الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - الإحسان
- مراتب الدين:
مراتب الدين ثلاث:
الإسلام .. والإيمان .. والإحسان.
وكل مرتبة لها أركان، والإحسان أعلاها.
فالإسلام يمثل أعمال الجوارح .. والإيمان يمثل أعمال القلوب .. والإحسان إتقان تلك الأعمال، وحسن أدائها، مع كمال التوجه بها إلى الله.
وقد مضى الكلام في الإسلام والإيمان بحمد الله، وبقي الكلام في الإحسان.
- الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
- منزلة الإحسان:
الإحسان هو فعل الشيء الحسن في النفس أو الغير.
وكلما كان الإنسان أكثر إحساناً إلى نفسه وإلى غيره كان أقرب إلى رحمة الله، وكان ربه قريباً منه برحمته كما قال سبحانه:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف: 56].
واختص أهل الإحسان برحمة الله؛ لأنها إحسان من الله، والإحسان إنما يكون لأهل الإحسان من خلقه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فكما أحسنوا بأعمالهم، أحسن الله إليهم برحمته كما قال سبحانه:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} [الرحمن: 60].
وأحسن الناس وأسعدهم وأفضلهم هو المؤمن الذي استسلم لربه، واتبع شرعه كما قال سبحانه:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء: 125].
وقد وعد الله كل من أحسن عبادة الله، وأحسن إلى عباد الله بالثواب الجزيل كما قال سبحانه:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)} [المرسلات: 41 - 44].
وأعظم الإحسان الصادر من العبد:
هو الإيمان بالله، وتوحيده، وطاعته، والإنابة إليه، واتباع شرعه، وأن تعبد الله كأنك تراه، وبذلك تحصل للعبد معية الله عز وجل.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} [النحل: 128].
- إحسان الرب:
إحسان الرب إلى الخلق لا يحيط به أحد من الخلق.
وأعظم إحسان الرب إلى عباده:
خلقهم في أحسن تقويم .. وتسخير ما في السماوات والأرض لهم .. وإمدادهم بالأرزاق والنعم على مر الدهور.
وأعظم من ذلك كله:
إنزال الكتب عليهم .. وإرسال الرسل إليهم .. وهدايتهم إلى التوحيد والإيمان .. وإثابتهم على الطاعات بالأجور المضاعفة .. ثم الخلود في جنات النعيم.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)} [غافر: 61].
- إحسان العبد:
إحسان العبد له ثلاث حالات:
الأولى: إحسان إلى النفس بحملها على طاعة الله ورسوله.
الثانية: إحسان في عبادة الله، بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
الثالثة: إحسان إلى عباد الله تعالى، وذلك بإيصال جميع أنواع الخير لهم.
ومن أعظم الإحسان إلى الخلق دعوتهم إلى الله، وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم، وما يكون سبباً لسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة من العلم بالله وأسمائه وصفاته، ودينه وشرعه، وتحذيرهم سبل الشر والهلكات.
وأعظم الناس إحساناً إلى الخلق هم الأنبياء وأتباعهم الذين يحملون الخير للبشرية كما قال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} [آل عمران: 164].
- فقه الإحسان:
اليقين هو ظهور الشيء للقلب بحيث تصير نسبته إليه كنسبة المرئي إلى العين، فلا يبقى معه شك ولا ريب أصلاً.
وهذا نهاية الإيمان، وهو مقام الإحسان.
فاليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وهو روح أعمال القلوب، التي هي روح أعمال الجوارح.
ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نوراً وإشراقاً، ومحبة لله، ورحمة لخلقه، وانتفى عنه كل شك وريب.
وكلما زاد اليقين في القلب امتلأ بمحبة الله .. والأنس به .. والإنابة إليه .. والرضا به .. والتوكل عليه .. والخوف منه .. والشكر له .. والرضا به .. والاستعانة به .. وعدم الالتفات إلى غيره .. واليقين لا يسكن قلباً فيه سكون لغير الله أبداً.
1 -
قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)} [يونس: 26].
2 -
وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)} [لقمان: 22].
3 -
وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24].
- درجات الإحسان:
الإحسان في العبادة درجتان:
الأولى: أن يعبد الإنسان ربه بقلب حاضر كأنه يراه عبادة طلب وشوق، ورغبة ومحبة، وهذه أعلى المرتبتين.
الثانية: إذا لم يعبد ربه كأنه يراه، فليعبده كأنه هو الذي يراه، عبادة خائف منه، هارب من عقابه.
والناس متفاوتون في هذه الرتب.
فالحب لله يولِّد الشوق والطلب .. والتعظيم يولِّد الخوف والهرب .. وفي هذا
وهذا كمال العبودية لله .. وكمال الحب لله .. وكمال التعظيم له .. وهذا هو الإحسان في عبادة الله جل جلاله.
1 -
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء: 125].
2 -
وَعَنْ عُمَر بْن الخَطَّابِ رضي الله عنه قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا» قال: صَدَقْتَ. قال فَعَجِبْنَا لَهُ. يَسْألُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قال: فَأخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الاخِرِ. وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» قال: صَدَقْتَ. قال فَأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ. قال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» . أخرجه مسلم (1).
(1) أخرجه مسلم برقم (8).