الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاف- من التنكيس. وقرأه الباقون: نُنَكِّسْهُ- بفتح النون الأولى وضم الكاف- من نكست الشيء أنكسه نكسا إذا قلبته على رأسه فانتكس.
قال قتادة: المعنى: أنه يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا
…
قال الشاعر:
من عاش أخلقت الأيام جدّته
…
وخانه ثقتاه السمع والبصر
فطول العمر يصير الشباب هرما، والقوة ضعفا، والزيادة نقصا.. وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر..» «1» .
والمعنى: «ومن نطل عمره ننكسه في الخلق» أى: نرده إلى أرذل العمر، فنجعله- بقدرتنا- ضعيفا بعد أن كان قويا، وشيخا بعد أن كان شابا فتيا، وناقص العقل بعد أن كان مكتمله
…
أَفَلا يَعْقِلُونَ ذلك- أيها الناس- مع أنه من الأمور المشاهدة أمام أبصاركم، وتعرفون أن من قدر على تحويل الإنسان من ضعف إلى قوة، ومن قوة إلى ضعف.. قادر- أيضا- على إعادته إلى الحياة مرة أخرى بعد موته.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً، يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ «2» .
وقوله- سبحانه- وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً «3» .
وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد هددت الكافرين بسوء المصير إذا استمروا في كفرهم، وبينت جانبا من فضل الله- تعالى- عليهم، لعلهم يفيئون إلى رشدهم، ويشكرونه على نعمه.
ثم رد- سبحانه- على الكافرين الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر، كما قالوا عن القرآن أنه شعر، فقال- تعالى-:
[سورة يس (36) : الآيات 69 الى 70]
وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70)
(1) تفسير القرطبي ج 15 ص 51.
(2)
سورة الروم آية 54.
(3)
سورة النحل الآية 70.
أى: وما علّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم الشعر وإنما الذي علمناه إياه هو القرآن الكريم، المشتمل على ما يسعد الناس في دنياهم وفي آخرتهم.
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة، نفى أن يكون القرآن شعرا بأبلغ وجه لأن الذي علمه الله- تعالى- لنبيه هو القرآن وليس الشعر، وما دام الأمر كذلك فالقرآن ليس شعرا.
وقوله- تعالى-: وَما يَنْبَغِي لَهُ. أى: ما علمناه الشعر، وإنما علمناه القرآن، فقد اقتضت حكمتنا أن لا نعجل الشعر في طبعه صلى الله عليه وسلم ولا في سليقته، فحتى لو حاوله- على سبيل الفرض- فإنه لا يتأتى له، ولا يسهل عليه ولا يستقيم مع فطرته صلى الله عليه وسلم.
والضمير في قوله- تعالى-: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ يعود إلى القرآن الكريم:
أى: ما هذا القرآن الكريم إلا ذكر من الأذكار النافعة، والمواعظ الناجحة، والتوجيهات الحكيمة، وهو في الوقت نفسه قُرْآنٌ مُبِينٌ أى: كتاب مقروء من الكتب السماوية الواضحة، التي لا تختلط ولا تلتبس بكلام البشر.
وقد أنزلناه على الرسول الكريم لِيُنْذِرَ به مَنْ كانَ حَيًّا.
أى: من كان مؤمنا عاملا ذا قلب حي، ونفس نقية، وأذن واعية، لأن من كانت هذه صفاته انتفع بالإنذار والتذكير.
وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ أى: أن من كان ذا قلب فإنه ينتفع بالإنذار، أما من كان مصرا على كفره وضلاله، فإن كلمة العذاب قد حقت عليه، وصارت نهايته الإلقاء به في جهنم وبئس القرار.
وقد تكلم المفسرون هنا كلاما مفصلا. عن كون القرآن ليس شعرا، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم ليس شاعرا، وعلى رأسهم صاحب الكشاف فقد قال ما ملخصه: كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه شاعر. فرد عليهم بقوله: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ أى: أن القرآن ليس بشعر، وأين هو من الشعر. والشعر إنما هو كلام موزون مقفى يدل على معنى، فأين الوزن؟ وأين التقفية؟
وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء من معانيه؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه
…
وَما يَنْبَغِي لَهُ أى: وما يصح له، ولا يتطلبه إن طلبه، أى: جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له، ولم يتسهل كما جعلناه أميا.. لتكون الحجة أثبت، والشبهة أدحض
…