المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الرجل يدخل السجد والإمام في صلاة الفجر ولم يكن ركع، أيركع أم لا يركع - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٦

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: الرجل يدخل السجد والإمام في صلاة الفجر ولم يكن ركع، أيركع أم لا يركع

‌ص: باب: الرجل يدخل السجد والإمام في صلاة الفجر ولم يكن ركع، أيركع أم لا يركع

؟

ش: أي هذا باب في بيان حكم من يَدْخل المسجد والحال أن الإِمام في صلاة الصبح، والحال أنه ما صلى ركعتي الصبح، هل يصليهما ثم يدخل في صلاة الإِمام أم يتركهما فيدخل؟ والمناسبة بين البابين ظاهرة.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن زكرياء بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

حدثنا محمَّد بن النعمان، قال: ثنا أبو مصعب، قال: ثنا عبد العزيز -قال أحمد الأصبهاني: إبراهيم بن إسماعيل- عن إسماعيل بن إبراهيم بن مجمّع الأنصاري، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.

ش: أخرجه من طريقين:

الأول: إسناده صحيح، ورجاله رجال "الصحيح" ما خلا إبراهيم بن مرزوق، وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد شيخ البخاري.

والثاني: فيه إسماعيل بن إبراهيم بن مجمع الأنصاري، ويقال: إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع أبو إسحاق المدني، وعن يحيى: ضعيف جدّا. وعنه: ليس بشيء.

وأبو مُصْعب اسمه أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث الزهري المدني الفقيه قاضي المدينة النبوية وشيخ الجماعة سوى النسائي، وعبد العزيز هو الدراوردي.

وهذا كما ترى قد أخرجه الطحاوي في الأول عن سليمان بن يسار، وفي الثاني عن عطاء بن يسار.

ص: 58

وأخرجه الجماعة غير البخاري كلهم عن عطاء بن يسار.

فقال مسلم (1): حدثني يحيى بن حبيب الحارثي، قال: ثنا رَوْحٌ، قال: ثنا زكرياء بن إسحاق، قال: ثنا عمرو بن دينار، قال: سمعت عطاء بن يسار يقول: عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

وقال الترمذي (2): حديث أبي هريرة حديث حسن، وهكذا رواه أيوب وورقاء بن عمر وزياد بن سَعْد وإسماعيل بن مسلم ومحمد بن جحادة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام، ورواه حماد بن زيد وسفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار ولم يرفعاه، والحديث المرفوع أصح عندنا.

وقال القاضي عياض: ولأجل هذا الاختلاف لم يخرّجه البخاري، وسيأتي الكلام فيه مستقصى إن شاء الله تعالى.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا للرجل أن يركع ركعتي الفجر في المسجد والإمام في صلاة الفجر.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: سعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وعروة بن الزبير، وعبد الله بن المبارك، والشافعي وأحمد، وإسحاق وأبا ثور؛ فإنهم ذهبوا إلى الحديث المذكور، وكرهوا للرجل أن يركع ركعتي الفجر في المسجد والإمام في صلاة الفجر.

وقال القاضي عياض: أخذ قوم بظاهر هذا الحديث، وهو قول أبي هريرة، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب على صلاة الركعتين بعد الإقامة، وإليه ذهب بعض الظاهرية ورأوا أنه يقطع صلاته إذا أقيمت عليه الصلاة، وكلهم يقولون: لا يبتدئ نافلة بعد الإقامة.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 493 رقم 710).

(2)

"جامع الترمذي"(2/ 282 رقم 421).

ص: 59

وذهب مالك إلى أنه إذا أقيمت عليه وهو في نافلة فإن كان ممن يخفّ عليه ويتمها بقراءة أم القرآن وحدها قبل أن يركع الإِمام أتمها وإلا قطع.

وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يتمها.

واختلفوا في صلاة ركعتي الفجر إذا أقيمت الصبح، فذهب جمهور السلف والعلماء إلى أنه لا يصليهما في المسجد، ثم اختلفوا هل يخرج لهما ويصلي خارجه أم لا؟ وهو قول جماعة من السلف جملة ويدخل في المكتوبة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد والطبري، إذا أقيمت عليه وهو في المسجد، وقول ابن سيرين: متى أقيمت عليه دون تفصيل.

واختلف من أباح له الخروج لصلاتهما هل ذلك ما لم يخش فوات الركعة الأولى فإذا خشيها دخل مع الإِمام ولم يخرج، وهو قول مالك والثوري إذا أقيمت قبل أن يدخل المسجد. وقيل: إنما يُراعى فوات الآخرة، وقد روي هذا أيضًا عن مالك: أنه يصليهما وإن فاتته صلاة الإِمام إذا كان الوقت واسعًا، قاله ابن الجلاب.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بان يركعهما غير مخالطٍ للصفوف ما لم يخف فوت الركعتين مع الإِمام.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الأوزاعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد رحمهم الله.

وقال القاضي عياض: وذهبت طائفة من السلف والفقهاء إلى أنه يصليهما في المسجد ما لم يخش فوات الركعة الأولى، فإن خشيها دخل مع الإِمام، وهذا قول الثوري، وقيل: يركعهما ما لم يخش فوات الركعة الثانية، وهو قول الأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه، وقد حكي عن أبي حنيفة أنه يركعهما عند باب المسجد.

ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأول أن ذلك الحديث الذي احتجوا به أصله عن أبي هريرة لا عن النبي عليه السلام، هكذا رواه الحفّاظ، عن عمرو بن دينار.

ص: 60

حدثثا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا حماد بن سلمة وحماد ابن زيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة بذلك ولم يرفعه.

فصار أصل هذا الحديث عن أبي هريرة لا عن النبي عليه السلام، وقد خالف أبا هريرة في ذلك جماعة من أصحاب رسول الله عليه السلام، وسنذكر ما روي عنهم من ذلك في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى.

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، عن عبد الله بن عياش بن عباس القتباني، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت لها".

فقد يجوز أن يكون أراد بهذا النهي أن يصلى غيرها في موطنها الذي تُصلّى فيه، فيكون مصليها قد وصلها بتطوع، فيكون النهي من أجل ذلك لا من أجل أن تُصلى في آخر المسجد ثم يتنحّى الذي يصليها من ذلك المكان فيخالط الصفوف ويدخل في الفريضة.

ش: أي: وكان من الدليل والبرهان للآخرين -وهم أهل المقالة الثانية- على أهل المقالة الأولى: أن أصل حديث أبي هريرة الذي احتجوا به عن نفس أبي هريرة يعني هو موقوف عليه وليس بمرفوع إلى النبي عليه السلام؛ لأن الحفاظ من الرواة الأثبات روَوه عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة موقوفًا عليه، فإذا كان موقوفًا عليه ولم يكن من النبي عليه السلام وقد خالف أبا هريرة فيه جماعة من الصحابة عليه السلام على ما يجيء بيانه في آخر الباب، فإذن لا تقوم به حجة لأهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه.

ثم بيّن طريق الوقف بما أخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار، عن أبي عمر الضرير وهو حفص بن عمر الحوضي البصري شيخ البخاري وأبي داود، وهو يروي عن الحافظين الكبيرين حماد بن سلمة وحماد بن زيد، وكلاهما يرويان عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة بذلك ولم يرفعاه.

ص: 61

وقال البزار في "مسنده": حدثنا محمَّد بن عبد الملك القرشي، نا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة موقوفًا.

قلت: وكذا رواه أيوب، عن عمرو بن دينار موقوفًا.

فقال البزار: حدثنا أحمد بن مالك القَسْري، نا عبد الوارث بن سعيد، عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة موقوفًا.

ورواه عبد الوهاب الثقفي عن أيوب موقوفًا.

فقال البزار: حدثنا به محمَّد بن المثنى، نا عبد الوهاب بن عبد المجيد، نا أيوب، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة موقوفًا.

وكذا رواه سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار موقوفًا.

وقال البزار: نا أحمد بن عَبْدة، نا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

فهذا كما رأيت قد رواه موقوفًا مثل هؤلاء الحفاظ، وهم: حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وأيوب السختياني وسفيان بن عيينة، كلهم قد رووه عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، ولم يرفعوه.

فإن قيل: قد رواه الجماعة غير البخاري: مرفوعًا، وقال الترمذي: الرفع أصح.

قلت: يكفيك أن البخاري لم يُخرّجه لأجل هذا الاختلاف؛ إذ لو كان الرفع فيه صحيحًا لأخرجه، والحفاظ المذكورون أوقفوه فالمرجع إليه أولى.

ولما كان ها هنا إيراد من أهل المقالة الأولى بما رواه أبو سلمة، عن أبي هريرة ذكره ها هنا ليجيب عنه، تقريره أن يقال: إنكم قد دفعتم الاحتجاج بما رواه عمرو بن دينار، عن عطاء، عن أبي هريرة بأنه موقوف عليه، فما تقولون فيما رواه أبو سلمة، عن أبي هريرة فإنه مرفوع بلا خلاف.

ص: 62

أخرجه الطحاوي: عن فهد بن سليمان، عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد، عن الليث بن سعد، عن عبد الله بن عياش -بالياء المشددة آخر الحروف وبالشين المعجمة- ابن عباس -بالباء الموحدة والسين المهملة- القتباني -بكسر القاف وسكون التاء المثناة من فوق وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف نون- عن أبيه عياش بن عباس القِتْباني الحِمْيري روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح"، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا حَسن، نا ابن لهيعة، نا عياش بن عباس القتباني، عن أبي تميم الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت".

وتقرير الجواب: هو ما أشار إليه بقوله: "فقد يجوز أن يكون أراد

" إلى آخره، وهو ظاهر.

وقد أجاب بعضهم عن هذا بأنه معلول بعبد الله بن عياش؛ فإن أبا حاتم قال فيه: ليس بالمتين، صدوق يكتب حديثه، وهو قريب من ابن لهيعة.

وقال أبو داود والنسائي: ضعيف. وفيه نظر؛ لأن مسلمًا أخرج له حديثًا واحدًا وكفى به توثيقًا، وكذا روى له ابن ماجه.

ص: وكان مما احتج به أهل المقالة الأولى لقولهم أيضًا: ما قد حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يونس بن محمَّد، قال: ثنا حماد، عن سعد بن إبراهيم، عن حفص بن عاصم، عن مالك بن بُحَينة أنه قال:"أقيمت صلاة الفجر، فأتى النبي عليه السلام على رجل يصلي ركعتي الفجر، فقام عليه ولاث به الناس، فقال: أتصليها أربعًا؟ ثلاث مرات".

(1)"مسند أحمد"(2/ 352 رقم 8608).

ص: 63

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن سَعْد

فذكر مثله بإسناده، غير أنه لم يقل:"ولاث به الناس".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة

فذكر بإسناده نحوه غير أنه لم يقل: "ثلاث مرات".

فلأهل المقالة الأخرى على أهل هذه المقالة أنه قد يجوز أن يكون رسول الله عليه السلام إنما كره ذلك لأنه صلى الركعتين ثم وصلهما بصلاة الصبح من غير أن يكون تقدم أو تكلم، فإن كان لذلك قال له ما قال؛ فإن هذا حديث يجتمع فيه الفريقان جميعًا عليه، فأردنا أن ننظر هل روي في ذلك شيء من ذلك؟

فإذا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا، قال: ثنا هارون بن إسماعيل، قال: ثنا علي بن المبارك، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن محمَّد بن عبد الرحمن:"أن رسول الله عليه السلام مرّ بعبد الله بن مالك بن بحينة وهو منتصبٌ يصلي بين يدي نداء الصبح فقال: لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة قبل الظهر وبعدها واجعلوا بينهما فَصْلًا".

فبيّن هذا الحديث أن الذي كرهه رسول الله عليه السلام لابن بُحينة هو وَصْله إياها بالفريضة في مكان واحدٍ لم يفصل بينهما بشيء؛ ليس لأنه كره له أن يُصليهما في المسجد إذا كان فرغ منهما تقدَّم إلى الصفوف فصلى الفريضة مع الناس.

ش: أي: وكان من الذي احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه: حديث مالك بن بُحينة، قال أبو عمر: هو مالك بن القشب الأزدي والد عبد الله بن مالك بن بُحَيْنة، وبُحَيْنة أمه، ولعبد الله بن مالك ولأبيه صحبه، وبُحَينة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون.

وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن يونس بن محمد بن مسلم البغدادي المؤذن روى له الجماعة، عن حماد بن سلمة، عن سعد بن إبراهيم بن

ص: 64

عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبي إسحاق المدني روى له الجماعة، عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روى له الجماعة، عن مالك بن بحينة.

وأخرجه البخاري (1): ثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: ثنا إبراهيم بن سَعْد، عن أبيه، عن حفص بن عاصم، عن عبد الله بن مالك بن بحينة قال:"مرَّ النبي عليه السلام برجل. قال: وحدثني عبد الرحمن، قال: ثنا بهز بن أسد، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني سعد بن إبراهيم، قال: سمعت حفص بن عاصم قال: "سمعت رجلًا من الأزد يقال له مالك بن بحينة أن رسول الله عليه السلام رأى رجلًا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله عليه السلام لاث به الناس وقال له رسول الله عليه السلام: الصبح أربعًا؟! الصبح أربعًا؟! ".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حفص بن عاصم، عن مالك بن بحينة

فذكر الحديث مثله بإسناده ولم يقل فيه: "ولاث به الناس".

وأخرجه مسلم (2): ثنا قتيبة بن سعيد، نا أبو عوانة، عن سَعْد بن إبراهيم، عن حفص بن عاصم، عن ابن بُحَينة قال:"أقيمت الصلاة الصبح، فرأى رسول الله عليه السلام رجلًا يصلي والمؤذن يقيم، فقال النبي عليه السلام: أتصلى الصبح أربعًا؟ ".

الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن سَعْد بن إبراهيم

إلى آخره مثله، ولم يقل فيه:"مرات".

وأخرجه النسائي (3): عن قتيبة، عن أبي عوانة

إلى آخر ما رواه مسلم، وليس فيه:"مرات".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 235 رقم 632).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 494 رقم 711).

(3)

"السنن الكبرى"(1/ 301 رقم 939).

ص: 65

وقال عبد الغني: روى النسائي حديثًا في سجود السهو بإسناده إلى محمَّد بن يحيى بن حيان، عن مالك بن بحينة.

قال النسائي: هذا خطأ، والصواب عبد الله بن مالك بن بحينة. وقال صاحب "التهذيب": مالك بن بحينة حديث: "أتصلي الصبح أربعًا" روى له البخاري والنسائي، وقال: هذا خطأ والصواب: عبد الله بن مالك بن بحينة.

وقال ابن الأثير: قال القعنبي: عبد الله بن مالك بن بحينة، عن أبيه، قال: وقولهم في هذا الحديث: عن أبيه. خطأ.

وقد ذكرنا أن البخاري (1) أخرج الحديث المذكور من حديث حفص بن عاصم، عن عبد الله بن مالك بن بحينة قال:"مرّ النبي عليه السلام". ثم قال: عن حفص بن عاصم: سمعمت رجلًا من الأزد يقال له مالك بن بحينة أن رسول الله عليه السلام

ثم قال في آخره: تابعه غندر ومعاذ عن شعبة في مالك.

وكذا أخرجه مسلم (2): من حديث حفص بن عاصم، عن عبد الله بن مالك ابن بحينة:"أن رسول الله عليه السلام"، وقال أيضًا: عن حفص بن عاصم، عن ابن بحينة كما ذكرناه.

وقال أبو مسعود الدمشقي: أهل العراق يقولون: عن مالك بن بحينة، وأهل الحجاز قالوا في نسبه: عبد الله بن مالك بن بُحَيْنة، وهو الأصح. وقال الجياني: قول أصحاب شعبة: مالك بن بحينة والد عبد الله.

قوله: "ولاث به الناس" أي اجتمعوا حوله يقال: لاث به يَلُوثُ وأَلَاث بمعنًى، والمَلاث: السيد ثلاث به الأمور، أي: تُقْرَن به وتعقد.

قوله: "أتصليها" الهمزة فيه للاستفهام.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 235 رقم 632).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 493 رقم 711).

ص: 66

قال القاضي عياض: هذه إشارة إلى علة المنع حماية للأربعة؛ لئلا يطول الأمر ويكثر ذلك فيظن الظانّ أن الفرض قد تغير.

قوله: "ولأهل المقالة الأخرى

" إلى آخره جواب عن الحديث المذكور.

تقريره أن يقال: إن إنكار النبي عليه السلام على ذلك الرجل الذي صلى ركعتي الفجر حين أقيمت صلاة الفجر وكراهته إياها يحتمل أن يكون ذلك لكونه صلى الركعتين ثم وصلهما بصلاة الصبح من غير فصل بينهما بتقدم إلى الصفوف أو كلام أو نحو ذلك، فإذا كان هذا الاحتمال هو العلة في ذلك يكون الحديث مما يجتمع عليه الفريقان وهم الأخصام؛ لأن كلا منهما يكره هذا الفعل فلا يكون حينئذٍ حجةً لأحدهما على الآخر.

ثم أقام الدليل علي كون هذا الاحتمال الذي ذكره علة، وأن النهي لأجل هذا الاحتمال بقوله: "فأردنا أن ننظر

" إلى آخره؛ فإنه أخرج حديثًا يدلك على ذلك عن إبراهيم بن مرزوق، عن هارون بن إسماعيل الخزاز البصري روى له الجماعة سوى أبي داود، عن علي بن المبارك الهنائي البصري روى له الجماعة، عن يحيى بن أبي كثير الطائي أبي نصر اليمامي روى له الجماعة، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان القرشي العامري المدني روى له الجماعة: "أن رسول الله عليه السلام مرّ بعبد الله بن مالك بن بُحَيْنة

" إلى آخره.

وهذا كما رأيت ذكر الطحاوي في روايته الأولى مالك بن بحينة، وفي هذه الرواية عبد الله بن مالك بن بحينة، وقد ذكرنا عن قريب ما قالوا فيه.

والحديث أخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن يحيى ابن أبي كثير، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن عبد الله بن مالك بن بحينة: "أن النبي عليه السلام مَرّ به وهو يصلي يطَوِّل في صلاته أو نحو هذا بين

(1)"مسند أحمد"(5/ 345 رقم 22977).

ص: 67

يدي صلاة الفجر، فقال له النبي عليه السلام: لا تجعلوا هذه مثل صلاة الظهر قبلها وبعدها، اجعلوا بينهما فَصْلًا" انتهى.

فبيّن في هذا الحديث أن الذي كرهه رسول الله عليه السلام لمالك بن بحينة في الحديث السابق هو وصله إياها بالفريضة في فرد مكان ولم يفصل بينهما بشيء من المتقدم أو الكلام، وليس ذلك لكونه قد صلاهما في المسجد بحيث إنه إذا فرغ منهما يتقدم إلى الصفوف ويصلي الفرض مع القوم.

قوله: "وهو منتصب" جملة حالية، وكذلك قوله:"يصلي".

قوله: "بين يدي نداء الصبح" أراد به إقامة صلاة الفجر، وفي رواية "بين يدي صلاة الصبح".

قوله: "واجعلوا بينهما" أي بين ركعتي الفجر وبين صلاة الفجر، وأراد بالفصل مثل الكلام، ومثل المتقدم من آخر المسجد إلى الصفوف حين يصلي ركعتي الفجر في آخر المسجد.

ص: وقد روي مثل ذلك أيضًا عن رسول الله عليه السلام في غير هذا الحديث.

حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو، قال: ثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة البكراويُّ، قال: ثنا ابن جريج، عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار:"أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد يسأله: ماذا سمع من معاوية في الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: صليت مع معاوية الجمعة في المقصورة، فلما فرغت قمت لأتطوع، فأخذ بثوبي فقال: لا تفعل حتى تَقَدّم أو تَكَلَّمُ، فإن رسول الله عليه السلام كان يأمر بذلك".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا عبيد الله بن المغيرة، عن صفوان مولى عمرو، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال: "لا تُدَابروا

ص: 68

الصلاة المكتوبة بنافلة حتى يكون بينهما فاصلٌ من تقدم إلى مكان آخر أو غير ذلك".

ش: أي قد روي مثل الحديث المذكور مما يدلّ على أنه ينبغي من الفصل بين الفرض والنفل الذي يصلى بعده، وأخرج ذلك عن اثنين من الصحابة وهما معاوية بن أبي سفيان، وأبو هريرة رضي الله عنهم.

أما حديث معاوية: فأخرجه من طريقين:

أحدهما: عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي الحافظ شيخ أبي داود والطبراني أيضًا، عن أبي الأشهب هوذة بن خليفة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكرة الثقفي البكراوي الأصم البصري، فعن يحيى: ضعيف. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس. وروى له ابن ماجه.

عن عبد الملك بن جريج المكي روى له الجماعة، عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار -بضم الخاء المعجمة- المكي، وثقه يحيى وأبو زرعة وروى له مسلم وأبو داود، عن نافع بن جبير بن مطعم المدني روى له الجماعة، عن السائب بن يزيد بن سعيد الأسدي له ولأبيه صحبة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عبد الرزاق وابن بكرٍ، قالا: نا ابن جريج، أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار:"أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، قال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة فلما سلّم قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إليّ فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تَصِلها بصلاةٍ حتى تتكلم أو تخرج، فإن نبي الله عليه السلام أمر بذلك".

والطريق الآخر: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج، عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار

إلى آخره.

(1)"مسند أحمد"(4/ 95 رقم 16912).

ص: 69

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، أنا عبد الرزاق، أنا ابن جريج (ح).

وحدثنا علي بن عبد العزيز، نا هوذة بن خليفة، نا ابن جريج، أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار: "أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد يسأله عن شيء رآه منه معاوية

" إلى آخره نحو رواية أحمد.

قوله: "في المقصورة" أراد بها مقصورة الجامع.

قوله: "حتى تقدّمُ" بضم الميم، وأصله: تتقدم فحذفت إحدى التاءين للتخفيف، وكذلك قوله:"تكلم" أصله: تتكلم.

قوله: "كان يأمر بذلك" أي بالفصل بين صلاة الجمعة وبين السنة التي بعدها، وذلك لئلا يظن الجاهل أنها من الفرض كما ذكرناه.

وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن عبد الله بن لهيعة فيه مقال، عن عبد الله بن المغيرة بن مُعَيْقيب السَّبائي المصري، قال أبو حاتم: صدوق. روى له الترمذي وابن ماجه.

عن صفوان مولى عمرو بن علي وثقه ابن حبان، عن أبي هريرة.

وأخرجه أسد السنة في "مسنده".

قوله: "لا تُدَابِرُوا الصلاة المكتوبة بمثلها من التسبيح" أي لا تجعلوا دبر الصلاة المفروضة مثلها من صلاة التطوع، وأراد أنه لا يُصلّى عقيب الفرض مثله من التطوع في مقام واحد، وأراد بالتسبيح: صلاة النفل، من السُّبْحة وهي النافلة.

قوله: "فنهى رسول الله عليه السلام" أي: نهى رسول الله عليه السلام عن وصل الفرض بنافلة مثل الفرض حتى يكون بينهما فاصل إما بكلام أو تقدم إلى مكان آخر أو تأخر إلى ورائه، ونحو ذلك.

(1)"المعجم الكبير"(19/ 315 رقم 712).

ص: 70

وأخرج الحديثين المذكورين في المتابعات تأكيدًا لمعنى حديث مالك بن بحينة، فافهم.

ص: واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضًا بما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسدٌ، قال: ثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد، عن عاصم الأحول، عن عبد الله ابن سَرجس:"أن رجلًا جاء ورسول الله عليه السلام في صلاة الصبح، فركع ركعتين -في حديث حماد بن سلمة: خلف الناس- ثم دخل مع النبي عليه السلام في الصلاة، فلما قضى النبي عليه السلام صلاته فقال: نافلة؟ " أي: أجعلت صلاتك التي صليت معنا أو التي صليت وَحْدَك.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا شعبة (ح).

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عاصم

فذكر بإسناده مثله.

قالوا: ففي هذا الحديث أنه صلاهما خلف الناس، وقد نهاه رسول الله عليه السلام عنهما.

ش: أي احتج أهل المقالة الأولى أيضًا لما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن سرْجس.

أخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، وحماد بن زيد كلاهما، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرْجس

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): حدثني أبو كامل الجَحْدري، قال: نا حماد -يعني ابن زيد- وحدثني حامد بن عمر البكراوي، قال: ثنا عبد الواحد -يعني ابن زياد-.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 494 رقم 712).

ص: 71

ونا ابن نمير، قال: نا أبو معاوية، كلهم عن عاصم الأحول.

وحدثني زهير بن حرب واللفظ له، قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال:"دخل رجل المسجد ورسول الله عليه السلام في صلاة الغداة، فصل ركعتين في جانب المسجد، ثم دخل مع رسول الله عليه السلام، فلما سلَّم رسول الله عليه السلام قال: يا فلان بأي الصلاتين اعتددت؟ أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟ ".

وأخرجه أبو داود (1): ثنا سليمان بن حرب، نا حماد، عن عاصم، عن عبد الله بن سرْجس قال:"جاء رجل والنبي عليه السلام يصلي الصبح، فصلى الركعتين ثم دخل مع النبي عليه السلام في الصلاة، فلما انصرف قال: يا فلان، أيتهما صلاتك؟ التي صليت وحدك؟ أو التي صليت معنا؟ ".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن سعيد بن عامر الضُبَعي، عن شعبة، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس.

وأخرجه النسائي (2): أنا يحيى بن حبيب بن عربي، قال: ثنا حماد، قال: ثنا عاصم، عن عبد الله بن سرجس قال:"جاء رجل ورسول الله عليه السلام في صلاة الصبح، فركع الركعتين ثم دخل، فلما قضي رسول الله عليه السلام صلاته قال: يا فلان أيهما صلاتك؟ التي صليت معنا؟ أو التي صليت لنفسك؟ ".

الثالث: عن أبي بكرة أيضًا، عن مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن عاصم.

وأخرجه ابن ماجه (3): نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس: "أن رسول الله عليه السلام رأى رجلًا يصلي

(1)"سنن أبي داود"(2/ 22 رقم 1265).

(2)

"المجتبى"(2/ 117 رقم 868).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 364 رقم 1152).

ص: 72

الركعتين قبل صلاة الغداة وهو في الصلاة، فلما صلى قال له: بأي صلاتيك اعتددت؟ ".

قوله: "قالوا" أي أهل المقالة الأولي "ففي هذا الحديث" أي حديث عبد الله بن سرجس "أنه" أي أن ذلك الرجل "صلاهما" أي ركعتي الصبح خلف الناس "وقد نهاه رسول الله عليه السلام عنهما" فهذا يرد ما ذهبتم إليه من أنه يصليهما خلف الناس ثم يدخل في صلاة القوم مع الإِمام.

ص: فمن الحجة عليهم للآخرين أنه قد يجوز أن يكون قوله: "كان خلف الناس" أي كان خلف صفوفهم لا فصل بينه وبينهم، فكان شبه المخالط لهم، فذلك أيضًا داخل في معنى ما بان من حديث ابن بُحَيْنة، وذلك مكروه عندنا، وإنما يجب أن يصليهما في مؤخر المسجد ثم يمشي من ذلك المكان إلى أول المسجد فأما أن يصليهما مخالطًا لِمَنْ يُصلي الفريضة فلا.

وقد حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، عن ابن أبي ذئب، عن شعبة، قال: كان ابن عباس رضي الله عنه يقول: "يا أيها الناس، ألا تتقون الله، افصلوا بين صلاتكم. قال: وكان ابن عباس لا يصلي الركعتين بعد المغرب إلا في بيته"، فأراد عبد الله بن عباس منهم الفصل بين الفريضة والتطوع.

وذلك الذي أريد في حديث أبي هريرة وابن بُحَينة وعبد الله ابن سرجس رضي الله عنه، ونحن نستحب أيضًا الفصل بين الفرائض والنوافل بما أمر به رسول الله عليه السلام فيما روينا في هذا الباب، ولا نرى بأسًا لمن يكن ركع ركعتي الفجر حتى جاء المسجد وقد دخل الإمام في صلاة الصبح أن يركعهما في مؤخر المسجد، ثم يمشي إلى مُقدّمه فيصلي مع الناس، ألا ترى أن ذلك لو كان في ظهرٍ أو عصرٍ أو عشاء لم يكن به بأسٌ ولا يكون فاعلُ ذلك واصلًا بين فريضة وتطوع، فكذلك إذا كان في صبحٍ فلا بأس به ولا يكون فاعله واصلًا بين فريضة وتطوع، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ص: 73

ش: هذا جواب عن الحديث المذكور، أي: فمن الدليل والبرهان على أهل المقالة الأولى للجماعة الآخرين وهم أهل المقالة الثانية.

تقريره أن يقال: قد يجوز أن يكون قوله: "كان خلف الناس" أي كان خلف صفوفهم كالمخالط لهم، فنحن أيضًا نقول بمنع مثل هذا كما قلنا في حديث مالك بن بحينة، وإنما الواجب أن يصليهما في آخر المسجد ثم يمشي من ذلك المكان إلى أول المسجد ويختلط بالصفوف، وأما أنه إذا صلاها مخالطًا بآخِر الصفوف فليس له ذلك ولا يقول به أحد، فبان أن إنكاره عليه السلام إنما كان لأجل وصله إياهما بالفريضة في مكان واحد دون أن يفصل بينهما بشيء يسيرٍ، وهذا مثل ما نهى من صلى الجمعة أن يصلي بعدها تطوعًا في مكان واحدٍ حتى يتكلم أو يتقدم.

على أنه قد روي ما يدل على ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية وهو ما رواه البيهقي (1) من طريق حجاج بن نصير، عن عباد بن كثير، عن ليث، عن عطاء، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر".

فإن قيل: قد قال البيهقي: إن هذه الزيادة لا أصل لها، وحجاج وعباد ضعيفان.

قلت: قال عثمان بن شيبة عن يحيى بن معين: كان شيخًا صدوقًا. يعني الحجاج، وأما عباد فقد وثقه يحيى بن معين فقال: عباد الرملي الخوَّاص ثقة، والله أعلم.

قوله: "وقد حدثنا ابن مرزوق

" إلى آخره، ذكر هذا تأييدًا للتأويل الذي ذكره في حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه؛ لأن قول ابن عباس: "افصلوا بين صلواتكم" يدل على أن المنع الذي ذكره أهل المقالة الأولى مستدلين بالأحاديث

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 483 رقم 4326).

ص: 74

المذكورة إنما هو إذا كان واصلًا بين الفريضة والتطوع، وأما إذا كان فاصلًا بينهما فلا يُمنع من ذلك؛ لأن معنى قوله:"افصلوا بين صلاتكم" فرَّقوا بين الفريضة والتطوع لئلا يشتبه على الجاهل أن التطوع من الفرض، ولأجل هذا المعنى كان عبد الله بن عباس رضي الله عنه يصلي ركعتي المغرب في بيته ليكون فاصلًا بين الفرض والسنة، وهذا المعنى هو المراد في حديث أبي هريرة ومالك بن بحينة وعبد الله بن سرجس رضي الله عنهم.

وأخرج الأثر المذكور عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب، عن شعبة ابن دينار القرشي الهاشمي مولى ابن عباس، فيه مقال، فعن مالك: ليس بثقة. وعن النسائي: ليس بالقوي. وعن يحيى بن معين: ليس به بأس، وروى له ابن ماجه حديثًا واحدًا في الغسل من الجنابة.

ص: وقد روي ذلك عن جلة من المتقدمين:

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، ثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي موسى، عن أبيه:"أنه حين دعاهم سعيد بن العاص دعا أبا موسى وحذيفة وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم قبل أن يصلي الغداة، ثم خرجوا من عنده وقد أقيمت الصلاة، فجلس عبد الله إلى اصطوانة من المسجد فصلى ركعتين، ثم دخل في الصلاة".

فهذا عبد الله قد فعل هذا ومعه حذيفة وأبو موسى لا ينكران ذلك عليه، فدل ذلك على موافقتهما إياه.

حدثنا سليمان، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي موسى، عن عبد الله:"أنه دخل المسجد والإمام في الصلاة، فصلى ركعتي الفجر".

ص: 75

حدثنا أحمد بن عبد المؤمن الخراساني، قال: ثنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: أنا الحسين بن واقدٍ، قال: ثنا يزيدُ النحوي، عن أبي مجلز قال:"دخلت المسجد في صلاة الغداة مع ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم والإمام يصلي، فأمّا ابن عمر فدخل في الصفِّ، وأما ابن عباس فصلّى ركعتين، ثم دخل مع الإِمام، فلما سلم الإِمام قعد ابن عمر مكانه حتى طلعت الشمس، فقام فركع ركعتين".

فهذا ابن عباس قد صلى الركعتين في المسجد والإمام في صلاة الصبح، وقد روى شعبة مولاه عنه أنه كان يأمر الناس بالفصل بين الفرائض والنوافل، وقد عد نفسه إذ صلى ركعتي الفجر في بعض المسجد ثم دخل مع الناس في الصلاة فاصلًا بينهما، فكذلك نقول.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم، قال: أنا مُطرِّف بن طَرِيفٍ، عن أبي عثمان الأنصاري قال:"جاء عبد الله بن عباس والإمام في صلاة الغداة ولم يكن صلّى الركعتين، فصلى عبد الله بن عباس الركعتين خلف الإِمام ثم دخل معهم".

وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما مثل ذلك أيضًا: حدثنا محمَّد بن خزيمة وفهدٌ، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني ابن الهاد، عن محمَّد بن كعْبٍ أنه قال:"خرج عبد الله بن عمر من بَيْته، فأقيمت الصلاة، فركع ركعتين قبل أن يدخل المسجد وهو في الطريق، ثم دخل المسجد فصلى الصبح مع الناس".

فهذا وإن كان لم يصلهما في المسجد فقد صلاهما بعد علمه بإقامة الصلاة في المسجد، فذلك خلاف قول أبي هريرة:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" إن كان معناه ما صرفه إليه أهل المقالة الأولى.

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مالك بن مِغْول، قال: سمعت نافعًا يقول: "أيقظتُ ابن عُمر لصلاة الفجر وقد أقيمت الصلاة، فقام فصلى ركعتين".

ص: 76

حدثنا عليُّ بن شيبة، قال: ثنا الحسن بن موسى، قال: ثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر:"أنه جاء والإمام يصلي صلاة الصبح ولم يكن صلى الركعتين قبل صلاة الصبح فصلاهما في حجرة حفصة رضي الله عنها، ثم إنه صلى مع الإمام".

ففي هذا الحديث عن ابن عمر أنه صلاهما في المسجد؛ لأن حجرة حفصة رضي الله عنها من المسجد.

فقد وافق ذلك ما ذكرناه عن ابن عباس.

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا أبو معاوية، عن مسْعر، عن عبيد بن الحسن، عن أبي عبيد الله، عن أبي الدرداء رضي الله عنه:"أنه كان يدخل المسجد والناس صفوفٌ في صلاة الفجر، فيصلي ركعتين في ناحية المسجد ثم يدخل مع القوم".

حدثنا أبو بشر الرقي، ثنا أبو معاوية، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي عبيدة، عن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه:"أنه كان يفعل ذلك".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا هشام، عن أبي عبد الله، عن جَعْفر، عن أبي عثمان النهدي قال:"كنا نأتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن نصلي الركعتين قبل الصبح وهو في الصلاة، فنصلي الركعتين في آخر المسجد ثم ندخل مع القوم في صلاتهم".

حدثنا رَوْح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن بُكير، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: حدثني عاصم، عن أبي عثمان قال:"كنا نجيء وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة الصبح فنركع الركعتين في جانب القوم، ثم ندخل معه في الصلاة".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن حُصَين، قال: سمعت الشعبي يقول: "كان مَسْروق يجيء إلى القوم وهم في الصلاة ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فيصلي الركعتين في المسجد ثم يَدْخل مع القوم في صلاتهم".

ص: 77

حدثنا أبو بشرٍ، قال: ثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن مسروق: أنه فعل ذلك، غير أنه قال:"في ناحية المسجد".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، أنه كان يقول:"إذا دخلت المسجد ولم تُصل ركعتي الفجر فصلهما وإن كان الإمام يصلي، ثم ادخل مع الإمام".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا يونس، قال: كان الحسن يقول: "ليصلهما في ناحية ثم يدخل مع القوم في صلاتهم".

حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا حُصين وابن عون، عن الشعبي، عن مسروق: أنه فعل ذلك.

ش: أي قد روي ما ذكرنا من أن الرجل إذا جاء المسجد وقد دخل الإِمام في صلاة الصبح أنه يصلي ركعتي الفجر في مؤخر المسجد، ثم يمشي إلى مقدمه فيصلي مع الناس؛ عن جلة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.

و"الِجلَّة" بكسر الجيم وتشديد اللام: جمع جليل بمعنى عظيم، كصبية جمع صبي.

وأخرج ذلك عن أربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن مسعود وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمر وأبو الدرداء، وعن أربعة من التابعين (1)، وهم: أبو عثمان النهدي، ومسروق بن الأجدع، والحسن البصري.

أما أثر ابن مسعود فأخرجه من ثلاث طرق صحيحة:

الأول: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الرّصاصي الثقفي وثقه أبو حاتم، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله

(1) بل هم ثلاثة فقط من التابعين.

ص: 78

السبيعي الهمداني، عن عبد الله بن أبي موسى (1).

وأخرج عبد الرزاق مختصرًا (2): عن معمر، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي موسى، عن ابن مسعود:"أنه جاء والإمام يصلي الفجر، فصلى ركعتين إلى سارية ولم يكن صلى ركعتي الفجر".

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا ابن إدريس، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب:"أن ابن مسعود وأبا موسى خرجا من عند سعيد بن العاص، فأقيمت الصلاة، فركع ابن مسعود ركعتين ثم دخل مع القوم في الصلاة، وأما أبو موسى فدخل في الصفّ".

قلت: سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، قتل أبوه كافرًا يوم بدرٍ قتله عليُّ رضي الله عنه، ونشأ سعيد في حجْر عثمان رضي الله عنه وكان عمره يوم مات رسول الله عليه السلام تسع سنين، وكان من سادات المسلمين والكرام المشهورين، وكان من عمال عمر رضي الله عنه على السواد، توفي في سنة ثمان وخمسين من الهجرة.

الثاني: عن سليمان بن شعيب أيضًا، عن خالد بن عبد الرحمن الخراساني، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن عبد الله بن أبي موسى، عن عبد الله بن مسعود.

وأخرجه عبد الرزاق (4): عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي موسى قال:"جاءنا ابن مسعود والإمام يصلي الفجر، فصلى ركعتين إلى سارية، ولم يكن صلى ركعتي الفجر".

(1) بيض له المؤلف رحمه الله، وقد ذكر الإِمام مسلم رحمه الله في "المنفردات والوحدان"(1/ 128) فيمن تفرد عنه أبو إسحاق السبيعي بالرواية. ونسبه بالأشعري.

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 444 رقم 4022).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 57 رقم 1415).

(4)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 444 رقم 4021).

ص: 79

الثالث: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرّقي، عن أبي معاوية محمَّد بن خازم الضرير، عن أبي مالك الأشجعي واسمه سَعْد بن طارق، عن أبي عبيدة اسمه عامر بن عبد الله بن مسعود، عن عبد الله بن مسعود.

قوله: "كان يفعل ذلك" أي ما ذُكِرَ في الأثر الذي قبله، وهو أن أبا الدرداء كان يدخل المسجد والناس صفوف في صلاة الفجر، فيصلي ركعتين ثم يدخل مع القوم في الصلاة.

وأما أثر عبد الله بن عباس فأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن أحمد بن عبد المؤمن الخراساني، عن علي بن الحسن بن شقيق، عن الحسن بن واقد، عن يزيد بن أبي سعيد النحوي المروزي ونسْبته إلى نَحوْ قبيلة من الأزد يقال لهم بنو نحوْ، وليس من نحو العربية، عن أبي مجلز لاحق بن حميد

إلى آخره.

قوله: "وقد روى شعبة مولاه عنه" أي شعبة الذي هو مولى ابن عباس روى عن ابن عباس.

قوله: "وقد عدّ نفسه" أي ابن عباس، و"الواو" للحال.

وقوله: "فاصلًا" مفعول ثانٍ لقوله: "عدّ"، فافهم.

الثاني: عن أبي بكرة بكار، عن أبي عمر الضرير واسمه حفص بن عمر شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد العزيز بن مسلم القسملي أبي زيد المروزي روى له الجماعة، عن مطرف بن طريف الحارثي الكوفي روى له الجماعة، عن أبي عثمان الأنصاري المدني ثم الخراساني قاضي مرو، واسمه عمرو بن سالم، وقيل: ابن سلم، وقيل: ابن سُلَيْم، وقيل: ابن سَعْد، وقيل: اسمه عمرو. قال الحاكم أبو أحمد: هو معروف بكنيته ولا أحق في اسمه واسم أبيه شيئًا، وثقه ابن حبان وأبو داود وروى له والترمذي أيضًا.

ص: 80

وأما أثر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن محمَّد بن خزيمة وفهد بن سليمان، كلاهما عن عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن محمَّد ابن كعب بن سليم بن أسد القرظي المدني روى له الجماعة.

الثاني: عن فهد أيضًا، عن أبي نعيم الفضل بن دُكين، عن مالك بن مِغْول، عن نافع.

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن دلهم بن صالح، عن وَبْرَة قال:"رأيت ابن عمر يفعله، أو حدثني من رآه فعله مرتين، جاء مرةً وهم في الصلاة فصلاهما في جانب المسجد، ثم دخل مرةً أخرى فصلى معهم ولم يصلهما".

الثالث: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن الحسن بن موسى الأشيب البغدادي قاضي طبرستان روى له الجماعة، عن شيبان بن عبد الرحمن التميمي النحوي البصري روى له الجماعة، عن يحيى بن أبي كثير الطائي، عن زيد بن أسلم.

وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن عبد الله بن عمر، عن نافع:"أن ابن عمر رضي الله عنه بينما هو يلبس للصبح إذ سمع الإقامة فصلى في الحجرة ركعتي الفجر ثم خرج فصلى مع الناس".

وأما أثر أبي الدرداء واسمه عويمر بن مالك فأخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن أبي معاوية محمَّد بن خازم الضرير، عن مِسعر بن كدام، عن عبيد بن الحسن المزني الكوفي، عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم الخزاعي الدمشقي كاتب أبي الدرداء.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 57 رقم 6419).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 443 رقم 4019).

ص: 81

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن مسعر، عن الوليد بن أبي مالك، عن أبي عبيد الله، عن أبي الدرداء قال:"إني لأجيء إلى القوم وهم صفوف في صلاة الفجر فأصلي الركعتين ثم أنضم إليهم".

وأخرج عبد الرزاق (2): عن ابن جريج، قال: أخبرني سليمان بن موسى، قال: بلغنا عن أبي الدرداء أنه كان يقول: "نعم، والله لئن دخلت والناس في الصلاة لأعمدن إلى سارية من سواري المسجد ثم لأركعنهما، ثم لأكمِلنَّهما، ثم لا أعجل عن إكمالهما، ثم أمشي إلى الناس فأصلي مع الناس الصبح".

وأما أثر أبي عثمان النَّهْدي واسمه عبد الرحمن بن ملّ، ونسبته إلى نَهْد بالنون وسكون الهاء (3).

فأخرجه من طريقين:

أحدهما: عن أبي بكرة بكار، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي روى له الجماعة، واسم أبي عبد الله سُنْبَر، عن جعفر بن ميمون الأنماطي بياع الأنماط أبي علي، فيه مقال، فقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن معين: ليس بذاك. وعنه: صالح الحديث. وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

الثاني: عن روح بن الفرج القطان

إلى آخره.

ورجاله ثقات ذكروا غير مرة.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 57 رقم 6421).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 443 رقم 4020).

(3)

بيض له المؤلف رحمه الله وقد ذكره السمعاني في "الأنساب"(5/ 542) وقال: وأبو عثمان بن ملّ بن عمرو بن عدي بن وهب بن ربيعة بن سعد بن خزيمة -وقيل: حذيمة- بن كعب بن رفاعة بن مالك بن نهد بن زيد

إلخ. ثم قال: أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يلقه، ولقي عدة من الصحابة، ونزل الكوفة، وصار إلى البصرة بعد.

ص: 82

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا أبو أسامة، عن عثمان بن غياث، قال: حدثني أبو عثمان قال: "رأيت الرجل يجيء وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة الفجر، فيصلي الركعتين في جانب المسجد ثم يدخل مع القوم في صلاتهم".

وأما أثر مسروق فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن أبي بكرة بكار، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن حُصَيْن بن عبد الرحمن السُّلَميّ الكوفي، عن عامر بن شراحيل الشّعْبىِّ، عن مسروق بن الأجدع.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا هُشيم، قال: أنا حُصَيْن وابن عون، عن الشعبي، عن مسروق:"أنه دخل المسجد والقوم في صلاة الغداة ولم يكن صلى الركعتين، فصلاهما في ناحيةٍ ثم دخل مع القوم في صلاتهم".

الثاني: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان، عن أبي معاوية الضرير محمَّد بن خازم، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن عامر الشعبي، عن مسروق.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(3): عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى وعاصم، عن الشعبي:"أن مسروقًا كان يصليهما والإمام قائم يصلي في المسجد".

الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن حصين بن عبد الرحمن وعبد الله بن عون، كلاهما عن الشعبي، عن مسروق.

قوله: "أنه فعل ذلك" أي أن مسروقًا صلى ركعتي الفجر في ناحية المسجد.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 57 رقم 6414).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 56 رقم 6412).

(3)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 444 رقم 4024).

ص: 83

وأما أثر الحسن البصري فأخرجه من طريقين رجالهما ثقات:

الأول: عن أبي بكرة بكار، عن حجاج بن المنهال، عن يزيد بن إبراهيم التُّستري أبي سعيد البصري.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن هشام بن حسان، عن الحسن قال:"إذا دخلت المسجد والإمام في الصلاة ولم تكن ركعت ركعتي الفجر، فصلهما ثم ادخل مع الإِمام".

الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن يونس بن عبيد بن دينار البصري روى له الجماعة.

ص: فهؤلاء جميعًا قد أباحوا ركعتي الفجر أن يركعهما في مؤخر المسجد والإمام في الصلاة، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

وأما وجهه من طريق النظر، فإن الذين ذهبوا إلى أنه يَدْخل في الفريضة ويَدَعُ الركعتين فإنهم قالوا: تشاغله بالفريضة أولى من تشاغله بالتطوع وأفضل، فكان من الحجة عليهم في ذلك: أنهم قد أجمعوا أنه لو كان في منزله فعلم دخول الإمام في صلاة الفجر أنه ينبغي له أن يركع ركعتي الفجر ما لم يخفْ فوت صلاة الإِمام، فإن خاف فوت صلاة الإِمام لم يصلهما؛ لأنه إنما أمر أن يجعلهما قبل الصلاة ولم يُجْمِعُوا أن تشاغله بالسَّعْي إلى الفريضة أفضل من تشاغله بهما في منزله، وقد أُكِّدتا ما لم يُؤكد شيء من التطوع، وروي أن رسول الله عليه السلام لم يكن على شيء من التطوع أَدْوَم منه عليهما، وأنه قال:"لا تتركوهما وإن طردتكم الخيل"، فلما كانتا قد أكدتا هذا التأكيد ورغِّب فيهما هذا الترغيب ونُهي عن تركهما هذا النهي، وكانتا تركعان في المنازل قبل الفريضة؛ كانتا أيضًا في النظر تركعان في المساجد قبل الفريضة قياسا ونظرًا على ما ذكرنا من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 445 رقم 4025).

ص: 84

ش: أشار بهؤلاء إلى المذكورين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.

قوله: "والإمام في الصلاة" جملة حالية.

قوله: "فكان من الحجة عليهم" أي على الذين ذهبوا إلى أنه يدخل في الفريضة، وهم أهل المقالة الأولى.

قوله: "ولم يجمعوا" بضم الياء من الإجماع.

قوله: "وقد أُكدتا" علي صيغة المجهول أي ركعتا الفجر.

قوله: "وروي أن رسول الله عليه السلام لم يكن على شيء من التطوع أدوم منه عليهما" قد ذكره مسندًا في باب: "القراءة في ركعتي الفجر"، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"إن رسول الله عليه السلام لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدةً منه على الركعتين قبل الفجر".

وأخرجه البخاري (1) ومسلم (2)، وقد ذكرناه هناك مستقصًى.

قوله: "وأنه قال: لا تتركوهما" أي وأن النبي عليه السلام قال: "لا تتركوهما وإن طردتكم الخيل".

قد أخرجه هناك مسندًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتركوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل".

وأخرجه أبو داود (3) ولفظه: "لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل ".

وباقي الكلام ظاهر.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 393 رقم 1116).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 501 رقم 724).

(3)

"سنن أبي داود"(2/ 20 رقم 1258).

ص: 85