المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة ص (38) : الآيات 65 الى 88] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ١٢

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌تفسير سورة يس

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 20 الى 32]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 33 الى 44]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 55 الى 64]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 65 الى 68]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 77 الى 83]

- ‌تفسير سورة الصّافّات

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 6 الى 10]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 11 الى 21]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 22 الى 39]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 40 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 50 الى 61]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 62 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 82]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 83 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 122]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 123 الى 132]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 133 الى 138]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 139 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 170]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 171 الى 182]

- ‌تفسير سورة ص

- ‌مقدمة

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 17 الى 26]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 30 الى 40]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 45 الى 48]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 49 الى 64]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 65 الى 88]

- ‌تفسير سورة الزّمر

- ‌مقدّمة

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 10 الى 16]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 23 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 32 الى 37]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 38 الى 44]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 45 الى 52]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 53 الى 59]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 71 الى 75]

- ‌تفسير سورة غافر

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 12]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 13 الى 22]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 23 الى 27]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 28 الى 35]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 36 الى 46]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 47 الى 55]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 61 الى 68]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 69 الى 78]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 79 الى 85]

- ‌تفسير سورة فصّلت

- ‌مقدمة وتمهيد

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 19 الى 24]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 30 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 40 الى 46]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 47 الى 54]

الفصل: ‌[سورة ص (38) : الآيات 65 الى 88]

أى: إن ذلك الذي قصصناه عليك- أيها الرسول الكريم- من تخاصم أهل النار فيما بينهم وتلاعنهم.. حق لا شك فيه، وثابت ثبوتا لا يختلف عليه عاقلان.

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ساقت بأبلغ بيان ما أعده الله- تعالى- للمتقين من ثواب، وما أعده للطاغين من عقاب.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، بتلقين رسوله صلى الله عليه وسلم الرد الذي يرد به على المشركين المعترضين على دعوته، وببيان موقف إبليس من أمر الله- تعالى- له بالسجود لآدم، وببيان ما أعده- سبحانه- لإبليس وجنده من عذاب. فقال- تعالى-:

[سورة ص (38) : الآيات 65 الى 88]

قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَاّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)

إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَاّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَاّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74)

قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)

قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)

ص: 178

والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المشركين: إنما وظيفتي الإنذار والتخويف لكم من عذاب شديد، إذا بقيتم على كفركم، وأعرضتم عن دعوتي.

واقتصر على الإنذار مع أنه مبشر- أيضا- لأنه المناسب لردهم عن شركهم، وعن وصفهم له تارة بأنه ساحر، وأخرى بأنه كاهن.. إلخ.

وقوله- سبحانه-: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ. رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ نفى لكل شريك مع الله- تعالى- في ذاته، أو صفاته، أو في خلقه لهذا الكون. أى: ليس هناك من إله سوى الله- تعالى- في هذا الكون، وهو- سبحانه- الواحد الأحد، القاهر فوق عباده، الموجد للسموات والأرض وما بينهما، الغالب لكل شيء، الكثير المغفرة لمن يشاء من عباده.

فأنت ترى أنه- سبحانه- قد وصف ذاته في هاتين الآيتين بخمس صفات تليق بذاته وببيان أن الشرك به- سبحانه- في العبادة أو الطاعة ظلم عظيم وجهل فاضح.

ثم أمر- سبحانه- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن ما جاءهم به من عند ربه أمر عظيم، لا يليق بعاقل أن يعرض عنه فقال: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ.

أى: قل- يا محمد- لهؤلاء المشركين: إن ما جئتكم به من عند ربي من قرآن كريم، ومن هدايات بها تسعدون في دنياكم وآخرتكم، هو خبر عظيم، يجب أن تلقوا إليه أسماعكم، وأن تهيئوا نفوسكم لقبوله.. ولكنكم قابلتموه بالإعراض والصدود، لفرط غفلتكم، وشدة جهالتكم، وتماديكم في كفركم.

فالآية الأولى دعوة هامة لهم لكي يقلعوا عن شركهم، والآية الثانية توبيخ لهم على عنادهم حيث تركوا ما ينفعهم، وعكفوا على ما يضرهم.

ثم نفى صلى الله عليه وسلم عن نفسه أن يكون عنده علم بشيء من أخبار الملأ الأعلى، إلا عن طريق الوحى فقال- كما حكى القرآن عنه: ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ

ص: 179

يَخْتَصِمُونَ

. والمراد بالملإ الأعلى: عالم السموات وما فيه من ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

قال القرطبي: الملأ الأعلى هم الملائكة في قول ابن عباس والسدى. اختصموا في أمر آدم حين خلق، فقالوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ.. وقال إبليس: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.

وفي هذا بيان أن محمدا صلى الله عليه وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلهى

» «1» .

وقال ابن كثير: وقوله: ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ أى: لولا الوحى من أين كنت أدرى باختلاف الملأ الأعلى. يعنى في شأن آدم، وامتناع إبليس من السجود له، ومحاجته ربه في تفضيله عليه..؟» «2» . فالآية تنفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم علم شيء من أخبار الملأ الأعلى إلا عن طريق الوحى.

وجملة «إن يوحى إلى إلا أنما أنا نذير مبين» معترضة بين إيراد اختصامهم على سبيل الإجمال، ثم إيراده في الآيات الآتية بعد ذلك على سبيل التفصيل.

و «إن» نافية. ونائب فاعل «يوحى» ضمير تقديره هو يعود على المفهوم مما سبق.

وهو شأن الملأ الأعلى، و «أنما» بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل.

أى: ليس لي من علم بما يدور في الملأ الأعلى إلا عن طريق الوحى، وهذا الوحى لا ينزل على إلا من أجل أنى رسول من عند الله- تعالى- أنذركم بما يكلفني به إنذارا واضحا بينا.

ثم فصل- سبحانه- هذا التخاصم الذي أشار إليه- سبحانه- قبل ذلك في قوله:

ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ، فقال: إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ.

و «إذ» في قوله إِذْ قالَ رَبُّكَ

بدل من قوله إِذْ يَخْتَصِمُونَ، لاشتمال ما في حيزها على تفصيل تلك الخصومة. وقيل: هي منصوبة بتقدير اذكر.

قالوا: والمراد بالملائكة هنا، ما يشمل إبليس، بدليل أن الأمر بالسجود لآدم كان للجميع، وأنهم جميعا امتثلوا لأمر الله- تعالى- ما عدا إبليس.

(1) تفسير القرطبي ج 15 ص 226.

(2)

تفسير ابن كثير ج 7 ص 70. [.....]

ص: 180

والمراد بالبشر: آدم- عليه السلام مأخوذ من مباشرته للأرض، أو من كونه ظاهر البشرة، أى الجلد والهيئة. أى: لم يكن لي من علم بالملإ الأعلى وقت اختصامهم، حين قال الله- تعالى- للملائكة ومعهم إبليس: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ هو آدم- عليه السلام. فإذا صورته على صورة البشر، وأفضت عليه ما به الحياة من الروح التي هي من أمرى- ولا علم لأحد بها سواي، فاسجدوا له سجود تحية وتكريم.

ولا تعارض بين وصف آدم هنا بأنه خلق من طين، وبين وصفه في آيات أخرى بأنه خلق من تراب، أو من صلصال من حمأ مسنون، فإن المادة التي خلق منها آدم وإن كانت واحدة، إلا أنها مرت بمراحل متعددة، وكل آية تتحدث عن مرحلة معينة.

وأضاف- سبحانه- الروح إلى ذاته، للإشعار بأن هذه الروح لا يملكها إلا هو- تعالى-، وأن مرد كنهها وكيفية هذا النفخ، مما استأثر- سبحانه- به، ولا سبيل لأحد إلى معرفته، كما قال- تعالى-: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «1» .

والفاء في قوله: فَقَعُوا لَهُ

جواب إذا. والمراد بالوقوع: السقوط أى:

فاسقطوا وخروا له حالة كونكم ساجدين له بأمرى وإذنى، على سبيل التحية له، لأن السجود بمعنى العبادة لا يكون لغير الله- تعالى-.

ثم بين- سبحانه- ما كان بعد ذلك فقال: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ.

أى: امتثل الملائكة لأمر الله- تعالى- فسجدوا جميعا لآدم في وقت واحد، إلا إبليس فإنه أبى الامتثال لأمر ربه، واستكبر عن طاعته، وصار بسبب ذلك من الكافرين الجاحدين لأمر الله- تعالى-.

قال صاحب الكشاف: ولفظ «كل» للإحاطة و «أجمعون» : للاجتماع، فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم، ما بقي منهم ملك إلا سجد، وأنهم سجدوا جميعا في وقت واحد، غير متفرقين في أوقات.

فإن قلت: كيف ساغ السجود لغير الله؟ قلت: الذي لا يسوغ هو السجود لغير الله على

(1) سورة الإسراء الآية 85.

ص: 181

وجه العبادة فأما على وجه التكرمة والتبجيل، فلا يأباه العقل، إلا أن يعلم الله تعالى فيه مفسدة فينهى عنه «1» .

ثم حكى- سبحانه- ما قاله لإبليس حين عصى أمره فقال: قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ....

ومذهب السلف في مثل هذا التعبير، أن اليد- مفردة أو غير مفردة- إذا وصف الله تعالى بها ذاته، فهي ثابتة له، على الوجه الذي يليق بكماله، مع تنزهه- سبحانه- عن مشابهته للحوادث.

ومذهب الخلف: تأويل اليد بالقدرة أو النعمة. والتثنية في يدي، للتأكيد الدال على مزيد القدرة في خلقه. أى: قال الله- تعالى- لإبليس على سبيل التأنيب والتقريع: يا إبليس ما الذي منعك من السجود لآدم الذي خلقته بيدي؟

أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ. أى: أمنعك من السجود لآدم تكبرك من غير موجب لهذا التكبر، أم كنت ممن علا على غيره بدون حق؟ والاستفهام للتوبيخ والإنكار.

قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ أى: قال إبليس في الجواب على ربه- تعالى-: أنا خير من آدم.

خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فهو- لعنه الله- يرى أن النار أفضل من الطين، ولا يصح سجود الفاضل للمفضول.

ولا شك أن هذا التعليل من إبليس في نهاية سوء الأدب، لأنه بعدم سجوده قد عصى رب العالمين، وفضلا عن ذلك فإن هذه العلة لا تقتضي صحة المدعى، لأن النار ليست خيرا من الطين حتى يكون المخلوق منها أفضل، إذ النار يطفئها الطين..

وقد رد- سبحانه- على هذا التطاول من إبليس بقوله: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ.

والفاء في قوله فَاخْرُجْ لترتيب الأمر بالطرد على ما حدث منه. والضمير في «منها» يعود إلى السماء، أو إلى الجنة، لأنه كان فيهما.

أى: قال- تعالى- لإبليس على سبيل الزجر: مادمت يا إبليس قد عصيت أمرى، فاخرج من الجنة ومن كل مكان فيه تكريم لك، فإنك رجيم، أى: مطرود من رحمتي. وإن عليك لعنتي وغضبى إلى يوم القيامة، فإذا ما جاء هذا اليوم ازدادت لعنتي عليك.

(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 105.

ص: 182

قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي أى: فأمهلنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أى: فأخرنى ولا تمتنى إلى يوم البعث، لأتمكن من إغواء ذرية آدم.

قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ أى: قال- سبحانه- قد أجبت لك ما تقتضيه حكمتى، وهو أنى سأؤخر إهلاكك إلى الوقت الذي حددته لفناء الخلائق وهو وقت النفخة الأولى، لا إلى وقت البعث الذي طلبه إبليس.

قالَ أى: إبليس فَبِعِزَّتِكَ أى: فبحق سلطانك وقهرك لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ أى: لأغوين بنى آدم جميعا بالمعاصي، ولأضلنهم ولأمنينهم إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فلا يتأثرون بإغوائى، لأنى لا قدرة لي عليهم.

قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

وقوله فَالْحَقُّ مبتدأ محذوف الخبر أى: فالحق قسمي لأملأن.. وقوله: وَالْحَقَّ أَقُولُ لفظ الحق منصوب هنا على أنه مفعول لأقول، قدم عليه لإفادة الحصر.

والجملة من الفاعل والمفعول معترضة بين القسم والمقسم عليه لتقرير مضمون الجملة القسمية. أى: قال الله- تعالى- في رده على إبليس: فالحق قسمي ويميني- ولا أقول إلا الحق- لأملأن جهنم من جنسك يا إبليس، وممن تبعك من الناس جميعا، لأن هذا جزاء من عصاني.

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة، بأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس، أنه لا يريد من وراء دعوته عرضا زائلا من أعراض الدنيا فقال قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ. وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.

أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المشركين وغيرهم: إنى لا أسألكم أجرا على تبليغكم ما أمرنى الله بتبليغه إليكم، وما أنا من الذين يتكلفون ويتصنعون القول أو الفعل الذي لا يحسنونه، بل أنا رسول من عند الله وصادق فيما أبلغه عنه.

وما هذا القرآن الذي جئتكم به من عند ربي، إلا وعظ بليغ للثقلين، وشرف عظيم لهما في اتباع أوامره ونواهيه.

لتعلمن- أيها الناس- صدق ما أخبركم به من وعد ومن وعيد بعد وقت محدد في علم الله- تعالى-.

ص: 183

وبعد: فهذا تفسير لسورة «ص» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه، ونافعا لعباده.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؟.

كتبه الراجي عفو ربه محمد سيد طنطاوى القاهرة- مدينة نصر- صباح الثلاثاء 4 من ذي الحجة سنة 1405 هـ الموافق 20/ 8/ 1985 م

ص: 184