الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: رفع اليدين في افتتتاح الصلاة إلى أين يبلغ بهما
ش: أي هذا باب في بيان رفع اليدين في أول الصلاة، إلى أين يبلغ بهما وكيف يرفعهما؟ ولما فرغ عن بيان الأوقات بأقسامها وأنواعها شرع في بيان كيفية الشروع في الصلاة، وفي بعض النسخ قال: كتاب الصلاة، ثم قال: باب رفع اليدين، ولا يحتاج إلى ذكر كتاب الصلاة؛ لأنه ذكر مرة على رأس باب الأذان.
ص: حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان مولى الزرقيين، قال:"دخل علينا أبو هريرة رضي الله عنه فقال: "كان رسول الله عليه السلام إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًا".
ش: إسناده صحيح، وابن أبي ذئب هو محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب أبو الحارث المدني روى له الجماعة، وسعيد بن سمعان الأنصاري الزرقي المدني مولى بني زريق وثقه النسائي وابن حبان، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا مسدد، نا يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة قال:"كان رسول الله عليه السلام إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدًّا".
وأخرجه الترمذي (2): ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، قال: نا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، قال: سمعت أبا هريرة يقول: "كان رسول الله عليه السلام إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًا".
وأخرجه النسائي (3): أنا عمرو بن علي، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا ابن أبي ذئب، قال: ثنا سعيد بن سمعان، قال: "جاء أبو هريرة إلى مسجد بني زريق، فقال:
(1)"سنن أبي داود"(1/ 259 رقم 753).
(2)
"جامع الترمذي"(2/ 6 رقم 240).
(3)
"المجتبى"(2/ 124 رقم 883).
ثلاث كان رسول الله عليه السلام يعمل بهن تركهن الناس: كان يرفع يديه في الصلاة مدًّا، ويسكت هنية، ويكبِّر إذا سجد وإذا رفع".
قوله: "مدًّا" نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي رفعًا مدًّا، ويجوز أن يكون بمعنى مادًّا، ويكون حالًا من الضمير الذي في "رفع"، والتقدير: حال كونه مادًّا يديه.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن الرجل يرفع يديه إذا افتتح الصلاة مدًّا، ولم يوقتوا في ذلك شيئًا، واحتجوا بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: العراقيين من أصحاب مالك، وأحمد في رواية؛ فإنهم قالوا: يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة، ولم يعينوا في ذلك شيئًا من بلوغ اليدين إلى أين تكون؟ ولكن قالوا: يمدها مدًّا بأن تكون رؤس أصابعهما مما يلي السماء صفة النابذ، وقال سحنون من المالكية: يكونان مبسوطتين، بطونهما مما يلي الأرض، وظهورها مما يلي السماء، وهي صفة الزاهد.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ينبغي له أن يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: محمَّد بن سيرين وابن أبي ذئب وسالم بن عبد الله والشافعي ومالكًا وأحمد وإسحاق؛ فإنهم قالوا: السُنَّة أن يرفع المصلي يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وقد نقل ذلك عن عمر وابنه وأبي هريرة، وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما "أنه كان يرفع يديه في الإحرام حذو منكبيه، وفي غيره دون ذلك"(1).
وقال القاضي عياض: اختلفت الروايات في ذلك؛ ففي رواية: "حتى يحاذي
(1) أخرجه أبو داود في "السنن"(1/ 256 رقم 742)، ومالك في "الموطأ"(1/ 77 رقم 168)، "مسند الشافعي"(1/ 212 رقم 1023).
منكبيه" وفي أخرى: "حتى يحاذي بهما أذنيه" (1) وفي أخرى: "فروع أذنيه" (2) وفي أخرى: "فوق أذنيه مدًّا مع رأسه" (3)، وفي أخرى: "إلى صدره" (4) وبحسب هذه الروايات اختلف العلماء في الاختيار من فعلها، فذهبت عامّة أئمة الفتوى إلى الرواية الأولى، وهي أن يرفعهما حذو منكبيه، وهو أصح قولي مالك وأشهره، والرواية الأخرى عنه إلى صدره، وذهب ابن حبيب إلى رفعهما حذو أذنيه، وقد يجمع بين الأحاديث وبين الروايتين عن مالك بأن يكون بمقابلة أعلى صدره، وكفَّاه حذو منكبيه، وأطراف أصابعهما مع أذنيه، وإلى هذا ذهب بعض مشايخنا، ونحوه للشافعي إلا ذكر الصدر وهو صفة ما جاء في الحديث. وتجتمع الأحاديث إلا في زيادة الرواية الأخرى: "فوق رأسه".
وقال بعضهم: هو على التوسعة، وقال أبو عمر: هذه الروايات كلها مشهورة دالّة على التوسعة، ويقال: يرفعها إلى أن يجاوز رأسه، وهو المنقول عن طاوس أيضًا.
وبقي الكلام ها هنا من وجوه:
الأول: في نفس رفع اليدين قال ابن المنذر: لم يختلفوا أن رسول الله عليه السلام كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وفي "شرح المهذب": أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الافتتاح ونقله ابن المنذر، ونقل العبدري عن الزيدية: أنه لا يرفع يديه عند الإحرام، ولا يعتد بهم، وفي فتاوى القفال: أن أبا الحسن أحمد ابن سيّار المروزي قال: إذا لم يرفع يديه لم تصح صلاته؛ لأنها واجبة، فوجب الرفع لها، بخلاف باقي التكبيرات لا يجب الرفع؛ لأنها غير واجبة، وقال النووي: وهذا مردود بإجماع من قبله، وقال ابن حزم: رفع اليدين في أول الصلاة فرض لا تجزئ الصلاة إلا به، وقد روي ذلك عن الأوزاعي.
(1)"المجتبى"(2/ 122 رقم 879).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 293 رقم 391).
(3)
انظر "التمهيد" لابن عبد البر (9/ 229).
(4)
"شرح معاني الآثار"(1/ 196 رقم 1072).
الثاني: في كيفية الرفع، فقال الطحاوي: يرفع ناشرًا أصابعه مستقبلًا بباطن كفيه إلى القبلة كأنه لمح ما في "الأوسط"(1) للطبراني: من حديثه عن محمَّد بن حرب، نا [عمير](2) بن عمران، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"إذا استفتتح الصلاة أحدكم، فليرفع يديه وليستقبل بباطنهما القبلة؛ فإن الله عز وجل أمامه".
وفي "المحيط": "ولا يفرج بين الأصابع تفريجًا". وقال الماوردي: يجعل باطن كل كف إلى الأخرى.
وعن سحنون: زهورهما إلى السماء وبطونهما [إلى](3) الأرض.
وعن القابسي: يقيمهما مُحْنَيَيْن شيئًا يسيرًا.
ونقل المحاملي عن أصحابهم: يستحب تفريق الأصابع.
وقال الغزالي: لا يتكلف ضمًّا ولا تفريقًا، بل يتركهما على هيئتهما.
وقال الرافعي: يفرق تفريقًا وسطًا.
وفي "المغني" لابن قدامة: يستحب أن يمد أصابعه، ويضم بعضها إلى بعض.
الثالث: في حكمة الرفع، فقال ابن بطال: رفعهما تعبد، وقيل: إشارة إلى التوحيد، وقيل: حكمته أن يرى الأصم فيعلم دخوله في الصلاة، والتكبير لإسماع الأعمى فيعلم بدخوله في الصلاة.
وقيل: استكانة واستسلام، وكان الأسير إذا غُلب مدَّ يديه علامة لا ستسلامه.
(1)"المعجم الأوسط"(8/ 11 رقم 7801).
(2)
في "الأصل، ك": "محمد" وهو تحريف، والمثبت من "المعجم الأوسط"، وعمير بن عمران هو الحنفي له ترجمة في "الكامل" لابن عدي (5/ 70) من رواية محمَّد بن حرب عنه، وقال: حدث بالبواطيل عن الثقات، وخاصة عن ابن جريج، وقال: ولعمير ابن عمران غير ما ذكرت ومقدار ما ذكرت مما رواه عن ابن جريج لا يرويها غيره عن ابن جريج، والضعف بيِّن على حديثه. وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/ 318): في حديثه وهم وغلط وانظر "لسان الميزان"(4/ 380).
(3)
تكررت في "الأصل، ك".
وقيل: هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل: هو إشارة إلى طرح الدنيا وراءه.
الرابع: الرفع مقارن بالتكبير، أم لا؟ ففي "المبسوط": يرفع ثم يكبر، وقال: وعليه أكثر مشايخنا، وقال جواهر زادة: يرفع مقارنًا للتكبير، وبه قال أحمد، وهو المشهور عن مالك.
وفي "شرح المهذب": الصحيح أن يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير، وانتهاؤه مع انتهائه، وهو المنصوص.
وقيل: يرفع بلا تكبير، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين.
وقيل: يبتدئ يرفع بلا تكبير، ثم يرسلهما بعد فراغ التكبير، وهو مصحح عند البغوي.
وقيل: يبتدئ بهما معًا.
وقيل: التكبير مع انتهاء الإرسال.
وقيل: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، ولا استحباب في الانتهاء. وهذا مصحح عند الرافعي.
وفي شرح "المجمع" قال أبو يوسف: يقارن رفع اليدين مع التكبير. وبه قال الطحاوي وبعض الشافعية، وقال أبو حنيفة ومحمد: يقدم الرفع على التكبير. وهو الذي ذكره صاحب "المبسوط"؛ لأن الرفع إشارة إلى نفي الكبرياء عن غير الله، والتكبير إثباتها له، والنفي يقدم على الإثبات.
الخامس: رفعهما إذا أراد الركوع، وسيجيء الكلام فيه في موضعه إن شاء الله تعالى.
ص: واحتجوا بذلك بما حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفَضْل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبّر ورفع يديه حذو منكبيه".
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه من رفع اليدين إلى المنكبين بحديث علي رضي الله عنه.
ورجاله ثقات، لكن متن الحديث قد ضعف لكونه روي من وجه أخر عنه، وليس فيه الرفع غير أول الصلاة على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
وعبد الرحمن بن أبي الزناد -بالنون- واسم أبي الزناد عبد الله بن ذكوان القرشي المدني، روى له الجماعة، البخاري مستشهدًا.
وموسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي الأسدي المدني، روى له الجماعة، وعبد الله بن الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم القرشي المدني روى له الجماعة، وعبيد الله بن أبي رافع المدني مولى النبي عليه السلام. واسم أبي رافع: أسلم، أو إبراهيم، أو ثابت، أو هرمز، روى له الجماعة.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا الحسن بن علي، ثنا سليمان بن داود الهاشمي، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه[عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] (2):"أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبّر ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع، ويصنعه إذا فرغ من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته، وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين يرفع يديه كذلك وكبّر".
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان بن عُيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه".
(1)"سنن أبي داود"(1/ 257 رقم 744).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن أبي داود".
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب (ح).
وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، عن مالك، عن ابن شهاب، فذكر بإسناده مثله.
ش: هذه ثلاثة طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عُيينة، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.
وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن يحيى وسعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب، وابن نمير، كلهم عن سفيان بن عُيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وقبل أن يركع، وإذا قام من الركوع، ولا يرفعهما بين السجدتين".
وأبو داود (2): ثنا أحمد بن حنبل، نا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله عليه السلام إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع- وقال سفيان مرة: وأذا رفع رأسه. وأكثر ما كان يقول: وبعدما يرفع رأسه، ولا يرفع بين السجدتين".
والترمذي (3): ثنا قتيبة وابن أبي عمر، قالا: ثنا سفيان بن عُيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع" وزاد ابن أبي عمر في حديثه: "وكان لا يرفع بين السجدتين".
(1)"صحيح مسلم"(1/ 292 رقم 390).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 249 رقم 721).
(3)
"جامع الترمذي"(2/ 35 رقم 255).
وابن ماجه (1): ثنا علي بن [محمَّد](2) وهشام بن عمار وأبو عمر الضرير، قالوا: ثنا سفيان بن عُيينة، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال:"رأيت رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتل يحاذي منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين".
الثاني: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن محمَّد بن مسلم ابن شهاب الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وأخرجه ابن وهب في "مسنده".
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر الزهراني، عن مالك
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي (3): من طريق الشافعي، عن مالك
…
إلى آخره.
ثم قال: ورواه بشر بن عمر وغيره عن مالك.
قلت: هذا الحديث رواه أناس عن مالك.
وأخرجه الجماعة:
فالبخاري (4): عن محمَّد بن مقاتل، عن عبد الله، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله عليه السلام إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمده، ولا يفعل ذلك في السجود".
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 279 رقم 858).
(2)
في "الأصل، ك": "مسهر" وهو تحريف، والمثبت من "سنن ابن ماجه"، و"تحفة الأشراف"(5/ 369 رقم 6816). وعلي هذا هو ابن محمَّد الطنافسي.
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 68 رقم 2331).
(4)
"صحيح البخاري"(1/ 258 رقم 703).
وأخرجه النسائي (1): عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن يونس
…
إلى آخره نحو رواية البخاري وبقيَّة الجماعة قد ذكرناهم.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن جابر قال:"رأيت سالم بن عبد الله حين افتتح الصلاة رفع يديه حَذْو منكبيه، فسألته عن ذلك، فقال: رأيت ابن عمر يفعل ذلك، فقال ابن عمر: رأيت النبي عليه السلام يفعل ذلك".
ش: هذا وجه آخر له، عن فهد بن سليمان، عن علي بن معبد بن شداد العبدي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة الجذري الرهاوي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن سالم
…
" إلى آخره.
وهؤلاء ثقات غير أن جابرًا فيه مقال فضعفه يحيى وأبو حاتم، ووثقه آخرون.
وأخرجه البيهقي: من حديث محمَّد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي يقول: أنا أبو حمزة، عن سليمان الشيباني، قال:"رأيت سالم بن عبد الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه، فلما ركع رفع يديه، فلما رفع رأسه رفع يديه، فسألته فقال: رأيت ابن عمر يفعله، فقال: رأيت رسول الله عليه السلام يفعله".
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عبد الحميد بن جعفر، قال: ثنا محمَّد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي عليه السلام أحدهم أبو قتادة قال: قال أبو حميد: "نا أعلمكم بصلاة رسول الله عليه السلام، قالوا: لِمَ؟ فوالله ما كنت أكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة؟ فقال: بلى، قالوا: فأعرض، فقال: كان رسول الله عليه السلام إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، قال: فقالوا جميعًا: صدقت، هكذا كان يصلي".
ش: إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح ما خلا أبا بكرة بكَّار القاضي.
(1)"المجتبى"(2/ 121 رقم 877).
واسم أبي عاصم الضحاك بن مخلد.
وأخرجه أبو داود (1) مطولًا: ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد.
ونا مسدّد، نا يحيى -وهذا حديث أحمد- أنا عبد الحميد -يعني ابن جعفر- قال: أخبرني محمَّد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي عليه السلام منهم أبو قتادة، قال أبو حميد:"أنا أعلمكم بصلاة رسول الله عليه السلام، قالوا: فَلِمَ؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة؟ قال: إلى، قالوا: فاعرض، قال: كان رسول الله عليه السلام إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم يقرأ، ثم يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل فلا يصب رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه معتدلًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ويفتخ أصابع رجليه إذا سجد، ثم يسجد، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بههما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع مثل ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متوركًا على شقه الأيسر. قالوا: صدقت، هكذا كان يصلي".
وأخرجه الترمذي (2) أيضًا: ثنا محمَّد بن بشار ومحمد بن المثني، قالا: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: نا عبد الحميد بن جعفر، قال: نا محمَّد بن عمرو بن
(1)"سنن أبي داود"(1/ 252 رقم 730).
(2)
"جامع الترمذي"(2/ 105 رقم 304).
عطاء، عن أبي حميد الساعدي، قال: سمعته -وهو في عشرة من أصحاب النبي عليه السلام أحدهم أبو قتادة بن ربعي- يقول: "أنا أعلمكم بصلاة رسول الله عليه السلام. قالوا: ما كنت أقدمنا له صحبة ولا أكثرنا له إتيانًا، قال: بلى، قالوا: فأعرض، فقال: كان رسول الله عليه السلام إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه. فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر ويركع، ثم اعتدل ولم يصوب رأسه ولم يقنع، ووضع يديه على ركبتيه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه واعتدل حتى يرجع كل عضو في موضعه معتدلًا، ثم هوى إلى الأرض ساجدًا، ثم قال: الله أكبر، ثم جافى عضديه عن إبطيه، وفتح أصابع رجليه، ثم ثنى رجله اليسرى، وقعد عليها، ثم اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم هوى ساجدًا ثم قال: الله أكبر ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه، ثم نهض، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك، حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة، ثم صنع كذلك، حتى كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخّر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركًا، ثم سلم".
قال: أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه البخاري مختصرًا (1): ثنا يحيى بن بكير، قال: ثنا الليث، عن خالد، عن سعيد، عن محمَّد بن عمرو بن حلحلة، عن محمَّد بن عمرو بن عطاء.
ونا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمَّد، عن محمَّد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء: "أنه كان جالسًا مع نفرٍ من أصحاب النبي عليه السلام فذكرنا صلاة النبي عليه السلام، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله عليه السلام؛ رأيته إذا كبّر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا
(1)"صحيح البخاري"(1/ 284 رقم 794).
سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته".
قوله: "في عشرة من أصحاب النبي عليه السلام أي بين عشرة، وكلمة "في" تجيء بمعنى بين كما في قوله تعالى،:{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (1) أي بين عبادي، ومحلها النصب على الحال، أي سمعته حال كونه جالسًا بين عشرة أنفس من الصحابة منهم أبو قتادة الحارث بن ربعي.
قوله: "لِمْ" بتسكين الميم، ومعناه لم تقول هذا القول؟ فوالله ما كنت أكثرنا له تبعة أي اتباعًا، والتبعة -بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الباء- اسم للاتباع، وكذلك التبعة -بضم التاء وسكون الباء، والتباعة بالفتح، وانتصابها على التمييز، وكذلك صحبةً.
قوله: "حتى يَقَرّ" من القرار من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ والمعنى حتى يستقر كل عظم في موضعه ويثبت.
قوله: "فلا ينصب رأسه" يعني فلا يميلها إلى أسفل، وفي بعض الرواية:"فلا ينصب" من الانصباب.
قوله: "ولا يقنع" من الإقناع، يعني لا يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره.
قوله: "ثم يهوي" أي ينزل، ومصدره هُوىً.
قوله: "فيجافي" أي يباعد.
قوله: "ويثني رجله" من ثنيت الشيء ثَنْيًا إذا عطفته.
قوله: "ويفتح" بالخاء المعجمة، أي يضم أصابع رجليه ويغمز موضع المفاصل منها ويثنيها إلى باطن الرجل، فيوجهها نحو القبلة.
(1) سورة الفجر، آية:[29].
قوله: "متوركًا" حال من الضمير الذي من "قعد" والتورك أن يجلس على إليتيه، وينصب رجله اليمنى، ويخرج اليسرى من تحتها.
قوله: "ثم هصر ظهره" بتخفيف الصاد المهملة، أي ثناه وعطفه للركوع، وأصل الهصر: الكسر، وقد هصره واهتصره بمعنى.
قوله: "كل فَقَار" بفتح الفاء ثم القاف وفَقَار الظهر خزاته، والواحدة منها فقارة.
ص: أبو جعفر: فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: الرفع في التكبير في افتتاح الصلاة يبلغ به المنكبان ولا يُجاوزان، واحتجوا في ذلك بهله الآثار، فكان ما في حديث أبي هريرة عندنا غير مخالف لهذا؛ لأنه إنما ذكر فيه أن رسول الله عليه السلام كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، فليس في ذلك ذكر المنتهى بذلك المد إليه أيُّ موضع هو؟ قد يجوز أن يكون يبلغ به حذاء المنكبين، وقد يحتمل أيضًا أن يكون ذلك الرفع قبل الصلاة للدعاء، ثم يكبر للصلاة بعد ذلك ويرفع يديه حلاء منكبيه، فيكون حديث أبي هريرة على رفع عند القيام للصلاة للدعاء، وحديث علي وابن عمر على الرفع بعد ذلك عند افتتاح الصلاة؛ حتى لا تتضاد هذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء من ذكرناهم عند قوله: "وخالفهم في ذلك آخرون".
فإن قلت: أليس هذا بتكرار؟
قلت: لا؛ لأن المذكور عند قوله: "وخالفهم في ذلك آخرون" هو قوله: "ينبغي له أن يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه" وسكت عن المجاوزة عن المنكبين وبَيَّنَ ها هنا أن مذهب هؤلاء هو الاقتصار على محاذاة المنكبين، ولا يجاوزان عليهما، والمجاوزة عنهما هو مذهب مخالفيهم على ما يجيء.
قوله: "يُبْلغ" على صيغة المجهول، و"المنكبان" مفعوله ناب عن الفاعل.
وكذا قوله: "ولا يُجاوزان" على صيغة المجهول، وفي بعض النسخ "يبلغ به المنكبين" فيبلغ على صيغة المعلوم، وفاعله "المصلي" والمنكبين مفعوله.
قوله: "فكان ما في حديث أبي هريرة
…
" إلى آخره إشارة إلى وجه التوفيق بين
حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور في أول الباب الذي احتجت به طائفة فقالوا: ينبغي للمصلي أن يرفع يديه مدًّا ولم يعينوا فيه شيئًا، وبين حديثي علي وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم الذين احتج بهما طائفة، فقالوا: يرفع يديه إلى منكبيه ولا يجاوزهما عنهما، فكل من الطائفتين عمل بحديث وترك حديثًا، وأشار الطحاوي إلى أن العمل بالحديثين أولى من العمل بأحدهما وإهمال الآخر، وذلك بالتوفيق بينهما، ووجهه أن يقال: إن في حديث أبي هريرة لم يبين موضع المدِّ، فيجوز أن يكون المراد به أن يبلغ إلى المنكبين، فيكون أحد الحديثين كالتفسير للآخر ولا يكون بينهما تضاد، أو يحمل كل منهما على معنىً، وهو أن حديث أبي هريرة يحمل على رفع يدٍ عند القيام إلى الصلاة لأجل الدعاء وهو معنى قوله:"على رفعٍ عند القيام للصلاة للدعاء" فاللام في الصلاة تتعلق بالقيام، واللام في الدعاء تتعلق برفع، وحديث علي وابن عمر يحمل على رفع يديه مرة أخرى للشروع في الصلاة، فيكون معنى كل من الحديثين في محل غير محل الآخر، فلا يقع بينهما تضاد، لاختلاف المحلين. فافهم.
ص: وخالف في ذلك آخرون، فقالوا: ترفع الأيدي في افتتاح الصلاة حتى يحاذى بهما الأذنان.
ش: أي خالف الحكم المذكور جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وأبا ميسرة ووهب بن منبه وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وأحمد -في رواية- وجماعة من المالكية؛ فإنهم قالوا: ترفع الأيدي في افتتاح الصلاة حتى يحاذي بهما الأذنان، وروي ذلك عن البراء بن عازب ومالك بن الحويرث ووائل بن حجر وأبي حميد الساعدي وأبي جعفر وأبي إسحاق وآخرين.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكر، قال: أنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال:"كان النبي عليه السلام إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه حتى يكون إبهاماه قريبًا من شحمتي أذنيه".
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث البراء بن عازب.
ومؤمل بن إسماعيل القرشي أبو عبد الرحمن البصري، احتج به الأربعة واستشهد به البخاري.
وسفيان هو الثوري.
ويزيد بن أبي زياد القرشي أبو عبد الله الكوفي فيه مقال، فعن أحمد: لم يكن بالحافظ.
وعن يحيى: لا يحتج بحديثه. وعنه: ضعيف الحديث. وقال أبو داود: لا أعلم أحدًا ترك حديثه، وغيره أحب إلى منه.
قلت: هو احتج به، وكذلك احتج به النسائي (1)، والترمذي، وابن ماجه، وروى له مسلم مقرونًا بغيره.
وابن أبي ليلى: هو عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار الأنصاري أبو عيسى الكوفي، روى له الجماعة.
وأخرجه أبو داود (2): نا محمَّد بن الصباح البزاز، قال: نا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود". انتهى.
وفيه دلالة صريحة أن النبي عليه السلام كان يرفع يديه إذا كبر لافتتاح الصلاة حتى يكون إبهاماه قريبًا من شحمتي أذنيه، ودلت رواية أبي داود على أن رفع اليدين عند الافتتاح فقط.
فإن قيل: هذا الحديث ضعفوه، فكيف استدل به الطحاوي للحنفية؟
(1) مجرد ذكر أصحاب السنن الأربعة أو أحدهم الراوي في كتبهم لا يعدُّ احتجاجًا منهم به، بل ذكروا في كتبهم كثيرًا من الضعفاء والهلكى، ومَن ضعفوهم في كتبهم الأخرى. والله أعلم.
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 258 رقم 749).
قلت: تضعيفهم إياه إما لنفس يزيد بن أبي زياد وإما لانفراد شريك في رواية أبي داود بزيادة قوله: "ثم لا يعود" فإن كان لنفس يزيد بن أبي زياد حيث نقلوا عن أحمد ويحيى وغيرهما أنه ضعيف كما قلنا، فقد عارض ذلك قول غيرهم، فقال يعقوب بن سفيان الفسوي: يزيد وإن كان قد تكلم فيه لتغيره فهو على العدالة والثقة، وإن لم يكن مثل الحكم ومنصور والأعمش؛ فهو مقبول القول عدل ثقة، وقال أبو داود: ثبت لا أعلم أحدًا ترك حديثه وغيره أحبّ إليّ منه. وقال ابن سعد: كان ثقة في نفسه إلَّا أنه في آخر عمره اختلط. ولما ذكره ابن شاهين في كتاب "الثقات" قال: قال أحمد بن صالح: يزيد ثقة، ولا يعجبني قول من تكلم فيه، وخرج ابن خزيمة حديثه في "صحيحه" وقال: صدوق، وكذا قاله ابن حبان، وذكره مسلم فيمن شمله اسم الستر والصدق وتعاطي العلم وخرج حديثه في "صحيحه"، واستشهد به البخاري، والطحاوي أيضًا رضي به، ولو لم يكن عنده ثقة لما احتج به لما ذهب إليه أصحابه.
وإن كان لانفراد شريك بهذه الزيادة، فسيجيء الكلام فيه مستقصى في باب التكبير للركوع والتكبير للسجود؛ لأن الطحاوي: أخرج هذا الحديث هناك أيضًا على منوال رواية أبي داود.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال:"رأيت رسول الله عليه السلام حين يكبر للصلاة يرفع يديه حيال أذنيه".
حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري، قال: ثنا يوسف ابن عدي، قال: ثنا أبو الأحوص، عن عاصم بن كليب
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذان طريقان صحيحان:
الأول: عن أبي بكرة بكَّار، عن مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب روى له الجماعة، البخاري مستشهدًا.
عن أبيه كليب بن شهاب الجرمي الكوفي، وثقه ابن حبان وأبو زرعة وابن سعد، وروى له الأربعة.
عن وائل بن حجر -بالحاء ثم الجيم- الحضرمي أبي هنيدة الكندي الصحابي.
وأخرجه الطبراني (1): نحوه من حديث سفيان، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن وائل قال: "رأيت النبي عليه السلام إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي أذنيه
…
" الحديث، رواه عن بشر بن موسى، عن الحميدي، عن سفيان.
وأخرجه الدارقطني (2): من حديث جرير، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال:"رأيت النبي عليه السلام إذا افتتح الصلاة يرفع يديه إلى أذنيه". رواه عن الحسين بن إسماعيل، عن يوسف بن موسى، عن جرير، عن عاصم به.
وأخرجه مسلم (3): من حديث علقمة بن وائل، عن أبيه: "أنه رأى النبي عليه السلام رفع يديه حين دخل في الصلاة كبَّر -وصف همام- حيال أذنيه
…
" الحديث، رواه عن زهير، عن عفان، عن همام، عن محمَّد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن علقمة به.
وأخرجه أبو داود (4): عن مسدد، عن بشر بن المفضل، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: "قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله عليه السلام كيف يصلي؟ قال: فقام رسول الله عليه السلام فاستقبل القبلة فكبر، فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه
…
" الحديث.
وأخرجه النسائي (5): أنا محمَّد بن رافع، قال: ثنا محمَّد بن بشر، قال: ثنا
(1)"المعجم الكبير"(22/ 36 رقم 85).
(2)
"سنن الدارقطني"(1/ 292 رقم 14).
(3)
"صحيح مسلم"(1/ 301 رقم 401).
(4)
"سنن أبي داود"(1/ 315 رقم 957).
(5)
"المجتبى"(2/ 123 رقم 882).
فطر بن خليفة، عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه:"أنه رأى النبي عليه السلام إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى تكاد إبهاماه تحاذي شحمة أذنيه".
الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن أبي الأحوص سلام بن سليم، عن عاصم بن كليب، عن أبيه.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا أبو الأحوص، ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال:"صليت خلف رسول الله عليه السلام، فقلت: لأحفظن صلاة رسول الله عليه السلام، فلما افتتح الصلاة كبَّر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما كبَّر للركوع رفع يديه أيضًا كما رفعهما لتكبير الصلاة، فلما ركع وضع كفيه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه أيضًا، فلما قعد يتشهد افترش رجله اليسرى بالأرض ثم قعد عليها، فوضع كله الأيسر على فخذه اليسرى، ووضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد أصابعه وجعل حلقة بالإبهام والوسطى، ثم جعل يدعو بالأخرى".
ص: حدثنا محمَّد بن عمرو بن يونس، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث، عن رسول الله عليه السلام، مثله إلَّا أنه قال:"حتى يحاذي بهما فوق أذنيه".
ش: إسناده صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه مسلم (2): ثنا أبو كامل الجحدري، قال: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبَّر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، فإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك".
(1)"المعجم الكبير"(22/ 34 رقم 80).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 293 رقم 391).
وأخرجه أبو داود (1): ثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث، قال:"رأيت النبي عليه السلام يرفع يديه إذا كبَّر وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يبلغ بهما فروع أذنيه".
وأخرجه النسائي (2): أنا علي بن حجر، قال: أنا إسماعيل، عن سعيد، عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن مالك بن الحويرث، قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يرفع يديه إذا كبَّر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغتا فروع أذنيه".
ص: حدثنا أبو الحسين الأصبهاني، قال: ثنا هشام بن عمار، قال: ثنا إسماعيل ابن عياش، قال: ثنا عتبة بن أبي حكيم، عن عيسى بن عبد الرحمن العدوي، عن العباس بن سهل، عن أبي حميد الساعدي:"أنه كان يقول لأصحاب النبي عليه السلام: أنا أعلمكم بصلاة النبي عليه السلام؛ كان إذا قام إلى الصلاة كبَّر ورفع يديه حذاء وجهه".
ش: أبو الحسن هو محمَّد بن عبد الله بن مخلد الأصبهاني، وهشام بن عمار ابن نصير أبو الوليد السلمي الدمشقي شيخ البخاري، وإسماعيل بن عياش -بالياء آخر الحروف، والشين المعجمة- بن سليم الشامي الحمصي، أحد من روى عن أبي حنينة وأكثر، قال الفسوي: ثقة عدل. وقال دحيم: هو في الشاميين غاية وخلَّط عن المدنيين، وقال يحيى: ثقة. وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن خزيمة: لا يحتج به. وروى له الأربعة.
وعتبة بن أبي حكيم الهمداني أبو العباس الشامي الأزدي الطبراني، قال يحيى: ثقة. وعنه: ضعيف. وقال أبو حاتم: صالح لا بأس به. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى له الأربعة.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 257 رقم 745).
(2)
"المجتبى"(2/ 182 رقم 1024).
وعيسى بن عبد الرحمن، الأصح أنه عيسى بن عبد الله بن مالك الدار مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال ابن المديني: مجهول. وذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له أبو داود وابن ماجه والنسائي في "اليوم والليلة".
والعباس بن سهل بن سعد الأنصاري الساعدي المدني روى له الجماعة سوى النسائي.
وأبو حميد الساعدي الأنصاري قيل: اسمه عبد الرحمن وقيل: المنذر بن سعد. ونسبته إلى بني ساعدة قوم من الخزرج ولهم سقيفة بني ساعدة وهي بمنزلة دارهم.
والحديث أخرجه أبو داود (1) مطولًا: عن أحمد بن حنبل، عن عبد الملك بن عمرو، عن فليح، عن عباس بن سهل
…
إلى آخره، وفيه: قال أبو حميد: "أنا أعلمكم بصلاة رسول الله عليه السلام
…
" الحديث.
ثم قال (2): ثنا عمرو بن عثمان، خبَّرنا بقية، قال: حدثني عتبة، قال: حدثني عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل، عن أبي حميد
…
إلى آخره.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فلما اختلفت هذه الآثار عن رسول الله عليه السلام التي فيها بيان الرفع إلى أي موضع هو، في الموضع الذي انتهى به، وخَرَّجَ حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي بدأنا بذكره أن يكون مضادًا لها؛ أردنا أن ننظر أي هذين المعنيين أولى أن يقال به؟
فإذا فهد بن سليمان قد حدثنا، قال: ثنا محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني، قال: ثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال:"أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يرفع حذاء أذنيه إذا كبّر وإذا رفع وإذا سجد، فذكر من هذا ما شاء الله، قال: ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم فيها، وأشار شريك إلى صدره".
(1)"سنن أبي داود"(1/ 253 رقم 734).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 253 رقم 735).
فأخبر وائل بن حجر في حديثه هذا أن رفعهم إلى مناكبهم إنما كان لأن أيديهم كانت حينئذٍ في ثيابهم، وأخبر أنهم كانوا يرفعون إذا كانت أيديهم ليست في ثيابهم إلى حذو آذانهم، فأعلمنا روايتيه كلتيهما، فجعلنا الرفع إذا كانت اليدان في الثياب لعلة البرد إلى منتهى ما استطاع الرفع إليه وهو المنكبان، وإذا كانتا باديتين رفعهما إلى الأذنين كما فعل النبي عليه السلام، ولم يجز أن يحمل حديث ابن عمر وما أشبهه مما فيه ذكر رفع اليدين إلى المنكبين كان ذلك واليدان باديتان إذ كان قد يجوز أن يكونا كانتا في الثياب، فيكون ذلك مخالفًا لما روى وائل بن حجرة فيتضاد الحديثان، ولكنا نجعلهما على الاتفاق فنجعل حديث ابن عمر على أن ذلك كان من النبي عليه السلام ويداه في ثوبه -على ما حكى وائل في حديثه- ونجعل ما رواه وائل عن النبي عليه السلام لأ أنه فعله في غير حال البرد من رفعه يديه إلى أذنيه، فيستحب القول به وترك خلافه.
وأما ما رويناه عن عليّ رضي الله عنه عن النبي عليه السلام في ذلك فهو خطأ، وسنبين ذلك في باب رفع اليدين في الركوع إن شاء الله تعالى.
فثبت بتصحيح هذه الآثار ما روى وائل عن النبي عليه السلام على ما فصلنا مما فعل في حال البرد وفي غير حال البرد، وهو قول أبي حنيفة وأيى يوسف ومحمد بن الحسن رضي الله عنه.
ش: ملخصه: أن الأحاديث في هذا الباب رويت على ثلاثة أنواع وبينها تضاد ظاهرًا وهي حديث أبي هريرة الذي فيه رفع اليدين مدًّا، وحديث علي وابن عمر رضي الله عنهم الذي فيه رفعهما حذو منكبيه، وحديث البراء ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث رضي الله عنه الذي فيه رفعهما إلى الأذنين، وقد بين فيما مضى أن حديث أبي هريرة غير مخالف لحديث ابن عمر، وبقي الكلام بين حديث ابن عمر، وحديث وائل، ومن روى مثله فينبغي أن يُنظر بينهما ويُوفق؛ دفعًا للتضاد، ورفعًا للخلاف بينهما؛ فنظرنا فوجدنا شريك بن عبد الله النخعي القاضي روى عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل
…
الحديث، فأخبر وائل فيه أن رفعهم أيديهم إلى مناكبهم إنما كان
لكونها في ثيابهم، وأخبر في حديثه الآخر أنهم كانوا يرفعونها إلى حذو آذانهم إذا لم تكن في ثياب، فحملنا الرفع إلى مناكبهم فيما جاء من الأحاديث على حالة كون الأيدي في الثياب، والرفع إلى آذانهم فيما جاء أيضًا من الأحاديث على حالة كون الأيدي بادية أي ظاهرة، فبذلك يحصل الاتفاق بين الحديثين، ويرفع التضاد، وهذا هو الأصل في تصحيح معاني الآثار.
قوله: "فأعلمنا" من الإعلام أي أعلمنا وائل بن حجر روايتيه المتقدمتين.
قوله: "باديتين" أي ظاهرتين مكشوفتين.
قوله: "كان ذلك واليدان باديتان" الواو في "واليدان" للحال، وهذا تركيب قلق ولابد من التقدير فيه وهو: أن الأصل "أنْ كان ذلك". وأنْ مصدرية، والتقدير لم يجز أن يحمل حديث ابن عمر وما أشبهه مما فيه رفع اليدين إلى المنكبين على كون ذلك والحال أن اليدين باديتان.
قوله: "إذ كان قد يجوز" وكلمة "إذا" للتعليل.
قوله: "فيكون ذلك" عطف على قوله: "أن يحمل". فافهم.
ثم إسناد حديث شريك هذه صحيح.
وأخرجه أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة، نا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال:"رأيت النبي عليه السلام حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه، قال: ثم أتيتهم فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة وعليهم برانس وأكسية". انتهى.
قوله: "الأكسية" جمع كساء.
و"البرانس" جمع بُرْنُس -بضم الباء الموحدة وبعد الراء الساكنة نون مضمومة ثم سين مهملة -وهو كل ثوب له رأس ملتزق به، دراعة كانت أو جبة أو غير ذلك، كان يلبسه العباد وأهل الخير، وهو عربي اشتق من "البِرْنس" بكسر الباء وسكون الراء، وهو القطن، والنون زائدة وقيل: إنه غير عربي.
وقال الجوهري: البُرْنُس قلنسوة طويلة، وكان النساك في صدر الإِسلام يلبسونها، وفي "المطالع": قال ابن دريد: البرنس -بضم الباء- نوع من الطيالسة، يلبسه العباد وأهل الخير.