المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الرجل الذي يشك في صلاته فلا يدري أثلاثا صلى أم أربعا - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٦

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: الرجل الذي يشك في صلاته فلا يدري أثلاثا صلى أم أربعا

‌ص: باب: الرجل الذي يشك في صلاته فلا يدري أثلاثًا صلّى أم أربعًا

ش: أي هذا باب في بيان حكم صلاة الرجل الذي يَشكُّ في صلاته ولا يعلم هل صلّى ثلاث ركعات حتى يضيف إليها رابعةً أو صلى أربعًا حتى يقعد ويتشهد ويُسلِّم؟

"الشك" في اللغة خلاف "اليقين"، وفي الاصطلاح: الشكّ: ما يستوي فيه طرف العلم والجهل، وهو الوقوف بين الشيئين بحيث لا يميل إلى أحدهما، فإذا قوي أحدهما وترجح على الآخر ولم يأخذ بما رجح ولم يطرح الآخر فهو ظن، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر فهو أكبر الظن وغالب الرأي، فيكون الظن أحد طرفي الشك بصفة الرجحان.

وجه المناسبة بين البابين أن فيما مضى بيان الصلوات المقطوعة وفي هذا بيان الصلاة المشكوكة، فالمناسبة من حيث التضاد.

ص: حدثنا محمد بن علي بن محرز، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا زمعة، عن الزهري، عن سعيد وأتيت سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا جاء أحدَكم الشيطانُ فخلط عليه صلاته فلا يَدْري كم صلى؛ فليسجد سَجْدتين وهو جالسٌ".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدّثه، عن ابن شهاب، عن أتيت سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا إبراهيم بن منقذ، قال: ثنا إدريس بن يحيى، عن بكر بن مضر، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فلم يَدْر أثلاثًا صلى أم أربعًا

" فذكر مثله.

ص: 440

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، قال: ثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، قال: حدثني أبو سلمة

ثم ذكر بإسناده مثله.

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عمرو بن يونس، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: ثنا أبو سلمة، قال: حدثني أبو هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله وزاد:"ثم يسلم".

حدثنا فهدٌ، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، عن عبد ربه ابن سعيد، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام قال:"إن الشيطان إذا ثُوّب بالصلاة وَلَّى وله ضراط، فإذا أقيمت الصلاة يَلْتمسُ الخِلاط، فإذا أتى أحدكم مَنَّاه، وذكّره من حاجته ما لم يكن يذكر حتى لا يدري كم صلّى، فإذا وَجَد ذلك أحدكم فلْيَسجُد سجدتين وهو جالس".

ش: هذه ثمان طرق:

الأول: عن محمد بن علي بن محرز البغدادي، وثقه ابن يونس، عن أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي الزبيري الكوفي روى له الجماعة، عن زمعة بن صالح الجندي اليماني، فيه مقال، فقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي، كثير الغلط عن الزهري. وعن أحمد: صويلح الحديث. روى له مسلم مقرونًا بمحمد بن أبي حفصةً وروى له الأربعة، أبو داود في "المراسيل".

وهو يروي عن محمد بن مسلم الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، كلاهما عن أبي هريرة.

ص: 441

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا أحمد بن عَبْدة، أنا سفيان بن عُيَيْنة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"يأتي أحدَكم الشيطان فيُلَبِّس عليه صلاته حتى لا يَدْري كم صلّى، فمن وجد منكم من ذلك شيئًا فَليسْجد سجدتين وهو جالس".

وأخرجه الجماعة على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

قوله: "فخلط عليه صلاته" من خلطت الشيء لغيره خلطًا فاختلط، وهو من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ.

وفي "الدُسْتور": خلط: معناه مزج، والمراد ها هنا: لبّس عليه كما في رواية البخاري وغيره، وهو من اللَّبْس بفتح اللام.

قوله: "وهو جالس" جملة اسمية في محل النصب على الحال.

الثاني: بإسناد صحيح على شرط الشيخين، عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله ابن وهب، عن مالك، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن أبي سلمة عبد الله، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام.

وأخرجه البخاري (1): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"إن أحدكم إذا قام يصلّي جاءه الشيطان فلبَس عليه حتى لا يدري كم صلّى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس".

وأخرجه مسلم (2): عن يحيى بن يحيى، عن مالك.

وأبو داود (3): عن القعنبي، عن مالك.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 413 رقم 1175).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 398 رقم 389).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 271 رقم 1030).

ص: 442

والنسائي (1): عن قتيبة، عن مالك.

قوله: "لبَس عليه" بتخفيف الباء كما في قوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} (2) وضبطها بعضهم بالتشديد لأجل التكثير، والتخفيف أفصح.

الثالث: بإسناد حسن جيد، عن إبراهيم بن منقذ العُصفري، عن إدريس ابن يحيى بن إدريس الخَوْلاني المصري، عن بكر بن مُضر بن محمد المصري، عن عمرو بن الحارث المصري، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري

إلى آخره.

وأخرجه أبو يعلى (3) في "مسنده".

الرابع: بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير الطائي، عن أبي سلمة عبد الله، عن أبي هريرة.

وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(4): ثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبي عليه السلام قال:"إذا نودي بالصلاة أَدْبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع النداء، فإذا قُضي النداء أقبل، فإذا ثُوِّب بها أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، حتى يقول: اذكر كذا ما لم يذكر، فإذا لم يَدْر أحدكم صلى ثلاثًا أو أربعًا فليسجد سجدتن وهو جالس".

الخامس: بإسناد صحيح أيضًا، عن محمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني السكري شيخ أبي داود والنسائي أيضًا، عن الوليد بن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة.

(1)"المجتبى"(3/ 30 رقم 1252).

(2)

سورة الأنعام، آية:[9].

(3)

"مسند أبي يعلى"(10/ 373 رقم 5964).

(4)

"مسند الطيالسي"(1/ 308 رقم 2345).

ص: 443

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من طريق الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة نحوه.

السادس: بإسناد صحيح أيضًا، عن حسين بن نصر بن المعارك، عن محمد ابن يوسف الفِرْيَابي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن مسكين، نا بشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:"إذا نادى المنادي أدبر الشيطان له ضراط، فإذا قضي -يعني النداء- أقبل، فإذا ثوّب بها أدبر، فإذا قضى أقبل حتى يخطر بين الرجل وبين نفسه فيقول: اذكر كذا وكذا لما لم يذكر حتى لا يدري ثلاثًا صلى أو أربعًا، فإذا لم يدر ثلاثًا صلى أو أربعًا فليسجد سجدتين وهو جالس".

قلت: هذا موقوف.

وأخرجه أيضًا مرفوعًا: عن بشر، عن محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام نحوه.

السابع: بإسناد صحيح أيضًا، عن إبراهيم بن مرزوق، عن عمر بن يونس ابن القاسم الحنفي، عن عكرمة بن عمار العجلي، عن يحيى بن أبي كثير

إلى آخره.

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(2): ثنا أبو شيبة عبد العزيز بن جعفر بن بكر، ثنا محمد بن مرزوق، ثنا عمر بن يونس، ثنا عكرمة بن عمار، عن يحيى ابن أبي كثير، ثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال لنا رسول الله: "إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ثم يُسلّم".

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 340 رقم 3647).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 374 رقم 25).

ص: 444

الثامن: بإسناد صحيح أيضًا، عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن عبد ربه بن سعيد، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): حدثني حرملة بن يحيى، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو، عن عبد ربه بن سعيد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال: "إن الشيطان إذا ثوب بالصلاة ولى وله ضراط

" فذكر نحوه.

قوله: "يلتمس الخِلاط" بكسر الخاء أي الخلط، والمعنى يخالط قلب المصلي بالوسوسة، وهو مصدر من خَالطَهُ يُخَالِطُهُ مُخَالَطَةً وخِلَاطًا.

قوله: "منّاه" بالتشديد من التمني وهو تشهي حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وما لا يكون.

قوله: "وذكَّره" بالتشديد أيضًا من التذكير.

ص: حدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن مرزوق، قالا: ثنا عمر بن يونس، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني هلال بن عياض، قال: حدثني أبو سعيد الخدري، قال: قال لنا رسول الله عليه السلام: "إذا صلى أحدكم فلم يَدْر أثلاثًا صَلّى أم أربعًا فليسجد سجْدَتَيْن وهو جالس".

ش: إسناده حسن جيد، وهلال بن عياض ويقال له عياض بن هلال ذكره ابن حبان في الثقات وقال: عياض بن هلال، ومن قال أنه هلال بن عياض فقد وهم.

وفي "التكميل": عياض بن هلال وقيل: هلال بن عياض، وقيل: عياض ابن عبد الله، وقيل: عياض بن أبي زهير.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 399 رقم 389).

ص: 445

وقال محمد بن يحيى الذهلي: الصواب عياض بن هلال.

وقال أبو حاتم: وهو أشبه.

وأخرجه الترمذي (1): ثنا أحمد بن منيع، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عياض -يعني ابن هلال- قال: قلت لأبي سعيد: "أحدُنا يُصلّي فلا يدري كيف صلّى؟ فقال: قال رسول الله عليه السلام: إذا صلى أحدكم فلم يَدْر كيف صلى فليسجد سجدتين وهو جالس".

وقال: حديث أبي سعيد حديث حسن، وقد روي هذا الحديث من غير وجه.

ص: فذهب قوم إلى هذا فقالوا: هذا حكم من دخل عليه الشك في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص سجد سجدتين وهو جالس ثم يُسلِّم ليس عليه غير ذلك.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري وسعيد بن المسيب وقتادة وعطاء بن أبي رباح وأبا عبيدة معمر بن المثنى؛ فإنهم قالوا: من شكّ في صلاته ولم يدر أزاد أم نقص سجد سجدتين وهو جالس ثم يسلم، وليس عليه شيء غير ذلك، واحتجوا في ذلك بظاهر الأحاديث المذكورة.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يَبْني على الأقل حتى يعلم أنه أتى بما عليه يقينًا، وقالوا: ليس في الحديث دليل على أنه ليس على المصلي غير تَيْنك السجدتين؛ لأنه روي عنه ما قد زاد على ذلك وأوجب عليه قبل السجدتين البناء على اليقين حتى يعلم يقينًا زوال ما كان قد علم وجوبه عليه.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشعبي وسعيد ابن جبير، وسالم بن عبد الله، وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلمة، والثوري والأوزاعي ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق؛ فإنهم قالوا: مَنْ شك في صلاته ولم يَدْر أزاد أم نقص يبني على الأقل؛ لأنه متيقن، والمعنى أنه إذا كان الشك

(1)"جامع الترمذي"(2/ 243 رقم 396).

ص: 446

بين الواحدة والثنتين يجعلها واحدةً، وإذا كان بين الثنتين والثلاث يجعلها ثنتين، وإذا كان بين الثلاث والأربع يجعلها ثلاثًا.

وقال ابن قدامة في "المغني": ومن كان إمامًا فشكّ فلم يَدْر كم صلّى تحرّى فبنى على أكثر وهمه ثم سجد بعد السلام.

قوله: "على أكثر وهمه" أي على ما يغلب على ظنه أنه صلاها، وهذا في الإِمام خاصة.

وعن أبي عبد الله رواية أخرى: أنه يبني على غالب ظنّه إمامًا كان أو منفردًا، "إنما يبني على اليقين إذا استوى عنده الأمران ولم يكن له غالب ظن سواء كان إمامًا أو منفردًا، روي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن مسعود، وبنحوه قال النخعي، وقاله أصحابُ الرأي إن تكرّر ذلك عليه، وإن كان أول ما أصابه أعاد الصلاة.

والرواية الثالثة عن أحمد: أنه يبني على اليقين ويسجد قبل السلام إمامًا كان أو منفردًا اختارها أبو بكر، وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس، وعبد الله ابن عمرو وشريح والشعبي وعطاء وسعيد بن جبير وسالم بن عبد الله وهو قول ربيعة ومالك وعبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والشافعي والأوزاعي وإسحاق، انتهى.

قلت: وروي عن الشعبي والأوزاعي وجماعة كبيرة من السلف: إذا لم يدر كم صلّى لزمه أن يعيد الصلاة مرة أخرى أبدًا حتى يستيقن، وقال بعضهم: يعيد ثلاث مرات، فإذا شك في الرابعة فلا إعادة عليه.

قوله: "وقالوا

" إلى آخره، أي قال هؤلاء الآخرون: ليس في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري دليل على أنه ليس على من يشك في صلاته ولم يدر أصلى ثلاثًا أم أربعًا غير هاتين السجدتين؛ وذلك لأنه قد روي عن النبي عليه السلام ما قد زاد على ذلك على ما يجيء الآن في الأحاديث الآتية أنه أوجب عليه قبل

ص: 447

السجدتين البناء على اليقين حتى يخرج عن العهدة بيقين.

قوله: "تَيْنك" من أسماء الإشارة للمؤنث تقول للمذكر: "ذا" وتدخله "الهاء" فتقول: "هذا"، وللمؤنث "تا" وتلحقه "الهاء" فتقول:"هاتا"، ولتثنية المذكر "ذان" و"هذان" وللمؤنث "تان" و"هاتان"، ولجمعهما جميعا "أولاء" و"هؤلاء".

ص: فمما روي عنه في ذلك ما حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنبأنا إسماعيل المكي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال:"كنت أذاكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرَ الصلاة، فأتى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من رسول الله عليه السلام؟ قلنا: بلى. قال: أشهد أني سمعت رسول الله عليه السلام يقول: إذا صلى أحدُكم فشك في النقصان فليصلّ حتى يشك في الزيادة".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا ابن إسحاق، عن مكحول، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال:"جلست إلى عمر بن الخطاب فقال: يا ابن عباس هل سمعتَ عن رسول الله عليه السلام في الرجل إذا نسي صلاته فلم يَدْر أزاد أم نقص ما أمر فيه؟ قلت: ما سمعتَ أنت يا أمير المؤمنين من رسول الله عليه السلام فيه شيئًا؟ قال: لا، والله ما سمعتُ فيه شيئًا ولا سألتُ عنه؛ إذ جاء عبد الرحمن بن عوف فقال: فيم أنتما؟ فأخبره عمر رضي الله عنه فقال: سألت هذا الفتى عن كذا فلم أجده عنده علمًا فقال عبد الرحمن: لكن عندي، لقد سمعتُ ذلك من النبي عليه السلام، فقال عمر- رضي الله عنه: أنت عندنا العدل الرِضَا فمإذا سمعتَ؟ فقال: سمعت النبي عليه السلام قال: إذا شك في صلاته، فشك في الواحدة والثنتين فليجعلهما واحدةً، وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثًا حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم".

ش: أي: فمن الذي روى "عن النبي عليه السلام في ذلك" أي فيما زاد على ما احتج

ص: 448

به أهل المقالة الأولى من الأحاديث المذكورة: "ما حدثنا" وهو في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"فمما روي عنه".

وهو ما أخرجه من طريقين:

الأول: عن علي بن شيبة بن الصلت السَّدُوسي، عن يزيد بن هارون الواسطي روى له الجماعة، عن إسماعيل بن مسلم المكي أصله بصريّ فسكن مكة، فكثرت مجاورته فيها فقيل له المكي، فيه مقال؛ فعن يحيى: لا شيء وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث يكتب حديثه وليس بمتروك. وقال ابن المديني: ليس بشيء. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، روى له الترمذي وابن ماجه.

وهو يروي عن محمد بن مسلم الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني الفقيه الأعمى أحد الفقهاء السبعة، عن عبد الله بن عباس

إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل بن مسلم، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس:"أنه كان يُذاكر عُمر رضي الله عنه شأن الصلاة، فانتهى إليهم عبد الرحمن بن عوف فقال: ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله عليه السلام؟ قالوا: بلى، قال: أشهد أني سمعت رسول الله عليه السلام يقول: من صلاةً فشك في النقصان فليصل حتى يشك في الزيادة".

وأخرجه الترمذي (2) معلقًا.

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلّسي، عن أحمد بن خالد الوَهْبي الكندي، عن محمد بن إسحاق

إلى آخره.

وهذا إسناد حَسنٌ جيد.

(1)"مسند أحمد"(1/ 195 رقم 1689).

(2)

"جامع الترمذي"(2/ 244 رقم 398).

ص: 449

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا إسماعيل، نا محمد بن إسحاق، حدثني مكحول، أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا صلى أحدكم فشك في صلاته، فإن شك في الواحدة والثنتين فليجعلهما واحدةً، وإن شك في ثنتين والثلاث فليجعلهما ثنتين، وإن شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثًا حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم يسلم". قال محمد بن إسحاق: وقال لي حسين بن عبد الله: هل أسنده لك؟ فقلت: لا. فقال: لكنه حدثني أن كريبًا مولى ابن عباس حدّثه، عن ابن عباس قال: "جلستُ إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا ابن عباس، إذا اشتبه على الرجل في صلاته فلم يَدْر أزاد أم نقص؟ فقلتُ: والله يا أمير المؤمنين ما أدري، ما سمعت في ذلك شيئًا. فقال عمر رضي الله عنه: والله ما أدري. فبَيْنا نحن على ذلك إذْ جاء عبد الرحمن بن عوف وقال: ما هذا الذي تذكران؟ فقال له عمر- رضي الله عنه: ذكرنا الرجل يشكُّ في صلاته كيف يصنع؟ فقال: سمعت رسول الله يقول:

" هذا الحديث.

وأخرجه ابن ماجه (2) أيضًا.

ص: حدثنا ربيعٌ الجيزيُّ، قال: ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد، قال: أنا حَيْوَة، عن محمد بن عجلان أن زيد بن أسلم حدثه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله عليه السلام قال:"إذا صلى أحدكم فلم يَدْر أثلاثًا صلى أم أربعًا فليَبْن على اليقين ويدَعُ الشكَّ، فإن كانت صلاته نقصت فقد أتمها وكانت السجدتان ترغمان الشيطان، وإن كانت صلاته تامة كان ما زاد والسجدتان له نافلة".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد

(1)"مسند أحمد"(1/ 193 رقم 1677).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 381 رقم 1209).

ص: 450

عن زيد بن أسلم

فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال:"ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا الماجشون، عن زيد

فذكر بإسناده مثله. غير أنه لم يقل: "قبل التسليم".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه.

وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أنا مالك، عن زيد

فذكر بإسناده مثله، غير أنه لم يذكر أبا سعيد رضي الله عنه.

ش: هذه خمس طرق صحاح:

الأول: عن ربيع بن سليمان الجيزيّ، عن أبي زرعة وهب الله بن راشد الحَجْري المصري المؤذن -قال أبو حاتم: محله الصدق- عن حيوة بن شريح بن صفوان بن مالك التجيبي أبي زرعة المصري الفقيه الزاهد العابد روى له الجماعة، عن محمد بن عجلان المدني، عن زيد بن أسلم المدني، عن عطاء بن يسار الهلالي المدني روى له الجماعة.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا محمد بن العلاء، نا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا شك أحدكم في صلاته فَلْيُلْقِ الشك وَلْيَبْنِ على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتن، فإن كانت صلاته تامّةً كانت الركعة نافلة والسجدتين، وإن كانت ناقصةً كانت الركعة تمامًا لصلاته وكانت السجدتان مُرغِمَتَي الشيطان".

وأخرجه مسلم (2): ثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف، قال: نا موسى بن داود، قال: ثنا سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن

(1)"سنن أبي داود"(1/ 269 رقم 1024).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 400 رقم 571).

ص: 451

أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشك وَلْيَبْنِ على اليقين ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربعٍ كانتا ترغيمًا للشيطان".

وأخرجه النسائي (1) وابن ماجه (2) أيضًا.

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن وهب المصري، عن هشام بن سعد المدني القرشي يتيم زيد بن أسلم

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (3): نا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي عبد الله بن وهب، قال: ثنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم

بهذا الإسناد، وفي معناه قال:"يسجد سجدتين قبل السلام" كما قال سليمان بن بلال، وحديث سليمان بن بلال قد مرّ آنفًا.

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلّسي، عن أحمد بن خالد الوهبي الكندي، عن الماجشون عبد العزيز بن أبي سلمة، عن زيد بن أسلم

إلى آخره.

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(4): ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ثنا بشر بن الوليد، ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي عليه السلام قال:"إذا لم يَدْر أحدكم كم صلّى، ثلاثًا أو أربعًا فليقم فليصلّ ركعةً ثم يسجد بعد ذلك سجدتي السهو وهو جالس، فإن كان صلى خمسًا شفعتا له صلاته، وإن كانت أربعًا أرغمتا الشيطان".

(1)"المجتبى"(3/ 27 رقم 1238).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 382 رقم 1210).

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 400 رقم 571).

(4)

"سنن الدارقطني"(1/ 371 رقم 18).

ص: 452

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار

فذكر الحديث المذكور نحوه، غير أنه لم يذكر في روايته أبا سعيد الخدري فأخرجه مرسلًا.

وأخرجه مالك في "موطئه"(1): عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا شك أحدكم في صلاته فلم يَدْر كم صلى أثلاثًا أم أربعًا فليُصلّ ركعةً، وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شافعها بهاتين السجدتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان".

الخامس: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عثمان بن عمر بن فارس، عن مالك، عن زيد بن أسلم

إلى آخره نحوه.

وأخرجه البيهقي (2) أيضًا نحوه مرسلًا: من حديث مالك.

وقال أبو عمر: هكذا روى هذا الحديث عن مالك جميع رواة "الموطأ" عنه، ولا أعلم أحدًا أسنده عن مالك إلا الوليد بن مسلم وتابعه على ذلك يحيى بن راشد -إن صح- عن أبي سعيد الخدري، عن النبي عليه السلام، وقد تابع مالكًا على إرساله: الثوري، وحفص بن ميسرة الصَنْعاني، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وداود بن قيس الفراء فيما رواه عنه القطان، وأسنده من الثقات على حسب رواية الوليد بن مسلم له عن مالك: عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، ومحمد بن عجلان، وسليمان بن بلال، ومطرف أبو غسان، وهشام ابن سعد، وداود بن قيس في غير رواية القطان، والحديث متصل مسند صحيح لا يضرّه تقصير من قصّر به في اتصاله؛ لأن الذين وصلوه حُفّاظ مقبولة زيادتهم.

(1)"موطأ مالك"(1/ 95 رقم 214).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 338 رقم 3641).

ص: 453

قوله: "ويدع الشك" أي يتركه، والمعنى إذا شك في صلاته فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثًا أم أربعًا فليترك الشك وليبن علي اليقين.

قوله: "وكانت السجدتان ترغمان الشيطان" أي السجدتان اللتان سجدهما مرغمتي الشيطان أي مغيظتَيْن له ومُذلّتَين له، مأخوذ من الرغام وهو التراب، ومنه: أرغم الله أنفك؛ وذلك لأنها في حالة النقصان جبرٌ له، وفي حالة الزيادة والتمام تكون إرغامًا للشيطان؛ لأنه يبغض السجدة؛ لأنه ما لُعِن إلا من إبائه عن سجود آدم عليه السلام.

قوله: "والسجدتان" عطف على قوله: "ما زاد".

وقوله: "نافلةً" بالنصب خبر كان.

وقال الخطابي: وفي هذا الحديث بيان فساد قول مَنْ ذهب في من صلّى خمسًا إلى أنه يضيف إليها سادسة إن كان قعد في الرابعة، واعتلوا بأن النافلة لا تكون ركعة واحدة وقد نصّ فيه من طريق ابن عجلان على أن تلك الركعة تكون نافلة، ثم لم يأمره بإضافة أخرى إليها.

قلت: بل الفساد فيما قاله؛ لأن أصحابنا ما ألزموا بإضافة الركعة السادسة، بل قالوا: الأولى أن يضيف إليها ركعةً سادسة، ولا نسلم أن المنصوص من طريق ابن عجلان هو أن الركعة وحدها تكون نافلةً، بل ما كانت الركعة نافلة والسجدتين يعني مع السجدتين، فأجاب أصحابنا عن هذا الحديث أنه محمول على ما إذا وقع له مرارًا ولم يقع تحرّيه على شيء، والله أعلم.

ص: فهذه الآثار تزيد على الآثار الأُوَل؛ لأن هذه توجب البناء على الأقل والسجدتين بعد ذلك، فهي أولى منها لأنها قد زادت عليها.

ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي رُويت عن عبد الرحمن بن عوف وأبي سعيد الخدري.

ص: 454

فقالت أهل المقالة الثانية: في هذه الآثار زيادة على الآثار الأُوَل -وهي الأحاديث التي رويت عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما وهي أنها توجب البناء على الأقل لكونه مُتيقنًا، وتوجب السجدتين بعد ذلك، فهي أولى من الآثار الأُوَل لكونها زائدة عليها، والعمل بما زاد أولى؛ لكونها أكثر فائدة، والله أعلم.

ص: وقال آخرون: الحكم في ذلك أن ينظر المصلي إلى أكبر رأيه في ذلك فيعمل على ذلك، ثم يسجد سجدتي السهو بعد التسليم، وإن كان لا رأي له في ذلك بني على الأقل حتى يعلم يقينًا أنه قد صلى ما عليه.

ش: أي قال جماعة آخرون، وأراد بهم: أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وزفر بن الهذيل؛ فإنهم قالوا: الحكم فيمن شك ولم يَدْر أصلّى ثلاثًا أم أربعًا: أن ينظر إلى غالب ظنه في ذلك فيعمل بحسب ذلك ثم يسجد سجدتي السهو بعد السلام، وإن كان لا رأي له في ذلك بحيث إنه لا يستقر قلبه على شيء، أخذ في ذلك بالأقل وبنى عليه؛ لأنه هو المتيقن، ليخرج عن عهدة التكليف باليقين.

وقد قال أصحابنا الحنفية في كتبهم: إن الشك إن كان عرض له أول مرة يَسْتقبل صلاته وإن كان يَعْرض له كثيرًا بني على أكبر رأيه، وقد طعنت الشافعية والمالكية والحنابلة وأصحابنا في هذا وقالوا: ليس في شيء من الآثار عن النبي عليه السلام تفرقة بين أول مرة وغيرها، فلا معنى لقول أبي حنيفة في ذلك.

وقال ابن قدامة في "المغني": فأما قولُ أصحاب الرأي فيخالف السنة الثابتة عن رسول الله عليه السلام.

وقال ابن حزم: تقسيم أبي حنيفة في هذا بأن كان إن عرض له ذلك أول مرة أعاد الصلاة، وإن كثر ذلك يتحرى أغلب ظنه. فاسد باطل؛ لأنه بلا برهان.

ص: 455

قلت: هذا الطحاويّ أعلم الناس باختلاف العلماء وأعلم أصحاب أبي حنيفة بفقه أبي حنيفة لم يذكر هذه التفرقة، ولو كانت هذه التفرقة عن أبي حنيفة نفسه لذكرها الطحاوي، فظهر من هذا أن ذلك عن أصحاب أبي حنيفة لا عن أبي حنيفة، فكيف يطعنون أبا حنيفة بهذا؟! ولئن سلمنا أن ذلك من أبي حنيفة فمُسْتنده حينئذٍ قوله عليه السلام:"لا غرار في صلاة ولا تسليم".

أخرجه أبو داود (1): عن أحمد بن حنبل، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.

و"الغِرار": بكسر الغين المعجمة وتخفيف الراء الأولى: النقصان، وأراد بها: نقصان هيئاتها وأركانها.

قوله: "ولا تسليم" روي بالنصب والجرّ، فمن جرّه كان معطوفًا على الصلاة ويكون المعنى: لا غرار في تسليم أيضًا، وغرار التسليم أن يقول المجيب: وعليك، ولا يقول: السلام. ومن نصبه يكون معطوفًا على الغرار، ويكون المعنى: لا نقص ولا تسليم في صلاة؛ لأن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، قال: ثنا سفيان، عن منصور، قال:"سألت سعيد بن جبير عن الشك في الصلاة فقال: أما أنا فإن كانت التطوع استقبلتُ، وإن كانت فريضة سلمتُ وسجدتُ. قال: فذكرته لإبراهيم فقال: ما نَصْنعُ بقول سعيد بن جبير، حدثني علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام قال: "إذا سها أحدكم في صلاته فليتحرّ وليسجُدْ سجدتين".

حدثنا ربيعٌ المؤذن، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا وُهَيبٌ، قال: ثنا منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا

(1)"سنن أبي داود"(1/ 244 رقم 928).

ص: 456

صلى أحدكم فلم يَدْر أثلاثًا صلى أم أربعًا فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليُتّمه، ثم ليُسَلّمْ، ثم ليسجد سجدتين للسهو، ويتشهد ويُسلّم".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن منهال، قال: ثنا يزيد بن زُرَيع، قال: ثنا رَوْح بن القاسم، عن منصور

فذكر مثله بإسناده، غير أنه لم يقل:"ويتشهد".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا زائدة بن قدامة، عن منصور

فذكر بإسناده مثله.

ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه.

وأخرجه من أربع طرق صحاح:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن محمد بن عبد الله بن الزبير أبي أحمد الزبيري الكوفي روى له الجماعة، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن سعيد بن جُبير رضي الله عنه.

ثم عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس النخعي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

وأصل هذا الحديث عند الجماعة.

وأخرجه الدارقطني (1) مقتصرًا على ما روي عن النبي عليه السلام: ثنا القاضي حسين بن إسماعيل، ثنا يوسف بن موسى، ثنا وكيع، ثنا مسعر بن كدام، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي عليه السلام: "إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحرّ الصواب ثم يسجد سجدتي السهو".

الثاني: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن يحيى بن حسان، عن وُهَيْبٌ بن خالد البصري، عن منصور

إلى آخره.

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 376 رقم 2).

ص: 457

وأخرجه مسلم (1): عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن يحيى بن حسان، عن وُهَيبْ

إلى آخره نحوه.

ثم قال: وفي رواية ابن بشر: "فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب" وفي رواية وكيع: "فليتحرّ الصواب"، وفي أخرى:"فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب"، وفي أخرى:"فليتحر الذي يرى أنه الصواب".

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلّسي، عن محمد بن منهال التميمي البصري شيخ الشيحين، عن يزيد بن زريع

إلى آخره.

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(2) بأتمّ منه: أنا أحمد بن يحيى بن زهير بتستر، قال: ثنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا رَوْح بن القاسم، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:"صلى بنا رسول الله عليه السلام صلاةً زاد فيها أو نقص منها، فلما أتمّ قلنا: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيءٌ؟ قال: فثَنى رِجليْه، فسجد سجدتين، ثم قال: لو حدث في الصلاة شيء أخبرتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنْسَى كما تَنْسَوْن، فإذا نَسيتُ فذكّروني، وإذا أحدكم شك في صلاته فليتحر الصواب، ولْيَبْن عليه، ثم ليسجد سجدتين".

الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن زائدة بن قدامة، عن منصور بن المعتمر

إلى آخره.

وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(3) نحوه.

قوله: "فليتحرّ" أمر من التحرّي، وهو: القصد والاجتهاد في الطلب، والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 401 رقم 572).

(2)

"صحيح ابن حبان"(6/ 380 رقم 2652).

(3)

"مسند الطيالسي"(1/ 36 رقم 271).

ص: 458

قوله: "فلينظر أحرى ذلك" أي أولى ذلك وأقربه إلى الصواب. وفيه من الفوائد: وجوب الأخذ بالتحري عند وقوع الشك بين الثلاث والأربع، وكذلك بين الثنتين والثلاث والواحدة والثنتين، ولا يلزمه الاقتصار على الأقل والإتيان بالزيادة كما ذهب إليه الخصم.

فإن قيل: التحرّي في حديث عبد الله محمول على الأخذ بالأقل الذي هو اليقين؛ لأن التحري هو القصد، ومنه قوله تعالى:{تَحَرَّوْا رَشَدًا} (1) ومعنى قوله: "فليتحر": فليقصد الصواب فيعمل به، وقصد الصواب هو ما بيّنه في حديث أبي سعيد الخدريّ وغيره على ما مضى ذكره.

قلت: حديث أبي سعيد محمول على ما إذا تحرّى ولم يقع تحريه على شيء، فنقول: إذا تحرى ولم يقع تحرِّيه على شيء بني على الأقل.

وحديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا؛ لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه، ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين يَبْني على الأقل؛ بالإجماع.

وقول الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله في دفع هذا: إن تفسير الشك بمستوي الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصولين، وأما في اللغة: فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يُسمّى شكًّا سوى المستوي والراجح والمرجوح، والحديث يُحمل على اللغة ما لم تكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح؛ لأن المراد الحقيقة العرفية وهي أن الشك ما استوى طرفاه.

ولئن سلمنا أن يكون المراد معناه اللغوي فليس معنى الشك في اللغة ما ذكره؛ لأن صاحب "الصحاح" فسر الشك في باب: "الكاف" فقال: الشك خلاف اليقين. ثم فسر اليقين في باب: "النون" فقال: اليقين: العلم. فيكون الشك ضد العلم، وضد العلم الجهل، ولا يُسمّى المتردد بين وجود الشيء وعدمه جاهلًا، بل يُسمّى شاكًا،

(1) سورة الجن، آية:[14].

ص: 459

فَعُلِمَ أن قوله: "وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يُسمّى شكًّا" هو الحقيقة العرفية لا اللغوية.

وفيه: وجوب سجدتي السهو، وأنهما بعد السلام، وأن سجدتي السهو لهما سلام وتشهد.

ص: ففي هذا الحديث العمل بالتحري، وتصحيح الآثار يُوجب ما يَقُولُ أهلُ هذه المقالة؛ لأن هذا إن بطل ووجب أن لا يَعْمل بالتَحْرّي انتفى هذا الحديث، وإن وَجب العمل بالتحري إذا كان له رأي، والبناء على الأقل إذا لم يكن رأي، استوى حديث عبد الرحمن وحديث أبي سعيد وحديث ابن مسعود، فصار كل واحد منها قد جاء في معنى غير المعنى الذي جاء فيه الآخر، وهكذا ينبغي أن تُخرّج الآثار وتحمل على الاتفاق ما قُدِرَ على ذلك، ولا تُحمَل على التضاد إلا أن لا يوجد لها وجه غيره، فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي ففي حديث ابن مسعود: الواجب العمل بالتحري؛ للأمر به الدالّ على الوجوب، فتصحيح الأحاديث المتضادة يُوجبُ ما ذهب إليه أهل هذه المقالة، وهم أهل المقالة الثالثة؛ وذلك لأن ما ذهبوا إليه إذا بطل ووجب أن لا يعمل بالتحري لزم إلغاء هذا الحديث، وهو معنى قوله:"انتفى هذا الحديث" أي حديث ابن مسعود رضي الله عنه، والحال أنه مما ينبغي أن يُعمل بالآثار كلها مهما أمكن وقُدِر على ذلك؛ لأن الإعمال بجميعها عند الإمكان خير من إعمال بعضها وإهمال بعضها، وها هنا إذا عملنا بالتحري عند وجود الرأي، وبالبناء على الأقل عند عدم الرأي؛ تَسْتَوي أحاديث هذا الباب كلها التي رواها عبد الرحمن بن عوف، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فإذا عملنا هكذا يكون كل واحد من هذه الأحاديث لمعنًى غير معنى الآخر، فلا يكون بين معانيها تضاد، وهكذا ينبغي أن تُخرّج الآثار حملًا على التوافق ودفعًا للتضاد مهما أمكن، اللهم إلا إذا لم يوجد لها وجه غير ذلك كما عرف في موضعه.

ص: 460

فإن قيل: المصير إلى التحري لضرورة، ولا ضرورة ها هنا؛ لأنه يمكنه إدراك اليقين بدونه بأن يبني على الأقل فلا حاجة إلى التحري.

قلت: قد يتعذر عليه الوصول إلى ما اشتبه عليه بدليل من "الدلائل" والتحري عند عدم الأدلة مشروع كما في أمر القبلة.

فإن قيل: يستقبل.

قلت: لا وجه لذلك؛ لأنه عسى أن يقع له ثانيًا وثالثًا إلى ما لا يتناهى.

فإن قيل: يبني على الأقل.

قلت: لا وجه لذلك أيضًا؛ لأن ذلك لا يوصله إلى ما عليه فلا يبني على الأقل إلا عند عدم وقوع تحريه على شيء كما ذكرنا، والله أعلم.

ص: ومما يُصحح ما ذهبوا إليه: أن أبا هريرة رضي الله عنه قد روينا عنه عن النبي عليه السلام في أول هذا الباب ما ذكرنا، ثم قال هو برأيه أنه يتحرّى.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا شيخٌ أحسبه أبا زيد الهروي، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني إدريس، عن أبيه سمعه يُحدث، قال:"قال أبو هريرة في الوهم: يتحرى".

ش: أي ومن الذي يصحح ما ذهب إليه أهل المقالة الثالثة -وهم: أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله من وجوب التحري عند وجود الرأي: أن أبا هريرة روي عنه أنه روى عن النبي عليه السلام أنه قال: "إذا جاء أحدكم الشيطان فخلط عليه صلاته فلا يدري كم صلى؛ فليسجد سجدتين وهو جالس". ثم قال أبو هريرة برأيه من نفسه: "أنه يتحرى". ولو لم يكن التحري معمولًا به عند وجود الرأي لما قال به أبو هريرة مع كون حديثه ثابتًا عنده.

وأبو زيد الهروي اسمه سعيد بن الربيع الجرشي العامري البصري كان يبيع الثياب الهروية فنسب إليها، قال أبو حاتم: صدوق. وروى

له مسلم والترمذي والنسائي.

ص: 461

وإدريس هو ابن يزيد بن عبد الرحمن الأَوْدي الزعافري من أهل الكوفة والد عبد الله بن إدريس، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يروي عن أبيه، عن أبي هريرة.

وأبوه يزيد بن عبد الرحمن أبو داود الأوْدي، ذكره ابن حبان في "الثقات".

قوله: "في الوهم" من وهمت في الحساب بالكسر أوهم وَهْمًا إذا غلطت فيه وسهوت، وأما وهمت في الشيء فهو بالفتح أهَم وَهْمًا إذا ذهب وهمك إليه وأنت تُريد غيرَه، وتوهمتُ أي ظننتُ.

ص: وقد روي عن أبي سعيد مثل ذلك أيضًا.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار الرمادي، قال: ثنا سفيان بن عُيَيْنة، قال: ثنا عمرو بن دينار، قال:"سُئل ابن عمر وأبو سعيد الخدريّ رضي الله عنهما عن رجل سَهَا فلم يَدْر كم صلّى ثلاثًا أم أربعًا فقالا: يتحرّى أصوَبَ ذلك فيُتمّه، ثم يسجد سجدتين وهو جالس".

حدثنا أبو أميّة، قال: ثنا شبابةُ بن سَوار، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن سليمان اليَشكرِي، عين أبي سعيد الخدري:"أنه قال في الوهم: يتحرى. قال: قلت: عن النبي عليه السلام؟ قال: عن النبي عليه السلام".

فدلّ ما ذكرنا أن ما رواه أبو سعيد عن النبي عليه السلام إنما هو إذا كان لا يدري أثلاثًا صلّى أم أربعًا ولم يكن أحدهما أغلب في ظنّه من الآخر، وأما إذا كان أحدُهما أغلب في قلبه من الآخر عمل على ذلك، فقد وافق ما روي عن أبي سعيد لما جُمعَ ما رواه عن النبي عليه السلام وما أجاب به الذي سأله بعد النبي عليه السلام ما قال أهل هذه المقالة الآخرة لا ما قال مَنْ خالفهم.

ش: أي قد روي عن أبي سعيد الخدري سَعْد بن مالك رضي الله عنه مثل ما رُوي عن أبي هريرة من قوله في الوَهْم: "يتحرى"، ولما سأله سليمان اليشكري: أهو عن النبي عليه السلام؟ قال: عن النبي عليه السلام، فدلّ هذا أن ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه إنما هو

ص: 462

محمول على ما إذا كان لا يدري أثلاثًا صلّى أم أربعًا ولم يكن أحدهما أغلب في ظنه من الآخر، وأما إذا كان أحدهما -أي: أحد الأمرين وهما الشك في الثلاث والأربع- أغلب في قلبه من الآخر عمل على ذلك، أراد أنه يعمل به على ما صرّح به من قوله:"فليبن علي اليقين ويدع الشك"، فإذا كان الأمر كذلك فقد وافق ما روي عن أبي سعيد رضي الله عنه لما جُمِعَ -أي حين جُمِعَ- ما رواه عن النبي عليه السلام وما أجاب به الرجل الذي سأله بعد النبي عليه السلام ما قال أهل المقالة الآخرة وهم أهل المقالة الثالثة.

فقوله: "ما روي" فاعل لقوله: "فقد وافق"، وقوله:"ما قال أهل هذه المقالة" مفعوله، والعامل في "لما جُمع" هو قوله:"وافق" و"جُمِع" على صيغة المجهول وهو مسند إلى قوله: "ما رواه" أي: ما رواه أبو سعيد.

وقوله: "وما أجاب به" عطف على قوله: "ما رواه" أي: والذي أجاب به أبو سعيد لمن سأله بعد النبي عليه السلام.

ص: وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه في التحري مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: أنا حماد بن سلمة وأبو عوانة، عن قتادة، عن أنس مثله.

ش: أي مثل ما روي عن أبي سعيد الخدري.

أخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير شيخ البخاري وأبي عوانة الوضاح اليشكري كلاهما، عن قتادة، عن أنس.

وأخرجه السراج في "مسنده": ثنا عبيد الله بن سعيد، ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه:"إذا وهم الرجل في صلاته فلم يَدْر كم صلّى، قال: ينتهي إلى وهمه ويسجد سجدتين".

ص: 463

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن أبي معاوية، عن زياد بن سعد، عن ضمرة بن سَعْد، عن أنس:"أنه سجد سجدتي السهو بعد السلام".

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدّثه، عن عمر بن محمد بن زَيْد، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول:"إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخّ الذي يظنُّ أنه نسيَ من صلاته فليصلّه وليَسْجد سجدتين وهو جالس".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني عمر بن محمد، عن سالم

ثم ذكر مثله.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن نافع:"أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن النسيان في الصلاة يقول: ليتوخ أحدُكم الذي ظن أنه قد نسي من صلاته فليصلّه".

حدثنا محمد بن العباس بن الربيع، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل ابن عُلية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في التحري في الشك في الصلاة مثل ما في حديث ابن وهب، عن مالك، عن عمر بن محمد، وعن ابن وهب، عن عمر نفسه.

ش: هذه أربع طرق صحاح، ورجاله قد ذكروا غير مرة. ويونس هو ابن عبد الأعلى، وابن وهب هو عبد الله، وأيوب هو السختياني.

والأثر أخرجه مالك في "موطئه"(2).

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول:"يتوخى الذي يرى أنه قد نقص فيُتمّه".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 386 رقم 4436).

(2)

"موطأ مالك"(1/ 96 رقم 217).

ص: 464

قوله: "فليتوخ" أي فليقصد، من توخّيت الشيء أتوَخَّاه توخّيًّا إذا قصدت إليه وتعمدت فعله وتحريت فيه.

قوله: "مثل ما في حديث ابن وهب" أراد به الحديث الذي رواه عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس المذكور آنفًا.

قوله: "وعن ابن وهب، عن عمر نفسه" أي وبمثل ما في حديث يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب نفسه، وأشار به إلى طريق آخر عن يونس، عن ابن وهب، عن عمر نفسه.

ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا قد رأينا الأصل في ذلك: أن هذا الرجل قبل دخوله في الصلاة قد كان عليه أن يأتي بأربع ركعات، فلما شك في أن يكون جاء ببعضها؛ وجب النظر في ذلك ليُعلم كيف حكمه؟

فرأيناه لو شك في أن يكون قد صلى؛ لكان عليه أن يُصلّي حتى يَعلم يقينًا أنه قد صلى، ولا يعمل في ذلك بالتحري.

فكان النظر على هذا أن يكون كذلك هو في كل شيء من صلاته، كل ذلك عليه فرض، وعليه أن يأتي به حتى يعلم يقينًا أنه قد جاء به.

ش: أي: وأما وجه هذا الباب من طريق النظر والقياس: هو أنَّا رأينا الأصل في هذا الباب: أن هذا الرجل الذي شك في صلاته أصلّى ثلاثا أم أربعًا، كان الواجب عليه قبل دخوله في الصلاة أن يأتي بأربع ركعات، فكذلك إذا دخل وشكّ في أنه قد أتي ببعضها؛ لأن الشيء على أصله المعروف حتى يزيله يقينٌ لا شك معه، وأن الذي يدخل في شيء بيقين لا يجوز له أن يخرج عنه إلا بيقين أنه قد حل له الخروج من ذلك الشيء، ولما جاء الشكّ في إتيان بعضها؛ وجب النظر فيه لنعلم كيف حكمه.

ص: 465

فرأينا المصلي لو شك في أنه هل صلى أم لا كان الواجب عليه أن يصلي حتى يعلم يقينًا أنه قد صلى، ولا يجوز العمل في ذلك بالتحري؛ لما قلنا: إن الشيء مبنيّ على أصله المعروف حتى يزيله يقين لا شك معه.

فالنظر والقياس على ذلك: أن يكون حكمه كذلك في كل جزء من أجزاء صلاته؛ لأن كل ذلك فرض عليه، وعليه أن يأتي بكل ذلك حتى يتيقن أنه قد أتى به، ألا ترى أن العلماء قد أجمعوا أن مَنْ أيقن بالحدث وشك في الوضوء أن شكه لا يفيده فائدة، وأن عليه الوضوء فرضًا، وهذا يدلك أن الشك ملغي، وأن العمل على اليقين عندهم، وهذا أصل كبير في الفقه، ألا ترى إلى قوله عليه السلام:"وإذا أتى أحدكم الشيطان وهو في صلاته فقال له: إنك قد أحدثت، فلا ينصرف حتى يسمع بأذنيه صوته أو يجد ريحه بأنفه"، فإنه عليه السلام لم يَنْقله من يقين طهارته إلى شكٍّ، بَلْ أمره أن يبني على يقينه في ذلك حتى يصحّ عنده يقينٌ يصيرُ إليه.

ص: فإن قال قائل: إن الفرض عليه غيرُ واجب حتى يعلم يقينًا أنه واجبٌ.

قيل له: ليس كذلك وجدنا العبادات كلها؛ لأنَّا تُعبدْنا أنه إذا أغمي علينا في يوم ثلاثين من رمضان فاحتمل أن يكون من شهر رمضان فيكون علينا صومه، واحتمل أن يكون من شوال فلا يكون علينا صومُه، أمرنا أن نصومه حتى نَعْلمَ يقينًا أنه ليس علينا صومه، فكان من دخل في شيء بيقين لم يخرج منه إلا بيقين، فالنظر على ذلك أن يكون أول من دخل في صلاته بيقين أنها عليه، لم يحل له الخروج منها إلا بيقين أنه قد حلّ له الخروج منها.

ش: تقرير السؤال أن يقال: إنكم قد فرضتم على الذي شك في صلاته أصلى ثلاثًا أم أربعًا مثلًا أن يأتي به حتى يعلم يقينًا أنه قد جاء به، والفرض عليه غير واجب حتى يعلم يقينًا أنه واجب، وأراد أن الفرضية لا تثبت إلا باليقين.

ص: 466

وتقرير الجواب أن يقال: ليس الأمر كذلك في جميع العبادات، بل في بعضها يثبت الوجوب وإن لم يكن ثمة يقين، ألا ترى أنه إذا أغمي عليهم في يوم ثلاثين من رمضان فإنه يقع فيه الشك؛ لأنه إن كان هذا اليوم من رمضان يجب عليهم صومه، وإن كان من شوال يحرم عليهم صومه؛ لأنه يوم عيد، ومع هذا يجب عليهم صومُه حتى يعلموا يقينًا أنه ليس عليهم صومه بأن يعلموا أنه من

شوال حقيقةً، وكذلك إذا أغمي عليهم الهلال في اليوم الثلاثين من شعبان، فإنه إن كان يحتمل أنه من شعبان فلا يجب الصوم، وإن كان من رمضان فيجب الصوم، فلا يجب حتى يتحققوا أنه من رمضان.

قوله: "فكان من دخل في شيء بيقين

" إلى آخره مترتب على قوله: "وعليه أن يأتي به حتى يَعلم يقينًا أنه قد جاء به".

وقوله: "فالنظر على ذلك" نتيجة تلك المقدمة، فافهم.

ص: وقد جاء ما استشهدنا به من حكم الإغماء في شعبان وشهر رمضان عن النبي عليه السلام متواترًا كما ذكرنا، فمما روي عنه في ذلك: ما حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا رَوْح بن عبادة، قال: ثنا زكرياء، عن عمرو بن دينار، أن محمد بن جُبَير أخبره، أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول:"إني لأعجب من الذين يصومون قبل رمضان، إنما قال رسول الله عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بَشّار، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا عمرو، عن محمد، عن ابن عباس قال: سمعته يقول

فذكر مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا رَوْحٌ، قال: ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام.

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن بكر وروح، قالا: ثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب قال: "دخلت على عكرمة فقال: سمعت ابن عباس يقول: سمعتُ رسول الله عليه السلام يقول

فذكر مثله.

ص: 467

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود (ح).

وحدثنا ابن مرزوق، قال: نا وَهْبٌ، عن شعبة، عن عمرو، عن أبي البختري، قال:"رأينا هلال رمضان، فأرسلنا رجلًا إلى ابن عباس فسأله، فقال: قال رسول الله عليه السلام: إن الله قد مدّه لرؤيته، فإن أغمي عليكم فكملوا العده".

ش: لما استشهد في جواب السؤال المذكور بمسألة إغماء الهلال في اليوم الثلاثين من شعبان ورمضان، ذكر ما رُويَ فيه عن النبي عليه السلام متواترًا، وانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف أي جاء مجيئًا متواترًا، أراد به متكاثرًا؛ وليس المراد به التواتر المصطلح عليه.

وأخرج في ذلك عن ابن عباس من ستة طرق صحاح:

الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن روح بن عبادة بن العلاء البصري روى له الجماعة، عن زكرياء بن إسحاق المكي روى له الجماعة، عن عمرو بن دينار المكي روى له الجماعة، عن محمد بن جبير بن مطعم المدني روى له الجماعة، عن عبد الله بن عباس.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث روح

إلى آخره نحوه سواء.

قوله: "إني لأعجب من هؤلاء" أراد ابنُ عباس من كلامه هذا الإنكار على مَن كان يصوم قبل رمضان بيوم من غير رؤية الهلال ولا عدّ شعبان ثلاثين يومًا.

قوله: "إذا رأيتم الهلال" أي هلال رمضان، والهلال أول ليلة والثانية والثالثة، ثم هو قمرٌ، والجمع: الأهلة.

قال الكسائي: يُقال أَهلّ الهلال وأُهل الهلال واستُهل الهلال، ولا يقال: هلّ ولا أهللنا الهلال، والعرب تقول: أهلّ الشهر واستهل لا يقال غيره، والعرب تقول: أهلّ الصبي واستهل ولا تقول غيره.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 207 رقم 7735).

ص: 468

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن إبراهيم بن بشار الرمادي وثقه ابن حبان، عن سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن جبير، عن ابن عباس.

وأخرجه النسائي (1): أنا محمد بن عبد الله بن زيد، قال: أنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن جبير، عن ابن عباس قال:"عجبتُ ممن يتقدم الشهرَ وقد قال رسول الله عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".

الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس.

وأخرجه النسائي (2) أيضًا: أنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء وهو ثقة بصري أخو أبي العالية، قال: أنا حبان بن هلال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: قال رسول الله عليه السلام: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".

الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق أيضًا، عن عبد الله بن بكر السهمي البصري روى له الجماعة، وروح بن عبادة، كلاهما عن حاتم بن أبي صغيرة روى له الجماعة، وأبو صغيرة أبو أمّه، وقيل: زوج أمه، وهو حاتم بن مسلم أبو يونس القيسيري، وهو يروي عن سماك بن حرب بن أوس الكوفي، روى له الجماعة البخاري مستشهدًا.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(3) بأتم منه: من حديث عبد الله بن بكر، عن حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك قال: "دخلت على عكرمة في يوم قد أُشْكِلَ عليَّ

(1)"المجتبى"(4/ 135 رقم 2125).

(2)

"المجتبى"(4/ 135 رقم 2124).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 207 رقم 7736).

ص: 469

أَمِنْ رمضان هو أَمْ منْ شعبان؟ فأصبحت صائمًا، فقلت: إن كان من رمضان لم يسبقني، وإن كان من شعبان كان تطوعًا، فدخلت على عكرمة وهو يأكل خبزًا وبقلًا ولبنًا، فقال: هلم إلى الغداء. قلتُ: إني صائم. فقال: أحْلِف بالله لتفطرنه. قلتُ: سبحان الله. قال: أحلف بالله لتفطرنه. فلما رأيته لا يستثني أفطرتُ، فغدوتُ ببعض الشيء وأنا شبعان ثم قلت: هات. فقال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حَالَ بينكم وبينه سحابة أو غياية فأكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالًا، لا تستقبلوا رمضان بيومٍ من شعبان".

وأخرجه النسائي (1) مختصرًا: أنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، قال: حدثنا ابن عباس، عن رسول الله عليه السلام قال:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة، ولا تستقبلوا الشهر استقبالًا".

الخامس: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتَري -بفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة من فوق- واسمه سعيد بن فيروز الطائي الكوفي روى له الجماعة.

وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا غندر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا البختري قال: "أهللنا رمضان ونحن بذات عرق، فأرسلنا رجلًا إلى ابن عباس يسأله فقال ابن عباس: قال رسول الله عليه السلام: "إن الله قد أمدّه لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا العده".

(1)"المجتبى"(4/ 136 رقم 2129).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 284 رقم 9028).

ص: 470

السادس: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة

إلى آخره.

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(1): ثنا محمد بن مخلد، ثنا علي بن أبي داود، ثنا آدم بن أبي إياس، نا شعبة، حدثني عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا البختري الطائي يقول: "أهللنا هلال رمضان ونحن بذات الشقوق، فشككنا في الهلال، فبعثنا رجلًا إلى ابن عباس، فسأله فقال ابن عباس، عن النبي عليه السلام: "إن الله أمده لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا".

صحيح عن شعبة، ورواه حصين وأبو خالد الدالاني، عن عمرو بن مرة، ولم يقل فيه:"عدة شعبان" غير آدم، وهو ثقة.

ص: حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله عليه السلام: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا".

حدثنا يونس، قال: أنبأنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني أسامة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن النبي عليه السلام مثله.

(1)"سنن الدارقطني"(2/ 162 رقم 26).

ص: 471

ش: هذه خمس طرق صحاح:

الأول: عن نصر بن مرزوق

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر -قال يحيى: أنا. وقال الآخرون: ثنا- إسماعيل -وهو ابن جعفر- عن عبد الله ابن دينار، أنه سمع عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله عليه السلام: "الشهر تسع وعشرون ليلة، لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تَرَوْهُ إلا أن يغم عليكم، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له".

وأخرجه البخاري (2) أيضًا.

قوله: "فاقدروا" أي قدّروا له عدد الشهر حتى تكملوا ثلاثين يومًا، وقيل: قدّروا له منازل القمر فإنه يدلكم على أن الشهر تسع وعشرون أو ثلاثون، قال ابن سريج: هذا خطاب لمن خصَّه الله بهذا العلم.

وقوله: "فأكملوا العدة" خطاب للعامة التي لم تعن به، يقال: قدرتُ الأمر أَقدُرُهُ وأقَدِره -بضم الدال وكسرها- إذا نظرت فيه ودبرته.

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب

إلى آخره.

وأخرجه مالك في "موطئه"(3): عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله قال:"الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له".

الثالث: عن يونس أيضًا

إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4) نحوه.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 760 رقم 1080).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 674 رقم 1808).

(3)

"موطأ مالك"(1/ 286 رقم 631).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 284 رقم 9023).

ص: 472

الرابع: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن علي بن معبد بن شداد، عن عبيد الله بن عمرو الرِّقّي، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن عبد الله بن عمر.

وأخرجه النسائي (1): أنا عمرو بن علي، قال: نا يحيى، قال: نا عبيد الله، قال: حدثني نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام قال:"لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له".

وأخرجه مسلم (2): عن زهير بن حرب، عن إسماعيل عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له".

الخامس: عن محمد بن حميد الرعيني، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه ابن ماجه (3): ثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني، نا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له. وكان ابن عمر يصوم قبل الهلال بيوم".

ص: حدثنا ابن معبد، قال: ثنا رَوحٌ، قال: ثنا زكرياء، قال: ثنا أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: قال رسول الله عليه السلام

فذكر مثله، غير أنه قال:"فعدّوا له ثلاثين".

(1)"المجتبى"(4/ 134 رقم 2122).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 759 رقم 1080).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 529 رقم 1654).

ص: 473

ش: إسناده صحيح، وابن مَعْبد هو علي بن معبد بن نوح المصري، وروح هو ابن عبادة، وزكرياء هو ابن إسحاق المكي روى له الجماعة، وأبو الزبير محمد بن مسلم المكي.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث زكرياء بن إسحاق، ثنا أبو الزبير، أنه سمع جابرًا يقول: قال رسول الله عليه السلام: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن أغمي عليكم فعدوا ثلاثين يومًا".

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا الحسن بن الربيع، قال: ثنا إبراهيم بن حُمَيْد الرؤاسي، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا جاء رمضان فصم ثلاثين إلا أن ترى الهلال قبل ذلك".

ش: إسناده حسن، والحسن بن الربيع بن سليمان البجلي القَسْري الكوفي شيخ البخاري ومسلم، وإبراهيم بن حميد بن عبد الرحمن أبو إسحاق الكوفي روى له الجماعة سوى ابن ماجه، والرؤاسي بضم الراء نسبة إلى بني رُؤاس قبيلة.

ومجالد بن سعيد بن عمير أبو سعيد الكوفي فيه مقال، روى له مسلم -مقرونًا بغيره- والباقون سوى البخاري، والشعبي هو عامر بن شراحيل.

والحديث أخرجه الطبراني في "الكبير"(2): ثنا على بن عبد العزيز، ثنا الحسن بن الربيع الكوفي

إلى آخره نحوه سواء.

ص: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا إبراهيم ابن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن ألى هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فعُدّوا ثلاثين".

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 529 رقم 1654).

(2)

"المعجم الكبير"(17/ 78 رقم 171).

ص: 474

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أنا شعبة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقولُ: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم

فذكر مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوُحاظيّ، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا محمد ابن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.

ش: هذه ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن ابن خزيمة.

وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن يحيى، قال: أنا إبراهيم بن سعد

إلى آخره نحوه سندًا ومتنًا، غير أن في لفظه:"فصوموا ثلاثين يومًا".

وأخرجه البخاري (2) والنسائي (3) أيضًا.

الثاني: عن ابن خزيمة أيضًا.

وأخرجه مسلم (4): ثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، قال: ثنا الربيع -يعني ابن مسلم- عن محمد وهو ابن زياد، عن أبي هريرة، أن النبي عليه السلام قال:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن عَمِي عليكم فأكملوا العدد".

وثنا (5) عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، قال: ثنا شعبة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله عليه السلام: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن عمِيَ عليكم الشهر فعُدّوا ثلاثين".

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلّسي، عن يحيى بن صالح الوُحاظيّ

(1)"صحيح مسلم"(2/ 762 رقم 1081).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 674 معلقًا).

(3)

"المجتبى"(4/ 133 رقم 2119).

(4)

"صحيح مسلم"(2/ 762 رقم 1081).

(5)

"صحيح مسلم"(2/ 762 رقم 1081).

ص: 475

شيخ البخاري، عن سليمان، بن بلال، عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(1): ثنا ابن صاعد وابن غيلان، قالا: ثنا أبو هشام الرفاعي، ثنا أبو بكر بن عياش، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "لا تعجلوا شهر رمضان بيوم ولا يومين، فعدوا ثلاثين ثم أفطروا".

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أصبغ بن الفرج، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، عن هشام بن حسان، عن محمد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: سمعت رجلًا قال: "يا رسول الله، أرأيت اليوم الذي يُختلف فيه تقول فرقة: من شعبان وتقول فرقة: من رمضان؟ فقال رسول الله عليه السلام

" ثم ذكره مثله.

ش: أصبغ بن الفرج، الفقيه المصري، وراق عبد الله بن وهب، شيخ البخاري، مصري ثقة.

وحاتم بن إسماعيل المدني روى له الجماعة.

ومحمد بن جابر بن سيّار الحنفي اليمامي فيه مقال، فعن يحيى: ضعيف، كان أعمى، اختلط عليه حديثه، وقال أبو زرعة: ساقط الحديث عند أهل العلم. وقال أبو داود: ليس بشيء وقال النسائي: ضعيف. روي له أبو داود وابن ماجه حديثا واحدًا في مسّ الذكر.

وقيس بن طلق بن علي بن المنذر الحنفي اليمامي، روى عن أبيه طلق بن علي الصحابي، قال العجلي: تابعي ثقة. روى له الأربعة.

(1)"سنن الدارقطني"(2/ 160 رقم 16).

ص: 476

والحديث أخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث محاضر، ثنا هشام بن حسان، عن قيس بن طلق، عن أبيه، "سمعت رجلًا سأل النبي عليه السلام عن اليوم الذي يشكُّ فيه، فيقول بعضهم: هذا من شعبان، وبعضهم: هذا من رمضان، فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يومًا".

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(2): ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ثنا لُوَينٌ، ثنا محمد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: قال رسول الله: "جعل الله الأهلة مواقيت للناس، فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا العدة ثلاثين".

محمد بن جابر ليس بالقوي.

ص: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا زهير، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام، أن رسول الله عليه السلام قال:"لا تتقدموا هذا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة".

ش: إسناده حسن جيد، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي، وثقه أبو حاتم. وزهير هو ابن معاوية، ومنصور هو ابن المعتمر، وربعي بن حراش، -بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وفي آخره شيخ معجمة- روى له الجماعة.

وأخرجه الدارقطني في "سننه": ثنا إبراهيم بن حماد، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا عبيد بن حميد التيمي، عن منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام

إلى آخره نحوه سواء.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 208 رقم 7740).

(2)

"سنن الدارقطني"(2/ 163 رقم 29).

ص: 477

ص: فلما لم يأمر النبي عليه السلام بالخروج من الإفطار الذي قد دخلوا فيه إلا بيقين أنهم قد خرجوا منه، ثم لم يخرجهم بعد ذلك أيضًا من الصوم الذي قد دخلوا فيه إلا بيقين أنهم قد خرجوا منه؛ كذلك أيضًا يجيء في النظر أن يكون كذلك مَنْ دخل في صلاته وهو متيقن أنها عليه أن لا يخرج منها إلا بيقين منه أنها ليست عليه.

ش: هذا مترتب على قوله: "من دخل في شيء بيقين لم يخرج منه إلا بيقين"؛ وذلك لأن اليقين لا يزيله إلا اليقين مثله، والشك لا يعارض اليقين ولا يزيله، والله أعلم.

ص: 478