المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الصلاة في الكعبة - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٦

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: الصلاة في الكعبة

‌ص: باب: الصلاة في الكعبة

ش: أي هذا باب في بيان حكم الصلاة في جوف الكعبة، وجه المناسبة بين البابين أن فيما مضى يذكر حكم الصلاة في الزمان وهذا في حكم الصلاة في المكان.

واشتقاق الكعبة من الكعب، وكل شيء علا وارتفع فهو كعبة، فمن ذلك سمي البيت الحرام كعبة، وقيل: سُمي بذلك لتكعيبه وهو تربيعه.

وقال الجوهري: الكعبة البيت الحرام فسمّي بذلك لتربيعه.

ص: حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة القاضي البكراوي، قال: ثنا أبو عاصم النبيل، قال: ثنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: "أسمعت ابن عباس يقول: إنما أُمِرنا بالطواف ولم نؤمر بدخوله -يعني البيت-؟ فقال: لم يكن يَنْهاه عن دخوله، ولكن سمعته يقول: أخبرني أسامةُ بن زيد: أن رسول الله عليه السلام لما دخل البيتَ دعا في نواحيه كلها ولم يُصلّ فيه شيئًا حتى خرج، فلما خرج صلى ركعتين وقال: هذه القبلة".

ش: إسناده صحيح، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد، وابن جريج هو عبد الملك المكي، وعطاء هو ابن أبي رباح أحد مشايخ أبي حنيفة.

وأخرجه مسلم (1): ثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد جميعًا، عن أبي بكر -قال عبدٌ: أنا محمَّد بن أبي بكر- قال: أنا ابن جريج، قال:"قلت لعطاء: أَسمعْتَ ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف ولم تؤمروا بدخوله؟ قال: لم يكن ينهى عن دخوله، ولكنه سمعته يقول: أخبرني أسامة بن زيد رضي الله عنه: "أن النبي عليه السلام لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يُصلّ فيه حتى خرج، فلما خرج

(1)"صحيح مسلم"(2/ 968 رقم 1330).

ص: 166

ركع في قُبل البيت ركعتين وقال: هذه القبلة، قلت له: ما نواحيها أي -زواياها- قال: بل في كلٍّ قبلةٌ من البيت".

وأخرج البخاري (1) بنحوه عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام ولم يذكر أسامة.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: أنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس، أن الفضل بن عباس أخبره:"أن النبي عليه السلام دخل البيت ولم يُصلّ، ولكنه لما خرج صلى عند باب البيت ركعتين".

ش: إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا عبد الرزاق، نا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، أن ابن عباس كان يُخبر، أن الفضل بن عباس رضي الله عنه أخبره:"أنه دخل مع النبي عليه السلام البيت وأن النبي عليه السلام لم يصلّ في البيْت حين دخل ولكنه لما خرج فنزل ركع ركعتين عند باب البيت".

ص: حدثنا علي بن زيد الفرائضي، قال: أنا موسى بن داود، قال: ثنا همام، عن عطاء، عن ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام دخل الكعبة وفيها ستّ سواري فقام إلى كل سارية كذا ولم يُصلّ".

ش: إسناده صحيح أيضًا، وعلي بن زيد بن عبد الله الفرضي أبو الحسن الطرسوسي، وموسى بن داود أبو عبد الله الضَّبّي قاضي طرسوس وشيخ أحمد، وهو مصنف مكثر مأمون روى له مسلم وأبو داود، وهمام هو ابن يحيى بن دينار أبو بكر البصري روى له الجماعة.

وأخرجه مسلم (3): ثنا شيبان بن فروخ، قال: ثنا همام، قال: نا عطاء، عن ابن عباس:"أن النبي عليه السلام دخل الكعبة وفيها ستّ سواري، فقام عند سارية فدعا ولم يصل".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 155 رقم 389).

(2)

"مسند أحمد"(1/ 212 رقم 1819).

(3)

"صحيح مسلم"(2/ 968 رقم 1313).

ص: 167

ص: فذهب قوم إلى أنه لا يجوز الصلاة في الكعبة، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار، وبقول رسول الله عليه السلام حين صلّى خارجًا من الكعبة:"إن هذه القبلة".

ش: أراد بالقوم هؤلاء: مالكًا وأحمد وبعض الظاهرية، ولكن في مذهبهم تفصيل.

فقال القاضي عياض: اختلف العلماء في الصلاة في الكعبة، فقال مالك: لا يُصلّى فيها الفرض ولا الوتر ولا ركعتا الفجر ولا ركعتا الطواف، ويُصلّى فيها التطوع.

وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري: يُصلّى فيها كل شيء.

وهو قول جماعة من السلف وبعض أهل الظاهر، وقال بعض الظاهرية: لا يُصلّى فيها نافلة ولا فريضة، ونحوه مذهب ابن عباس

وأصبغ من أصحابنا يجعل المصلي في البيت يُعيد أبدًا.

وفي "المغني": ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها، وجوَّزه أبو حنيفة والشافعي.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بالصلاة في الكعبة.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري وأبا حنيفة والشافعي وأبا يوسف ومحمدًا رحمهم الله؛ فإنهم قالوا: لا بأس بالصلاة في جوف الكعبة فرضًا كانت أو تطوعًا.

ص: وقالوا: قد يحتمل قول النبي عليه السلام: "هذه القبلة" ما ذكرتم، ويحتمل أن يكون أراد به القبلة التي يُصلّي إليها إمامكم الذي تأتمون به وعندها يكون مقامه، فأراد بذلك تعليمهم ما أمر الله به عز وجل من قوله:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وليس في ترك النبي عليه السلام الصلاة فيها دليل على أنه لا يجوز الصلاة فيها.

ش: أي: وقال الآخرون في جواب ما احتج به القوم المذكورون بقوله عليه السلام: "هذه القبلة".

ص: 168

بيانه: أن قوله: "هذه القبلة" يحتمل ما ذكرتم، ويحتمل أن يكون النبي عليه السلام أراد به: أن هذه القبلة التي يصلي إليها إمامكم الذي تأتمون به، فعندها يكون مقام الإمام، فأراد عليه السلام بذلك تعليمهم ما أمر الله عز وجل من قوله:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1) فإذا كان كذلك لا يتم به الاستدلال.

قوله: "ولكن في ترك النبي عليه السلام الصلاة فيها" إشارة إلى الجواب عن الحديث المذكور.

بيانه: أن ترك النبي عليه السلام الصلاة في الكعبة في الحديث المذكور ليس دليلًا على عدم جواز الصلاة فيها؛ لأنه يجوز أن يكون ترك الصلاة فيها في ذلك الوقت وصلى في وقت آخر.

على أن حديث أسامة بن زيد المذكور مُعَارض بما رواه أحمد في "مسنده"(2) وابن حبان في "صحيحه"(3) في النوع الخامس عشر من القسم الخامس عن عمارة ابن عُمَيْر، عن أبي الشعثاء، عن ابن عمر، أخبرني أسامة بن زيد:"أن النبي عليه السلام صلى في الكعبة بين الساريتين".

وأما حديث ابن عباس فإنه معلل بإلإرسال؛ فإنه رواه عن أخيه الفضل بن عباس.

وقال السهيلي في "الروض الأنف": أخذ الناس بحديث بلال لأنه مثبت، وقدموه على حديث ابن عباس لأنه نافي، وإنما يؤخذ بشهادة المثبت، ومَنْ تأول قول بلال أنه صلى أبي دَعَا فليس بشيء؛ لأن في حديث ابن عمر:"أنه صلى ركعتين" رواه البخاري.

ص: وقد رُوِيَت عن النبي عليه السلام آثار متواترة أنه صلى فيها، فمن ذلك:

(1) سورة البقرة، آية:[125].

(2)

"مسند أحمد"(5/ 207 رقم 21849).

(3)

"صحيح ابن حبان"(7/ 480 رقم 3205).

ص: 169

ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحَجَبي، وأغلقها عليهم ومكث فيها، قال ابن عمر: فسألتُ بلالًا حين خرج: ماذا صنع النبي عليه السلام؟ قال: جعل عمودًا عن يساره وعَموديْن عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة، ثم صلى وجعل بينه وبين الجدار نحوًا من ثلاثة أذرع".

ش: أي قد رُويت عن النبي عليه السلام أحاديث متكاثرة أنه صلى في جوف الكعبة.

فمن ذلك ما أخرجه بإسناد صحيح: عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر

إلى آخره.

وأخرجه الجماعة؛ فالبخاري (1): عن قتيبة بن سعيد، عن الليث على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

ومسلم (2): عن يحيى بن يحيى، عن مالك

إلى آخره نحوه، وله روايات متعددة.

وأبو داود (3): عن القعنبي، عن مالك

إلى آخره.

والترمذي (4): عن قتيبة، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن بلال:"أن النبي عليه السلام صلى في جوف الكعبة".

والنسائي (5): عن محمَّد بن [عبد](6) الأعلى، عن خالد، عن ابن عون، عن

(1)"صحيح البخاري"(2/ 579 رقم 1521).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 966 رقم 1329).

(3)

"سنن أبي داود"(2/ 213 رقم 2023).

(4)

"جامع الترمذي"(3/ 223 رقم 874).

(5)

"المجتبى"(5/ 216 رقم 2905).

(6)

سقطت من "الأصل"، والمثبت من المجتبى.

ص: 170

نافع، عن عبد الله بن عمر:"أنه انتهى إلى الكعبة وقد دخلها النبي عليه السلام، وبلال وأسامة بن زيد، وأجاف عليه عثمان بن طلحة الباب فمكثوا فيها مليًّا ثم فتح الباب فخرج النبي عليه السلام، وركبت الدرجة ودخلتُ البيت، فقلتُ: أين صلى النبي عليه السلام؟ قالوا: ها هنا. ونسيت أن أسألهم كم صلى في البيت".

وابن ماجه (1) عن (2).

ص: حدثنا علي بن زيد، قال: ثنا موسى بن داود، قال: ثنا الليث بن سَعْد، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن رسول الله عليه السلام مثله، و"أنه صلى بين العَمُودين اليمانيين" إلا أنه لم يذكر كيف جعل العُمُد التي ذكرها مالك في حديثه.

حدثنا محمدُ بن عزيز الأيلي، قال: ثنا سلامةُ بن رَوْح، عن عُقيَل، قال: أخبرني ابن شهاب، قال: أخبرني سالم، أن ابن عمر أخبره، فذكر بإسناده مثله.

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا دُحَيْمُ بن اليتيم، قال: ثنا عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعيّ، قال: حدثني نافع، عن ابن عمر مثله، غير أنه قال:"أخبرني أنه صلى في جوف الكعبة بين العَمُودين اليمانيين".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام دخل يومَ فتح مكة ورديفه أسامة بن زيد، فأناخ في ظل الكعبة، قال ابن عمر: فسبقتُ الناسَ وقد دخل رسول الله عليه السلام وبلال وأسامةُ في البيت، فقلت لبلال من وراء الباب: أين صلى النبي عليه السلام؟ قال: صلّى بحيالك بين الساريتين".

حدثنا علي بن زيد، قال: ثنا موسى بن داود، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن بلال:"أن النبي عليه السلام صلى في الكعبة".

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1018 رقم 3063).

(2)

بيض له المؤلف رحمه الله، والحديث عند ابن ماجه كما في العزو السابق، ولكن من طريق الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن نافع، به.

ص: 171

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرني محمَّد بن جعفر، قال: أخبرني العلاء بن عبد الرحمن قال: "كنت مع أبي، فلقِينا عبد الله ابن عمر، فسأله أبي وأنا أسمع: أين صلى النبي عليه السلام حين دخل البيت؟ فقال ابن عمر: دخل النبي عليه السلام بين أسامة بن زيد وبلال، فلما خرجا سألتُهما: أين صلى يعني النبي عليه السلام؟ فقالا: على جهته".

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا أحمد بن إشكاب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن أبي الشعثاء، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"رأيته دخل البيت حتى إذا كان بين الساريتين مضى حتى لزق بالحائط فقام يُصلّي، فجئتُ فقمتُ إلى جنبه، فصلى أربعًا، فقلت: أخبرني أين صلى النبي عليه السلام من البيت؟ فقال ها هنا: أخبرني أسامةُ أنه رأى النبي عليه السلام صلى في البيت".

ش: هذه سبعة طرق أخرى عن عبد الله بن عمر، غير أن منها طريقًا عن ابن عمر، عن بلال رضي الله عنهم، وطريقًا آخر عن ابن عمر، عن أسامة رضي الله عنه، وكلها صحاح:

الأول: عن علي بن زيد الفرضي الطرسوسي، عن موسى بن داود قاضي طرسوس، روى له مسلم، عن الليث بن سعد، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر

إلى آخره.

وأخرجه البخاري (1): ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه أنه قال:"دخل رسول الله عليه السلام البيت هو وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت أول مَنْ وَلج، فلقيت بلالًا، فسألته: هل صلى فيه رسول الله عليه السلام؟ قال: نعم، بين العمودين".

وله في رواية أخرى (2): "فسألت بلالًا حين خرج: ما صنع رسول الله عليه السلام؟

(1)"صحيح البخاري"(2/ 579 رقم 1521).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 189 رقم 483).

ص: 172

قال: جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة، ثم صلى".

وفي رواية أخرى (1): "جعل عمودين عن يمينه".

في رواية أخرى (2): "فسألته، فقلت: صلى النبي عليه السلام في الكعبة؟ قال: نعم، ركعتين بين الساريتن اللتين عن يسارك إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين".

الثاني: عن محمَّد بن عُزيز الأيلي، عن سلامة بن رَوْح بفتح الراء، عن عُقيل -بضم العين- بن خالد الأيلي، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر.

وأخرجه مسلم (3): حدثني حرملة بن يحيى، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله عليه السلام دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وبلال وعثمان بن طلحة، ولم يدخلها معهم أحد، ثم أغلقت عليهم، قال عبد الله بن عمر: فأخبرني بلال أو عثمان بن طلحة أن رسول الله عليه السلام صلى في جوف الكعبة بين العَمُودَيْن اليمانيين".

الثالث: عن يزيد بن سنان القزاز، عن دُحَيم بن اليتيم -هو عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قاضي الأردن وشيخ البخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه- عن عمر بن عبد الواحد بن قيس السُّلَمي الدمشقي، ثقة، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن نافع، عن ابن عمر.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 189 رقم 483).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 155 رقم 388).

(3)

"صحيح مسلم"(2/ 967 رقم 1329).

ص: 173

الرابع: عن يزيد بن سنان القزاز أيضًا، عن موسى بن إسماعيل المنقري، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر

إلى آخره.

وأخرجه الدارمي في "سننه"(1): أنا حجاج بن منهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"دخل رسول الله عليه السلام مكة، ورديفُه أسامة بن زيد، فأناخ في أصل الكعبة فقال ابن عمر: وسعى الناسُ فدخل النبي عليه السلام وبلال وأسامة، فقلت لبلال من وراء الباب: أين صلى رسول الله عليه السلام؟ فقال: بين الساريتين".

الخامس: عن علي بن زيد الفرضي، عن موسى بن داود قاضي طرسوس، عن حماد بن زيد

إلى آخره.

وأخرجه الترمذي (2): عن قتيبة، عن حماد بن زيد

إلى آخره نحوه، وقد ذكرناه.

وأخرجه الطبراني (3) أيضًا: ثنا معاذ بن المثنى، نا مسدد، نا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن بلال رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام صلى في جوف الكعبة".

وله في رواية أخرى (4): "صلى في البيت".

وأخرج عبد الرزاق (5): عن ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، أنه أخبر عن بلال:"أن النبي عليه السلام صلى فيه ركعتين".

(1)"سنن الدرامي"(2/ 75 رقم 1866).

(2)

"جامع الترمذي"(2/ 75 رقم 874).

(3)

"المعجم الكبير"(1/ 343 رقم 1033).

(4)

"المعجم الكبير"(1/ 343 رقم 1034).

(5)

"مصنف عبد الرزاق"(5/ 79 رقم 9063).

ص: 174

وأخرجه الطبراني (1): عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عنه.

السادس: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري روى له الجماعة، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرَقي أبي شبل المدني روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح"، قال: "كنت مع أبي

" إلى آخره.

السابع: عن محمَّد بن خزيمة، عن أحمد بن إشكاب الحضرمي الصفار الكوفي نزيل مصر وشيخ البخاري، عن أبي معاوية الضرير محمَّد بن خازم، عن سليمان الأعمش، عن عُمَارة بن عُمَيْر -بضم العين فيهما- التيمي الكوفي روى له الجماعة، عن أبي الشعثاء سليم بن الأسود بن حنظلة المحاربي الكوفي روى له الجماعة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا أبو معاوية، نا الأعمش، عن عمارة، عن أبي الشعثاء قال:"خرجت حاجًّا فدخلت البيت، فلما كنت عند الساريتين مضيتُ حتى لزِقتُ بالحائط، قال: وجاء ابن عمر حتى قام إلى جنبي فصلى أربعًا، قال: فلما صلّى قلت له: أين صلى رسول الله عليه السلام من البيت؟ قال: فقال: ها هنا أخبرني أسامة بن زيد أنه صلى. قال: فقلت: كم صلى؟ قال: على هذا أجدني ألُوم نفسي أني مكثت معه عُمرًا ثم لم أسأله كم صلى. قال: فلما كان العام المقبل قال: خرجتُ حاجًّا قال: فجئت حتى قمتُ في مقامه. قال: فجاء ابن الزبير حتى قام إلى جنبي، فلم يزل يُزاحمني حتى أخرجني منه ثم صلى فيه أربعًا".

ص: فهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما قد روى عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه رأى النبي عليه السلام صلى في البيت، فقد اختلف هو وابن عباس رضي الله عنهم فيما روياه عن

(1)"المعجم الكبير"(1/ 343 رقم 1032).

(2)

"مسند أحمد"(5/ 207 رقم 21849).

ص: 175

أسامة من ذلك، وروى ابن عمر أيضًا عن بلال مثل ما روى عن أسامة، فكان ينبغي لما تضادّت الروايات عن أسامة وتكافئت؛ أن ترتفع ويثبت ما روى بلال؛ إذ كان لم يختلف عنه في ذلك.

ش: ملخص كلامه: أن عبد الله بن عمر روى في هذا الحديث عن أسامة بن زيد: "أنه رأى النبي عليه السلام صلى في البيت"، وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما، عن أسامة بن زيد أيضًا أنه روى عن النبي عليه السلام أنه لم يُصلّ في البيت على ما مرّ في أول الباب، فوقع التضاد بين روايتي ابن عمر وابن عباس عنه وتساوتا، فينبغي أن ترتفعا لوجود الاختلاف، وينبغي أن يثبت ما رواه ابن عمر عن بلال لعدم الاختلاف فيما روي عن بلال، وهو معنى قوله:"إذ كان لم يختلف عنه في ذلك"، وكلمة "إذْ" للتعليل والضمير في "عنه" يرجع إلى بلال رضي الله عنه، فلذلك صارت رواية بلال أولى بالأخذ والعمل.

وقد قيل: إنه اجتمع في روايتي ابن عمر وابن عباس عن أسامة النفي والإثبات، والأخذ بقول المُثْبِت أولى، وقد مَرَّ الكلام فيه مستقصًى.

قوله: "وتكافأت" أي: تساوت، من الكفؤ وهو النظير.

قوله: "أن ترتفع" في محل الرفع؛ لأنه فاعل لقوله: "فكان ينبغي"، وكلمة "أن" مصدرية، والتقدير: فكان ينبغي ارتفاع الروايات حين تضادت وتكافأت في قوة الإسناد والصحة.

ص: وقد رُوي عن ابن عمر مطلقًا أن رسول الله عليه السلام صلى في الكعبة.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن سماك الحنفي، قال: سمعتُ ابن عمر- رضي الله عنهما يقول: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم في البَيْت، وسيأتيك مَنْ ينهاك فتسمع قوله- يعني ابن عباس- رضي الله عنهما".

ش: أي قد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مطلقًا من غير أن يرويه عن أحد من الصحابة بل هو روى بنفسه عن النبي عليه السلام من غير ذكر أحد وعدد وتعيين موضع.

ص: 176

أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن سماك بن الوليد الحنفي أبي زُمَيل الكوفي، روى له الجماعة البخاري في "الأدب".

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا يزيد، نا شعبة، عن سماك -يعني الحنفي- سمعت ابن عمر يقول:"صلى رسول الله عليه السلام في البيت ركعتين".

وقال عبد الله بن أحمد (2): وجدت في كتاب أبي: ثنا محمَّد بن جعفر وحجاج، قال محمَّد: نا شعبة، وقال حجاج: حدثني شعبة، عن سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عمر يقول: "إن رسول الله عليه السلام صلى في البيت وسيأتي مَنْ يَنْهاكم عنه".

ص: حدثنا فهدٌ، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مِسْعرُ، عن سماك الحنفي، قال: سمعتُ ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "لا تجعل شيئًا من البيت خلفك وائتم به جميعًا".

وسمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "صلى النبي عليه السلام فيه".

ش: أخرج هذا الحديث ليدل على أن ابن عباس قد رجع إلى قول ابن عمر في جواز الصلاة في الكعبة بعد ما كان ينهى الناس عنه.

وأخرجه بإسناد صحيح: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن مسعر بن كدام، عن سماك

إلى آخره.

وأخرج الطبراني بهذا الإسناد مقتصرًا على ذكر ابن عمر، ولفظه:"صلى فيه رسول الله عليه السلام يعني في البيت" أخرجه عن علي بن عبد العزيز، عن أبي نعيم به.

ص: وقد روي عن غير ابن عمر في ذلك عن رسول الله عليه السلام مثل ما روى ابن عمر عن أسامة وبلال رضي الله عنهم.

(1)"مسند أحمد"(2/ 46 رقم 5065).

(2)

"مسند أحمد"(2/ 46 رقم 5066).

ص: 177

فمن ذلك ما حدثنا ربيعٌ الجيزي، قال: ثنا عبد الله بن الزبير الحميديُّ، ثنا محمَّد بن فضيل بن غزوان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن أبي صفوان أو عبد الله بن صفوان قال: "سمعت رسول الله عليه السلام يوم الفتح قد قدم، فجمعتُ عليّ ثيابي فوجدته قد خرج من البيت، فقلت: أين صلى رسول الله عليه السلام في البيت؟ فقالوا: تجاهك. قلت كم صلّى؟ قالوا:

ركعتين".

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: ثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان قال: قلتُ لعمر رضي الله عنه: "كيف صنع النبي عليه السلام حين دخل الكعبة؟ فقال: صلى ركعتين".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا جرير بن عبد الحميد

فذكر بإسناده مثله غير أنه قال: عبد الله بن صفوان.

فهذا عمر رضي الله عنه قد حُكي عنه في ذلك ما يُوافِق ما حكى ابن عمر عن أسامة وبلال من صلاة النبي عليه السلام في البيت.

ش: أي قد روي عن غير عبد الله بن عمر في صلاة النبي عليه السلام في البيت مثل ما روى ابن عمر عن أسامة بن زيد وبلال: "أنه صلى فيه".

وأخرج ذلك من ثلاث طرق صحاح:

الطريقان منها عن عبد الله بن صَفْوان، والطريق عن عبد الرحمن بن صفوان.

أما عبد الله بن صفوان فهو أبو صفوان عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف القرشي الجُمحي المكي، أدرك النبي عليه السلام وروى عنه مرسلًا.

وأما عبد الرحمن بن صَفْوان، ويقال له: صفوان بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن ابن صفوان بن قدامة الجمحي له ولأبيه صحبة، ولم يَرو عنه غير مجاهد، روى له أبو داود وابن ماجه.

ص: 178

أما الطريق الأول: فعن ربيع بن سليمان الجيزيّ المصري الأعرج شيخ أبي داود والنسائي، عن عبد الله بن الزبير الحميدي شيخ البخاري، عن محمَّد ابن فضيِل بن غزوان بن جرير الضبي، روى له الجماعة، عن يزيد بن أبي زياد -بالياء آخر الحروف- القرشي الهاشمي روى له مسلم مقرونًا بغيره والأربعة، عن مجاهد بن جبر المكي، عن أبي صفوان أو عبد الله بن صفوان، وأبو صفوان كنية عبد الله بن صفوان، والشك في أن الراوي هل قال في روايته: عن أبي صفوان وذكره بكنيته، أو قال: عن عبد الله بن صفوان وذكره باسمه؟

والطريق الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلّسي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، عن جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الله بن صفوان".

والطريق الثالث: عن علي بن شيبة بن الصَّلْت، عن إسحاق بن إبراهيم الحَنْظلي المعروف بإسحاق بن راهويه شيخ الجماعة غير ابن ماجه، عن جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان قال: "قلت لعمر رضي الله عنه:

" إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا أحمد بن الحجاج، نا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان قال:"لما افتتح رسول الله عليه السلام مكة قلت: لألبسنّ ثيابي وكان داري على الطريق فلأنظرن ما يصنع رسول الله عليه السلام، فانطلقت، فوافيتُ رسول الله عليه السلام قد خرج من الكعبة وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله عليه السلام وسطهم، فقلت لعمر رضي الله عنه": كيف صنع رسول الله عليه السلام حين دخل الكعبة؟ قال: صلى ركعتين".

(1)"مسند أحمد"(3/ 431 رقم 15591).

ص: 179

وأخرجه الطبراني أيضًا: عن الحُسين بن إسحاق، عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير

إلى آخره نحوه وليس فيه سؤاله عن عمر رضي الله عنه.

وأخرجه أيضًا: عن أحمد بن يحيى الحلواني، عن سعيد بن سليمان، عن أبي بكر ابن عياش، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان قال:"رأيت رسول الله عليه السلام وأصحابه مستلمين ما بين الحجر إلى الحجر واضعي خدودهم عليه، فدخلت بين رجلين منهم، قلت: كيف صنع رسول الله حين دخل البيت؟ قال: صلى ركعتين بين الأسطوانتين عن يمين البيت".

قوله: "فهذا عمر- رضي الله عنه (1) قد حكي عنه في ذلك" أي فيما ذكرنا من أنه عليه السلام صلى في البيت ما يوافق ما حكى عبد الله بن عمر، عن أسامة ابن زيد وبلال المؤذن من أنه عليه السلام صلى في البيت، فهؤلاء الثلاثة الأجلاء من الصحابة وهم عمر بن الخطاب وأسامة وبلال قد اتفقوا على أنه عليه السلام صلى في البيت، فهذا أحق بالأخذ مما رواه ابن عباس، عن أسامة أنه لم يصل لما قد ذكرنا.

ص: وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه مثل ذلك.

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا شبابةُ، عن مغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال:"دخل النبي عليه السلام البيت يوم الفتح فصلى فيه ركعتين".

ش: أي: قد روي عن جابر مثل ما روي عن عمر وأسامة وبلال من أنه عليه السلام صلى في البيت.

أخرجه بإسناد صحيح، عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن شبابة بن سوار الفزاري المدائني روى له الجماعة، عن مغيرة بن مسلم القسملي أبي سلمة السراج، وثقه يحيى وروى له أبو داود والترمذي، عن أبي الزبير محمَّد ابن مسلم بن تدرس المكي، عن جابر رضي الله عنه.

(1) وقع خطأ في ترتيب أوراق المخطوط، وقد قمت بترتيبه وإعادة كل ورقة إلى موقعها.

ص: 180

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1) نحوه.

ص: وقد روي أيضًا عن شيبة بن عثمان، وعثمان بن أبي طلحة مثل ذلك.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن الصّباح، قال: ثنا أبو إسماعيل المؤدب، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن عبد الرحمن بن الزجاج قال: أتيتُ شَيْبَة بن عثمان فقلتُ: يا أبا عثمان، إن ابن عباس يَقولُ: إن رسول الله عليه السلام دخل الكعبة فلم يُصلّ. قال: بلى، صلى ركعتين عند العَمُودَيْن المُقدّمين ثم ألزق بهما ظهره".

حدثنا فهدٌ، قال: ثنا محمَّد بن سعيد، قال: أنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الله بن مسلم فذكر بإسناده مثله.

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عثمان، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: أنا هشامُ بن عروة، عن عثمان بن طلحة:"أن رسول الله عليه السلام دخل البيت فصلى فيه ركعتين وجاهك بين السَّاريتَينْ".

ش: أي قد روي أيضًا عن هذين الصحابيين مثل ما روي عن جابر: "أنه عليه السلام صلى في البيت":

أحدهما: شيبة بن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وقيل شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي العبدي الحجبي حاجب الكعبة، وهو جدّ بني شيْبة حجبة الكعبة إلى اليوم، أسلم يوم الفتح، وقيل يوم حنين، وهو الأشهر.

وأخرج حديثه من طريقين:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلّسي، عن محمَّد بن الصَبّاح الدولابي البغدادي البزاز شيخ البخاري ومسلم وأبي داود وأحمد وأبي يعلى وأبي زرعة

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(7/ 403 رقم 36905).

ص: 181

الرازي والدمشقي وآخرين، عن أبي إسماعيل اسمه إبراهيم بن سليمان بن رزيق الشامي المؤدب مؤدب آل عبيد الله، وثقه ابن حبان، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي فيه مقال؛ فعن يحيى: ضعيف ليس بشيء. وعن أبي داود والنسائي: ضعيف. وقال عمرو بن علي: ليس بشيء.

روى له ابن ماجه، عن عبد الرحمن بن الزجاج، وثقه ابن حبان.

وأخرجه الطبراني (1): ثنا محمَّد بن النضر الأزدي، ثنا محمَّد بن سعيد الأصبهاني، ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن عبد الرحمن بن الزجاج قال:"قلت لشيبة بن عثمان: يا أبا عثمان، إنهم يزعمون أن رسول الله عليه السلام دخل الكعبة فلم يُصلّ فيها. فقال: كذبوا، لقد صلى ركعتين بين العمودين، ثم ألصق بهما بطنه وظهره".

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن محمَّد بن سعيد الأصبهاني، عن عبد الرحيم ابن سليمان الأشلّ الكناني، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز

إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (1) بهذا الإسناد كما ذكرناه.

والثاني: عثمان بن أبي طلحة واسمه عبد الله بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي العَبدري حاجب الكعبة له صحبة، وهو ابن عم شيبة بن عثمان المذكور.

وأخرج حديثه بإسناد صحيح، عن علي بن عبد الرحمن بن محمَّد بن المغيرة الكوفي ثم المصري المعروف بعلان، عن عفان بن مسلم الصفار شيخ أحمد، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عثمان بن أبي طلحة

إلى آخره.

(1)"المعجم الكبير"(7/ 297 رقم 7190).

ص: 182

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عفان، ثنا حماد

إلى آخره نحوه سواء.

ص: فإن كان هذا الباب يؤخذ من طريق تواتر الآثار، فإن الآثار قد تواترت أن رسول الله عليه السلام قد صلى في الكعبة ما لم يَتواترَ مثلُه أنه لم يُصلّ.

وإن كان يُؤخذ بأن يُلْقَى ما يُضَادّ منها عن ما يُضَادّ ذلك عنه ويُعمل بما سوى ذلك، فإن أسامة بن زيد الذي حكى عنه ابن عمر أن رسول الله عليه السلام حين دخل الكعبة خرج منها ولم يُصَلّ، فقد روى عنه ابن عمر أن النبي عليه السلام حين دخلها صلى فيها، فقد تضادّ ذلك عنه فتنافيا، ثم قد روي عن عمر وبلال وجابر وشيبة بن عثمان، وعثمان بن أبي طلحة ما يُوافقُ مَا رَوى ابنُ عمر عن أسامة رضي الله عنهم، فذلك أولى مما تفرّد به ابن عباس عن أسامة رضي الله عنهم.

ش: أراد بهذا الباب باب الاستدلال والاحتجاج بالأحاديث، بيان ذلك: أن العمل بالآثار لا يخلو إما أن يكون لكونها قد تكاثرت وتواترت عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وإما أن يكون بحيث يترك ما يضادّ منها ويعمل بما سواه.

فإن كان الأول، فقد تواترت الآثار وتكاثرت عن النبي عليه السلام أنه قد صلى في الكعبة ولم تتواتر بمثل ذلك أنه لم يُصل.

وإن كان الثاني، فينبغي أن نترك خبر ابن عباس لأنه روى عن أسامة بن زيد أنه عليه السلام حين دخل الكعبة خرج منها ولم يصل، ثم روى ابن عمر عنه أنه حين دخلها صلى فيها، فقد تضادت روايتاهما فتنافتا، فحينئذٍ يؤخذ برواية ابن عمر عن أسامة أنه عليه السلام صلى فيها؛ لأنه لم ينفرد بروايته تلك كما انفرد ابن عباس؛ لأن الذي رواه عمر بن الخطاب وبلال وجابر بن عبد الله وشيبة بن عثمان، وعثمان بن أبي طلحة يُوافق ما رواه ابن عمر رضي الله عنهم فالأخذ بما رواه الجماعة أولى، على أن الإثبات مقدم على النفي في مثل هذه الصورة كما ذكرنا، والله أعلم.

(1)"مسند أحمد"(2/ 410 رقم 15424) ولكن من طريق عبد الرحمن بن مهدي وحسن بن موسى، عن حماد، به نحوه سواء.

ص: 183

ص: ثم قد روي عن النبي عليه السلام عليه من قوله ما يدلّ على جواز الصلاة فيها.

حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن منصور بن صفية، عن صفية بنت شيبة أم منصور، قالت: أخبرتني امرأة من بني سُلَيم ولّدَتْ عامَّة أهل دارنا قالت: "أرسل النبي عليه السلام إلى عثمان بن أبي طلحة فقال: إني كنتُ رأيتُ قرنَي الكبْش حين دخلتُ البيت فنَسيِتُ أن آمرك أن تُخمرهما، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيءُ يُشْغِلُ مُصلّيًا".

ش: لما أثبت جواز الصلاة في البيت بما روى بروايات كثيرة من فعل النبي عليه السلام، أكّدَ ذلك بما رُوِي من قوله عليه السلام ما يَدلّ على جواز الصلاة فيه، بأن قوله عليه السلام في حديث امرأة من بني سُلَيم:"لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يُشغل مصلّيًا" يدل على جواز الصلاة فيه.

وأخرجه بإسناد صحيح، عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن منصور بن صفية وهو منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري الحجبي المكي، وأمه صفية بنت شيبة الحاجب بن عثمان بن أبي طلحة لها رؤية، قال الدارقطني: لا تصح لها رؤية وقال ابن الأثير: اختلف في صحبتها، وهي ترْوي عن امرأة من بني سُلَيم وهي صحابية لا تضر جهالتها.

وأخرجه عبد الرزاق (1): عن سفيان بن عيينة، عن منصور بن صفية، عن خالد، عن أمّه، عن امرأة من بني سُلَيم قالت:"سألت عُثْمانَ: لِمَ أَرسل إليك النبي عليه السلام بعد خروجه من الكعبة؟ [قال: بعث إليّ] (2) فقال: إني رأيت قرني الكبش، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يُشْغِل مصليًا".

(1)"مصنف عبد الرزاق"(5/ 88 رقم 9083).

(2)

سقط من "الأصل، ك" والمثبت من "مصنف عبد الرزاق".

ص: 184

قوله: "ولّدت" بتشديد اللام وأراد بها أنها كانت قابلة؛ لأن القابلة تُسمّى المُولِّدة، يقال: ولَّدت الشاة توليدًا إذا حضرت ولادتها فعالجتها حتى يبين الولد منها.

قوله: "رأيت قرني الكبش" أراد بهما قرني الكبش الذي ذبحه إبراهيم الخليل عليه السلام وكانا معلقين في جوف الكعبة.

قوله: "أن تخمرهما" من التخمير بالخاء المعجمة وهو التغطية من خمّرتُ الإناء إذا غطيته بشيء.

ص: وقد روي عنه أيضًا في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا ابن أبي الزناد، قال: ثنا علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كنتُ أحبَّ أن أدخل البيت فأُصلّي فيه، فاخد النبي عليه السلام بيدي، فأدخلني الحجر، وقال: إن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا في بنائها فأخرجوا الحجر من البيت، فإذا أردت أن تُصلّي في البيت فصلّي في الحجر، فإنما هو قطعةُ منه".

ش: أي قد روي عن النبي عليه السلام أيضًا في ما ذكرنا من قوله ما يدلّ على جواز الصلاة في البيت.

وأخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلّسي، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد -بالنون- وأبو الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان المدني، عن علقمة بن أبي علقمة واسمه بلال المدني مولى عائشة أم المؤمنين، روى له الجماعة، عن أمه -أعني أم علقمة المذكور- واسمها مرجانة وثقها ابن حبان وروى لها أبو داود والترمذي والنسائي.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا القعنبي، ثنا عبد العزيز، عن علقمة، عن أمه، عن

(1)"سنن أبي داود"(2/ 214 رقم 2028).

ص: 185

عائشة أنها قالت: "كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله عليه السلام بيدي فأدخلني في الحجر فقال: صلّي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه عن البيت".

وأخرجه الترمذي (1): عن قتيبة، عن عبد العزيز

إلى آخره نحوه، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه النسائي (2) أيضًا.

قوله: "فأدخلني الحِجْر" بكسر الحاء وسكون الجيم وهو اسم للحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي؛ سُمّي به لأنه حجر من البيت، أي منع من دخوله في بنائه ولكنه في حكم البيت حتى إذا طاف من داخل الحجر لا يعتد به، وسُمّي الحطيم أيضًا لأنه حُطم من البيت أي كُسر.

ص: فهذا رسولُ الله عليه السلام قد أجاز الصلاة في الحجر الذي هو من البيت، فقد ثبت بما ذكرنا تصحيح قول مَنْ ذهب إلى إجازة الصلاة في البيت، فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.

وأما حكمه من جهة النظر، فإن الذين يَنْهون عن الصلاة فيه إنما نهوا عن ذلك لأن البيت كله عندهم قبلة، قالوا: فمَنْ صلى فيه فقد استدبر بعضه فهو كمُسْتدبر بعض القبلة فلا تجزئه صلاته، فكان من الحجة عليهم في ذلك: أنَّا رأينا من استدبر القبلة أو ولاها يمينه أو شماله أن ذلك كله سواء، وأن صلاته لا تجزئه، وكان مَنْ صلى مُسْتقبل جهةٍ من جهات البيت أجزأته الصلاة باتفاقهم، وليس هو في ذلك مستقبل جهة القبلة كلها؛ لأن ما عن يمين ما استقبل من البيت، وما عن يساره ليس هو مُسْتقِبله، فلما كان لم يتعبد باستقبال جهات كل البيت في صلاته وإنما يتعبد باستقبال جهة من جهاته

(1)"جامع الترمذي"(3/ 225 رقم 876).

(2)

"المجتبى"(5/ 219 رقم 2912).

ص: 186

ولا يضره ترك استقبال ما بقي من جهاته بعدها كان النظر على ذلك أن من صلى فيه فقد استقبل إحدى جهاته، واستدبر غيرها، فما استدبر من ذلك فهو في حكم ما كان عن يمين ما استقبل من جهات البيت وعن يساره إذا كان خارجًا منه؛ فثبت بذلك أيضًا قول الذين أجازوا الصلاة في البيت؛ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أشار بقوله: "فهذا" إلى ما أجازه رسول الله عليه السلام عليه السلام من الصلاة في الحجر، ولما كان الحجر من البيت كانت الصلاة فيه كالصلاة في البيت، فدل ذلك قطعًا على جواز الصلاة فيه.

قوله: "وأما حكمه" أي حكم هذا الباب من جهة النظر والقياس.

قوله: "فكان من الحجة عليهم في ذلك" أي فكان من الدليل على أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه، وهذا جواب عما قالوه من طريق النظر.

قوله: "فلما كان لم يُتعبّد" بتشديد الباء على صيغة المجهول، والتعبُّد إظهار العبادة لله والقيام بعُبوديته.

قوله: "كان النظر" جواب لقوله: "فلما كان"، والباقي ظاهر.

ص: وقد روي ذلك أيضًا عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمرو الحَوْضِيّ، قال: ثنا يزيد بن إبراهيم، عن عمرو بن دينار قال:"رأيتُ ابن الزبير يُصلّي في الحجر".

ش: أي قد روي أيضًا أداء الصلاة في الحجر الذي هو من البيت عن عبد الله ابن الزبير بن العوام.

أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي عمر حفص بن عمر الحوضي شيخ البخاري وأبي داود، عن يزيد بن إبراهيم التستري البصري، عن عمرو بن دينار المكيّ.

وهذا إسناد صحيح، والله أعلم.

ص: 187