المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌مقدمة الموسوعة العلمية

- ‌الباب الأولكتاب التوحيد

- ‌ معنى التوحيد:

- ‌ أركان التوحيد:

- ‌ أقسام التوحيد:

- ‌ شروط كلمة التوحيد:

- ‌ أساس التوحيد:

- ‌ أصل التوحيد:

- ‌ معنى توحيد الربوبية والألوهية:

- ‌ تلازم توحيد الربوبية والألوهية:

- ‌ حقيقة التوحيد:

- ‌ فضل التوحيد:

- ‌ كمال التوحيد:

- ‌ عظمة كلمة التوحيد:

- ‌ براهين التوحيد:

- ‌ تحقيق التوحيد:

- ‌ قوة كلمة التوحيد:

- ‌ محل التوحيد:

- ‌ حفظ التوحيد:

- ‌ أهل التوحيد:

- ‌ فقه التوحيد:

- ‌ ما يجب على المسلم:

- ‌ ثمرات التوحيد:

- ‌1 - ثمرات التوحيد في الدنيا:

- ‌2 - ثواب أهل التوحيد في الآخرة:

- ‌الباب الثانيكتاب الإيمان

- ‌1 - الإسلام

- ‌2 - أركان الإسلام

- ‌ إقام الصلاة

- ‌ إيتاء الزكاة

- ‌ صوم شهر رمضان

- ‌ حج بيت الله الحرام

- ‌3 - الإيمان

- ‌4 - أركان الإيمان

- ‌1 - الإيمان بالله

- ‌1 - أسماء الله الحسنى

- ‌2 - زيادة الإيمان

- ‌3 - تفاضل أهل الإيمان

- ‌4 - وَعْد الله على الإيمان

- ‌2 - الإيمان بالملائكة

- ‌3 - الإيمان بالكتب

- ‌4 - الإيمان بالرسل

- ‌1 - الإيمان بالرسل

- ‌2 - محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - الإيمان باليوم الآخر

- ‌1 - الإيمان باليوم الآخر

- ‌2 - أول منازل الآخرة

- ‌3 - أشراط الساعة

- ‌1 - أشراط الساعة الصغرى

- ‌2 - أشراط الساعة الكبرى

- ‌1 - خروج الدجال

- ‌2 - نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - خروج يأجوج ومأجوج

- ‌4 - 5 - 6 - الخسوفات الثلاثة

- ‌7 - الدخان

- ‌8 - طلوع الشمس من مغربها

- ‌9 - خروج الدابة

- ‌10 - خروج النار التي تحشر الناس

- ‌4 - علم الساعة

- ‌5 - النفخ في الصور

- ‌6 - البعث والحشر

- ‌7 - أهوال يوم القيامة

- ‌8 - فصل القضاء

- ‌9 - أحوال الناس يوم القيامة

- ‌10 - الشفاعة

- ‌11 - الحساب

- ‌12 - الميزان

- ‌13 - الحوض

- ‌14 - الصراط

- ‌15 - دار القرار

- ‌1 - صفة الجنة

- ‌2 - صفة النار

- ‌6 - الإيمان بالقدر

- ‌5 - الإحسان

- ‌6 - العبادة

- ‌الباب الثالثكتاب العلم

- ‌1 - أقسام العلم

- ‌2 - أشرف العلوم

- ‌3 - فضائل العلم

- ‌4 - أحكام العلم

- ‌5 - آداب العلم

- ‌1 - آداب المعلم

- ‌2 - آداب طالب العلم

- ‌الباب الرابعكتاب السيرة النبوية

- ‌1 - فقه السيرة النبوية

- ‌1 - حكمة إرسال الرسل إلى البشر

- ‌2 - فضل النبي صلى الله عليه وسلم على الخلق

- ‌3 - فضل الإسلام على ما سواه

- ‌4 - فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - فقه أصول حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌6 - فقه الوظائف الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم وأمته

- ‌7 - ثمرات القيام بهذه الواجبات الكبرى

- ‌2 - أصول الواجبات في الإسلام

- ‌1 - الإيمان بالله

- ‌2 - تعلم العلم وتعليمه

- ‌3 - عبادة الله عز وجل

- ‌4 - التحلي بمكارم الأخلاق

- ‌شمايل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - الدعوة إلى الله

- ‌6 - الجهاد في سبيل الله

- ‌الباب الخامسكتاب الفضائل

- ‌فقه فضائل الأعمال

- ‌1 - فضائل التوحيد

- ‌2 - فضائل الإيمان

- ‌3 - فضائل العلم

- ‌4 - فضائل الدعوة إلى الله

- ‌5 - فضائل الجهاد في سبيل الله

- ‌6 - فضائل العبادات

- ‌1 - فضائل الطهارة

- ‌2 - فضائل الأذان

- ‌3 - فضائل الصلاة

- ‌4 - فضائل الزكاة

- ‌5 - فضائل الصيام

- ‌6 - فضائل الحج والعمرة

- ‌7 - فضائل الذكر

- ‌8 - فضائل الدعاء

- ‌7 - فضائل المعاملات

- ‌8 - فضائل المعاشرات

- ‌9 - فضائل الأخلاق

- ‌10 - فضائل القرآن الكريم

- ‌11 - فضائل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - فضائل الأنبياء والرسل

- ‌13 - فضائل الصحابة

- ‌الباب السادسكتاب الأذكار

- ‌1 - أحكام الأذكار

- ‌2 - فضائل الأذكار

- ‌3 - الأذكار المطلقة

- ‌4 - الأذكار المقيدة

- ‌1 - أذكار الصباح والمساء

- ‌2 - أذكار الأحوال العادية

- ‌3 - أذكار الأحوال العارضة

- ‌4 - الأذكار التي تقال في أوقات الشدة

- ‌5 - الأمراض التي تصيب الإنسان

- ‌6 - عداوة الشيطان لبني آدم

- ‌7 - ما يعتصم به العبد من الشيطان من الأدعية والأذكار

- ‌8 - علاج السحر والمس

- ‌9 - رقية العين

الفصل: ‌3 - الإيمان

‌3 - الإيمان

- الإيمان: هو تصديق القلب بالغيب.

وهو أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

فالله غيب .. وملائكته غيب .. وكتبه غيب .. ورسله غيب .. والآخرة غيب .. والقدر غيب.

- فقه الإيمان بالغيب:

الله عز وجل عالم الغيب والشهادة.

فعالَم الشهادة مكشوف للإنسان والحيوان.

وعالَم الغيب مستور عن الإنسان والحيوان.

وعالم الغيب أكبر من عالم الشهادة، بل عالم الشهادة بالنسبة لعالم الغيب كالذرة بالنسبة للجبل.

وعالم الغيب يصدق به المسلم، ويكذب به الكافر.

فيؤمن به المسلم ولم يره، ولكن دلائله وبراهينه وشواهده موجودة ومعلومة بالحس والعقل وأخبار الرسل.

والغيب كله لا يعلمه إلا الله وحده، وقد كشف الله منه ما شاء، وستر ما شاء، وأطلع بعض عباده على ما شاء منه.

وقد أظهر الله من عالم الغيب أشياء، وأخفى أشياء:

ص: 71

أظهر سبحانه المخلوقات .. وأخفى نفسه.

وأظهر الدنيا .. وأخفى الآخرة.

وأظهر الأعمال .. وأخفى النيات.

وأظهر سنته .. وأخفى قدرته.

وأظهر الأبدان .. وأخفى الأرواح.

فالتصديق بالغيب هو الذي يميز المؤمن من الكافر.

1 -

قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام:59].

2 -

وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)} [النحل:77].

3 -

وقال الله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} [البقرة: 1 - 5].

- شعب الإيمان:

الإيمان قول باللسان .. وتصديق بالجنان .. وعمل بالجوارح.

وشعب الإيمان كثيرة:

منها ما يتعلق باللسان .. ومنها ما يتعلق بالقلب .. ومنها ما يتعلق بالجوارح.

1 -

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ

ص: 72

شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» أخرجه مسلم (1).

- من خصال الإيمان:

1 -

قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة:177].

2 -

حب الرسول صلى الله عليه وسلم:

عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاس أجْمَعِين» متفق عليه (2).

3 -

حب المؤمنين:

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ» أخرجه مسلم (3).

4 -

حب الأنصار:

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ» متفق عليه (4).

(1) أخرجه مسلم برقم (35).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15)، واللفظ له، ومسلم برقم (44).

(3)

أخرجه مسلم برقم (54).

(4)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (17)، واللفظ له، ومسلم برقم (74).

ص: 73

5 -

حب المسلمين:

عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ (أوْ قال لأَخِيهِ) مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه (1).

6 -

إكرام الجار والضيف والصمت إلا من خير:

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» متفق عليه (2).

7 -

النصيحة:

عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» أخرجه مسلم (3).

8 -

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ» أخرجه مسلم (4).

- فضل الإيمان:

1 -

قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (13)، ومسلم برقم (45)، واللفظ له.

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6018)، ومسلم برقم (47)، واللفظ له.

(3)

أخرجه مسلم برقم (55).

(4)

أخرجه مسلم برقم (49).

ص: 74

الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} [يونس:62 - 64].

2 -

وقال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة:25].

3 -

وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إيمَانٌ باللهِ وَرَسُولِهِ» . قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟. قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» . قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» متفق عليه (1).

- كمال الإيمان:

المحبة التامة لله عز وجل مبنية على كمال معرفته.

ومحبته سبحانه تستلزم وجود محبوباته ومحبتها.

فإذا كان حب العبد لله، وبغضه لله، وهما عمل قلبه، وعطاؤه لله، ومنعه لله، وهما عمل بدنه، دل ذلك على كمال الإيمان، وكمال محبة الله عز وجل.

وقد جعل الله لأهل محبته علامتين:

اتباع الرسول .. والجهاد في سبيل الله.

وحقيقة الجهاد بذل الجهد في حصول ما يحبه الله، وفي دفع ما يكره.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15].

2 -

وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (26)، واللفظ له، ومسلم برقم (83).

ص: 75

وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة:54].

- قوة الإيمان:

الله جل جلاله هو القوي الذي خلق القوة في كل قوي، خلق سبحانه الجبال وقهرها بأقوى منها، وهو الحديد الذي يكسرها.

وخلق الحديد وقهره بالنار التي تذيبه.

وخلق النار وقهرها بالماء الذين يطفئها.

وخلق الماء وقهره بالهواء الذي يقلبه ويحمله.

وخلق الملائكة أقوى من السماوات والأرض.

ولكن قوة الإيمان أقوى من ذلك كله.

فمثقال ذرة من إيمان يحصل بها أدنى مسلم على مثل هذه الدنيا عشر مرات.

1 -

عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً، فَيَقُولُ اللهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أمْثَالِهَا، أوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي، أوْ: تَضْحَكُ مِنِّي وَأنْتَ المَلِكُ» . فَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَاكَ أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ

ص: 76

مَنْزِلَةً. متفق عليه (1).

2 -

وَعَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «سَألَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأخَذُوا أخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ!

قال: رَبِّ! فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قال: أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قال وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية [السجدة: 17]» أخرجه مسلم (2).

والحاجات العامة والخاصة كلها إنما تُقضى بالإيمان والأعمال الصالحة.

فنوح صلى الله عليه وسلم دعا على الكفار فأغرقهم الله جميعاً بالماء كما قال سبحانه: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)} [القمر: 9 - 15].

وهود صلى الله عليه وسلم دعا ربه فأهلك قومه الكفار عاداً بالريح كما قال سبحانه: {وَأَمَّا

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6571) واللفظ له، ومسلم برقم (186).

(2)

أخرجه مسلم برقم (189).

ص: 77

عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)} [الحاقة: 6 - 8].

وصالح صلى الله عليه وسلم دعا ربه فأهلك قومه الكفار ثموداً بالصيحة كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)} [هود: 66 - 68].

وإبراهيم صلى الله عليه وسلم دعا ربه فأنجاه من النار والكفار كما قال سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} [الأنبياء:68 - 71].

ولوط صلى الله عليه وسلم دعا ربه فقلب على الكفار ديارهم كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود:82 - 83].

وشعيب صلى الله عليه وسلم دعا ربه فأهلك قومه الكفار بالصيحة كما قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)} [هود: 94 - 95].

وموسى صلى الله عليه وسلم دعا ربه فأهلك فرعون وجنوده وأغرقهم بالماء كما قال سبحانه: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ

ص: 78

سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)} [الذاريات:38 - 40].

هذه قوة الإيمان في الدعاء العام بعد إنذار الكفار.

وأما قوة الإيمان في الدعاء الخاص فكما يلي:

1 -

قال الله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)} [الأنبياء:76].

2 -

وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء:83 - 84].

3 -

وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء:87 - 88].

4 -

وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء:89 - 90].

5 -

وقال الله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)} [الأنبياء:91].

فهؤلاء رسل الله ولنا بهم أسوة وقدوة كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي

رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}

ص: 79

[الأحزاب:21].

- قوة المؤمن:

المؤمن قوته في قلبه، وضعفه في جسمه، والكافر والمنافق قوته في جسمه، وضعفه في قلبه.

فالمؤمن يصدِّق بالحق ويحبه ويعمل به، فكل ما يظهر على البدن من الأعمال الصالحة سببه ما في القلب من الإيمان، والنور، والحياة، وكل من القلب والبدن يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل، والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل ينمو ويقوى بفرعه كما قال سبحانه:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} [إبراهيم:24 - 26].

والإيمان أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده.

وكلما قوي إيمان المسلم زادت أعماله الصالحة وكثرت وتنوعت وحسنت .. ثم رضي الله عنه .. فأسعده في الدنيا بما يقربه إلى ربه ثم أدخله الجنة في الآخرة دار السلام والخلود.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4].

2 -

وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ

ص: 80

بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة:100].

- حقيقة الإيمان:

كل شيء له ثلاث درجات.

لفظ .. وصورة .. وحقيقة.

فلفظ الفرس سهل على اللسان أن يقوله، وصورة الفرس سهل أن نشتريها بهللة، لكن حقيقة الفرس ثمنها غال لا نحصل عليه إلا بجهد.

وكذا لفظ الإيمان، سهل أن يقول الإنسان آمنت بالله، وقد يقوله بلسانه دون قلبه كالمنافق الذي يأتي بصورة العمل فهذه صورة الإيمان.

أما حقيقة الإيمان فتظهر في ثلاثة أماكن بصفة دائمة:

قول باللسان .. وتصديق بالقلب .. وعمل بالجوارح.

وعلاماتها وثمراتها:

وجل القلب عند ذكر الله .. والطمأنينة بذكره .. ومحبة كلامه وشرعه .. وطاعة الله ورسوله .. والإنابة إلى دار الخلود .. والتجافي عن دار الغرور .. والاستعداد للموت قبل نزوله .. والتوجه إلى الله في جميع الأحوال .. وعدم الالتفات إلى ما سواه.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15].

2 -

وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ

عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ

ص: 81

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4].

- درجات الإيمان:

الإيمان له شعب وأركان ودرجات وعلامات.

وبحسب معرفة المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة أركان الإيمان وشعبه، يتأثر قلب الإنسان، وتستقر حقيقة الإيمان في قلبه.

فيتذوق طعم الإيمان، ويحس بحلاوته.

والإيمان له ثلاث درجات:

حقيقة .. وطعم .. وحلاوة.

1 -

فحقيقة الإيمان تحصل لمن قام بالدين، وقام بجهد الدين عبادة ودعوة، وبذل في سبيل ذلك كل ما يستطيع.

ولا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} [الأنفال:2 - 4].

2 -

وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} [الأنفال:74].

3 -

وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا

ص: 82

وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحُجُرات:15].

2 -

وطعم الإيمان يحصل بتجاوز المخلوقات إلى الخالق، وتجاوز الصور إلى المصور، والاستغناء بالله عما سواه.

عَنِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً وَبِالإِسْلامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً» . أخرجه مسلم (1).

3 -

وحلاوة الإيمان تحصل بكمال حب الله، وحب من يحب الله، وحب ما يحبه الله، والإكثار من الطاعات، وذكر فضله وإحسانه إليه بنعمة الإسلام.

فيرى الخلائق كلها، والأمور كلها بيد الله، وما سواه ليس بيده شيء.

عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وَأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» متفق عليه (2).

- أقسام المؤمنين:

المؤمنون ثلاثة أقسام:

ظالم لنفسه .. ومقتصد .. وسابق بالخيرات.

فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان من الأعمال هو الظالم لنفسه. والمقتصد هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب، وترك المحرم.

(1) أخرجه مسلم برقم (34).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (16)، واللفظ له، ومسلم برقم (43).

ص: 83

والسابق بالخيرات هو المحسن الذي فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات، وعبد الله كأنه يراه.

فهذا بأرفع المنازل.

قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [فاطر:32].

- تفاضل أهل الإيمان:

المؤمنون متفاضلون في الإيمان بحسب المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وخزائنه، وبحسب معرفة ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كما هم متفاوتون فيما يشاهدون ويسمعون، وهم درجات.

وكذلك هم يتفاوتون في العلم والإرادة والعمل.

فمن كان أكثر ذكراً ومحبة وعبادة لله كان إيمانه أقوى، وإن كان لغيره من العلم بالأسماء والصفات ما ليس له.

وكذلك هم متفاضلون في أعمال القلوب والجوارح بحسب معرفتهم بأركان الإيمان وأمور الغيب.

وكذلك منازل المؤمنين في الجنة متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم وأعمالهم وأخلاقهم.

وكل مسلم عليه أن يقوم بما قدر عليه من أعمال الخير، لكن لا بد من

الإيمان الواجب، والعبادة الواجبة.

وإذا ازدحمت شعب الإيمان قدم العبد ما كان أرضى لله، وما كان نفعه أكثر،

ص: 84

وما يفوت وقته، وما هو عليه أقدر.

فيقدم ما هو أنفع له وهو في حقه أفضل.

ولا يطلب ما هو الأفضل مطلقاً إذا كان متعذراً في حقه أو متعسراً يفوته ما هو أفضل له وأنفع، كمن ينتفع بالذكر أعظم مما ينتفع بالقراءة، فهذا الذكر أفضل في حقه من تكلف عمل لا يأتي به على وجهه، بل على وجه ناقص، ويفوته به ما هو أنفع له.

ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.

1 -

قال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)} [الإسراء:21].

2 -

وقال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} [المزمل: 20].

3 -

وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران:134].

- زيادة الإيمان:

الخلق بالنسبة للإيمان ثلاثة أقسام:

الأول: الملائكة، وهؤلاء لكمال معرفتهم بالله إيمانهم ثابت لا يزيد ولا ينقص ولا يتغير، وليس لهم معاص: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا

ص: 85

يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].

وليس لهم شهوات تصرفهم عن العمل بموجب الإيمان فهم: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء:19 - 20].

الثاني: الأنبياء والرسل، وهؤلاء لكمال معرفتهم بالله إيمانهم يزيد ولا ينقص.

فهم أفضل الخلق إيماناً وعلماً وعملاً وأخلاقاً، اصطفاهم الله، وعلَّمهم، وأرسلهم إلى خلقه:{أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)} [الأنعام:89]. الثالث: سائر المؤمنين، وهؤلاء أفضل البشر بعد الأنبياء والرسل، وإيمانهم يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.

1 -

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} [الفتح:4].

2 -

وقال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} [التوبة:124].

3 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» متفق عليه (1).

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2475)، ومسلم برقم (57) واللفظ له.

ص: 86