الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - عداوة الشيطان لبني آدم
- ما أكرم الله به الإنس والجن:
خص الله عز وجل المخلوقات المكلفة وهي الإنس والجن بثلاث نعم أساسية هي:
العقل .. والدين .. وحرية الاختيار.
فمن آمن بالله فقد شكرها، ومن كفر بالله فقد كفرها.
وإبليس أول من أساء استخدام هذه النعم، بتمرده على أمر ربه، وإصراره على معصيته، بل طلب الإمهال إلى يوم البعث لاستغلال هذه النعم أسوأ استغلال، بإغواء بني آدم، وإضلالهم، وتزيين المعاصي لهم ليتبعوه إلى النار:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} [سبأ:20].
- كيد الشيطان لبني آدم:
قد بلغ الشيطان مراده من أكثر الخلق، فاتبعه الأكثرون، وتركوا ما جاءت به الرسل من دين الله الذي رضيه لهم.
وتلطف الشيطان في الحيل والمكر والمكيدة، فأدخل الشرك وعبادة الصالحين وغيرهم على كثير من المسلمين في قالب محبة الأنبياء والصالحين، والاستشفاع بهم، وأن لهم جاهاً ومنزلة عند الله، ينتفع بها من دعاهم ولاذ بحماهم.
وزين لهم أن من أقر لله وحده بالملك والتدبير، والخلق والرزق، فهو
المسلم، ولو دعا غير الله، ولاذ بحماه.
وزين لهم أن الدعاء والاستعانة والاستغاثة والحب والتعظيم ونحو ذلك ليس بعبادة، وأن العبادة هي الصلاة والصيام والحج ونحو ذلك من الزخرفة والمكيدة التي أضل بها الناس عن الهدى:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)} [النمل:24].
- سبل الشيطان:
السبل التي يسلكها الإنسان أربعة:
اليمين .. والشمال .. والأمام .. والخلف.
وأي سبيل سلكها الإنسان من هذه وجد الشيطان عليها رصداً له.
فإن سلكها العبد في طاعة الله عز وجل وجد الشيطان عليها يثبطه عنها، ويبطئه، ويعوقه، وإن سلكها في معصية الله وجده عليها حاملاً له، وخادماً ومعيناً ومزيناً:{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)} [الأعراف:16 - 17].
- مداخل الشيطان:
المداخل التي يأتي الشيطان إلى الإنسان من قِبَلها ثلاثة:
الشهوة .. والغضب .. والهوى.
فالشهوة بهيمية، وبها يصير الإنسان ظالماً لنفسه، ومن نتائجها الحرص والبخل.
والغضب سبعية، وهو آفة أعظم من الشهوة، وبالغضب يصير الإنسان ظالماً
لنفسه ولغيره، ومن نتائجه العجب والكبر.
والهوى شيطانية، وهو آفة أعظم من الغضب، وبالهوى يتعدى ظلمه إلى خالقه بالشرك والكفر، ومن نتائجه الكفر والبدعة.
وأكثر ذنوب الخلق بهيمية؛ لعجزهم عن غيرها، ومنها يدخلون على ما هو شر منها من بقية الأقسام:{وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)} [النساء:119 - 120].
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى البَحْرِ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً» . أخرجه مسلم (1).
- خطوات الشيطان:
الشيطان هو السبب في حصول جميع الشرور في العالم، ويسلك لتحقيق ذلك طرقاً مختلفة على مر العصور.
ويمكن حصر شره في سبع خطوات لا يزال بابن آدم حتى يوقعه فيها أو في أحدها.
فأول وأعظم شر يريده من الإنسان شر الكفر والشرك، وعداوة الله ورسوله.
الثانية: إن يئس من العبد وآمن نقله إلى شر البدعة وزينها له.
الثالثة: إن عجز عنه فلم يقبل البدعة نقله إلى شر الكبائر.
الرابعة: إن عجز عنه فلم يقبل الكبائر نقله إلى شر الصغائر.
(1) أخرجه مسلم برقم (2813).
الخامسة: إن عجز عنه فلم يقبل الصغائر، أشغله بالمباحات عن الطاعات والواجبات.
السادسة: إن عجز عنه فلم يقبل الاشتغال بالمباحات، أشغله بالعمل المفضول عن الفاضل كإشغاله بالنوافل حتى تفوت الفرائض وهكذا.
السابعة: إن عجز عنه في كل ما سبق سلط عليه حزبه من شياطين الإنس والجن بأنواع الأذى، ليشغله ويشوش عليه أموره.
فالمؤمن لا يزال في جهاد مع النفس والشيطان حتى يلقى الله نائلاً أجر الجهاد.
نسأل الله العون والثبات.
1 -
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة:208].
2 -
- مظاهر عداوة الشيطان للإنسان:
الشيطان للإنسان عدو مبين، وهو يجسد هذه العداوة بصور وألوان مختلفة.
منها: إغواء بني آدم، وتزيين الشرور والآثام لهم، ثم يتبرأ منهم.
ومنها: أنه يضل بني آدم ويعدهم ويمنيهم وينزغ بينهم.
ومنها: أنه يؤز بني آدم إلى المعاصي وسائر المحرمات.
ومنها: أنه يغوي بني آدم بالوسوسة في العمل.
ومنها: أنه يسعى في التحريش بين بني آدم، وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم.
ومنها: إثارة الغل والحسد في قلوبهم.
ومنها: إيذاء بني آدم بأنواع الشرور والأسقام، وصدهم عن سبيل الله بكل ما يقدر عليه.
ومنها: أنه يبول في أذن العبد حتى ينام إلى الصباح، ويعقد على رأسه عُقَداً تمنعه من اليقظة.
ومنها: أنه قعد لابن آدم بطرق الخير كلها ليمنعه منها، ويثبطه عنها، ويخوفه منها.
فمن أطاع الرحمن، وعصى الشيطان، حفظه الله منه، وأدخله الجنة.
ومن عصى الرحمن، وأطاع الشيطان، صار من حزبه، وحشر معه في النار.
1 -
2 -
وقال الله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)} [النساء:117 - 121].
3 -
وَعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبي فَاكِهٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لاِبْنِ آدَمَ بأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بطَرِيقِ الإسْلَامِ فَقَالَ تُسْلِمُ وَتَذرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثمَّ قَعَدَ لَهُ بطَرِيقِ الهِجْرَةِ فَقَالَ تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثلُ المُهَاجِرِ كَمَثلِ الفَرَسِ فِي الطِّوَلِ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ثمَّ قَعَدَ لَهُ بطَرِيقِ الجِهَادِ فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ المَرْأَةُ وَيُقْسَمُ المَالُ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ» فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ عز وجل أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ عز وجل أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ» . أخرجه أحمد والنسائي (1).
- دفع شرور شياطين الإنس والجن:
المَلك والشيطان يتعاقبان على قلب ابن آدم تعاقب الليل والنهار، وللمَلك بقلب ابن آدم لَمّة، وللشيطان لََمّة، والحرب سجال.
وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان:
فإما إلى غلو ومجاوزة .. وإما إلى تفريط وتقصير.
ولدفع شرور شياطين الإنس والجن أرشدنا الله عز وجل إلى أمرين:
الأول: أمر الله عز وجل بمصانعة العدو الإنسي، وملاطفته والإحسان إليه، فإن طبعه الطيب الأصل يرده إلى الموالاة وكريم الأخلاق: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (16054) ، وأخرجه النسائي برقم (3134) ، وهذا لفظه.
وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فُصِّلَت:34 - 35].
الثاني: أمر الله عز وجل بالاستعاذة من العدو الشيطاني، الذي لا يقبل مصانعة ولا إحساناً، بل طبعه إغواء بني آدم وعداوتهم، فقال سبحانه:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)} [فُصِّلَت:36].