المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: العصر هل يؤخر أم يعجل - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: العصر هل يؤخر أم يعجل

‌ص: باب: العصر هل يؤخر أم يعجل

؟

ش: أي هذا باب في بيان حكم صلاة العصر هل تعجل في أول وقتها أم تؤخر فأيهما أفضل؟ والمناسبة بين البابين ظاهرة.

ص: حدثنا علي بن معبد بن نوح البغدادي، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ثم الظفري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"سمعته يقول: ما كان أحد أشد تعجيلًا لصلاة العصر من رسول الله عليه السلام، إن كان أبعد رجلين من الأنصار دارًا من مسجد رسول الله عليه السلام لأبو لبابة بن عبد المنذر أحد بني عمرو بن عوف وأبو عبس بن جَبْر أحد بني حارثة، دار أبي لبابة بقباء، ودار أبي عبس في بش حارثة، ثم إن كانا ليصليان مع رسول الله عليه السلام العصر، ثم يأتيان قومهما وما صلوها؛ لتبكير رسول الله عليه السلام بها".

ش: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وابن إسحاق هو محمَّد بن إسحاق بن يسار المدني.

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(1): ثنا محمَّد بن إسماعيل الفارسي، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، ثنا أحمد بن خالد الوهبي، ثنا محمَّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أنس بن مالك:"كان أبعد رجلين من الأنصار من رسول الله عليه السلام دارًا أبو لبابة بن عبد المنذر وأهله بقباء، وأبو عَبْس بن جَبْر ومسكنه في بني حارثة، فكانا يصليان مع رسول الله عليه السلام، ثم يأتيان قومهما وما صلوا؛ لتعجيل رسول الله عليه السلام بها".

وأخرجه الطبراني أيضًا في "الأوسط"(2).

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 254 رقم 12).

(2)

"المعجم الأوسط"(8/ 53 رقم 7946).

ص: 467

قوله: "إن كان". "إنْ" هذه مخففة من المثقلة، وأصله إنَّه كان.

قوله: "أبعد" مرفوع؛ لأنه اسم كان، وخبره قوله:"لَأَبو لبابة" ودخلت "اللام" فيه للتأكيد، ولهذا جاءت مفتوحة.

وقوله: "دارًا" نصب على التمييز.

قوله: "أحد بني عمرو" صفة لقوله: "لأبو لبابة" ويجوز أن يكون خبر مبتدإٍ محذوف، أي هو أحد بني عمرو، فحينئذٍ الجملة أيضًا صفة لأبي لبابة

وأبو لبابة -بضم اللام- وتخفيف الباء الموحدة ثم ألف وباء أخرى -واسمه رفاعة بن المنذر، وقيل: بشير بن عبد المنذر غلبت عليه كنيته، كان من النقباء، وشهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها، وقيل: لم يشهد بدرًا، بل أَمَّره رسول الله عليه السلام على المدينة، وضرب له بسهم مع أصحاب بدرٍ، وكانت معه راية بني عمرو بن عوف يوم الفتح، مات في خلافة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

قوله: "وأبو عبس" عطف على قوله: "لأَبو لبابة" واسمه عبد الرحمن بن جَبْر بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث الأنصاري الحارثي المدني غلبت عليه كنيته، شهد بدرًا، ومات بالمدينة سنة أربع وثلاثين ودفن بالبقيع وله سبعون سنة، وعَبْس بفتح العين المهملة، وسكون الباء الموحدة، وبالسين المهملة.

وجَبْر بفتح الجيم، وسكون الباء الموحدة.

قوله: "دار أبي لبابة" مبتدأ، وخبره: قوله: "بقباء"، والجملة بيان لقوله:"أبعد رجلين من الأنصار دارًا" وكذلك قوله: "ودار أبي عبس" مبتدأ، وخبره قوله:"في بني حارثة" وقبُاء بضم القاف، وبالباء الموحدة، تمد وتقصر قرية على ميلين من المدينة، وهناك مسجد التقوى.

قوله: "ثم إن كانا""إن" هذه مخففة من المثقلة، وأصله ثم إنه كانا.

قوله: "وما صلُّوها" جملة حالية.

ص: 468

قوله: "لتبكير رسول الله صلى الله عليه وسلم بها" أي لتعجيل رسول الله عليه السلام بالعصر، وبه استدل الشافعي وأحمد وإسحاق وعبد الله بن المبارك أن الأفضل تعجيل العصر، وقال الترمذي: وهو الذي اختاره بعض أهل العلم من أصحاب النبي عليه السلام: منهم عمر وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس وغير واحدٍ من التابعين في تعجيل صلاة العصر، وكرهوا تأخيرها، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقال عياض: هذا الحديث وأشباهه حجة للجماعة في أن أول وقت العصر القامة، وأن صلاتها لأول وقتها أفضل، ورد على من خالفهم؛ إذْ لو كان القامتان كما قال أبو حنيفة لما اتفق أن يجدوا بني عمرو يصلون إلا في الاصفرار ولا وصلوا إلى قباء والعوالي إلا بعد سقوط الشمس ونزولها وتغيرها، وكذا قال الشيخ محيي الدين: المراد من هذه الأحاديث المبادرة بصلاة العصر أول وقتها؛ لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة والشمس بعدُ لم تتغير بصفرة ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ولا يكاد يحصل هذا إلا في الأيام الطويلة.

ثم قال: وفيها دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور؛ أن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله، وقال أبو حنيفة: لا يدخل وقته حتى يصير ظل كل شيء مثليه، وهذه حجة للجماعة عليه مع حديث ابن عباس (1) في بيان المواقيت، وحديث جابر (2) وغير ذلك.

قلت: الجواب من جهة أبي حنيفة أنه عليه السلام أمر بالإبراد بالظهر بقوله: "أبردوا بالظهر" يعني صلوها إذا سكنت شدة الحَرِّ، واشتداد الحر في ديارهم يكون وقت صيرورة ظل كل شيء مثله، ولا يفتر الحرُّ إلا بعد المثلين، فإذا تعارضت الأخبار يبض ما كان على ما كان، ووقت الظهر ثابت بيقين فلا يزول بالشك، ووقت

(1) أخرجه أبو داود في "سننه"(1/ 160 رقم 393)، والترمذي في "جامعه"(1/ 278 رقم 149)، وأحمد في "المسند"(1/ 333 رقم 3081).

(2)

أخرجه الترمذي في "جامعه"(1/ 281 رقم 150)، والنسائي في "المجتبى"(1/ 255 رقم 513)، وأحمد في "المسند"(3/ 330 رقم 14578).

ص: 469

العصر ما كان ثابتًا فلا يدخل بالشك، وأما حديث ابن عباس وجابر وغيرهما فلا يدل على أن لا يكون ما وراء وقت الإمامة وقتًا للظهر ألا ترى أن جبريل عليه السلام أَمَّ للفجر في اليوم الثاني حين أسفر والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس، وكذلك صلى العشاء حين ذهب ثلث الليل والوقت يبقى بعده إلى طلوع الفجر.

وأما الجواب عن حديث أنس وما يشابهه محمول على أن ذلك كان في وقت الصيف، أو كان ذلك في وقت مخصوص لعدد، والأفضل عند أصحابنا أن يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية لم يدخلها تغير في الشتاء والصيف جميعًا، قاله في "البدائع" لما روي عنه عليه السلام:"كان يؤخر العصر ما دامت بيضاء نقية".

أخرجه أبو داود (1) وهذا فيه بيان تأخره العصر؛ ولأن في تأخيره تكثير النوافل؛ لأن النافلة بعدها مكروهة.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا مالك، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس رضي الله عنه قال:"كنا نصلي العصر، ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا ابن المبارك، قال: ثنا مالك بن أنس، قال: حدثني الزهري وإسحاق بن عبد الله، عن أنس بن مالك:"أن النبي عليه السلام كان يصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلي قباء -قال أحدهما: وهم يصلون، وقال الآخر-: والشمس مرتفعة".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد اللهَ بن يوسف، قال: ثنا مالك، عن الزهري، عن أنس (ح).

وحدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن أنس، قال:"كنا نصلي العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 165 رقم 408).

ص: 470

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا نعيم، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة". قال الزهري والعوالي على الميلين والثلاثة -وأحسبه قال: والأربعة-".

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا شعيب بن الليث، عن أبيه، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك:"أن رسول الله عليه السلام كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حيّة، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة".

حدثنا ابن خزيمة، قال: أنا عبد الله بن رجاء، قال: أنا زائدة، عن منصور، عن ربعي، قال: ثنا أبو الأبيض، قال: ثنا أنس بن مالك قال: "كان رسول الله عليه السلام يصلي بنا العصر والشمس بيضاء، ثم أرجع إلى قومي وهم جلوس في ناحية المدينة، فأقول لهم: قوموا فصلوا؛ فإن النبي عليه السلام قد صلَّى".

قال أبو جعفر عليه السلام: فقد اخْتُلِفَ عن أنس بن مالك في هذا الحديث، فكان ما روى عاصم بن عمر بن قتادة وإسحاق بن عبد الله وأبو الأبيض عن أنس بن مالك يدل على التعجيل بها؛ لأن في حديثهم أن رسول الله عليه السلام كان يصليها، ثم يذهب الذاهب إلى المكان الذي ذكروا فيجدهم لم يصلوا العصر، ونحن نعلم أن أولئك لم يكونوا يصلونها إلا قبل اصفرار الشمس، فهذا دليل على التعجيل، وأما ما روى الزهري عنه فإنه قال:"كنا نصليها مع النبي عليه السلام ثم نأتي العوالي والشمس مرتفعة"، فقد يجوز أن تكون مرتفعة قد اصفرت.

فقد اضطرب حديث أنس هذا؛ لأن معنى ما روى الزهري منه بخلاف ما روى إسحاق بن عبد الله، وعاصم بن عمر، وأبو الأبيض عن أنس.

ش: أخرج حديث أنس من سبع طرق رواتها كلهم ثقات: إلا أنه مضطرب، وأشار إلى وجه الاضطراب بقوله:"لأن معنى ما روى الزهري منه" أي من أنس "بخلاف ما روى إسحاق بن عبد الله، وعاصم بن عمر، وأبو الأبيض، عن أنس"؛ لأن رواية هؤلاء تدل على التعجيل، ورواية الزهري تدل على التأخير

ص: 471

جدًّا؛ لأن قوله: "والشمس مرتفعة" يجوز أن يكون ارتفاعها هو حالة اصفرارها؛ فإن منع الخصم يعني الاضطراب بالدليل، فجوابه ما ذكرناه.

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبد الله بن يوسف التنيسي شيخ البخاري.

عن مالك بن أنس.

عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل الأنصاري شيخ مالك في "الموطأ" روى له الجماعة.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

وأخرجه البخاري (1): ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال:"كنا نصلي العصر، ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر".

وأخرجه مسلم (2): عن يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن إسحاق بن عبد الله

إلى آخره.

قوله: "إلى بني عمرو بن عوف" قال عياض: هم على ثلثي فرسخ من المدينة.

قوله: "يصلون العصر" جملة في محل النصب على أنها مفعول ثانٍ لقوله: "فيجدهم".

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن نعيم بن حماد أبي عبد الله المروزي الفارض الأعور، عن عبد الله بن المبارك، عن مالك بن أنس، عن محمَّد بن مسلم الزهري وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، كلاهما عن أنس.

وأخرجه النسائي (3): أنا سويد بن نصر، قال: ابنا عبد الله، عن مالك، قال:

(1)"صحيح البخاري"(1/ 202 رقم 523).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 433 رقم 621).

(3)

"المجتبى"(1/ 252 رقم 506).

ص: 472

حدثني الزهري وإسحاق بن عبد الله، عن أنس رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام كان يصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء، فقال أحدهما. فيأتيهم وهم يصلون، وقال الآخر: والشمس مرتفعة".

قوله: "قال أحدهما" أي أحد الاثنين من الزهري وإسحاق بن عبد الله.

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي أيضًا، عن عبد الله بن يوسف التنيسي، عن مالك، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن أنس.

وأخرجه البخاري (1): ثنا عبد الله بن يوسف، قال: أنا مالك، عن ابن كتاب، عن أنس بن مالك قال:"كنا نصلي العصر، ثم يذهب الذاهب منَّا إلى قبُاء فيأتيهم والشمس مرتفعة".

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن الزهري، عن أنس.

وأخرجه مسلم (2): عن يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال:"كنا نصلي العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء، فيأتيهم والشمس مرتفعة".

الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن نعيم بن حماد المروزي، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر بن راشد الأزدي البصري، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن أنس بن مالك

إلى آخره.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(3): عن معمر، عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك: "أن رسول الله عليه السلام كان يصلي العصر، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة. قال الزهري: والعوالي على ميلين أو ثلاثة، قال: وأحسبه قال: وأربعة".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 202 رقم 526).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 433 رقم 621).

(3)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 547 رقم 2069).

ص: 473

وقال أبو داود (1): ثنا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري قال:"والعوالي على ميلين أو ثلاثة، قال: وأحسبه قال: وأربعة" انتهى.

قلت: العوالي جمع عالية، والعوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة، والنسب إليها عُلوي على غير القياس، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية. قاله ابن الأثير، والذي يظهر من كلام الزهري أن أدناها من المدينة على ميلين، وقال عياض: فسر مالك العوالي بثلاثة أميال من المدينة، قال غيره: وهي مفترقة، فأدناها ميلان، وأبعدها ثمانية أميال. وقال الجوهري: العالية: ما فوق نجد إلى أرض تهامة وإلى ما وراء مكة وهي الحجاز وما والاها، والنسبة إليها عالي، ويقال أيضًا: عُلوي على غير قياس، ويقال: عالى الرجل وأعلى إذا أتى عالية نجد.

السادس: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن أنس.

وأخرجه البخاري (2): ثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثني أنس بن مالك قال: "كان رسول الله عليه السلام يصلي العمر والشمس مرتفعة حيَّة، فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة. وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال ونحوه".

وأخرجه مسلم (3): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا ليث.

ونا محمَّد بن رمح، قال: أنا الليث، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك أنه أخبره:"أن رسول الله عليه السلام كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حيَّة، فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتي العوالي والشمس مرتفعة".

لم يذكر قتيبة فيأتي العوالي.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 165 رقم 405).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 202 رقم 525).

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 433 رقم 621).

ص: 474

وأخرجه أبو داود (1): عن قتيبة، عن الليث، نحوه.

وكذلك أخرجه النسائي (2): عن قتيبة نحوه.

وأخرجه ابن ماجه (3): عن محمَّد بن رمح، عن الليث، نحوه.

السابع: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، عن عبد الله بن رجاء بن عمرو الغداني أبي عمرو البصري شيخ البخاري، عن زائدة بن قدامة الكوفي، عن منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حِراش -بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وفي آخره شين معجمة- عن أبي الأبيض العَنْسي الشامي وكنيته اسمه، ويقال: اسمه عيسى، وثقه العجلي، وروى له النسائي.

عن أنس بن مالك.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): ثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي الأبيض، عن أنس قال:"كان رسول الله عليه السلام يصلي العصر والشمس بيضاء محلقة، ثم آتي عشيرتي في جانب المدينة لم يصلوا، فأقول: ما يجلسكم؟! صلوا؛ فقد صلى رسول الله عليه السلام".

وأخرجه النسائي (5): أنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا جرير، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن أبي الأبيض، عن أنس بن مالك قال:"كان رسول الله عليه السلام يصلي بنا -يعني العصر- والشمس بيضاء محلقة" انتهى.

قلت: "مُحلِّقة" بتشديد "اللام" المكسورة من حَلَّق الطائر: ارتفع في طيرانه، وقيل: بفتح "اللام"، وقال ابن الأثير: محلقة: أي مرتفعة، والتحليق: الارتفاع،

(1)"سنن أبي داود"(1/ 164 رقم 404).

(2)

"المجتبى"(1/ 252 رقم 507).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 223 رقم 682).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 288 رقم 3298).

(5)

"المجتبى"(1/ 253 رقم 508).

ص: 475

ومنه: حَلَّق الطائر في كبد السماء، أي صَعِد، وحكى الأزهري عن شمر قال: تحليق الشمس من أول النهار: ارتفاعها، وفي آخره انحدارها.

ص: وقد روي في ذلك أيضًا عن غير أنس، فمن ذلك: ما حدثنا ابن أبي داود وفهد، قالا: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا أبو واقد الليثي، قال: ثنا أبو أروى، قال:"كنت أصلي مع النبي عليه السلام العصر بالمدينة، ثم آتي الشجرة ذا الحليفة قبل أن تغرب الشمس، وهي على فرسخين".

ففي هذا الحديث أنه كان يسير بعد العصر فرسخين قبل أن تغيب الشمس، فقد يجوز أن يكون ذلك يسير أهل الأقدام، وقد يجوز أن يكون سيرًا على الإبل والدواب، فنظرنا في ذلك، فإذا محمَّد بن إسماعيل بن سالم الصاغ قد حدثنا، قال: ثنا معلى بن أسد وأحمد بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا وهيب، عن أبي واقد، قال: حدثنى أبو أروى، قال:"كنت أصلي العصر مع النبي عليه السلام، ثم أمشي إلى ذي الحليفة فآتيهم قبل أن تغيب الشمس".

ففي هذا الحديث أنه كان يأتيها مشيًا، وأما قوله:"قبل أن تغرب الشمس" فقد يجوز أن يكون ذلك وقد اصفرت ولم يبق منها إلا أقل قليل.

ش: أي قد روي في تعجيل العصر أيضًا عن غير أنس من الصحابة رضي الله عنهم.

قوله: "فمن ذلك" أي فمما روي عن غير أنس منهم، وهو أبو أروى الدوسي الحجازي.

قال الطبراني في "الكبير"(1): يقال: اسمه ربيعة، ويقال: عُبيد بن الحارث.

أخرج حديثه من طريقين:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي وفهد بن سليمان، كلاهما عن موسى ابن إسماعيل المنقري أبي سلمة التبوذكي البصري شيخ البخاري وأبي داود.

(1)"المعجم الكبير"(22/ 369).

ص: 476

عن وهيب -بالتصغير- بن خالد البصري روى له الجماعة.

عن أبي واقد اسمه صالح بن محمد بن زائدة المدني، فيه مقال، فقال يحيى: ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث. وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا أحمد بن إسحاق، عن وهيب، عن أبي واقد، عن أبي أروى، قال:"كنت أصلي مع رسول الله عليه السلام العصر، ثم آتي الشجرة -يعني ذا الحليفة- قبل أن تغيب الشمس".

وأخرجه ابن الأثير في "معرفة الصحابة"(2): من حديث سليمان بن حرب، عن وهيب

إلى آخره نحوه.

الثاني: عن محمَّد بن إسماعيل بن سالم الصائغ البغدادي نزيل مكة، شيخ أبي داود وابن أبي حاتم، وثقه ابن حبان.

عن معلى بن أسد العَمِّي البصري شيخ البخاري.

وعن أحمد بن إسحاق بن زيد الحضرمي البصري شيخ مسلم، كلاهما عن وهيب ابن خالد

إلى آخره.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(3): ثنا أبو خليفة الفضل بن الحبُاب، ثنا سليمان ابن حرب، ثنا وهيب بن خالد، عن أبي واقد الليثي، عن أبي أروى قال:"كنت أصلي صلاة العصر مع رسول الله عليه السلام ثم آتي ذا الحليفة أمشي فآتيها ولم تغب الشمس".

وأخرجه أحمد (4)، والبزار (5) في "مسنديهما".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 288 رقم 3306).

(2)

"أسد الغابة"(1/ 1136).

(3)

"المعجم الكبير"(22/ 369 رقم 925).

(4)

"مسند أحمد"(4/ 344 رقم 19045).

(5)

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 48 رقم 1707): رواه البزار وأحمد باختصار، والطبراني في "الكبير". وفيه صالح بن محمَّد أبو واقد وثقه أحمد وضعفه يحيى بن معين والدارقطني وجماعة.

ص: 477

قوله: "ثم آتي الشجرة" هي ذو الحليفة، فلذلك أوقع قوله:"ذا الحليفة" بدلًا منها، أو عطف بيان، وكذا فسرها في رواية ابن أبي شيبة بقوله:"يعني ذا الحليفة" وقال القاضي: ذو الحليفة ماء من مياه بني جُشَم، على ستة أميال -وقيل: سبعة- من المدينة، وفسرها في رواية الطحاوي بقوله:"وهي على رأس فرسخين" يعني من المدينة، وكلّ فرسخ ثلاثة أميال، وذكر الرواية الثانية لتفسير ما في الرواية الأولى من قوله:"ثم آتي الشجرة" فإن الإتيان أعم من أن يكون ماشيًا أو راكبًا، وفسر في الثانية بقوله:"ثم أمشي"، وقد زعم من ادعى استحباب تعجيل العصر أن فيه دلالة ظاهرة على أنه عليه السلام كان يعجل العصر؛ لأنه ذكر أنه كان يسير بعد صلاته عليه السلام فرسخين قبل أن تغيب الشمس.

فنقول: قد روى أبو مسعود البدري نحو رواية أبي أروى، وفيه:"وكان يصليها والشمس مرتفعة"، ففيه دليل على أنه كان يؤخرها، على ما يجيء الآن إن شاء الله.

ص: وقد روي عن أبي مسعود نحوًا من ذلك؛ حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا الليث بن سعد، عن يريد بن أبي حبيب، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن شهاب، قال: سمعت عروة بن الزبير يقول: أخبرني بشير بن أبي مسعود، عن أبيه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العصر والشمس بيضاء مرتفعة، يسير الرجل حين ينصرف منها إلى ذي الحليفة ستة أميال، قبل غروب الشمس".

فقد وافق هذا الحديث أيضًا حديث أبي أروى، وزاد فيه:"كان يصليها والشمس مرتفعة".

فذلك دليل على أنه قد كان يؤخرها.

ش: أي قد روي عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري ما يشابه حديث أبي أروى الدوسي المذكور آنفًا، وهو ما أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب سويد الأزدي المصري، عن أسامة بن زيد المدني، عن محمَّد بن

ص: 478

مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن بشير -بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة- عن أبيه أبي مسعود

إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (1) مطولًا، ذكرناه في باب "المواقيت"، وفي باب "الوقت الذي يستحب أن يصلى فيه الظهر"، وكذلك أخرج الطحاوي هذا الحديث المطول مقطعًا بثلاث قطع، قطعة في باب "المواقيت"، وقطعة في باب "وقت الظهر"، وقطعة هَا هنا بحسب موافقة المدعى.

ص: وقد روي عن أنس بن مالك أيضًا ما يدل على هذا: حدثنا نصار بن حرب أبو بكر المِسْمَعي البصري، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن ربعي، عن أبي الأبيض، عن أنس قال:"كان رسول الله عليه السلام يصلي صلاة العصر والشمس بيضاء محلقة".

قال أبو جعفر رحمه الله: فقد أخبر أنس في هذا الحديث عن النبي عليه السلام أنه كان يصليها والشمس بيضاء محلِّقة؛ فذلك دليل على أنه قد كان يؤخرها، ثم يكون بين الوقت الذي كان يصليها فيه وبين غروبها مقدار ما كان يسير الرجل إلى ذي الحليفة، أو إلى ما ذكر في هذه الآثار من الأماكن.

ش: أي قد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ما يدل على أنه عليه السلام كان يؤخر العصر، وقد بينه بقوله: "قال أبو جعفر

" إلى آخره، وأخرج ذلك عن نصار بن حرب أبي بكر المِسْمَعي -بكسر الميم- قال ابن دريد: المسمع: أبو قبيلة من العرب يقال لهم: المسامعة كما يقال المهالبة والقحاطبة.

عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة بن الحجاج، عن منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، عن أبي الأبيض العَنْسي، عن أنس رضي الله عنه.

وهذا إسناد صحيح.

(1)"المعجم الكبير"(17/ 259 رقم 716).

ص: 479

وأخرجه النسائي (1): وقد ذكرناه عن قريب.

قوله: "أو إلى ما ذكر في هذه الآثار من الأماكن" يعني من قباء، أو من العوالي، أو من بني عمرو بن عوف.

ص: وقد روي عن أنس بن مالك أيضًا في ذلك ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن أبي صدقة مولى أنس، عن أنس:"أنه سئل عن مواقيت الصلاة، فقال: كان رسول الله عليه السلام يصلي صلاة العصر ما بين صلاتيكم هاتين".

قال أبو جعفر رحمه الله: فذلك يحتمل أن يكون أراد بقوله: "فيما بين صلاتيكم هاتين" ما بين صلاة الظهر وصلاة المغرب، فذلك دليل على تأخير العصر، ويحتمل أن يكون أراد فيما بين تعجيلكم وتأخيركم، فذلك دليل على التأخير أيضًا، وليس بالتأخير الشديد، فلما احتمل ذلك ما ذكرنا، وكان في حديث الأبيض عن أنس:"أن رسول الله عليه السلام كان يصليها والشمس بيضاء محلقة" دل ذلك على أنه قد كان يؤخرها.

ش: أي قد روي عن أنس أيضًا في ما يدل على أنه عليه السلام كان يؤخر العصر غير تأخير شديد، وهو ما أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق بن دينار، عن وهب بن جرير بن حازم، عن شعبة بن الحجاج، عن أبي صدقة واسمه توبة الأنصاري البصري مولى أنس بن مالك.

روى له النسائي وأخرجه (2): من حديث شعبة، عن أبي صدقة، عن أنس بن مالك قال:"كان رسول الله عليه السلام يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلي العصر بين صلاتيكم هاتين، ويصلي المغرب إذا غربت الشمس، ويصلي العشاء إذا غاب الشفق -قال على إثره-: ويصلي الصبح إلى أن ينفسخ البصر".

(1) تقدم تخريجه.

(2)

"المجتبى"(1/ 273 رقم 552).

ص: 480

ورواه أبو أحمد الحاكم في "الكنى": من حديث يزيد بن هارون، أنا شعبة

فذكره، وفيه:"والفجر من حين يطلع الفجر إلى أن ينفسح البصر".

ص: فإن قال قائل: وكيف يكون ذلك كذلك وقد روي عن أنس رضي الله عنه في ذم من يؤخر العصر؟ فذكر في ذلك ما قد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن العلاء بن عبد الرحمن، أنه قال:"دخلت على أنس بن مالك بعد الظهر، فقام يصلي العصر، فلما فرغ من صلاته، ذكرنا تعجيل الصلاة -أو ذكرها- فقال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: تلك صلاة المنافقين -قالها ثلاثًا- يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس، وكانت بين قرني شيطان -أو على قرني الشيطان- قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله عز وجل فيهن إلا قليلًا".

قيل له: قد بيَّن أنس في هذا الحديث التأخير المكروه ما هو، إنما هو التأخير الذي لا يمكن بعده أن يصلي العصر إلا أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلًا، فأما صلاة يصليها متمكنًا ويذكر الله فيها متمكنًا قبل تغير الشمس، فليس ذلك من الأول في شيء، وأولى بنا في هذه الآثار لما جاءت هذا المجيء أن نحملها ونُخَرِّج وجوهها على الاتفاق، لا على الخلاف والتضاد، فنجعل التأخير المكروه فيها هو ما بينه العلاء عن أنس، ونجعل الوقت المستحب من وقتها أن تصل فيه هو ما بينه أبو الأبيض عن أنس، ووافقه على ذلك أبو مسعود رضي الله عنه.

ش: أي كيف يكون ما ذكرتم كما ذكرتم أنه يدل على أنه عليه السلام قد كان يؤخرها؟

تقرير السؤال: أنه عليه السلام ذَمِّ من يؤخر العصر في حديث أنس هذا، وذلك لا يكون إلا في شيء مكروه، فدَلَّ أن تأخير العصر مكروه.

وتقرير الجواب: أن حديث أنس هذا وارد في التأخير المكروه، وهو أن تؤخر إلى أن يبقى من الوقت قدر ما يسع فيه أربع ركعات بالضيق بحيث لا يقدر على ذكر الله تعالى فيها إلا شيئًا قليلًا، فهذا هو التأخير المذموم صاحبه، العلوم عليه، وأما الصلاة التي يصليها متمكنًا بسعة في الوقت، ويذكر الله فيها كثيرًا متمكنًا قبل تغير الشمس فليست بمكروهة ولا صاحبها بمذموم عليها، وبهذا يحصل الاتفاق

ص: 481

بين هذه الآثار المذكورة التي فيها تضاد وخلاف ظاهرًا، والعمل بالكل بالتوفيق بينها أولى من العمل ببعضها وترك بعضها، وقد أشار إلى ذلك بقوله: "وأولى بنا في هذه الآثار

إلى آخره.

وقوله: "أن نحملها" في محل الرفع على الابتداء، و"أن" مصدرية، وخبره قوله:"وأولى بنا" والتقدير: حمل الآثار وتخريج وجوهها على الاتفاق أولى بنا من تركها على الخلاف والتضاد.

قوله: "ووافقه على ذلك" أي وافق أنسًا على ما رواه أبو الأبيض عنه؛ أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري.

ثم إسناد الحديث المذكور صحيح على شرط مسلم.

وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن أيوب ومحمد بن الصباح وقتيبة وابن حجر، قالوا: أنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن:"أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه قال: أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: تلك صلاة المنافقين، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلًا".

وأخرجه أبو داود (2): ثنا القعنبي، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، أنه قال: "دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر

" إلى، آخره نحو رواية الطحاوي سواء.

وأخرجه الترمذي (3): ثنا علي بن حجر، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء ابن عبد الرحمن: "أنه دخل على أنس بن مالك

" إلى آخره نحو رواية مسلم.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 434 رقم 622).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 166 رقم 413).

(3)

"جامع الترمذي"(1/ 301 رقم 160).

ص: 482

وأخرجه النسائي (1): أنا علي بن حجر [بن](2) إياس بن مقائل بن مشمرج [بن](3) خالد، قال: ثنا إسماعيل، قال: ثنا العلاء: "أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة

" إلى آخره نحو رواية مسلم.

قوله: "بعد الظهر" أي بعد صلاة الظهر.

قوله: "تلك صلاة المنافقين" إشارة إلى صلاة العصر التي تصلى في اصفرار الشمس، وتؤخر هذا التأخير بلا عذر.

قوله: "قالها ثلاثًا" أي قال عليه السلام هذه الكلمة ثلاث مرات، أعني قال:"تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين" كما قد وقع مصرّحًا في رواية أبي داود، وإنما كررها ثلاثًا ليكون أبلغ في ذم تأخيرها بلا عذر.

قوله: "يجلس أحدهم

" إلى آخره، بيان هذه الصلاة التي وقع فيها وفي صاحبها الذم.

قوله: "بين قرني شيطان" قد مرَّ الكلام فيه مستوفى في باب مواقيت الصلاة.

قوله: "فنقرها أربعًا" أي أربع نقرات، أراد بها الركعات الخارجة عن التريث من نَقَرَ الديكُ أو الغرابُ، وهو كناية عن تخفيفها جدًّا بحيث لا يمكث فيها إلا قدر وضع الديك أو الغراب منقاره فيما يريد أكله.

قوله: "لا يذكر الله عز وجل فيهن إلا قليلًا" صفة لقوله: "أربعًا" وذلك لاستعجاله فيها خوفًا من غروب الشمس، لا بقدر أن يأتي بالقراءة كما ينبغي ولا بالتسبيحات والأدعية على صفاتها، وانتصاب "قليلًا" على أنه صفة لمصدر محذوف، والتقدير: لا يذكر الله فيها إلا ذكر قليلًا.

(1)"المجتبى"(1/ 254 رقم 511).

(2)

في "الأصل، ك": ابن أبي، والمثبت من "المجتبى"، ومصادر ترجمته.

(3)

في "الأصل، ك": "عن"، وهو تحريف، والمثبت من "المجتبى"، ومصادر ترجمته.

ص: 483

ص: فإن قال قائل: فقد روي عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على التعجيل بها؛ فذكر ما قد حدثنا يونس، عن ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة:"أن رسول الله عليه السلام كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر".

وما حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا ابن المنهال، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، سمع عروة يحدث، عن عائشة رضي الله عنه أنها قالت:"كان النبي عليه السلام يصلي صلاة العصر والشمس طالعة في حجرتين".

قيل له: قد يجوز أن يكون ذلك كذلك، وقد أخر العصر لقصر حجرتها، فلم تكن الشمس تنقطع منها إلا بقرب غروبها، فلا دلالة في هذا الحديث على تعجيل العصر.

وذكروا في ذلك أيضًا ما حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة (ح).

وما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سعد بن عامر، قال: ثنا شعبة، عن سيّار بن سلامة، قال:"دخلت مع أبي على أبي برزة رضي الله عنه فقال: "كان رسول الله عليه السلام يصلي العصر، فيرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حيّة".

قيل له: قد مضى جوابنا في هذا فيما تقدم من هذا الباب، فلم نجد في هذه الآثار لَمَّا صُحِّحَت وجمعت ما يدل إلا على تأخير العصر، ولم نجد شيئًا منها يدل على تعجيلها إلا ما قد عارضه غيره فاستحببنا بذلك تأخير العصر، إلا أنها تصلي والشمس بيضاء، في وقت يبقى بعده من وقتها مدة قبل تَغَيُّب الشمي، ولو خُلِّينا والنظر لكان تعجيل الصلوات كلها في أوائل أوقاتها أفضل، ولكن اتباع ما روي عن رسول الله عليه السلام مما تواترت به الآثار أولى.

ش: تقرير السؤال: أن الخصم أورد حديثين يدلان على أفضلية تعجيل العصر.

أحدهما: عن عائشة، أخرجه من ثلاث طرق صحاح:

ص: 484

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير بن العوام، عن عائشة أم المؤمنين.

وأخرجه أبو داود (1): عن القعنبي، عن مالك

إلى آخره نحوه.

والثاني: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، عن الحجاج بن منهال، عن سفيان بن عيينة، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن عروة، عن عائشة.

وأخرجه البخاري (2): ثنا أبو نعيم، قال: أنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:"كان النبي عليه السلام يصلي صلاة العصر والشمس طالعة في حجرتي لم يظهر الفيء بعد".

وقال مالك ويحيى بن سعيد وشعيب وابن أبي حفصة: "والشمس قبل أن تظهر".

وأخرجه مسلم (3) عن ابن أبي شيبة وعمرو الناقد- قال عمرو: ثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة

إلى آخره نحو رواية الطحاوي، وفي آخره: وقال أبو بكر: "ولم يظهر الفيء بعد" نحو رواية البخاري.

قوله: "في حجرتها" أي في دارها وكلّ ما حُجِّر وأحيط به بالبناء فهو حجرة.

قوله: "قبل أن تظهر" أي قبل أن تعلو على السطح، ومنه قوله تعالى:{وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} (4)، ومنه الحديث الآخر:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" أي عالين، وقال الجعدي:

بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَجُدُودوُنَا

وإِنَّا لَنَبغِي فوقَ ذلكَ مَظْهَرًا

أي عُلوًّا.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 165 رقم 407).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 251 رقم 521).

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 426 رقم 611).

(4)

سورة الزخرف، آية:[33].

ص: 485

وقيل: معناه قبل أن يرتفع ظلها عن الحجرة، وقيل: قبل أن تزول عنها.

والثالث: عن محمَّد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا أبو كريب، ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:"كان رسول الله عليه السلام يصلي العصر وأن الشمس في قعر حجرتين لم تخرج".

وهذا الحديث أخرجه الجماعة (1) وأحمد (2) والدارمي (3) والعدني وأبو يعلى (4) وغيرهم بأسانيد مختلفة كلها عن عائشة رضي الله عنها.

والحديث الآخر: عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي الصحابي بإسنادين صحيحين:

الأول: عن عبد الغني بن أبي عَقِيل -بفتح العين- وهو رفاعة بن عبد الملك الجمحي شيخ أبي داود، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرَّصاصي، عن شعبة بن الحجاج، عن سيار بن سلامة الرياحي أبي المنهال البصري، عن أبي برزة.

وأخرجه الطبراني في الكبير: ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن المنهال (ح).

وثنا يوسف القاضي، ثنا سليمان بن حرب، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن سيار ابن سلامة، عن أبي برزة قال:"كان رسول الله عليه السلام يصلي العصر والشمس حيَّة".

والثاني: عن إبراهيم بن مرزوق بن دينار، عن سعيد بن عامر الضبعي، عن شعبة، عن سيّار بن سلامة، عن أبي برزة.

(1) البخاري (1/ 201 رقم 520)، ومسلم (1/ 426 رقم 611)، وأبو داود (1/ 165 رقم 407)، والترمذي (1/ 298 رقم 159)، والنسائي (1/ 252 رقم 505)، وابن ماجه (1/ 223 رقم 683).

(2)

"مسند أحمد"(6/ 37 رقم 24141).

(3)

"سنن الدارمي"(1/ 285 رقم 1186).

(4)

"مسند أبي يعلى"(7/ 393 رقم 4420).

ص: 486

وأخرجه الطبراني أيضًا: ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة، عن سيار بن سلامة، عن أبي برزة قال:"كان رسول الله عليه السلام يصلي العصر والشمس حيّة".

وتقرير الجواب عن حديث عائشة: أنه لا دلالة فيه على تعجيل العصر؛ لأنه يجوز أن يكون عليه السلام قد أخَّر العصر والحال أن الشمس في حجرتها؛ لكون حجرتها منخفضة قصير البناء والجدران، فلم تكن الشمس تنقطع عنها إلا قريب الغروب، وهو معنى قوله:"قد يجوز أن يكون ذلك كذلك وقد أخر العصر" أي يجوز أن يكون ما ذكرتم من كون الشمس في حجرتها والحال أنه عليه السلام قد أخر صلاة العصر.

قوله: "لقصر حجرتها" متعلق بقوله: "أن يكون ذلك" أي كون الشمس في حجرتها لأجل قصر بناء حجرتها.

وأما حديث أبي برزة فقد مرَّ جوابه فيما مضى عند حديث أنس وأبي مسعود البدري من أن تكون الشمس مرتفعة ولكن قد اصفرت، وكذلك يكون معنى حديث أبي برزة، "والشمس حيّة" أي مرتفعة ولكن قد خالطتها الصفرة، فحينئذٍ لا يدل الحديث إلا على تأخيره العصر والله أعلم.

ثم إن الناظر إذا أمعن نظره في هذه الأحاديث بعد جمعها يجدها قد يدل أكثرها على تأخير العصر، ولا يجد ما يدل على تعجيلها إلا ويجد آخر يعارضه، فالأولى بل المتعين في مثل ذلك أن يعمل بالأكثر ويوفق بين المتعارضين؛ فلذلك استحبوا تأخير العصر، إلا أنها لا تؤخر إلى وقت لا تبقى بعده مدة قبل تغير الشمس، فلو نظر الشخص إلى أصل المعنى لكان تعجيل الصلوات كلها -العصر وغيرها- في أوائل أوقاتها أفضل نقلًا وعقلًا.

أما نقلًا: فلما روي عنه عليه السلام لما سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة في أول وقتها". أخرجه أبو داود (1) وغيره.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 169 رقم 426) وقد تقدم تخريجه.

ص: 487

وأما عقلًا: فلأن التأخير من الكسل، وذم الله تعالى أقوامًا على الكسل فقال:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} (1) والتأخير من الكسل، ولكن تواترت الآثار وتكاثرت بالدلالة على تأخير العصر، والظهر في شدة الحرّ، والصبح إلى الإسفار، والعشاء إلى ما قبل ثلث الليل، فوجب اتباعها، والعمل بها فأَعْدل الأمرين، وأشار إلى ذلك بقوله: "ولو خُلِّينا والنظر

" إلى آخره و"خُلِّينا" على صيغة المجهول، والنظر منصوب على المعيَّة.

وقوله: "أولى" خبر لقوله: "اتباع ما روي".

ص: وقد روي عن أصحابه من بعده رضي الله عنهم ما يدل على ذلك أيضًا.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن نافع: أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله: إنَّ أهَمَّ أمركم عندي: الصلاة، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، صلوا العصر والشمس بيضاء مرتفعة بيضاء نقيّة، قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة".

حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا يزيد بن أبي حكيم، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قال:"كنا مع أبي هريرة رضي الله عنه، في جنازة فلم يصل العصر، وسكت حتى راجعناه مرارًا فلم يصل العصر حتى رأينا الشمس على رأس أطول جبل بالمدينة".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال:"كان من كان قبلكم أشد تعجيلًا للظهر، وأشد تأخيرًا للعصر منكم".

فهذا عمر رضي الله عنه يكتب إلى عماله وهم من أصحاب النبي عليه السلام يأمرهم بأن يُصلوا العصر والشمس بيضاء مرتفعة، ثم أبو هريرة قد أخرها حتى رآها عكرمة على رأس أطول جبل بالمدينة، ثم إبراهيم يخبر عمن كان قبله يعني من أصحاب النبي عليه السلام

(1) سورة النساء، آية:[142].

ص: 488

وأصحاب عبد الله أنهم كانوا أشد تأخيرًا للعصر ممن بعدهم، فلما جاء هذا من أفعالهم ومن أقوالهم مؤتلفًا على ما ذكرناه، وروي عن النبي عليه السلام أنه كان يصليها والشمس مرتفعة، وفي بعض الآثار:"محلقة" وجب التمسك بهذه الأخبار، وترك خلافها، وأن تؤخر العصر حتى لا يكون تأخيرها يُدْخِلُ مُؤخِّرَها إلى الوقت الذي أخبر أنس بن مالك -في حديث العلاء- أن النبي عليه السلام قال:"تلك صلاة المنافقين" فإن ذلك الوقت هو الوقت المكروه تأخير صلاة العصر إليه، فأما ما قبله من وقتها مما لم تدخل الشمس فيه صفرة، وكان الرجل يمكنه أن يصلي فيه صلاة العصر، ويذكر الله عز وجل فيها متمكنًا ويخرج من الصلاة والشمس كذلك فلا بأس بتأخير العصر بلى ذلك الوقت، فذاك أفضل؛ لما قد تواترت به الآثار عن النبي عليه السلام، وعن أصحابه من بعده، ولقد روي عن أبي قلابة أنه قال:"إنما سميت العصر لتُعصَر".

حدثنا بذلك صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا خالد، عن أبي قلابة قال:"إنما سميت العصر لتعصر".

قال أبو جعفر رحمه الله: فأخبر أبو قلابة أن اسمها هذا إنا هو لأن سبيلها أن تعصر، وهذا الذي استحببناه من تأخير العصر، من غير أن يكون ذلك إلى وقت قد تغيرت فيه الشمس أو دخلتها صفرة، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

ش: أي قد روي عن أصحاب النبي عليه السلام من بعده ما يدل على استحباب تأخير العصر، أخرج ذلك عن اثنين من الصحابة وهما عمر بن الخطاب وأبو هريرة، وواحد من التابعين وهو إبراهيم النخعي.

أما أثر عمر رضي الله عنه فقد أخرجه بإسناد رجاله ثقات ولكنه مرسل؛ لأن نافعًا لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وأخرجه مالك في "موطإه"(1) بأتم منه، عن نافع مولى عبد الله بن عمر: "أن

(1)"موطأ مالك"(1/ 6 رقم 6).

ص: 489

عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عُماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة، من حَفِظَها وحافظ عليها حَفِظ دينه، ومن ضَيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعًا إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، والصبح والنجوم بادية مشتبكة".

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1)، وفي "المعرفة" (2): أنا أبو أحمد المهرجاني، قال: أنا أبو بكر بن جعفر، قال: ثنا محمَّد بن إبراهيم، قال: ثنا ابن بكير، قال: ثنا مالك، عن نافع: "أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله

" إلى آخره نحوه.

و"العُمَّال" بضم العين وتشديد الميم: جمع عامل، وأراد نوابه في البلاد من الصحابة.

قوله: "من حفظها وحافظ عليها" أراد بحفظها إقامتها بشروطها وسننها وأدابها، وأراد بالمحافظة عليها: أدائها في أوقاتها.

قوله: "أضيع" أفعل من الضياع، أي أكثر ضياعًا لغيرها.

و"الفرسخ" ثلاثة أميال، والميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع.

وأما أثر أبي هريرة فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن نعيم بن حماد بن معاوية المروزي شيخ البخاري، عن يزيد بن أبي حكيم [العاني] (3) قال أبو حاتم: صالح الحديث، عن الحكم بن أبان العدني أبي عيسى، وثقه ابن معين والعجلي، عن عكرمة المدني مولى ابن عباس.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 445 رقم 1935) من طريق أخرى.

(2)

"معرفة السنن والآثار"(1/ 463 رقم 621).

(3)

كذا في "الأصل، ك"، ولم أجد من نسبه بهذه النسبة إلا المؤلف رحمه الله، وكذا فعل في ترجمته من "مغاني الأخبار"، والذي في ترجمته: الكناني العدني وهو من رجال "التهذيب"، فالله أعلم.

ص: 490

ومما يؤيد ما فعله أبو هريرة:

ما رواه الدارقطني (1): من حديث عبد الواحد بن نافع: "أن رسول الله عليه السلام كان يأمرهم بتأخير العصر" فهذا وإن كان ضعيفًا ولكنه يصلح مؤيدًا لما روي عن أبي هريرة.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): عن وكيع، عن عمرو بن منبه، عن سوَّار ابن شبيب، عن أبي هريرة:"أنه كان يؤخر العصر حتى أقول: قد اصفرت الشمس".

وأما أثر إبراهيم فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو البصري العقدي، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال:"كان من قبلكم أشد تأخيرًا للعصر منكم".

وقد وردت آثار كثيرة في تأخير العصر.

قال عبد الرزاق في "مصنفه"(4): أنا معمر، عن أيوب، "عن ابن سيرين وأبي قلابة كانا يمسيان بالعصر".

عبد الرزاق (5): عن معمر، عن خالد الحذاء، أن الحسن وابن سيرين وأبا قلابة كانوا يمسون بالعصر".

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 251 رقم 5).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 288 رقم 3309).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 289 رقم 3312).

(4)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 551 رقم 2087).

(5)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 551 رقم 2088).

ص: 491

عبد الرزاق (1): عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد:"أن ابن مسعود كان يؤخر العصر".

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع، عن ابن عون، عن أبي عاصم، عن أبي عون:"أن عليًّا رضي الله عنه كان يؤخر العصر حتى ترتفع الشمس على الحيطان".

ثنا (3) وكيع، عن إسماعيل، قال: قال لي إبراهيم: "كان يصلى العصر إذا كان الظل واحدًا وعشرين قدمًا في الشتاء والصيف".

قوله: "حتى لا يكون تأخيرها" أي تأخير صلاة العصر.

قوله: "يُدخل" بضم الياء من الإدخال.

قوله: "مُؤَخِّرَها" بالنصب على أنه مفعول "يُدْخِل" أي مؤخر العصر.

قوله: "ولقد روي عن أبي قلابة" ذكره تأكيدًا لما قاله من قوله: "لما قد تواترت به الآثار" عن النبي عليه السلام وعن أصحابه من بعده يعني بتأخير العصر.

أخرج ذلك بإسناد صحيح: عن صالح بن عبد الرحمن الأنصاري، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، عن هشيم بن بشر، عن خالد بن مهران الحذاء، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أحد الأئمة الأعلام التابعين، توفي بالشام سنة أربع ومائة.

وأخرجه الدارقطني في "سُننه"(4): ثنا ابن مخلد، ثنا الحساني، ثنا وكيع، ثنا خارجة بن مصعب، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة قال:"إنما سميت العصر لِتُعْصَر".

(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 551 رقم 2089).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 288 رقم 3308).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 289 رقم 3317).

(4)

"سنن الدارقطني"(1/ 255 رقم 18).

ص: 492

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن عُلية، عن خالد، عن أبي قلابة، قال:"إنما سميت العصر لتعصر".

وأخرج الدارقطني (2) أيضًا عن محمَّد بن الحنفية وطاوس فقال: ثنا محمَّد بن عبد الله بن غيلان، ثنا أبو هشام الرفاعي، ثنا عمي كثير بن محمَّد، ثنا ابن شبرمة، قال: قال محمَّد بن الحنفية: "إنما سميت العصر لتعصر".

حدثنا (3) القاضي أبو عمر، ثنا الحسن بن أبي الربيع، ثنا أبو عامر، ثنا إبراهيم ابن نافع، عن مصعب بن محمَّد، عن رجل قال:"أخر طاوس العصر جدًّا فقيل له في ذلك، فقال: إنما سميت العصر لتعصر". انتهى.

قلت: معنى قولهم: "لتعصر" أي لتؤخر؛ لأن العصر معناه البطء.

قال الكسائي: جاء فلان عَصْرًا أي بطيئًا، قاله الجوهري: والعصر: الحبس، يقال: ما عصرك؟ أي ما حبسك؟ والمعنى على هذا: لتحبس عن أول وقتها، فيكون اسمه يدل على ما هو المقصود من مسماه، كما جاء في الأثر عن جابر رضي الله عنه.

قال ابن أبي شيبة (4): حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن جابر قال:"الظهر كاسمها، والعصر والشمس بيضاء حيّة، والمغرب كاسمها كنا نصلي مع رسول الله عليه السلام المغرب ثم نأتي منازلنا على قدر ميل فنرى مواقع النبل، وكان يعجل بالعشاء ويؤخر بالفجر كاسمها وكان يغلس بها".

ص: فإن احتج محتج بالتبكير بها بما حدثنا سليمان بن شعيب، قال: حدثنا بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي، قال: حدثني أبو النجاشي، قال: حدثني رافع بن خديج قال: "كنا نصلي العصر مع النبي عليه السلام ثم ننحر الجزور فنقسمه عشر قسم، ثم نطبخ ونأكل لحمًا نضيجًا قبل أن تغيب الشمس".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 289 رقم 3318).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 255 رقم 20).

(3)

"سنن الدارقطني"(1/ 255 رقم 21).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 282 رقم 3232).

ص: 493

قيل له: قد يجوز أن يكون كانوا يفعلون ذلك بسرعة عمل، وقد أخرت العصر، فليس في هذا الحديث عندنا حجة على من يرى تأخير العصر، وقد ذكرنا في باب مواقيت الصلاة في حديث بريدة رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام لما سئل عن مواقيت الصلاة "صلى العصر في اليوم الأول والشمس بيضاء مرتفعة نقيّة، ثم صلاها في اليوم الثاني والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان أخرها في اليوم الأول".

فكان قد أخرها في اليومين جميعًا ولم يعجلها في أول وقتها كما فعل في غيرها؛ فثبت بذلك أن وقت العصر الذي ينبغي أن يصلى فيه، هو ما ذهب إليه من ذهب إلى تأخيرها، لا ما ذهب إليه الآخرون.

ش: هذا إيراد من الخصم بالحديث المذكور تقريره أن يقال: إنكم ادعيتم استحباب تأخير العصر، وأقمتم عليها براهن وأجبتم عما جاء من الأخبار الدالة على التعجيل بها فما تقولون في حديث رافع بن خديج؟ فإنه أخبر أنهم كانوا يصلون العصر مع النبي عليه السلام، ثم ينحرون الإبل ويقسمون لحمه، ثم يطبخون ذلك، ويأكلون لحمًا نضيجًا مستويًا قبل غروب الشمس؛ فهذا أدلّ دليل على استحباب تعجيل العصر؛ لأن نحر الإبل وسلخه وتقسيم لحمه عشر قسم، ثم طبخه نضيجًا والأكل منه يقتضي ساعة مديدة، فلو كان عليه السلام يؤخرها لم تلحق هذه الأشياء بعد صلاته قبل غروب الشمس، وهذا معلوم بالعقل.

فأجاب الطحاوي بأنه قد يجوز أن يكون فعلهم هذا كله بالسرعة والاستعجال، والحال أن العصر قد أُخِّرت عن أول وقتها، وهذا أيضًا لا ينكر عقلًا، ألا ترى أن من عادة الملوك ومن يحذو حذوهم إذا اشتهوا أنواعًا من الأطعمة على غير العادة فينهض من يتولى أمر طعامهم من الساعة الراهنة ويذبح غنمًا أو بقرًا أو فرسًا أو طيرًا على حسب الاشتهاء فيجهز منها أنواع الأطعمة ويحضرها بين يدي الملك وكل ذلك في وقت يسير جدًا وذلك بمفعول الآلات والغرض وسرعة العمل، والغرض من ذلك أن هذا أمرٌ لا ينكر لا عقلًا ولا عادة.

ص: 494

وجواب آخر أنه يمكن أن يكون ما أخبره رافع بن خديج لأجل عذر عرض في ذلك اليوم، فلذلك يكون عليه السلام قد بَكَّر بالعصر، أو يكون ذلك في أيام الصيف؛ لأن أيامها طويلة.

وأخرج الحديث المذكور عن سليمان بن شعيب بن سليمان الكيساني صاحب محمَّد بن الحسن الشيباني، عن بشر بن بكر التنيسي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن أبي النجاشي واسمه عطاء بن صهيب الأنصاري مولى رافع بن خديج، من رجال الصحيحين.

عن رافع بن خديج.

وأخرجه مسلم (1): ثنا محمَّد بن مهران الرازي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا الأوزاعي، عن أبي النجاشي، قال: سمعت رافع بن خديج يقول: "كنا نصلي العصر مع رسول الله عليه السلام، ثم تنحر الجزور، فتُقْسَمُ عشر قسم، ثم تطبخ فنأكل لحمًا نضيجًا قبل مغيب الشمس".

حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا عيسى بن يونس وشعيب بن إسحاق الدمشقي، قالا: ثنا الأوزاعي بهذا الإسناد غير أنه قال: "كنا ننحر الجزور على عهد رسول الله عليه السلام بعد العصر" ولم يقل: كنا نصلي معه.

قوله: "الجزور" بفتح الجيم وهو البعير ذكرًا كان أو أنثى إلا أن اللفظة مؤنثة، تقول: هذه الجزور وإن كان مذكرًا، والجمع جزر وجزائر.

ويستفاد منه: أن المستحب في الإبل النحر كما ان المستحب في البقر والغنم الذبح، ويستعمل النحر بمعنى الذبح كما في قول جابر رضي الله عنه:"نحرنا الفرس على عهد رسول الله عليه السلام"(2). والفرس لا تنحر، وإنما هو يذبح، والذبح: قطع اللبة والأوداج، والنحر: الطعن في الصدر.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 435 رقم 625).

(2)

"البخاري"(5/ 2099 رقم 5191)، و"مسلم"(3/ 154 رقم 1942) من قول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه.

ص: 495

قوله: "فثبت بذلك" أي بما قلنا أن وقت العصر الذي ينبغي أن يصل فيه هو ما ذهب إليه من ذهب إلى تأخيرها، وهم من الصحابة: علي وأبي هريرة وعبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم، ومن التابعين: محمَّد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، وأبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، وطاوس بن كيسان، وأبو حنيفة رضي الله عنهم.

ومن بعد التابعين: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر بن الهذيل، وآخرون.

قوله: "لا ما ذهب إليه الآخرون" وأراد بهم: عبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وروي ذلك عن أنس وعائشة رضي الله عنهم.

ص: 496