الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أى: لأمر عظيم.. وعلى كلا المعنيين فالمقصود أنهم لا وزن لهم بجانب قدرة الله- تعالى-.
و «هنالك» صفة لجند، أو ظرف لمهزوم. وهو إشارة إلى المكان البعيد.
و «مهزوم» خبر ثان للمبتدأ المقدر، وأصل الهزم: غمز الشيء اليابس حتى يتحطّم ويكسر.
يقال: تهزّمت القربة، بمعنى يبست. وتكسرت. وهزم الجيش بمعنى غلب وكسر.
والمعنى: هؤلاء المشركون- أيها الرسول الكريم- لا تهتم بأمرهم، ولا تكترث بجموعهم، فهم سواء أكانوا قليلين أم كثيرين، لا قيمة لهم بجانب قوتنا التي لا يقف أمامها شيء، ومهما تحزبوا عليك فهم جند مهزومون ومغلوبون أمام قوة المؤمنين في مواطن متعددة.
فالآية الكريمة بشارة للمؤمنين بالنصر على أعدائهم كما قال- تعالى-: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ.
قال صاحب الكشاف: قوله: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ يريد ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل الله مهزوم مكسور عما قريب، فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث لما به يهذون، و «ما» مزيدة، وفيها معنى الاستعظام
…
إلا أنه على سبيل الاستهزاء بهم. وهُنالِكَ إشارة حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم، من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله: لست هنالك «1» .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت أقوال المشركين، وردت عليها ردا يكبتهم ويزهق باطلهم، وختمت بما يبشر المؤمنين بالنصر عليهم.
ثم ساق- سبحانه- جانبا مما أصاب السابقين من دمار حين كذبوا رسلهم لكي يعتبر المشركون المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم ولكي يقلعوا عن شركهم حتى لا يصيبهم ما أصاب أمثالهم من المتقدمين عليهم، فقال- تعالى-:
[سورة ص (38) : الآيات 12 الى 16]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَاّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (15) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16)
(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 75.
فقوله- تعالى-: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ
…
استئناف مقرر لوعيد قريش بالهزيمة.
ولوعد المؤمنين بالنصر. وتأنيث قوم باعتبار المعنى، وهو أنهم أمة وطائفة.
أى: ليس قومك- يا محمد- هم أول المكذبين لرسلهم، فقد سبقهم إلى هذا التكذيب قوم نوح، فكانت عاقبتهم الإغراق بالطوفان.
وسبقهم- أيضا- إلى هذا التكذيب قوم عاد، فقد كذبوا نبيهم هودا، فكانت عاقبتهم الإهلاك بالريح العقيم. التي ما أتت على شيء إلا جعلته كالرميم.
وقوله: وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ معطوف على ما قبله أى: وكذب- أيضا- فرعون رسولنا موسى- عليه السلام.
وقوله: ذُو الْأَوْتادِ صفة لفرعون. والأوتاد: جمع وتد، وهو ما يدق في الأرض لتثبيت الشيء وتقويته.
والمراد بها هنا: المبانى الضخمة العظيمة، أو الجنود الذين يثبتون ملكه كما تثبت الأوتاد البيت، أو الملك الثابت ثبوت الأوتاد.
قال الآلوسى ما ملخصه: والأصل إطلاق ذي الأوتاد على البيت المشدود والمثبت بها، فشبه هنا فرعون في ثبات ملكه.. ببيت ثابت ذي عماد وأوتاد..
أو المراد بالأوتاد الجنود: لأنهم يقوون ملكه كما يقوى الوتد الشيء. أو المراد بها المبانى العظيمة الثابتة.
ويصح أن تكون الأوتاد على حقيقتها فقد قيل إنه كان يربط من يريد قتله بين أوتاد متعددة، ويتركه مشدودا فيها حتى يموت.. «1» .
أى: وفرعون صاحب المبانى العظيمة، والجنود الأقوياء، والملك الوطيد
…
كذب رسولنا موسى- عليه السلام، فكانت عاقبة هذا التكذيب أن أغرقناه ومن معه جميعا من جنوده الكافرين.
(1) تفسير الآلوسى ج 23 ص 170.
وكذب- أيضا- قوم ثمود نبيهم صالحا، وقوم لوط نبيهم لوطا، وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب. كذبوه كذلك- فكانت نتيجة هذا التكذيب الإهلاك لهؤلاء المكذبين- كما قال- تعالى-: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ «1» .
والإشارة في قوله- تعالى-: أُولئِكَ الْأَحْزابُ تعود إلى هؤلاء الأقوام المكذبين لرسلهم وسموا بالأحزاب، لأنهم تحزبوا ضد رسلهم، وانضم بعضهم إلى بعض في تكذيبهم، ووقفوا جميعا موقف المحارب لهؤلاء الرسل الكرام.
وقوله- سبحانه- إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ استئناف مقرر لما قبله من تكذيب هؤلاء الأقوام لرسلهم، وبيان للأسباب التي أدت إلى عقاب المكذبين.
و «إن» هنا نافية، ولا عمل لها لانتقاض النفي بإلا. و «إلا» أداة استثناء مفرغ من أعم الصفات أو الأحكام: وجملة «كذب الرسل» في محل رفع خبر «كل» .
أى: ليس لهؤلاء الأقوام من صفات سوى تكذيب الرسل، فكانت نتيجة هذا التكذيب أن حل بهم عقابي وثبت عليهم عذابي. الذي دمرهم تدميرا.
والإخبار عن كل حزب من هذه الأحزاب بأنه كذب الرسل، إما لأن تكذيب كل حزب لرسوله يعتبر من باب التكذيب لجميع الرسل لأن دعوتهم واحدة، وإما من قبيل مقابلة الجمع بالجمع، والمقصود تكذيب كل حزب لرسوله.
وقد جاء تكذيبهم في الآية السابقة بالجملة الفعلية «كذبت قبلهم
…
» وجاء في هذه الآية بالجملة الاسمية: لبيان إصرارهم على هذا التكذيب، ومداومتهم عليه، وإعراضهم عن دعوة الرسل لهم إعراضا تاما.
وقوله- سبحانه-: وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ. بيان للعذاب المعد للمشركين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم بعد بيان العقاب الذي حل بالسابقين.
والمراد بالصيحة هنا: النفخة الثانية التي ينفخها إسرافيل في الصور، فيقوم الخلائق من قبورهم للحساب والجزاء.
وقيل المراد بها النفخة الأولى، وضعف هذا القول بأنهم لن يكونوا موجودين وقتها حتى يصعقوا بها..
(1) سورة العنكبوت الآية 40. [.....]
وينظرون هنا بمعنى ينتظرون. وجعلهم- سبحانه- منتظرين للعقاب مع أنهم لم ينتظروه على سبيل الحقيقة للإشعار بتحقق وقوعه، وأنهم بصدد لقائه، فهم لذلك في حكم المنتظرين له.
أى: وما ينتظر هؤلاء المشركون الذين هم أمثال المهلكين من قبلهم، إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً أى: نفخة واحدة ينفخها إسرافيل فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ، وهذه النفخة ما لَها مِنْ فَواقٍ أى: ليس لها من توقف وانتظار حتى ولو بمقدار فواق ناقة وهو الزمن الذي يكون بين الحلبتين، أو الزمن الذي يكون فيه رجوع اللبن في الضرع بعد الحلب.
والمقصود بيان أن هذه الصيحة سريعة الوقوع، وأنها لن تتأخر عن وقتها، وأنها صيحة واحدة فقط يتم بعدها كل شيء يتعلق بالبعث والجزاء.
قال الجمل في حاشيته ما ملخصه: قوله: ما لَها مِنْ فَواقٍ يجوز أن يكون قوله لَها رافعا لقوله: مِنْ فَواقٍ على الفاعلية لاعتماده على النفي.
وأن يكون جملة من مبتدأ وخبر، وعلى التقديرين فالجملة المنفية صفة لصيحة، ومن مزيدة..
والفواق- بفتح الفاء وضمها- الزمان الذي بين حلبتى الحالب ورضعتى الراضع- والمعنى: ما لها من توقف قدر فواق ناقة. وفي الحديث: «العيادة قدر فواق ناقة» .. «1» .
ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة، ببيان ما جبل عليه هؤلاء المشركون من جهالات وسفاهات، حيث تعجلوا العقاب قبل وقوعه بهم، فقال- تعالى-: وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ.
والقطّ: النصيب والقطعة من الشيء. مأخوذ من قط الشيء إذا قطعه وفصله عن غيره.
فهم قد أطلقوا القطعة من العذاب على عذابهم، باعتبار أنها مقتطعة من العذاب الكلى المعد لهم ولغيرهم.
أى: وقال هؤلاء المشركون الجاهلون يا ربنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا أى عجل لنا نصيبنا من العذاب الذي توعدتنا به، ولا تؤخره إلى يوم الحساب.
وتصدير دعائهم بنداء الله- تعالى- بصفة الربوبية، يشعر بشدة استهزائهم بهذا العذاب الذي توعدهم الله- تعالى- به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 3 ص 564.