المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الوقت الذي يستحب أن تصلى صلاة الظهر فيه - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: الوقت الذي يستحب أن تصلى صلاة الظهر فيه

‌ص: باب: الوقت الذي يستحب أن تصلى صلاة الظهر فيه

ش: أي هذا باب في بيان الوقت الذي يستحب أداء الظهر فيه، والمناسبة بين البابين ظاهرة.

ص: أخبرنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان، عن عروة، عن أسامة بن زيد قال:"كان رسول الله- عليه السلام يصلي الظهر بالهجير".

ش: أبو بكرة بكَّار القاضي، وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي، وابن أبي ذئب هو محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسمه هشام ابن شعبة، والزبرقان بن عمرو بن أمية الضَمْري، وثقه ابن حبان، ويقال: زبرقان ابن عبد الله بن عمرو بن أمية قاله ابن أبي حاتم.

والحديث أخرجه الطحاوي بأتم منه في أول باب الصلاة الوسطى، ولكن عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن خالد بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ذئب، عن الزبرقان، أن أسامة بن زيد

وقد ذكرنا أن الزبرقان لم يسمع من أسامة.

وأخرجه أيضًا: عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عن عمرو بن أبي حكيم، عن الزبرقان، عن عروة، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.

وأخرجه البزار في "مسنده"(1): نحو رواية الطحاوي ولكن عن زهرة موضع عروة، وقال: ثنا عمرو بن علي، قال: نا أبو داود، قال: نا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان، عن زهرة قال:"كنا جلوسًا مع أسامة بن زيد في المسجد، فسئل عن الصلاة الوسطى، فقال: هي الظهر، كان رسول الله عليه السلام يصليها بالهجير" ولا نعلم روى زهرة عن أسامة بن فلد إلَاّ هذا الحديث.

وأخرجه البيهقي أيضًا في سننه" (2): من حديث ابن أبي ذئب، عن الزبرقان بن

(1)"مسند البزار"(7/ 70 رقم 2618).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 458 رقم 1993).

ص: 430

عمرو بن أُميَّة، عن زهرة قال:"كنا جلوسًا عند زيد بن ثابت، فأرسلوا إلى أسامة بن زيد فسألوه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي الظهر؛ كان رسول الله عليه السلام يصليها بالهجير".

قلت: زهرة هو ابن معبد أبو عقيل المدني، وجده: عبد الله بن هشام من أصحاب النبي عليه السلام، قال أحمد: أبو عقيل زهرة بن معبد ثقة، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: ليس به بأس، مستقيم الحديث، فقلت: يحتج بحديثه؟ فقال: لا بأس به.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: حدثني سعد بن إبراهيم قال: سمعت محمد بن عمرو بن حسن يقول: "سألنا جابر بن عبد الله، فقال: كان رسول الله عليه السلام يصلي الظهر بالهاجرة، أو حين تزول الشمس".

ش: إسناده صحيح، ومحمد بن عمرو بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، من رجال الصحيحين.

وأخرجه البخاري (1): ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن محمَّد بن عمرو، وهو ابن الحسن بن علي رضي الله عنهم قال:"سألت جابر ابن عبد الله عن صلاة النبي عليه السلام فقال: كان النبي عليه السلام يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب إذا وجبت، والعشاء إذا كثر الناس عجل، وإذا قَلّوا أَخَّر، والصبح بغلس".

وأخرجه مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا غندر، عن شعبة.

وثنا محمد بن مثنى وابن بشار، قالا: نا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن محمَّد بن عمرو بن الحسن بن علي رضي الله عنهم قال: "لما قدم الحجاج المدينة، فسألنا جابر بن عبد الله، فقال: كان رسول الله عليه السلام يصلي الظهر بالهاجرة

" الحديث.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 207 رقم 540).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 446 رقم 646).

ص: 431

وأخرجه أبو داود (1): نحو رواية البخاري سواء وأخرجه النسائي (2) أيضًا.

وقد ذكرناه في الباب السابق.

والهاجرة والهجير: اشتداد الحر نصف النهار.

ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا عبدة بن سليمان، قال: ثنا محمَّد بن عمرو بن علقمة الليثي، عن سعيد بن الحويرث، عن جابر بن عبد الله قال:"كنا نصلي مع النبي عليه السلام الظهر فيأخذ قبضة من الحصباء أو التراب فأجعلها في كفي، ثم أحولها إلى الكف الآخر، حتى يبرد ثم أضعها في موضع جبيني؛ من شدة الحر".

ش: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

وأخرجه أبو داود (3): ثنا أحمد بن حنبل ومسدد، قالا: ثنا عباد بن عباد، نا محمد بن عمرو، عن سعيد بن الحارث الأنصاري عن جابر بن عبد الله، قال:"كنت أصلي الظهر مع رسول الله عليه السلام، فآخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي، أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر".

ويستفاد منه:

استحباب أداء الظهر في أول وقته كما ذهب إليه قوم، وعلى أنهم كانوا يصلون على الأرض، وأن المسجد ما كان فيه حصر، وأن السجدة على الحصى جائزة، وأن المصلي إذا أمسك في كله شيئًا لا تفسد صلاته.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب قال:"شكونا إلى رسول الله عليه السلام حر الرمضاء بالهجير، فما أشكانا".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 163 رقم 397).

(2)

"المجتبى"(1/ 264 رقم 527).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 163 رقم 399).

ص: 432

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا شجاع بن الوليد، عن زياد بن خيثمة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب، مثله.

قال أبو إسحاق: فإن كان يعجل الظهر فيشتد عليهم الحر.

حدثنا فهد، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الأعمش، قال: ثنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب -أو من هو مثله من أصحابه- قال خباب:"شكونا إلى النبي عليه السلام حر الرمضاء فلم يشكنا".

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا قبيصة، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق (ح).

وحدثنا أبو أُميَّة، قال: ثنا أبو نعيم ومحمد بن سعيد، قالا: ثنا شريك، عن أبي إسحاق (شيبة).

وحدثنا أبو أُميَّة، قال: ثنا ابن الأصبهاني، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن خباب قال:"شكونا إلى النبي عليه السلام حَرَّ الرمضاء، فلم يشكنا".

ش: هذه ستة طرق صحاح غير أن في الطريق الثالث شكًّا لأبي إسحاق عمن رواه عن خباب:

الأول: عن أبي بكرة بكَّار، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي البصري، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن سعيد بن وهب الهَمْداني الخيواني -بالخاء المعجمة- عن خباب بن الأرت.

وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو الأحوص سلام بن سليم، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب قال:"شكونا إلى رسول الله عليه السلام الصلاة في الرمضاء فلم يشكنا".

(1)"صحيح مسلم"(1/ 433 رقم 619).

ص: 433

وأخرجه النسائي (1): أنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا حميد بن عبد الرحمن، قال: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب قال:"شكونا إلى رسول الله عليه السلام حَرَّ الرمضاء فلم يشكنا. فقيل لأبي إسحاق: في تعجيلها؟ قال: نعم".

قوله: "شكونا" من شكى يشكو، قال: الجوهري، شكوت فلانًا أشكوه شكوًا وشكاية وشَكيَّة وشكاة إذا أخبرت عنه بسوء فعله بك، فهو مَشْكوٌّ ومَشْكِيٌّ، والاسم الشكوى.

قوله: "حَرَّ الرمضاء" مفعول "شكونا" والرمضاء: الرمل، من الرمض وهو شدة وقع الشمس على الرمل وغيره، ومنه سمي رمضان؛ لأنهم لما نقلوا أسماء المشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام شدة الحر ورمضه، وقيل غير ذلك.

قوله: "فلم يُشْكنا" بضم الياء وسكون الشين أي لم يُجب إلينا ولم يُزْل شكوانا، يقال: أشكيت الرجل إذا أزلت شكواه، وإذا حملته على الشكوى.

والمعنى أنهم شكوا إليه حَرَّ الشمس وما تصيب أقدامهم منه إذا خرجوا إلى صلاة الظهر، وسألوه تأخيرها قليلًا، فلم يشُكِهم أي لم يجبهم إلى ذلك ولم يُزل شكواهم.

وقال ابن الأثير: وهذا الحديث يذكر في مواقيت الصلاة؛ لأجل قول أبي إسحاق -أحد رواته- قيل له: في تعجيلها؟ فقال: نعم. والفقهاء يذكرونه في السجود فإنهم كانوا يضعون أطراف ثيابهم تحت جباههم في السجود من شدة الحر، فنهوا عن ذلك، وأنهم لما شَكَوا إليه ما يجدون من ذلك، لم يفسح لهم أن يسجدوا على أطراف ثيابهم، وقال عياض: وقد قال ثعلب في تأويل قوله: "فلم يشكنا" أي لم يحوجنا إلى الشكوى، ورخص لنا في الإبراد، حكاه عنه القاضي أبو الفرج.

الثاني: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن شجاع بن الوليد بن قيس

(1)"المجتبى"(1/ 247 رقم 497).

ص: 434

السكوني أبي بدر، عن زياد بن خيثمة الجعفي الكوفي عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن سعيد بن وهب، عن خباب.

وأخرجه مسلم (1) أيضًا: عن أحمد بن يونس، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب قال:"أتينا رسول الله عليه السلام فشكونا إليه حَرَّ الرمضاء فلم يشكنا. قال زهير: قلت لأبي إسحاق: أفي الظهر؟ قال: نعم. قال: في تعجيلها؟ قال: نعم".

قوله: "قال أبو إسحاق" هو عَمرو بن عبد الله السبيعي.

قوله: "فإن كان يعجل الظهر""إن" هذه مخففة من المثقلة، وأصلة: فإنه كان يعجل الظهر، أي أن النبي عليه السلام كان يعجل صلاة الظهر، فيشتد الحر على الصحابة.

وفي بعض النسخ: "فإنه" على الأصل.

الثالث: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص بن غياث النخعي، عن أبيه حفص بن غياث، عن سليمان الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب العبدي

إلى آخره.

وأخرجه ابن ماجه في "سننه"(2): ثنا علي بن محمَّد، ثنا وكيع، نا الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب العبدي، عن خباب قال:"شكونا إلى رسول الله عليه السلام حر الرمضاء، فلم يشكنا".

قوله: "أو من هو مثله" شك من الراوي أراد الأعمش أن أبا إسحاق حدثه عن حارثة بن مضرب أو عن من هو مثل حارثة من أصحاب أبي إسحاق، الظاهر أنه هو سعيد بن وهب؛ لأن أبا إسحاق أخرج هذا الحديث عن خباب بواسطتين: أحدهما: حارثة بن مضرب. والآخر: سعيد بن وهب.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 433 رقم 619).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 222 رقم 675).

ص: 435

الرابع: عن أبي أُميَّة محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن قبيصة بن عقبة بن محمَّد السوائي الكوفي، عن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن أبيه أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن خباب.

وأخرجه البزار (1): من حديث يونس، عن أبي إسحاق، ولكن عن سعيد بن وهب. وقال: ثنا الجراح بن مخلد، نا أبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد، نا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب قال:"شكونا إلى رسول الله عليه السلام الرمضاء فلم يشكنا وكان رسول الله عليه السلام يصلي الظهر بالهجير" ولا يعلم روى سعيد بن وهب عن خباب إلَّا هذا الحديث.

الخامس: عن أبي أُميَّة أيضًا، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وعن محمَّد بن سعيد الأصبهاني، كلاهما عن شريك بن عبد الله النخعي، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن خباب.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(2): ثنا أبو حصين القاضي، نا يحيى الحماني، نا شريك، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن خباب قال:"شكونا إلى رسول الله عليه السلام الصلاة في الرمضاء، فلم يُشْكِنَا".

السادس: عن أبي أُميَّة أيضًا، عن ابن الأصبهاني -وهو محمَّد بن سعيد- عن وكيع، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن خباب نحوه.

وأخرجه الطبراني أيضًا (3): ثنا أبو حصين القاضي، نا يحيى الحماني، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن خباب قال:"شكونا إلى رسول الله عليه السلام الرمضاء، فلم يشكنا".

(1)"مسند البزار"(6/ 78 رقم 2134).

(2)

"المعجم الكبير"(4/ 72 رقم 3678).

(3)

"المعجم الكبير"(4/ 72 رقم 3676).

ص: 436

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان (ح).

وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: نا سفيان، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن الأسود قال: قالت عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت أحدًا أشد تعجيلًا لصلاة الظهر من رسول الله عليه السلام، ما استثنت أباها ولا عمر رضي الله عنهما".

ش: أخرجه من طريقين فيهما حكيم بن جبير الأسدي، فيه مقال، فقال أحمد: ليس بشيء. وعن إبراهيم بن يعقوب: كذاب. وقال الدارقطني: متروك.

الأول: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي، عن سفيان الثوري، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه التزمذي (1): ثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:"ما رأيت أحدًا كان أشد تعجيلًا للظهر من رسول الله عليه السلام ولا من أبي بكر ولا من عمر رضي الله عنهما".

قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن.

قلت: كأن الترمذي مال في هذا إلى ما قال يحيى بن سعيد: حكيم بن جبير روى عنه الحفاظ، مثل سفيان وزائدة ويونس وابن عُتيبة والأعمش وغيرهم، ولم ير يحيى بحديثه بأسًا؛ فلذلك حسنه الترمذي.

الطريق الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي البصري، عن سفيان الثوري

إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): عن وكيع، عن سفيان

إلى آخره مثله.

قوله: "ما استثنت أباها" أي ما استثنت عائشة أباها أبا بكر الصديق رضي الله عنه

(1)"جامع الترمذي"(1/ 292 رقم 155).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 285 رقم 3264).

ص: 437

ولا استثنت عمر رضي الله عنه عن قولها: "ما رأيت أحدًا" أرادت أن أباها وعمر أيضًا كانا ممن كان أشد تعجيلًا للظهر مثل رسول الله عليه السلام.

ص: حدثنا أبو بكرة وإبراهيم بن مرزوق، قالا: ثنا سعيد بن عامر قال: ثنا عوف الأعرابي، عن سيار بن سلامة، قال: سمعت أبا برزة يقول: "كان النبي عليه السلام يصلي الهجير -الذي يدعونه الظهر- إذا دحضت الشمس".

ش: إسناده صحيح، وعوف هو ابن أبي جميلة العبدي المعروف بالأعرابي ولم يكن أعرابيًا، وأبو بزرة اسمه نضلة بن عُبيد.

وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد، عن عوف بن أبي جميلة، عن سيار بن سلامة، عن أبي برزة الأسلمي قال:"كان النبي عليه السلام يصلي صلاة الهجير -التي تدعونها الظهر- إذا دحضت الشمس".

قوله: "دحضت" أي زالت، وأصل الدحض الزَّلْق.

ص: حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا شعبة، عن حمزة العائذي قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: "كان رسول الله عليه السلام إذا نزل منزلًا لم يرتحل منه حتى يصلي الظهر، فقال رجل: ولو كان بنصف النهار؟ فقال ولو كان بنصف النهار".

ش: إسناده صحيح، وحمزة بن عمرو العائذي -بالذال المعجمة- أبو عَمرو الضبي، ونسبته إلى عائِذ الله، من ضبه، روى له مسلم وأبو داود والنسائي.

وأخرجه أبو داود (2) في باب صلاة المسافر: ثنا مسدد، ثنا يحيى، عن شعبة، حدثني حمزة العائذي رجل من بني ضبة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "كان رسول الله عليه السلام

" إلى آخره نحوه.

(1) سنن ابن ماجه (1/ 222 رقم 674).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 385 رقم 1205).

ص: 438

وأخرجه النسائي (1) في المواقيت: أنا عُبيد الله بن سعيد، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني حمزة العائذي، قال: سمعت أنس بن مالك

إلى آخره نحوه.

قوله: "ولو كان بنصف النهار" المراد به أول الوقت، وأول الوقت يطلق عليه نصف النهار، وليس المعنى أنه كان يصلي قبل الزوال، و"الباء" في "بنصف النهار" للظرف.

ص: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أن أنس بن مالك رضي الله عنه أخبره:"أن رسول الله عليه السلام خرج حين زالت الشمس، فصلى صلاة الظهر".

ش: رجاله رجال مسلم كلهم، وابن شهاب محمَّد بن مسلم الزهري.

وأخرجه الترمذي (2): ثنا الحسن بن علي الحلواني، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك:"أن رسول الله عليه السلام صلى الظهر حين زالت الشمس".

فقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه النسائي (3): أنا كثير بن عُبيد، قال: ثنا محمَّد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، قال: أخبرني أنس: "أن رسول الله عليه السلام خرج حين زاغت الشمس، فصل بهم صلاة الظهر".

ص: حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا شجاع بن الوليد، عن سليمان بن مهران (ح).

ونا ابن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: أنا زائدة، عن سليمان عن

(1)"المجتبى"(1/ 248 رقم 498).

(2)

"جامع الترمذي"(1/ 294 رقم 156).

(3)

"المجتبى"(1/ 246 رقم 496).

ص: 439

عبد الله بن مرة، عن مسروق قال:"صليت خلف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الظهر حين زالت الشمس، فقال: هذا -والذي لا إله إلَّا هو- وقت هذه الصلاة".

ش: أخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني، عن سليمان بن مهران الأعمش، عن عبد الله بن مرة الخارفي الكوفي، عن مسروق بن الأجدع.

وأخرجه الطبراني في الكبير (1): ثنا محمَّد بن النضر الأزدي، ثنا معاوية بن عمرو، نا زائدة، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق قال:"صلى عبد الله حين زالت الشمس، فقلت لسليمان: الظهر؟ قال: نعم. ثم قال عبد الله: هذا -والذي لا إله إلَّا هو- ميقات هذه الصلاة".

الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن عبد الله بن رجاء بن عمرو البصري شيخ البخاري، عن زائدة بن قدامة، عن سليمان الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع، قال: ثنا الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق قال:"صلى بنا عبد الله بن مسعود الظهر حين زالت الشمس، ثم قال: هذا -والذي لا إله غيره- وقت هذه الصلاة".

فالطحاوي: أخرج أحاديث هذا الفصل عن سبعة أنفس من الصحابة رضي الله عنهم وهم: أسامة بن زيد، وجابر بن عبد الله، وخباب بن الأرت، وعائشة، وأبو برزة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن مسعود.

وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث عائشة: وفي الباب عن جابر، وخباب،

(1)"المعجم الكبير"(9/ 258 رقم 9277).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 285 رقم 3266).

ص: 440

وأبي برزة، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأنس، وجابر بن سمرة، و (أنيس)(1).

قلت: قد بقي منهم ثلاثة أنفس وهم زيد بن ثابت، وجابر بن سمرة، وأنيس.

أما حديث زيد بن ثابت: فأخرجه الطحاوي في أول باب الصلاة الوسطى.

وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه ابن ماجه (2): ثنا محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة:"أن النبي عليه السلام كان يصلي الظهر إذا دحضت الشمس".

وأمَّا حديث أنيس فأخرجه (3) ....

ص: قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى هذا، فاستحبوا تعجيل الظهر في الزمان كله في أول وقتها، واحتجوا في ذلك بما ذكرنا.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الليث بن سعد والأشهب وجماعة العراقيين فإنهم قالوا: المستحب تعجيل الظهر في أول وقتها في الشتاء والصيف.

قال أبو عمر (4) رحمه الله: قال الليث بن سعد: تصلى الصلوات كلها الظهر وغيرها في أول وقتها، في الشتاء والصيف، فهو أفضل. وهو قول العراقيين، وكذلك قال الشافعي إلَّا أنه استثنى فقال إلَّا أن يكون إمام جماعة يُنْتاب من المواضع البعيدة فإنه يبرد بالظهر، وأما مذهب مالك في ذلك فقد ذكر إسماعيل بن إسحاق وأبو الفرج عمرو بن محمَّد: أن مذهبه في الظهر وحدها أن يبرد بها، وتؤخر في شدة الحر، وسائر الصلوات تصلى في أوائل أوقاتها.

وأما ابن القاسم فحكى عن مالك: أن الظهر يصلى إذا فاء الفيئ ذراعًا في الشتاء والصيف للجماعة والمنفرد على ما كتب به عمر رضي الله عنه إلى عماله.

(1) كذا في "الأصل، ك"، وليس في "جامع الترمذي"(1/ 292 رقم 155).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 221 رقم 673).

(3)

بيض له المصنف رحمه الله ولم يذكره الترمذي كما في التعليق السابق.

(4)

"التمهيد"(1/ 98).

ص: 441

وقال ابن عبد الحكم وغيره من أصحابنا: إن معنى ذلك مساجد الجماعات، وأما المنفرد فأول الوقت أولى به.

وقال عياض: ذهب مالك إلى أن البادئ في الصلاة في أول أوقاتها أفضل.

وعند ابن المواز والقاضي إسماعيل وأبي الفرج: أن الظهر يبرد بها في شدة الحر.

وقال الشافعي: تقدم الصلوات للفذ والجماعة في الشتاء والصيف إلا الإِمام الذي ينتاب إليه الناس من بُعْدٍ فيبرد بها في الصيف دون غيره، ولمالك في المدونة استحباب أن يصلى الظهر والعصر والعشاء الآخرة بعد تمكن الوقت وذهاب بعضه.

وتأوله أشياخنا على أهل الجماعات، وأما الفرد فأول الوقت أصلى، وتأوله بعضهم أن ذلك للفذ أيضًا، ولم يختلف قوله في المبادرة بالمغرب أول وقتها، ولا قول غيره ممن يقول لها وقت أم وقتان، ولا اختلف قوله بالتغليس في الصبح.

قوله: "واحتجوا في ذلك بما ذكرنا" أي احتج هؤلاء القوم في قولهم: "يستحب تعجيل الظهر في الزمان كله" بما ذكرنا من الأحاديث.

ص: وخالف في ذلك آخرون، فقالوا: أما في أيام الشتاء فيعجل بها كما ذكرتم، وأما في أيام الصيف فتؤخر حتى يبرد بها.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعةٌ آخرون، وأراد بهم: الثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدًا، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، ومالكا في الصحيح عنه، وأهل الظاهر؛ فإنهم قالوا: تؤخر الظهر في الصيف عن أول وقتها حتى يبرد بها.

وقال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله: والصحيح استحباب الإبراد، وهو المنصوص للشافعي، وبه قال جمهور أصحابه؛ لكثرة الأحاديث الصحيحة فيه المشتملة على فعله والأمر به في مواطن كثيرة، ومن جهة جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.

ص: 442

وقال ابن حزم في "المحلى": تعجيل جميع الصلوات أفضل في أول أوقاتها على كل حال؛ حاشى العتمة؛ فإن تأخيرها إلى آخر وقتها في كل حال وكل زمان أفضل، إلا أن يشق ذلك على الناس؛ فالرفق بهم أولى؛ وحاشى الظهر للجماعة خاصة، في شدة الحرِّ خاصةً؛ فالإبراد بها إلى آخر وقتها أفضل. انتهى.

وقال عياض: وذهب أهل الظاهر إلى أن أول الوقت وآخره في الفضل سواء؛ وقال به بعض المالكية.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن مهاجر أبي الحسن، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر قال:"كنا مع النبي عليه السلام في منزل، فأذن بلال، فقال رسول الله عليه السلام: مَهْ يا بلال، ثم أراد أن يؤذن، فقال: مَهْ يا بلال، حتى رأينا فئ التلول، ثم قال رسول الله عليه السلام: "إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا بالصلاة إذا اشتد الحر".

ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبوا إليه من استحباب إبراد الظهر في الصيف، بحديث أبي ذر رضي الله عنه.

أخرجه بإسناد صحيح.

ومهاجر أبو الحسن التيمي (1) الكوفي الصائغ؛ روى له الجماعة سوى ابن ماجه، وزيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي، رحل إلى النبي عليه السلام فقُبض وهو في الطريق؛ روى له الجماعة.

وأبو ذرٍّ اسمه جُندب بن جنادة.

وأخرجه البخاري (2): حدثنا ابن بشار، قال: ثنا غندر، قال: ثنا شعبة، عن المهاجر أبي الحسن، سمع زيد بن وهب، عن أبي ذر: "أذن مؤذن النبي عليه السلام الظهر،

(1) في "الأصل، ك": "التميمي"، والمثبت من "تهذيب الكمال"(28/ 584)، و"مغاني الأخيار"(5/ 112 رقم 2424).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 199 رقم 511).

ص: 443

فقال: أبرد، أبرد -أو قال: انتظر، انتظر- وقال: شدة الحرِّ من فيح جهنم، فإذا اشتد الحرُّ فأبردوا عن الصلاة، حتى رأينا شيء التلول".

وقال (1) أيضًا: ثنا آدم بن أبي إياس [قال: حدثنا شعبة](2)، قال: ثنا مهاجر أبو الحسن -مولى لبني تيم الله- قال: سمعت زيد بن وهب، عن أبي ذر الغفاري قال:"كنا مع النبي عليه السلام في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي عليه السلام: أبرد، ثم أراد أن يؤذن، فقال له: أبرد، حتى رأينا شيء التلول، فقال النبي عليه السلام: إن شدة الحرّ من فيح جهنم؛ فإذا اشتد الحرُّ فأبردوا بالصلاة".

وأخرجه مسلم (3): حدثني محمَّد بن المثنى، قال: حدثني محمَّد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت مهاجرًا أبا الحسن يحدث، أنه سمع زيد بن وهب يحدث، عن أبي ذر قال: "أذن مؤذن رسول الله عليه السلام بالظهر، فقال النبي عليه السلام: أبرد، أبرد؛ أو قال: انتظر، انتظر

" إلى آخره نحو رواية البخاري.

وأخرجه أبو داود (4): نا أبو الوليد الطيالسي، نا شعبة، أخبرني أبو الحسن، قال: سمعت زيد بن وهب يقول: سمعت أبا ذر يقول: "كنا مع النبي عليه السلام، فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر، فقال: أبرد، ثم أراد أن يؤذن، فقال: أبرد -مرتين أو ثلاثًا- حتى رأينا شيء التلول، ثم قال: إن شدة الحرِّ من فيح جهنم؛ فإذا اشتد الحرُّ فأبردوا بالصلاة".

وأخرجه الترمذي (5): ثنا محمود بن غيلان، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: أنبأنا شعبة، عن مهاجر أبي الحسن، عن زيد بن وهب، عن أبي ذر: "أن رسول الله عليه السلام كان في سفر ومعه بلال، فأراد أن يقيم، فقال: أبرد، ثم أراد أن يقيم، فقال

(1)"صحيح البخاري"(1/ 199 رقم 514).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "صحيح البخاري".

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 431 رقم 616).

(4)

"سنن أبي داود"(1/ 164 رقم 401).

(5)

"جامع الترمذي"(1/ 297 رقم 158).

ص: 444

رسول الله عليه السلام: أبرد في الظهر، قال: حتى رأينا فيء التلول، ثم أقام فصلى، فقال رسول الله عليه السلام إن شدة الحر من فيح جهنم؛ فأبردوا عن الصلاة".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

قوله: "فأذن بلال" أراد به: فأقام؛ لأن الإقامة يطلق عليها الأذان؛ والدليل عليه رواية الترمذي: "فأراد أن يقيم"؛ لأنه عليه السلام ما منعه عن الأذان في أول الوقت؛ وإنما منعه عن إقامته الصلاة في شدة الحر، وكذلك المراد من قوله:"فأراد أن يؤذن" معناه: أن يقيم، أو يكون المعنى: فأراد أن يؤذن كما صرح به في رواية أبي داود.

قوله: "مَهْ" أي اكفف، ودع الإقامة في هذا الوقت؛ وهذا من أسماء الأفعال كـ"صَهْ" فإن معناه اسكت، وهو يستعمل مع الفرد والمثنى والمجموع، والمذكر والمؤنث بلفظ واحدٍ، ويُنوَّن فيكون نكرةً، ويترك تنوينه فيكون معرفةً.

قوله: "حتى رأينا فيء التلول" أي ظلها، والتلول جمع تلّ -بتشديد اللام- ويجمع على تلال أيضًا.

قوله: "من فيح جهنم" بفاء مفتوحة، وياء آخر الحروف ساكنة، وحاء مهملة؛ أي سطوع حرها وانتشاره وغليانها؛ وأصله في كلامهم: السعة والانتشار، ومنه قولهم في الغارة "فيحي فياح"، ومكان أفيح أي واسع، وأرض فيحاء أي واسعة.

وللكلام وجهان:

حقيقي: وهو أن تكون شدة حر الصيف من وهج حَرِّ جهنم على الحقيقة وروي (1)"أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسين: نفس في الصيف، ونفس في الشتاء؛ فأشد ما تجدونه من الحرّ في الصيف فهو من نفسها، وأشد ما تجدونه من البرد في الشتاء فهو منها".

ومجازي: وهو أن يكون هذا الكلام من باب التشبيه؛ أي كأنه نار جهنم من الحر؛ فاحذروها واجتنبوا ضررها. وقد قيل: روي: "فإن شدة الحر من فتح جهنم"

(1) تقدم عن قريب.

ص: 445

من فتح الباب، أراد أن جهنم تفتح في ذلك الوقت؛ فتكون شدة الحر من وهج حر جهنم.

قوله: "فأبردوا بالصلاة" أراد بها الظهر؛ لأن في شدة الحر لا يكون إلا وقت الظهر؛ ومعناه أخروها عن وقت الهاجرة إلى حين بَرْد النهار، وانكسار وهج الحر.

وقال بعض أهل اللغة: أراد صلوها في أول وقتها، وبرد النهار أوله.

قلت: هذا تأويل بعيد ينافيه قوله: "حتى رأينا فيء التلول".

وقال الخطابي (1): ومن تأوله على بردي النهار، فقد خرج عن جملة قول الأمة.

قال عياض: مَعْنى "أبردوا بالصلاة" ادخلوا بها في وقت البرد، وهو آخر النهار؛ لأن حال ذلك الوقت بالإضافة إلى حرِّ الهاجرة برد؛ يقال: أبرد الرجل: صار في برد النهار، وأبرد الرجل كذا: وفعله فيه.

قوله: "أبردوا عن الصلاة" كما جاء في بعض الروايات: معناه بالصلاة، وعن تأتي بمعنى الباء، كما قيل:"رميت عن القوس"، أي به، كما تأتي الباء بمعنى عن، وقيل في قوله تعالى:{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (2) أي عنه، وقد تكون "عن" ها هنا زائدة، أي أبردوا الصلاة.

ويستفاد منه:

استحباب تأخير الظهر إلى وقت البرودة في الصيف، وبه استدل أصحابنا على ذلك، وحديث خباب ونحوه منسوخ بحديث الإبراد، على ما يأتي إن شاء الله، ويقال: الإبراد رخصة والتقديم أفضل، واعتمدوا على حديث خباب وحملوا حديث الإبراد على الرخصة والتخفيف في التأخير، وهو قول بعض الشافعية.

وأن جهنم مخلوقة اليوم، خلافًا لمن يقول من المعتزلة وغيرهم: إنها لم تخلق بعد.

(1)"معالم السنن"(1/ 111).

(2)

سورة الفرقان، آية:[59].

ص: 446

وأن شدة حَرِّ الصيف في الدنيا من حَرِّ جهنم.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله عليه السلام: "أبردوا بالظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم".

حدثنا فهد، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الأعمش، قال: ثنا أبو صالح، عن أبي سعيد، عن النبى عليه السلام مثله.

ش: هذان إسنادان صحيحان:

الأول: عن فهدبن سليمان، عن أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة شيخ مسلم وغيره، عن أبي معاوية محمَّد بن خازم -بالمعجمتين- الضرير أحد أصحاب أبي حنيفة، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك.

وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا أبو كريب، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش

إلى آخره نحوه سواء.

الثاني: عن فهد أيضًا، عن عمر بن حفص شيخ البخاري، عن أبيه حفص بن غياث، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي سعيد، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه البخاري (2): ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الأعمش، ثنا أبو صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله عليه السلام: "أبردوا بالظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم".

تابعه سفيان ويحيى وأبو عوانة، عن الأعمش.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 223 رقم 679).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 199 رقم 513).

ص: 447

ص: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة بن زيد الليثي، عن ابن شهاب أخبره، عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا النضر بن عبد الجبار، قال: ثنا نافع بن يزيد، عن ابن الهاد، عن محمَّد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا ابن خزيمة وفهد، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني ابن الهاد، عن محمَّد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن عبد الله بن زيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة، عن رسول عليه السلام مثله.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، قال: كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله عليه السلام فذكر نحوه.

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي عبد الله بن وهب، قال: حدثني عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد وسليمان الأغر، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا كانْ اليوم الحَارّ، فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة.

ص: 448

وعن عوف، عن الحسن، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"إن شدة الحر من فيح جهنم؛ فأبردوا بالصلاة".

ش: هذه تسعة طرق صحاح، ورجالها كلهم ثقات.

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن أسامة بن زيد الليثي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وعن سعيد بن المسيب، كلاهما عن أبي هريرة.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني وقتيبة بن سعيد الثقفي أن الليث حدثهم، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي عليه السلام قال:"إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة -قال ابن موهب: بالصلاة- فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم".

وأخرجه الترمذي نحوه (2): عن قتيبة، عن الليث

إلى آخره.

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(3) نحوه عن محمد بن الحسن بن قتيبة، عن يزيد بن موهب، عن الليث.

وهذا الحديث قد روي بطرق مختلفة متعددة، عن أبي هريرة، أخرجه الجماعة (4) وأحمد (5) والطيالسي (6) والعدني والبزار في "مسانيدهم"، والدارمي (7) والبيهقي (8) والدارقطني في "سننهم"، والطبراني في "معجمه".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 164 رقم 402).

(2)

"جامع الترمذي"(1/ 295 رقم 157).

(3)

"صحيح ابن حبان"(4/ 374 رقم 1507).

(4)

"البخاري"(1/ 199 رقم 512)، و"مسلم"(1/ 430 رقم 615)، و"أبو داود"(1/ 164 رقم 402)، و"الترمذي"(1/ 295 رقم 157)، و"النسائي"(1/ 248 رقم 500)، و"ابن ماجه"(1/ 222 رقم 678).

(5)

"مسند أحمد"(2/ 266 رقم 7602).

(6)

"مسند الطيالسي"(1/ 304 رقم 2302).

(7)

"سنن الدارمي"(1/ 296 رقم 1207).

(8)

"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 437 رقم 1899).

ص: 449

الثاني: عن ربيع بن سليمان الجيزي المصري الأعرج شيخ أبي داود والنسائي، عن النضر بن عبد الجبار بن نُضَيْر -بضم النون، وفتح الضاد المعجمة- أبي الأسود المصري، وثقه ابن حبان وغيره.

عن نافع بن يزيد الكلاعي أبي يزيد المصري.

عن يزيد بن عبد الله بن الهاد المدني.

عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث القرشي التيمي أبي عبد الله المدني.

عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف المدني.

عن أبي هريرة.

وأخرجه البزار في "مسنده": من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "أبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة الحرَّ من فيح جهنم".

وأخرجه مسلم (1): من حديث ابن الهاد، عن محمَّد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قصة النار، وقال: حدثني حرملة بن يحيى، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أنا حيوة، قال: حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن محمَّد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قالت النار: ربِّ أكل بعضي بعضًا؛ فأذن لي أن أتنفس، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم، وما وجدتم من حرَّ أو حرور فمن نفس جهنم".

الثالث: عن محمَّد بن خزيمة وفهد بن سليمان، كلاهما عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم القرشي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 431 رقم 617).

ص: 450

وأخرجه السراج في "مسنده" وقال: ثنا عبيد بن عبد الواحد، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، ثنا الليث، عن ابن الهاد، عن محمَّد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول:"إذا اشتد الحرُّ فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم".

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان القرشي، عن أبي هريرة.

وأخرجه مالك في "موطإه"(1): عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.

وعن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا اشتد الحرُّ فأبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، وذكر أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف".

وأخرجه مسلم (2): عن إسحاق بن موسى الأنصاري، عن معن، عن مالك، نحوه.

وأخرج ابن حبان في "صحيحه"(3): عن [عمر](4) بن سعيد بن سنان، عن أحمد بن أبي بكر، عن مالك، نحوه.

(1)"موطأ مالك"(1/ 16 رقم 28).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 431 رقم 617).

(3)

"صحيح ابن حبان"(4/ 377 رقم 1510).

(4)

في "الأصل، ك": عمرو، وهو خطأ، والمثبت من "صحيح ابن حبان"، وهو عمر بن سعيد ابن أحمد بن سعيد بن سنان، أبو بكر الطائي المنبجي، له ترجمة في "تاريخ دمشق"(45/ 59 - 60).

ص: 451

الخامس: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن أبي الزناد -بالنون- عبد الله بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام.

وأخرجه مالك في "موطإه"(1): عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا اشتد الحرُّ فأبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم".

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): عن إسحاق، عن مالك، عن أبي الزناد

" إلى آخره.

السادس: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي المصري، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، قال: "كان أبو هريرة رضي الله عنه

" إلى آخره.

وأخرجه البزار من حديث الأعرج من غير هذا الوجه، فقال: ثنا محمَّد بن إسماعيل البخاري، نا أيوب بن سليمان بن بلال، ثنا أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبردوا بصلاة الظهر في شدة الحرِّ؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم".

السابع: عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب الملقب بحشل شيخ مسلم وأبي بكر بن خزيمة وابن جرير الطبري.

عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث بن يعقوب المصري، عن بكير بن عبد الله بن الأشج القرشي المدني نزيل مصر، عن بُسْر -بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة- بن سعيد المدني العابد، وعن سليمان الأغر أبي عبد الله المدني، عن أبي هريرة.

(1)"موطأ مالك"(1/ 16 رقم 29).

(2)

"مسند أحمد"(2/ 462 رقم 9957).

ص: 452

وأخرجه مسلم (1): حدثني هارون بن سعيد الأيلي وعمرو بن سَوَّاد وأحمد بن عيسى قال عمرو: أخبرنا، وقال الآخران: نا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو، أن بكيرًا حدثه، عن بُسْر بن سعيد وسليمان الأغر، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا كان اليوم الحارّ فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم".

الثامن: عن صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن منصور ابن شعبة الخراساني، عن هشيم بن بشير السلمي، عن هشام بن حسان القردوسي، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا هشيم، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"شدة الحر من فيح جهنم؛ فأبردوا بالصلاة".

وأخرجه البزار أيضًا: ثنا نصر بن علي، نا عبد الله بن علي، عن هشام، عن محمَّد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "أبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم".

وأخرجه أحمد أيضًا (3): عن يزيد بن هارون، نا هشام، عن محمَّد، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال: أبردوا عن الصلاة في الحرِّ؛ فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم، أو من فيح أبواب جهنم".

التاسع: عن صالح، عن سعيد، عن هشيم، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عن الحسن البصري، عن أبي هريرة.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: حدثني أبي، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي عليه السلام.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 430 رقم 615).

(2)

"مسند أحمد"(2/ 229 رقم 7130).

(3)

"مسند أحمد"(2/ 507 رقم 10600).

ص: 453

وعن أبي زرعة، عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى يرفعه قال:"أبردوا بالظهر؛ فإن الذي تجدونه من الحرِّ من فيح جهنم".

ش: هذان طريقان:

أحدهما: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص شيخ البخاري، عن أبيه حفص بن غياث، عن الحسن بن عبيد الله بن عروة النخعي الكوفي، عن إبراهيم ابن يزيد النخعي الكوفي، عن يزيد بن أوس، وثقه ابن حبان، وقال ابن المديني: مجهول، وذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه.

عن ثابت بن قيس النخعي الكوفي، عن أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس.

وأخرجه النسائي (1): أخبرني إبراهيم بن يعقوب، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي (ح).

وثنا إبراهيم بن يعقوب، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا حفص (ح).

وأبنا عمرو بن منصور، قال: ثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: ثنا أبي، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى يرفعه قال:"أبردوا بالظهر؛ فإن الذي تجدونه من الحر من فيح جهنم".

والآخر: عن فهد، عن عمر بن حفص، عن أبيه، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم النخعي، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى يرفعه قال: "أبردوا بالظهر

" إلى آخره.

وأخرجه الطبراني في "الكبير": ثنا علي بن عبد العزيز وبشر بن موسى، قالا: ثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: ثنا أبي، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى، عن النبي عليه السلام.

(1)"المجتبى"(1/ 249 رقم 501).

ص: 454

وعن أبي زرعة، عن ثابت بن قيس، عن أبي موسى، رفعه قال:"أبردوا بالظهر؛ فإن الذي تجدونه من الحرِّ من فيح جهنم". انتهى.

وأبو زرعة اختلف في اسمه، فقيل: هرم، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل عمرو، وقيل: جرير، روى له الجماعة.

وهذا كما رأيت قد أخرج الطحاوي أحاديث هذا الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وأبي هريرة وأبي موسى، ومن حديث المغيرة أيضًا على ما يأتي.

وقال الترمذي (1): بعد أن أخرج حديث أبي هريرة: وفي الباب عن أبي سعيد، وأبي ذر، وابن عمر، والغيرة، والقاسم بن صفوان، عن أبيه، وأبي موسى، وابن عباس، وأنس رضي الله عنهم.

قلت: وفي الباب عن عمر بن الخطاب، وعائشة أم المؤمنين، وعمرو بن عبسة، وعبد الرحمن بن جارية.

فحديث ابن عمر عند ابن ماجه (2): ثنا عبد الرحمن بن عمر، نا عبد الوهاب الثقفي، نا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله عليه السلام: "أبردوا بالظهر".

وحديث المغيرة عنده أيضًا (3): ثنا تميم بن المنتصر الواسطي، نا إسحاق بن يوسف، عن شريك، عن بيان، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة، قال:"كنا نصلي مع رسول الله عليه السلام صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا: أبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم".

وأخرجه الطحاوي أيضًا على ما يأتي إن شاء الله.

(1)"جامع الترمذي"(1/ 295 رقم 157).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 223 رقم 681).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 223 رقم 680).

ص: 455

وحديث القاسم بن صفوان عن أبيه عند الطبراني في "الكبير"(1)، وأحمد في "مسنده" (2): بإسنادهما عن النبي عليه السلام قال: "أبردوا بالظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم".

والقاسم بن صفوان وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: القاسم بن صفوان لا يعرف إلا في هذا الحديث.

قلت: صفوان هو ابن مخرمة الزهري له صحبة.

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البزار: نا محمَّد بن عثمان بن كرامة، نا عبيد الله، نا عمر بن صُهْبَان، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "كان النبي عليه السلام في غزوة يؤخر الظهر حتى يبرد

" الحديث.

وحديث أنس عند النسائي (3): أنا عبيد الله بن سعيد، قال: أنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا خالد بن دينار أبو خلدة قال: سمعت أنس بن مالك قال: "كان رسول الله عليه السلام إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد عَجَّل".

وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند البزار (4): ثنا الفضل بن سهل الكرخي، وأحمد بن الوليد قالا: ثنا محمَّد بن الحسن المخزومي، قال: ثنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "أبردوا بالصلاة إذا اشتد الحر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم، وإن جهنم قالت: أكل بعضي بعضًا، فاستأذنت الله في نفسين، فأذن لها، فشدة الحر من فيح جهنم، وشدة البرد من زمهريرها".

وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر رضي الله عنه إلا من هذا الوجه، ورواه محمَّد بن الحسن، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، عن جده.

(1)"المعجم الكبير"(8/ 71 رقم 7399).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 262 رقم 18333).

(3)

"المجتبى"(1/ 248 رقم 499).

(4)

"مسند البزار"(1/ 403، 404 رقم 280).

ص: 456

ومحمد بن الحسن منكر الحديث، وقد احتمل الناس حديثه.

وأخرجه أبو يعلى أيضًا في "مسنده"(1).

وحديث عائشة عند البزار وأبي يعلى (2) بإسناد صحيح، عن عائشة أن النبي- عليه السلام قال:"إن شدة الحرِّ من فيح جهنم، فأبردوا بالصلاة".

وحديث عمرو بن عبسة عند الطبراني في "الكبير"(3): بإسناد ضعيف، عن النبي عليه السلام قال:"أبردوا بصلاة الظهر؛ فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم".

وحديث عبد الرحمن بن جارية عند الطبراني أيضًا في "الكبير"(4) من رواية عبد الكريم بن سليط عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "أبردوا بالظهر".

وعبد الكريم بن سليط وثقه ابن حبان.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: ففي هذه الآثار الأمر بالإبراد بالظهر، من شدة الحر، وذلك لا يكون إلا في الصيف، فقد خالف في ذلك ما روي عن النبي عليه السلام من تعجيل الظهر في الحر على ما ذكرنا في الآثار الأول، فإن قال قائل: فما دل على أن أحد الأمرين أولى من الآخر؟

قيل له: قد روي أن تعجيل الظهر في الحر قد كان يفعل ثم نُسخ، كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا يحيى بن معين، وتميم بن المنتصر، قالا: ثنا إسحاق ابن يوسف الأزرق، قال: ثنا شريك، عن بيان، عن قيس بن أبي حازم، عن

(1) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 46 رقم 1699): رواه أبو يعلى والبزار وقال: "إن جهنم قالت: أكل بعضي بعضًا" وفيه محمَّد بن الحسن بن زبالة نسب إلى وضع الحديث.

(2)

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 47 رقم 1702): رواه أبو يعلى والبزار ورجاله موثقون.

(3)

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 47 رقم 1703): رواه الطبراني في "الكبير" وفيه سليمان ابن سلمة الخبائري وهو مجمع على ضعفه.

(4)

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 47 رقم 1705): رواه الطبراني في "الكبير" من رواية ابن سليط عنه ولم أجد من ذكر ابن سليط. ورجاله رجال الصحيح.

ص: 457

المغيرة بن شعبة، قال:"صلى بنا النبي عليه السلام صلاة الظهر بالهجير، ثم قال: إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا بالصلاة".

قال أبو جعفر: فأخبر المغيرة في حديثه هذا أن أمر رسول الله عليه السلام بالإبراد بالظهر بعد أن كان يصليها في الحرِّ، فثبت بذلك نسخ تعجيل الظهر في شدة الحرِّ، ووجب استعمال الإبراد في شدة الحرِّ.

ش: ملخصه أن الآثار الأول التي فيها تعجيل الظهر في شدة الحرِّ قد انتسخ حكمها، بأمره عليه السلام بإبراد الظهر في شدة الحر، والدليل عليه حديث المغيرة بن شعبة؛ فإنه أخبر في حديثه أنه عليه السلام أمر بالإبراد بالظهر بعد أن كان يصليها في الحرِّ، والمتأخر ناسخ للمتقدم، وإليه ذهب جمهور العلماء من السلف والخلف.

وقال الترمذي (1): معنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحرّ أولى وأشبه بالاتباع، وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي، قال أبو ذر:"كنا مع النبي عليه السلام في سفر، فأذن بلال في صلاة الظهر، فقال النبي عليه السلام: يا بلال، أبرد ثم أبرد".

فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنىً؛ لاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد، انتهى.

ثم رجال حديث المغيرة ثقات، وتميم بن المنتصر بن تميم الهاشمي أبو عبد الله الواسطي شيخ أبي داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير الطبري.

وشريك هو ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي.

وبيان هو ابن بشر الأحمسي البجلي الكوفي، روى له الجماعة.

وقيس بن أبي حازم واسمه حصين بن عوف البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي

(1)"جامع الترمذي"(1/ 295 رقم 157).

ص: 458

روى له الجماعة، قيل: إنه رأى النبي عليه السلام وهو يخطب، ولم يثبت، والصحيح أنه هاجر إليه عليه السلام ليبايعه فَقُبِضَ وهو في الطريق.

والحديث أخرجه ابن ماجه (1): عن تميم بن المنتصر

إلى آخره نحوه، وقد ذكرناه عن قريب.

ص: وقد روي عن أنس بن مالك وأبي مسعود رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام كان يعجلها في الشتاء ويؤخرها في الصيف:

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يزيد بن في حبيب، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن شهاب، عن عروة بن الزبير، قال: أخبرني بشير بن في مسعود، عن أبي مسعود:"أنه رأى النبي عليه السلام يصلي الظهر حين تزيغ الشمس، وربما أخرها في شدة الحرِّ".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المقدمي، قال: ثنا حرمي بن عمارة، قال: ثنا أبو خلدة، قال: ثنا أنس بن مالك، قال:"كان رسول الله عليه السلام إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة".

وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن ثابت، قال: ثنا أبو خلدة، عن أنس بن مالك قال:"كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالشتاء بكَّر بالظهر، وإذا كان بالصيف أبرد بها".

قال أبو جعفر رحمه الله: هكذا السنة عندنا في صلاة الظهر على ما ذكر أبو مسعود وأنس رضي الله عنهما من صلاة رسول الله عليه السلام، وليس فيما قدمنا ذكره في الفصل الأول ما يجب به خلاف شيء من هذا؛ لأن حديث أسامة وعائشة وخباب وأبي برزة رضي الله عنهم كلهم عندنا منسوخة بحديث المغيرة الذي رويناه في الفصل الأخير.

وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه في صلاة الظهر حين زالت الشمس وحلفه أن ذلك وقتها، فليس في ذلك الحديث أن ذلك كان منه في الصيف ولا أنه كان منه في

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 223 رقم 680).

ص: 459

الشتاء، ولا دلالة في ذلك على خلاف غيره، وهذا أنس بن مالك فقد روى عنه الزهري أن رسول الله- عليه السلام صلى الظهر حين زالت الشمس ثم جاء أبو خلدة ففسر عنه أنه كان يصليها في الشتاء معجلًا وفي الصيف مؤخرًا، واحتمل ما روى ابن مسعود، وهو كذلك أيضًا.

ش: ذكر حديث أبي مسعود وأنس رضي الله عنهما تأكيدًا لما ذكره من نسخ حديث المغيرة الأحاديث التي فيها تعجيل الظهر في شدة الحرّ.

وأخرج حديث أبي مسعود -واسمه عقبة بن عمرو الأنصاري المعروف بالبدري- بإسناد صحيح؛ لأن رجاله كلهم ثقات.

وبَشير -بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة- قيل: له صحبة أيضًا.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1) مطولا: ثنا مطلب بن شعيب الأزدي، ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح (ح).

وثنا عبد الرحمن بن معاوية العتبي، نا يحيى بن بكير، حدثني الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسامة بن زيد، عن ابن شهاب: "أنهم كانوا على كراسي عمر بن عبد العزيز ومعهم عروة بن الزبير، فدعاه المؤذن لصلاة العصر

" الحديث ذكرناه بتمامه في أول باب الوقت الذي يصلى فيه الفجر؛ لأن الطحاوي قد ذكر هناك قطعة منه بالإسناد الذي ذكره ها هنا بعينه.

وأخرج حديث أنس من طريقين صحيحين:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمَّد بن أبي بكر بن عطاء بن مقدَّم المقدمي -بفتح الدال- شيخ البخاري ومسلم.

عن حرمي بن عمارة بن أبي حفصة البصري.

عن أبي خلدة -بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام- واسمه خالد بن دينار البصري الخياط.

(1)"المعجم الكبير"(17/ 259 رقم 716).

ص: 460

عن أنس بن مالك.

وأخرجه النسائي (1): أنا عبيد الله بن سعيد، قال: أبنا أبو سعيد مولى بني هاشم، قال: أبنا خالد بن دينار أبو خلدة، قال: سمعت أنس بن مالك قال: "كان رسول الله عليه السلام إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد عجَّل".

قوله: "بكَّر" أي أتى الصلاة في أول وقتها، وكل من أسرع إلى شيء فقد بكَّر إليه.

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن ثابت البصري أبي محمَّد البزار -بالراء المهملة في آخره- عن أبي خلدة، عن أنس.

وأخرجه أبو العباس السراج في "مسنده": ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا يحيى بن خليف بن عقبة بصري، عن أبي خلدة، عن أنس بن مالك قال:"كان رسول الله عليه السلام إذا كان البرد بكَّر بالصلاة، وإذا كان الحرَّ أخرها".

قوله: "قال أبو جعفر .. " إلى آخره، ظاهر عن البيان.

قوله: "وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه

" إلى آخره جواب عمَّا استدلت به أهل المقالة الأولى، من جملة الأحاديث التي ذكرت في الفصل الأول منها حديث مسروق قال: "صليت خلف عبد الله بن مسعود الظهر حين زالت الشمس، فقال: هذا - والذي لا إله إلا هو- وقت هذه الصلاة" وتقرير الجواب: أنه لا دلالة فيه أنه كان ذلك في الصيف، ولا أنه كان في الشتاء، وإنما هو بيان وقت الظهر، ونحن نقول به.

وأما الإبراد في الصيف والتعجيل في الشتاء فأمرٌ زائد على ذلك، فلا دلالة له على ذلك، وهذا كحديث الزهري عن أنس:"أن رسول الله عليه السلام صلى الظهر حين زالت الشمس"، ثم جاء أبو خلدة خالد بن دينار فسر عن أنس أنه كان يصليها في الشتاء مُعَجِّلًا وفي الصيف مُؤخرًّا، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه يحتمل هذا الوجه، فلا يتم

(1)"المجتبى"(1/ 248 رقم 499).

ص: 461

لهم به استدلال، وعندي جواب آخر أحسن منه، وهو أن ابن مسعود إنما أكد كلامه بيمينه على أن دخول وقت الظهر من زوال الشمس عن كبد السماء، وليس يمينه على أن وقت الظهر هو الوقت الذي صلى فيه الظهر فقط؛ لأن وقت الظهر أكثر من الوقت الذي صلى هو فيه؛ لأنه ينتهي إلى أنه يصير ظل كل شيء مثله أو مثليه على الخلاف، فيكون معنى قوله:"هو وقت الظهر" أي هو وقت دخول الظهر، واستحقاقه، وليس فيه دلالة على استحباب ذلك الجزء من الوقت، فافهم.

ص: فإن احتج محتج في تعجيل الظهر بما قد حدثنا فهد، قال: ثنا ابن الأصبهاني، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سويد بن غفلة، قال:"سمع الحجاج أذانه بالظهر وهو في الجبَّانة، فأرسل إليه، فقال: ما هذه الصلاة؟ فقال: صليت مع أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم حين زالت الشمس، قال: فصرفه، وقال: لا تؤذن ولا تؤم".

قيل له: ليس في هذا الحديث أن الوقت الذي رآهم فيه سويد كان في الصيف فقد يجوز أن يكون كان في الشتاء ويكون حكم الصيف عندهم بخلاف ذلك، والدليل على هذا: أن يزيد بن سنان قد حدثنا، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا عبد الله ابن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، "أن عمر رضي الله عنه قال لأبي محذورة بمكة: كنت بأرض حارة شديدة الحرِّ فأبرد ثم أبرد بالأذان للصلاة".

قال أبو جعفر رحمه الله: أفلا ترى أن عمر رضي الله عنه قد أمر أبا محذورة في هذا الحديث بالإبراد لشدة الحرِّ؟ فأولى الأشياء بنا أن نحمل ما روى عنه سويد على غير خلاف ذلك، فيكون ذلك كان منه في وقت لا حرَّ فيه.

ش: وجه الاحتجاج: أن سويد بن غفلة أخبر أنه صلى مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم في أول الوقت، فدل على أن التعجيل هو السنة مطلقًا؛ لأنه لو لم يكن السنة لما فعل بها الخلفاء الثلاثة الراشدون.

وتقرير الجواب: أنه لا دليل فيه أن الوقت الذي رآهم سويد يصلون فيه كان في الصيف، فيحتمل أن يكون قد كان ذلك في الشتاء، بل هو المراد، والدليل عليه أن

ص: 462

عمر رضي الله عنه أمر أبا محذورة مؤذن مكة أن يبرد بالأذان للصلاة في شدة الحرّ فلو لم يكن هذا عند عمر سنة لما أمره بذلك.

ثم إسناد أثر سويد صحيح، وابن الأصبهاني هو محمَّد بن سعيد شيخ البخاري.

وأبو حَصِين -بفتح الحاء وكسر الصاد المهملة- واسمه عثمان بن عاصم الكوفي، روى له الجماعة.

وسويد بن غفلة بن عوسجة الكوفي أدرك الجاهلية، وروي عنه أنه قال:"أنا لِدَة النبي عليه السلام؛ ولدت عام الفيل ". قدم المدينة حين نُفِضَت الأيدي من دفن رسول الله عليه السلام.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، قال: حدثني ميمون بن مهران: "أن سويد بن غفلة كان يصلي الظهر حين تزول الشمس، فأرسل إليه الحجاج: لا تسبقنا بصلاتنا، فقال سويد: قد صليتها مع أبي بكر وعمر هكذا، والموت أقرب إليَّ من أن أدعها".

قوله: "في الجبانة" الجبان والجبانة الصحراء، وتسمى المقابر جبانة أيضًا؛ لأنها تكون في الصحراء، تسمية للشيء بموضعه.

قوله: "فصرفه" أي منعه الحجاج عن الأذان والإقامة، والحجاج هو ابن يوسف الثقفي الظالم المشهور، وكان عامل عبد الملك بن مروان على العراق وخراسان، وتوفي سنة خمس وتسعين من الهجرة، وعمره ثلاث -أو أربع- وخمسون سنة.

وأما أثر عمر بن الخطاب فأخرجه عن يزيد بن سنان القزاز.

عن أبي بكر الحنفي الصغير واسمه عبد الكبير بن عبد المجيد روى له الجماعة.

عن عبد الله بن نافع القرشي، فيه مقال، فعن يحيى: ضعيف، وعنه: يُكتب حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. روى له ابن ماجه.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 285 رقم 3271).

ص: 463

عن أبيه نافع مولى ابن عمر.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن معمر، عن أيوب ويزيد بن أبي زياد، عن عكرمة بن خالد، قال:"قدم عمر مكة، فأذن له أبو محذورة، فقال له عمر: أما خشيت أن ينخرق مريطاؤك؟! قال: يا أمير المؤمنين قدمتَ فأحببت أن أسمعكم أذاني، فقال له عمر: إن أرضكم معشر أهل تهامة حارَّة، فأبرد ثم أبرد -مرتين أو ثلاثًا- ثم أذن، ثم ثوب" انتهى.

وأبو محذورة -بضم الذال المعجمة- اسمه أوس، وقيل: سمرة، وقيل: سلمة، وقيل: سلمان، واسم أبيه مِعْيرَ -بكسر الميم، وسكون العين، وفتح الياء آخر الحروف، وفي آخره راء- وكان أحسن الناس أذانًا وأنداهم صوتًا، وجعله النبي عليه السلام على أذان مكة يوم منصرفه من حنين، فلم يزل يؤذن فيها إلى أن توفي بمكة سنة تسع وخمسين من الهجرة.

قوله: "مريطاؤك" المريطاء -بضم الميم، وبالمد- هي الجلدة التي بين السرة والعانة، وهي في الأصل مصغرة مرطاء، وهي الملساء التي لا شعر عليها، وقد تقصر.

ص: فإن قال قائل: إن حكم الظهر أن يعجل في سائر الزمان، ولا يؤخر، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث خباب وعائشة وجابر وأبي برزة رضي الله عنه وإنما كان من النبي عليه السلام من أمره إياهم بالإبراد رخصة منه لهم لشدة الحرِّ؛ لأن مسجدهم لم يكن له ظلال، وذَكَر في ذلك ما قد روي عن ميمون بن مهران، فيه كما قد حدثنا فهد، قال: ثنا علي [بن](2) معبد، قال: ثنا أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران، قال:؛ لا بأس بالصلاة نصف النهار وإنما كانوا يكرهون الصلاة نصف النهارة لأنهم كانوا يصلون بمكة وكانت شديدة الحرِّ ولم يكن لهم ظلال، فقال:

(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 545 رقم 2060).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 464

أبردوا بها. قيل له: هذا الكلام يستحيل؛ لأن هذا لو كان كما ذكرت لما أخرها رسول الله- عليه السلام وهو في السفر، حيث لا كِنّ ولا ظل على ما في حديث أبي ذر رضي الله عنه ولصلاها حينئذٍ في أول وقتها في غير كنٍّ ولا ظل، فتركه الصلاة حينئذٍ دليل على أن ما كان منه من الأمر بالإبراد ليس لأن يكونوا في شدة الحر في الكِنَّ، ثم يخرجون فيصلون الظهر في حال ذهاب الحرِّ؛ لأنه لو كان ذلك كذلك لصلاها لا كِنٌ في أول وقتها ولكن ما كان منه عليه السلام من هذا القول عندنا -والله أعلم- إيجاب منه أن ذلك هو سنتها، كان الكِنُّ موجودًا أو معدومًا.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: هذا السؤال يرد على ما ذكر من ثبوت النسخ في حديث خباب ونحوه، على ما مَرَّ ذكره، تقديره أن يقال: لا نُسَلِّم أن حديث الإبراد ناسخ لحديث التعجيل بل حكم التعجيل باقٍ كما في حديث خباب ومن ذكر معه، وإنما كان أمره عليه السلام بالإبراد لأجل الرخصة لهم؛ لأجل شدة الحرِّة لأن مسجدهم لم يكن له ظلال وكانوا يتضررون وقت الهاجرة، فرخص لهم بالإبراد لذلك؛ والدليل عليه ما قاله ميمون بن مهران -أبو أيوب الجزري، وثقه أحمد والنسائي وغيرهما- "لا بأس بالصلاة نصف النهار

" إلى آخره.

أخرجه الطحاوي: عن فهد بن سليمان، عن علي بن معبد بن شداد العبدي أحد أصحاب محمَّد بن الحسن الشيباني، عن أبي المليح الرقي واسمه الحسن بن عمرو الفزاري وثقه أحمد وأبو زرعة، ونسبته إلى رَقَّة -بفتح الراء والقاف المشددة- بلدة بالفراتية وهذا أخذه ميمون من سويد بن غفلة، فكل ما أجيب عن قول سويد فهو جواب عن قول ميمون.

وتقدير الجواب: أن ما ذكرتم هذا بعيد ومستحيل؛ لأن الأمر لو كان كما ذكرتم لَمَا أخر رسول الله عليه السلام الظهر والحال أنه كان في السفر كما مرَّ في حديث أبي ذر "كنا مع رسول الله عليه السلام منزل فأذن بلال، فقال رسول الله عليه السلام: مه يا بلال

" الحديث.

ص: 465

وفى رواية الترمذي (1): "أن رسول الله عليه السلام كان في سفر ومعه بلال، فأراد أن يقيم، فقال: أبرد

" الحديث. والسفر لا كِنَّ فيه ولا ظلال، ولم يُصلّ رسول الله عليه السلام في أول وقتها، بل أخرها، ولو كان الأمر كما ذكرتم لصلاها حينئذٍ في أول الوقت، فظهر من ذلك أن تأخيره عليه السلام الظهر حينئذٍ إلى وقت الإبراد لم يكن لأجل أن يكونوا في الكِنّ في شدة الحرِّ ليخرجوا منها ثم يصلوا بعد ذهابها، بل إنما كان ذلك منه عليه السلام عزمًا على أنه سنة سواء كان الكِنّ موجودًا أو معدومًا، فيستوي فيه السفر والحضر، وثبت النسخ الذي ادعينا واستمر الحكم على تأخير الظهر في الصيف حتى يبرد بها، والله أعلم.

"والكِنّ" بكسر الكاف وتشديد النون السترة والجمع أكنان قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} (2)، والأكنة: الأغطية، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} (3) والواحدة كنان، وأكننته في نفسي: أسررته، فافهم.

(1)"جامع الترمذي"(1/ 297 رقم 158).

(2)

سورة النحل، آية:[81].

(3)

سورة الأنعام، آية:[25].

ص: 466