الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: قول المؤذن في أذان الصبح الصلاة خير من النوم
ش: أي هذا باب في بيان قول المؤذن في أذان الصبح: "الصلاة خير من النوم " بعد "الفلاح" وفي بيان أصله ومشروعيته وحكمه.
ص: قال أبو جعفر: كره قوم أن يقال في أذان الصبح: "الصلاةَ خير من النوم" واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن زيد في الأذان الذي أمره النبي عليه السلام بتعليمه إياه بلالًا فأمر بلالًا بالتأذين به.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء بن أبي رباح، وطاوسًا، والأسود بن يزيد؛ فإنهم كرهوا أن يقال في أذان الصبح:"الصلاة خير من النوم" وهو قول عن الشافعي وإسحاق وقالوا: لم يكن هذا في الأذان الذي أمر به النبي عليه السلام لعبد الله بن زيد أن يعلم بلالًا.
وقال عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن ابن جريج، قال: أخبرني حسن بن مسلم: "أن رجلًا [سأل] (2) طاوسًا وحسن جالس مع القوم، فقال: يا أبا عبد الرحمن، متى قيل: "الصلاة خير من النوم"؟ فقال طاوس: أما إنها لم تُقَلْ على عهد رسُول الله عليه السلام ولكن بلالًا سمعها في زمان أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة النبي عليه السلام يقولها رجل غير مؤذن، فأخذها منه فأذن بها، فلم يمكث أبو بكر إلا قليلًا، حتى إذا كان عمر رضي الله عنه قال: لو نهينا بلالًا عن هذا (الذي) (3) أحدث وكأنه نسيه، فأذن به الناس حتى اليوم".
عبد الرزاق (4): عن ابن جريج، قال:"سألت عطاءً: متى قيل: الصلاة خير من النوم؟ قال: لا أدري".
(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 474 رقم 1827).
(2)
سقط من "الأصل، ك"، والمثبت من مصنف عبد الرزاق.
(3)
في "الأصل، ك": الحديث، وهو تحريف، والمثبت من المصنف.
(4)
"مصنف عبد الرزاق"(1/ 474 رقم 1828).
عبد الرزاق (1): عن ابن جريج قال: أخبرني عمر بن حفص: "أن سعدًا أول من قال: الصلاةُ خير من النوم. في خلافة عمر رضي الله عنه ، فقال عمر: بدعة. ثم تركه، وإن بلالًا لم يؤذن لعمر رضي الله عنه".
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن عمران بن أبي الجعد، عن الأسود بن يزيدٌ أنه سمع مؤذنًا يقول في الفجر: الصلاة خير من النوم فقال: لا تَزِيدَنَّ في الأذان ما ليس منه".
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فاستحبوا أن يقال ذلك في التأذين للصبح بعد "الفلاح"، وكان من الحجة لهم في ذلك: أنه وإن لم يكن ذلك في تأذين عبد الله بن زيد فقد علمه النبي عليه السلام أبا محذورة بعد ذلك، وأمره أن يجعله في الأذان للصبح.
حدثنا روح بن عبادة، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني عثمان بن السائب، عن أم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة:"أن النبي عليه السلام علمه في الأذان الأول من الصبح: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم".
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري، وأبا حنيفة، والشافعي، ومالكًا، وأحمد، وأصحابهم، وجماهير العلماء؛ فإنهم استحسنوا أن يقال ذلك أي قول المؤذن:"الصلاة خير من النوم" في أذان صلاة الصبح، وقالوا: إن لم يكن هذا القول في أذان عبد الله بن زيد فإن النبي عليه السلام عَلَّم أبا محذورة أن يقول ذلك في أذان الصبح، وأخرج ذلك عن علي بن معبد
…
إلى آخره، وكلهم قد ذُكِرُوا في باب الأذان غير مرة.
وأخرجه أبو داود (3): ثنا الحسن بن علي، نا أبو عاصم وعبد الرزاق، عن ابن جريج، أخبرني عثمان بن السائب، أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة نحوه، وفيه:"الصلاة خير من النوم" في الأول من الصبح مرتين.
(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 474 رقم 1829).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 189 رقم 2166).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 136 رقم 501).
وأخرجه البيهقي أيضًا في "سننه"(1)، وابن حزم (2) بإسناده إلى أبي محذورة قال:"كنت أؤذن لرسول الله عليه السلام في صلاة الفجر فأقول في الأذان الأول: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم" وصححه.
وأخرج الدارقطني (3): عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب، عن أبيه وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة، قضية الأذان مطولة، وفيه:"فإذا أذَّنْت بالأولى من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم. مرتين".
ص: حدثنا عليّ بن معبد، قال: ثنا الهيثم بن خالد بن يزيد، قال: ثنا أبو بكر ابن عياش، عن عبد العزيز رفيع، قال: سمعت أبا محذورة قال: "كنت غلامًا صيِّتًا، فقال لي رسُول الله عليه السلام
…
، قل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم". فلما عَلَّم رسُول الله عليه السلام ذلك أبا محذورة كان ذلك زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد، ووجب استعمالها.
ش: إسناده صحيح.
وأخرجه الدارقطني (4): ثنا أحمد بن العباس البغوي، ثنا عباد بن الوليد أبو بدر، حدثني الحماني، ثنا أبو بكر بن عياش، ثنا عبد العزيز بن رفيع، قال: سمعت أبا محذورة يقول: "كنت غلامًا صيِّتًا، فأذنت بين يدي رسُول الله عليه السلام الفجر يوم حنين، فلما بلغت حي على الصلاة حي على الفلاح، قال رسُول الله عليه السلام: ألحق فيها: الصلاة خير من النوم".
قوله: "صيِّتًا" على وزن ضيّق، صفة مشبهة؛ وأراد به شديد الصوت عالية، يقال: هو صيِّتٌ وصائت، مثل مَيِّت ومائت، وأصله صَيْوت؛ لأنه من الأجوف
(1)"السنن الكبرى"(1/ 422 رقم 1832).
(2)
"المحلى"(3/ 151).
(3)
"سنن الدارقطني"(1/ 235 رقم 4).
(4)
"سنن الدارقطني"(1/ 237 رقم 4).
الواوي، اجتمعت الواو والياء وسُبِقَت [إحداهما](1) بالسكون، فأبدلت "الواو""ياء" وأدغمت "الياء" في "الياء".
وفي الباب عن بلال وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم.
أما حديث بلال فعند ابن ماجه (2): ثنا (عَمْرو)(3) بن رافع، نا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن بلال:"أنه أتى النبي عليه السلام يُؤْذنه بصلاة الفجر، فقيل: هو نائم. فقال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، فأُقِرَّت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك".
وأخرجه الدارمي أيضًا في "سننه"(4).
وأما حديث أبي هريرة فعند الطبراني في "الأوسط"(5) بإسناده عنه: "أن بلالًا أتى النبي عليه السلام عند الأذان في الصبح فوجده نائمًا فناداه: الصلاة خير من النوم. فلم ينكره رسُول الله عليه السلام، وأدخله في الأذان، فلا يؤذن لصلاة قبل وقتها غير صلاة الفجر".
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فعند الطبراني أيضًا في "الأوسط"(6) بإسناده عنها قالت: "جاء بلال إلى النبي عليه السلام يُؤذِنه بصلاة الصبح، فوجده نائمًا، فقال: الصلاة خير من النوم، فأقرت في أذان الصبح".
ص: وقد استعمل ذلك أصحاب النبي عليه السلام مِنْ بعده.
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن العجلان، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم".
(1) في "الأصل": إحديهما، وهو خلاف الجادة.
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 237 رقم 716).
(3)
في "سنن ابن ماجه" عُمَر، هو تحريف.
(4)
"سنن الدارمي"(1/ 289 رقم 1192).
(5)
"المعجم الأوسط"(4/ 267 رقم 4158).
(6)
"المعجم الأوسط"(7/ 309 رقم 7583).
ش: إسناده صحيح، وأبو نعيم الفضل بن دُكَيْن.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1) بإسناده إلى الثوري، عن ابن عجلان
…
إلى آخره نحوه.
وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن الثوري، عن محمَّد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كان يقول في الفجر إذا قال حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم".
ص: حدثنا علي بن شيبه، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا هُشَيْم (ح).
وثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن عوْن، قال: ثنا هشيم، عن ابن عون، عن محمَّد بن سيرين، عن أنس قال:"ما كان التثويب إلا في صلاة الغداة، إذا قال المؤذن: حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم مرتين".
قال أبو جعفر: فهذا ابن عمر وأنس رضي الله عنهم، يخبران أن ذلك مما كان المؤذن يؤذن به في أذان الصبح، فثبت بذلك ما ذكرناه، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن رحمهم الله.
ش: هذان إسنادان:
الأول: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن يحيى بن يحيى النيسابوري، عن هُشْيم بن بَشير، عن عبد الله بن عون، عن محمَّد بن سيرين، عن أنس.
وأخرجه الدارقطني (3): ثنا أحمد بن عبد الله الوكيل، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا هشيم، عن ابن عون، عن ابن سيرين عن أنس قال:"كان التثويب في صلاة الغداة، إذا قال المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ أن يقول: الصلاة خير من النوم".
(1)"السنن الكبرى"(1/ 423 رقم 1837).
(2)
"مصنف عبد الرزاق"(1/ 473 رقم 1822).
(3)
"سنن الدارقطني"(1/ 243 رقم 39).
الثانى: عن إبراهيم بن أبي داود البرُلُسي، عن عمرو بن عَوْن، عن هُشيم بن بشير، عن عبد الله بن عون، عن محمَّد بن سيرين، عن أنس نحوه.
وأخرج البيهقي في "سننه"(1) بإسناده إلى أبي أسامة: ثنا ابن عون، عن محمَّد ابن سيرين، عن أنس قال:"من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".
قال الذهبي في مختصر السنن: إسناده صحيح.
قوله: "مكان التثويب" الأصل في التثويب أن يجيء الرجل مُسْتَصْرِخًا فَيُلوِّح بثوبه لِيُرى ويشتهر، فسمِّي الدعاء تثويبًا لذلك، وكل داع مُثوِّبٌ، وقيل: إنما سمّي تثويبًا من ثاب يثوب إذا رجع، فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة، فإن المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعاهم إليها، فإذا قال بعد: الصلاة خير من النوم فقد رجع إلى كلامٍ معناه المبادرة إليها (2)، ومن ذلك تسمّى الثَّيِّب؛ مُصِيبَهَا عائد إليها.
وهذا أنس رضي الله عنه قد فَسَّر التثويب بقوله: "الصلاة خير من النوم".
وقال الترمذي: واختلف أهل العلم في تفسير التثويب فقال بعضهم: أن يقول في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم، وهو قول ابن المبارك وأحمد، وقال إسحاق في التثويب غير هذا، قال: التثويب شيء أحدثه الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح. قال: وهذا الذي قال إسحاق هو التثويب الذي كرهه أهل العلم، والذي أحدثوه بعد النبي عليه السلام، والذي فسّر ابن المبارك وأحمد أن التثويب أن يقول المؤذن في أذان الفجر الصلاة خير من النوم هو قول صحيح، وهو الذي اختاره أهل العلم.
(1)"السنن الكبرى"(1/ 423 رقم 1835).
(2)
انظر "النهاية في غريب الحديث"(1/ 226).
وفي "البدائع"(1) ذكر محمَّد في كتاب الصلاة: قلت: أرأيت كيف التثويب في صلاة الفجر؟ قال: كان التثويب الأول بعد الأذان: الصلاة خير من النوم، فأحدث الناس هذا التثويب، وهو حسن فسّر التثويب وبيّن وقته، ولم يُبيّن التثويب المحدث ولم يبُين وقته، وفسر ذلك في "الجامع الصغير" وبيّن وقته، فقال: التثويب الذي يَصْنعه الناس بين الأذان والإقامة في صلاة الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين حسَنٌ، وإنما سماه مُحْدث؛ لأنه حدث في زمان التابعين، ووصفه بالحُسْن لأنهم استحسنوه.
وأما محل التثويب: فمحل الأول: هو صلاة الفجر عند عامة العلماء، وقال الناس بالتثويب في صلاة العشاء أيضًا، وهو أحد قولي الشافعي في القديم، وأنكر التثويب في الحديث.
وأما التثويب المحدث فمحله صلاة الفجر أيضًا ووقته بين الأذان والإقامة، وتفسيره أن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح غير أن مشايخنا قالوا: لا بأس بالتثويب المحدث في سائر الصلوات؛ لفرط غلبة الغفلة عَلى الناس في زماننا، وشدة ركونهم إلى الدنيا، وتهاونهم بأمور الدين، فصار سائر الصلوات في زماننا مثل الفجر في زمانهم، فكانت زيادة الإعلام من باب التعاون على البر فكان مستحسنًا، ولهذا قال أبو يوسف: لا أري بأسًا أن يقول المؤذن: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله لاختصاصهم بزيادة شغْل بسبب النظر في أمور الرعية فاحتاجوا إلى زيادة إعلام نظرًا لهم، ثم التثويب في كل بلدة على ما يتعارفونه إما بالتنحنح أو بقوله: الصلاة الصلاة، أو قامت قامت، ونحو ذلك. انتهى.
وعند الشافعي ومالك وأحمد: لا تثويب في الفجر يعني التثويب المحدث كما في سائر الصلوات، وقد عرف هذا في الفروع.
(1)"بدائع الصنائع"(1/ 148).