الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: التوقيت في القراءة في الصلاة
ش: أي هذا بابٌ في بيان التوقيت في القراءة في الصلاة، وأراد بالتوقيت: التعيين، وهو أن يُعيّن سُورةً لصلاة.
والمناسبة بينه وبين الأبواب التي قبله: أن ما قبله من الأبواب كلها في أحكام الصلوات، والصلوات لا بد لها من قراءة، وهذا الباب في بيان القراءة الموقتة.
ص: حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو عاصم، عن موسى بن عُبَيْدة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في الأضحى والفطر؟ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بـ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ".
ش: أبو عاصم هو النبيل الضحاك بن مخلد، وموسى بن عبيدة بن نشيط الرَّبَذي أبو عبد العزيز المدني، فيه مقال؛ فعن يحيى: لا يحتج بحديثه. وعنه: ضعيف. وعنه: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وعنه: ليس بثقة. وقال ابن سعد: كان ثقةً كثير الحديث وليس بحجة، روى له الترمذي وابن ماجه.
ومحمد بن عمرو بن عطاء بن عياش أبو عبد الله المدني روى له الجماعة.
وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، نا وكيع بن الجراح، نا موسى بن عبيدة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (2) و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (3) ".
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 408 رقم 1283).
(2)
سورة الأعلى.
(3)
سورة الغاشية.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان بن بشير:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، وإذا اجتمع يوم عيد ويوم جمعة قرأ بهما فيهما".
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا حامد بن يحيى، قال: ثنا جرير بن عبد الحميد، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر فذكر بإسناده مثله.
حدثنا روحٌ، قال: ثنا حامدٌ، قال: ثنا سفيان، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: هذه ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شبعة، عن إبراهيم ابن محمد بن المنتشر، عن أبيه محمد بن المنتشر، عن حبيب بن سالم الأنصاري مولى النعمان بن بشير وكاتبه روى له الجماعة، عن النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي الصحابي رضي الله عنه، كان أميرًا على الكوفة في عهد معاوية، وقال أبو زرعة الدمشقي: وُلّي قضاء دمشق بعد فضالة بن عُبَيْد، قتُل يومَ راهط سنة خمس وستين.
والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري.
وأخرجه النسائي (1) بهذا الطريق: عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد، عن شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير قال:"كان رسول الله عليه السلام يقرأ في الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} وربما اجتمع العيد والجمعة فيقرأ بهما فيهما جميعًا".
(1)"المجتبى"(3/ 112 رقم 1424).
الثاني: عن رَوْح بن الفرج القطان، عن حامد بن يحيى بن هانئ البلخي نزيل طرسوس وشيخ أبي داود، قال أبو حاتم: صدوق. ووثقه ابن حبان، عن جرير بن عبد الحميد
…
إلى آخره.
وأخرجه مسلم (1): عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعًا، عن جرير، قال يحيى: أنا جرير، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير، عن النعمان بن بشير قال:"كان رسول الله عليه السلام يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يومٍ واحد يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين".
الثالث: عن رَوْح أيضًا، عن حامد بن يحيى أيضًا، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا محمد بن الصباح، أنا سفيان بن عيينة، عن إبراهيم ابن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام كان يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ".
وأخرجه أبو داود (3): عن قتيبة بن سعيد، عن أبي عوانة، عن إبراهيم بن محمد
…
إلى آخره نحو رواية مسلم.
والترمذي أيضًا (4): عن قتيبة بن سعيد، عن أبي عوانة
…
إلى آخره نحوه.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 598 رقم 878).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 408 رقم 1281).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 293 رقم 1122).
(4)
"جامع الترمذي"(2/ 413 رقم 533).
ص: حدثنا فهدٌ، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا المَسْعودي، عن مَعبد بن خالد، عن زيد بن عقبة، عن سمرة بن جُنْدب، عن النبي عليه السلام في العيدين مثله، ولم يذكر الجمعة.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبيّ، قال: ثنا المَسْعوديّ، فذكر بإسناده مثله.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شعبة، عن مَعْبد بن خالدٍ، عن زيد بن عقبة الفزاري .... فذكر بإسناده مثله.
ش: هذه ثلاث طرق أيضًا وهي صحاح:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي، عن مَعْبد بن خالد الجَدلى الكوفي القاضي روى له الجماعة، عن زيد بن عقبة الفزاري الكوفي، قال العجلي والنسائي وابن حبان: تابعيّ ثقة. روى له أبو داود والترمذي والنسائي.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا المَسْعودي.
وحدثنا أبو نعيم، قال: نا المسعودي، عن معبد بن خالد، عن زيد بن عقبة، عن سمرة بن جُندب قال:"كان رسول الله عليه السلام يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ".
الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلّسي، عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب الوهبيّ، عن المسعودي
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من حديث مسْعر، عن معبد بن خالد، عن زيد بن عقبة، عن سمرة: "كان رسول الله عليه السلام يقرأ في صلاة الجمعة بـ {سَبِّحِ} ، والغاشية.
(1)"مسند أحمد"(5/ 14 رقم 20173).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(3/ 201 رقم 5517).
ورواه المسعودي، عن معبد فقال:"في العيدين".
الثالث: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن شعبة
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد (1) أيضًا: عن محمد بن جعفر، عن شعبة بن معبد بن خالد
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه الطبراني (2) أيضًا: ثنا الحُسين بن إسحاق التستري، نا يحيى الحماني، ثنا هشيم، عن عبد الملك بن عمير، عن زيد بن عقبة، عن سَمرة:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ".
ص: فذهب قوم إلى أن هاتين السورتين هما اللتان ينبغي للإمام أن يقرأ بهما في صلاة العيدين وفي الجمعة مع فاتحة الكتاب ولا يجاوز ذلك إلى غيره، واحتجوا بهذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: مالكًا، وأحمد، وأبا ثور؛ فإنهم قالوا؛ ينبغي للإمام أن يقرأ بهاتين السورتين في صلاة العيدين، ويحكى ذلك عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
وقال أبو عمر في "التمهيد": قال مالك: يقرأ في صلاة العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} والشمس ونحوهما، وفي "المغني" ويستحب أن يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ} ، وفي الثانية بالغاشية، نص عليه أحمد.
وقال الشافعي: يقرأ بـ {ق} ، و {اقْتَرَبَتِ} ؛ ولحديث أبي واقد الليثي على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى.
وقال ابن حزم في "المحلى": واختيارنا هو اختيار الشافعي وأبي سليمان.
(1)"مسند أحمد"(5/ 7 رقم 20092).
(2)
"المعجم الكبير"(7/ 183 رقم 6773).
وأما صلاة الجمعة فقد قال أبو عمر: اختلف الفقهاء فيما يقرأ في صلاة الجمعة؛ فقال مالك: أَحبُّ إليَّ أن يقرأ الإِمام في الجمعة بـ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} مع سورة الجمعة، وقال مرة أخرى: أما الذي جاء به الحديث فـ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} مع سورة الجمعة، والذي أدركت عليه الناس بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} .
قال أبو عمر: تحصيل مذهب مالك أن كلتا السورتين قراءتهما حسنة مستحبة مع سورة الجمعة في الركعة الثانية، وأما الركعة الأولى فسورة الجمعة ولا ينبغي للإمام عنده أن يترك سورة الجمعة، فإن فعل وقرأ بغيرها فقد أساء وبئس ما صنع، ولا تفسد عليه بذلك صلاته.
وقال الشافعي وأبو ثور: يقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة، وفي الثانية {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} (1).
واستحب مالك، والشافعي، وأبو ثور، وداود بن علي، أن لا تترك سورة الجمعة على كل حال.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ليس في ذلك توقيت بعينه لا ينبغي أن يُجاوز إلى غيره ولكن للإمام أن يقرأ بهما وله أن يُغيرهما.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: أبا حنيفة وأصحابه والثوري؛ فإنهم قالوا: ليس في العيدين ولا في الجمعة قراءة بسورةٍ مُعينةٍ بحيث لا تُجاوز إلى غيرها، ولكن للإمام أن يقرأ في العيدين وفي الجمعة بالسورتين المذكورتين وله أن يقرأ غيرهما، وكذا في الجمعه له أن يقرأ بسورة الجمعة و {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} (1) وله أن يقرأ غيرهما؛ وذلك لاختلاف الآثار عن النبي عليه السلام باختلاف السور في هذه الصلوات، وكذلك عن الصحابة ومن بعدهم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في العيدين بـ {سَبِّحِ}
(1) سورة المنافقون.
{اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} وعن ابن مسعود رضي الله عنه: "أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من المفصل"، وكان أبان بن عثمان رضي الله عنهما يقرأ فيهما بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ".
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن أبا بكرة وابن مرزوق قد حدّثانا، قالا: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا فليح بن سليمان، عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي واقد قال:"سألني عمر- رضي الله عنه: بم قرأ رسول الله عليه السلام في العيدين؟ قلت: {ق} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} ".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا مالك بن أنس، عن ضمرة، عن عبيد الله بن عبد الله: "أن عمر رضي الله عنه سأل أبا واقد
…
" فذكر مثله.
فهذا أبو واقد قد أخبر عن النبي عليه السلام أنه قرأ في العيد بغير ما أخبر به من روى الآثار الأُوَل.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان للآخرين فيما ذهبوا إليه من عدم التوقيت في القراءة في صلاة العيدين، حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه، قيل: اسمه الحارث بن مالك، وقيل: الحارث بن عوف، وقيل: عوف بن الحارث؛ وذلك لأن أبا واقد قد أخبر في حديثه أن النبي عليه السلام قرأ في العيدين بقاف و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} ، وهذا خلاف ما رُوي في الأحاديث الأُوَل، فدل ذلك على عدم التوقيت.
واحتج الشافعي لهذا الحديث على تعيين هاتين السورتين في العيدين، فكأنه نظر إلى أن هذا الحديث أصح من الحديث الذي فيه ذِكر {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} .
وإليه ذهب ابن حزم، وقال: لم يصح عن رسول الله عليه السلام شيء غير هذا الحديث. وأراد به حديث أبي واقد المذكور، ولكن الذي ذكره ابن حزم غير
صحيح؛ لأن حديث النعمان بن بشير قد أخرجه مسلم والأربعة كما ذكرناه (1)، وقال أبو عمر: وليس في هذا الباب أثر مرفوع إلا حديث أبي واقد، وحديث سمره بن جندب، وحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهم، وفي اختلاف الآثار في هذا الباب دليل على أن لا توقيت فيه، والله أعلم.
ثم إنه أخرج هذا الحديث من طريقين رجالهما رجال الصحيح ما خلا مشايخ الطحاوي، ولكن الأول متصل الإسناد والثاني مرسل.
الأول: عن أبي بكرة بكار وإبراهيم بن مرزوق كلاهما، عن أبي عامر العَقدي عبد الملك بن عمرو، عن فليح بن سليمان بن أبي المغيرة أبي يحيى المدني روى له الجماعة، عن ضمرة بن سعيد بن أبي حُنّة -بالنون، وقيل: بالباء الموحدة- الأنصاري المدني روى له الجماعة سوى البخاري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني روى له الجماعة.
وأخرجه مسلم (2): نا إسحاق بن إبراهيم، قال: نا أبو عامر العقدي، قال: نا فليح، عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي واقد الليثي قال:"سألني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمّا قرأ به رسولُ الله عليه السلام في يوم العيد، فقلتُ: بـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} و {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ".
الثاني: عن أبي بكرة، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن مالك بن أنس
…
إلى آخره.
وهذا مرسل؛ لأن عبيد الله لا سماع له من عمر بن الخطاب.
وقال ابن حزم في "المحلى": عبيد الله أدرك أبا واقد الليثي وسمع منه، ولكن لا سماع له من عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(1) تقدم.
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 607 رقم 891).
وكذا أخرجه الأربعة مرسلًا.
فأبو داود (1): عن القعنبي، عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقدٍ الليثي ماذا كان يقرأ به رسول الله عليه السلام في الأضحى والفطر؟ قال: كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} ".
والترمذي (2): عن إسحاق بن موسى الأنصاري، عن مَعْن بن عيسى، عن مالك
…
إلى آخره.
والنسائي (3): عن محمد بن منصور، عن سفيان، قال: حدثني ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله قال:"خرج عمر رضي الله عنه يوم عيدٍ، فسأل أبا واقد الليثي: بأي شيء كان النبي عليه السلام يقرأ في هذا اليوم؟ فقال: بـ {ق}، و {اقْتَرَبَتِ} ".
وابن ماجه (4): عن محمد بن الصباح، عن سفيان، عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله قال:"خرج عمر يوم عيدٍ، فأرسل إلى أبي واقد الليثي: بأي شيء كان النبي عليه السلام يقرأ في مثل هذا اليوم؟ قال: بـ {ق} و {اقْتَرَبَتِ} ".
فإن قيل: كيف سأل عُمرُ رضي الله عنه عن هذا ومثله لا يخفى عليه هذا؟
قلنا: لعله اختبار له هل حفظ ذلك أم لا؟ أو يكون دخل عليه شك أو نازعه غيره ممن سمعه يقرأ في ذلك بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} والغاشية، فأراد عمر- رضي الله عنه الاستشهاد عليه بما سمعه أيضًا أبو واقد رضي الله عنه.
فإن قيل: ما الحكمة في قراءتهما عليه السلام في العيدين؟
(1)"سنن أبي داود"(1/ 300 رقم 1154).
(2)
"جامع الترمذي"(415/ 2 رقم 534).
(3)
"المجتبى"(3/ 183 رقم 1567).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1/ 408 رقم 1282).
قلت: لكونهما مشتملتين على الإخبار بالبعث، والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر، والله أعلم.
ص: وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قرأ في الجمعة بغير ما ذكرنا عنه أيضًا في الآثار الأُوَل، فمما روى عنه في ذلك: ما حدثنا يونس، قال: أنا سفيان، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله:"أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير: ماذا كان يَقرأُ به النبي عليه السلام يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا مالك بن أنس، عن ضمرة ابن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله:"أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير: ما كان النبي عليه السلام يَقرأُ به في الجمعة؟ قال: سورة الجمعة و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ".
حدثنا يونس، قال: أنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام:"أنه كان يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة و {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} ".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان عن مخوّل بن راشد، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن النبي عليه السلام مثله.
فلما جاء عن النبي عليه السلام في هذه الآثار أنه قرأ في العيدين والجمعة غيرَ ما جاء في الآثار الأُوَل لم يجب أن نحمل ذلك على التضادّ والتكاذب، ولكنا نحمله على الاتفاق والتصادق، فنجعل ذلك كله قد كان من النبي عليه السلام، فقرأ بهذا مرةً وبهذا مرةً، فحَكَى عنه كل فريقٍ من الفريقين ما حضره منه، ففي ذلك دليل على أن لا توقيت للقراءة في ذلك، وأن للإمام أن يقرأ في ذلك مع فاتحة الكتاب أيَّ القرآن شاء.
ش: أشار بهذا الكلام إلى أن الآثار في هذا الباب مختلفة، فينبغي أن نحمل ذلك على اختلاف الأوقات؛ دفعًا للتضاد والتخالف، فإذا حملنا على ذلك ينفى أن يكون توقيتٌ للقراءة، ويدل على أن للإمام أن يقرأ ما شاء من القرآن مع فاتحة الكتاب.
قوله: "فمما روي عنه في ذلك" أي فمن الذي روى عن النبي عليه السلام في القراءة في الجمعة وأخرج في ذلك عن النعمان بن بشير وأبي هريرة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
أما حديث النعمان فأخرجه من طريقين صحيحين:
أحدهما: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن الضحاك بن قيس بن خالد الفهري وُلد قبل وفاة النبي عليه السلام بست سنين أو نحوها، وكان عاملًا لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قُتِل بمرج راهط من أرض دمشق في قتاله لمروان سنة سبع وعشرين ومائة.
وأخرجه مسلم (1): ثنا عمرو الناقد، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن ضمرة
…
إلى آخره نحوه.
والآخر: عن أبي بكرة بكار، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن مالك بن أنس
…
إلي آخره.
وأخرجه أبو داود (2): عن القعنبي، عن مالك
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه النسائي (3) وابن ماجه (4) أيضًا.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 598 رقم 878).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 293 رقم 1123).
(3)
"المجتبى"(3/ 112 رقم 1432).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1/ 355 رقم 1119).
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عُيَينة، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي عبد الله المدني الصادق أحد مشايخ أبي حنيفة، روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح"، عن أبيه محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أبي جعفر الباقر روى له الجماعة، عن أبي رافع مولى رسول الله عليه السلام واسمه إبراهيم، وقيل: أسلم.
ثم اعلم أنه قد وقع في رواية الطحاوي كما ترى عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن أبي رافع، وهكذا وقع في بعض نسخ مسلم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.
وقال القاضي عياض في "شرح مسلم": ذكر في سند هذا الحديث: ثنا عبد الله ابن مسلمة، ثنا سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه، عن ابن أبي رافع كذا لهم.
وعند العذريّ في كتاب "الصَّدَفي "وبعض النسخ الماهانية: عن أبي رافع، وهو وهم والصواب ابن أبي رافع، واسمه عبيد الله، وهو ابن أبي رافع مولى النبي عليه السلام كما جاء مسمًّى في حديث قتُيْبة بعده.
قلت: حديث قتيبة هو ما رواه مسلم (1): نا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: نا حاتم بن إسماعيل. ونا قتيبة، قال: نا عبد العزيز -يعني الدراورديّ- كلاهما، عن جعفر، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: "استخلف مروان أبا هريرة
…
" بمثله، غير أن في رواية حاتم: "فقرأ بسورة الجمعة في السجدة الأولى، وفي الآخرة {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} "، ورواية عبد العزيز مثل حديث سليمان.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 598 رقم 877).
قوله: "بمثله" أي بمثل الحديث الذي ذكره أولًا، وهو ما رواه عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب، قال: نا سليمان -وهو ابن بلال- عن جعفر، عن أبيه، عن ابن أبي رافع قال:"استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى أبو هريرة الجمعة، فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}، قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلتُ: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقرأ بهما بالكوفة، فقال أبو هريرة: فإني سمعت رسول الله عليه السلام يقرأ بهما يوم الجمعة"،
وأخرجه أبو داود (1) والترمذي (2) وابن ماجه (3) أيضًا، وفي رواية الجميع: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فأخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي، عن سفيان الثوري، عن مُخوّل بن راشد -وهو بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو- عن مُسْلم البطين -بفتح الباء الموحدة
…
- إلى آخره.
وأخرجه مسلم (4): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا عَبْدَة بن سليمان، قال: ثنا سفيان، عن مخول، عن مسلم البَطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم (1) تَنْزِيلُ} (5) السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} (6)، وأن النبي عليه السلام كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين".
(1)"سنن أبي داود"(1/ 293 رقم 1124).
(2)
"جامع الترمذي"(2/ 396 رقم 519).
(3)
"سنن ابن ماجه"(1/ 355 رقم 1118).
(4)
"صحيح مسلم"(2/ 599 رقم 879).
(5)
سورة السجدة.
(6)
سورة الإنسان.
ص: حدثنا فهدٌ، قال: ثنا الحمانيُّ، قال: ثنا أبو عَوانةَ وشريك، عن مُخوّل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (ح).
وحدثنا فهدٌ، قال: ثنا الحمانيّ، قال: ثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح {الم (1) تَنْزِيلُ} (1) و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (2) ".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا روح بن أسلم، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن عَزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام مثله.
فليس في ذلك دليلٌ على أنه كان لا يجاوز ذلك إلى غيره؛ لأن النبي عليه السلام لم يُحْكَ عنه أنه قال: لا تقرؤا القرآن في صلاة الغداة يوم الجمعة مع فاتحة الكتاب غير هاتين السورتين، حتى لا يجوز خلاف ذلك، ولكن إنما أخبر مَنْ رواها عن النبي عليه السلام أنه كان يَقْرأ بهما فيهما كما أخبر النعمانُ وابنُ عباس أن رسول الله عليه السلام كان يقرأ في العيدين بما ذكرنا، ثم قد جاء عن غيرهما أنه قرأ بخلاف ذلك؛ لأنه قرأ بهذه مرةً وهذه مرةً فكذلك ما حُكي عنه من القراءة في صلاة الصبح يوم الجمعة يحتمل أن يكون قرأ به مرةً أو قرأ به مرارًا، ثم قرأ بغيره، فيحكي كلُّ مَنْ حضره بما سمع من قراءته، وليس في ذلك دليل على حكم التوقيت، وجميع ما ذهبنا إليه في هذا الباب هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: هذه ثلاث طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما ورجالها كلهم ثقات، إلا أن في روح بن أسلم الباهلي مقالًا (3).
الأول: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن أبي عَوانة الوضاح اليشكري وشريك النخعي كلاهما، عن مخول بن راشد، عن مسلم البطين
…
إلى آخره.
(1) سورة السجدة.
(2)
سورة الإنسان.
(3)
وفي شريك والحماني أيضًا مقال كثير.
وأخرجه النسائي (1): أنا قتيبةُ، قال: ثنا أبو عوانة.
وأنا علي بن حُجْر، قال: أنا شريك -واللفظ له- عن المخوّل بن راشد، عن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة {الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة (2) و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (3) ".
الثاني: عن فهد أيضًا، عن الحمّاني أيضًا، عن شريك أيضًا، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السِبيعي، عن سعيد بن جبير
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(4) نحوه.
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن رَوْح بن أسلم، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن عزْرَة بن عبد الرحمن الكوفي الأعور، عن سعيد بن جبير
…
إلى آخره.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن المثنى، نا عبد الصمد بن عبد الوارث، نا همام، عن قتادة، عن عَزْرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة بـ {تَنْزِيلُ} السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} ".
قوله: "فليس في ذلك
…
" إلى آخره، ظاهرٌ غنيّ عن مزيد البيان، ملخصه: أن الراوي أخبر مثل ما شاهده عن النبي عليه السلام ثم جاء راوٍ آخر بخلاف ذلك بحسب ما شاهده أيضًا، وليس بينهما تنافي؛ لأنه عليه السلام قد قرأ بهذه مرةً، وبهذه أخرى، فليس في ذلك دليل على التعيين لا قولًا ولا فعلًا، فإذا كان الأمر كذلك تكون دعوى التوقيت والتعيين في ذلك دعوى لا برهان عليها، فافهم.
(1)"المجتبى"(2/ 159 رقم 956).
(2)
سورة السجدة.
(3)
سورة الإنسان.
(4)
"مسند أحمد"(1/ 307 رقم 2800).