المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌جفر نما عند الشيعة، منذ عهد متقدم جدًّا، اعتقاد بأن أحفاد - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١٠

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌جفر نما عند الشيعة، منذ عهد متقدم جدًّا، اعتقاد بأن أحفاد

‌جفر

نما عند الشيعة، منذ عهد متقدم جدًّا، اعتقاد بأن أحفاد على قد توارثوا سننًا باطنة، هي طائفة من العلوم الدينية والسياسية الخفية تحيط بجميع الأشياء حتى يوم الميعاد، وتطور تبجيل المسلمين جميعًا لأهل البيت، فغدا عند الشيعة اعتقادًا بأن الأئمة لا يرتكبون كبيرة ولا صغيرة. ومن ثم نسب إلى على كتاب يتضمن المعاني الباطنة للقرآن (ابن سعد، جـ 2، ص 101، 191) وهو يعارض معارضة ملحوظة تفسير ابن عباس السنى وذكر بشر بن المعتمر المعتزلى في القرن الثالث الهجرى كتابًا وهم الخوارج أنه كتاب الجفر (الجاحظ: كتاب الحيوان، جـ 6، ص 94). ويشير ابن قتيبة المتوفى عام 276 هـ إلى هذا الكتاب. ونقل الدميرى في كتاب الحيوان (مادة جفر، جـ 1، ص 171 طبعة سنة 1313) عن كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة أن الجفر هو- على ما يقال - كتاب كتبه لآل البيت جعفر بن محمد الصادق (الإمام السادس المتوفى عام 168) على جلد جفر (والجفرة ما بلغت أربعة أشهر من أولاد المعز وفصلت عن أمها) وفيه كل ما يحتاجون إلى علمه وكل ما يكون إلى يوم القيامة. ولم ترد هذه الفقرة على ما يظهر في نص كرونرت - Grue nert، ولعل الدميرى التبس عليه اسم كتاب ابن قتيبة لأن ابن خلكان يذكر أن في كتاب مختلف الحديث لابن قتيبة فقرة بهذا المعنى زاد عليها بعض أسطر لهارون بن سعد (أو سعيد) العجلي رأس الزيدية يسخر فيها من هذا الادعاء (ابن خلكان، النص طبعة ده سلان؛ ص 432 وترجمة ده سلان جـ 2، ص 184؛ النص، طبعة فستنفلد رقم 419؛ Goldziher في Zeitschr. d. D. Mot- genl Ges.، جـ 41، ص 123؛ Fried- laender في Journ. Am. Or. Soc جـ 29، 106) والحق أن أسلوب ابن قتيبة في اشتقاق الأسماء مشكوك فيه إلى حد كبير، فليس دليل على استعمال كلمة جفر بمعنى الرق أو الجلد. ويفترض فإن فلوتن Van Vloten وجود صلة بين هذه الكلمة والكلمة اليونانية " كرافى"(انظر Chiitisem ص 56، تعليق 6) أما كولدتسيهر C.oldziher فيصلها بكلمة

ص: 3125

جعفر، والأغرب من هذا ابن النديم صاحب الفهرست أشار في مواضع كثيرة من كتابه إلى جعفر الصادق (ص 178، 198، 224، 317، 355) ووصل بينه وبين جابر بن حيان الكيميائى في غير ما تردد (ص 355) كما أنه تساءل تساؤل المتشكك في صحة نسبة كتاب طبى في الإهليلج إلى جابر (ص 317) ومع ذلك فلم يذكر قط كلمة "الجفر". ويردّ إلى صاحب الفهرست أيضًا القول بأن لعلي بن يقطين (ص 224) مؤلفا اسمه كتاب الملاحم، ومن الواضح أن مثل هذه الكتب كانت شائعة في بيئته وثمة مؤلف آخر اسمه كتاب الملاحم (ص 223) ومؤلف اسمه كتاب الكشف (ص 222)، على أنه لا شك في أن الجفر يدخل في كتب الملاحم، ومع ذلك فإن الشيعة جميعًا يؤكدون وجود هذا الكتاب الخفى المنزه عن الخطأ. وإذا تحدث كاتب شيعى عن كيفية اختيار المأمون العلوى علي بن موسى الرضى (وهو الإمام الثامن من الأئمة الأثنى عشرة) خليفة له فإنه يزيد على ذلك دائمًا أن عليًّا لما قبل ذلك كتب إلى المأمون قائلا: وإن كان الجفر والجامعة يدلان على ضد ذلك (انظر على سبيل المثال الفخرى؛ ص 198، طبعة القاهرة سنة 1317 هـ) والجامعة كتاب آخر مماثل للجفر يتردد ذكره في هذه المناسبة، ويمكن الرجوع في شأن هذا الكتاب إلى كولدتسيهر (Goldziher: Beitr Z. Liter. d Shi'a ص 55 والتعليق) كما أن ثمة مذهبًا طريفًا في أصل هذا الكتاب يربطه برسائل إخوان الصفا؛ ويرجع في شأن هذا المذهب إلى كازانوفا (Casanova في المجلة الأسيوية، المجموعة التاسعة، جـ 11، ص 151 وما بعدها). على أن هناك كتابًا آخر مماثلا له هو "مصحف فاطمة"(انظر Goldziher، المصدر السابق).

ويربط الجفر دائمًا بحادث تاريخي آخر هو ظهور ابن تومرت في المغرب، فقد كان المأثور عند الموحدين أن مهديهم كان تلميذًا مقربًا للغزالى، والغزالى هو الأمين على كتاب الجفر لذلك العهد. أما أن الغزالى قد عرف من كتاب الجفر بمستقبل ابن تومرت العظيم وبانتقال هذا الكتاب من بعده

ص: 3126

إلى ابن تومرت فأمر يرجع فيه إلى مقالى عن حياة الغزالى (Macdonald: Journ. Am. Or. Soc.، جـ 20، ص 113 كما يرجع بصفة خاصة إلى كتاب "القرطاس " ص 116 وما بعدها، ونضيف إلى ذلك كتاب "سر العالمين " المشكوك في نسبته، ص 2، طبعة بومباى سنة 1314 هـ)، أما رأى أصحاب التقدير السليم الذين لا يسلمون بأمر إلا بعد روية وتدبر فيلتمس عند البيرونى وابن خلدون، فالبيرونى المتوفى عام 440 يتحدث في كتابه الآثار الباقية (Chronology ترجمة سخاو، ص 76، 182) باحترام بالغ عن الصادق ولكنه يضيق بالأقوال التي تؤكد أن له تقويما في حين أنه منحول له، وهو لا يذكر شيئًا عن الجفر. ويتكلم ابن خلدون عن الجفر في حديثه عن كتب الملاحم (نص كاترمير - Qua termere جـ 2، ص 184، 191، طبعة بولاق عام 1274، ص 162، 164، ترجمة ده سلان، جـ 2، ص 214، 224) وهو يعتقد أن الله قد خص آل البيت كما خص جميع الأولياء بكرامة النبوة.

وإذن فمن المحتمل أن يكون جعفر الصادق قد ألف هذا الكتاب، ولكن ابن خلدون لم يجد دليلا ما على هذه النسبة، وهو يظن أن الفقرات المتداولة من هذا الكتاب تتصل بكتاب يسمى الجفر كان في حوزة هارون بن سعيد العجلي، ويقول العجلي إنه انتقل إليه من جعفر الصادق، وليس ثمة دليل يثبت هذا الانتقال. ويقول ابن خلدون أيضًا أن هناك آثارًا لكتاب آخر يسمى الجفر ألفه يعقوب بن إسحاق الكندى منجم هارون الرشيد، وهو يستطلع النجوم للتنبؤ بمصائر الدولة الإسلامية متوسلا إلى ذلك بالقرانات الفلكية. وقد فقد هذا الكتاب بأكمله. وإلى هنا كان الجفر لا يرتبط إلا بالخطاب المحمدى والحسبانات التنجيمية (انظر De Goeje: Memoire sur les Caramathes ص 115 وما بعدها)، ولكن نشأ بمرور الزمن اعتقاد بأن المعاني في علم الجفر يرمز إليها بحروف مستقلة، ومن ثم أصبح علم الجفر يدل على علم الجروف وهو طريقة التنبؤ يجعل حروف الأبجد تدل على أعداد (حاجى خليفة، جـ 2، ص 603 وما بعدها). ويفرد ابن خلدون

ص: 3127

لعلم السيمياء فصلًا خاصًّا من كتابه (Quatremere جـ 3، ص 137 وما بعدها ، de Slane جـ 3، ص 188 وما بعدها، طبعة بولاق ص 245 وما بعدها) ولكنه لا يجعل هذا العلم صلة بجعفر أو الجفر. على أننا نستبين من شرح ابن خلدون لهذا العلم أنه نقل المذهب الأسمى nominalism نقلا سقيما، ولا شك في أن القول بأن الحروف بناء مستقل بالدلالة والتسليم بأن فهم الخطاب المحمدى لا يكون إلا بمعرفة علم اللسان العربي كانا فيما يظهر السبب في تحول مدلول الجفر من المعنى الأول إلى المعنى الثاني (كشاف اصطلاحات الفنون، جـ 1، ص 202 وما بعدها، ص 127 - 231 ومادة بسط فيه، وجف بمعنى علم الحروف). وقد أصبح هذا المعنى المدلول الغالب على كلمة جفر.

وإذا أردت زيادة في البيان أو المراجع أو الشواهد على وجود رسائل أو قطع تحمل اسم الجفر فارجع إلى كتاب بروكلمان Brockelmann جـ 1، ص 44 س 11؛ ص 220 والتعليق؛ ص 446 [ابن عربي، رقم 77، 78، 80] ص 464 [رقم 5، 6]؛ المرادى: سلك الدرر، جـ 1، ص 51، وهناك ترجمة تركية لكتاب جفر الأقياجى؟ ما زالت من غير شك محفوظة في مكتبة السلطان بالآستانة؛ Ahlwradt في Ber- . lin Cat جـ 3، ص 551 وما بعدها؛ Rieu في ملحق المخطوطات العربية بالمتحف البريطانى، رقم 828 أما فيما يختص باستعمال الجفر في الكتب السائرة فانظر قصة عطّاف في ألف ليلة وليلة ترجمة Burton، جـ 12، ص 114 وما بعدها. والكتاب محفوظ في مكتبة هارون الرشيد وكان يرجع إليه.

المصادر:

(1)

Vorlesungen: Goldziber ص 224 وما بعدها، 263 وما بعدها.

(2)

Magie et Religion: Doutte ص 177 وما بعدها (عن علم الحروف.

(3)

Monuments musul-: Reinaud mans جـ 1، ص 346 وما بعدها، 370 وما بعدها.

[ماكدونالد D. B . Macdonald]

ص: 3128

+ جفر: يتمتع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بإجلال خاص بين الشيعة، ويقوم هذا على أساس الاعتقاد بأن ذرية فاطمة ورثوا بعض صفات النبي [صلى الله عليه وسلم]، ومفهوم الشيعة للنبوة، (انظر Die Person Mu-: : Tor Andrae hammeds in Lehre and Glauben Seiner Gemeinde، ستوكهلم سنة 1918، الفصل السادس) جعل الوحى ينتقل من آدم إلى محمد، ومن محمد إلى العلويين (انظر H. H. Schaeder في Zeischr der Deutsch Morgenl. Gesells، عدد 79، سنة 1925، ص 214 ما بعدها). وكان بنو هاشم- الذي ينتمى اليهم علي بن أبي طالب- قد ظلوا منذ وقت طويل يرون أنهم افضل من بنى أمية، لأن فيهم النبوة. ويروى أن أبا سفيان شاهد، بعد دخوله في الإسلام، جيوش محمد صلى الله عليه وسلم، تتأهب صفوفًا لفتح مكة فقال للعباس عم النبي، وكان يقف إلى جانبه:"لقد أصبح مُلك ابن أخيك عظيما" فقال له العباس: "ويحك! إنها لنبوة! "(الطبري، جـ 3، ص 1633).

وفي حديث باطنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يحتضر لعلى بن أبي طالب أن غسلنى يا عليّ إذا متّ، وكفنى وضعنى على سريرى فأخبرك بما يحدث إلى قيام الساعة. فلما توفى صلى الله عليه وسلم غسله عليّ وكفنه ووضعه على سريره، فأخبره محمد صلى الله عليه وسلم بما يحدث إلى قيام الساعة. (الجَعفْى أو الكتاب المنحول له، وترسم الخعْفى، انظر F. Wuestenfeld: Register. ص 7 و 13، كتاب الهَفْت والأظلة، طبعة أ. تامر، أ. خليفة، بيروت سنة 1960، ص 135؛ انظر فيما يختص بكتاب الجفر المنسوب إلى عليّ، Brockelmann: القسم الأول، ص 75). وهنا تتحدد بوضوح بداية الجفر، الذي كان في الأصل هو عين الحدثان والملاحم.

وفي غمرة الصراع المرير الذي خاضه من أجل الخلافة أولاد على- الذين انقسموا على أنفسهم قبل الأوان، وأضعفوا شوكتهم وتعرضوا للاضطهاد الشديد وسقطوا ضحايا له، وبخاصة عام 237 هـ (851 م) أيام

ص: 3129

المتوكل- ظهرت كتب باطنية تتسم بالرؤى، أبدعت لدعم آمال المريدين، الذين كانوا على وشك التردى في هوة اليأس، ولإقامة الدليل للخلفاء الحاكمين على أن ما يشعرون به من إجلال شبه دينى، يجب أن يدينوا به لذرية فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم. وقد صدرت هذه الكتب في أشكال مختلفة تندرج كلها تحت العنوان الشامل جفر، الذي كثيرًا ما يضاف إلى الاسم جامعة أو الصفة جامع. وهو ذو طبيعة لها صلة بالتنبؤ والعرافة، ويلخص في شكله المتأخر في جدول، يمثل فيه الجفر للقضاء، والجامعة القدر، ويقول حاجى خليفة (جـ 2، ص 603 وما بعدها) في علم الجفر: "وهو عبارة عن العلم الإجمالى بلوح القضاء والقدر المحتوى على كل ما كان وما يكون جزئيًا وكليًا".

ويتضمن الجفر العقل الكلى والجامعة نفس الكل؛ ومن ثم فإن الجفر يجنح إلى أن يكون رؤيا للعالم على نطاق خارق وكونى. ويحيد الجفر عن صورته الأصلية التي تتمثل في العلم الباطنى المتسم بالرؤيا الذي يختص به الأئمه الذين كانوا ورثة عليّ وخلفائه ويصبح متمثلا في أصول فنية تتعلق بالعرافة ميسورة للحكماء أيا كان منبتهم، وبخاصة الصوفية "علم الحروف "). ويجب علينا أن نذكر أسماء أربعة من كبار الكتاب العديدين الذين اسهموا في تطوير هذه الأصول، وهم محيي الدين أبو العباس البونى المتوفى عام 622 هـ (1225 م) صاحب كتاب شمس المعارف وهو مصنف يوجد منه ثلاث نسخ، الصغرى والوسطى والكبرى، وقد أعدت النسخة الأخيرة للنشر بالقاهرة عام 1332 - 1334 هـ (1903 - 1906) في أربعة مجلدات. وينبغى لنا أن نذكر أن المصنف الصغير المسمى جفر الإمام علي بن أبي طالب (والدر المنظوم. المنسوب لابن عربي (انظر مخطوطة ليبسك سنة 833، 1، وانظر مخطوطة باريس رقم 2646؛ وحلب- سباث 57، 396) ليس إلا فقرتى 33 و 34 من كتاب شمس المعارف (انظر Eine arab.: Hartmann Apokalyse ص 109 وما بعدها)؛ ومحيى الدين بن عربي المتوفى عام

ص: 3130

638 هـ (1240 م): مفتاح الجفر الجامع (مخطوطات في مكتبة إستانبول - حميدية، إسماعيل أفندى، ص 280، وفي باريس رقم 2669، ص 14 إلخ)، وابن طلحة العدوي الراجي (المتوفى عام 652 هـ-1254 م) بالعنوان نفسه أو بعنوان "الدر المنظّم في السر الأعظم". مخطوطات في باريس تحت رقمى 16، 34؛ وفي استانبول، أموجه حسين باشا تحت رقم 348، وسراى أحمد قسم 3 تحت رقم 3507 إلخ)؛ وعبد الرحمن البسطاهى المتوفى عام 858 هـ (1454 م) بالعناوين نفسها (مخطوطات، مكتبة A. S. تحت رقمي 2812 و 2813 ومكتبة الفاتيكان تحت رقم V 1254: انظر نيكولسون Nicholson . في. Journal of the Roy - As Soc، سنة 1899 ص 907). وفي كل هذه الكتب وفي الكثير من غيرها خلط كبير بشأن عمل الجفر الذي يجب أتباعه. وقد أضيفت عناصر أخرى غير متجانسة من صور إلتفكير الخفى، ويجد المرء الخصائص السحرية للحروف الهجائية والأسماء الحسنى وحساب الجمّل ودلالة القيمة العددية لاسم يود المرء أن يحتفظ به سرًّا، وتبديل الحروف في كلمة واحدة لتكوين كلمة أخرى، والتوفيق بين الحروف التي تؤلف اسمًا من أسماء الله الحسنى وحروف الاسم المطلوب (الكسر والبسط)، دابدال حرف في كلمة بحرف آخر وفقا لمنهج الأتابش- at abash (وفق يطابق فيه أول حرف من الحروف الهجائية العبرية الحرف الأخير والحرف الثاني منها الحرف الذي يقع قبل الأخير وهكذا) وتكوين كلمة بوضع الحروف الأولى من كلمة جملة معًا، وبعبارة أخرى كل العمل الذي يستعمل في "القبالة" (انظر. J. G. Histoire de l'ecriture: Fevriet باريس سنة 1948، الملحق، جـ 3، ص 588 - 591). وقد كان لهذه الأنظار القيمة العددية لحرف شأن كبير في التصوف الإسلامي، الذي لم تحظ فيه الحروف التي تتألف منها أسماء الله الحسنى بتوقير خاص فحسب بل حظيت به أيضًا الحروف السبعة التي تخلو منها سورة الفاتحة. وفي الحروفية الإسلامية تقترن روايات أفلاطونية جديدة وقبلانيه بتأملات بعض كبار

ص: 3131

الصوفيين لتكون جانبًا لا يستهان به من المعرفة الباطنية تصل إلى درجة من الكتمان بحيث "لا يقف في هذا الكتاب حقيقة إلا المهدي المنتظر خروجه في آخر الزمان"(حاجى خليفة جـ 2، ص 603) وهذا التنوع في العمل يتعقد تعقدلم أكثر في مناهج التصنيف. والواقع أن بعض الكتاب يتبعون الألف باء الطويلة (ألف، باء، تاء، إلخ .. ) في حين يتبع أخرون الأبجد ألف، باء جيم، إلخ). ويطلق على الطريقة الأولى اسم الجفر الكبير ويضم ألف مصدر، ويطلق على الطريقة الثانية اسم الجفر الصغير ولا تضم إلا سبعمائة مصدر. وهناك أيضًا جفر متوسط وعليه مدار الخافية القمرية والشمسية، ويفضل الكتاب هذا الجفر الأخير، ويستخدم بصفة عامة في الأوفاق الطلسمية (حاجى خليفة، المصدر السابق).

وإلى جانب هذا الوجه العددى الخفى للحروف التي تضع، بفضل أصولها الفنية والآلية، الجفر في مستوى الزائرجة؟ لا مناص هنا من أن نذكر وجهها التنجيمى. ويقول ابن خلدون (المقدمة، جـ 2، ص 191؛ Ro- senthal، جـ 2، ص 218؛ انظر ص 184؛ Rosenthal، ص 209) أن الشيعة أطلقوا اسم جفر على مصنف في التنبؤات التنجيمية، ألفه يعقوب بن إسحاق الكندى المتوفى بعد عام 256 هـ (870 م)، الذي تحدث عنه، على الأرجح، ابن النديم تحت عنوان "الاستدلال بالكسوفات على الحوادث"(الفهرست، ص 259؛ انظر رسالة في القضاء على الكسوف، مخطوطات مكتبة الإسكوريال، تصنيف الغزيرى Casiri برقم 913، 4؛ AS، رقم 4832 و 27. ومن شاء المزيد من التفصيلات فليطلع على كتاب دى غويه: Memoire Surles Carmathes ليدن سنة 1886، ص 117 وما بعدها). ولم يكن هذا المصنف، الذي يحسب فيه الكندى طوالع أفراد الأسرة العباسية حتى سقوطها وفق الكسوفات، موجودا في عهد ابن خلدون، إذا كان ابن خلدون يرى أنه ضاع مع مكتبة العباسيين التي القى بها هولاكو في نهر دجلة بعد غزوه لبغداد وقتله للمعتصم آخر خليفة عباسى. ومهما يكن من أمر فإن جزءًا

ص: 3132

من هذا المصنف قد وصل إلى المغرب فيما يبدو باسم الجفر الصغير، وليس من شك في أنه قد اقتبس ليلائم دولة بنى عبد المؤمن.

ويقول الجاحظ فيما نحله (باب العرافة والزجر والفراسة، طبعة- In ostranzev. سانت بطرسبرغ، سنة 1907، ص 4)"وللهند ما ليس لغيرهم من الوهم والتوهم والظن والتخيل والحدس والتركين والترجمة والتنجيم والطب والفراسة والجفر، وهو معرفة أيام السنة وهبوب الرياح وطلوع المنازل للقمر وغروبها. وعليها يعولون في حكمهم ويقولون جفر الرياح وجفر الأمطار وجفر الأنواء؛ والجفر كتاب لهم يجمع أحكام السنة ثم يقسمونها أرباعا على فصول السنة ومنازل القمر، فكل سبع منازل لربع من أرباع السنة يسمونه جفر ويقضون منه على الأمطار والرياح والأسفار والحرب وما أشبه ذاك، ومنهم تعلمت الأكاسرة والفرس سائر العلوم، وعنهم أخذوا، وهم يقتدون لاسيما في الطب والتنجيم والحرب والوهم والعرافة والزجر والفراسة". وآخر وأهم وجه من وجوه الجفر هو الرؤيا المتنبئة، وهذا بالضبط الوجه الأصلي الذي تطور كل التطور من قبل في عهد الأمويين، واتسع نطاقه في عهد العباسيين في صورة كتب التنبؤات المسماة باسم كتب الحدثان (انظر الإشارات الواردة في كتاب دى غويه: Carmathes . ص 115 وما بعدها).

وكانت بداية هذه الأفكار كتاب دانيال وكانت مصنفات التنبؤات المنسوبة إلى دانيال تقرأ في مصر عام 61 هـ (= 680 م الطبري، جـ 2، ص 399، وفيما يختص برؤيا دانيال بالعربية انظر الأشارات التي وردت في A. Abe في Stud. Isl، جـ 2 سنة 1954، ص 1127 م) تعليق رقم 2). ويروى محمد عبد الملك الهمذانى المتوفى عام 521 هـ (1127 م) الذي أكمل تاريخ الطبري حتى عام 487 هـ (1095 م، مخطوطه بمكتبة باريس برقم 1469، ورقة رقم 45 ظهر، استشهد بها دى غويه في كتابه Carmathes ص 225 وما بعدها؛ انظر ما نشره أ. ج. كنعان في المشرق،

ص: 3133

ص 1955 وما بعدها، انظر ابن خلدون: المقدمة، جـ 2، ص 198، و Rosenthal. ص 227 - 228) أنه كان ببغداد في عهد وزارة أبي جعفر الكرخى، ورّاق يدعى الدانيالى، يعرض كتبًا قديمة منسوبة إلى النبي دانيال، صورت فيها بعض الشخصيات البارزة وذكرت فيها صفاتها. وقد حظى بنجاح كبير مع السادسة (انظر القصة التي أوردها الطبري، جـ 3، ص 496 وما بعدها في حكاية المهدي التي ذكرها ابن خلدون في المقدمة، جـ 2، ص 192، و Ro- . senthal ص 219 - وهي توضح الحيل التي لجأ إليها المزيفون في هذا النوع من الكتب)، وتعرف هذه المصنفات أيضًا باسم الملاحم (انظر المخطوطات الخاصة بالتنجيم بمكتبة برلين تحت أرقام 5903 و 5904، 5912 و 5915؛ والمخطوطتان الأخيرتان منسوبتان إلى دانيال وكذلك في مكتبة إستانبول- بغدادلى وهبى أفندى رقم 2234، وقد انتشرت على نطاق واسع في المغرب؛ وهي مكتوبة شعرا أو نثرًا، وأحيانًا باللهجة الدارجة، وتتناول أحيانًا أحداثًا مقدرا لها أن تقع في داخل المجتمع الإسلامى بصفة عامة، وأحيانا تتناول أحداثًا تتعلق بدولة واحدة بصفة خاصة. وينسب الجانب الأكبر من هذه المصنفات لمؤلفين مشهورين على الرغم من أنه لا يمكن التحقق من صحتها. ويورد ابن خلدون قائمة بملاحم (المقد مة، جـ 2، ص 193 وما بعدها؛ طبعة Rosenthal ، ص 220 وما بعدها)، معظمها من أصل مغربى وتتناول بصفة عامة الدولة الحفصية. وفي هذه القاثمة اسمان يستحقان التنويه بصفة خاصة، هما ابن عربي، الذي وردت باسمه في القائمة ملحمة تتردد في عهد ابن خلدون عنوانها صيحة البوم (فيما يختص بهذا المصنف انظر A. Abel، في Arabica - جـ 5، سنة 1958، ص 6، تعليق رقم 3)، والباجَرّبَقى المتوفى عام 724 هـ (1323 م)، الذي تنسب إليه قصيدة عن الأتراك. والباجربقى من القَرَندلية (فيما يختص بالقرندلية، انظر الإشارات الواردة في Suppl: Dozy، جـ 2، ص 340) وأسس فرقة تسمى الباجربقية (ابن خلدون: المقدمة، جـ 2، ص 199 وما بعدها؛ طبعة Rosenthal ص 225، انظر تاج العروس، جـ 6،

ص: 3134

ص 283 وتحدث روزنتال Rosenthal عن مصادر أخرى للباجربقى، ص 230). وهناك أيضًا شواهد كثيرة من هذه الملاحم تتردد في مصنفات ابن أبي أصيبعه المتوفى عام 668 هـ (1270 م) والمقريزى المتوفى عام 845 هـ (1442 م؛ انظر دى غويه Carmathes ص 125 وما بعدها).

وأخيرًا نرى لزاما علينا أن نذكر حقيقة ترفع من قدر الجفر في عيون الشيعة، تلك هي استخدامه في تفسير روحى وباطنى للقرآن في مقابل التفسير التقليدى اللغوي لأهل السنة، وينسب ابن سعد (جـ 2، ص 101) تفسيرا كهذا لعلي بن أبي طالب. ويقال أن هذا التفسير انتقل من على إلى جعفر الصادق المتوفى عام 148 هـ (763 م) عن طريق عمه زيد بن علي المتوفى عام 122 هـ (740 م)؛ ويقال إن هارون بن سعيد (سعد) العجلي (انظر Brockelmann: : قسم 1، ص 314) قد تلقى هذا التفسير الباطنى من جعفر الصادق. ويقول ابن خلدون بشأن هذا: " .. وأعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون ابن سعيد العجلي- وهو رأس الزيدية- كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق، وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم، ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء. وكان مكتوبًا عند جعفر في جلد ثور صغير، فرواه عنه هارون العَجَلى وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب عليه، لأن الجفر في اللغة هو الصغير، وصار هذا الاسم عَلمًا على هذا الكتاب عندهم".

وكان في كتاب الجفر تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق. وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه

ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومها، فهم أهل الكرامات وقد صح عنه (جعفر) أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصبح كما قال " (المقدمة، جـ 2، ص 184 - 185، Ro- senthal ، ص 209 - 210، وتحمل كتب

ص: 3135

كثيرة في التأويل الباطنى والعرافة اسم جعفر الصادق (انظر Brnckelmann: قسم 1 ص 104)، وبخاصة كتاب الجفر (المتحف البريطانى، 426، و 10؛ انظر Zur Pseu-: Steinshcneider depigraph. Literatur ص 71). ويبدو أن أساس هذا التأويل "الروحى، يستند إلى قول عيسى عليه السلام: "نحن معاشر الأنبياء نأتيكم بالتنزيل، وأما التأويل فسياتيكم به البارَقْليط الذي سيأتيكم بعدى" (حاجى خليفة، ص 63، وانظر سفر يوحنا، الإصحاح 14، آية 126).

المصادر:

لتغطية نطاق هذه المصنفات علميًّا نرى لزامًا علينا أن نضع في الاعتبار قوائم الكتب عن الجفر الموجودة في فهارس المخطوطات وبخاصة فهرس آلوارت Ahlwardt، جـ 3، أرقام 4213 - 29؛ وفهرست الكتب العربية المحفوظة في الكتبخانة الخديوية المصرية، جـ 5، ص 333 وما بعدها؛ وتوجد رسائل عدة عن الجفر في المجموعات المختلفة بمكتبة إستانبول. وأهم كتب المراجع هي:

(1)

Ein arabische: R. Hartmann - Apokalypse aus der Kreuzzugzeit. Ein Bei trag zur Gafr - Literatur في schriften d. Koenigsberger Geisteswiss Kl .. Gelehrten Gesellschaft، برلين سنة 1924 ص 89 - 116 (دراسة لمنتخب من كتاب ابن عربي: محاضرات الأبرار، طبعة القاهرة سنة 1324 هـ = سنة 1906 م، ص 1، 197 وما بعدها، تتمها مخطوطة بمكتبة برلين تحت رقم 4219). وانظر بصفة خاصة ص 108 وما بعدها.

(2)

Changements -: pol-: A. Abdel itiques et literaiure acpocalyptique dans le monde muslmar، في Stud Isl، جـ 2، سنة 1954، ص 23 - 43؛ الكاتب نفسه: Un hadith sur laprise de Rome dans la tradition eschatologique de! 'Islam في ، Arabica جـ 5، سنة 8591، ص 1 - 14.

(3)

Vor-: L.Goldziher Iesungen ص 422 وما بعدها، ص 362 وما بعدها، ترجمها إلى الفرنسية Arin، باريس سنة 1920.

ص: 3136