المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الإقامة، كيف هي - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: الإقامة، كيف هي

‌ص: باب: الإقامة، كيف هي

؟

ش: أي هذا باب في بيان كيفية الإقامة للصلاة، والمناسبة بين البابين ظاهرة جدًّا، وهي إعلام مخصوص للحاضرين، كما أن الأذان إعلام مخصوص للغائبين.

ص: حدثنا مُبَشِّرَ بن الحسن بن مُبَشِّر بن مُكَسِّر، قال: نا أبو عامر العقدي، قال: نا شعبة، عن خالد الحذَّاء، عن أي قلابة، عن أنس رضي الله عنه قال:"أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة".

ش: إسناده صحيح، ومبشر بن الحسن أبو بشر البصري، وثقه ابن يونس.

وأبو عامر اسمه عبد الملك بن عمرو، ونسبته إلى عَقَد -فتح العين والقاف- قوم من قيس، وهم صنف من أزد.

وأبو قلابة اسمه عبد الله بن زيد الجرمي أحد الأئمة الأعلام.

وأخرجه البخاري (1): نا علي بن عبد الله، نا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا خالد، عن أبي قلابة عن أنس قال:"أُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة".

قوله: "أن يشفع الأذان" يعني يأتي به مثنًى، وهذا مجمع عليه اليوم، وحكي في إفراده خلاف عن بعض السلف.

قوله: "ويوتر الإقامة" يعني يأتي بها وترًا ولا يثنيها، بخلاف الأذان.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سليمان بن حَرْب، قال: نا شعبة وحماد بن زيد

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: نا خالد بن عبد الرحمن الخراساني، قال: نا سفيان، عن خالد

، ذكر بإسناده مثله.

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: نا حجاج بن منهال، قال: نا حماد بن سلمة وحماد بن زيد، عن خالد

فذكر بإسناده مثله.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 220 رقم 582).

ص: 29

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا إبراهيم بن عبد الله الهرويَّ، قال: نا محمَّد بن دينار الطاحي، قال: ثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال:"كانوا أرادوا أن يضربوا بالناقوس وأن يرفعوا نارًا لإعلام الصلاة، حتى رأى ذلك الرجل تلك الرؤيا، فَأْمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة".

حدثنا نَصْر بن مرزوق، قال: ثنا علي بن مَعْبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو الجزري، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال:"أُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة".

ش: هذه ستة طرق أخرى في الحديث المذكور، وهي صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرُلُّسي، عن سليمان بن حرب الواشحي أحد مشايخ البخاري، عن شعبة وحماد بن زيد، كلاهما عن خالد الحَذَّاء، عن أبي قلابة، عن أنس.

وأخرجه الدارمي في "سننه"(1) وقال: أنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن سماك بن عطية، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال:"أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة".

الثاني: عن سليمان بن شعيب بن سليمان الكيساني، عن خالد بن عبد الرحمن الخراساني، عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس.

وأخرجه عبد الرزاق (2): عن الثوري، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس قال:"أُمِر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة".

الثالث: عن محمَّد خزيمة بن راشد، عن الحجاج بن المنهال الأنماطي، عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد، كلاهما عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس.

(1)"سنن الدارمي"(1/ 291 رقم 1195).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 464 رقم 1795).

ص: 30

وأخرجه مسلم (1) وقال: نا خلف بن هشام، قال: ثنا حماد بن زيد.

ونا يحيى بن يحيى، قال: أنا إسماعيل بن عَلية، جميعًا عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس قال:"أُمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة".

الرابع: عن محمَّد بن عيسى بن فليح بن سليمان الخزاعي، عن سعيد بن منصور الخراساني أحد مشايخ مسلم، عن هُشَيْم بن بَشير، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس.

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(2) وقال: ثنا أحمد بن عبد الله الوكيل، ثنا الحسن ابن عرفة، ثنا هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس قال:"أُمر بلال أَن يشفع الأذان ويوتر الإقامة".

الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود البرُلُّسي، عن إبراهيم بن عبد الله الهروي، أحد مشايخ الترمذي وابن ماجه.

عن محمَّد بن دينار الأزدي الطَّاحِي -بالطاء والحاء المهملتين- نسبة إلى طاحية قبيلة من الأزد.

عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس.

وأخرجه البخاري (3) وقال: ثنا محمَّد، قال: أنا عبد الوهاب، قال: أنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال:"لما كثر الناس قال: ذكروا أنْ يُعْلِموا وقت الصلاة بشيء يَعْرفونه، فذكورا أن يُورَوْا نارًا، أو يضربوا ناقوسًا، فأُمر بلال أن يشفع [الأذان] (4) وأن يوتر الإقامة".

(1)"صحيح مسلم"(1/ 286 رقم 378).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 240 رقم 17).

(3)

"صحيح البخاري"(1/ 220 رقم 581).

(4)

تكررت في "الأصل".

ص: 31

وأخرجه مسلم أيضًا: ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: أنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا خالدٌ الحذّاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال:"ذكروا أن يُعلموا وقتَ الصلاة بشيء يَعْرفونه، فذكروا أن يُنوّروا نارًا، ويضربوا ناقوسًا، فأُمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة".

قوله: "حتى رأى ذلك الرجل" أراد به عبد الله بن زيد الأنصاري.

قوله: "أن يُوروا" من أورى النار إذا أوقدها وثلاثيَّه: وَرَى. يقال: وَرَى الزند يَرِي: إذا أخرجت نارُه، وأوْرَاه غيره إذا استخرج نارَه.

قوله: "ينوّروا" في رواية مسلم: من التنوير.

السادس: عن نصر بن مرزوق، عن علي بن مَعبد بن شداد العَبدي، عن عَبَيْد الله عَمرو الجزريّ، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أنس.

وأخرجه أبو داود (1): عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال:"أُمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة".

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا فقالوا هكذا الإقامة تفرد مرة مرة.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: ربيعة، ومالكًا، وأهل المدينة؛ فإنهم قالوا: الإقامة فُرادى كلّها.

وقال القاضي عياض: المشهور عن مالك إفراد الإقامة؛ لأنه المعمول به بالمدينة.

وقال أبو عمر: قال مالك -في المشهور-: إن الإقامة عشر كلمات، فلا يثني لفظ الإقامة.

وهو قول قديم للشافعي، واحتجوا في ذلك بما روي عن أنس، المذكور آنفًا.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 141 رقم 508).

ص: 32

ص: وخالفهم في ذلك آخرون في حرْف من ذلك، فقالوا: إلا قوله: "قد قامت الصلاة" فإنه ينبغي أن يثني ذلك مرتين.

ش: أي خالف القوم المذكورين فيما قالوا من إفراد كلمات الإقامة جميعها جماعة آخرون، وأراد بهم: مكحولًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا عُبَيْد؛ فإنهم وافقوا القوم المذكورين في إفراد الإقامة، ولكن خالفوهم في حَرْف منه؛ أي: في طرف منه وهو أن لفظ "قد قامت الصلاة" عندهم مرتين، وعند أولئك القوم مرة واحد كغيرها من ألفاظ الإقامة.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سليمان بن حَرْب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن سماك بن عطية، عن أيوب، عن أن أبي قلابة، عن أنس قال:"أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة، إلَّا الإقامة".

وحدثنا محمَّد بن حزيمة، قال: ثنا محمَّد بن سنان العَوَقي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس.

وحدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا محمَّد بن سنان، قال: ثنا إسماعيل -يعني ابن عُلَيَّة- قال: ثنا خالد الحذّاء، عن أبي قلابة، عن أنس قال:"أُمِرَ بلال أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة".

قال إسماعيل: فحدثت به أيوب فقلت له: "وأن يوتر الإقامة" فقال: "إِلَّا الإقامة".

ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبوا إليه من إِفراد ألفاظ الإقامة إلا لفظ الإقامة، بحديث أنس رضي الله عنه أيضًا.

وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم ابن أبي داود البُرُلُّسي، عن سليمان بن حَرْب الواشحي، عن حماد بن زَيْد، عن سماك بن عطية البصري، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرْمي، عن أنس.

ص: 33

وأخرجه البخاري (1): ثنا سليمان بن حرب، قال: نا حماد بن زيد

إلى آخره نحوه سواء.

قوله: "إلا الإقامه" استثناء من قوله: "ويوتر الإقامة"، والمعنى: ويفرد ألفاظ الإقامة للصلاة إلا لفظ الإقامة وهي "قد قامت الصلاة" فإنها تثنى.

الثاني: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، عن محمَّد بن سنان العَوَقي نِسبة إلى عَوَقة -بفتح العين المهملة والواو والقاف- من عبد القيس، عن حماد بن سلمة، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس.

الثالث: عن محمَّد بن خزيمة أيضًا، عن محمَّد بن سنان أيضًا، عن إسماعيل بن عُلَيَّة، عن خالد

إلى آخره.

وأخرجه البخاري (2) وقال: نا علي بن عبد الله، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، نا خالد، عن أبي قلابة، عن أنس قال:"أُمر بلال أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة" قال إسماعيل: فذكرت لأيوب، فقال:"إلا الإقامة".

وأخرجه مسلم (3) وقال: ثنا خلف بن هشام، قال: ثنا حماد بن زيد.

وحدثنا يحيى بن يحيى، قال: أنا إسماعيل بن عُليَّة، جميعًا عن خالد الحذّاء، عن أبي قلابة، عن أنس قال:"أُمِر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة" زاد يحيى في حديثه عن ابن علية: فحدثت به أيوب فقال: "إلا الإقامة".

ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير قال: ثنا شعبة، عن أبي جَعْفر الفرّاء، عن مسلم -مؤذنٍ كان لأهل الكوفة- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرةً مرةً، غير أنه إذا قال: قد قامت الصلاة قالها مَرّتين، فعرفنا أنها الإقامة، فيتوضأ أحدُنا ثم يخرجُ".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 220 رقم 580).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 220 رقم 582).

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 286 رقم 378).

ص: 34

ش: إسناده حسن، وأبو جعفر الفراء الكوفي والد عبد الحميد بن أبي جعفر، قيل: اسمه كيْسان، وقيل: سَلْمان، وقيل: زياد وثقه ابن حبان، وأبو داود وروي له.

ومسلم مؤذن أهل الكوفة هو مسلم بن المثنى، ويقال: ابن مهران بن المثنى القرشي الكوفي، وثقه أبو زرعة وابن حبان.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا محمَّد بن بشار، نا محمَّد بن جعفر، نا شعبة، قال: سمعتُ أبا جعفر يُحدّث، عن مسلم بن المثنى، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين، والإقامة مرةً مرةً، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، فإذا سمعنا الإقامة توضأنا، ثم خرجنا إلى الصلاة" قال شعبة: لم أسمع من أبي جعفر غير هذا الحديث.

ص: واحتجوا في ذلك أيضًا من النظر، فقالوا: قد رأينا الأذان ما كان منه مكررًا لم يثنّ في المرة الثانية، وجعل على النصف مما هو عليه في الابتداء، وكانت الإقامة لا يبتدأ بها، إنما تكون بعد الأذان، فكان النظر على ذلك أن يكون ما فيها مما هو في الأذان غير مثنى، وما فيها مما ليس في الأذان مثنى، فكل الإقامة في الأذان غير "قد قامت الصلاة" فتفرد الإقامة كلها ولا تُثَنّى غير "قد قامت الصلاة" فإنها تكررّ لأنها ليست من الأذان.

ش: أي واحتج الآخرون الذين خالفوا القوم المذكورين في حرف من ذلك فيما ذهبوا إليه من وجه النظر والقياس أيضًا، بيانه: أن الإقامة تكون بعد الأذان متابعة له، وفيها شيء من ألفاظ الأذان وشيء من غيرها، وكان ما يكرر في الأذان أولًا يُجَعلُ على النصف آخرًا، فالنظر على ذلك: ينبغيِ أن يكون ما في الإقامة مما هو في الأذان غير مثنى ليجعل على النصف من ذلك، وما فيها مما ليس في الأذان كلفظ:"قد قامت الصلاة" لا يجعل على النصف نحو ذلك؛ لأنها ليست من الأذان حتى تجعل على النصف، فحيئذ تثنى؛ فافهم.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 141 رقم 510).

ص: 35

ص: وخالفهم آخرون في ذلك كله.

فقالوا: الإقامة كلها مثنى مثنى مثل الأذان سواء، غير أنه يقال في آخرها:"قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة".

ش: أي خالف الطائفتن المذكُورِين جماعة آخرون فيما ذهبوا إليه من إفراد ألفاظ الإقامة كلها، أو إفرادها غير "قد قامت الصلاة" وهم سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومن ذهب إلى مذهبهم من أهل الكوفة، فإنهم قالوا: الإقامة كلها مثنى مثنى مثل الأذان سوء بسواء، غير أنه تزاد في الإقامة بعد الفلاح:"قد قامت الصلاة" مرتين.

ص: وقالوا ما ذكرتم عن بلال رضي الله عنه، فقد روي عنه خلاف ذلك مما سنذكره إن شاء الله بعد.

ش: أي قال هؤلاء الآخرون لأهل المقالتين المذكورتين: ما ذكرتم عن بلال رضي الله عنه من أنه أُمر بأن يشُفع الأذان ويوتر الإقامة، فإنه وإن كان قد روي عنه ذلك فقد روي عنه أيضًا خلافه على ما يجيء بيانه، فحينئذ يتعارض خبراه فيرجع حينئذ إلى الأصول وهو على وجوه:

الأول: أن مدَّعَانَا يُرجَّح بكثرة الدلائل من الأخبار والآثار الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى مثل الأذان.

والثاني: أن قوله: "أُمر بلال" قد يقال فيه: إن الأمر مُبْهم، يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون غيره، وقد قيل: إن الآمر بذلك أبو بكر رضي الله عنه، وقيل: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحصل فيه احتمالات تدفع الاحتجاج به، مع وجود الآثار الدالة على خلافه.

وقال الشيخ محيي الدين النوويّ: إطلاق ذلك ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي، وهو رسول الله عليه السلام، ومثل هذه اللفظة قول الصحابي:"أمرنا بكذا"، أو "نهينا عن كذا" وأُمر الناس بكذا فكله مرفوع سواء قال الصحابيّ ذلك في حياة رسول الله عليه السلام أم بعد وفاته.

ص: 36

قلت: فيه مناقشة؛ لأن من الإطلاق تنشأ الاحتمالات، وقوله: "سواء

" إلى آخره غير مُسَلَّم؛ لجواز أن يقول الصحابيّ بعد الرسول: "أمرنا بكذا" أو "نهينا عن كذا" ويكون الآمر أو الناهي أحد الخلفاء الراشدين.

والثالث: أن بعضهم ادعوا أن حديث أبي محذورة ناسخ لحديث أنسِ رضي الله عنه هذا، قالوا: وحديث بلال رضي الله عنه إنما كان أول ما شرع الأذان كما دلّ عليه حديث أنس، وحديث أبي محذورة كان عام حنين وبينهما مدّة مديدة، فإن قيل: شرط الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوى في جميع جهات الترجح، وحديث أبي محذورة لا يساوي حديث أنس من جهة واحدة فضلًا عن الجهات كلها.

قلت: لا نسلم أن من شرط الناسخ ذلك، بل يكفي فيه أن يكون صحيحًا متأخرًا معارضًا غير ممكن الجمع بينه وبين معارضه، فلو فرضناهما متساويين في الصحة، ووجد ما ذكر من الشرط لثبت النسخ، وأما أنه يشترط أن يكون أرجح من المعارض في الصحة فلا نُسَلِّم، نعم لو كان دونه في الصحة ففيه نظر.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن داود الخريبي، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى:"أن عبد الله بن زيد رأى رجلًا نزل من السماء عليه ثوبان أخضران أو بردان أخضران فقام على جِذْم حائط، فأذن: الله أكبر الله أكبر، على ما ذكرنا في الباب الأول، "ثم قعد، ثم قام فأقام مثل ذلك، فأتى النبي عليه السلام فأخبره، فقال: نِعْمَ ما رأيتَ عَلِّمها بلالًا".

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى النيسابوريُّ، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثَنى أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم: "بأن عبد الله بن زيد الأنصاريّ رضي الله عنه رأى في المنام الأذان، فأتى النبي عليه السلام فأخبره، فقال: علمه بلالًا، فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، وقعد قعدة".

ص: 37

حدثنا فهد، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا أصحابنا

فذكر نحوه.

قال: وقال عبد الله: لولا أني أتهم نفسي لظننت أني رأيت ذلك وأنا يقظان غير نائم، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وأنا والله لقد طاف بى الذي طاف بعبد الله، فلما رأيته قد سبقني سكَتُّ". ففيِ هذه الآثار: أن بلالًا أذَّنَ بتعليم عبد الله بن زيد بأمر النبي عليه السلام إياه بذلك وأقام مثنى بخلاف الحديث الأول.

ش: هذا الحديث بثلاث طرقه الصحاح بيان لقوله: "فقد روي عنه خلاف ذلك"؛ لأن فيه أنه أذن بإلقاء عبد الله بن زيد عليه بأمر النبي عليه السلام إياه بذلك، وفيه "وأقام مثنى" وهذا يخالف ما رواه أنس من أن بلالًا أُمِر أن يشفع بالأذان ويوتر بالإقامة، فحينئذ لا يتم احتجاج أهل المقالتين بحديث أنس كما ذكرناه عن قريب.

ثم إن الطحاوي: أخرج هذا الحديث بعينه بالإسنادين الأولين في باب "الأذان" في بحث الترجيع ولكن في السند الأول زيادة ها هنا، وهي قوله:"ثم قعد ثم قام فأقام مثل ذلك" وفي هذه الزيادة الاحتجاج على الخصم في إفراد الإقامة، فلذلك كرره ها هنا مع ذكر هذه الزيادة.

وكذلك في السند الثاني زيادة وهي قوله: "وأقام مثنى مثنى وقعد قعدة" وفيهما دلالة صريحة على أن الإقامة مثل الأذان.

وأخرجه ابن حزم (1) وقال: ثنا محمَّد بن سعيد بن نُبات، نا عبد الله بن نصر، نا قاسم بن الأصبغ، نا ابن وضاح، نا موسى بن معاوية، نا وكيع، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا أصحاب محمَّد عليه السلام: "أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام فأتى النبي عليه السلام فأخبره، قال: "علمه بلالًا"، فقام بلالًا فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى" ثم قال: هذا إسناد في غاية الصحة

(1)"المحلى"(1/ 157 - 158).

ص: 38

من إسناد الكوفيين ثم قال: إنما صح أَنَّ تثنية الإقامة قد نُسخت وإنما هي كانت أول الأمر، والأفضل ما صح من أمر رسول الله عليه السلام بلالًا بأن يوترها إلا الإقامة، والصحيح الآخِر أولى بالأخذ مما لا يبلغ درجته.

قلت: لو كان حديث بلال ناسخًا لهذا الحديث لما روي عن بلال بعده: "أنه كان يثني الأذان ويثني الإقامة". كما رواه عبد الرزاق في "مصنفه"(1) والدارقطنى في "سننه"(1) على ما يجيء إن شاء الله تعالى، وكيف يُظن ببلال أنه يترك الناسخ ويأتي بالمنسوخ، ولئن سلمنا أن حديثه ناسخ لحديث ابن أبي ليلى ولكن لا نسلم أن حكمه باقٍ؛ لأنه منسوخ أيضًا بحديث أبي محذورة لما أن حديثه كان في أول الأمر، وحديث أبي محذورة كان عام حنين كما ذكرناه آنفًا.

قوله: "لولا أنهم نفسي" من الاتهام، وهو الريبة، والمعنى: لولا أني أشك في نفسي، وأصل هذا من الوهم وهو الغلط والسهو ومنه التُهَمَة، وأصلها وَهَمَة، فأبدلت الواو تاءً.

قوله: "يقظان" بفتح القاف وكسرها.

قوله: "غير نائم" حال أيضًا، تأكيد للحالة الأولى.

قوله: "لقد طاف بي" من طاف بالشيء إذا دار حوله. يقال: طُفْتُ أَطُوفُ طَوْفًا وطَوَافًا.

ص: ثم قد روي عن بلال رضي الله عنه أنه كان بعد النبي عليه السلام يؤذن مثنى مثنى ويقيم مثنى مثنى، فدلّ ذلك أيضًا على انتفاء ما روى أنس رضي الله عنه.

حدثنا أحمد بن داود بن موسى، قال: ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن بلال:"أنه كان يثني الأذان، ويُثني الإقامة".

(1) سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.

ص: 39

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا محمَّد بن سنان، قال: نا شريك (ح).

وحدثنا روح بن الفرح، قال: ثنا محمَّد بن سليمان لوين، قال: ثنا شريك، عن عمران بن مسلم، عن سويد بن غفلة، قال:"سمعت بلالًا يؤذن مثنى، ويقيم مثنى" فهذا بلال قد روي عنه في الإقامة ما يخالف ما ذكره أنس رضي الله عنه.

ش: لما بَيَّن ما روي عن بلال من تثنية الإقامة في حياة النبي عليه السلام الذي يخالف ما رواه أنس عنه من أنه أُمر بأن يوتر الإقامة، أكدَّ ذلك بما روي عنه أيضًا من أنه كان يثني الإقامة بعد النبي عليه السلام أيضًا، مثل ذلك يدلّ على انتفاء ما رواه أنس، وأن العمل على حديث عبد الله بن زيد؛ لأنه هو أصل الأذان والإقامة في تثنية ألفاظهما.

فإن قيل: قال ابن حزم: لم يؤذن بلال لأحد بعد رسول الله إلا مرة واحدة بالشام للظهر أو العصر ولم يستتم الأذان فيها.

قلت: لا نسلم ذلك؛ لعدم الدليل الصحيح عليه، ولئن سلمنا ذلك فلا يضرّنا؛ لأن النزاع في الإقامة، ولا شك أن بلالًا إذا صلى كان يقيم، وكان يقيم مثنى مثنى وإن كان لا يقيم بنفسه بعد كان يسمع من يقيم، ولو أمر من يقيم بالإفراد أو منع من يقيم مثنى لنُقِل عنه ذلك، فحيث لم ينقل دلّ على أن الإقامة عنده مثنى مثنى، ولم يتغير حكمها عما كان عليه في حديث عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه.

ثم إنه أخرج ما روي عن بلال -من تثنية الإقامة- من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن أحمد بن داود المكي، وثقه ابن يونس.

عن يعقوب بن حميد شيخ البخاريّ في كتاب "الأفعال" ووثقه يحيى وابن حبان.

عن عبد الرزاق بن همام صاحب "المصنف".

عن معمر بن راشد.

عن حماد بن أبي سليمان الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة، روى له مسلم مقرونًا بغيره، واحتجت به الأربعة.

عن إبراهيم النخعي.

ص: 40

عن الأسود بن يزيد النخعي الكوفي.

عن بلال

إلى آخره.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): أنا معمر، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد:"أن بلالًا كان يثني الأذان، ويثني الإقامة، وإن كان يبدأ بالتكبير ويختم بالتكبير".

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(2): ثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسي، ثنا إسحاق ابن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر

إلى آخره نحوه.

فإن قيل: قال ابن الجوزي في "التحقيق": والأسود لم يدرك بلالًا.

قلت: قال صاحب "التنقيح": وفيما قاله نظر؛ وقد روى النسائي للأسود عن بلال رضي الله عنه حديثا (3).

الثاني: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد.

عن محمَّد بن سنان العَوَقيِ.

عن شريك بن عبد الله النخعي.

عن عمران بن مسلم المنْقري البصْري القَصِير.

عن سويد بن غَفَلة بن عوسجة أبي أمية الكوفي.

وأخرجه الحكم (4) ثم البيهقي في "الخلافيات" وعلله الحاكم بأنه مرسل، وأن سويدًا لم يدرك أذان بلال، وإقامته في عهد النبي عليه السلام وأن شريكا وعمران غير محتج بهما في "الصحيح".

(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 462 رقم 790).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 242 رقم 34).

(3)

انظر "المجتبى"(2/ 14 رقم 649 - 652) ولفظه: عن الأسود قال: "كان آخر آذان بلال: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".

(4)

انظر: "نصب الراية"(1/ 249).

ص: 41

قلت: سويد أدرك الجاهلية ولم يَر النبي صلى الله عليه وسلم وأدى الزكاة لمصدق رسول الله عليه السلام، فهو وإن لم يدرك آذان بلال وإقامته في عهد النبي عليه السلام فلا مانع من إدراكه لهما في عهد أبي بكر رضي الله عنه؛ فقد ذكر ابن أبي شيبة وغيره (1):"أن بلالًا أذن حياة النبي عليه السلام، ثم أذن لأبي بكر رضي الله عنه حياته ولم يؤذن لعمر رضي الله عنه، فقال له عمر: ما يمنعك أن تؤذن؟ فقال: إني أذنت لرسول الله عليه السلام ثم قبض، وأذنت لأبي بكر حتى قبض لأنه كان ولي نعمتي، وقد سمعت رسول الله عليه السلام يقول: يا بلال، ليس عمل أفضل من [عملك هذا إلا] (2) الجهاد في سبيل الله، فخرج وجاهد".

وفى "الخلافيات" للييهقي أيضًا؛ أنه أذن لأبي بكر رضي الله عنه.

ورواية الطحاوي تصح بالسماع.

وأما شريك فإن الحاكم صحح روايته في المستدرك، وأخرج له مسلم متابعة.

وعمران بن مسلم وثقه يحيى وأبو حاتم وغيرهما، فلا يعارض ذلك بعدم الاحتجاج بهما في الصحيح.

الثالث: عن روح بن الفرح القطان المصري.

عن محمَّد بن سليمان بن حبيب المصيصي العلاف، المعروف بلُوَيْن -بضم اللام وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون- شيخ أبي داود والنسائي، ووثقه ابن حبان وغيره.

عن شريك النخعي

إلى آخره.

وقد روى الطبراني (3) أيضًا بإسناده إلى بلال: "أنه كان يجعل الأذان والإقامة سواء مثنى مثنى، وكان يجعل إصبعيه في أذنيه".

(1) أخرجه عبد بن حميد في "مسنده" كما في "المنتخب من مسند عبد بن حميد"(1/ 141 رقم 361) عن ابن أبي شيبة ولم أجده في المصنف، وذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"(1/ 180 - 181).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المنتخب من مسند عبد بن حميد".

(3)

"المعجم الصغير"(2/ 282 رقم 1171).

ص: 42

وأخرجه الدارقطنى في "سننه"(1) بإسناده إلى بلال: "أنه كان يؤذن للنبي عليه السلام مثنى مثنى، ويقيم مثنى مثنى".

فإن قيل: ضعّف ابن حبان هذا الحديث بزياد البكائي.

قلت: لا يلتفت إلى ذلك؛ لأن أحمد وثقه، وقال أبو زرعة: صدوق، واحتج به مسلم.

ص: في حديث أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الإقامة مثنى مثنى.

حدثنا علي بن معبد وعلي بن شيبة، قالا: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني عثمان بن السائب، عن أم عبد الملك بن أبي محذورة، قالت: سمعت أبا محذورة (ح).

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني عثمان بن السائب، عن أبيه وأم عبد الملك بن أبي محذورة، أنهما سمعا أبا محذورة يقول:"علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الإقامة مثنى مثنى: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".

غير أن أبا بكرة يذكر في حديثه "قد قامت الصلاة".

حدثنا أبو بكرة وعليّ بن عبد الرحمن، قالا: ثنا عثمان، قال: ثنا همام، قال: حدثني عامر الأحول، قال: أخبرني مكحول، أن عبد الله بن محيريز حدثه، أن أبا محذورة حدثه: "أن رسول الله عليه السلام علمه الإقامة سبع عشرة كلمة: الله أكبر الله أكبر

" ثم ذكر مثل حديث روح بن عبادة.

حدثنا عليّ بن معبد، قال: ثنا موسى بن داود، قال: ثنا همام (ح).

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 242 رقم 33).

ص: 43

وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا محمد بن سنان، قال: ثنا همام، عن عامر الأحول، عن مكحول، عن ابن محيريز، عن أي محذورة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو الوليد وأبو عمر الحوضيّ، قالا: ثنا همام (ح).

وحدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا همام، قال: ثنا عامر الأحول، قال: ثنا مكحول. أن ابن محيريز حدثه أنه سمع أبا محذورة يقول: "علمني رسول الله عليه السلام الإقامة سبع عشرة كلمة".

ش: أخرج حديث أبي محذورة هذا ها هنا من سبع طرق فيها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الإقامة مثنى مثنى.

وهذا أيضًا مما يؤيد أن الأصل الذي يرجع إليه: حديث عبد الله بن زيد الأنصاري الذي فيه: الإقامة مثل الأذان مثنى مثنى.

الأول: عن علي بن معبد بن نوح وعلي بن شيبة بن الصَلْت، كلاهما عن رَوح بن عبادة، عن عبد الملك بن جريج، عن عثمان بن السائب، عن أم عبد الملك بن أبي محذورة، قالت: سمعت أبا محذورة يقول: "علمني رسول الله عليه السلام

إلى آخره".

وهذا الإسناد بعينه قد ذكره في أول باب الأذان ولكن فيه: "علّمني رسول الله عليه السلام الأذان كما تؤذنون الآذان الله أكبر

إلى آخره" وها هنا: "علّمني رسول الله عليه السلام الإقامة مثنى مثنى

إلى آخره".

وأخرجه النسائي (1): عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب، عن أبيه وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة وفيه:"وعلّمني الإقامة مرتين مرتين: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".

(1)"المجتبى"(2/ 7 رقم 633).

ص: 44

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عاصم النَّبِيل الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب، عن أبيه، وعن أم عبد الملك كلاهما عن أبي محذورة

إلى آخره.

وهذا أيضًا بعينه قد ذكره في أول باب الأذان.

وأخرجه أبو داود (1) أيضًا: عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب، عن أبيه وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة وفيه:"علّمني الإقامة مرتين مرتين: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".

الثالث: عن أبي بكرة بكار وعلي بن عبد الرحمن، كلاهما عن عفان بن مسلم، عن همام بن يحيى، عن عامر بن عبد الواحد الأحول، عن مكحول الدمشقي، أن عبد الله بن محيريز حدثه إلى آخره.

وهذا أيضًا بعينه قد ذكره في باب الأذان، ولكن لفظه هناك:"علّمه الأذان تسع عشرة كلمة" وها هنا: "علمه الإقامة سبع عشرة كلمة".

وأخرجه أبو داود (2): ثنا الحسن بن علي، ثنا عفان وسعيد بن عامر والحجاج -والمعنى واحد- قال عفان: نا همام، نا عامر الأحول، حدثني مكحول، أن ابن محيريز حدثه، أن أبا محذورة حدثه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّمه الأذان تسعة عشر كلمة والإقامة سبعة عشرة كلمة

" الحديث، وقد ذكرناه بتمامه في باب "الأذان".

وأخرجه الترمذى (3): نا أبو موسى محمَّد بن المثنى، قال: نا عفان، قال: نا همام، عن عامر الأحول، عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة:

(1)"سنن أبي داود"(1/ 136 رقم 501).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 137 رقم 502).

(3)

"جامع الترمذي"(1/ 367 رقم 192).

ص: 45

"أن رسول الله عليه السلام علَّمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وأبو محذورة اسمُه سَمرة بن مِعْيَره.

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"(1) ولفظه: "فعلّمه الأذان والإقامة مثنى مثنى.

وكذلك رواه ابن حبان في "صحيحه"(2)، واعترض البيهقي وقال: هذا الحديث عندي غير محفوظ الوجوه:

أحدها: أن مسلمًا لم يخرّجه ولو كان محفوظًا لم يتركه مسلم لأن هذا الحديث قد رواه هشام الدستوائي، عن عامر الأحول دون ذكر الإقامة كما أخرجه مسلم في "صحيحه".

والثاني: أن أبا محذورة قد روي عنه خلافه.

والثالث: أن هذا الخبر لم يَدُم عليه أبو محذورة ولا أولاده، ولو كان هذا حكمًا ثابتًا لمَا فعلوا بخلافه.

وأجاب الشيخ في "الإِمام" بأن عدم تخريج مسلم إياه لا يدلّ على عدم صحته؛ لأن لم يلتزم إخراج كل الصحيح.

وعن الثاني: أن تعيين العدد "تسعة عشر وسبعة عشر" ينفي الغلط في العدد، بخلاف غيره من الروايات؛ لأنه قد يقع فيها اختلاف وإسقاط، وأيضًا قد وجدت متابعة لهمام في روايته عن عامر.

كما أخرجه الطبراني (3): عن سعيد بن أبي عروبة، عن عامر بن عبد الواحد، عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة: قال: "عَلَّمني رسول الله عليه السلام الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة".

(1)"صحيح ابن خزيمة"(1/ 195 رقم 377).

(2)

"صحيح ابن حبان"(4/ 577 رقم 1681).

(3)

"المعجم الكبير"(1/ 170 رقم 6728).

ص: 46

وعن الثالث: أن هذا داخل في باب الترجيح لا في باب التضعيف؛ لأن عمدة التصحيح عدالة الراوي، وترك العمل بالحديث لوجود مأثور أرجح منه لا يلزم منه ضعفه؛ ألا ترى أن الأحاديث المنسوخة يحكم بصحتها إذا كانت روُاتها عدولًا، ولا يعمل بها لوجود الناسخ، وإذا آل الأمرُ إلى الترجيح فقد يختلف الناس.

قلت: وله طريق أخر عند أبي داود (1) أخرجه: عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب وفيه:"وعلّمني الإقامة مرتين مرتين" ثم ذكرها مفسرا وقد مرّ بيانه.

وله طريق عند الطحاوي (2) أخرجه: عن شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، قال:"سمعت أبا محذورة يؤذن مثنى مثنى ويقيم مثنى مثنى".

قال في "الإِمام": قال ابن معين: عبد العزيز بن رفيع ثقة.

الرابع: عن علي بن معبد بن نوح، عن موسى بن داود الضبّي، عن همام بن يحيى، عن عامر الأحول، عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة، عن رسول الله عليه السلام.

وأخرجه الدارقطني (3): ثنا أبو هاشم عبد الغافر بن سلامة الحمصي، ثنا محمَّد ابن عون الحمصي، ثنا موسى بن داود، عن همام، عن عامر الأحول، أن مكحولًا حدّثه، أن ابن محيريز حدّثه، أن أبا محذورة حدّثه، قال:"علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسعة عشر كلمةً بعد فتح مكة، والإقامة سبعة عشر كلمة".

الخامس: عن محمَّد بن راشد، عن محمَّد بن سنان العَوَقي، عن همام بن يحيى، عن عامر بن عبد الواحد الأحول، عن مكحول، عن ابن محيريز، عن أبي محذورة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 136 رقم 501).

(2)

شرح "معاني الآثار"(1/ 136).

(3)

"سنن الدارقطني"(1/ 238 رقم 7).

ص: 47

وأخرجه النسائي (1): أنا سُويد بن نَصْر، قال: أنا عبد الله، عن همام بن يحيى، عن عامر بن عبد الواحد، قال: ثنا مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، ثم عدّها أبو محذورة تسع عشرة وسبع عشر كلمة".

السادس: عن إبراهيم بن أبي داود البرُلُّسي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي وأبي عمر حفص بن عُمر الحَوضْي، كلاهما عن همام، عن عامر الأحول، عن مكحول، عن ابن محيريز، عن أبي محذورة يقول:"علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الإقامة سبع عشرة كلمة".

وأخرجه الطبراني (2): ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن المنهال (ح).

وثنا محمَّد بن يحيى بن المنذر القزاز، ثنا حفص بن عمر الحوضي (ح).

وثنا معاذ بن المثنى، ثنا أبو الوليد الطيالسي (ح).

وثنا زكرياء بن حمدويه الصفَّار، ثنا عفان، قالوا: ثنا همام، ثنا عامر الأحول، حدثني مكحول، أن ابن محيريز حدثه، أن أبا محذورة حدثه:"أن رسول الله عليه السلام علَّمه الأذان تسعة عشر كلمة، والإقامة سبعة عشر كلمة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والإقامة مثنى مثنى".

السابع: عن محمَّد بن خزيمة البصري، عن الحجاج بن منهال الأنْماطي، عن همام، عن عامر، عن مكحول، أن ابن مُحيريز حدثه، أنه سمع أبا محذورة يقول:"علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الإقامة سبع عشرة كلمةً".

(1)"المجتبى"(2/ 4 رقم 630).

(2)

"المعجم الكبير"(7/ 170 رقم 6728).

ص: 48

وأخرجه الدارمي في "سننه"(1): أنا أبو الوليد الطيالسي وحجاج بن المنهال، قالا: نا حماد، قال: نا همام، نا عامر الأحول- قال حجاج في حديثه: عامر بن عبد الواحد- قال: حدثني مكحول، أن ابن محيريز حدثه، أن أبا محذورة حدثه:"أن رسول الله عليه السلام علمه الأذان تسعة عشر كلمة، والإقامة سبعة عشر كلمة".

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فتصحيح معاني هذه الآثار يُوجبُ أن تكون الإقامة مثل الأذان سواءً، على ما ذكرنا؛ لأن بلالًا اختلف عنه فيما أُمِر به من ذلك، ثم ثبت هو من بعد على التثنية في الإقامة بتواتر الآثار في ذلك.

ش: أراد بها الآثار المروية عن أبي محذورة فإنها صريحة في أن الإقامة والأذان متساويان.

قوله: "لأن بلالًا اختلف عنه فيما أُمِرَ به من ذلك" أي: من أَمر الإقامة، فروي عنه أنه أُمِر بأن يوتر الإقامة، وروى أنه عليه السلام علّمه ما رآه عبد الله بن زيد في منامه، فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم بعد ذلك ثبت هو على تثنية الإقامة كما روى عنه الأسود النخعي وسُويد بن غفلة، على مَا مَرَّ مستقصىً.

قوله: "بتواتر الآثار" أي بتكاثر الأخبار والروايات فيها على ما ذكر.

ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإن قومًا احتجوا في ذلك ممن يقول الإقامة تُفرَدُ مرةً مرةً بالحجة التي ذكرناها لهم في هذا الباب مما يكرر في الأذان ومما لا يكرر، فكانت الحجة عليهم في ذلك: أن الأذان كما ذكروا ما كان منه مما يذكر في موضعين مرّ ثُنِّي في الموضع الأول وأفْرِد في الموضع الآخر، وما كان منه غير مُثنى أفْرِد، وأما الإقامةُ فإنَّها تُفْعلُ بعد انقطاع الأذان، فلها حكم مستقِلٌّ، وقد رأينا ما تُختمُ به الإقامة من قول لا إله إلا الله هو ما يُختْمُ به الأذان من ذلك، فالنظر على ذلك: أن تكون بقية الإقامة على مثل بقية الأذان أيضًا، فكان مما يدخل على هذه الحجة: أنَّا رأينا ما تُخْتَمُ به الإقامةُ لا نِصْفَ له، فيجوز أن يكون المقصود إليه منه هو نصفه إلا

(1)"سنن الدارمي"(1/ 292 رقم 1197).

ص: 49

أنه لما لم يكن له نصفٌ كان حكمه كحكم سائر الأشياء التي لا تنقسمُ مما إذا وجَب بعضها؛ وجَب بوجُوبه كلُها، فلهذا صَارَ ما يُختم به الأذان والإقامة من قول لا إله إلا الله سواءً، فلم يكن في ذلك دليلٌ لأحَد المعنيين على الآخر، ثم نظرنا في ذلك، فرأيناهم لم يَخْتلفوا أنه في الإقامة بعد الصلاة والفلاح يقولُ: الله أكبر الله أكبر، فيجيء به ها هنا على مثل ما يجيء به في الأذان في هذا الموضع أيضًا، ولا يجيء به على نصف ما هو عليه في الأذان، فلما كان هذا من الإقامة مما له نصفٌ على مثل ما هو عليه في الأذان أيضًا سواء؛ كان ما بقي من الإقامة أيضًا هو على مثل ما هو عليه في الأذان أيضًا، لا يُحذَف من ذلك شيء، فثبتَ بذلك أن الإقامة مثنى مثنى، وهذا قول أبي حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: لما قال الخصم فيما مضى: إن الأذان ما كان منه مكررًا لم يثنى في المرة الثانية وجعل على النصف مما هو عليه في الابتداء، وكانت الإقامة لا يبتدأ بها وإنما هي تفعل بعد انقطاع الأذان، وكان النظر على ذلك: أن يكون ما فيها مما هو في الأذان غير مثنى وما فيها مما ليس في الأذان مثنى، فكل الإقامة في الأذان غير "قد قامت الصلاة" فتفرد الإقامة كلها ولا تكرر غير "قد قامت الصلاة" فإنها تكرر لأنها ليست في الأذان.

شرع الطحاوي في الجواب عنه بقوله: "إن الأذان كما ذكروا

" إلى آخره.

تحريره: سلَّمنا أن الأذان ما كان منه يذكر في موضعين يثنى في الموضع الأول ويفرد في الموضع الآخر، وما كان فيه غير مثنى أفرد ولكن رأينا ما يختم به الإقامة من قول:"لا إله إلا الله" هو ما يختم به الأذان في ذلك، فالنظر والقياس على ذلك: أن تكون بقية الإقامة مثل بقية الأذان أيضًا، وبقية الأذان مثنى مثنى، فتكون بقية الإقامة مثنى مثنى كذلك.

حاصل هذا الكلام: أن الخصم لما نظر في إفراد الإقامة إلى كون ألفاظها على النصف مما كان عليه ألفاظ الأذان، بناء على أن ما يكرر في ألفاظ الأذان يجعل على النصف مما هو عليه في الابتداء، نظرنا نحن في كونها مثنى مثنى مثل

ص: 50

الأذان، إلى كون مساواة آخرها بما كان يختم به الأذان، فإذا ساوت الأذان في إفراد اللفظ فيما يختتم به كل منهما؛ كان النظر والقياس أن تساوي بقيتها بقية الأذان، فثني حينئذ، وفيه نظر من جهة الخصم، أشار إليه بقول: فكان مما يدخل على هذه الحجة، وجه النظر: أن ما تختم به الإقامة هو قول لا إله إلا الله لا نصف له؛ لأنه لا يتجزأ، ويجوز أن يكون المقصود إليه منه أي مما يختم به الأذان هو نصفه؛ لأن النظر أن يكون ما في الإقامة نصف ما في الأذان -على ما تقرر- ولكن لما لم يكن له نصف لعدم التجزء كان حكمه كحكم الأشياء التي لا تتجزأ مما إذا وجبت بعضها وجبت به كلها لعدم التجزأ، فحينئذ تكون مساواة اختتام الإقامة والأذان بقول لا إله إلا الله من أجل هذا المعنى، وهو كونه مما إذا وجب بعضه وجب كله لعدم التجزأة لا لأجل ما ذكرتم من كونها تُختم بما يختم به الأذان، وهو معنى قوله: "فلهذا صار

" إلى آخره. فحينئذ لم يكن لأحد المعنيين دليل على الآخر؛ فنحتاج حينئذ إلى نظر صحيح في كون الإقامة مثل الأذان، فأشار إليه بقوله: "ثم نظرنا في ذلك

" إلى آخره، تحريره: أنا رأيناهم أي الأخصام كلهم لا يختلفون أن المُقيمُ يقول في الإقامة بعد الصلاة والفلاح: الله أكبر الله أكبر، مرتين فيجيء به ها هنا -أي في الإقامة- مثل ما يجيء في الأذان، حيث لم يجعله على النصف مما كان هو عليه في الأذان، والحال: أن هذا ما له نصف لأنه لا يتجزأ، ولما جاء على مثل ما هو عليه في الأذان سواء من غير تنصيف كان النظر على ذلك: أن يكون ما بقي من الإقامة من سائر ألفاظها أيضًا على مثل ما هو عليه في الأذان، ولا يحذف من ذلك شيء ولا ينصِّف، فحينئذ ثبت بذلك أن الإقامة مثنى مثنى كما أن الأذان مثنى مثنى.

قوله: "سواءً" نصبَ على أنه خبر "كان" الذي في قوله: "فلما كان هذا من الإقامة".

وقوله: "كان ما بقي من الإقامة" جواب قوله: "فلما كان" فافهم.

ص: 51

ص: وقد روي ذلك أيضًا عن نفرٍ من أصحاب- عليه السلام:

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا عبد الحميد بن صالح، قال: ثنا وكيع، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّع بن جارية، عن عبيد موك سلمة بن الأكوع:"أن سلمة بن الأكوع كان يثني الإقامة".

ش: أي قد رُوي ما ذكرنا من تثنية الإقامة أيضًا عن جماعة من الصحابة منهم سلمة بن الأكوع، أخرج عنه: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبد الحميد ابن صالح بن عجلان البرُجمي الكوفي -وثقه ابن حبان وغيره- عن وكيع بن الجراح الكوفي، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مُجمَّع -بتشديد الميم- ابن جارية -بالجيم- وقيل: إبراهيم بن إسماعيل بن يزيد بن مجمِّع بن جارية الأنصاري، أبي إسحاق المدني، فيه مقال: قال ابن عدي: ومع ضعفه يكتب حديثه. واستشهد به البخاري.

عن عبيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة بن الأكوع.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن عبيد الله مولى سلمة بن الأكوع:"أن سلمة بن الأكوع كان يثني الإقامة".

وأخرجه الدارقطني (2) ولكن عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع.

قال: ثنا أبو عمر القاضي، ثنا ابن الجنيد، ثنا أبو عاصم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع:"أنه كان إذا لم يدرك الصلاة مع القوم أذَّن وأقام وثنى الإقامة".

ويستفاد منه: أنه لو لم يثبت عنده استقرار الأمر بعد النبي عليه السلام على شبه الإقامة لم يأت بها مثنى.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 187 رقم 2178).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 241 رقم 26).

ص: 52

ص: حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا محمَّد بن سنان العَوَقِي، قال: نا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، قال:"كان ثوبان رضي الله عنه يؤذن مثنى مثنى، ويقيم مثنى مثنى".

ش: رجاله ثقات، وحماد الثاني هو ابن أبي سليمان، ولكنه منقطع لأن العجلي قال: إبراهيم النخعي لم يحدث عن أحد من أصحاب النبي عليه السلام وقد أدرك منهم جماعةً.

قلت: إبراهيم ثقة ثبت لو لم يثبت عنده أن ثوبان كان يثني الإقامة لما أخبر به عنه.

ص: حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا محمَّد بن سنان، قال: ثنا شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، قال:"سمعت أبا محذورة يؤذن مثنى، ويقيم مثنى".

ش: إسناده صحيح ورجاله ثقات، أما ابن خزيمة فإن ابن يونس وغيره وثقوه.

ومحمد بن سنان العوقي روى عنه البخاري، وقال ابن معين: ثقة مأمون.

وشريك النخعي وثقه ابن معين فقال: صدوق ثقة. وقال العجلي: كوفي ثقة، وكان حسن الحديث.

وعبد العزيز بن رفيع روى له الجماعة، وهو أحد مشايخ أبي حنيفة رضي الله عنه.

وهذا دليل قاطع على أنه ثبت عند أبي محذورة انتساخ حكم إفراد الإقامة، إذ لو كان ثابتا لما كان وسعه أن يأتي إلا بالإفراد، فلما أتى بها مثنى دلّ على أن التثنية هي الأصل فيها، كما كان في أذان عبد الله بن زيد وإقامته.

فهذا كما رأيت قد أُخْرج عن ثلاثة من الصحابة أنهم كانوا يثنون الإقامة، وهم: سلمة بن الأكوع، وثوبان، وأبو محذورة.

وفي الباب عن عبد الله بن زيد الأنصاري، وعلي بن أبي طالب.

ص: 53

أخرج خبرهما ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:"كان عبد الله بن زيد الأنصاري مؤذن النبي عليه السلام يشفع الأذان والإقامة".

نا هشيم (2)، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن الهجيع بن قيس: أن عليًّا رضي الله عنه كان يقول: [الأذان مثنى والإقامة](3)، وأتى على مؤذن يقيم مرة مرة فقال: ألا جعلتها مثنى، لا أم لك".

وأخرج الطبراني في "الكبير"(4) وقال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا زكريا ابن يحيى، ثنا زياد بن عبد الله، عن إدريس الأودي، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال:"أذن بلال لرسول الله عليه السلام بمنى مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى".

وأخرجه الدارقطني (5): ثنا محمَّد بن مخلد، ثنا أبو عون محمَّد بن عمرو بن عون ومحمد بن عيسى الواسطيان، قالا: ثنا يحيى بن زكرياء، ثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل، عن إدريس الأودي، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه:"أن بلالًا كان يؤذن للنبي مثنى مثنى، ويقيم مثنى مثنى، وقال ابن عون: بصوتين صوتين، وأقام مثل ذلك".

فهذا دليل صريح على أن أذان النبي عليه السلام وإقامته: مثنى مثنى على الدوام؛ لأن قوله: "كان يؤذن" يدل على ذلك لأن "كان" للاستمرار والدوام، فافهم.

ص: وقد روي عن مجاهد في ذلك ما قد حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا فطر بن خليفة، عن مجاهد:"في الإقامة مرة مرة: إنما هو شيء استخفه الأمراء" فأخبر مجاهد أن ذلك محدث وأن الأصل هو التثنية.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 187 رقم 2139).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 187 رقم 2137).

(3)

كذا في "الأصل، ك"، وفي "المصنف": الأذان والإقامة مثنى.

(4)

"المعجم الكبير"(22/ 101 رقم 246).

(5)

"سنن الدارقطني"(1/ 242 رقم 33).

ص: 54

ش: أي قد روي عن مجاهد بن جبر المكي في إفراد الإقامة أنه ليس له أصل، وأنه مُحْدَث أحدثه الأمراء لأجل الاستخفاف، فهذا مجاهد ينادي بأعلى صوته أن أصل الإقامة التثنية، وأن إفرادها مُحْدَث.

ورجال هذا ثقات.

وفِطر بكسر الفاء.

ص: 55