الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الميامين.
وبعد: فهذه رسالة جديدة للعلامة المتفنن الشيخ علي بن سلطان محمد القاري الحنفي المكي، الهروي الأصل، جمع فيها طائفة من خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخطب الخلفاء الراشدين، مساعدة منه لضيف صالح فاضل من الأئمة والخطباء، ورد عليه في مكة، وذكر له أن واقف مسجده شرط في وقفه أن يخطب الخطيب من خطب السلف (1).
وقد قدم القاري بين يدي ذلك عدة أحاديث عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ولباسه وهديه وقراءته في الجمعة، ثم أورد مجموعة من خطبه، ثم أورد في أربعة فصول ما حضره من خطب الخلفاء الراشدين، مستخرجًا لها من عدة مصادر، أهمها كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال لشيخه الشيخ علي المتقي الهندي (ت: 975 هـ)، وهو يعلِّق على بعض الأحاديث، ويشرح بعض الغريب.
(1) ينظر في تعريف الخطبة: التعريفات للجرجاني ص 134، وأنيس الفقهاء للقونوي ص 117، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص 318، والكليات للكفوي ص 433، وقد رجع إليها معدو (خطب النبي صلى الله عليه وسلم في جمعية المكنز الإسلامي، ويضاف: تحرير التنبيه للنووي ص 95، والقاموس الفقهي لغة واصطلاحًا ص 118، ومعجم لغة الفقهاء ص 175، وخصائص الخطبة والخطيب ص 21 - 22.
وهذا الموضوع ألف فيه العلماء ابتداء من أبي الحسن المدائني (132 - 224 هـ) واستمر التأليف إلى الإربلي (ت: 619 هـ)، ثم لا نجد مؤلفًا في ذلك إلى زمن الشيخ علي القاري (ت: 1014 هـ)، ثم عاد العلماء إلى التأليف فيه في القرن الرابع عشر.
وهو جدير بالاهتمام الشديد، إذ (أخطب الخطباء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه أفصح العرب لسانًا، لا بيان كبيانه، ولا كلام يعدل كلامه، أُيد بالحكمة، وحف بالعصمة، فبذَّ الناطقين، وحاز قصب السابقين، فصلى الله عليه وعلى جماعة النبيين)(1).
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم: (هي الأصل الأصيل، واقتفى آثارها الخلفاء الراشدون، وأكثر السلف
…
قاله أبو عبد الله بن الطيب الشرقي في حواشيه على القاموس) (2).
وترجع صلتي بالقاري إلى بداية طلبي العلم حين قرأت كتابيه: المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، وفتح باب العناية بشرح كتاب النقاية (الجزء الأول)، اللذين حققهما وعلَّق عليهما العلامة الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة (ت: 1417 هـ).
ومن ذلك الوقت وأنا أتابع كتبه، وأسعى إلى الحصول عليها، وصورت قسمًا منها من مكتبة الأوقاف العامة في بغداد، والجامعة الإسلامية ومكتبة
(1) إحكام صنعة الكلام لأبي القاسم الكلاعي ص 167.
(2)
التراتيب الإدارية 1/ 220. وانظر: تاريخ الأدب العربي للزيات ص 131، والفن ومذاهبه في النثر العربي لشوقي ضيف ص 57.
عارف حكمت في المدينة المنورة، ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي. ونقلت بعضها بخطي، ومنها رسالته (أربعون حديثًا من جوامع الكلم) في ورقة واحدة، نقلتها من نسخة في مكتبة المتحف العراقي.
ومن هذه المصورات هذه الرسالة التي حصلت على أربع نسخ منها: من بغداد، والمدينة المنورة، واصطنبول.
وقد زاد من عزمي في العناية بها كلمةٌ قرأتها للأستاذ عبد الوهاب عزام (ت: 1378 هـ) في كتابه (الشوارد) عن خطب الرسول صلى الله عليه وسلم (1).
هذا، وقد قدمت للرسالة ثلاث مقدمات هي:
- ترجمة المؤلف باختصار.
- هذه الرسالة: موضوعها، ونسخها، وعنوانها، وتاريخ تأليفها، ومصادرها، ومنهج التحقيق.
- الكتب المؤلفة في الخطب النبوية قديمًا وحديثًا.
وأجد من المناسب هنا أن أذكِّر بضرورة تأليف (موسوعة الخطب
النبوية) باستقصاء شامل -وقد يسرت البرامج الإلكترونية الطريق إلى ذلك- يراعى فيها ما يأتي:
1 -
التفريق الدقيق بين الخطبة والحديث، فكل خطبة حديث، وليس كل حديث خطبة.
(1) انظر هذه الكلمة في الملحق ص 101 - 102.
2 -
دراسة أسانيدها.
3 -
تبويبها تبويبًا يسهل الاستفادة منها.
4 -
بيان خطب الجمعة من خطب المناسبات ما أمكن ذلك (1).
5 -
البحث في تواريخ هذه الخطب وأمكنتها.
6 -
جمع أجزاء الخطبة الواحدة في مكان واحد.
7 -
شرح الغريب.
8 -
استخراج الدروس والعبر المستفادة منها.
وفي الختام: أسأل الله أن ينفع بهذا العمل، وأن يتقبله بقبول حسن، وأن يجعله فاتحة لتأليف الموسوعة المشار إليها، والحمد لله رب العالمين.
عبد الحكيم الأنيس
دبي في ذي الحجة 1429 هـ
…
(1) قال السيوطي في الدر المنثور 8/ 168: (أخرج ابن أبي الدنيا في شعب الإيمان، والديلمي عن الحسن البصري قال: طلبت خطب النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة فأعيتني، فلزمت رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال: كان يخطب فيقول في خطبته يوم الجمعة: يا أيها الناس: إن لكم علمًا فانتهوا إلى علمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، فإن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري كيف الله بصانع فيه، فليتزود المؤمن من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشباب قبل الهرم، ومن الصحة قبل السقم، فإنكم خلقتم للآخرة، والدنيا خلقت لكم، والذي نفس محمد بيده: ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار، وأستغفر الله لي ولكم).