الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: سجود السهو في الصلاة هل هو قبل التسليم أو بعده
؟
ش: أي: هذا باب في بيان سجود السهو في الصلاة هل يكون قبل السلام أو بعده؟
والمناسبة بين البابين ظاهرة لا تخفى.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبد الله بن مالك -هو ابن بُحَينة-:"أنه أبْصر النبي عليه السلام قام في الركعتين ونسي أن يقعد، فمضى في قيامه، ثم سجد سجدتين بعد الفراغ من صلاته".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدّثه، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبد الله بن بُحَينة، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ش: هذان طريقان بإسناد صحيح:
الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن سعيد بن عامر الضبعي البصري روى له الجماعة، وعبد الله بن مالك بن القِشْب الأزدي الصحابي صحب النبي عليه السلام قديمًا، وكان ناسكًا فاضلًا يصوم الدهر، وبُحَينة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح النون وفي آخره هاء، وهي أم عبد الله، وهي بنت الأرتّ وهو الحارث بن المطلب بن عبد مناف.
وأخرجه الطبراني في "الكبير": ثنا معاذ بن المثنى، نا أبو عمر الحوضي، ثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن الأعرج، عن ابن بُحَيْنة: "أن النبي عليه السلام قام في الركعتين
…
" إلى آخره نحوه.
الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك
…
إلى آخره.
وأخرجه مالك في "موطئه"(1).
ويستفاد منه: أن في السهو سجدتين.
وأن التشهد الأول والجلوس له ليْسا بركنين في الصلاة؛ إذ لو كانا ركنين لم يَجْبرهما السجود وغيره، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور.
وقال أحمد في طائفة قليلة: هما ركنان، وإذا سها جبَرهما بالسجود على مقتضى الحديث.
وأن سجدة السهو ثنتان كسجدة الصلاة وليست بواحدة كسجدة التلاوة.
ص: ولم يُبَيّن في هذا الحديث الفراغ ما هو، فقد يجوز أن يكون الفراغ هو السلام، وقد يجوز أن يكون الفراغ من التشهد قبل السلام.
فنظرنا في ذلك فإذا يونس قد حدثنا، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب أخبرهم، عن عبد الرحمن الأعرج، أن عبد الله بن بُحَيْنة حدثه، عن رسول الله عليه السلام مثله، غير أنه قال:"فلما قضى صلاته سجد سجدتين، كبّر في كل سجدةٍ وهو جالسٌ قبل أن يُسلّم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني مالكٌ وعمرو، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن الأعرج، عن ابن بحَينة، عن رسول الله عليه السلام نحوه.
حدثنا ربيعٌ الجيزيُّ، قال: ثنا أسَدٌ، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا الزهري، قال: أخبرني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عبد الله بن بُحَينة قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً يظن أنها العصر، فقام في الثانية ولم يجلسْ، فلما كان قبل أن يُسلّم سجد سجدتين وهو جالسٌ.
(1)"موطأ مالك"(1/ 96 رقم 218).
قال أبو جعفر رحمه الله: فثبت بما ذكرنا في هذه الأحاديث أن الفراغ المذكور في الأحاديث التي في أول هذا الباب هو قبل السلام.
ش: أي لم يُبَيّن في حديث عبد الله بن بحينة في الطريقين المذكورين الفراغ المذكور في قوله: "بعد الفراغ من صلاته" ما هو؟ فهل هو الفراغ الذي هو السلام؟ أو هو الفراغ من التشهد قبل السلام؟ قد ما احتمل الأمرين نظرنا فيه، فوجدنا رواية أخرى تدل على أن الفراغ المذكور هو الفراغ من التشهد قبل السلام.
وأخرجها من أربع طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبد الله بن بُحَيْنة.
وأخرجه الترمدي (1): ثنا قتيبة، قال: ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن عبد الله بن بحينة الأسدي حليف بني عبد المطلب:"أن النبي عليه السلام قام في صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتم صلاته سجد سجدتين، يكبّر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يُسلّم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس".
الثاني: عن يونس أيضًا، عن ابن وهب أيضًا، عن مالك بن أنس وعمرو ابن الحارث المصري، كلاهما عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عبد الله بن بُحَينة، عن رسول الله عليه السلام.
وأخرجه مسلم (2): عن يحيى بن يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبد الله بن بُحَينة قال: "صلى بنا
(1)"جامع الترمذي"(2/ 235 رقم 391).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 399 رقم 570).
رسول الله عليه السلام ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبّر فسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام، ثم سلَّم".
وأبو داود (1): عن القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب.
والنسائي (2): عن قتيبة، عن مالك، عن ابن شهاب
…
إلى آخره نحوه.
والبخاري (3): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن الأعرج، عن عبد الله بن بُحَيْنة أنه قال:"إن رسول الله عليه السلام قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلَّم بعد ذلك".
الثالث: عن ربيع بن سليمان الجيزي المصري الأعرج شيخ أبي داود والنسائي، عن أسد بن موسى أسد السنة، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني، عن محمد بن مسلم الزهري
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن ماجه (4): ثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة وهشام بن عمار، قالوا: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن الأعرج، عن ابن بُحَيْنة:"أن النبي عليه السلام صلى صلاةً أظن أنها العصر، فلما كان الثانية قام قبل أن يجلس، فلما كان قبل أن يسلِّم سجد سجدتين".
الرابع: عن محمد بن خزيمة بن راشد، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن مسلم الزهري
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في مسنده" (5): ثنا سفيان، عن الزهري، عن الأعرج، عن
(1)"سنن أبي داود"(1/ 271 رقم 1034).
(2)
"المجتبى"(3/ 19 رقم 1222).
(3)
"صحيح البخاري"(1/ 411 رقم 1166).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1/ 381 رقم 1206).
(5)
"مسند أحمد"(5/ 345 رقم 22970).
ابن بحينة: "صلى بنا رسول الله عليه السلام صلاة يظن أنها العصر، فقام في الثانية فلم يجلس، فلما كان قبل أن يسلم سجد سجدتين".
وأخرجه الدارقطني أيضًا في "سننه"(1) من هذا الطريق.
ص: حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير، من محمد بن عجلان مولى فاطمة حدثه، عن محمد بن يوسف مولى عثمان حدثه، عن أبيه: أن معاوية بن أبي سفيان صلى بهم، فقام وعليه جلوس فلم يجلس، فلما كان في آخر السجدة من صلاته سجد سجدتين قبل أن يُسلّم، وقال: هكذا رأيت رسول الله عليه السلام يَصْنع".
حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا يحيى بن أيوب وابن لهيعة، قالا: ثنا محمد بن عجلان
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذان طريقان حسنان جيّدان:
الأول: عن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة الكوفي ثم المصري، المعروف بعلان. قال ابن أبي حاتم: صدوق.
عن عبد الله بن صالح المصري شيخ البخاري، عن بكر بن مضر بن محمد أبي عبد الملك المصري روى له الجماعة سوى ابن ماجه، عن عمرو بن الحارث ابن يعقوب المصري روى له الجماعة، عن بكير بن عبد الله بن الأشج المدني نزيل مصر روى له الجماعة، عن محمد بن عجلان المدني روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، عن محمد بن يوسف مولى عثمان بن عفان، وثقه أبو زرعة والدارقطني وروي له النسائي.
عن أبيه يوسف القرشي الأموي المدني مولى عثمان وثقه ابن حبان، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
(1)"سنن الدارقطني"(1/ 377 رقم 2).
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث عمرو بن الحارث، عن بكير، عن ابن عجلان مولى فاطمة، عن محمد بن يوسف مولى عثمان حدثه، عن أبيه، أن معاوية
…
إلى آخره نحوه.
الثاني: عن محمد بن حميد بن هشام الرعيني، عن سعيد بن الحكم بن محمد المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري وعبد الله بن لهيعة المصري، كلاهما عن محمد بن عجلان
…
إلى آخره.
وأخرجه النسائي (2): أنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، عن محمد بن عجلان، عن محمد بن يوسف مولى عثمان، عن أبيه يوسف:"أن معاوية صلى إمامهم، فقام في الصلاة وعليه جلوس، فسبّح الناس، فتمّ على قيامه ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد أن أتم الصلاة، ثم قعد على المنبر فقال: إني سمعت رسول الله يقول: من نسي شيئًا من صلاته فليسجد مثل هاتين السجدتين".
ص: فذهب إلى هذه الآثار قوم، فقالوا: هكذا سجود السهو قبل السلام من الصلاة.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الزهري ومكحولًا ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد في رواية" فإنهم قالوا: سجود السهو قبل السلام من الصلاة.
وقال ابن قدامة في "المغني": السجود كله عند أحمد قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النص بسجودهما بعد السلام وهما: إذا سلم من نقص في صلاته، أو تحرى الإِمام فبنى على غالب ظنه، وما عداهما يسجد له قبل السلام، نصّ هذا في رواية الأثرم.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 344 رقم 3631).
(2)
"المجتبى"(3/ 33 رقم 1260).
وقال القاضي: لا يختلف قول أحمد في هذين الموضعين أنه يسجد لهما بعد السلام، واختلف قوله فيمن سها فصل خمسًا هل يسجد قبل السلام أو بعده؟ على روايتن، وما عدا هذه المواضع الثلاثة يسجد لها قبل السلام روايةً واحدةً".
وبهذا قال سليمان بن داود وأبو خيثمة وابن المنذر.
وحكى أبو الخطاب عن أحمد روايتين أخريين:
إحداهما: أن السجود كله قبل السلام؛ لحديث ابن بُحَينْة وأبي سعيد.
والثانية: أن ما كان من نقصٍ سجد له قبل السلام؛ لحديث ابن بحينة، وما كان من زيادة سجد لها بعد السلام؛ لحديث ذي اليدين وحديث ابن مسعود حين صلى النبي عليه السلام خمسًا، وهذا مذهب مالك وأبي ثور.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: ما كان من سجود سهو لنقصانٍ كان في الصلاة فهو قبل السلام كما في حديث ابن بُحَينْة، وكما في حديث معاوية.
وما كان من سجود سهو وَجَبَ لزيادةٍ زيدت في الصلاة فهو بعد التسليم.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون. وأراد بهم: مالكًا وأبا ثور ونفرًا من أهل الحجازة فإنهم قالوا: سجود السهو للنقصان قبل السلام كما في حديثي ابن بحينة ومعاوية، وللزيادة بعد السلام كما في حديث ذي اليدين وغيره مما هو مثله.
وقال أبو عمر في "التمهيد": قال مالك وأصحابه: كل سهو كان نقصانًا من الصلاة فالسجود له قبل السلام، وإن كان لزيادة فالسجود له بعد السلام.
قال أبو عمر: هو الصحيح في هذا الباب من جهة الآثار؛ لأن في قول مالك ومن تابعه على ذلك استعمال الخبرين جميعًا في الزيادة والنقصان، واستعمال الأخبار على وجوهها أولى من ادعاء النسخ فيها، ومن جهة النظر الفرق بين النقصان في ذلك وبين الزيادة؛ لأن السجود في النقصان إصلاح وجبر، ومحال
أن يكون الجبر والإصلاح بعد الخروج من الصلاة، وأما السجود في الزيادة فإنما ذلك ترغيم للشيطان وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ.
قلت: هذا الفرق غير سديد؛ لأنه سواء نقص أو زاد كل ذلك نقصان؛ لأن الزيادة في غير محلها نقصان كالإصبع الزائدة، فإذا كان كذلك ينبغي أن يكون قبل السلام في الحالتين على مقتضى ما قاله؛ ولأنه لو سها مرتين إحداهما بالزيادة والأخرى بالنقصان ماذا يفعل، وتكرار سجدتي السهو غير مشروع، وقد روي أن أبا يوسف ألزم مالكًا بين يدي الخليفة بهذا الفصل فقال: أرأيت لو زاد ونقص كيف يصنع؟ فتحير مالك، وقيل: قال: هكذا أدركنا مشايخنا.
ص: واحتجوا في ذلك بحديث أبي هريرة في خبر ذي اليدين، وبحديث الخرباق وابن عمر رضي الله عنهم في سجود سهو النبي عليه السلام يومئذٍ بعد السلام.
فمن ذلك: ما حدثنا ربيعٌ المؤذن، قال: ثنا ابن وهب، عن الليث، عن زيد ابن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام:"أنه سجد يوم ذي اليدين -يعني سجدتي السهو- بعد السلام".
وسنذكر حديث ذي اليدين وكيف هو في باب: "الكلام في الصلاة" إن شاء الله تعالى.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه من أن سجدتي السهو في الزيادة بعد السلام بحديث أبي هريرة في خبر ذي اليدين.
وخبر ذي اليدين أخرجه الجماعة كما نذكره في باب: "الكلام في الصلاة" إن شاء الله تعالى.
قوله: "وبحديث الخرباق" أي: واحتجوا أيضًا بحديث خرباق السُّلَمي وخرباق هو ذو اليدين على ما يجيء مستقصى إن شاء الله تعالى.
قوله: "وابن عمر" أي: واحتجوا أيضًا في ذلك بحديث عبد الله بن عمر.
أخرجه ابن ماجه (1): ثنا علي بن محمد وأبو كريب وأحمد بن شيبان، قالوا: أنا أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام سها فسلم في الركعتين، فقال له رجل يقال له ذو اليدين: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسِيتَ؟ قال: ما قصرت وما نِسيتُ. قال: إنك صليت ركعتين. قال: أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم. فتقدّم، فصلّي ركعتين، ثم سلّم، ثم سجد سجدتي السهو".
وأخرجه أبو داود (2) أيضًا.
وأخرجه الطحاوي أيضًا مسندًا في باب: "الكلام في الصلاة" على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
قوله: "فمن ذلك" أي فمن الذي احتجوا [به](3) في ذلك: ما حدثنا ربيع ابن سليمان المؤذن المصري صاحب الشافعي، عن عبد الله بن وهب المصري، عن الليث بن سعد المصري، عن يزيد بن أبي حبيب سُوَيد المصري، عن عراك ابن مالك الغفاري المدني، عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه النسائي (4): أخبرني عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو، قال: أبنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة:"أن رسول الله عليه السلام سجد يوم ذي اليدين سجدتين بعد السلام".
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 383 رقم 1213).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 264 رقم 1008).
(3)
ليست في "الأصل، ك".
(4)
"المجتبى"(3/ 25 رقم 1233).
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: كل سهو وجب في الصلاة لزيادة أو نقصان فهو بعد السلام.
ش: أي خالف الفريقين المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: إبراهيم النخعي وابن أبي ليلى والحسن البصري وسفيان الثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وأحمد في رواية؛ فإنهم قالوا: سجدتا السهو بعد السلام سواء كانت لزيادة أو نقصان، وهو مروي عن علي بن أبي طالب وسَعْد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعمار بن ياسر وعبد الله بن الزبير وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
وذهبت طائفة أخرى أن الاحتياط في هذا أن يتتبع ظواهر الأخبار على الأحاديث؛ إن نهض من ثنتين سجد قبل السلام على حديث ابن بُحَينة، وإذا شك فرجع إلى اليقين سجد قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري، وإذا سلم من اثنتين سجد بعد السلام على حديث أبي هريرة، وإذا شك فكان ممن يرجع إلى التحري سجد بعد السلام على حديث ابن مسعود، وكل سهو يدخل عليه سوى ما ذكرناه يسجد قبل السلام سوى ما روي عن النبي عليه السلام، وإليه ذهب أحمد في رواية وسليمان بن داود الهاشمي من أصحاب الشافعي وأبو خيثمة.
وقال أهل الظاهر: لا يَسْجد إلا في المواضع الخمسة التي سجد فيها رسول الله عليه السلام فقط، وغير ذلك إن كان فرضًا أتي به، وإن كان ندبًا فليس عليه شيء، وكذا قاله ابن سيرين وقتادة، وهو قولى غريب عن الشافعي، وجمهور العلماء على أن التطوع كالفرض.
فإن قيل: لو سجد في السهو قبل السلام كيف يكون حكمه عند الحنفية؟
قلت: قال القدوري: لو سجد للسهو قبل السلام جاز عندنا. هذا في رواية الأصول، وروي عنهم أنه لا يجوز؛ لأنه أدّاه قبل وقته.
وفي "الهداية": وهذا الخلاف في الأولوية، وكذا قاله الماوردي في "الحاوي" وابن عبد البر وغيرهم.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون، قال: أنا المسعودي، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة قال:"صلى بنا رسول الله عليه السلام فسها فنهض في الركعتين، فسبَّحنا به، فمضى، فلما أتم الصلاة وسلم سجد سجدتي السهو".
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا المسعودي، عن زياد بن علاقة قال: "أَمَّنا المغيرة بن شعبة
…
" فذكر نحوه.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا بكر بن بكار، قال: ثنا علي بن مالك الرؤاسي من أنفسهم، قال: سمعت عامرًا يحدث: "أن المغيرة سها في السجدتين الأولين، فسُبِّح به، فاستتم قائمًا حتى صلى أربعًا، ثم سجد سجدتي السهو وقال: هكذا فعل رسول الله عليه السلام".
حدثنا مبشر، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا شعبة، عن جابر بن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة
…
مثله.
حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا شبابة بن سوار، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن المغيرة بن شُبَيْل، عن قيس بن أبي حازم قال:"صلى بنا المغيرة بن شعبة، فقام في الركعتين فسبّح الناس خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما قضى صلاته سلّم وسجد سجدتي السهو، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استتم أحدكم قائمًا فليصل وليسجد سجدتي السهو، وإن لم يستتم قائمًا فليجلس ولا سهو عليه".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، عن إبراهيم بن طهمان، عن المغيرة ابن شُبَيْل، عن قيس بن أبي حازم قال: "صلّى بنا المغيرة بن شعبة فقام من
الركعتين قائمًا، فقلنا: سبحان الله، فأومَأَ وقال: سبحان الله، فمضى، فلما قضى صلاته وسلم سجد سجدتين وهو جالس، ثم قال: صلى بنا رسول الله عليه السلام فاستوى قائمًا من جلوسه فمضى في صلاته، فلما قضى صلاته سجد سجدتين وهو جالس، ثم قال: إذا صلى أحدكم فقام من الجلوس فإن لم يستتم قائمًا فليجلس وليس عليه سجدتان، فإن استوى قائمًا فليمض في صلاته وليسجد سجدتين وهو جالس".
فهذا المغيرة رضي الله عنه يحكي عن رسول الله عليه السلام أنه سجد للسَّهو لِمَا نقصه من صلاته بعد السلام، وهذه الأحاديث قد تحتمل وجوهًا، فقد يجوز أن يكون ما ذكرنا من حديث ابن بُحْيَنة ومعاوية من سجود رسول الله عليه السلام للسهو قبل السلام على كل سهو وجب في الصلاة من نقصان أو زيادة، ويجوز أن يكون ما في حديث المغيرة من سجود رسول الله عليه السلام بعد السلام على كل سهوٍ أيضًا يكون في الصلاة يجب له السجود من نقصان أو زيادة، ويجوز أن يكون ما في حديث عمران وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم من سجود النبي عليه السلام لِمَا زاده في الصلاة ساهيًا يكون كذلك كل سجود وجب لسهو فهناك يسجد، ولا يكون قصد بذلك إلى التفرقة بين السجود للزيادة وبين السجود للنقصان، ويجوز أن يكون قد قصد بذلك إلى التفرقة بينهما.
فنظرنا في ذلك فوجدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حضر سجود سهو النبي عليه السلام في يوم ذي اليدين للزيادة كان زادها في صلاته من تسليمه فيها، وكان سجوده ذلك بعد السلام، فوجدناه قد سجد بعد النبي عليه السلام لنقصانٍ كان منه في الصلاة بعد السلام.
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن ضمضم بن جَوْس الحنفي، عن عبد الله ابن حنظلة بن الراهب: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى صلاة المغرب فلم
يقرأ في الركعة الأولى شيئًا فلما كانت الثالثة قرأ فيها بفاتحة الكتاب وسورة مرتين، فلما سلَّم سجد سجدتي السهو".
فصار سجود رسول الله عليه السلام الذي قد علمه عمر- رضي الله عنه للزيادة التي كان زادها في صلاته، وسجوده لها بعد السلام، دليلًا عنده على أن حكم كل سهو في الصلاة مثله.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه؛ فإنه يحكي في حديثه عن رسول الله عليه السلام أنه سجد للسهو لأجل نقصانه من صلاته بعد السلام، ولما لم يتم الاستدلال بهذا لكونه صريحًا في أن سجود السهو بعد السلام لأجل النقصان، ومذهب هؤلاء أنه بعد السلام مطلقًا، أشار إلى تمام الاستدلال لمذهبهم مع بيان التوفيق بين أحاديث هذا الباب حيث قال: وهذه الأحاديث قد تحتمل وجوهًا، وأراد بها الأحاديث المذكورة في هذا الباب وغيره، وهي أحاديث: عبد الله بن بحَينة، ومعاوية ابن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، وعمران بن الحصين، وأبي هريرة، وعبد الله ابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وعبد الرحمن بن عوف، وثوبان مولى النبي عليه السلام، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن جعفر، وأنس بن مالك، والمنذر بن عمرو، وعمر بن عبيد الله بن أبي الرّقاد، وعبد الله بن مسعود، وعائشة (1) رضي الله عنهم.
ولكن الطحاوي ما ذكر في تصحيح معاني هذه الأحاديث إلا أحاديث ابن بحينة ومعاوية والمغيرة وعمران وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم حيث قال: فقد يجوز أن يكون ما ذكرنا في حديث ابن بحينة
…
إلى آخره.
بيانه: أن حديث عبد الله بن بُحَينة وحديث معاوية بن أبي سفيان يحتمل أن يكون يصرفه على كل سهو وجب في الصلاة من نقصان أو زيادة، وكذلك يجوز
(1) قطع في الحاشية.
أن ما في حديث المغيرة من سجود رسول الله عليه السلام على كل سهو أيضًا سواء كان لنقصان أو زيادة، وكذلك يجوز أن يكون ما في أحاديث عمران وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم من سجوده لأجل زيادته في صلاته ساهيًا على كل سجود وجب للسهو فيسجد هناك، ولا يقصد بذلك التفرقة بين السجود للزيادة وبين السجود للنقصان، ويحتمل أيضًا أن يكون قد قصد بذلك إلى التفرقة بينهما، ولكن رأينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حضر سجود سهو النبي عليه السلام في يوم ذي اليدين، وكان ذلك لأجل الزيادة التي زادها في صلاته وهي تسليمه فيها، وكان سجوده ذلك بعد السلام، ثم رأينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد سجد بعد النبي عليه السلام لأجل نقصان كان منه في الصلاة بعد السلام، فدلّ ذلك أن سجود رسول الله عليه السلام بعد السلام الذي قد كان عمر- رضي الله عنه علمه لأجل الزيادة التي كان زادها في صلاته على حكم كل سهو في الصلاة سواء كان للزيادة أو للنقصان، والله أعلم.
وأخرج الأثر المذكور بإسناد حسن جيد، عن سليمان بن شعيب الكيْساني، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي وثقه أبو حاتم وغيره، عن شعبة بن الحجاج، عن عكرمة بن عمار العجلي اليمامي روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، عن ضمضم بن جَوْس -بالجيم المفتوحة والواو الساكنة والسين المهملة- وثقه ابن حبان وروى له الأربعة- عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب أبي عبد الرحمن
المدني، له رؤية من النبي عليه السلام، وأبوه حنظلة غِسيل الملائكة غسلته يوم أحد؛ لأنه قُتِل وهو جنب.
فهذا الذي ذكره الطحاوي من تصحيح معاني الآثار فنقول: أما حديث ابن بحينة ومعاوية فإنهما وإن كانا قد صرّحا بأنه قد سجد للسهو قبل السلام ولكن حديث المغيرة بن شعبة يعارض حديثهما؛ لأنه يدل على أنه عليه السلام قد سجد للسهو بعد السلام، فكل واحد من أحاديث هؤلاء يجوز أن يكون على
سهو وجب في الصلاة من نقصان أو زيادة، فصارت رواية الفعل متعارضة، فبقي لنا رواية القول سالمة من التعارض وهي رواية ثوبان رضي الله عنه.
وأخرجها أبو داود (1) وابن ماجه (2)، وأحمد (3) وعبد الرزاق (4) والطبراني (5).
قال أبو داود (6): ثنا عمرو بن عثمان والربيع بن نافع وعثمان بن أبي شيبة وشجاع بن مخلد -بمعنى الإسناد- أن ابن عياش حدثهم، عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي، عن زهير -يعني: ابن سالم العنسي- عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير -قال عمرو وحده-: عن أبيه، عن ثوبان، عن النبي عليه السلام قال:"لكل سهو سجدتان بعد ما يُسلّم".
ولم يذكر عن أبيه غير عمرو.
واستدل صاحب "الهداية" من أصحابنا بهذا الحديث في قوله: يسجد للسهو للزيادة والنقصان سجدتين بعد السلام ثم يتشهد ثم يسلم.
فإن قيل: ذكر البيهقي هذا الحديث ثم قال: إسناده فيه ضعف.
قلت: سكوت أبي داود يدل على أن أقل أحواله أن يكون حسنًا عنده على ما عرف (7)، وليس في إسناده من تُكلم فيه سوى ابن عياش، وبه علل البيهقي الحديث في كتاب "المعرفة" فقال: تفردّ به إسماعيل بن عياش وليس بالقوي.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 272 رقم 1038).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 385 رقم 1219).
(3)
"مسند أحمد"(5/ 280 رقم 22470).
(4)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 322 رقم 3533).
(5)
"المعجم الكبير"(2/ 92 رقم 1412).
(6)
"سنن أبي داود"(1/ 272 رقم 1038).
(7)
نبهنا أكثر من مرة على أن هذا الأمر فيه نظر.
قلنا: هذه العلة ضعيفة فإن ابن عياش روى هذا الحديث عن شامي وهو عبيد الله الكلاعي، وقد قال البيهقي في باب:"ترك الوضوء من الدم"(1): ما روى ابن عياش عن الشاميين صحيح.
فلا نَدْري من أين حصل الضعف لهذا الإسناد.
ثم معنى قوله: "لكل سهو سجدتان" أي سواء كان من زيادة أو نقص كقولهم: لكل ذنب توبة، وحمله على هذا أولى من حمله على أنه كلما تكرر السهو ولو في صلاة واحدة لكل سهو سجدتان كما فهمه البيهقي حتى لا تتضاد الأحاديث، وأيضًا فقد جاء هذا التأويل مصرّحًا به في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله عليه السلام: "سجدتا السهو تجزئان عن كل زيادة ونقصان".
ذكره البيهقي في باب: "من كثر عليه السهو"(2)، على أن البيهقي فهم من هذا اللفظ أيضًا ما فهمه في هذا الباب، وبهذا لا يظهر لك أنه لا اختلاف بين حديث ثوبان وبين حديث أبي هريرة وعمران وغيرهما.
فإن قيل: روايات القول أيضًا متعارضة، ألا ترى إلى ما رواه عبد الله بن مسعود، عن رسول الله عليه السلام أنه قال:"إذا كنت في صلاةٍ فشككت في ثلاث وأربع وأكبر ظنك على أربع؛ تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضًا، ثم تسلم".
أخرجه أبو داود (3).
قلت: لا يضر ما ذكرت؛ لأن هذا الخلاف في الأولوية فللمصلي أن يختار أي قولٍ شاء؛ لأن الأحاديث صحّت في الأقوال والأفعال جميعًا، على أن صاحب "البدائع" قد ذكر أن ما رواه الخصم من أنه سجد للسهو قبل السلام مجمل،
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 142 رقم 653).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 346 رقم 3676).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 270 رقم 1028).
يحتمل أنه سجد قبل السلام الأول ويحتمل أنه سجد قبل السلام الثاني، وما رويناه نحن محكم، فينصرف ما رواه إلى موافقة المحكم، وهو أنه سجد قبل السلام الأول وبعد السلام الأول؛ ردًّا للمحتمل إلى المحكم.
قلت: حديث عبد الله بن مسعود هذا رواه عنه ابنه أبو عبيدة، وقد قالوا: إنه لم يسمع من أبيه، وقال أبو داود عقيب ذكره هذا الحديث: وكذا رواه عبد الواحد عن خُصيف ولم يرفعه.
ووافق عبد الواحد أيضًا سفيان وشريك وإسرائيل، واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه.
وقال البيهقي: هذا الحديث غير قوي واختلفوا في رفعه ومتنه.
وأما حديث عمران بن حصين: فأخرجه الطحاوي في الباب الذي يلي هذا الباب على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وأما حديث أبي هريرة: فقد أخرجه الطحاوي على ما مرّ.
وأما حديث عبد الله بن عمر: فأخرجه أبو داود (1) وابن ماجه (2)، وقد ذكرناه فيما مضى.
وأما حديث أبي سعيد الخدري: فقد ذُكر في الباب الذي قبله.
وأما حديث عبد الله (3).
(1)"سنن أبي داود"(1/ 270 رقم 1017).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 383 رقم 1213).
(3)
هذا آخر ما وقع لنا من المجلد الثالث من "الأصل، ك".