المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: ما يقال في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: ما يقال في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام

‌ص: باب: ما يقال في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام

ش: أي هذا باب في بيان ما يستحب أن يقول المصلي بعد تكبيرة الافتتاح من الأدعية المأثورة، والمناسبة بين البابين ظاهرة.

ص: حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا أبو ظفر عبد السلام بن مطهر، قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبّر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلَّا الله ثلاثًا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، أعوذ بالله السميع العلم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ".

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا الحسن بن الربيع، قال: ثنا جعفر بن سليمان

فذكر مثله بإسناده غير أنه لم يقل: "ثم يقرأ".

ش: هذان طريقان:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي ظفر عبد السلام

إلى آخره.

وعبد السلام هذا شيخ البخاري وأبي داود، قال أبو حاتم: صدوق.

وجعفر بن سليمان الضبعي أبو سليمان البصري، روى له الجماعة البخاري في غير الصحيح، وكان ينزل في بني ضبيعة فنسب إليهم.

وعلي بن علي بن نجاد بن رفاعة الرفاعي اليشكري أبو إسماعيل البصري، قال أبو زرعة ويحيى: ثقة. وقال النسائي: لا بأس به. وروى له الأربعة.

وأبو المتوكل اسمه علي بن داود، وقيل: دواد، روى له الجماعة، والناجي -بالنون والجيم- نسبة إلى بني ناجية بن سامة بن لؤي.

وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك.

ص: 520

وأخرجه أبو داود (1): ثنا عبد السلام بن مطهر، ثنا جعفر، عن علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل الناجي

إلى آخره نحو رواية الطحاوي.

وأخرجه الترمذي (2): عن محمد بن موسى البصري، عن جعفر بن سليمان الضبعي

إلى آخره نحوه، غير أنه ليس في روايته:"ثم يقول: لا إله إلَّا الله- ثلاثًا" وقوله: "ثم يقرأ".

الثاني: عن فهد، عن الحسن بن الربيع بن سليمان البجلي، قال: أحمد بن عبد الله كوفي ثقة، رجل صالح. وهو شيخ الجماعة.

عن جعفر بن سليمان

إلى آخره.

وأخرجه النسائي (3): عن عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان

إلى آخره، واقتصر على:"سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): ثنا زيد بن حباب، قال: ثنا جعفر بن سليمان

إلى آخره نحو رواية النسائي.

فإن قلت: ما حكم هذا الحديث؟

قلت: صحيح؛ لأن رجاله ثقات.

فإن قلت: تكلم فيه يحيى بن سعيد من جهة علي بن علي، وقال الترمذي: قال أحمد: لا يصح هذا الحديث.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 265 رقم 775).

(2)

"جامع الترمذي"(2/ 9 رقم 242).

(3)

"المجتبى"(2/ 132 رقم 899).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 210 رقم 2410).

ص: 521

قلت: سكوت أبي داود يدل على صحته عنده (1)، وعلي بن علي وثقه جماعة كما ذكرنا، فإذا لا مانع لصحته.

قوله: "سبحانك اللهم" أي أنزهك يا الله، "وسبحان" علم للتسبيح، كعثمان علم للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره: أسبح الله سبحانك، بمعنى أسبح تسبيحك، ثم نزل سبحان منزلة الفعل فَسَدَّ مسدَّه ومعنى التسبيح: التنزيه عما لا يليق به سبحانه وتعالى من الشريك والولد والصاحب والنقائص وسمات الحدث مطلقًا.

قوله: "وبحمدك" معطوف على محذوف تقديره: وأحمدك بحمدك، أو تقديره بحمدك سبحتك، ووفقت لذلك.

قوله: "وتبارك" تفاعل من البركة وهي الكثرة والاتساع، وتبارك أي بارك، مثل قاتل وتقاتل إلَّا أن فاعل يتعدى، وتفاعل لا يتعدى، ومعناه كثرت بركته في السماوات والأرض؛ إذ به تقوم وبه تستنزل الخيرات، وأوَّلهُ بعضُ أهل التحقيق على أن باسمه تنال البركة والزيادة، ونفى أن يتأول في وصفه معنى الزيادة لأنه ينبئ عن النقصان.

قوله: "وتعالى جدك" أي علا وارتفع عظمتك، والجدُّ: العظمة، وينبغي أن تُمدَّ "لام""تعالى" مدًّا ظاهرًا، وقد سمعت بعض مشايخي: أنه لو قصرها في الصلاة تفسد صلاته.

قوله: "من همزه" وهمزه ما يوسوس به، قال تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} (2) وهمزاته خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان، وهي جمع المرة من الهمزة.

(1) سكوت أبي داود على الحديث لا يدل على صحته كما هو معلوم عند علماء أصول الحديث، فقد قال أبو داود: ما فيه ضعف شديد بَيَّنْتُه، وما سكتُّ عنه فهو صالح. فيؤخذ من هذا أن ما فيه ضعف غير شديد يسكت عنه، وقد سكت على آحاديث كثيرة ضعيفة وواهية والله أعلم.

(2)

سورة المؤمنون، آية:[97].

ص: 522

وقد فسره في بعض روايات الحديث الذي أخرجه أبو داود (1)، وغيره (2) في الأدعية قال:"نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة" والموتة -بضم الميم وفتح التاء المثناة من فوق-: الجنون؛ وسماه همزًا لأنه جعل من النخس والغمز، وكل شيء دفعته فقد همزته.

قوله: "ونفخه" بالخاء المعجمة، وهو الكبير كما قلنا، وهو كناية عما يسوله الإنسان من الاستكبار والخيلاء، فيتعاظم في نفسه، كالذي نفخ فيه، ولهذا قال عليه السلام للذي رآه قد استطار غضبًا:"نفخ فيه الشيطان".

قوله: "ونفثه" أي نفث الشيطان، وهو الشعرث إنما سمي النفث شعرًا لأنه كالشيء ينفثه الإنسان من فيه كالرقية، ويقال: المراد منه السحر، وهذا أشبه؛ لما شهد له التنزيل قال تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (3).

فإن قيل: ما موقع قوله: "من همزه ونفخه ونفثه" مما قبله؟

قلت: الظاهر أنه بدل اشتمال من الشيطان الرجيم، فافهم.

ص: حدثنا مالك بن عبد الله بن سيف التجيبي، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا أبو معاوية، عن حارثة بن محمَّد بن عبد الرحمن، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه، ثم يكبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا الحسن بن ربيع، قال: ثنا أبو معاوية

فذكر مثله بإسناده.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 262 رقم 764).

(2)

وأخرجه أحمد في "مسنده" أيضًا (4/ 80 رقم 16785، 16786)، (4/ 82 رقم 16806)، وغيره من حديث نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه"(2/ 84 رقم 2581)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(6/ 17 رقم 29123) من حديث عبد الله بن مسعود.

(3)

سورة الفلق، آية:[4].

ص: 523

ش: هذان طريقان:

أحدهما: عن مالك بن عبد الله بن سيف بن شهاب التجيبي، ونسبته إلى تجيب -بضم التاء المثناة من فوق، وكسر الجيم، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره باء موحدة- بطن من كندة بن ثور.

عن علي بن معبد بن شداد العبدي، وثقه أبو حاتم.

عن أبي معاوية الضرير واسمه محمَّد بن خازم -بالمعجمتين- روول له الجماعة.

عن حارثة بن محمَّد بن عبد الرحمن وهو حارثة بن أبي الرجال الأنصاري المدني، فيه مقال، فعن أحمد: ليس بشيء. وعن يحيى: ليس بثقة. وعنه: ضعيف. وقال أبو زرعة: واهي الحديث ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وروى له الترمذي وابن ماجه.

عن عمرة بنت عبد الرحمن، وهي جدة حارثة بن محمَّد المذكور، ثقة تابعية، روى لها الجماعة.

وأخرجه الترمزي (1): ثنا الحسن بن عرفة، ويحيى بن موسى قالا: ثنا أبو معاوية، عن حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة قالت: "كان رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم

إلى آخره".

وأخرجه أبو داود (2): من حديث أبي الجوزاء، عن عائشة قالت: "كان رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم

" إلى آخره، رواه عن حسين بن عيسى، عن طلق بن غنام، عن عبد السلام بن حرب الملائي، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء به.

وأبو الجوزاء -بالجيم، والزاي المعجمة- اسمه أوس بن عبد الله الربعي البصري.

(1)"جامع الترمذي"(2/ 11 رقم 243).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 265 رقم 776).

ص: 524

الثاني: عن فهد بن سليمان بن يحيى الكوفي، عن الحسن بن ربيع بن سليمان البجلي، عن أبي معاوية

إلى آخره.

وأخرء ابن ماجه (1): ثنا علي بن محمَّد وعبد الله بن عمران، قالا: ثنا أبو معاوية، نا حارثة بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة: "أن النبي عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم

" إلى آخره.

فإن قيل: ما حكم هذا الحديث؟

قلت: قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحارثة قد تكلم فيه من قِبَل حفظه.

وقال أبو داود: هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يروه إلا طلق بن غنام، وقد روول قصة الصلاة [جماعة عن بديل](2) لم يذكروا فيه شيئًا من هذا.

وقد أخرج الحكم في "مستدركه"(3): هذا الحديث بالإسنادين جميعًا -أعني بإسناد الطحاوي والترمذي، وبإسناد أبي داود-

وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولا أحفظ في قوله: "سبحانك اللهم وبحمدك، في الصلاة أصح من هذا الحديث، وقد صح عن عمر بن الخطاب أنه كان يقوله.

ثم أخرجه (4): عن الأعمش، عن الأسود، عن عمر.

قال: وقد أسند بعضهم عن عمر ولا يصح عن عمر.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 265 رقم 806).

(2)

في "الأصل، ك": جماعة غير واحد عن بديل، والذي في "سنن أبي داود" (1/ 265 رقم 776): عن بديل جماعة.

(3)

"مستدرك الحاكم"(1/ 360 رقم 859).

(4)

"مستدرك الحاكم"(1/ 361 رقم 860).

ص: 525

وأخرجه مسلم في "صحيحه"(1): عن عبدة -وهو ابن أبي لبابة-: "أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".

وقال المنذري: وعبدة لا يعرف له سماع من عمر، وإنما سمع من ابنه عبد الله، ولقال: إنه رأى رؤية.

وقال صاحب "التنقيح" وإنما أخرجه مسلم في "صحيحه"؛ لأنه سمعه مع غيره.

وقال الدارقطني في كتاب "العلل"(2): وقد رواه إسماعيل بن عياش، عن عبد الملك بن حميد بن أبي [غنية](3) عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأسود، عن عمر، عن النبي عليه السلام، وخالفه إبراهيم النخعي، فرواه عن الأسود، عن عمر قوله، وهو الصحيح.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول هذا أيضًا إذا افتتح الصلاة:

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن عمرو بن ميمون قال:"صلى بنا عمر رضي الله عنه بذي الحليفة، فقال: الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود ووهب، قالا: ثنا شعبة، عن الحكم

فذكر بإسناده مثله، وزاد:"ولا إله غيرك".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر، مثله. غير أنه لم يقل:"بذي الحليفة".

(1)"صحيح مسلم"(1/ 299 رقم 399).

(2)

"علل الدارقطني"(2/ 141 رقم 165).

(3)

في "الأصل، ك": "عتبة" وهو تحريف، والمثبت من "علل الدارقطني" ومصادر ترجمته.

ص: 526

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا محمَّد بن بكر البرساني، قال: أنا سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عمر، مثله وزاد:"يُسمع من يليه".

حدثنا أبو بكرة، قال: أنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر، مثله.

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الأعمش، قال: حدثني إبراهيم، عن علقمة والأسود:"أنهما سمعا عمر رضي الله عنه كبر فرفع صوته، ثم قال مثل ذلك؛ ليتعلموها".

ش: هذه ستة طرق كلها موقوفة صحاح ورجالها ثقات.

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير بن حازم، عن شعبة بن الحجاج، عن الحكم بن عتيبة، عن عمرو بن ميمون الأودي الكوفي المخضرم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وأخرجه الحكم في "مستدركه"(1) كما ذكرناه عن قريب.

وكلما أخرجه مسلم (1) بغير هذا الطريق كما مرَّ آنفًا.

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، ووهب بن جرير، كلاهما عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن عمرو بن ميمون قال:"صلى بنا عمر رضي الله عنه بذي الحليفة، فقال: الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك -وزاد أبو بكرة في روايتيه-: ولا إله غيرك".

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): بهذه الزيادة، عن غندر، عن شعبة، عن الحكم

إلى آخره.

(1) تقدم عن قريب.

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 210 رقم 2400).

ص: 527

الثالث: عن أبي بكرة أيضًا، عن أبي أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزبير الزبيري الكوفي، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عمر بن الخطاب، مثل المذكور وليس فيه ذكر ذي الحليفة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر:"أنه قال حين استفتح الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".

الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن محمَّد بن بكر بن عثمان البرساني شيخ أحمد، روى له الجماعة، ونسبته إلى برسان -بضم الباء الوحدة، وسكون الراء- وهي قبيلة من الأزد.

عن سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي البصري.

عن أبي معشر زياد بن كليب التميمي الكوفي، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة ابن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، كلاهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): عن هشيم، عن حصين، عن أبي وائل، عن الأسود بن يزيد قال: "رأيت عمر بن الخطاب افتتح الصلاة فكبر، ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك

" إلى آخره. "يسمعنا".

الخامس: عن أبي بكرة بكار، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عمر.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(3): من حديث شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود قال:"كان عمر رضي الله عنه حين افتتح الصلاة كبَّر، ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 209 رقم 2395).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 208 رقم 2387).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 34 رقم 2180).

ص: 528

السادس: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص شيخ البخاري، عن أبيه حفص بن غياث، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي

" إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود قال:"كان عمر رضي الله عنه إذا افتتح الصلاة رفع صوته يسمعنا يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".

وأخرج محمَّد في "آثاره"(2): عن أبي حنيفة، [عن حماد](3)، عن إبراهيم:"أن ناسًا من أهل البصرة أَتَوْا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يأتوه إلا ليسألوه عن افتتاح الصلاة، قال: فقام فافتتح الصلاة وهم خلفه، ثم جهر فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". قال محمَّد: وبه نأخذ في افتتاح الصلاة، ولكنا لا نرى أن يجهر بذلك الإِمام ولا من خلفه، وإنما جهر عمر رضي الله عنه ليعلمهم ما سألوه عنه.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: "كان عمر رضي الله عنه إذا افتتح الصلاة كبر، ثم قال: سبحانك اللهم

-إلى آخره- يجهر بهن، قال: وقال: كان إبراهيم لا يجهر بهن".

وهذا كما رأيت قد أخرجه الطحاوي، عن ثلاثة من الصحابة: عن أبي سعيد الخدري، وعائشة مرفوعًا، وعن عمر بن الخطاب موقوفًا.

وأخرجه الدارقطني (5): عنه أيضًا مرفوعًا، ثم قال: الموقوف أصح.

وقال الترمذي (6): روي عن عبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 210 رقم 2404).

(2)

"الآثار" لمحمد بن الحسن (1/ 96 رقم 71).

(3)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "الآثار".

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 209 رقم 2388).

(5)

"سنن الدارقطني"(1/ 299 رقم 6).

(6)

"جامع الترمذي"(2/ 9).

ص: 529

قلت: روي أيضًا عن واثلة، وأنس بن مالك، والحكم بن عمير الثمالي.

فحديث عبد الله عند الطبراني (1): نا محمَّد بن عبد الله الحضرمي، نا أبو كريب، نا فردوس الأشعري، نا مسعود بن سليمان، قال: سمعت الحكم (2) يحدث، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: "كان رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك

" إلى آخره.

وحديث واثلة عند الطبراني (3) أيضًا: عن مكحول، عن واثلة: "أن رسول الله عليه السلام كان يقول إذا افتتح الصلاة

" نحوه سواء.

وحديث أنس عند الدارقطني في "سننه"(4): نا أبو محمَّد بن صاعد، نا الحسن ابن علي بن الأسود، نا محمَّد بن الصلت، نا أبو خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس قال:"كان رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة كبر، ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".

ثم قال: رجال إسناده كلهم ثقات.

وأخرجه الطبراني في كتابه المفرد في "الدعاء"(5)، فقال: ثنا أبو عقيل أنس بن مسلم الخولاني، ثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى، نا مخلد بن يزيد، عن عائذ بن شريح، عن أنس بن مالك:"أن النبي عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة يكبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".

ورواه من طريق آخر (6) عن أنس نحوه.

(1)"المعجم الكبير"(10/ 108 رقم 10117).

(2)

في "الأصل، ك": الحاكم، والمثبت من "المعجم الكبير" للطبراني والحكم هذا هو ابن عتيبة.

(3)

"المعجم الكبير"(22/ 64 رقم 155).

(4)

"سنن الدارقطني"(1/ 300 رقم 12).

(5)

"الدعاء"(1/ 173 رقم 505).

(6)

"الدعاء"(1/ 173 رقم 506).

ص: 530

وحديث الحكم بن عمير الثمالي عند الطبراني (1): ثنا محمَّد بن إدريس المصيصي والحسين بن إسحاق التستري، قالا: ثنا أحمد بن النعمان الفراء المصيصي، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن موسى بن أبي حبيب، عن الحكم بن عمير الثمالي قال:"كان رسول الله عليه السلام يعلمنا: إذا قمتم إلى الصلاة فارفعوا أيديكم ولا تخالف آذانكم، ثم قولوا: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وإن لم تزيدوا على التكبير أجزأكم".

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: هكذا ينبغي للمصلي أن يقول إذا افتتح الصلاة، ولا يزيد على هذا شيئًا غير التعوذ، إن كان إمامًا أو مصليًا لنفسه.

وممن قال ذلك: أبو حنيفة رضي الله عنه.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: إبراهيم النخعي والثوري وعلقمة والأسود وإسحاق ابن راهويه وأحمد؛ فإنهم قالوا: ينبغي للمصلي أن يقول إذا افتتح الصلاة: سبحانك اللهم

إلى آخره، ولا يزيد عليه شيئًا غير التعوذ، سواء كان إمامًا أو منفردًا، وهو معنى قوله:"إن كان إمامًا أو مصليًا لنفسه". وهذا يشعر بأنه إذا كان مأمومًا لا يقولها، وقال صاحب "البدائع": ثم يقول: سبحانك اللهم

" إلى آخره، سواء كان إمامًا أو مقتديًا أو منفردًا، هكذا ذكر في ظاهر الرواية.

وقال ابن حزم في "المحلى": ولا يقولها المؤتم أي لا يقرأ المأموم: وجهت وجهي، وسبحانك اللهم؛ لأن فيها أشياء من القرآن، وقد نهى عليه السلام أن يقرأ خلف الإِمام إلا بأم القرآن فقط، فإن دعى بعد قراءة الإِمام [في](2) حال سكتة الإِمام بما روي عن النبي عليه السلام فحسن.

قوله: "وممن قال ذلك" أي قول ما قاله القوم المذكورون: الإِمام أبو حنيفة رضي الله عنه.

(1)"المعجم الكبير"(3/ 218 رقم 3190).

(2)

تكررت في "الأصل".

ص: 531

وهو قول محمَّد أيضًا، ولم يذكره مع أبي حنيفة ولا مع أبي يوسف، والمذكور في كتب أصحابنا: أن محمدًا مع أبي حنيفة في هذه المسألة، وقالا: يستحب للمصلي أن يقول: سبحانك اللهم

إلى آخره، ولا يزيد عليه، سواء كان إمامًا أو منفردًا، وما روي من الأدعية غير هذا فمحمول على الصلوات النافلة.

وقال ابن قدامة: العمل بالأدعية الطويلة متروك؛ فإنا لا نعلم أحدًا يستفتح بالأدعية الطويلة كلها، وإنما يستفتحون بسبحانك اللهم وبحمدك

إلى آخره، أو بوجهت وجهي

إلى آخره، وروي عن الشافعي أنه يأتي بالأذكار التي رويت في هذا الباب ولا يزكها، ولا شيئًا منها سواء كان في الفريضة أو في النافلة، والمنقول من المزني: أنه يقول: وجهت وجهي -إلى قوله- من المسلمين.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل ينبغي له أن يزيد بعد هذا أو يقول قبله ما قد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي عليه السلام فذكروا ما قد حدثنا الحسين بن نصر بن المعارك البغدادي، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عمه، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء قال: نا عبد العزيز بن أبي سلمة (ح).

وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي وعبد الله بن صالح، قالا: ثنا عبد العزيز ابن الماجشون، عن الماجشون وعبد الله بن الفضل، عن الأعرج فذكر بإسناده مثله.

وحدثنا الربيع المؤذن، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، فذكر بإسناده مثله.

ص: 532

قالوا: فلما جاءت الرواية بهذا وبما قبله استحببنا أن يقولهما المصلي جميعًا.

وممن قال بهذا: أبو يوسف رحمه الله.

ش: أي خالف القوم المذكورين فيما ذهبوا إليه جماعة آخرون، وأراد بهم: الأوزاعي وعطاء بن أبي رباح وطاوس بن كيسان وجماعة الظاهرية؛ فإنهم قالوا: ينبغي له -أي للمصلي- أن يزيد بعد هذا -أي بعد سبحانك اللهم

إلى آخره، أو يقول قبله- ما قد روي عن علي رضي الله عنه وهو: "وجهت وجهي

" إلى آخره، وهو الذي اختاره الطحاوي، وأبو إسحاق المروزي، وأبو حامد من أصحاب الشافعي.

وقال الشافعي: يستفتح بما روي عن علي رضي الله عنه وقال في "سنن حرملة": وخالفنا بعض الناس في الافتتاح، فقال: افتتح النبي عليه السلام بسبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ورواه عن بعض أصحاب النبي عليه السلام.

وقال مالك: إذا كبر وفرغ من التكبير يقرأ: الحمد لله رب العالمين.

وقال ابن حزم في "المحلى": وقال مالك: لا أعرف التوجه، قال علي: ليس من لا يعرف حجة على من يعرف، وقد احتج بعض مقلديه في معارضة ما ذكرنا لما روي عن رسول الله عليه السلام:"كان يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" وقال علي: وهذا لا حجة لهم فيه، بل هو قولنا؛ لأن استفتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يدخل فيه التوجه؛ لأنه ليس التوجه قراءة، وإنما هو ذكر، فصح أنه عليه السلام كان يفتتح الصلاة بالتكبير، ثم يذكر ما قد صح عنه من الذكر، ثم يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين وزيادة العدول لا يجوز ردها.

ثم إنه أخرج حديث علي رضي الله عنه من أربع طرق صحاح:

الأول: عن الحسن بن نصر بن المعارك البغدادي، قال ابن يونس: ثقة ثبت.

عن يحيى بن حسان التنيسي أبي زكرياء البصري، روى له الجماعة سوى ابن ماجه.

ص: 533

عن عبد العزيز بن أبي سلمة وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، واسم أبي سلمة ميمون، ويقال: دينار، المدني أبي عبد الله الفقيه، روى له الجماعة.

عن عمه يعقوب بن أبي سلمة، أبي يوسف المدني، أخي عبد الله بن أبي سلمة، روى له الجماعة غير البخاري، والماجشون لقب يعقوب المذكور، لقبته بذلك سكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنه وجرى هذا اللقب على أهل بيته من بنيه وبني أخيه، وكان يلقى الناس فيقول: جوني جوني، وشوني شوني، فلقب بالماجشون، ويقال: كانت وجنتاه حمراوين، فسمي بالفارسية بالماه كون، فعربه أهل المدينة فقالوا: الماجشون.

وهو يروي عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج.

عن عبيد الله بن أبي رافع أسلم -أو إبراهيم- مولى النبي عليه السلام، وقد تكرر ذكره، روى له الجماعة.

عن علي بن أبي طالب.

وأخرجه الجماعة غير البخاري مطولًا ومختصرًا.

فقال مسلم (1): ثنا محمَّد بن أبي بكر المقدمي، قال: ثنا يوسف الماجشون، قال: حدثني أبي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله عليه السلام: "أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلَّا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا إنه لا يغفر الذنوب إلَّا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلَّا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلَّا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 534 رقم 771).

ص: 534

وإذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومُخِّي وعظمي وعصبي.

وإذا رفع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد.

وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين.

ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".

الثاني: عن محمَّد بن خزيمة البصري، عن عبد الله بن رجاء الغداني البصري شيخ البخاري، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن الماجشون وهو يعقوب بن أبي سلمة عمّ عبد العزيز، وعن عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب القرشي المدني، كلاهما عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا أبو سعيد، نا عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون، ثنا عبد الله بن الفضل ويعقوب بن أبي سلمة الماجشون، كلاهما عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال: وجهت وجهي -إلى قوله-: تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك". نحو رواية المسلم.

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أحمد بن خالد بن محمَّد الوهبي الكندي، وعبد الله بن صالح كاتب الليث، كلاهما عن عبد العزيز بن الماجشون وهو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن الماجشون وهو عمه يعقوب بن

(1)"مسند أحمد"(1/ 94 رقم 729).

ص: 535

أبي سلمة، وعن عبد الله بن الفضل، كلاهما عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله ابن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب.

وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(1): ثنا حُمام بن أحمد، نا عباس بن أصبع، نا محمَّد بن عبد الملك بن أيمن، نا أحمد بن زهير بن حرب، حدثني أبي، ثنا عبد الرحمن ابن مهدي، نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، حدثني عمي- هو يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب: "أن رسول الله عليه السلام كان إذا كبّر استفتح ثم قال: وجهت

" إلى آخره نحو رواية أحمد.

الرابع: عن الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن عبد الله بن وهب المصري، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان القرشي، عن موسى بن عقبة بن أبي عياش المدني، عن عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرجه الدارقطني (2): ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا يوسف بن سعيد، ثنا حجاج، عن ابن جريج، أخبرني موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض -إلى قوله-: أستغفرك وأتوب إليك".

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(3): عن إبراهيم بن محمَّد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عُبيد الله بن أبي رافع، عن علي رضي الله عنه قال: "كان رسول الله عليه السلام إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، ورفع يديه حذو منكبيه، ثم قال:

(1)"المحلى"(4/ 95).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 297 رقم 2).

(3)

"مصنف عبد الرزاق"[2/ 79 رقم 2567].

ص: 536

{وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا} (1) الآية وآيتين بعدها إلى المسلمين، ثم يقول: اللهم أنت الملك

" إلى آخره.

قوله: "وجهت" أي قصدت بعبادتي الذي فطر السماوات والأرض أي خلقهما، وقيل: معناه أخلصت ديني وعملي.

قوله: "حنيفًا" أي مستقيمًا مخلصًا، وقال أبو عُبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام، ويقال: معناه مائلًا إلى الدين الحق وهو الإِسلام، وأصل الحنف الميل، ويكون في الخير والشر، ومنه يصرف إلى ما تقتضيه القرينة، والنسبة إليه: حنيفي، وأما الحنفي بلا ياء فهو الذي ينسب إلى أبي حنيفة في مذهبه، حذف ها هنا الياء ليكون فرقًا بينهما، وانتصابه على أنه حال من الضمير الذي في:"وجهت" أي حال كوني في الحنيفية.

قوله: "مسلمًا" حال أيضًا، وليس هذا في رواية مسلم وأبي داود.

قوله: "وما أنا من المشركين" بيان للحنيفية وإيضاح لمعناه، والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم، ويهودي، ونصراني، ومجوسي، ومرتد، وزنديق وغيرهم.

قوله: "إن صلاتي" يعني عبادتي، و"نسكى" يعني تقربي كله، وقيل: وذبحي، وجمع بين الصلاة والذبح كما في قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) وقيل: صلاتي وحجي.

وأصل النسك: العبادة، من النسيكة وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط، والنسيكة أيضًا كل ما يتقرب به إلى الله عز وجل.

قوله: "ومحياي ومماتي" أي وما آتيه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح خالصة لوجهه لا شريك له، وبذلك الإخلاص أمرت في الكتاب، وأنا أول المسلمين.

(1) الأنعام، آية:[162، 163].

(2)

الكوثر، آية:[2].

ص: 537

ويقال: "ومحياي ومماتي" أي حياتي وموتي، ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانها، والأكثرون على فتح "ياء" محياي وإسكان "ياء" مماتي، والسلام في "لله" لام الإضافة، ولها معنيان: الملك، والاختصاص، وكلاهما مراد ها هنا، والرب: المالك والسيد والمربي والمصلح، فإن وصف الله برب لأنه مالك وسيد، فهو من صفات الذات، وإن وصف به لأنه مدبر خلقه ومربيهم ومصلح لأحوالهم؛ فهو من صفات فعله، ومتى دخلته الألف واللام اختص بالله تعالى، وإذا حذفتا جاز إطلاقه على غيره فيقال: رب المال، ورب الدار، ونحو ذلك.

و"العالمون" جمع عَالَم، وليس للعَالَم واحد من لفظه، والعَالَم اسم لما سوى الله تعالى، ويقال: الملائكة والجن والإنس، وزاد أبو عُبيدة: والشياطين، وقيل: بنو آدم خاصة، وقيل: الدنيا وما فيها.

ثم هو مشتق من العلامة لأن كل مخلوق علامة على وجود صانعه. وقيل: من العِلْم فعك هذا يختص بالعقلاء، وذكر ابن مالك: أن العالمين اسم جمع لمن يعقل، وليس جمع عالم لأن العالم عامّ والعالمين خاص، ولهذا منع أن يكون الأعراب جمع عرب لأن العرب للحاضرين والبادين، والأعراب خاص بالبادين، وقال الزمخشري: إنما جمع ليشمل كل جنس مما سمي به.

فإن قلت: فهو اسم غير صفة، وإنما يجمع بالواو والنون صفات العقلاء، أو ما في حكمها من الأعلام.

قلت: ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه، وهي الدلالة على معنى العلم فيه.

قوله: "وأنا أول المسلمين" أي من هذه الأمة قاله قتادة، أو في هذا الزمان قاله الكلبي، أو بروحي قد كنت، كقوله عليه السلام:"كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطين"(1) وفي

(1) أخرجه الترمذي (5/ 585 رقم 3609)، وأحمد (4/ 66 رقم 16674) بلفظ "وآدم بين الروح والجسد". =

ص: 538

رواية مسلم: "وأنا من المسلمين" بلا "أول".

قوله: "قالوا: فلما جاءت الرواية بهذا وبما قبله" أي قال الجماعة الآخرون: لما جاءت الرواية بهذا الدعاء الطويل وهو: "وجهت

" إلى آخره وبما قبله وهو "سبحانك اللهم، وبحمدك

" إلى آخره استحببنا أن يقولهما المصلي جميعًا، يعني يجمع بينهما، وقال النووي: وفي هذا الحديث استحباب دعاء الافتتاح في كل الصلوات حتى في النافلة، وهو مذهبنا ومذهب الأكثرين إلَّا أن يكون إمامًا لقوم لا يؤثرون فيها التطويل. وقال ابن الجوزي: كان ذلك في ابتداء الأمر أو في النافلة. وقال الكاساني من أصحابنا: تأويل ذلك أنه كان يقول ذلك في التطوعات والأمر فيها أوسع، وأما الفرائض فلا يزاد فيها على ما اشتهر فيه الذكر، وهو قوله: "سبحانك اللهم

" إلى آخره، أو كان ذلك في الابتداء ثم نسخ بالآية، وهي قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (1) ذكر الجصاص عن الضحاك عن ابن عمر رضي الله عنهما "أنه قول المصلي عند الافتتاح: سبحانك اللهم وبحمدك".

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا هشيم قال: أنا جويبر، عن الضحاك في قوله تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} (1) قال: "حين تقوم إلى الصلاة تقول هؤلاء الكلمات: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".

= قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "الفتاوى"(2/ 238): وأما قوله: "كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطين"، فلا أصل له، ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث، فإنه لم يكن بين الماء والطين؛ إذ الطين ماء وتراب، ولكن لما خلق جسد آدم قبل نفخ الروح فيه كتب نبوة محمَّد وقدرها.

وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة"(1/ 521): وأما الذي على الألسنة بلفظ "كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطين" فلم نقف عليه بهذا اللفظ، فضلًا عن زيادة "وكنت نبيًّا ولا آدم ولا ماء ولا طين".

(1)

سورة الطور، آية:[48].

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 210 رقم 2402).

ص: 539

قلت: وبهذا سقط سؤال من يقول: كيف قلتم: هذا محمول على النافلة وفي رواية الدارقطني (1) وعبد الرزاق (3) قد صرح أنه عليه السلام إنما قال ذلك في المكتوبة على ما مرَّ عن قريب، وقال الكاساني: قال أبو يوسف في "الإملاء": يقول مع التسبيح: إني وجهت وجهي

إلى آخره، ويقول: وأنا من المسلمين، ولا يقول: وأنا أول المسلمين؛ لأنه كذب، وهل تفسد صلاته إذا قال ذلك؟ قال بعضهم: تفسد؛ لأنه أدخل الكذب في الصلاة. وقال بعضهم: لا تفسد لأنه من القرآن.

ثم عن أبي يوسف روايتان: في رواية: يقدم التسبيح عليه، وفي رواية: هو بالخيار إن شاء قدم وإن شاء أخر، وهو أحد قولي الشافعي، وفي قول: يفتتح بقوله: وجهت لا بالتسبيح.

قلت: أصح مذهب أبي يوسف أن يجمع بينهما، فلذلك قال الطحاوي:"وممن قال بهذا أبو يوسف" أي ممن قال بالجمع بين وجهت والتسبيح: الإِمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري: وهو اختيار الطحاوي أيضًا على ما ذكرنا، وبه أعمل إن شاء الله تعالى.

(1) تقدم.

ص: 540