسَافِرِ فِي الْبَحْرِ، بَلْ فِي تَحْدِيدِ الْمَسَافَةِ بِأَرْبَعَةِ الْبُرُدِ حَالَ كَوْنِ أَرْبَعَةِ الْبُرُدِ (ذَهَابًا) أَيْ مَذْهُوبًا فِيهَا أَوْ ذَاتَ ذَهَابٍ أَوْ هِيَ الذَّهَابُ مُبَالَغَةً أَيْ لَيْسَتْ مُلَفَّقَةً مِنْ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ (قُصِدَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ أَرْبَعَةُ الْبُرُدِ، فَإِنْ لَمْ تُقْصَدْ كَهَائِمٍ وَطَالِبِ رَعْيٍ فَلَا يُسَنُّ الْقَصْرُ (دَفْعَةً) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي أَثْنَائِهَا، وَإِلَّا فَلَا يَقْصُرُ فِيهَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا دَفْعَةً أَنْ يُسَيِّرَهَا سِيرَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَنْزِلُ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ فِي هَذَا مَشَقَّةً فَادِحَةً وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ.
وَذَكَرَ شَرْطَ الْقَصْرِ بِقَوْلِهِ (إنْ عَدَّى) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالدَّالِ مُثَقَّلًا أَيْ تَعَدَّى وَجَاوَزَ (الْبَلَدِيُّ) أَيْ مُبْتَدِئُ السَّفَرِ مِنْ بَلَدٍ لَهُ بَسَاتِينُ مَسْكُونَةٌ (الْبَسَاتِينَ) جَمْعُ بُسْتَانٍ أَيْ الْجَنَائِنُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْبَلَدِ وَلَوْ حُكْمًا بِارْتِفَاقِ سَاكِنِيهَا بِأَهْلِ الْبَلَدِ فِي أَمْرِ مَعَاشِهِمْ مِنْ طَحْنٍ وَخَبْزٍ وَنَحْوِهِمَا (الْمَسْكُونَةَ) بِالزَّوْجَاتِ وَالْعِيَالِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْعَامِ كَالرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ وَالْخَرِيفِ إنْ سَافَرَ بَيْنَهَا أَوْ مُحَاذِيهَا يَمِينًا أَوْ شِمَالًا. اهـ. عبق الْبُنَانِيُّ إنْ سَافَرَ بَيْنَهَا فَقَطْ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا إنْ حَاذَاهَا إذْ غَايَتُهَا أَنَّهَا كَجُزْءٍ مِنْ الْبَلَدِ، فَلَا يُشْتَرَطُ تَعَدِّي الْمَزَارِعِ وَالْبَسَاتِينِ الْمُنْفَصِلَةِ وَغَيْرِ الْمَسْكُونَةِ. وَلَوْ كَانَ فِيهَا حُرَّاسٌ وَعَمَلَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَرْيَةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَظَاهِرُ قَوْلِهَا وَيُتِمُّ الْمُسَافِرُ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ قَرْيَتِهِ.
(وَتُؤُوِّلَتْ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَالْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً أَيْ حُمِلَتْ الْمُدَوَّنَةُ (أَيْضًا عَلَى)
مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالَ بِقَرْيَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْعَمُودِيُّ: حِلَّتَهُ،
ــ
[منح الجليل]
شَرْطِ (مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ بِ) النِّسْبَةِ لِ (قَرْيَةِ الْجُمُعَةِ) بِحَمْلِ قَوْلِهَا حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ قَرْيَتِهِ عَلَى مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا. رَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إنْ كَانَتْ قَرْيَةَ جُمُعَةٍ فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَهَا بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ السُّورِ إنْ كَانَ لَهَا سُورٌ، وَإِلَّا فَمِنْ آخِرِ بِنَائِهَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرْيَةَ جُمُعَةٍ فَتَكْفِي مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ فَقَطْ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ، وَعَلَى هَذَا فَكَلَامُهَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ مُحَالِفَةٌ لَهَا، وَأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِلْمُعْتَمَدِ، وَقَوْلُهَا حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ قَرْيَتِهِ أَيْ بِمُجَاوَزَةِ الْبَسَاتِينِ، وَهُوَ رَأْيُ الْبَاجِيَّ وَغَيْرِهِ، وَإِلَى مَا ذُكِرَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَتُؤُوِّلَتْ إلَخْ أَيْ تُؤُوِّلَتْ عَلَى مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ كَمَا تُؤُوِّلَتْ عَلَى مُجَاوَزَةِ الْبَسَاتِينِ مُطْلَقًا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ تَأْوِيلُ الْمُخَالَفَةِ، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ فَالْأَرْبَعَةُ الْبُرُدُ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْبَسَاتِينِ. وَعَلَى مُقَابِلِهِ فَهَلْ الثَّلَاثَةُ الْأَمْيَالُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبُرُدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَاخْتَارَهُ الْبُرْزُلِيُّ وَغَيْرُهُ أَوَّلًا تَحْسِبُهُ مِنْهَا. وَصَوَّبَهُ ابْنُ نَاجِي عبق وَالْخَرَشِيُّ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَزِدْ الْبَسَاتِينُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَإِلَّا اتَّفَقَ الْقَوْلَانِ عَلَى مُجَاوَزَتِهَا.
وَكَذَا إنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ الْبُنَانِيُّ أَلْحَقَ إطْلَاقَ الْخِلَافِ سَوَاءٌ زَادَتْ الْبَسَاتِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَمْيَالِ أَوْ زَادَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَمْيَالِ عَلَى الْبَسَاتِينِ. وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ يُفِيدُ أَنَّ قَرْيَةَ غَيْرِ الْجُمُعَةِ الَّتِي زَادَتْ بَسَاتِينُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ اتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى اشْتِرَاطِ مُجَاوَزَةِ بَسَاتِينِهَا. وَأَنَّ قَرْيَةَ الْجُمُعَةِ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَّفِقُوا فِيهَا عَلَى اشْتِرَاطِ مُجَاوَزَةِ بَسَاتِينِهَا وَاكْتَفَى فِيهَا مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ سُورِهَا أَوْ طَرَفِ بِنَائِهَا، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) إنْ عَدَّى (الْعَمُودِيُّ) أَيْ الْبَدْوِيُّ الَّذِي رَفَعَ بَيْتَهُ عَلَى عَمُودٍ مِنْ خَشَبٍ فَلِذَا نُسِبَ إلَيْهِ (حِلَّتَهُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ مَنْزِلَةَ بُيُوتِ قَوْمِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً حَيْثُ جَمَعَهُمْ اسْمُ الْحَيِّ أَيْ الْجَدِّ الَّذِي انْتَسَبُوا إلَيْهِ وَالدَّارُ أَيْ الْمَنْزِلَةُ الَّتِي نَزَلُوا فِيهَا أَوْ الدَّارُ فَقَطْ فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْهُمْ حَتَّى يُجَاوِزَ جَمِيعَ بُيُوتِهِمْ. وَلَوْ سَارَ فِيهَا أَيَّامًا؛ لِأَنَّ مَا
وَانْفَصَلَ غَيْرُهُمَا: قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ وَقْتِيَّةٍ، أَوْ فَائِتَةٍ فِيهِ، وَإِنْ نُوتِيًّا بِأَهْلِهِ إلَى مَحَلِّ الْبَدْءِ
ــ
[منح الجليل]
بَيْنَهَا بِمَنْزِلَةِ الْفَضَاءِ وَالرِّحَابِ الَّذِي بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ وَأَمَّا إنْ جَمَعَهُمْ اسْمُ الْحَيِّ فَقَطْ دُونَ الدَّارِ بِأَنْ اشْتَرَكُوا فِي النَّسَبِ وَافْتَرَقُوا فِي دَارَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَتُعْتَبَرُ كُلُّ حِلَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا إذَا لَمْ يَرْتَفِقْ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ (وَ) إنْ (انْفَصَلَ) عَنْ مَسْكَنِهِ (غَيْرُهُمَا) أَيْ الْبَلَدِيِّ وَالْعَمُودِيِّ كَسَاكِنِ غَارٍ فِي جَبَلٍ، وَقَرْيَةٍ لَا بَسَاتِينَ لَهَا مُتَّصِلَةً إلَخْ، فَسَاكِنُ الْغَارِ يَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ مِنْهُ وَسَاكِنُ الْقَرْيَةِ الَّتِي لَا بَسَاتِينَ لَهَا، كَذَلِكَ يَقْصُرُ بِمُجَاوَزَةِ بُيُوتِهَا أَوْ أَبْنِيَتِهَا الْخَرِبَةِ الَّتِي فِي طَرَفِهَا وَسَاكِنُ الْبَسَاتِينِ يَقْصُرُ بِمُجَاوَزَتِهَا، سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ بِالْبَلَدِ أَمْ لَا وَنَائِبُ فَاعِلِ سُنَّ (قَصْرُ) صَلَاةٍ (رُبَاعِيَّةٍ) نِسْبَةً لِأَرْبَعٍ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا لَا ثُنَائِيَّةٍ وَلَا ثُلَاثِيَّةٍ (وَقْتِيَّةٍ) أَيْ ذَاتِ وَقْتٍ مَحْدُودٍ حَاضِرٍ سَافَرَ فِيهِ وَلَوْ ضَرُورِيًّا فَيَقْصُرُ الظُّهْرَيْنِ مَنْ وَصَلَ مَحَلَّ الْقَصْرِ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَلَوْ تَعَمَّدَ تَأْخِيرَهُمَا إلَيْهِ، وَإِنْ وَصَلَهُ لِرَكْعَتَيْنِ قَصَرَ الْعَصْرَ لِاخْتِصَاصِ الْوَقْتِ بِهَا، وَأَتَمَّ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ، وَهُوَ مُقِيمٌ.
(أَوْ فَاتَتْهُ فِيهِ) أَيْ السَّفَرِ وَلَوْ قَضَاهَا، وَهُوَ مُقِيمٌ وَفَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ تُقْضَى تَامَّةً وَلَوْ فِي السَّفَرِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسَافِرُ نُوتِيًّا بِأَهْلِهِ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ الْمُسَافِرُ (نُوتِيًّا) أَيْ خَادِمَ سَفِينَةٍ مُسَافِرًا (بِأَهْلِهِ) أَيْ زَوْجَتِهِ فَيَقْصُرُ (إلَى مَحَلِّ الْبَدْءِ) الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي ابْتَدَأَ الْقَصْرَ مِنْهُ حَالَ خُرُوجِهِ، فَيَعْتَرِضُ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهَا. وَإِذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ فَلْيَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ الْبُيُوتَ أَوْ يُقَارِبَهَا فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُنْتَهَى الْقَصْرِ لَيْسَ مَحَلَّ بَدْئِهِ. أُجِيبَ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مُنْتَهَى سَفَرِهِ فِي حَالِ ذَهَابِهِ لَا فِي حَالِ رُجُوعِهِ فَقَدْ سَكَتَ عَنْهُ، أَيْ يَقْصُرُ فِي ذَهَابِهِ إلَى نَظِيرِ مَحَلِّ الْبَدْءِ فَكَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. أَوْ الْمُرَادُ إلَى الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ لِبَدْءِ الْقَصْرِ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي وَصَلَ هُوَ إلَيْهِ، وَهُوَ الْبَسَاتِينُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي لَهُ ذَلِكَ. أَوْ الْحِلَّةُ فِي الْعَمُودِيِّ، أَوْ مَحَلُّ الِانْفِصَالِ فِي غَيْرِهِمَا. وَأَمَّا كَلَامُهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى مُنْتَهَى الْقَصْرِ فِي الرُّجُوعِ لِلْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى كَلَامِهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الدُّخُولِ لِلْقُرْبِ فَلَا يَظْهَرُ الْعَطْفُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ
لَا أَقَلَّ إلَّا كَمَكِّيٍّ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ وَرُجُوعِهِ
وَلَا رَاجِعٌ لِدُونِهَا، وَلَوْ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ.
ــ
[منح الجليل]
وَالْعَطْفَ لِلتَّفْسِيرِ، أَيْ الْمُرَادُ بِدُخُولِهَا الْقُرْبُ مِنْهَا وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مِيلٍ، وَبِأَنَّ الدُّخُولَ لِمَنْ اسْتَمَرَّ سَائِرًا وَالْقُرْبَ لِمَنْ نَزَلَ خَارِجَهَا لِاسْتِرَاحَةٍ مَثَلًا وَبِأَنَّهُمَا قَوْلَانِ.
(لَا) يَقْصُرُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ (أَقَلَّ) مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ أَيْ يَحْرُمُ وَتَبْطُلُ إنْ قَصَرَهَا فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا. وَتَصِحُّ فِي أَرْبَعِينَ فَأَكْثَرَ وَلَا تُعَادُ اتِّفَاقًا. وَإِنْ حَرُمَ وَتَصِحُّ فِيمَا بَيْنَ الْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ، وَلَا تُعَادُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقِيلَ تُعَادُ فِي الْوَقْتِ وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ لَا أَقَلَّ فَقَالَ (إلَّا كَمَكِّيٍّ) وَمَنْوِيٍّ وَمُزْدَلِفِيٍّ وَعَرَفِيٍّ وَمُحَصَّبِيٍّ فَيُسَنُّ لَهُ الْقَصْرُ (فِي خُرُوجِهِ) مِنْ مَحَلِّهِ (لِعَرَفَةَ) لِلْحَجِّ.
(وَ) فِي (رُجُوعِهِ) لِبَلَدِهِ سَوَاءٌ بَقِيَ عَلَيْهِ عَمَلٌ مِنْ النُّسُكِ بِغَيْرِ بَلَدِهِ أَمْ لَا عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَيَقْصُرُ الْمَنْوِيَّ فِي رُجُوعِهِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ الْعَاشِرِ لِمِنًى لِلْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ بِهَا وَالْمُزْدَلِفِيُّ وَالْعَرَفِيُّ وَالْمُحَصَّبِيُّ فِي رُجُوعِهِمْ لِبِلَادِهِمْ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي خُرُوجِهِ وَرُجُوعِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ يُتِمُّ بِمَكَانِهِ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَمَلٌ بِغَيْرِهِ كَمَكِّيٍّ رَجَعَ يَوْمَ النَّحْرِ لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ الْعَرَفِيِّ لِقَوْلِهِ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كَالْمَكِّيِّ فَيَقْصُرُ فِي خُرُوجِهِ لِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَمَكَّةَ وَرُجُوعِهِ إلَيْهَا وَيُتِمُّ بِهَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ. وَقَالَ الْبَاجِيَّ لَا يَقْصُرُ الْعَرَفِيُّ وَاسْتِنَانُ الْقَصْرِ فِي الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ لِلسُّنَّةِ.
(وَلَا) يَقْصُرُ (رَاجِعٌ) بَعْدَ سَفَرِهِ مِنْ مَحَلٍّ سَوَاءٌ كَانَ وَطَنًا أَمْ لَا وَصِلَةُ رَاجِعٌ (لِدُونِهَا) أَيْ مِنْ دُونِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ سَفَرٌ مُسْتَقِلٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَسَافَةُ وَصَلَاتُهُ الْمَقْصُورَةُ فِي ذَهَابِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ صَحِيحَةٌ فَلَا يُعِيدُهَا هَذَا إنْ رَجَعَ تَارِكًا السَّفَرَ بَلْ (وَلَوْ) رَجَعَ لِلْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ (لِشَيْءٍ نَسِيَهُ) وَيَعُودُ لِسَفَرِهِ، فَإِنْ رَجَعَ لِغَيْرِهِ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ قَصَرَ فِي رُجُوعِهِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَمَفْهُومُ لِدُونِهَا أَنَّهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَهَا يَقْصُرُ فِي رُجُوعِهِ
وَلَا عَادِلٌ عَنْ قَصِيرٍ بِلَا عُذْرٍ. وَلَا هَائِمٌ. وَطَالِبُ رَعْيٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ قَبْلَهُ وَلَا مُنْفَصِلٌ يَنْتَظِرُ رُفْقَةً إلَّا أَنْ يَجْزِمَ بِالسَّيْرِ دُونَهَا.
ــ
[منح الجليل]
وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فُهِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ سَفَرٌ مُسْتَقِلٌّ. وَأَشَارَ بِ وَلَوْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إذَا رَجَعَ مِنْ دُونِهَا لِشَيْءٍ نَسِيَهُ قَصَرَ فِي رُجُوعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفُضْ السَّفَرَ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَطَنَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ، وَإِلَّا أَتَمَّ فِي رُجُوعِهِ اتِّفَاقًا.
(وَلَا) يَقْصُرُ (عَادِلٌ) فِي سَفَرِهِ (عَنْ) طَرِيقٍ (قَصِيرٍ) أَيْ دُونَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ إلَى طَرِيقٍ فِيهِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَصِلَةُ عَادِلٍ (بِلَا عُذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَاهٍ بِسَفَرِهِ. وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إنْ قَصَرَ فَلَا يُعِيدُ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَفِي التَّوْضِيحِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّاهِيَ بِصَيْدٍ وَشِبْهِهِ لَا يَقْصُرُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِقَصْرِهِ فَلَا شَكَّ فِي قَصْرِ هَذَا فَهَذَا مُحْتَرَزُ غَيْرِ لَاهٍ، وَمَفْهُومُ بِلَا عُذْرٍ أَنَّهُ إنْ عَدَلَ لِعُذْرٍ كَمَكْسٍ لَهُ بَالٌ وَوَحَلٌ وَوَعْرٌ وَخَوْفٌ مِنْ سَبُعٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ وَتِجَارَةٍ وَزِيَادَةِ قَصْرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ.
(وَلَا) يَقْصُرُ (هَائِمٌ) أَيْ مُتَجَرِّدٌ عَنْ الْأَهْلِ وَالتَّوَطُّنِ سَائِحٌ فِي الْبِلَادِ أَيِّ بَلَدٍ تَيَسَّرَ لَهُ فِيهِ الْقُوتُ أَقَامَ فِيهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ سَفَرَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ (وَ) لَا يَقْصُرُ (طَالِبُ رَعْيٍ) لِنَحْوِ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ يَرْتَعُ حَيْثُ يَجِدُ الْكَلَأَ لِعَدَمِ قَصْدِهَا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) كُلٌّ مِنْ الْهَائِمِ وَالرَّاعِي (قَطْعَ) أَيِّ سَفَرٍ وَمُجَاوَزَةَ (الْمَسَافَةِ) أَيْ أَرْبَعَةِ الْبُرُدِ (قَبْلَهُ) أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يُقِيمُ فِيهِ الْهَائِمُ وَيَجِدُ الرَّاعِي الْكَلَأَ فِيهِ فَيَقْصُرُ لِقَصْدِهِ الْمَسَافَةَ حِينَئِذٍ مِنْهُمَا مُحْتَرَزُ قَصَدْت.
(وَلَا) يَقْصُرُ شَخْصٌ (مُنْفَصِلٌ) أَيْ خَارِجٌ مِنْ الْبَلَدِ بِنِيَّةِ السَّفَرِ، وَأَقَامَ بِمَحَلٍّ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ حَالَ كَوْنِهِ (يَنْتَظِرُ رُفْقَةً) يُسَافِرُ مَعَهَا لَا يَدْرِي وَقْتَ مَجِيئِهَا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَجْزِمَ) الْمُنْفَصِلُ (بِالسَّيْرِ) أَيْ السَّفَرِ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ مُقِيمٌ بِهِ (دُونَهَا) أَيْ الرُّفْقَةِ أَوْ بِمَجِيئِهَا قَبْلَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَيَقْصُرُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ مُقِيمٌ بِهِ، فَلَوْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ السَّيْرِ دُونَهَا أَوْ جَزَمَ بِمَجِيئِهَا بَعْدَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ أَتَمَّ فِيهِ، وَهَذَا
وَقَطَعَهُ: دُخُولُ بَلَدِهِ، وَإِنْ بِرِيحٍ إلَّا مُتَوَطِّنٌ كَمَكَّةَ رَفَضَ سُكْنَاهَا، وَرَجَعَ نَاوِيًا السَّفَرَ.
ــ
[منح الجليل]
مُحْتَرَزُ دَفْعَةً. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ، وَأَقَامَ قَبْلَ سَفَرِهِ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ يَنْتَظِرُ رُفْقَةً تَلْحَقُهُ لَا يُسَافِرُ دُونَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ لُحُوقِهَا فَيُتِمُّ مُدَّةَ انْتِظَارِهِ. فَإِنْ نَوَى انْتِظَارَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ تَلْحَقْهُ سَافَرَ دُونَهَا أَوْ عَلِمَ لُحُوقَهَا قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ قَصَرَ مُدَّةَ انْتِظَارِهَا.
(وَقَطَعَهُ) أَيْ الْقَصْرَ (دُخُولُ بَلَدِهِ) الرَّاجِعِ هُوَ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ وَطَنَهُ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِقَامَةِ الْقَاطِعَةِ فَإِذَا كَفَتْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي قَطْعِ الْقَصْرِ فَالْفِعْلُ الْمُحَصِّلُ لَهَا بِالظَّنِّ أَوْلَى إنْ دَخَلَهُ مُخْتَارًا. بَلْ (وَإِنْ) دَخَلَهُ (بِرِيحٍ) غَالِبَةٍ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ فَرَدَّتْهُ لِبَلَدِهِ بِخِلَافِ دُخُولِهِ بِرَدِّ غَاصِبٍ فَلَا يُقْطَعُ الْقَصْرُ لِإِمْكَانِ التَّخَلُّصِ مِنْهُ بِشَفَاعَةٍ أَوْ هُرُوبٍ أَوْ اسْتِعَانَةٍ، فَهُوَ مَظِنَّةُ عَدَمِ الْإِقَامَةِ الْقَاطِعَةِ بِخِلَافِ الرِّيحِ فَلَا حِيلَةَ تَنْفَعُ مِنْهَا، وَمِثْلُ رَدِّ الرِّيحِ جُمُوحُ الدَّابَّةِ، وَأَشَارَ بِالْمُبَالَغَةِ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ بِجَوَازِ الْقَصْرِ لِمَنْ غَلَبَتْهُ الرِّيحُ وَرَدَّتْهُ لِبَلَدِهِ.
(إلَّا) شَخْصًا (مُتَوَطِّنًا) أَيْ مُقِيمًا إقَامَةً قَاطِعَةً الْقَصْرَ بِبَلَدٍ (كَ) مُجَاوِرٍ بِ (مَكَّةَ) الْمُشَرَّفَةِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ (رَفَضَ سُكْنَاهَا) وَسَافَرَ مِنْهَا لِلتَّوَطُّنِ بِغَيْرِهَا عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ (وَرَجَعَ) لَهَا بَعْدَ سَيْرِ الْمَسَافَةِ فَإِنْ رَجَعَ مِنْ دُونِهَا أَتَمَّ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ. وَلَا رَاجِعٌ لِدُونِهَا قَالَهُ الرَّمَاصِيُّ حَالَ كَوْنِهِ (نَاوِيًا السَّفَرَ) مِنْهَا عَقِبَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَلَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِهَا فَيَقْصُرُ حَالَ إقَامَتِهِ بِهَا، وَمِثْلُ نِيَّةِ السَّفَرِ خُلُوُّ الذِّهْنِ، فَالْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْقَاطِعَةِ.
الْبُنَانِيُّ حَمَلَهُ الْحَطّ وَالْمَوَّاقُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ، وَأَقَامَ بِهَا بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَوْطَنَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُحْفَةِ ثُمَّ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجَ مِنْهَا فَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُتِمُّ فِي يَوْمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ يَقْصُرُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ. اهـ.
وَوَجَّهَ ابْنُ يُونُسَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ فِيهَا أَكْسَبَتْهَا حُكْمَ الْوَطَنِ، وَوَجَّهَ الثَّانِيَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ
وَقَطَعَهُ: دُخُولُ وَطَنِهِ، أَوْ مَكَانِ زَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا فَقَطْ، وَإِنْ بِرِيحٍ غَالِبَةٍ. وَنِيَّةُ دُخُولِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الْمَسَافَةُ.
ــ
[منح الجليل]
وَطَنَهُ حَقِيقَةً وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الرَّمَاصِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ اعْتَرَضَ قَوْلَهُ رَفَضَ سُكْنَاهَا بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ، وَهِيَ مَا إذَا أُخْرِجَ مِنْ وَطَنِهِ لِمَوْضِعٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ رَافِضًا سُكْنَى وَطَنِهِ، ثُمَّ رَجَعَ لَهُ غَيْرَ نَاوٍ الْإِقَامَةَ بِهِ كَانَ نَاوِيًا السَّفَرَ أَوْ خَالِي الذِّهْنِ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ. فَإِنْ لَمْ يَرْفُضْ سُكْنَاهُ أَتَمَّ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَنَقَلَهُ الرَّمَاصِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحِينَئِذٍ فَالتَّوَطُّنُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَقَوْلُهُ رَفَضَ سُكْنَاهَا شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ.
(وَقَطَعَهُ) أَيْضًا (دُخُولُ وَطَنِهِ) الْمَارُّ هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَحَلٍّ غَيْرِ وَطَنِهِ وَسَافَرَ مِنْهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَوَطَنُهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَلَمَّا مَرَّ عَلَيْهِ دَخَلَهُ فَيُتِمُّ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَلَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ وَقَطَعَهُ دُخُولُ بَلَدِهِ (أَوْ) دُخُولُ (مَكَان) أَيْ بَلَدِ (زَوْجَةٍ) أَوْ سُرِّيَّةٍ (دَخَلَ بِهَا فَقَطْ) أَيْ لَا مَكَانِ قَرَابَةٍ كَأُمٍّ، وَأَبٍ وَلَا مَكَانِ زَوْجَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَطَنِ وَمَظِنَّةِ الْإِقَامَةِ الْقَاطِعَةِ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ دُخُولُ أَنَّ الْمُرُورَ عَلَى الْوَطَنِ أَوْ مَكَانِ الزَّوْجَةِ بِلَا دُخُولٍ لَا يَقْطَعُهُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إنَّمَا يَمْنَعُ الْمُرُورُ بِشَرْطِ دُخُولِهِ أَوْ نِيَّةِ دُخُولِهِ لَا إنْ اجْتَازَ.
وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ عَلَى إلْحَاقِ السُّرِّيَّةِ بِالزَّوْجَةِ إنْ دَخَلَ وَطَنَهُ أَوْ مَكَانَ زَوْجَتِهِ مُخْتَارًا بَلْ (وَإِنْ) كَانَ دُخُولُهُ (بِرِيحٍ غَالِبَةٍ، وَ) قَطَعَهُ أَيْضًا (نِيَّةُ دُخُولِهِ) وَطَنَهُ أَوْ مَكَانَ زَوْجَتِهِ الَّذِي فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ (وَلَيْسَ بَيْنَهُ) أَيْ الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ (وَبَيْنَهُ) أَيْ الْمَحَلِّ الْمَنْوِيِّ دُخُولُهُ (الْمَسَافَةُ) أَيْ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ كَمُقِيمٍ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَوَطَنُهُ أَوْ مَكَانُ زَوْجَتِهِ الْجِعْرَانَةِ سَافَرَ مِنْهَا لِلْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَنَوَى حِينَ خُرُوجِهِ أَنْ يَدْخُلَ الْجِعْرَانَةِ فَيُتِمَّ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْجِعْرَانَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْمَسَافَةِ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِالْجِعْرَانَةِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ اعْتَبَرَ الْمَسَافَةَ الْبَاقِيَةَ لِمُنْتَهَى سَفَرِهِ. فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ قَصَرَ، وَإِلَّا فَلَا وَمَفْهُومُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الْمَسَافَةُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا الْمَسَافَةُ يَقْصُرُ فِيمَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَعْتَبِرُ الْبَاقِيَ أَيْضًا.
وَنِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامَ صِحَاحٍ، وَلَوْ بِخِلَالِهِ إلَّا الْعَسْكَرِ بِدَارِ الْحَرْبِ
ــ
[منح الجليل]
وَقَوْلُنَا حِينَ خُرُوجِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا طَرَأَتْ نِيَّةُ الدُّخُولِ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى الْقَصْرِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ مَحَلِّ النِّيَّةِ وَالْمَحَلُّ الْمَنْوِيُّ دُخُولُهُ أَقَلُّ مِنْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
(وَ) قَطَعَهُ أَيْضًا (نِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةٍ صِحَاحٍ) مُشْتَمِلَةٍ عَلَى عِشْرِينَ صَلَاةً فَمَنْ دَخَلَ فَجْرَ السَّبْتِ نَاوِيًا الْإِقَامَةَ إلَى غُرُوبِ الثُّلَاثَاءِ وَالْخُرُوجَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لَمْ يَنْقَطِعْ قَصْرُهُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ تَمَّتْ الْأَيَّامُ الْأَرْبَعَةُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عِشْرُونَ صَلَاةً. وَمَنْ دَخَلَ قَبْلَ عَصْرِهِ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ نَاوِيًا السَّفَرَ بَعْدَ صُبْحِ الْأَرْبِعَاءِ يَقْصُرُ.؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِشْرُونَ صَلَاةً لَيْسَ مَعَهُ إلَّا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٍ وَاعْتَبَرَ سَحْنُونٌ الْعِشْرِينَ فَقَطْ هَذَا إذَا كَانَتْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ بَلْ (وَلَوْ) حَدَثَتْ (بِخِلَالِهِ) أَيْ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ.
وَأَشَارَ بِ وَلَوْ إلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَنَّ نِيَّةَ إقَامَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا تَقْطَعُ الْقَصْرَ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي انْتِهَاءِ السَّفَرِ أَوْ ابْتِدَائِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي خِلَالِهِ فَلَا تَقْطَعُهُ فَلَهُ الْقَصْرُ إذَا خَلَّلَ سَفَرَهُ بِإِقَامَاتٍ لَمْ يَنْوِهَا فِي ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ فَكُلَّمَا سَافَرَ قَصَرَ وَلَوْ دُونَ الْمَسَافَةِ وَالْأَوْلَى وَنُزُولٌ بِمَكَانٍ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ بِهِ وَلَوْ بِخِلَالِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ يَنْتَهِي قَصْرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَحَلِّهَا وَمَحَلِّ الْإِقَامَةِ الْمَسَافَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِذَا سَافَرَ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يَصِلَ لِمَحَلِّ الْقَصْرِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِهِ وَسَافَرَ عَلَى أَقْوَى الطَّرِيقَتَيْنِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى السَّفَرِ. أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَحَلٍّ وَرَجَعَ عَنْ نِيَّتِهَا قَبْلَهَا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ.
(إلَّا الْعَسْكَرَ) يَنْوِي الْإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ (بِدَارِ الْحَرْبِ) أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يُخَافُ فِيهِ الْعَدُوُّ، سَوَاءٌ كَانَتْ دَارَ كُفَّارٍ أَوْ مُسْلِمِينَ فَلَا يَنْقَطِعُ قَصْرُهُ. وَأَمَّا الْأَسِيرُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُتِمُّ مَا دَامَ مُقِيمًا بِهَا فَإِنْ هَرَبَ لِلْجَيْشِ فَيَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ بِنَاءِ الْبَلَدِ وَلَا بَسَاتِينِهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ الْجَيْشِ. وَإِنْ هَرَبَ لِغَيْرِ الْجَيْشِ قَصَرَ إنْ عَدَّى الْبَسَاتِينَ أَوْ الْبِنَاءَ عَلَى مَا مَرَّ. وَمَفْهُومُ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنَّ الْعَسْكَرَ الْمُقِيمَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَخَافُ فِيهِ الْعَدُوَّ يُتِمُّ.
أَوْ الْعِلْمِ بِهَا عَادَةً لَا الْإِقَامَةُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ سَفَرُهُ، وَإِنْ نَوَاهَا بِصَلَاةٍ: شَفَعَ وَلَمْ تَجُزْ حَضَرِيَّةً وَلَا سَفَرِيَّةً، وَبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ.
، وَإِنْ اقْتَدَى مُقِيمٌ بِهِ، فَكُلٌّ
ــ
[منح الجليل]
(أَوْ) أَيْ، وَقَطَعَهُ أَيْضًا (الْعِلْمُ بِهَا) أَيْ إقَامَةُ الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ فِي مَحَلٍّ (عَادَةً) فَيُتِمُّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا كَمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ عَادَةَ الْحُجَّاجِ إذَا دَخَلُوا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ الْمُنَوَّرَةَ بِأَنْوَارِ سَاكِنِهَا صلى الله عليه وسلم يُقِيمُونَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَيُتِمُّونَ سَوَاءٌ نَوَوْا الْإِقَامَةَ بِهَا أَمْ لَا، وَاحْتَرَزَ بِالْعِلْمِ عَنْ الشَّكِّ فِيهَا فَلَا يَقْطَعُ الْقَصْرَ (لَا) يَقْطَعُ الْقَصْرَ (الْإِقَامَةُ) الْمُجَرَّدَةُ عَنْ نِيَّتِهَا وَالْعِلْمُ بِهَا عَادَةً كَإِقَامَتِهِ لِحَاجَةٍ يَظُنُّ قَضَاءَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ، فَيَقْصُرُ فِيهَا إنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ سَفَرُهُ بَلْ (وَإِنْ تَأَخَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ بَعُدَ وَتَرَاخَى (سَفَرُهُ) بِطُولِ إقَامَتِهِ فَهُوَ كَقَوْلِ الْبَاجِيَّ.
وَلَوْ كَثُرَتْ إقَامَتُهُ وَفِي نُسْخَةٍ بِيَاءِ الْجَرِّ، وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ الْمُجَرَّدَةُ فِي آخِرِ سَفَرِهِ وَفِيهَا نَظَرٌ، لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَلَا يَقْصُرُ فِي الْإِقَامَةِ الَّتِي فِي آخِرِ سَفَرِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الرُّجُوعَ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْحَطّ. أَوْ يَظُنُّ وَلَوْ تَخَلَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا مَعَ الِاحْتِمَالِ.
وَسُئِلَ ابْنُ سِرَاجٍ عَنْ مُسَافِرٍ يُقِيمُ فِي بَلَدٍ وَلَا يَدْرِي كَمْ يَجْلِسُ فِيهِ فَهَلْ يَبْقَى عَلَى قَصْرِهِ أَمْ لَا، فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْبَلَدُ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ قَصَدَ مُدَّةَ إقَامَتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مُنْتَهَاهُ أَتَمَّ فَمَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ (وَإِنْ نَوَاهَا) أَيْ الْإِقَامَةَ الْقَاطِعَةَ لِلْقَصْرِ (بِصَلَاةٍ) أَيْ فِيهَا أَحْرَمَ بِهَا مَقْصُورَةً قَطَعَهَا إنْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً مِنْهَا، وَإِنْ عَقَدَ رَكْعَةً مِنْهَا (شَفَعَ) هَا بِأُخْرَى نَدْبًا وَسَلَّمَ.
(وَلَمْ تُجْزِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ إنْ أَتَمَّهَا (حَضَرِيَّةً) لِعَدَمِ نِيَّتِهِ (وَلَا سَفَرِيَّةً) لِانْقِطَاعِ قَصْرِهِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ، وَمِثْلُ نِيَّتِهَا إدْخَالُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ السَّفَرِيَّةِ وَطَنَهُ أَوْ مَكَانَ زَوْجَتِهِ بِغَلَبَةِ رِيحٍ (وَ) إنْ نَوَاهَا (بَعْدَ) تَمَامِ (هَا) أَيْ الصَّلَاةِ (أَعَادَ) هَا تَامَّةً نَدْبًا (فِي الْوَقْتِ) الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَرَدُّدٍ قَبْلَهَا فِي الْإِقَامَةِ، فَإِذَا جَزَمَ بِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَعَلَّهُ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِيهَا حَالَ صَلَاتِهِ فَاحْتِيطَ لَهُ بِالْإِعَادَةِ.
(وَإِنْ اقْتَدَى) شَخْصٌ (مُقِيمٌ) إقَامَةً قَاطِعَةً الْقَصْرَ (بِهِ) أَيْ الْقَاصِرُ (فَكُلٌّ)
عَلَى سُنَّتِهِ، وَكُرِهَ كَعَكْسِهِ وَتَأَكَّدَ، وَتَبِعَهُ وَلَمْ يُعِدْ.
وَإِنْ أَتَمَّ مُسَافِرٌ نَوَى إتْمَامًا:
ــ
[منح الجليل]
مِنْهُمَا (عَلَى سُنَّتِهِ) أَيْ طَرِيقَتِهِ، وَهُوَ إتْمَامُ الْمَأْمُومِ وَقَصْرُ الْإِمَامِ فَلَا يُخَالِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقَتَهُ لِمُوَافَقَةِ الْآخَرِ (وَكُرِهَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ لِمُخَالَفَةِ الْمَأْمُومِ إمَامَهُ نِيَّةً وَفِعْلًا إلَّا إذَا كَانَ الْمُسَافِرُ فَاضِلًا أَوْ مُسِنًّا فِي الْإِسْلَامِ كَمَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ. وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَقَلَهُ الْحَطّ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي اعْتِمَادَهُ وَذَكَرَ مُصْطَفَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُرَجَّحٌ. وَشَبَّهَ فِي الْكُرْهِ فَقَالَ (كَعَكْسِهِ) أَيْ اقْتِدَاءِ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ، وَهُوَ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ.
(وَتَأَكَّدَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ اشْتَدَّ الْكُرْهُ فِي اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ لِلُزُومِ مُخَالَفَةِ الْمُسَافِرِ سُنَّةَ الْقَصْرِ الَّتِي هِيَ أَوْكَدُ مِنْ سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ. وَلَا كَرَاهَةَ عَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ الْجَمَاعَةُ أَوْكَدُ مِنْ الْقَصْرِ (وَتَبِعَهُ) أَيْ الْمَأْمُومُ الْمُسَافِرُ إمَامَهُ الْمُقِيمَ فِي الْإِتْمَامِ وُجُوبًا إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً. وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَكَأَنْ أَتَمَّ وَمَأْمُومُهُ مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ نَوَى الْقَصْرَ، وَأَتَمَّ عَمْدًا، وَفِي قَوْلِهِ، وَإِنْ ظَنَّهُمْ سَفْرًا مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ الَّذِي ظَنَّ الْجَمَاعَةَ مُسَافِرِينَ فَنَوَى الْقَصْرَ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ. وَأَجَابَ مُصْطَفَى بِأَنَّ نِيَّةَ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَمُخَالَفَتَهَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْغَاهُ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَرَّ عَلَى قَوْلٍ فَمَرَّ هُنَا عَلَى اغْتِفَارِهِ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَفِيمَا يَأْتِي عَلَى عَدَمِ اغْتِفَارِهِ وَلَا مُعَارَضَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ.
(وَلَمْ يُعِدْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُخَفَّفًا الْمُسَافِرُ صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ تَامَّةً، هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ إعَادَتُهَا مَقْصُورَةً بِوَقْتٍ. فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْمَأْمُومُ الْمُسَافِرُ مَعَ إمَامِهِ الْمُقِيمِ رَكْعَةً فَإِنْ كَانَ نَوَى الْإِتْمَامَ أَتَمَّ، وَأَعَادَهَا بِوَقْتٍ. وَإِنْ كَانَ نَوَى الْقَصْرَ قَصَرَهَا، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِابْنِ رُشْدٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْإِعَادَةِ.
قَالَ: وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ فَضِيلَةٌ وَالْقَصْرَ سُنَّةٌ وَالْفَضِيلَةُ لَا تَسُدُّ لَهُ مَسَدَّ السُّنَّةِ. اهـ. قَوْلُهُ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ فَضِيلَةٌ إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ وَالْأُخْرَى أَنَّهَا سُنَّةٌ.
(وَإِنْ أَتَمَّ) شَخْصٌ (مُسَافِرٌ) صَلَاتَهُ الرُّبَاعِيَّةَ، وَقَدْ (نَوَى) حِينَ إحْرَامِهِ (إتْمَامًا)
أَعَادَ بِوَقْتٍ، وَإِنْ سَهْوًا: سَجَدَ وَالْأَصَحُّ إعَادَتُهُ: كَمَأْمُومِهِ بِوَقْتٍ وَالْأَرْجَحُ الضَّرُورِيُّ إنْ تَبِعَهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ كَأَنْ قَصَرَ عَمْدًا
ــ
[منح الجليل]
عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ تَأْوِيلًا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي (أَعَادَ) نَدْبًا صَلَاتَهُ مَقْصُورَةً إنْ بَقِيَ حُكْمُ الْقَصْرِ وَحَضَرِيَّةً إنْ انْتَهَى قَصْرُهُ (بِوَقْتٍ) وَلَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ إتْمَامَهُ وَاجِبٌ بِسَبَبِ نِيَّتِهِ (وَإِنْ) نَوَى الْإِتْمَامَ (سَهْوًا) عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا أَوْ عَنْ الْقَصْرِ وَأَتَمَّهَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا (سَجَدَ) بَعْدَ السَّلَامِ نَظَرًا لِسَهْوِهِ فِي النِّيَّةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُعِيدُهَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ (وَ) الْقَوْلُ (الْأَصَحُّ إعَادَتُهُ) بِوَقْتٍ.
وَشَبَّهَ فِي الْإِعَادَةِ فَقَالَ (كَمَأْمُومِهِ) تَبَعًا لَهُ (بِوَقْتٍ) وَلَا يَسْجُدُ هَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَرَجَعَ إلَيْهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَاخْتَارَهَا سَحْنُونٌ بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ لَكَانَ عَلَيْهِ فِي عَمْدِهِ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِالْأَصَحِّ لِتَرْجِيحِ سَحْنُونٍ.
(وَ) الْقَوْلُ (الْأَرْجَحُ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَقْتَ هُنَا (الضَّرُورِيُّ) ، وَقِيلَ الِاخْتِيَارِيُّ فِي جَامِعِ ابْنِ يُونُسَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْوَقْتُ فِي ذَلِكَ النَّهَارِ كُلِّهِ. وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ الْوَقْتُ فِي ذَلِكَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ. وَمَحَلُّ إعَادَةِ مَأْمُومِهِ بِوَقْتٍ فِي عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا وَسُجُودِهِ السَّهْوَ مَعَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَصِحَّةِ صَلَاتِهِ (إنْ اتَّبَعَهُ) فِي الْإِتْمَامِ أَيْ فِي نِيَّةِ الْإِتْمَامِ بِأَنْ نَوَى الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ كَمَا نَوَاهُ إمَامُهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهُ بِأَنْ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ ظَانًّا أَنَّ إمَامَهُ أَحْرَمَ بِهِمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ نَوَى الْإِتْمَامَ فَلَمْ يَتْبَعْهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ تَأْوِيلًا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَتِهِ إمَامَهُ نِيَّةً وَفِعْلًا.
وَشَبَّهَ فِي الْبُطْلَانِ فَقَالَ (كَأَنْ قَصَرَ) الْمُسَافِرُ صَلَاتَهُ (عَمْدًا) مُرَادُهُ بِهِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالسَّهْوِ مَا يَشْمَلُ الْجَهْلَ وَالتَّأْوِيلَ بَعْدَ نِيَّةِ الْإِتْمَامِ وَلَوْ سَهْوًا فَتَبْطُلُ فِي الِاثْنَتَيْ عَشَرَ صُورَةً
وَالسَّاهِي: كَأَحْكَامِ السَّهْوِ، وَكَأَنْ أَتَمَّ، وَمَأْمُومُهُ بَعْدَ نِيَّةِ قَصْرٍ عَمْدًا. وَسَهْوًا أَوْ جَهْلًا فَفِي الْوَقْتِ، وَسَبَّحَ مَأْمُومُهُ وَلَا يَتْبَعُهُ وَسَلَّمَ الْمُسَافِرُ بِسَلَامِهِ، وَأَتَمَّ غَيْرُهُ بَعْدَهُ أَفْذَاذًا، وَأَعَادَ فَقَطْ بِالْوَقْتِ
، وَإِنْ ظَنَّهُمْ سَفْرًا
ــ
[منح الجليل]
لِمُخَالَفَةِ فِعْلِهِ لِنِيَّتِهِ (وَ) الْقَاصِرُ (السَّاهِي) فِي قَصْرِهِ عَنْ نِيَّةِ الْإِتْمَامِ مُطْلَقًا (كَأَحْكَامِ السَّهْوِ) الْحَاصِلُ لِمُقِيمٍ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ طَالَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَطَلَتْ، وَإِنْ قَرُبَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ جَبَرَهَا وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَأَعَادَ بِالْوَقْتِ. كَمُسَافِرٍ أَتَمَّ وَعَطَفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي الْبُطْلَان مُشَبِّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ (وَكَأَنْ أَتَمَّ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَشَدِّ الْمِيمِ أَيْ صَلَّى الْمُسَافِرُ الرُّبَاعِيَّةَ أَرْبَعًا.
(وَ) تَبِعَهُ (مَأْمُومُهُ) فِي الْإِتْمَامِ أَوْ لَمْ يَتْبَعْهُ فِيهِ (بَعْدَ نِيَّةِ قَصْرٍ) وَمَعْمُولُ أَتَمَّ قَوْلُهُ (عَمْدًا) فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَأْمُومِهِ لِمُخَالَفَةِ فِعْلِهِ لِنِيَّتِهِ (وَ) إنْ أَتَمَّ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) ، وَأَوْلَى تَأْوِيلًا وَقَدْ نَوَى الْقَصْرَ (فَ) يُعِيدُ (فِي الْوَقْتِ) وَالتَّأْوِيلُ هُنَا هُوَ مُرَاعَاةُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْأَمْنِ وَتَخْصِيصِهِ بِسَفَرِ الْخَوْفِ مِنْ الْكُفَّارِ كَظَاهِرِ الْآيَةِ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَا تَقْصُرُ وَتَحْتَجُّ بِأَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَجَمِيعُ الْأَرْضِ وَطَنُهَا أَوْ بِتَفْصِيلِ الْإِتْمَامِ.
(وَ) إنْ قَامَ الْإِمَامُ لِلْإِتْمَامِ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا بَعْدَ نِيَّةِ الْقَصْرِ (سَبَّحَ مَأْمُومُهُ) إنْ عَلِمَ بِسَهْوِهِ أَوْ جَهْلِهِ فَإِنْ رَجَعَ سَجَدَ لِسَهْوِهِ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ (وَ) إنْ تَمَادَى فَ (لَا يَتْبَعُهُ) أَيْ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الْإِتْمَامِ بَلْ يَجْلِسُ لِفَرَاغِهِ مُقِيمًا كَانَ الْمَأْمُومُ أَوْ مُسَافِرًا (وَسَلَّمَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا مَأْمُومُهُ (الْمُسَافِرُ بِسَلَامِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (وَأَتَمَّ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا (غَيْرُهُ) أَيْ الْمُسَافِرِ، وَهُوَ الْمُقِيمُ (بَعْدَهُ) أَيْ سَلَامِ الْإِمَامِ حَالَ كَوْنِهِمْ (أَفْذَاذًا) لَا مُؤْتَمِّينَ بِغَيْرِهِ لِامْتِنَاعِ الِاقْتِدَاءِ بِإِمَامَيْنِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي غَيْرِ الِاسْتِخْلَافِ (وَأَعَادَ) الْإِمَامُ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمَأْمُومِينَ إذْ لَا خَلَلَ فِي صَلَاتِهِمْ لِعَدَمِ اتِّبَاعِهِمْ لَهُ (بِالْوَقْتِ) وَلَوْ الضَّرُورِيُّ.
(وَإِنْ) دَخَلَ مُصَلٍّ مَعَ قَوْمٍ (ظَنَّهُمْ سَفْرًا) بِسُكُونِ الْفَاءِ اسْمُ جَمْعٍ لِسَافَرَ كَرَكْبٍ
فَظَهَرَ خِلَافُهُ: أَعَادَ أَبَدًا، إنْ كَانَ مُسَافِرًا: كَعَكْسِهِ.
وَفِي تَرْكِ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ تَرَدُّدٌ.
ــ
[منح الجليل]
وَرَاكِبٍ أَيْ مُسَافِرِينَ نَاوِينَ الْقَصْرَ فَنَوَاهُ (فَظَهَرَ) لَهُ (خِلَافُهُ) ، وَأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ (أَعَادَ) صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَهُمْ (أَبَدًا إنْ كَانَ) الدَّاخِلُ (مُسَافِرًا) ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ إمَامَهُ نِيَّةً وَفِعْلًا، وَإِنْ أَتَمَّ فَقَدْ خَالَفَهُ نِيَّةً وَخَالَفَ فِعْلُهُ نِيَّةَ نَفْسِهِ هَذَا إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ فَوَجْهُ الْبُطْلَانِ احْتِمَالُ حُصُولِ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ حَصَلَ شَكٌّ فِي الصِّحَّةِ فَوَجَبَ الْبُطْلَانُ.
وَمَفْهُومُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا لَأَتَمَّ صَلَاتَهُ وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُمْ عَلَى خِلَافِ ظَنِّهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِإِمَامِهِ نِيَّةً وَفِعْلًا وَمُوَافَقَةِ فِعْلِهِ لِنِيَّتِهِ، وَمَفْهُومُ ظَهَرَ خِلَافُهُ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ وِفَاقُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ فَتَبْطُلُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ. وَشَبَّهَ فِي الْبُطْلَانِ وَالْإِعَادَةِ أَبَدًا إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَقَالَ (كَعَكْسِهِ) ، وَهُوَ ظَنُّهُمْ مُقِيمِينَ فَنَوَى الْإِتْمَامَ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ مُسَافِرُونَ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ فَيُعِيدُ أَبَدًا إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قَصَرَ لِمُخَالَفَةِ فِعْلِهِ لِنِيَّتِهِ.
وَأَمَّا إنْ أَتَمَّ فَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ الصِّحَّةُ كَاقْتِدَاءِ مُقِيمٍ بِمُسَافِرٍ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، وَكَانَتْ خِلَافَ سُنَّتِهِ فَقَدْ عَلَّقَ نِيَّةَ الْإِتْمَامِ عَلَى نِيَّتِهِ مِنْ الْإِمَامِ فَلَمْ يَجْزِمْ النِّيَّةَ، وَشَرْطُهَا الْجَزْمُ وَبَحَثَ فِيهِ بِاقْتِضَائِهِ الْبُطْلَانَ. وَلَوْ ظَهَرَتْ الْمُوَافَقَةُ كَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ بِشَرْطِ أَنَّهُ زَيْدٌ قَالُوا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي بِمُسَافِرٍ فَنَوَى الْإِتْمَامَ نِيَّةً جَازِمَةً؛ لِأَنَّهُ فَرْضُهُ فَصَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّاخِلُ مُقِيمًا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ.
(وَفِي) صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ بِ (تَرْكِ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ) مَعًا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ فَذًّا بِأَنْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا وَلَمْ يَنْوِ قَصْرًا وَلَا إتْمَامًا وَعَدَمَهَا (تَرَدُّدٌ) سَوَاءٌ صَلَّاهَا سَفَرِيَّةً أَوْ حَضَرِيَّةً عَلَى الصَّوَابِ. تت هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إذَا دَخَلَ تَارِكًا لِنِيَّةِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ، وَتَبِعَهُ هُنَا بَعْدَ قَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ لَمْ
وَنُدِبَ: تَعْجِيلُ الْأَوْبَةِ، وَالدُّخُولُ ضُحًى.
ــ
[منح الجليل]
أَقِفْ عَلَيْهِمَا إمَّا لِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِمَا بَعْدُ، وَإِمَّا تَقْلِيدًا لِابْنِ الْحَاجِبِ. الرَّمَاصِيُّ قَرَّرَهُ تت كَمَا تَرَى، وَهُوَ صَحِيحٌ وَبِهِ قَرَّرَ ابْنُ رَاشِدٍ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ الثَّالِثَةُ إنْ أَتَمَّ أَوْ قَصَرَ فَفِي الصِّحَّةِ قَوْلَانِ. اهـ.
وَمُرَادُهُ بِالثَّالِثَةِ تَرْكُ النِّيَّتَيْنِ إمَّا سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا ابْنُ رَاشِدٍ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ فِيهِمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَتَخَرَّجَا عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ. اهـ. وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَابْنُ فَرْحُونٍ. وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَرَّرَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ. اهـ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ إذَا قُلْنَا الْقَصْرُ غَيْرُ فَرْضٍ فَهَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَنْوِيَهُ عِنْدَ عَقْدِ الْإِحْرَامِ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُ قَالَ يَصِحُّ أَنْ يَلْتَزِمَ الْقَصْرَ أَوْ الْإِتْمَامَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ، قَالَ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ لَا يَلْزَمُ الْمُصَلِّيَ أَنْ يَعْتَقِدَهُ فِي نِيَّتِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. اهـ.
وَبَعْضُ أَشْيَاخِهِ هُوَ اللَّخْمِيُّ وَبِعِبَارَةٍ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى الْمُسَافِرِ عِنْدَ تَرْكِ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ خِلَافٌ فَعِنْدَ اللَّخْمِيِّ يُخَيَّرُ فِي إتْمَامِهَا، وَقَصْرِهَا إذْ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ عِنْدَهُ عَلَى الْخِيَارِ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ، وَعِنْدَ سَنَدٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. عج فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي وُجُوبِ حَاضِرَةٍ إنْ تَرَكَ نِيَّةَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ وَتَخْيِيرُهُ فِيهَا وَفِي صَلَاةِ سَفَرٍ تَرَدُّدٌ لِإِفَادَةِ بَيَانِ مَا يُخَاطَبُ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لَا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي السَّفَرِ الْعَدَوِيُّ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِي أَوَّلِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ لَهُ نِيَّةُ الْقَصْرِ فَيُتَّفَقُ عَلَى الصِّحَّةِ فِيمَا بَعْدُ إذَا قَصَرَ لِانْسِحَابِ نِيَّةِ الْقَصْرِ عَلَيْهِ فَهِيَ مَوْجُودَةٌ حُكْمًا، وَكَذَا يُقَالُ إذَا نَوَى الْإِتْمَامَ عِنْدَ أَوَّلِ صَلَاةٍ ثُمَّ تَرَكَ نِيَّةَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فِيمَا بَعْدَهَا، وَأَتَمَّ اهـ.
(وَنُدِبَ) لِلْمُسَافِرِ (تَعْجِيلُ الْأَوْبَةِ) أَيْ الرُّجُوعِ لِوَطَنِهِ عَقِبَ قَضَاءِ وَطَرِهِ وَاسْتِصْحَابُ هَدِيَّةٍ بِقَدْرِ حَالِهِ (وَالدُّخُولُ ضُحًى) أَيْ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ وَابْتِدَاءُ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ لِتَتَأَهَّبَ
وَرُخِّصَ لَهُ جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ بِبَرٍّ، وَإِنْ قَصُرَ وَلَمْ يَجِدَّ، بِلَا كُرْهٍ، وَفِيهَا شَرْطُ الْجِدِّ: لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ
ــ
[منح الجليل]
زَوْجَتُهُ لِقُدُومِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ لِئَلَّا يَرَى شَعِثًا يَكْرَهُهُ فَيَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْفِرَاقُ. وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ لَيْلًا لِذِي زَوْجَةٍ لَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ قُدُومِهِ سَوَاءٌ طَالَتْ غَيْبَتُهُ أَمْ لَا. وَمَنْ عَلِمَ وَقْتَ قُدُومِهِ لَا يُكْرَهُ دُخُولُهُ لَيْلًا كَمَنْ لَا زَوْجَةَ لَهُ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ " رضي الله عنه «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ» وَالطُّرُوقُ الدُّخُولُ مِنْ بُعْدٍ وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَرَادَ السَّفَرَ أَنْ يَأْتِيَ إخْوَانَهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُوَدِّعُهُمْ وَلِمَنْ قَدِمَ مِنْهُ أَنْ يَمْكُثَ فِي مَحَلِّهِ وَإِتْيَانُ إخْوَانِهِ إلَيْهِ لِتَهْنِئَتِهِ بِالسَّلَامَةِ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ. وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ التَّوْدِيعِ أَنْكَرَهَا الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ التَّاجُورِيُّ قَائِلًا لَمْ تَرِدْ فِي السُّنَّةِ، وَقَالَ عج بَلْ وَرَدَ فِيهَا مَا يَدُلُّ لِجَوَازِهَا.
(وَرُخِّصَ) بِضَمِّ الرَّاءِ، وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أُذِنَ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَوْلَى (لَهُ) أَيْ الْمُسَافِرِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، رَاكِبًا كَانَ أَوْ مَاشِيًا كَمَا فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَخَصَّهُ ابْنُ عِلَاقٍ بِالرَّاكِبِ وَنَائِبُ فَاعِلِ رُخِّصَ (جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ) لِمَشَقَّةِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي أَوَّلِ مُخْتَارِهِ بِسَبَبِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَصِلَةُ جَمْعُ (بِبَرٍّ) أَيْ فِيهِ لَا فِي بَحْرٍ قَصْرًا لِلرُّخْصَةِ عَلَى مَوْرِدِهَا إنْ طَالَ سَفَرُهُ بِأَنْ كَانَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ بَلْ (وَإِنْ قَصُرَ) سَفَرُهُ عَنْهَا لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِصْيَانِ وَاللَّهْوِ بِالسَّفَرِ، فَإِنْ جُمِعَا فَلَا إعَادَةَ بِالْأَوْلَى مِنْ الْقَصْرِ إنْ جَدَّ فِي سَيْرِهِ لِإِدْرَاكِ أَمْرِ فَوَاتِهِ بَلْ (وَ) إنْ (لَمْ يَجِدَّ) الْمُسَافِرُ فِي سَيْرِهِ (بِلَا كُرْهٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ كَرَاهَةٍ صِلَةُ رُخِّصَ نَعَمْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى
(وَفِيهَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ (بِشَرْطِ الْجِدِّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي السَّيْرِ (لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ) خَشِيَ فَوَاتَهُ كَرُفْقَةٍ أَوْ مَوْسِمٍ أَوْ مَرِيضٍ وَنَصُّهَا وَلَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ إلَّا إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ. وَيَخَافُ فَوَاتَ أَمْرٍ فَيَجْمَعُ وَظَاهِرُهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مُهِمًّا أَمْ لَا، لَا لِمُجَرَّدِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ جَوَازُ الْجَمْعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ جِدُّهُ لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ خَشِيَ فَوَاتَهُ أَمْ لِأَجْلِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَاَلَّذِي حَكَى تَشْهِيرَهُ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ
بِمَنْهَلٍ زَالَتْ بِهِ، وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَقَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ، وَبَعْدَهُ: خُيِّرَ فِيهَا، وَإِنْ زَالَتْ رَاكِبًا: أَخَّرَهُمَا؛ إنْ نَوَى الِاصْفِرَارَ أَوْ قَبْلَهُ، وَإِلَّا فَفِي وَقْتَيْهِمَا:
ــ
[منح الجليل]
وَأَبْدَلَ مَنْ بِبَرٍّ (بِمَنْهَلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ. بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ أَصْلُهُ الْمَوْرِدُ ثُمَّ نُقِلَ لِمَكَانِ نُزُولِ الْمُسَافِرِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَاءٌ بَدَلُ بَعْضٍ وَضَمِيرُهُ مُقَدَّرٌ أَيْ مِنْهُ (زَالَتْ) الشَّمْسُ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَهُوَ نَازِلٌ (بِهِ) أَيْ الْمَنْهَلِ (وَنَوَى) الِارْتِحَالَ مِنْهُ وَ (النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) فَيُصَلِّيهِمَا قَبْلَ ارْتِحَالِهِ فَتَكُونُ الظُّهْرُ فِي مُخْتَارِهَا وَالْعَصْرُ فِي ضَرُورِيِّهَا الْمُقَدَّمِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُسَافِرِ وَالْحَاجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالْمَرِيضِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ.
(وَ) إنْ نَوَى الِارْتِحَالَ وَالنُّزُولَ (قَبْلَ الِاصْفِرَارِ) صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ وَ (أَخَّرَ الْعَصْرَ) وُجُوبًا لِيُصَلِّيَهَا فِي مُخْتَارِهَا، فَإِنْ قَدَّمَهَا مَعَ الظُّهْرِ صَحَّتْ وَنُدِبَتْ إعَادَتُهَا فِي مُخْتَارِهَا بَعْدَ نُزُولِهِ (وَ) إنْ نَوَى الِارْتِحَالَ وَالنُّزُولَ (بَعْدَ) دُخُولِ (هـ) أَيْ الِاصْفِرَارِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ (وَخُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ (فِيهَا) أَيْ الْعَصْرِ بَيْنَ تَقْدِيمِهَا مَعَ الظُّهْرِ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ وَتَأْخِيرِهَا إلَى الِاصْفِرَارِ؛ لِأَنَّهَا فِي الضَّرُورِيِّ عَلَيْهِمَا. وَلَكِنْ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا؛ لِأَنَّ الِاصْفِرَارَ ضَرُورِيٌّ لِكُلِّ مَعْذُورٍ إنْ أَخَّرَهَا فَلَا يُؤَذَّنُ لَهَا لِكَرَاهَةِ الْأَذَانِ فِي الضَّرُورِيِّ، وَإِنْ قَدَّمَهَا أُذِنَّ لَهَا تَبَعًا لِلظُّهْرِ فَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ حُكْمًا.
(إنْ زَالَتْ) الشَّمْسُ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (رَاكِبًا) أَيْ سَائِرًا رَاكِبًا كَانَ أَوْ مَاشِيًا عَلَى مَا فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (أَخَّرَهُمَا) أَيْ الظُّهْرَيْنِ حَتَّى يَنْزِلَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُمَا جَمْعًا صُورِيًّا الظُّهْرَ فِي آخِرِ مُخْتَارِهَا وَالْعَصْرَ فِي أَوَّلِ مُخْتَارِهَا، وَلَا يَجُوزُ جَمْعُهُمَا جَمْعَ تَقْدِيمٍ، وَإِنْ قَدَّمَهُمَا صَحَّتْ الْعَصْرُ وَنُدِبَ إعَادَتُهَا بَعْدَ النُّزُولِ (إنْ نَوَى الِاصْفِرَارَ) أَيْ النُّزُولَ فِيهِ (أَوْ) نَوَى النُّزُولَ (قَبْلَهُ) أَيْ الِاصْفِرَارِ.
(وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ النُّزُولَ فِي الِاصْفِرَارِ وَلَا قَبْلَهُ بِأَنْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ (فَ) يُصَلِّيهِمَا (فِي وَقْتَيْهِمَا) الْمُخْتَارَيْنِ الظُّهْرَ آخِرَ الْقَامَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ أَوَّلَ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ،
كَمَنْ لَا يُضْبَطُ نُزُولُهُ وَكَالْمَبْطُونِ، وَلِلصَّحِيحِ فِعْلُهُ، وَهَلْ الْعِشَاءَانِ كَذَلِكَ؟ تَأْوِيلَانِ.
ــ
[منح الجليل]
وَيُسَمَّى جَمْعًا صُورِيًّا أَيْ فِي الصُّورَةِ لَا فِي الْحَقِيقَةِ لِإِيقَاعِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَالْجَمْعُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ قَرْنُهُمَا مَعَ كَوْنِ إحْدَاهُمَا فِي غَيْرِ مُخْتَارِهَا مُقَدَّمَةً أَوْ مُؤَخَّرَةً عَنْهُ.
وَشَبَّهَ فِي فِعْلِهِمَا فِي وَقْتَيْهِمَا فَقَالَ (كَمَنْ) أَيْ مُسَافِرٍ زَالَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رَاكِبٌ حَالَ كَوْنِهِ (لَا يَضْبِطُ نُزُولَهُ) أَيْ لَا يَدْرِي هَلْ يَنْزِلُ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَوْ فِيهِ أَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ آخِرَ الْقَامَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ أَوَّلَ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ زَالَتْ عَلَى مَنْ لَا يَضْبِطُ نُزُولَهُ، وَهُوَ نَازِلٌ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ وَيُؤَخِّرُ الْعَصْرَ.
وَعَطَفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي فِعْلِهِمَا فِي وَقْتَيْهِمَا مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ (، وَكَالْمَبْطُونِ) أَيْ الْمَرِيضِ بِبَطْنِهِ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ (وَلِ) لِشَخْصِ ا (الصَّحِيحِ) السَّالِمِ مِنْ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ (فِعْلُهُ) أَيْ الْجَمْعِ الصُّورِيِّ لَكِنْ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمَعْذُورِ. (وَهَلْ الْعِشَاءَانِ كَذَلِكَ) أَيْ الظُّهْرَيْنِ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ بِتَنْزِيلِ الْغُرُوبِ مَنْزِلَةَ الزَّوَالِ، وَالثُّلُثِ الْأَوَّلِ مَنْزِلَةَ مَا قَبْلَ الِاصْفِرَارِ وَالثُّلُثِ الثَّانِي إلَى الْفَجْرِ مَنْزِلَةَ الِاصْفِرَارِ، وَالْفَجْرِ مَنْزِلَةَ الْغُرُوبِ، وَعَلَيْهِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَازِلٌ وَنَوَى الِارْتِحَالَ وَالنُّزُولَ بَعْدَ الْفَجْرِ قَدَّمَهُمَا قَبْلَ ارْتِحَالِهِ.
وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ عَقِبَ الشَّفَقِ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ أَخَّرَ الْعِشَاءَ، وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ فِي الثُّلُثَيْنِ الْآخَرَيْنِ خُيِّرَ فِي الْعِشَاءِ. وَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ سَائِرٌ وَنَوَى النُّزُولَ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَخَّرَهُمَا. وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْفَجْرِ جَمَعَهُمَا فِي وَقْتَيْهِمَا مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِامْتِدَادِ مُخْتَارِ الْمَغْرِبِ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ، وَلَهُ قُوَّةٌ خُصُوصًا فِي السَّفَرِ أَوَّلِيًّا كَذَلِكَ، فَلَا يَجْمَعُهُمَا بَلْ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي مُخْتَارِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَهُمَا لَيْسَ وَقْتَ رَحِيلٍ، فِيهِ (تَأْوِيلَانِ) أَيْ فَهْمَانِ لِشَارِحِيهَا فِيمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ نَازِلًا. وَأَمَّا مَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ سَائِرًا فَهُمَا كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ بِاتِّفَاقٍ. وَالرَّاجِحُ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ. وَلَفْظُهَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي الْجَمْعِ عِنْدَ الِارْتِحَالِ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ الْحُكْمُ مُسَاوٍ فَقِيلَ إنَّ كَلَامَ سَحْنُونٍ تَفْسِيرٌ. وَقِيلَ خِلَافٌ. اهـ. وَعَزَا ابْنُ بَشِيرٍ الْأَوَّلَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالثَّانِيَ لِلْبَاجِيِّ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ هَارُونَ.
وَقَدَّمَ خَائِفُ الْإِغْمَاءِ، وَالنَّافِضِ وَالْمَيْدِ، وَإِنْ سَلِمَ أَوْ قَدَّمَ وَلَمْ يَرْتَحِلْ أَوْ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ عِنْدَهُ فَجَمَعَ؛ أَعَادَ الثَّانِيَةَ فِي الْوَقْتِ
ــ
[منح الجليل]
(وَقَدَّمَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا جَوَازًا. وَقِيلَ نَدْبًا الْعَصْرُ مَعَ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءُ مَعَ الْمَغْرِبِ شَخْصٌ (خَائِفُ) حُصُولِ (الْإِغْمَاءِ) أَيْ اسْتِتَارِ الْعَقْلِ بِالْمَرَضِ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ.
(وَ) خَائِفُ الْحُمَّى (النَّافِضِ) كَذَلِكَ (وَ) خَائِفُ (الْمَيْدِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ الدَّوْخَةِ إنْ قَامَ كَذَلِكَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُمْنَعُ التَّقْدِيمُ وَيُصَلِّي الثَّانِيَةَ بِوَقْتِهَا بِقَدْرِ طَاقَتِهِ وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا سَقَطَتْ عَنْهُ وَاسْتُظْهِرَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِغْرَاقِ إغْمَائِهِ الْوَقْتَ فَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى التَّقْدِيمِ كَخَوْفِ الْحَيْضِ وَالْمَوْتِ فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ التَّقْدِيمُ. وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْحَيْضَ وَالْمَوْتَ يُسْقِطَانِ الصَّلَاةَ قَطْعًا، وَفِي إسْقَاطِ الْإِغْمَاءِ خِلَافٌ وَبِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْحَيْضِ الِاسْتِغْرَاقُ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَفِي هَذَا أَنَّهُ يَقْتَضِي عَكْسَ الْحُكْمِ، فَإِنْ قَدَّمَ وَحَصَلَ مَا خِيفَ مِنْهُ فَظَاهِرٌ. (وَإِنْ سَلِمَ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَخُوفُ أَعَادَ الثَّانِيَةَ فِي الْوَقْتِ فِي التَّوْضِيحِ إذَا جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِلْخَوْفِ عَلَى عَقْلِهِ ثُمَّ لَمْ يَذْهَبْ عَقْلُهُ، فَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُعِيدُ الْأَخِيرَةَ. سَنَدٌ يُرِيدُ فِي الْوَقْتِ وَعِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ لَا يُعِيدُ فَسَقَطَ قَوْلُ الْمَوَّاقِ الَّذِي فِي نَصِّ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ. وَقَالَ الْجُزُولِيُّ إنْ سَلِمَ أَعَادَ فَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا خِلَافَ مَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (أَوْ قَدَّمَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا الْمُسَافِرُ الَّذِي زَالَتْ أَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَازِلٌ ثَانِيَةَ الظُّهْرَيْنِ أَوْ الْعِشَاءَيْنِ مَعَ أُولَاهُمَا لِنِيَّتِهِ الِارْتِحَالَ وَالنُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ الْفَجْرِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (وَلَمْ يَرْتَحِلْ) فِي يَوْمِهِ أَوْ لَيْلِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ لِمَانِعٍ أَوْ غَيْرِهِ أَعَادَ الثَّانِيَةَ بِوَقْتٍ.
(أَوْ) الْمُسَافِرُ الَّذِي (ارْتَحَلَ) أَيْ سَارَ (قَبْلَ الزَّوَالِ) ، وَأَدْرَكَهُ الزَّوَالُ سَائِرًا (وَنَزَلَ عِنْدَهُ) أَيْ الزَّوَالِ وَنَوَى الِارْتِحَالَ وَالنُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ الْإِقَامَةِ إلَى الْغُرُوبِ وَالِارْتِحَالِ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَظَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ جَهْلًا (فَجَمَعَ) الظُّهْرَيْنِ أَوْ الْعِشَاءَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ (أَعَادَ) نَدْبًا الصَّلَاةَ (الثَّانِيَةَ) ، وَهِيَ الْعَصْرُ أَوْ الْعِشَاءُ (فِي الْوَقْتِ) وَلَوْ الضَّرُورِيَّ
وَفِي جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ فَقَطْ بِكُلِّ مَسْجِدٍ لِمَطَرٍ أَوْ طِينٍ مَعَ ظُلْمَةٍ
ــ
[منح الجليل]
فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إنْ كَانَ نَوَى الِارْتِحَالَ وَالنُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فِيهِمَا. الْبُنَانِيُّ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا جَمْعُهُ نَاوِيًا الِارْتِحَالَ بَعْدَ الْجَمْعِ لِجِدِّ السَّيْرِ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَلَا يَرْتَحِلُ، وَالثَّانِيَةُ جَمْعُهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي الِارْتِحَالِ بَعْدَهُ سَوَاءٌ نَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ أَصْلًا لَكِنَّهُ لَمْ يَرْفُضْ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْقَاطِعَةِ لَهُ، فَفِي الْأُولَى لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْفَرْعَيْنِ. وَفِي الثَّانِيَةِ يُعِيدُ الْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا كُلُّهُ يُفْهَمُ مِنْ نَقْلِ الْحَطّ، فَإِنْ حُمِلَ الْفَرْعَانِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ سَقَطَ عَنْهُ الِاعْتِرَاضُ بِمُرُورِهِ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَمَدِ.
(وَ) رُخِّصَ نَدْبًا لِمَزِيدِ الْمَشَقَّةِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي مُخْتَارِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ (فِي جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ) جَمْعَ تَقْدِيمٍ (فَقَطْ) أَيْ لَا الظُّهْرَيْنِ لِعَدَمِ مَزِيدِ الْمَشَقَّةِ فِي صَلَاةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مُخْتَارِهَا غَالِبًا وَصِلَةُ جَمْعِ (بِكُلِّ مَسْجِدٍ) خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِمَسْجِدِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِمَنْ خَصَّ بِهِ وَبِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَلَوْ غَيْرَ مَسْجِدِ جُمُعَةٍ أَوْ خُصَّا لِأَهْلِ الْأَخْصَاصِ هَكَذَا الشَّرْعُ، وَالْعَمَلُ وَلَيْسَ اجْتِهَادِيًّا فَلَا يُقَالُ فِيهِ تَقْدِيمُ وَسِيلَةِ سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى وَاجِبِ الْوَقْتِ وَوَسِيلَةُ السُّنَّةِ سُنَّةٌ عَلَى أَنَّهَا وَسِيلَةٌ غَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْبُيُوتِ بَعْدَ وَقْتِ الْعِشَاءِ.
وَقَدْ وَرَدَ قَوْلُ الْمُؤَذِّنِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ وَنَظِيرُ هَذَا مَا سَبَقَ مِنْ الْأَمْرِ بِالسَّكِينَةِ الْمَنْدُوبَةِ فِي السَّعْيِ لِلصَّلَاةِ. وَلَوْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ الْوَاجِبَةُ فَإِنَّا مُتَعَبَّدُونَ بِمَا نُؤْمَرُ وَصِلَةُ جَمْعِ (لِمَطَرٍ) أَوْ بَرَدٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَاقِعٌ أَوْ مُتَوَقَّعٌ بِعَلَامَةٍ مُعْتَادَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَعْدَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّلْجَ الْكَثِيرَ الَّذِي يَتَعَسَّرُ نَقْضُهُ كَالْمَطَرِ. وَسُئِلَ عَنْهُ ابْنُ سِرَاجٍ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ نَصًّا. وَإِنْ جَمَعُوا لِتَوَقُّعِ الْمَطَرِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَيَنْبَغِي إعَادَةُ الْعِشَاءِ فِي وَقْتِهَا كَمَسْأَلَةِ، وَإِنْ سَلِمَ أَعَادَ بِوَقْتٍ.
(أَوْ) لِ (طِينٍ) كَثِيرٍ يَحْمِلُ أَوْسَطَ النَّاسِ عَلَى خَلْعِ الْمَدَاسِ وَلَوْ لَمْ يَعُمَّ الطُّرُقَ فَيَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ فِي طَرِيقِهِ الْجَمْعُ، تَبَعًا لِمَنْ هُوَ فِي طَرِيقِهِ عَلَى الظَّاهِرِ (مَعَ ظُلْمَةٍ) لِآخِرِ شَهْرٍ لَا
لَا طِينٍ أَوْ ظُلْمَةٍ أُذِّنَ لِلْمَغْرِبِ كَالْعَادَةِ، وَأُخِّرَ قَلِيلًا، ثُمَّ صُلِّيَا وِلَاءً: إلَّا قَدْرَ أَذَانٍ مُنْخَفِضٍ بِمَسْجِدٍ، وَإِقَامَةٍ، وَلَا تَنَفُّلَ بَيْنَهُمَا. وَلَمْ يَمْنَعْهُ،
ــ
[منح الجليل]
لِغَيْمٍ لِاحْتِمَالِ زَوَالِهَا بِسُرْعَةٍ (لَا لِطِينٍ) فَقَطْ وَلَوْ مَعَ شِدَّةِ رِيحٍ عَلَى الْمَشْهُورِ (أَوْ ظُلْمَةٍ) فَقَطْ اتِّفَاقًا وَلَوْ مَعَ رِيحٍ شَدِيدٍ (أُذِنَّ) بِضَمِّ الْهَمْزِ، وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مُثَقَّلَةٍ أَوْ بِفَتْحَتِهِمَا كَذَلِكَ (لِلْمَغْرِبِ كَ) أَذَانِ (الْعَادَةِ) فِي كَوْنِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ عَلَى الْمَنَارِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ.
(وَأُخِّرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ، وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مُشَدَّدَةً صَلَاةُ الْمَغْرِبِ نَدْبًا تَأْخِيرًا أَوْ زَمَنًا (قَلِيلًا) لِقَدْرِ ثَلَاثِ الرَّكَعَاتِ الْمُخْتَصِّ بِالْمَغْرِبِ فَتُصَلَّى الْمُشْتَرَكَتَانِ اللَّتَانِ صَارَتَا لِجَمْعِهِمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْوَقْتِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، فَانْدَفَعَ تَصْوِيبُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَ ابْنِ بَشِيرٍ بِعَدَمِ التَّأْخِيرِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَفِيهِ إخْرَاجُ الْمَغْرِبِ عَنْ مُخْتَارِهَا وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِنَدْبِ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ قَلِيلًا فِي جَمْعِهَا مَعَ الْعَصْرِ فِي السَّفَرِ رِفْقًا بِالْمُسَافِرِ.
(ثُمَّ صُلِّيَا) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُثْقَلَةً أَيْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ (وِلَاءً) بِكَسْرِ الْوَاوِ مَمْدُودًا أَيْ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَهُمَا (إلَّا قَدْرَ) فِعْلِ (أَذَانٍ) نَدْبًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَمَاعَةٍ لَمْ تُطْلَبْ غَيْرُهَا بِصَوْتٍ (مُنْخَفِضٍ) لِلسُّنَّةِ وَلَا يُسْقِطُ سُنَّةَ الْأَذَانِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ، وَصِلَةُ أَذَانٍ (بِمَسْجِدٍ) أَيْ فِيهِ لَا عَلَى الْمَنَارِ لِئَلَّا يُشَكِّكَ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوْ أَفْطَرَ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيُعِيدُ صَلَاتَهَا وَيَقْضِي صَوْمَهُ إنْ كَانَ فَرْضًا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَمَامَ مِحْرَابِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ بِصِحَّتِهِ (وَإِقَامَةٍ) عَطْفٌ عَلَى أَذَانٍ.
(وَلَا تَنَفُّلَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَالنُّونِ وَضَمُّ الْفَاءِ مُشَدَّدَةً مَشْرُوعٌ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ لِصَيْرُورَتِهِمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ. وَاَلَّذِي فِي النَّقْلِ يَمْنَعُ الْفَصْلَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِنَفْلٍ. وَكَذَا بِكَلَامٍ الْعَدَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْعِ الْكَرَاهَةُ فِيهِمَا إذْ لَا وَجْهَ لِلْحُرْمَةِ، وَسَوَاءٌ جَمْعُ التَّقْدِيمِ وَجَمْعُ التَّأْخِيرِ (وَلَمْ) الْأَوْلَى وَلَا؛ لِأَنَّ لَمْ لِلنَّفْيِ فِي الْمَاضِي وَالْفَقِيهُ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُسْتَقْبَلَةِ (يَمْنَعْهُ) أَيْ التَّنَفُّلَ بَيْنَهُمَا الْجَمْعُ إنْ وَقَعَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ وَلَوْ شَكًّا فَيَمْنَعُهُ.
وَلَا بَعْدَهُمَا.
وَجَازَ لِمُنْفَرِدٍ بِالْمَغْرِبِ، يَجِدُهُمْ بِالْعِشَاءِ. وَلِمُعْتَكِفٍ بِمَسْجِدٍ: كَأَنْ انْقَطَعَ الْمَطَرُ بَعْدَ الشُّرُوعِ،
ــ
[منح الجليل]
(وَلَا) تَنَفُّلَ (بَعْدَهُمَا) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ أَيْ يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَمْعِ انْصِرَافُ النَّاسِ فِي الضَّوْءِ وَالتَّنَفُّلُ بَعْدَهُمَا قَدْ يُفَوِّتُ هَذَا الْفَرْضَ، فَإِنْ جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ فَقَالَ ابْنُ الْجَهْمِ يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ وُجُوبًا عَلَى الظَّاهِرِ، وَسَمِعَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ لَا يُعِيدُونَ، وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إنْ جَلَسُوا فِيهِ كُلُّهُمْ أَوْ جُلُّهُمْ أَعَادُوا وَإِلَّا فَلَا.
(وَجَازَ) الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِلْمَطَرِ وَنَحْوَهُ (لِ) شَخْصٍ (مُنْفَرِدٍ بِالْمَغْرِبِ) عَنْ جَمَاعَةٍ الْجَمْعُ وَلَوْ صَلَّاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ صَلَّاهَا آخَرِينَ حَالَ كَوْنِهِ (يَجِدُهُمْ) أَيْ الْمُنْفَرِدُ جَمَاعَةَ الْجَمْعِ مُتَلَبِّسِينَ (بِ) صَلَاةِ (الْعِشَاءِ) فَيَدْخُلُ مَعَهُمْ لِإِدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ رَكْعَةً وَعَبَّرَ بِالْجَوَازِ، وَإِنْ نُدِبَ لِإِدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ الْمُخْرَجَاتِ الْآتِيَةِ، وَمَفْهُومُ مُنْفَرِدٍ بِالْمَغْرِبِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْمَغْرِبَ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الْعِشَاءِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ شَرْطًا، وَلَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي الْمَسْجِدِ لِامْتِنَاعِ الصَّلَاةِ بِهِ مَعَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَيُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ. وَبَنَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنُ الْحَاجِبِ هَذَا الْجَوَازَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ تُجْزِي عِنْدَ الثَّانِيَةِ، وَبَنَوْا عَلَى مُقَابِلِهِ قَوْلَهُ الْآتِيَ وَلَا إنْ حَدَثَ السَّبَبُ بَعْدَ الْأُولَى.
(وَ) جَازَ الْجَمْعُ أَيْ نُدِبَ (لِ) شَخْصٍ (مُعْتَكِفٍ) وَمُجَاوِرٍ غَرِيبٍ (بِمَسْجِدٍ) تَبَعًا لَهُمْ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ أَوْ الْمُجَاوِرُ إمَامًا رَاتِبًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْإِمَامَةِ وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَؤُمُّهُمْ إذَا كَانَ فِيهِمْ صَالِحٌ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُهُ، وَإِلَّا صَلَّى بِهِمْ قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ.
وَشَبَّهَ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَافُ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ (انْقَطَعَ الْمَطَرُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِي الْمَغْرِبِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ، وَلَوْ قَبْلَ عَقْدِ رَكْعَةٍ مِنْهَا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ إنْ لَمْ يُعِدْ وَمَفْهُومُ بَعْدَ الشُّرُوعِ أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمَطَرِ، وَإِنْ وُجِدَ طِينٌ كَثِيرٌ مَعَ ظُلْمَةٍ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا.
لَا إنْ فَرَغُوا فَيُؤَخَّرُ لِلشَّفَقِ، إلَّا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلَا إنْ حَدَثَ السَّبَبُ بَعْدَ الْأُولَى، وَلَا الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ بِبَيْتِهِمَا وَلَا مُفْرَدٌ بِمَسْجِدٍ: كَجَمَاعَةٍ لَا حَرَج عَلَيْهِ.
ــ
[منح الجليل]
(لَا) يَجُوزُ الْجَمْعُ لِمُنْفَرِدٍ بِالْمَغْرِبِ (إنْ) وَجَدَهُمْ قَدْ (فَرَغُوا) أَيْ جَمَاعَةُ الْجَمْعِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ وَجَدَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، فَإِنْ ظَنَّهُ الْأَوَّلَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ فَإِذَا هُوَ الْأَخِيرُ وَجَبَ الشَّفْعُ إذْ مِنْ شَرْطِ الْجَمْعِ الْجَمَاعَةُ وَحِينَئِذٍ فَ (يُؤَخِّرُ) الْعِشَاءَ وُجُوبًا (لِ) مَغِيبِ ا (لشَّفَقِ إلَّا بِ) أَحَدِ (الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ) مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، وَأَزْكَى السَّلَامِ، وَمَسْجِدِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِالشَّامِ، فَإِنَّ الْمُنْفَرِدَ بِالْمَغْرِبِ الَّذِي وَجَدَهُمْ فَرَغُوا يُصَلِّي فِيهِ الْعِشَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْمَغْرِبَ بِغَيْرِهَا فَلَهُ الْجَمْعُ بِهَا مُنْفَرِدَ الْعِظَمِ فَضْلُ فَذِّهَا عَلَى جَمَاعَةِ غَيْرِهَا.
(وَلَا) يَجُوزُ الْجَمْعُ (إنْ حَدَثَ السَّبَبُ) مِنْ مَطَرٍ أَوْ سَفَرٍ (بَعْدَ) الشُّرُوعِ فِي (الْأُولَى) بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ نِيَّةِ الْجَمْعِ عِنْدَ الْأُولَى، وَهُوَ الرَّاجِحُ، لَكِنْ إنْ جَمَعُوا فَلَا يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ عِنْدَ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا مَرَّ (وَلَا) تَجْمَعُ (الْمَرْأَةُ) لَا الرَّجُلُ (الضَّعِيفُ بِبَيْتِهِمَا) الْمُجَاوِرِ لِلْمَسْجِدِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِي عَدَمِ الْجَمْعِ، فَإِنْ جَمَعَا تَبَعًا لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ جَمْعِهِمَا تَبَعًا لَهُمْ، وَمَفْهُومُ بِبَيْتِهِمَا جَوَازُ جَمْعِهِمَا بِالْمَسْجِدِ تَبَعًا لِلْجَمَاعَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ.
(وَلَا) يَجْمَعُ (مُنْفَرِدٌ بِمَسْجِدٍ) وَيَنْصَرِفُ لِبَيْتِهِ وَيُصَلِّي فِيهِ الْعِشَاءَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاتِبًا لَهُ مَنْزِلٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَيَجْمَعُ وَحْدَهُ نَاوِيًا الْإِمَامَةَ وَالْجَمْعَ وَيَنْصَرِفُ لِمَنْزِلِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مُقِيمًا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجْمَعُ وَحْدَهُ وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْجَمْعِ فَقَالَ (كَجَمَاعَةٍ لَا حَرَجَ) أَيْ لَا مَشَقَّةَ (عَلَيْهِمْ) فِي فِعْلِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي مُخْتَارِهَا كَأَهْلِ الزَّوَايَا وَالرُّبُطِ وَالْمُنْقَطِعِينَ بِمَدْرَسَةٍ أَوْ تُرْبَةٍ فَلَا يَجْمَعُونَ إلَّا تَبَعًا لِمَنْ يَأْتِي لِلصَّلَاةِ مَعَهُمْ مِنْ إمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَازِلُ يَنْصَرِفُونَ إلَيْهَا، وَإِلَّا نُدِبَ لَهُمْ الْجَمْعُ اسْتِقْلَالًا قَالَهُ كَرِيمُ الدِّينِ الْبَرْمُونِيُّ.