الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الصلاة في الثوب الواحد
ش: أي هذا باب في بيان حكم الصلاة في الثوب الواحد، ويجمع الثوب على أثواب وثياب، وجمع القلة: أثوب، والمناسبة بين البابين من حيث أن ما سبق في حكم الصلاة في المسجد قبل صلاة الصبح هل تصلى فيه؟ وهذا في حكم الصلاة في ثوب المصلي ولا غنى للمصلي عن ذلك، ومن هذه الحيثية تناسبا، وهذا القدر كافٍ، على أن المقصود معرفة الأحكام لا مناسبة الأبواب.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني نافع: "أن ابن عمر رضي الله عنه كساه وهو غلام، فدخل المسجد فوجده يُصلّي متوشّحًا فقال: أليس لك ثوبان؟ قال: بلى. قال: أرأيت لو استعنت بك وراء الدار أكُنْتَ لابسهما؟ قال: نعم. قال: فالله أحق أن تزين له أم الناس؟ قال نافع: بل الله -فأخبره عن النبي عليه السلام أو عن عمر قال نافع: قد اسَتْيقَنْتُ أنه عن أحدهما وما أراه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:- لا يَشْتملُ أحدكم في الصلاة اشتمال اليهود، مَن كان له ثوبان فليتَّزر وليرْتدِ، ومن لم يكن له ثوبان فليتَّزر ثم ليصلّ".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع
…
فذكر بإسناده مثله سواء.
حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا شَيْبان بن فروخ، قال: ثنا جرير بن حازم، عن نافع قال: حدّث ابن عمر فلا أدري أرفعه إلى النبي عليه السلام أم حدث به عن عمر؟ شك نافع، ثم ذكر مثل ما حدث به نافع عن ابن عمر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من كلام عمر في الحديث الأول.
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا أبي، قال: سمعت نافعًا، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه. فذكر مثله.
ش: هذه أربع طرق رجالها كلهم ثقات:
الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن رَوْح بن عبادة، عن عبد الملك بن جريج المكي.
وأخرجه عبد الرزاق (1): عن ابن جريج، قال: أخبرني نافع: "أن ابن عمر كساه ثوبين وهو غلام، قال: فدخل المسجد فوجده يصلي متوشحًا في ثوب، فقال: أليس لك ثوبان تَلْبَسُهما؟ فقلت: بلى. فقال: أرأيتَ لو أني أَرْسلتُكَ إلى وراء الدار أُكنْتَ لابسهما؟ قال: نعم. قال: فالله أحقُّ أن تتزين له أم الناس؟ قال نافع: فقلت: بل الله، فأخبره عن رسول الله عليه السلام أو عن عمر رضي الله عنه قد استيقن نافع أنه عن أحدهما وما أراه إلا عن رسول الله عليه السلام أنه قال: لا يشتمل أحدكم في الصلاة اشتمال اليهود ليتوشح به، من كان له ثوبان فليتزر ثم ليصلِّ.
قال لي نافع: وكان عبد الله لا يرى لأحد أن يصلي بغير إزار وسراويل وإن كانت جبة ورداء دون إزار وسراويل".
الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلّسي، عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجَبي أبي محمَّد البَصْري شيخ البخاري وأبي مسلم الكجّي، عن حماد بن زيد، عن أيوب السَخْتياني، عن نافع
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع قال:"تخلّفت يومًا في علف الركاب، فدخل عَليَّ ابن عمر رضي الله عنهما وأنا أصلِّي في ثوب واحد، فقال لي: ألم تكْسَ ثوبين؟ قلت: بلى. قال: أرأيت لو بَعَثْتُك إلى بعض أهل المدينة أكنت تذهب في ثوب واحد؟ قلت: لا. قال: فالله حقٌّ أن تجمل له أم الناس؟ ثم قال: قال رسول الله عليه السلام أو قال عمر رضي الله عنه: "من كان له ثوبان فليصلّ فيهما، ومَنْ كان له إلا ثوب فليتزر به ولا يشتمل كاشتمال اليهود".
(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 357 رقم 1390).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 236 رقم 3090).
الثالث: عن يزيد بن سنان القزاز، عن شيبان بن فروخ
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): عن عبد الرزاق
…
إلى آخره كما ذكرناه.
الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، عن نافع
…
إلى آخره.
وأخرجه البزار في "مسنده"(2): ثنا إسماعيل بن مسعود، نا فضيل بن سليمان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر -قال: إما عن رسول الله عليه السلام وإما عن عمر رضي الله عنه قال: "إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من تُزُيِّن له".
وزاد فضيل عن موسى، عن نافع، عن ابن عمر:"فإن لم يكن لأحدكم ثوبَيْن فليصلّ في ثوب ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود".
قوله: "وهو غلام" جملة اسمية وقعت حالًا.
قوله: "يصلي متوشحا" جملة في محل النصب على أنه مفعول ثان لقوله: "وجده"، وقوله:"متوشحا" حال من الضمير المنصوب الذي في "فوجده"، والتوشح بالثوب التغشي به، والأصل فيه من الوشاح وهو شيء ينسج عريضًا من أديم وربما رُصِّع بالجوهر والخرز وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها ويقال فيه: وشاح وإشاح.
قال البخاري: قال الزهري في حديثه: الملتحف المتوشح وهو المخالف بين طرفيه على عاتقيه، وهو الاشتمال على منكبيه.
وقال ابن سيده: التوشح: أن يتوشح بالثوب ثم يخرج طرفه الذي ألقاه على عاتقه الأيسر من تحت يده اليمني ثم يعقد طرفيهما على صدره، وقد وشحه الثوب.
(1)"مسند أحمد"(2/ 148 رقم 6356).
(2)
ورواه الطبراني في "الأوسط"(9/ 144 - 145 رقم9368) من طريق حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، به مرفوعًا بلا شك.
قوله: "أرأيت" معناه أخبرني.
قوله: "استيقنتُ" من اليقين.
قوله: "وما أُراه" بضم الهمزة أي: وما أظن ذلك إلا عن رسول الله عليه السلام.
قوله: "لا يشتمل أحدكم
…
" إلى آخره، الاشتمال المنهي عنه هو أن يجلل بدنه الثوب ويسبله من غير أن يشيل طرفه.
وقال ابن الأثير: الاشتمال افتعال من الشملة وهو كساء يُتغطَّى به ويتلفف فيه، والمنهي عنه هو التجلل بالثوب وإسباله من غير أن يرفع طرفه.
قلت: أما اشتمال الصماء الذي جاء في الحديث فهو أن يجلل بدنه الثوب ثم يرفع طرفيه على عاتقه الأيسر.
ص: فذهب إلى هذا قومٌ فكرهوا الصلاة في ثوب واحد إن كان قادرًا على ثوبين، وكرهوا الصلاة لمن لم يكن قادرًا إلا على ثوب واحدٍ مشتملًا به ملتحفًا. قالوا: ولكن ينبغي له أن يتزر به، واحتجوا بهذا الحديث وقالوا: هو عن النبي عليه السلام لا شك فيه.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: مجاهدًا وطاوس وإبراهيم النخعي وأحمد في رواية وعبد الله بن وهب من أصحاب مالك ومحمد بن جرير الطبري؛ فإنهم كرهوا الصلاة في ثوب واحد إذا كان قادرًا على ثوبين، وإن لم يكن قادرًا إلا على ثوب واحد كرهوا له أيضًا أن يصلي مشتملًا به ملتحفا، بل السنة أن يأتزر به، واحتجوا فيما ذهبوا إليه بالحديث المذكور عن نافع، وقالوا: هو عن النبي عليه السلام لا شك فيه بمعنى أنه لا يشك فيه أنه هل هو عن النبي عليه السلام أو عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر فيما مضى بالشك.
وقد قال الدارقطني فيه: إنه حديث غريب صحيح، وذكره ابن القطان من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رفعه بلا شك.
وقد ذكر ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن مجاهد: "لا تصلّ في ثوب واحد إلا أن لا تجد غيره".
وعن (2) ابن مسعود: "لا تصلين في ثوب وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض".
وقال القاضي عياض: الصلاة في الثوب الواحد جائزة بغير خلاف بين العلماء إلا شيء روي عن ابن مسعود رضي الله عنه، كما أنه لا خلاف أن الصلاة في الثوبين وجمع الثياب أفضل، وهو معنى ما روي عن ابن عمر في ذلك وغيره لا على أنه لا يجزئ.
ص: وذكروا في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا زهير بن عبّاد، قال: ثنا حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا صلّى أحدكم فليَلْبَس ثوبَيْه؛ فإن الله أحق من تُزيّن له، فإن لم يكن له ثوبان فليتّزر إذا صلى، ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا شعبة، عن توبة العَنْبري، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام أنه قال:"إذا صلى أحدكم فليأتزر ولْيَرتَد".
قالوا: فهذا موسى بن عقبة وهو من جِلة أصحاب نافع وقدمائهم قد ذكر ذلك عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام، فلم يشك، ووافقه على ذلك توبة العنبري.
ش: أي: وذكر هؤلاء القوم في قولهم أن الحديث المذكور عن النبي عليه السلام لا شك فيه ما حدثنا ابن أبي داود
…
إلى آخره.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 279 رقم 3204).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 279 رقم 3205).
وأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي من طريقين صحيحين:
الأول: عنه، عن زهير بن عباد ابن عم وكيع بن الجراح الكوفي نزيل مصر وثقه جماعة، عن حفص بن ميسرة العقيلي أبي عمر الصنعاني وثقه أحمد، روى له أبو داود في "المراسيل" والباقون سوى الترمذي، عن موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي أبي محمَّد المدني روى له الجماعة.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله ولا يرى نافع إلا عن رسول الله عليه السلام قال:"إذا صلى أحدكم فليلبس ثوَبْيه؛ فإن الله أحق مَنْ تُزيِّن له، فإن لم يكن له ثوبان فليأتزر إذا صلى ولا يشتمل اشتمال اليهود"(2).
والثاني: عن إبراهيم أيضًا، عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه معاذ، عن شعْبة، عن توبة العنبري، عن نافع، عن ابن عمر.
وأخرجه البيهقي أيضًا في "سننه"(3): من حديث معاذ بن معاذ، نا شعبة، عن توبة العنبري، سمع نافعًا، عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام قال:"إذا صلى أحدكم فليأتزر ولْيَرْتد".
قوله: "قالوا" أي هؤلاء القوم: "فهذا موسى بن عقبة وهو من جلة" -بكسر الجيم- جمع جليل أي من عظماء "أصحاب نافع وقدمائهم قد ذكر" الحديث المذكور "عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام، ولم يشك، ووافقه على ذلك" أي وافق موسى بن عقبة على رفعه إلى النبي عليه السلام من غير شك توبه العَنْبري.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 235 رقم 3088).
(2)
وقد ذكرنا عن قريب أن الطبراني أخرجه في "الأوسط" من طريق حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، به.
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 235 رقم 3086).
ص: قيل لهم: فقد [روى](1) هذا الحديث عن ابن عمر غير نافع، فذكره عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنه لا عن النبي عليه السلام.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عُقَيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر قال:"رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلًا يصلّي ملتحفًا، فقال له عمر حين سلَّم: لا يُصلّين أحدكم ملتحفًا ولا تشبّهوا باليهود، فإن لم يكن لأحدكم إلا ثوبٌ واحد فليتزر به".
فهذا سالمٌ وهو أثبت من نافع وأحفظ إنما روى ذلك عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنه لا عن النبي عليه السلام، فصار هذا الحديث عن عمر لا عن النبي عليه السلام، ورواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر من قوله، ولم يذكر فيه رسول الله عليه السلام ولا عمر رضي الله عنه.
حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كسا نافعًا ثوبَيْن، فقام يصلي في ثوب واحدٍ، فعاب ذلك عليه ثم قال: احذر ذاك؛ فإن الله عز وجل أحق أن يتجمل له".
ش: أي قيل لهؤلاء القوم في جواب ما ذكروه.
بيانه أن يقال: إن هذا الحديث رواه غير نافع، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا عن النبي عليه السلام.
وذلك ما أخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبد الله بن صالح شيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن عُقَيل -بضم العين- بن خالد، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله قال: "رأى عمر رضي الله عنه
…
" إلى آخره.
(1) تكررت في "الأصل".
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر:"أن عمر بن الخطاب رأى رجلًا يصلي ملتحفًا فقال: لا تشبَّهوا باليهود، مَنْ لم يجد منكم إلا ثوبًا واحدًا فليتزر به" انتهى.
فهذا سالم رواه موقوفًا على عمر رضي الله عنه، ولا شك أن سالمًا أثبت من نافع وأحفظ لما روي عن عبد الله بن عمر، فظهر من ذلك أن أصل هذا الحديث عن عمر بن الخطاب لا عن النبي عليه السلام، على أن مالكًا قد روى هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر من قوله ولم يذكر في روايته عن رسول الله عليه السلام ولا عن عمر بن الخطاب، ولئن سلمنا أن هذا الحديث مرفوع إلى النبي عليه السلام فهو محمول على الأفضل لا على أن لا يجزئ، وقد قيل: إن ما ورد من النهي عن الصلاة في الثوب الواحد محمول على التنزيه لا على التحريم.
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"رأيت سبعين من أهل الصُّفة يصلون في ثوب، فمنهم من يبلغ ركبتَيْه ومنهم من هو أسفل من ذلك، فإذا ركع قبض عليه يخاف أن تبدو عورته".
وأخرج عبد الرزاق (3): عن ابن عُيَيْنة، عن عمرو، عن الحسن قال:"اختلف أبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في ثوب واحد، فقال أُبيّ: لا بأس به. وقال ابن مسعود: إنما كان ذلك إذا كان الناس لا يجدون ثيابًا، فأما إذا وجدوها فالصلاة في ثوبين، فقام عمر رضي الله عنه على المنبر فقال: الصوابُ ما قال أبي لا ما قال ابن مسعود".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 278 رقم 3196).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 278 رقم 3192).
(3)
"مصنف عبد الرزاق"(1/ 356 رقم 1385).
وعن ابن وهب: "صلاة الرجل في ثوب واحدٍ رخصة، وفي ثوبين مأمور به".
قوله: "ملتحفًا" حال من الضمير الذي في "يصلي"، والالتحاف بالثوب التغطي به، يقال: التحفت بالثوب أي تغطيت به، وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به.
قوله: "فعاب ذلك عليه" أي عاب عليه كونه يصلّي في ثوب واحد مع قدرته على ثوبين؛ لأنه ترك التجمل وهو واقف بين يدي الله عز وجل.
قوله: "احذَرْ ذاك" أي الفعل المذكور، وهو أن يصلي في ثوب واحدٍ مع قدرته على أكثر من ذلك، فهذا كله محمول على اكتساب الفضيلة، وأما الجواز فحاصل ولو كان بثوبٍ واحد.
ص: وخالف ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بالصلاة في ثوبٍ واحدٍ.
ش: أي خالف الحكم المذكور الذي ذهب إليه القوم المذكورون جماعة آخرون، وأراد بهم: الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وسعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن الحنفية وعطاء بن أبي رباح وعكرمة وأبا حنيفة والشافعي ومالكًا وأحمد وإسحاق وجمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين؛ فإنهم قالوا: لا بأس بالصلاة في ثوب واحد، ويُروى ذلك عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن عباس وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وأنس بن مالك وخالد بن الوليد وجابر بن عبد الله وعمار بن ياسر وأبي بن كعب وعائشة وأسماء وأم هانئ رضي الله عنهم.
وقال ابن عبد البر: وروي عن جابر وابن عمر وابن عباس ومعاوية وسلمة بن الأكوع وأبي أمامة وطاوس ومجاهد وإبراهيم وجماعة من التابعين أنهم أجازوا الصلاة في القميص الواحد إذا كان لا يَصْفُو، وهو قول عامة فقهاء الأمصار في جميع الأقطار، ومن العلماء من استحب الصلاة في ثوبين، وأجمع
جميعهم أن صلاة من صلى بثوب واحد يستر عورته جائزة، وكان الشافعي يقول: إذا كان الثوب ضيِّقًا يُزرّه أو يخلله بشيء لئلا يتجافي القميص فتُرى من الجيب العورة، فإن لم يَفْعل ورأيت عورته أعاد الصلاة، وهو قول أحمد، وقد رخّص مالك في الصلاة في القميص محلول الإزرار ليس عليه سراويل وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور، وكان سالم يُصلّي محلول الإزرار، وقال داود الطائي: إذا
كان عظيم اللحية فلا بأس به، وحكى معناه الأثرم عن أحمد.
وقال ابن التين: لا خلاف بين العلماء أن المصلي إذا تقلص مئزره أو كشفت الريح ثوبه وظهرت عورته ثم رجع الثوب في حينه وفوره أنه لا يضر ذلك المصلي شيئًا، وكذلك المأموم إذا رأى من العورة مثل ذلك، إنما يحرم النظر معالعمد ولا يحرم النظر فجأة، وإن صحت صلاة الإِمام فأحرى أن تصحّ صلاة المأموم، وقال ابن القاسم: إن فرّط في ردّ إزاره فصلاته وصلاة من تأمل عورته باطلة.
وعن سحنون: إن رفع الريح ثوب الإِمام فانكشف عن دبره فأخذه مكانه أجزأه ويعيد كل من نظر إلى عورته ممن خلفه ولا شيء على من لم ينظر. وروي عنه أيضًا: أن صلاته وصلاة من خلفه باطلة وإن أخذه مكانه.
وعن الشافعي: لو انكشف شيء من العورة في الصلاة بطلت صلاته، ولا يُعْفى عن شيء منها ولو شعرةً من رأس الحرة أو ظفرها، وعند أحمد: يُعْفى عن القليل ولم يحُدّه.
وفي بعض شروح "الهداية": الانكشاف القليل عندنا لا يمنع، وكذا الكثير في الزمن القليل وهو أن لا يؤدي فيه ركنًا من أركان الصلاة، حتى لو انكشفت عورته في الصلاة فغطاها في الحال لا تفسد صلاته، وإذا أدى ركنًا فسدت ولا يصح شروعه في الصلاة مع الانكشاف.
وذكر ابن شجاع: أن من نظر في زنقة فرجه لم تصح صلاته. وفي "نوادر هشام": وإذا كان قميصه محلول الجيب فانفتح حتى رأى عورة نفسه بطلت صلاته، قال: وإن لم ينظر فإن التزق الثوب بصدره حتى لا يراها لو نظر لا تفسد، فعلى هذه الرواية جعل سترها شرطا من نفسه، وعامة أصحابنا جعلوا السَّتْر شرطًا عن غيره لا عن نفسه؛ لأنها ليست عورةً في حق نفسه، وبالأول قال الشافعي وأحمد، وروى ابن شجاع نصًّا عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لو كان محلول الجيب فنظر إلى عورة نفسه لا تفسد صلاته، ولو نظر المصلي إلى عورة غيره لا تفسد صلاته عند أبي حنيفة قال المرغيناني: وهو قولهما ، ولو صلى في قميصٍ واحدٍ لا يري أحد عورته، لكن لو نظر إنسان من تحته رأى عورته فهذا ليس بشيء، والثوب الرقيق الذي لا يصفو ما تحته لا يجوز الصلاة فيه، وهو قول الشافعي وأحمد.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا محمَّد بن عمرو، قال: ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال:"قام رجلٌ فقال: يا رسول الله، أَنُصلِّي في ثوبٍ واحدٍ؟ فقال: أو كُلكُمْ يجد ثوبين؟ ".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهبٌ (ح).
وحدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الله بن بكر، قالا: ثنا هشام بن حسان، عن محمَّد، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عُبادة، قال: ثنا ابن جريج ومالك ومحمد بن أبي حفصة، قالوا: ثنا ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة حدثه، عن رسول الله عليه السلام. قال أبو هريرة: فلعَمْري إني لأترك ثيابي في المِشْجَب وأُصلِّي في الثوب الواحد".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب
…
فذكر بإسناده مثله ولم يذكر قول أبي هريرة عن النبي عليه السلام.
حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون، قال: أنا محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: أي: واحتج الجماعة الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة وغيره على ما يجيء.
وأخرجه من ستة طرق صحاح:
الأول: عن محمَّد بن عمرو بن يونس التغلبي المعروف بالسُوسي، عن أبي معاوية محمَّد بن خازم الضرير، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن محمَّد ابن سيرين، عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال:"سئل النبي عليه السلام عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: أولكلكم ثوبان؟ ".
وأخرجه الجماعة إلا الترمذي على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
الثاني: عن أبي بكرة بكار، عن وهب بن جرير، عن هشام بن حسان، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة.
وأخرجه الدارمي في "مسنده"(2): أنا سعيد بن عامر، عن هشام، عن محمَّد، عن أبي هريرة:"أن رجلًا قال: يا رسول الله، أيُصلّي الرجل في الثوب الواحد؟ قال: أوكلكم يجد ثوبين؟ أولكلكم ثوبان؟ ".
الثالث: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن عبد الله بن بكر السهمي، عن هشام
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي (3) نحوه.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 275 رقم 3163).
(2)
"سنن الدارمي"(1/ 367 رقم 1370).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 236 رقم 3092).
الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن روْح بن عبادة، عن عبد الملك بن جريج المكي ومالك بن أنس ومحمد بن أبي حفصة وهو محمد بن ميسرة البصري، كلهم عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة.
وأخرجه مالك في "موطئه"(1).
الخامس: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن أبي سلمة
…
إلى آخره نحو الحديث المذكور، ولم يذكر قول أبي هريرة: "فلعمري إني لأترك ثيابي
…
" إلى آخره عن النبي عليه السلام.
وأخرجه مسلم (2): حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:"أن سائلًا سأل رسول الله عليه السلام عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: أولكلكم ثوبان؟! ".
حدثني (3) حرملة بن يحيى، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس.
وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: حدثني عقيل بن خالد كلاهما، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.
وأخرجه البخاري (4): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب نحوه.
وأخرجه أبو داود (5): عن القعنبي، عن مالك.
(1)"موطأ مالك"(1/ 140 رقم 319).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 367 رقم 515).
(3)
"صحيح مسلم"(1/ 368 رقم 515).
(4)
"صحيح البخاري"(1/ 141 رقم 351).
(5)
"سنن أبي داود"(1/ 169 رقم 625).
والنسائي (1): عن قتيبة بن سعيد، عن مالك.
وابن ماجه (2): عن أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار كلاهما، عن سفيان ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة نحوه.
السادس: عن حُسين بن نصر، عن يزيد بن هارون الواسطي شيخ أحمد، عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(3).
قوله: "أولكلكم" الهمزة فيه للاستفهام، واعلم أن اللفظ وإن كان لفظ الاستفهام ولكن المعنى الإخبار عما كان يعلمه عليه السلام من حالهم في العدم وضيق الثياب، يقول: فإذا كنتم بهذه الصفة وليس لكل واحد منكم ثوبان، والصلاة واجبة عليكم، فاعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة.
وقال القاضي عياض: وقول النبي عليه السلام: "أو لكلكم ثوبان" أو "يجد ثوبين" صيغته صيغة الاستفهام ومعناه التقرير والإخبار عن معهود حالهم، وضمنه دليل على الرخصة، وتنبيه على أن الثوبين أفضل وأتمّ، وهو المفهوم منه عند أكثر العلماء.
قلت: ذهب الطحاوي والتاجي أيضًا إلى أن مفهومه التسوية بين الصلاة في الثوب الواحد مع وجود غيره أو عدمه في الإجزاء.
قوله: "في المِشْجب" بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الجيم، وهو واحد المشاجب، وهي عيدان تُنصب وتُعلّق عليها الثياب وقِرَب الماء.
(1)"المجتبى"(2/ 69 رقم 763).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 333 رقم 1047).
(3)
"مسند أحمد"(2/ 265 رقم 7595).
قال ابن الأثير: المِشْجب -بكسر الميم- عيدان تُضمّ رءوسها وينفرّج بين قوائمها وتوضع عليها الثياب، وقد تعلق عليها الأسقية لتبريد الماء، وهو من تشاجب الأمر إذا اختلط، انتهى.
قلت: هي بالفارسية تسمى: سِرَياني وهو الذي يقال له بين الترك: سيِبَهُ، فافهم.
ص: حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا يوسف بن عديّ، قال: ثنا ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، قال: ثنا أبان بن يزيد، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن عيسى بن خثيم، عن قيس بن طلق، عن أبيه:"أنه شهد النبي عليه السلام وسأله رجل عن الرجل يُصلّي في ثوب واحد، فلم يقُل له شيئًا، فلما أقيمت الصلاة طارق النبي عليه السلام بين ثوبَيْه فصلى فيهما".
ش: هذان طريقان في حديث طلق بن علي الحنفي السحيمي اليمامي الصحابي رضي الله عنه وهما حسنان جيّدان:
الأول: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن ملازم بن عمرو الحنفي اليمامي وثقه أحمد وروى له الأربعة، عن عبد الله بن بدر الحنفي جد ملازم بن عمرو لأبيه وقيل لأمه، وثقه يحيى وأبو زرعة والعجلي وروى له الأربعة، عن قيس بن طلق الحنفي وثقه العجلي وغيره وروى له الأربعة، عن أبيه طلق بن علي.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا مُسدّد، نا ملازم بن عمرو الحنفي، ثنا عبد الله ابن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه قال: "قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فقال: يا نبي الله، ما ترى في الصلاة في الثوب الواحد؟ قال: فأطلق
(1)"سنن أبي داود"(1/ 170 رقم 629).
رسول الله عليه السلام إزاره، فطارق له رداءه، فاشتمل بهما ثم قام يصلي بنا نبي الله عليه السلام، فلما أن قضى الصلاة قال: أوكلكم يجد ثَوْبين؟! ".
الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي، عن أبان بن يزيد العطار البصري روي له البخاري ومسلم وآخرون، عن يحيى بن أبي كثير الطائي روى له الجماعة، عن عيسى بن خُثيم -بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة- الحنفي اليمامي، وثقه ابن حبان، وذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه.
عن قيس بن طلق، عن أبيه
…
إلى آخره.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا محمَّد بن يحيى القزاز البصري، نا موسى بن إسماعيل أبو سلمة، ثنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن عيسى بن خُثَيْم، عن قيس بن طلق، عن أبيه
…
إلى آخره نحوه، غير أن في روايته:"طابق النبي عليه السلام".
قوله: "طارق النبي عليه السلام" من قولهم: طارق الرجل بين الثوبين إذا ظاهر بينهما أي لبس أحدهما على الآخر، وطارق بين نعليه إذا خصف أحدهما على الآخر.
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن القعقاع بن حكيم قال:"دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد وقميصه ورداؤه في المشجب، فلما انصرف قال: أما والله ما صنعت هذا إلا من أجلكم، إن النبي عليه السلام سئل عن الصلاة في ثوب واحد فقال: نعم، ومتى يكون لأحدكم ثوبان؟! ".
ش: إسناده صحيح، وابن أبي ذئب هو محمَّد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب المدني، والقعقاع بن حكيم الكناني المدني روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح".
(1)"المعجم الكبير"(8/ 335 رقم 8255).
وأخرجه البخاري (1): ثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثني ابن أبي الموالي، عن محمَّد بن المنكدر قال:"دخلت على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب ملتحفًا به، ورداؤه موضوع، فلما انصرف قلنا: يا أبا عبد الله، تصلي ورداؤك موضوع؟ قال: نعم، أحببت أن يراني الجُهّال مثلكم، رأيت النبي عليه السلام يصلي هكذا".
وقال أيضًا (2): ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا عاصم بن محمَّد، قال: حدثني واقد بن محمَّد، عن محمَّد بن المنكدر قال:"صلى جابر في إزار قد عقده من قبل قفاه وثيابه موضوعة على المشجب، قال له قائل: تُصلي في إزارٍ واحدٍ؟ فقال: إنما صنعتُ ذلك ليراني أحمق مثلك، وأيُّنا كان له ثوبان على عهد النبي عليه السلام".
ومما يستفاد منه: أن للعالم أن يأخذ بأيسر الشيء مع قدرته على أكثر منه؛ توسعة على العامة ليقتدى به، وهو قول جماعة الفقهاء.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روحٌ، قال: ثنا زمعة بن صالح قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن سالم، عن أبيه، عن النبي عليه السلام مثل ما ذكر جابر عن النبي عليه السلام.
ش: أبو بكرة بكار، وروح هو ابن عبادة، وزمعة بن صالح الجَنَدي اليمامي نزيل مكة روي عن يحيى أنه ضعيف، وعنه: صويلح الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوى، كثير الغلط عن الزهري. روى له مسلم مقرونًا بمحمد بن أبي حفصة وأبو داود في "المراسيل" والباقون سوى البخاري.
ص: فهذا ابن عمر رضي الله عنهما قد روى عن النبي عليه السلام إباحة الصلاة في ثوب واحد.
ش: إنما قال ذلك لأن أهل المقالة الأولى كانوا قد احتجوا لما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمر كما ذكر مفصلًا ، ولما أخرج هذا الحديث عنه أيضًا قال
(1)"صحيح البخاري"(1/ 145 رقم 363).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 139 رقم 345).
هذا القول تنبيها على أن المراد من حديثه ذاك هو استعمال الأفضل؛ ليرتفع الخلاف بين روايتيه.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: أنا شعبة، قال: أنا هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة "أنه رأى رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم وعبد الله بن صالح، قالا: ثنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عمر بن أبي سلمة قال:"رأيت النبي عليه السلام يصلي في ثوب واحدٍ ملتحفًا به".
ش: هذان طريقان صحيحان:
أحدهما: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، عن عمر بن أبي سلمة -واسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المدني- ربيب النبي عليه السلام، مات النبي عليه السلام وهو ابن تسع سنين وتوفي هو سنة ثلاث وثمانين.
والحديث أخرجه الجماعة:
فالبخاري (1): عن عبيد الله بن موسى، عن هشام بن عروة
…
إلى آخره، ولفظه:"أن النبي عليه السلام صلى في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه".
وفي لفظ: "أنه رأى النبي عليه السلام يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه على عاتقيه".
وفي لفظ: "رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد مشتملًا به في بيت أم سلمة واضعًا طرفيه على عاتقيه".
ومسلم (2): عن أبي كريب، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
(1)"صحيح البخاري"(1/ 140 رقم 347، 348).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 368 رقم 517).
أن عمر بن أبي سلمة قال: "رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد مشتملًا به في بيت أم سلمة واضعًا طرفيه على عاتقه".
وفي لفظ: "يصلي في بيت أم سلمة في ثوب قد خالف بين طرفيه".
وفي لفظ: "يصلي في ثوب ملتحفًا مخالفًا بين طرفيه".
وفي لفظ: "على منكبيه".
والترمذي (1): عن قتيبة، عن الليث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة:"أنه رأى رسول الله عليه السلام يصلي في بيت أم سلمة مشتملًا في ثوب واحدٍ".
والنسائي (2): عن قتيبة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة:"أنه رأى رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة واضعًا طرفيه على عاتقيه".
وابن ماجه (3): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد متوشحًا به، واضعًا طرفيه على عاتقيه".
والطريق الآخر: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري وعبد الله بن صالح، كلاهما عن الليث ابن سعد، عن يحيى بن عبد الله الأنصاري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري واسمه أسْعَد، وقيل: سعيد، وقيل: اسمه كنيته، والأول هو المشهور، روى له الجماعة، قال أبو عمر: هو من كبار التابعين.
(1)"جامع الترمذي"(2/ 166 رقم 339).
(2)
"المجتبى"(2/ 70 رقم 764).
(3)
"سنن ابن ماجه"(1/ 333 رقم 1049).
وأخرجه أبو داود (1): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا الليث، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عمر بن أبي سلمة قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد ملتحفًا مخالفًا بين طرفيه على منكبيه".
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي قتيلة، قال: أنا الدراورديُّ، عن موسى بن محمَّد بن إبراهيم، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع قال: قلت: "يا رسول الله إني أعالج الصيد، أفاصلي في القميص الواحد؟ قال: نعم، وزرّه ولو بشوكة".
ش: ابن أبي قُتَيلة هو يحيى بن إبراهيم بن عثمان أبو إبراهيم المدني، وثقه ابن حبان وأبو حاتم، وروى له النسائي.
والدراوردي هو عبد العزيز بن محمَّد روى له الجماعة البخاري مقرونا بغيره.
وموسي بن محمَّد بن إبراهيم هذا قد قيل فيه: موسى بن إبراهيم، بدون ذكر محمَّد، وهكذا هو في رواية أبي داود على ما يجيء وهو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، قال أبو داود: موسى ضعيف وله أحاديث مناكير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقد يَشْتبه هذا بموسى بن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني وهو ضعيف جدًّا، ثم إن موسى المذكور ها هنا يَرْوي عن أبيه محمَّد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، والأصح أن موسى هذا هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن، وهكذا وقع في رواية أبي داود والنسائي على ما يجيء، وإبراهيم هذا روى له البخاري والنسائي وأبن ماجه، وهو يروي عن سلمة بن الأكوع.
وأخرجه أبو داود (2): ثنا القعنبي، نا عبد العزيز -يعني ابن محمَّد- عن
(1)"سنن أبي داود"(1/ 169 رقم 828).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 170 رقم 632).
موسى بن إبراهيم، عن سلمة بن الأكوع قال: قلت: "يا رسول الله، إني رجل أصيد، أفأصلي في القميص الواحد؟ قال: نعم، وازرره ولو بشوكة".
وأخرجه النسائي (1) نحوه.
فهذا كما رأيت المخالفة بين رواية الطحاوي ورواية أبي داود من وجهين:
الأول: روى الطحاوي عن الدراوردي، عن موسى بن محمَّد بن إبراهيم، وروى أبو داود عن موسى بن إبراهيم.
والثاني: روى الطحاوي عن موسى بن محمَّد بن إبراهيم، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع، وروى أبو داود: عن موسى بن إبراهيم، عن سلمة بدون ذكر أبيه، وذكر في "التكميل" أن موسى بن إبراهيم روى عن أبيه وروى عن سلمة بن الأكوع أيضًا في الصلاة في الثوب الواحد.
قوله:"وزِرَّه" أمر من زرّ يزرّ من باب نصر ينصر، وتجوز فيه الحركات الثلاث كمدّ ويجوز فيه فك الإدغام كما في رواية أبي داود فيكون فيه أربعة أحوال، وإنما أمر بالزرّ ليأمَن من وقوع النظر على عورته من زنقة حالة الركوع، ومن هذا أخذ ابن شجاع من أصحابنا أن من نظر إلى عورته من زنقة؛ تفسد صلاته.
قوله: "ولو بشوكة" الباء فيه تتعلق بمحذوف تقديره: ولو أن تزرّه بشوكة.
ص: ففي هذه الآثار إباحة الصلاة في الثوب الواحد، فذلك يضادّ ما منع الصلاة في ثوب واحد ويدُلّ أن ذلك لا بأس به على حال الوجود وحال الإعواز؛ وذلك أن السائل سأل النبي عليه السلام:"أيصلي أحدنا في ثوب واحدٍ؟ " فأجابه النبي عليه السلام جوابًا مطلقًا فقال: "أوكلكم يجد ثوبين؟ " أي: لو كانت الصلاة مكروهةً في الثوب الواحد لكُرهَتْ لمن لا يجد إلا ثوبًا واحدًا، ففي جوابه ذلك ما يَدُلّ على أن حكم الصلاة في الثوب الواحد لمن يجد الثوبين كهو في الصلاة في الثوب الواحد لمن لا يجد غيره.
(1)"المجتبى"(2/ 70 رقم 765).
ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي رواها عن أبي هريرة وطلق بن علي وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وعمر بن أبي سلمة وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهم، أي ثبت في هذه الأحاديث إباحة الصلاة في الثوب الواحد، وهذه تخالف ما روي من المنع عن الصلاة في الثوب الواحد، ويدل أيضًا أن ذلك أي فعل الصلاة في الثوب الواحد لا بأس به مطلقًا، يعني على الوجود أي وجود الثوبين وأكثر.
وحال الإعواز -بكسر الهمزة- أي حال العدم يعني عدم الثوبين، ثم أشار إلى بيان ذلك بقوله: "وذلك أن السائل
…
" إلى آخره، وهو ظاهر.
ص: ثم أردنا أن نَنْظر كيف ينبغي أن يَفْعَل بالثوب الواحد الذي يصلي فيه؟ أيَشْتملُ به أو يتزر؟ فنظرنا في ذلك فإذا ابن مرزوق قد حدثنا، قال: ثنا أبو عامر العقَديُّ، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها في حديث طويل قالت:"فأمر رسول الله عليه السلام فاطمةَ فسكبَتْ له غسلًا فاغتسل، ثم صلى في ثوبٍ واحدٍ مخالفًا بين طرفيه ركعات".
حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاري، عن محمَّد بن عمرو، قال: ثنا إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبي مُرّة
…
فذكر بإسناده في الصلاة مثله، وقال:"ثمان ركعات".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن موسى بن ميسرة وأبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، أن أبا مرة أخبرهما، أن أم هانئ ابنة أبي طالب أخبرته، عن النبي عليه السلام بمثله.
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعيد بن أبي هند، أن أبا مرة حدثه
…
ثم ذكر مثله بإسناده.
ش: لما أثبت جواز الصلاة في الثوب الواحد؛ شرع يُبيِّن كيف يصلي فيه وأورد أحاديث عن الصحابة تدل على أنه ينبغي له أن يشتمل به، فأخرج أولًا حديث أم هانئ بنت أبي طالب واسمها فاختة، وقيل: هند.
وأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العَقَدي -وقد تكرر ذكره- عن محمَّد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب -واسمه يزيد- روى له الجماعة.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا زيد بن الحباب، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، عن فاختة أم هانئ قالت:"لما كان يوم فتح مكة أجَرْتُ حَموين لي من المشركين إذ طلع رسول الله عليه السلام وعليه رهجة الغبار في ملحفة متوشحًا بها، فلما رآني قال: مرحبا بفاختة أم هانئ. قلت: يا رسول الله أجرت حموين لي من المشركين. فقال: قد أجرنا مَنْ أجرت وأمنا من أمَّنْت. ثم أمر فاطمة فسكبت له ماء فتغسّل به، فصلى ثمان ركعات في الثوب متلّبّبٌ به، وذلك يوم فتح مكة ضحى".
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(2): ثنا أبو زرعة الدمشقي، ثنا آدم بن أبي إياس، نا أبو معشر، عن سعيد المقبري، عن أبي مرة مولى عقيل، عن أم هانئ: "أن النبي عليه السلام دخل عليها يوم الفتح فاغتسل، فصلى الضحى ثمان ركعات في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه
…
" الحديث.
وفي رواية له (3): "أمر فاطمة فسكبت له غسلًا، ثم سُتِر فاغتسل، وقام
(1)"مسند أحمد"(6/ 341 رقم 26936).
(2)
"المعجم الكبير"(24/ 417 رقم 1016).
(3)
"المعجم الكبير"(24/ 416 رقم 1014).
فصلى الضحى ثمان ركعات في ثوب واحد مخالفًا بين طرفيه، لم أره صلى قبل ولا بعد".
قوله: "غُسلًا" بضم الغين وهو الماء الذي يُغتسل به كالأكُل اسم لما يؤكل، وهو الاسم أيضًا من غسلته، والغَسل بالفتح: المصدر، وبالكسر: ما يغسل به من خطمي ونحوه.
قوله: "متلبّب به" في رواية أحمد: أي متحزم به عند صدره، يقال: تلبّب بثوبه إذا جمعه.
الثاني: عن محمَّد بن خزيمة، عن محمَّد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي شيخ البخاري وأحمد، عن محمَّد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين الهاشمي أبي إسحاق المدني مولى العباس بن عبد المطلب، عن أبي مرة مولى عقيل.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا يزيد بن هارون، أنا محمَّد -يعني ابن عمرو- عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبي مرة مولى أم هانئ- قال محمَّد: ورأيت أبا مرة وكان شيخًا قد أدرك أم هانئ- عن أم هانئ قالت: "أتيت رسول الله عليه السلام عام الفتح فقلت: يا رسول الله، قد أجرت حموًا لي فزعم ابن أمي أنه قاتله -تعني عليًّا رضي الله عنه- قالت: فقال رسول الله عليه السلام: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ. فصُبّ لرسول الله عليه السلام ماءٌ فاغتسل، ثم التحف بثوب عليه وخالفه بين طرفيه على عاتقه، فصلى ثمان ركعات".
الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن موسى بن ميسوة الديلي أبي عروة المدني، وعن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله.
(1)"مسند أحمد"(6/ 342 رقم 26941).
وأخرجه البخاري (1): ثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني مالك بن أنس، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره، أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول:"ذهبت إلى رسول الله عليه السلام عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه فقال: مَنْ هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: مرحبًا بأم هانئ. فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات ملتحفًا في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي أنه قاتل رجلًا قد أجرته فلان بن هبيرة، فقال رسول الله عليه السلام: قد أجرنا مَنْ أَجرتِ يا أم هانئ. قالت أم هانئ: وذاك ضُحًى".
الرابع: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن شعيب بن الليث، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة.
وأخرجه مسلم (2): ثنا محمَّد بن رمح بن المهاجر، قال: أنا الليث، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن سعيد بن أبي هند، أن أبا مرة مولى عقيل حدثه، أن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته:"أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله عليه السلام وهو بأعلى مكة، قام رسول الله عليه السلام إلى غُسله فسترت عليه فاطمة رضي الله عنها، ثم أخذ ثوبه فالتحف به، ثم صلى ثمان ركعات سُبْحَة الضحى".
ص: حدثنا محمَّد بن علي بن مُحرزٍ، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سَعْد، قال: ثنا أبي، عن أبي إسحاق، قال: حدثني سلمة بن كهيل ومحمد بن الوليد، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنها قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في بُرد له حَضْرمي متوشحًا به ما عليه غيره".
(1)"صحيح البخاري"(1/ 141 رقم 350).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 266 رقم 336).
ش: رجاله ثقات، وإسناده صحيح.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا يعقوب، نا أبي، عن أبي إسحاق: حدثني سلمة بن كهيل الحضرمي، ومحمد بن الوليد بن نويفع مولى آل الزبير، كلاهما عن كريب مولى عبد الله بن عباس، عن عبد الله بن عباس قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يصلي من الليل في بُرد له حضرمي متوشحًا به ما عليه غيره".
قوله: "في بُرد" بضم الباء: نوع من الثياب معروف، والجمع أبراد وبرود، والبردة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع فيه صغر تلبسه الأعراب وجمعها بردُ، والحضرمي نسبه إلى حضرموت بلدة باليمن.
قوله: "متوشحًا" حال من الضمير الذي في "يصلي"، وقد مر تفسير التوشح.
ص: حدثنا ربيع الجيزيُّ، قال: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: ثنا يعلى بن الحارث المحاربي قال: سمعت غيلان بن جامع يحدث، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن ابنٍ لعمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال أبي رضي الله عنه: "أمَّنا رسول الله عليه السلام في ثوبٍ واحدٍ متوشحًا به".
ش: يعلى بن الحارث بن حرب أبو حرب الكوفي روى له الجماعة سوى الترمذي، وغيلان بن جامع بن أشعث المحاربي أبو عبد الله الكوفي قاضيها، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
وإياس بن سلمة بن الأكوع الأسلمي أبو سلمة المدني روى له الجماعة.
وابن لعمار بن ياسر لم أقف على التصريح باسمه، ولكن لعمار ابنٌ يسمّى محمَّد ولعله هذا والله أعلم، ذكره ابن حبان في الثقات.
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا أحمد بن عبد الله بن
يونس، قال: ثنا يعلى بن الحارث المحاربي
…
إلى آخره نحوه سندًا ومتنًا.
(1)"مسند أحمد"(1/ 265 رقم 2384).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 277 رقم 3186).
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، عن سليمان، قال: ثنا أبو سفيان، عن جابر، قال: حدثني أبو سعيد: "أنه دخل على رسول الله عليه السلام فرآه يصلي في ثوبٍ واحدٍ متوشحًا به".
ش: إسناده صحيح، وأبو بكرة بكار ويحيى بن حماد بن أبي زياد الشيباني أبو محمَّد البصري ختن أبي عوانة، روى له الجماعة أبو داود في غير كتاب "السنن"، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري روى له الجماعة، وسليمان هو الأعمش، وأبو سفيان طلحة بن نافع الواسطي روى له الجماعة البخاري مقرونًا بغيره، وجابر هو ابن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك الخدري.
والحديث أخرجه ابن ماجه (1): ثنا أبو كريب، نا عمر بن عُبَيْد، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، حدثني أبو سعيد الخدري: "أنه دخل
…
" إلى آخره نحوه.
ص: حدثنا إبراهيم بن منقذ، قال: أخبرني إدريس بن يحيى، عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، أن أبا الزبير المكيّ أخبره:"أنه دخل على جابر بن عبد الله وهو يصلي ملتحفٌ بثوبٍ وثيابه قريبة منه، ثم التفت إلينا فقال: إنما صنعت هذا لكي ما تروا، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك".
ش: إسناده صحيح، وأبو الزبير محمَّد بن مسلم بن تدرس المكي.
وأخرجه مسلم (2): حدثني حرملة بن يحيى، قال: نا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو، أن أبا الزبير المكي حدثه:"أنه رأى جابر بن عبد الله يصلي في ثوبٍ متوشحًا وعنده ثيابه، وقال جابر: إنه رأى رسول الله عليه السلام يَصْنع ذلك".
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 333 رقم 1048).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 369 رقم 518).
ص: حدثنا يزيد بن سنان وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليتعطف به".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث وأسامة ابن زيد الليثي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله:"أنه رأى رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد مخالفًا بين طرفَيْه على عاتقه، وثوبه على المشجب".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا أبو غسان، عن عاصم بن عبيد الله:"إنه دخل على جابر بن عبد الله، فلما حضرت الصلاة قام فصلى وهو متوشح بإزار، وثيابه على المشجب، فلما صلى انصرف إلينا فقال: رأيت رسول الله عليه السلام صلّى هكذا".
ش: هذه ثلاث طرق أخرى في حديث جابر:
الأول: إسناده صحيح، عن يزيد وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج المكي، عن أبي الزبير محمَّد بن مسلم المكي.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عمرو، ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج
…
إلى آخره نحوه سواء.
قوله: "فليتعطف به" أي فليشتمل به، يقال: تعطّف بالرداء واعتطف وتعطفه واعتطفه، والعِطاف -بكسر العين- الرداء، وكذلك المعطف.
الثاني: أيضًا صحيح، عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث عبد الله بن وهب، أنا أسامة وعمرو بن الحارث، عن أبي الزبير، عن جابر
…
إلى آخره نحوه سوه.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 237 رقم 3097).
قوله: "على عاتقه" العاتق: موضع الرداء من المنكب، يذكر ويؤنث.
قوله: "وثوبه على المِشْجب" وقعت حالًا، والمِشْجب -بكسر الميم- قد فسرناه عن قريب.
الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري، عن أبي غسّان محمَّد بن مطرف بن داود الليثي المدني ثقة مشهور، عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي المدني، فيه مقال؛ فعن أحمد: ليس بذاك. وعن يحيى: ضعيف. وقال الدارمي: مدني يُترك وهو مغفل. وقال ابن خزيمة: لست أحتج به لسوء حفظه. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ولا يُحتج به.
وقد ذكرنا أن البخاري أخرج هذا الحديث (1).
ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة:"أنه رأى رسول الله عليه السلام يصلي في ثوبٍ واحدٍ في بيت أم سلمة واضعًا طرفيه على عاتقَيْه".
حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عمر بن أبي سلمة قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في ثوبٍ واحدٍ ملتحفًا به مخالفًا بين طرفيه على منكبَيْه".
ش: قد أخرج الطحاوي هذين الحديثين عن قريب.
ولكن الأول: عن أبي بكرة، عن أبي داود، عن شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة.
والثاني: عن ابن أبي داود، عن ابن أبي مريم وعبد الله بن صالح، كلاهما عن الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عمر بن أبي سلمة.
(1)"صحيح البخاري"(1/ 139 رقم 345).
وأخرجه أبو داود (1) نحوه، وقد ذكرناه.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن سلمة (ح).
وحدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا عبيد الله بن محمَّد التيمي، قال: أنا حماد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن الحسن، عن أنس رضي الله عنه قال:"خرج رسول الله عليه السلام وهو متكئ على أسامة متَوشّحًا ببُرْدٍ فصلَّى بهم".
ش: هذان إسنادان صحيحان:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سليمان بن حرب الواشحي البصري شيخ البخاري وأبي داود، عن حماد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد الأزدي أبي شهيد البصري، عن الحسن البصري.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا حسين، نا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس.
والحسن، عن أنس:"أن رسول الله عليه السلام خرج متوكئًا على أسامة بن زيد وعليه ثوبٌ قِطْرِي قد خالف بين طرفيه، فصلى بهم".
ثنا سليمان بن حرب (3)، نا حماد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن أنس بن مالك:"أن رسول الله عليه السلام خرج وهو يتوكأ على أسامة بن زيد وعليه ثوب قطري فصلى بهم" أو قال: "مشتملًا فصلى بهم".
الثاني: عن محمَّد بن خزيمة، عن عبيد الله بن محمَّد التيمي شيخ أحمد، عن حماد بن سلمة
…
إلى آخره.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 169 رقم 628).
(2)
"مسند أحمد"(3/ 262 رقم 13788).
(3)
"مسند أحمد"(2/ 262 رقم 13789).
وأخرجه أحمد (1) أيضًا: ثنا عبيد الله بن محمَّد، نا حماد بن سلمة، عن حبيب ابن الشهيد، عن الحسن، عن أنس بن مالك:"أن رسول الله عليه السلام خرج وهو يتوكأ على أسامة بن زيد متوشحًا في ثوب قطري فصلَّى بهم- أو قال: مشتملًا فصلَّى بهم".
قوله: "متوشحًا"، حال من الرسول عليه السلام ، وقد ذكرنا أن التوشح هو الاشتمال على منكبيه.
قوله: "في ثوب قِطْري" بكسر القاف وهو ثوب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة، وقيل: هي حُلَلَ جياد تحمل من قرية من البحرين يقال لها: قَطَر بفتحتين، فإذا نسب إليها الثوب تكسر القاف للتخفيف فيقال: ثوب قِطريُّ.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم وبشر بن المفضل ويحيى بن سعيد، قالوا: أخبرنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بين طرفيه".
ش: إسناده صحيح، وإسماعيل بن إبراهيم هو إسماعيل بن عُلَيّة -وهي أمه- روى له الجماعة، وهشام هو الدستوائي.
وأخرجه أبو داود (2): ثنا مسدد، نا يحيى.
ونا مسدد، قال: ثنا إسماعيل المعنى، عن هشام
…
إلى آخره نحوه.
وأخرج البخاري (3): ثنا أبو نعيم، قال: ثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة -قال: سمعته أو كنت سألته- قال: سمعت أبا هريرة يقول: أشهد
(1)"مسند أحمد"(3/ 262 رقم 13787).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 169 رقم 627).
(3)
"صحيح البخاري"(1/ 141 رقم 353).
أني سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه".
وأراد بالمخالفة بطرفيه على عاتقيه: هو التوشح، وهو الاشتمال على منكبيه، وإنما أمر بذلك ليستر أعالي البدن وموضع الزينة.
وقال ابن بطال: وفائدة المخالفة في الثوب أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع.
قلت: يجوز أن تكون الفائدة أن لا يسقط إذا ركع وإذا سجد، ثم هذا الأمر للندب عند الجمهور حتى لو صلى وليس على عاتقه شيء صحت صلاته، وسواء قدر على شيء يجعله على عاتقه أم لا، وبه قال مالك والشافعي.
وقال أحمد وبعض السلف: لا تصح صلاته إذا قدر على وضع شيء على عاتقه إلا بوضعه؛ لظاهر قوله عليه السلام: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء"، وعن أحمد أنه تصح صلاته ولكنه يأثم بتركه.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا هشام بن حسان وشعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحدٍ مخالف بين طرفيه".
ش: قد أخرج الطحاوي هذا فيما مضى من هذا الباب عن أبي بكرة، عن أبي داود، عن شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة:"أنه رأى رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة".
وأخرجه أيضًا: عن يونس، عن ابن وهب، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة:"أنه رأى رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة واضعًا طرفيه على عاتقيه".
ولا يقال: إنه تكرار؛ للاختلاف في السند والمتن، ولكن لو ذكر الجميع في موضع واحد لكان أضبط وأصوب.
ص: فقد تواترت هذه الآثار عن النبي عليه السلام بالصلاة في الثوب الواحد متوشحًا به في حال وجود غيره، قد ذكرنا ذلك في بعض هذه الأحاديث أنه صلى -وثيابه على المشجب- في ثوبٍ واحدٍ متوشحًا به، فقد يجوز أن يكون ذلك على ما اتسع من الثياب خاصة لا على ما ضاق منها، ويجوز أن يكون على كل الثياب، ما ضاق منها وما اتسع.
فنظرنا في ذلك فإذا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قد حدثنا، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا فطر بن خليفة، عن شرحبيل بن سَعْدٍ، قال: ثنا جابر، أن رسول الله عليه السلام كان يقول:"إذا اتسع الثوب فتعطَّف به على عاتقك، وإذا ضاق فاتّزر به ثم صلِّ".
فثبت بهذا الحديث أن الاشتمال هو المقصود، وأنه هو الذي ينبغي أن يفعل في الثياب التي يُصلِّي فيها، فإذا لم يقدر عليه لضيق الثوب اتّزر به.
ش: أي: فقدْ تكاثرت هذه الأحاديث وتتابعت بجواز الصلاة في الثوب الواحد حال كونه متوشحًا به في حال وجود غيره من الثياب.
وهذا كما قد رأيت قد أخرجها عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وهم: أبو هريرة، وطلق بن علي وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر وعمر بن أبي سلمة وسلمة ابن الأكوع وأم هانئ وعبد الله بن عباس وأبي بن كعب وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
ولما أخرج الترمذي (1) حديث عمر بن أبي سلمة في الصلاة في ثوب واحد قال: وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وسلمة بن الأكوع وأنس وعمرو بن أبي أسد وأبي سعيد وكيسان وابن عباس وعائشة وأم هانئ وعمار بن ياسر وطلق بن علي وعبادة بن الصامت.
(1)"جامع الترمذي"(2/ 167 رقم 339).
قلت: وفي الباب أيضًا عن حذيفة وعبد الله بن أبي أمية وعبد الله بن أنيس وعبد الله بن سرجس وعبد الله بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان وأبي أمامة وأبي عبد الرحمن حاضن عائشة وأم حبيبة وأم الفضل ورجل لم يُسمّ.
أما حديث عمرو بن أبي أسد فأخرجه أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة"، والحسن بن سفيان في "مسنده" من رواية محمَّد بن بشر العبدي، عن عبيد الله بن عمر، عن ابن شهاب الزهري، عن عمرو بن أبي أسد قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في ثوب واحد واضعًا طرفيه على عاتقه".
وأما حديث كَيْسان فأخرجه ابن ماجه (1): من رواية معروف بن مشكان، عن عبد الرحمن بن كيسان، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يصلي بالبئر العليا في ثوب" وكيسان هو ابن جرير مولى خالد بن أبي أسيد الأموي.
وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود (2): من رواية أبي صالح، عن عائشة:"أن النبي عليه السلام صلى في ثوب بعضه عليّ".
وأما حديث عبادة بن الصامت: فأخرجه الطبراني في "الكبير": من رواية إسحاق بن يحيى، عن عبادة:"أن رسول الله عليه السلام سئل عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: إن كان واسعًا فليضمّه، وإن كان عاجزًا فليتّزر به".
وإسحاق بن يحيى لم يسمع من جده عبادة.
وأما حديث حذيفة: فأخرجه أحمد في"مسنده"(3): من رواية الوليد بن عيزار، قال: قال حذيفة: "بتُّ بآل رسول الله عليه السلام فقام رسول الله عليه السلام يصلي وعليه طرف لحاف، وعلى عائشة طرفه وهي حائض لا تُصلِّي".
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 333 رقم 1050).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 170 رقم 631).
(3)
"مسند أحمد"(5/ 400 رقم 23444).
وأما حديث عبد الله بن أبي أمية: فأخرجه الطبراني في "الكبير": من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، قال: أخبرني عبد الله ابن أبي أمية: "أتى رأى النبي عليه السلام يصلي في بيت أم سلمة في ثوب واحد ملتحفًا به مخالفًا بين طرفيه".
وأما حديث عبد الله بن أُنَيْس: فأخرجه الطبراني أيضًا في "الكبير": من رواية أبي الحسن، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أُنيس قال:"أتيتُ النبي عليه السلام وهو يصلي فقمت عن يساره، فأخذني رسول الله عليه السلام فأقامني عن يمنيه وعليّ ثوب متمزق لا يواري، فجعلت كلما سجدتُ أمسكته بيدي مخافة أن تنكشف عورتي وخلفي نساء، فلما انصرف رسول الله عليه السلام دعا لي بثوب فكسانيه وقال: تدرع بخلقك".
وأما حديث عبد الله بن سرجس: فأخرجه الطبراني أيضًا: من رواية مسلم ابن أبي مريم، عن عبد الله بن سرجس: "أن نبي الله عليه السلام صلي يوما وعليه نمرة له
…
" الحديث.
وأما حديث عبد الله بن عبد الله بن المغيرة: فأخرجه أحمد (1): من طريق محمَّد بن إسحاق، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عبد الله بن المغيرة المخزومي قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في بيت أم سلمة زوج النبي عليه السلام في ثوب واحد ما عليه غيره".
وقال ابن عبد البر: ذكره جماعة من الصحابة، وفيه نظر قال: ولا يصح له عندي صحبة؛ لصغره.
وأما حديث علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: فأخرجه الطبراني (2): من
(1)"مسند أحمد"(4/ 27 رقم 16385).
(2)
كذا عزاه المؤلف في "الأصل" ولم أجده، وقد عزاه الهيثمي في "المجمع" (2/ 51) للبزار في "مسنده" وقال: وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو ضعيف.
رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فَروة، عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنَيْن، عن أبيه، عن ابن عباس، عن علي، أن النبي عليه السلام قال:"إذا كان إزارك ضيقًا فاتّزر به، وإن كان واسعًا فاشتملْ به، يعني في الصلاة".
وأما حديث معاذ: فأخرجه الطبراني (1): من رواية محمَّد بن صبيح، عن معاذ قال:"صلى رسول الله عليه السلام في ثوب واحد مؤتزرًا به".
وأما حديث معاوية بن أبي سفيان: فأخرجه الطبراني (2): من رواية طلحة ابن يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله، عن معاوية بن أبي سفيان:"أن النبي عليه السلام كان يصلي في الثوب الواحد".
وأخرجه أبو يعلى (3) أيضًا.
وأما حديث أبي أمامة: فأخرجه الطبراني (4) أيضًا: من رواية سويد بن سعيد، عن موسى بن عمير، عن مكحول، عن أبي أمامة قال:"أمَّنا رسول الله عليه السلام في قطيفة خالف بين طرفيها".
وأما حديث أبي عبد الرحمن حاضن عائشة رضي الله عنها: فأخرجه الطبراني في "الأوسط": من رواية يحيى بن أبي محمَّد، عن أبي عبد الرحمن حاضن عائشة رضي الله عنها قال:"رأيت النبي عليه السلام وعائشة يصليان في ثوب واحد نصفه على النبي عليه السلام ونصفه على عائشة".
وفي إسناده ضرار بن صرد وهو متروك.
وأما حديث أم حبيبة رضي الله عنها: فأخرجه أحمد (5): قال: نا زيد بن الحباب، ثنا معاوية بن صالح، حدثني ضمرة بن حبيب، أن محمَّد بن أبي سفيان الثقفي
(1)"المعجم الكبير"(20/ 161 رقم 335).
(2)
"المعجم الكبير"(19/ 331 رقم 761).
(3)
"مسند أبي يعلى"(13/ 364 رقم 7373).
(4)
"المعجم الكبير"(22/ 292 رقم 746).
(5)
"مسند أحمد"(6/ 325 رقم 26804).
حدثه، أنه سمع أم حبيبة زوج النبي عليه السلام تقول:"رأيت النبي عليه السلام يصلي في ثوب واحد".
وأما حديث أم الفضل: فأخرجه أحمد (1) أيضًا: من رواية أنس، عن أم الفضل بنت الحارث قالت:"صلى بنا رسول الله عليه السلام في بيته متوشحًا بثوبٍ".
وأما حديث الرجل الذي لم يُسَمّ: فأخرجه أحمد (2) أيضًا: من رواية أبي مالك الأشجعي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال:"أخبرني مَنْ رأى النبي عليه السلام يصلي في ثوب واحد وقد خالف بين طرفيه". وإسناده صحيح.
قوله: "فقد يجوز ذلك" أي ما فعله النبي عليه السلام من الصلاة في ثوب واحد وثيابه على المشجب، بيانه أن فعل النبي عليه السلام يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون ذلك على شرط أن يكون الثوب واسعًا لا ضيقًا.
والآخر: أن يكون ذلك مطلقًا سواء كان الثوب واسعًا أو ضيقًا.
فإذا احتمل الوجهين المذكورين نحتاج أن ننظر هل ورد شيء من الأحاديث يدل على معنى معين؟
فنظرنا في ذلك فوجدنا جابر بن عبد الله قد روى عن النبي عليه السلام أنه كان يقول: "إذا اتسع الثوب فتعطّف به على عاتقك" أي: فاشتمل به، والعاتق موضع الرداء من المنكب وإذا ضاق -أي الثوب- فاتّزر به ثم صلّ، فدلّ هذا أن المعنى المقصود هو الاشتمال، وأنه ينبغي أن يفعل به في الثوب الذي يصلي فيه وإذا لم يقدر عليه لضيق الثوب فإنه يتزر به.
وأخرجه بإسناد حسن جيد: عن عبد الرحمن بن عمرو أبي زرعة الدمشقي الحافظ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن فطر بن خليفة القرشي الكوفي الحناط -بالنون- روى له البخاري مقرونًا بغيره والأربعة، عن
(1)"مسند أحمد"(6/ 338 رقم 26913).
(2)
"مسند أحمد"(3/ 462 رقم 15240).
شرحبيل بن سَعْد المدني، فهو وإن ضعفه يحيى والدراقطني فقد وثقه ابن حبان وروى له أبو داود وابن ماجه.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا الحسن بن أحمد، نا محمَّد بن مسلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد، عن شرحبيل، عن جابر قال:"رأيت رسول الله عليه السلام في إزار مؤتزرًا به، فقلت: يا رسول الله. تصلى في إزار؟ فقال: نعم، إذا كان واسعًا فخالف بين طرفيه، فإن عجز أو ضاق فاتَّزر به".
وأخرج البخاري (1): ثنا يحيى بن صالح، قال: ثنا فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، قال:"سألنا جابر بن عبد الله عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: خرجت مع رسول الله عليه السلام في بعض أسفاره، فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي، وعليّ ثوب واحدٌ فاشتملت به وصليت إلى جانبه، فلما انصرف قال: ما السُّرَى يا جابر؟ فأخبرته بحاجتي، فلما فرغتُ قال: ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟ قلت: كان ثوب يعني ضاق. قال: فإن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيّقا فاتّزر به".
وأخرج أبو داود (2): من حديث عبادة بن الصامت، عن جابر حديثًا طويلًا، وفي آخره قال:"يا جابر. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: إذا كان واسعًا فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقًا فاشدُدْه على حَقْوكُ".
الحَقْو: موضع عقد الإزار، ويجمع على أُحْق وأَحْقاء.
ص: واحتجنا أن ننظر في حكم الثوب الواسع الذي يستطيع أن يتّزر به ويشتمل، هل يشتمل به أو يتّزر فكيف يفعل؟
فإذا يونس قد حدثنا، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء".
(1)"صحيح البخاري"(1/ 142 رقم 354).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 171 رقم 634).
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم (ح).
وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قالا: ثنا سفيان، عن أبي الزناد
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ابن منقذ، قال: حدثني إدريس بن يحيى، عن عبد الله بن عياش، عن ابن هرمز، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال:"إذا صلى أحدكم في ثوب فليجعل على عاتقه منه شيئًا".
فنهى صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الزناد عن الصلاة في الثوب الواحد متَّزرًا به، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه نهى أن يُصلّي الرجل في السراويل وحده ليس عليه غيره.
حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني زيد بن الحباب، عن أبي المنيب، عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
فهذا مثل ذلك، وهذا عندنا على الوجود معه لغيره، وإن كان لا يجد غيره فلا بأس بالصلاة فيه كما لا بأس بالصلاة في الثوب الصغير متَّزرًا به، فهذا تصحيح معاني هذه الآثار المروية عن رسول الله عليه السلام في هذا الباب.
ش: لما بيّن إباحة الصلاة في الثوب الواحد مطلقًا -يعني في حال قدرته على غيره، وفي حالة عدم قدرته- وبين أن المراد من ذلك الاشتمال به لورود الأحاديث المتكاثرة بصلاة النبي عليه السلام في الثوب الواحد متوشحًا، وبيّن أيضًا أن ذلك يجوز أن يكون في حق الثياب مطلقًا يعني سواء كانت واسعةً أو ضيقة، ويجوز أن يكون في حق الثياب الواسعة، ثم بيَّن التفصيل فيه بأنه إذا كان الثوب واسعًا يتعطّف به يعني يشتمل به، وإذا كان ضيقًا يتّزر به؛ شرع يُبيّن حكم الثوب الواسع الذي يمكن الاشتمال والاتِّزار به كلاهما، هل يقتصر على الاشتمال به أو على الاتزار به؟
فأخرج عن أبي هريرة ما يدل على النهي عن الصلاة في الثوب الواحد متزرًا به كما جاء النهي أيضًا عن الصلاة في السراويل وحده، ثم ذكر أن هذا محمول على ما إذا وجد معه غيره، فإذا وجد غيره فإنه يكره له أن يصلي فيه متزرًا، وأما إذا لم يجد غيره فإنه لا بأس بالصلاة فيه كما لا بأس بالصلاة في الثوب الصغير متَّزرًا به، والله أعلم.
ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة من أربع طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد -بالنون- عبد الله ابن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب، عن ابن عيينة -قال زهير-: ونا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه البخاري (2): عن أبي عاصم، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج نحوه.
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن سفيان الثوري، عن أبي الزناد
…
إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (3): ثنا مسدد، نا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء".
الثالث: عن أبي بكرة بكار، عن مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان، عن أبي الزناد
…
إلى آخره.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 368 رقم 516).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 141 رقم 352).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 169 رقم 626).
وأخرجه النسائي (1): أنا محمَّد بن منصور، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا يُصلِّيّن أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء".
الرابع: عن إبراهيم بن منقذ العُصْفري، عن إدريس بن يحيى الخولاني، عن عبد الله بن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة، وفي آخره شين معجمة- القتباني المصري روى له مسلم وابن ماجه، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة.
أخرجه أحمد في "مسنده"(2).
وأما حديث بريدة بن الحُصيب رضي الله عنه: فأخرجه عن عيسى بن إبراهيم الغافقي أبي موسى المصري شيخ أبي داود والنسائي أيضًا، عن عبد الله بن وهب المصري، عن زيد بن الحُبَاب -بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره باء أخرى- بن الريان الكوفي روى له الجماعة سوى البخاري، عن أبي المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي المروزي السِّنْجي، فعن يحيى: ثقة، وقال البخاري: عنده مناكير. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه.
عن عبد الله بن بريدة بن الحُصَيب الأسلمي روى له الجماعة، عن أبيه بُرَيْدة.
وأخرجه أبو داود (3): ثنا محمَّد بن يحيى بن فارس، نا سعيد بن محمَّد، نا أبو تُمَيْلة، نا أبو المنيب عبد الله العتكي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن تُصلّي في لحاف ولا توشِّح به، والآخر أن تصلي في سراويل ليس عليك رداء".
(1)"المجتبى"(2/ 71 رقم 769).
(2)
"مسند أحمد"(2/ 255 رقم 7459).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 172 رقم 636).
قوله: "في السراويل" زعم ابن سيده أنه فارسي معرب يذكر ويؤنث، ولم يعرف الأصمعي فيها إلا التأنيث، وجمعه: سراويلات.
وقال سيبويه: لا يكسّر؛ لأنه لو كسّر لم يرجع إلا إلى لفظ الواحد فترك.
وقد قيل: سراويل جمع واحده سروالة.
ويقال فيه: السرواين، زعم يعقوب أن النون فيها بدل من اللام.
وفي "الجامع" للقزاز: سراويل وسِروال وسَرْويل ثلاث لغات، وفي "الصحاح": وهي مصروفة في النكرة، والعمل على هذا القول، وعدم الصرف أقوي منه.
وقال أبو حاتم السجستاني: السراويل مؤنثة لا يذكّرها أحد علمناه، وبعض العرب يظن السراويل جماعةً، وسمعت مَن الأعراب من يقول: الشِروال، بالشين المعجمة.
قلت: الشْروال مثل السراويل ولكنه يُلبس فوق القماش كله لأجل حفظه عن نحوالطين والوسخ، ولأجل التشمير وحفظ القماش وجمعه، وغالبًا يَلْبسه المسافرون ركّاب الخيل، والعجم تقول للسراويل: شلوار.
وبظاهر هذا الحديث أخذ بعض أصحابنا وكرهوا الصلاة في السراويل وحدها، والصحيح أنه إذا ستر عورته لا تكره الصلاة فيه وحده.
ص: وقد رُوِيَت عن أصحابه في ذلك آثار منها: ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مُسَدّد، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد:"أن رجالًا من المسلمين كانوا يشهدون الصلاة مع رسول الله عليه السلام عاقدين ثيابهم في رقابهم ما على أحدهم إلا ثوبٌ واحدٌ".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا محمَّد بن حِمير، قال: ثنا ثابت بن العجلان، قال: ثنا أبو عامر سليم الأنصاري: "أنه صلى مع أبي بكر رضي الله عنه في خلافته سبعة أشهر، فرأى أكثر من يصلي معه من الرجال في ثوب واحد -يدعى بُرْد- ليس عليهم غيره".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال:"صلى بنا خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم اليرموك في ثوب واحدٍ قد خالف بين طرفيه".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن قيس بن أبي حازم قال:"أَمَّنَا خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم اليرموك في ثوبٍ واحدٍ قد خالف بين طرفيه، وخلفه أصحاب محمَّد عليه السلام".
ففيما روينا عمَّن ذكرنا من أصحاب النبي عليه السلام من الصلاة في الثوب الواحد ما يضادّ ما روينا عن عمر رضي الله عنه، ثم قد ثبت عن النبي عليه السلام في الآثار المتقدمة ما قد وافق ذلك، فذلك أولى أن يؤخذ به مما روي عن عمر رضي الله عنه، وهذا -الذي صحَّحنا- قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي: قد رويت عن أصحاب رسول الله عليه السلام في الصلاة في ثوب واحدٍ آثار، منها -أي من الآثار- ما أخرجه عن أبي بكرة بكار، عن مسدد بن مسرهد شيخ البخاري وأبي داود، عن بشر بن المفضل بن لاحق البصري، عن عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث المدني، عن أبي حازم -بالحاء المهملة والزاي المعجمة- سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري الصحابي رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (1): ثنا مسدد، ثنا يحيى، عن سفيان، قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سَعْد قال:"كان رجال يصلون مع النبي عليه السلام عاقدي أُزُرِهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، ويقال للنساء: لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوسًا".
(1)"صحيح البخاري"(1/ 142 رقم 355).
وأخرجه مسلم (1) وأبو داود (2) والنسائي (3).
قوله: "عاقدي ثيابهم" أصله: عاقدين، سقطت النون للإضافة، ونصبه على الحال.
ومنها: ما أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البُرلُّسي، عن خطاب بن عثمان الطائي الفَوْزي شيخ البخاري، عن محمَّد بن حِميَر -بكسر الحاء وسكون الميم وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره راء- بن أنيس القضاعي روى له البخاري والنسائي وابن ماجه، عن ثابت بن عجلان الأنصاري الحمصي روى له هؤلاء أيضًا، عن أبي عامر سُليم -بضم السين- الشامي، وثقه ابن حبان.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): عن محمد بن عمرو الأسلميّ، قال: أنا الضحاك بن عثمان، عن حبيب مولي عروة، قال: سمعت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تقول: "رأيت أبي يصلي في ثوبٍ واحد، فقلت: يا أبَهْ، تصلي في ثوب واحد وثيابك موضوعة؟! فقال: يا بنية إن آخر صلاة صلاها رسول الله عليه السلام في ثوبٍ واحدٍ".
ومنها ما أخرجه عن خالد بن الوليد رضي الله عنه من طريقين صحيحين:
الأول: عن أبي بكرة بكار، عن مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد هرمز -وقيل: سعد، وقيل: كثير- الكوفي روى له الجماعة، عن قيس بن أبي حازم حصين بن عوف البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية وهاجر إلى النبي عليه السلام ليبايعه فقُبض وهو في الطريق، وقيل: إنه رآه وهو يخطب، ولم يثبت ذلك، وأبو حازم له صحبة، روى له الجماعة.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 326 رقم 441).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 170 رقم 630).
(3)
"المجتبى"(2/ 70 رقم 766).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 287 رقم 3195).
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن أبي الأحوص، عن طارق، عن قيس بن أبي حازم قال:"كان خالد بن الوليد رضي الله عنه يخرج فيصلي بالناس في ثوبٍ واحدٍ".
والثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن شعبة، عن الحكم بن عُتَيْبة، عن قيس بن أبي حازم.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا غُندر، عن شعبة، عن الحكم، عن قيس بن أبي حازم قال:"صلى بنا خالد بن الوليد في ثوبٍ واحدٍ في الوفود، وقد خالف بين طرفيه، وخلفه أصحاب رسول الله عليه السلام".
قوله: "يوم اليَرْمُوك" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وضم الميم وفي آخره كاف.
قال الجوهري: يرموك: موضع بناحية الشام. وقال غيره: هو نهر، وكانت عليه الوقعة بين الصحابة والروم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وذكر سيف بن عمر أن وقعة اليرموك كانت في سنة ثلاث عشرة من الهجرة قبل فتح دمشق، وتبعه على ذلك ابن جرير الطبري.
وقال محمَّد بن إسحاق: كانت في رجب سنة خمس عشرة.
ونقل ابن عساكر عن أبي عبيد وابن لهيعة والليث وأبي معشر أنها كانت في سنة خمس عشرة بعد فتح دمشق.
وقال ابن الكلبي: كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 276 رقم 3168).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 276 رقم 3171).
وقال ابن عساكر: وهذا هو المحفوظ، وما قاله سيفٌ من أنها قبل فتح دمشق سنة ثلاث عشرة، فلم يتابع عليه، والله أعلم.
قوله: "ما يضاد" في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"ففيما روينا".
وقوله: "ما روينا عن عمر" مفعول "يضاد".
قوله: "فذلك أولى" أي الذي روينا عن الصحابة والذي ثبت عن النبي عليه السلام أولى وأحق أن يؤخذ به مما روي عن عمر رضي الله عنه الذي مضى ذكره في أول الباب؛ وذلك لتواتر الروايات عن النبي عليه السلام ثم مَنْ بعده من الصحابة في إباحة الصلاة في الثوب الواحد، فصار كالإجماع على هذا الحكم.
وقال الطحاوي: صلاة النبي عليه السلام في الثوب الواحد في حال وجود غيره من الأخبار المتواترة.