المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الإمام تفوته صلاة العيد هل يصليها من الغد أم لا - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٦

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: الإمام تفوته صلاة العيد هل يصليها من الغد أم لا

‌ص: باب: الإمام تفوته صلاة العيد هل يصليها من الغد أم لا

؟

ش: أي هذا باب في بيان أن الإِمام إذا فاتته صلاة العيد يوم العيد هل له أن يصلِّيها من غد يوم العيد أم لا؟ وجه المناسبة بين البابين: مِنْ أن في الباب الأول المنع عن الصلاة في المكان المخصوص، وفي هذا الباب المنع عنها في الزمان المخصوص.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا هشيم بن بشر، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن أبي عمير بن أنس بن مالك، قال: أخبرني عمومتي من الأنصار: "أن الهلال خَفِيَ على الناس في آخر ليلة من شهر رمضان في زمن النبي عليه السلام فأصبحوا صيامًا، فشهدوا عند النبي عليه السلام بعد زوال الشمس أنهم رأوا الهلال الليلة الماضية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر فأفطروا تلك الساعة وخرج بهم من الغد فصلى بهم صلاة العيد".

ش: عبد الله بن صالح كاتب الليث وشيخ البخاري، وهشيم بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطي روى له الجماعة، وأبو بشر جعفر بن إياس اليشكري وهو جعفر بن أبي وحشية الواسطي روى له الجماعة.

وأبو عمير بن أنس بن مالك اسمه عبد الله، قاله الحاكم أبو أحمد، وكان أكبر ولد أنس بن مالك، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه.

وعمومته من الأنصار الصحابة منهم، وهو جمع عم كالخؤولة جمع خال.

وأخرجه الدارقطني في "علله"، وقال: هذا حديث اختلف فيه، فرواه سعيد بن عامر، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، وخالفه غيره من أصحاب شعبة، فرووه عن شعبة، عن أبي بشر، عن أبي عُمَير بن أنس، عن عمومته، عن النبي عليه السلام.

وكذلك رواه أبو عوانة وهشيم، عن أبي بشر، وهو الصواب.

ص: 152

وقال ابن القطان في كتابه: وعندي أنه حديث يجب النظر فيه، ولا نقبل إلا أن تثبت عدالة أبي عمير فإنه لا يعرف له كثير شيء، وإنما له حديثان أو ثلاثة لم يروها عنه غير أبي بشر، ولا أعرف أحدًا عرف من حاله ما يوجب قبول روايته ولا هو من المشاهير المختلف في انتفاء مزيد العدالة على إسلامهم، وقد ذكر الماوردي حديث هذا وسماه في "مسنده" عبد الله، وهذا لا يكفي في التعريف بحاله، وفيه مع الجهل بحال أبي عمير كون عمومته لم يُسَمَّوْا، فالحديث جدير بأن لا يقال فيه: صحيح.

قلت: قال النووي في "الخلاصة": هو حديث صحيح، وعمومة أبي عمير صحابة لا يضر جهالة أعيانهم؛ لأن الصحابة كلهم عدول، واسم أبي عمير عبد الله.

وقال الخطابي: وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب.

وقال ابن حزم في "المحلى": هذا مسند صحيح، وأبو عمير مقطوع على أنه لا يخفى عليه من أعمامه مَنْ صحت صحبته مع النبي عليه السلام ممن لم تصح صحبته، والصحابة كلهم عدول.

ويستفاد منه: أن الجماعة إذا شهدت برؤية الهلال بالأمس وجب الإفطار، وأنهم يصلون صلاة العيد من الغد على ما نبينه مع الخلاف فيه، وأن شهر رمضان يجيء تسعة وعشرين يومًا.

ص: فذهب قوم إلى هذا فقالوا: إذا فاتت الناس صلاة العيد في صدر يوم العيد صلوها من غد ذلك اليوم في الوقت الذي يصلونها فيه يوم العيد، وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف رحمه الله.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وابن المنذر؛ فإنهم قالوا: إذا فاتت صلاة العيد من يومه تصلى من غده، وذهب إليه أيضًا أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة، والخطابي من أصحاب الشافعي.

ص: 153

وقال صاحب "الهداية": فإن غُم الهلال وشهدوا عند الإِمام بالهلال بعد الزوال صلى العيد من الغد؛ لأن هذا تأخير بعذر، وقد ورد فيه الحديث، فإن حدث عذر منع الناس من الصلاة في اليوم الثاني لم يصلها بعده، لأن الأصل فيها أن لا تقضي إلا أنّا تركناه بالحديث، وقد ورد بالتأخير إلى اليوم الثاني عند الغد.

قلت: أشار بقوله: "وقد ورد فيه الحديث" إلى حديث أبي عمير هذا.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: إذا فاتت الصلاة يوم العيد حتى زالت الشمس من يومه لم تُصلّ في ذلك اليوم ولا فيما بعده، وممن قال ذلك أبو حنيفة رحمه الله.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: مالكًا والشافعي وأبا ثور؛ فإنهم قالوا: إذا فاتت الصلاة يوم العيد حتى زالت الشمس من يوم العيد لم تُصلّ بعد ذلك لا في هذا اليوم ولا فيما بعده، وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة رحمه الله.

وقال الخطابي رحمه الله: قال الشافعي: إن علموا بذلك قبل الزوال خرجوا وصلى الإِمام بهم صلاة العيد، وإن لم يعلموا إلا بعد الزوال لم يصلوا يومهم ولا من الغد؛ لأنه عمل في وقت إذا جاز ذلك الوقت لم يعمل في غيره، وكذلك قال مالك وأبو ثور.

وقال صاحب "البدائع": فإن ترك الناس صلاة العيد في اليوم الأول في عيد الفطر بغير عذر حتى زالت الشمس لم تُصلّ من الغد، وإن تركوها لعذر صلي من الغد قبل الزوال، فإن تركها من الغد حتى زالت الشمس سقطت أصلًا سواء تركها لعذر أو لغير عذر. انتهى.

وهذا كما ترى لم يذكر فيه خلافًا عن أبي حنيفة ولا ذكره صاحب "الهداية"، والذي يفهم من كلام الطحاوي: أن أبا حنيفة لا يرى صلاة العيد أن تُصلّى في غد العيد سواء فاتت عن يوم العيد بعذر أو بغير عذر، وهذا خلاف ما ذكره

ص: 154

أصحابنا الحنفية كصاحب "الهداية" و"البدائع" وغيرهما من الكتب المشهورة، وكذلك ذكر ابن حزم في "المحلى" عن أبي حنيفة موافقًا لما ذكر هؤلاء، ولكن القول ما ذكره الطحاوي؛ لأنه أعلم الناس باختلاف العلماء.

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن الحفاظ ممن روى هذا الحديث عن هشيم لا يذكرون فيه أنه صلى بهم من الغد، فممن روى ذلك: هشيم ولم يذكر فيه يحيى بن حسان وسعيد بن منصور وهو أضبط الناس لألفاظ هُشَيم وهو الذي ميّز للناس ما كان هُشَيم يُدَلس به من غيره.

حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا أبو بشر، عن أبي عمير بن أنس، قال: أخبرني عمومتي من الأنصار من أصحاب النبي عليه السلام قالوا: "أُغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صيامًا، فجاء ركبٌ من آخر النهار فشهدوا عند النبي عليه السلام أنهم رأوا الهلال بالأَمْس، فأمرهم النبي عليه السلام أن يفطروا من يومهم، ثم ليخرجوا لعيدهم من الغد".

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر

فذكر بإسناده مثله.

فهذا هو أصل هذا الحديث لا كما رواه عبد الله بن صالح، وأمرُه إياهم بالخروج من الغد لعيدهم قد يجوز أن يكون أراد بذلك أن يجتمعوا فيدعوا أو لتُرَى كثرتهم فيتناهى ذلك إلى عدوهم فيَعظم أمرهم عنده، لا لأنِ يصلوا كما يُصلى العيدُ.

ش: أي: وكان من الدليل والبرهان للآخرين فيما ذهبوا إليه أن الحُفَّاظ -بضم الحاء جمع حافظ- بيان ذلك أن أصل هذا الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى رواه الحفاظ ممن رواه عن هشيم من غير ذكر أنه صلى بهم من الغد، فممن روى ذلك عن هشيم ولم يذكر هذه اللفظة: يحيى بن حسان بن حيان البكري أبو زكرياء البصري نزيل بلبيس أحد مشايخ الشافعي، وأحد رجال

ص: 155

"الصحيحين" وأبي داود والترمذي والنسائي، بيّن ذلك بقوله: "حدثنا سليمان ابن شعيب، وهو الكيساني صاحب محمَّد بن الحسن الشيباني يروي عن يحيى بن حسان المذكور، عن هشيم بن بشير، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن أبي عمير بن أنس بن مالك، قال: أخبرني عمومتي من الأنصار

إلى آخره.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1) نحوه: من حديث هشيم، عن أبي بشر، قال: أخبرني أبو عمير بن أنس بن مالك قال: وكان أكبر ولده، قال: حدثني عمومة لي من الأنصار من أصحاب رسول الله عليه السلام قال: "أغمي علينا هلال شوال فأصبحوا صيامًا، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله عليه السلام أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد" وقال: هذا إسناد صحيح.

وممن رواه عن هشيم ولم يذكر هذه اللفظة أيضًا سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، بيَّن ذلك بقوله:"حدثنا صالح" وهو صالح بن عبد الرحمن بن الحارث، عن سعيد بن منصور

إلى آخره.

قوله: "فهذا هو أصل هذا الحديث" أي أصل هذا الحديث هو الذي رواه الحافظان يحيى بن حسان وسعيد بن منصور، كلاهما عن هشيم لا كما رواه عبد الله بن صالح، عن هشيم، فإن عبد الله بن صالح انفرد بهذه اللفظة في روايته عن هشيم فلا يتابع عليه.

قوله: "وأمرُه إياهم بالخروج" جواب عن سؤال مقدر، تقريره أن يقال: سلمنا أن أصل هذا الحديث مثل ما رواه الحفاظ عن هشيم بدون هذه اللفظة أعني: "فصلى بهم من الغد" لا كما رواه عبد الله بن صالح عنه بهذه اللفظة، ولكنه عليه السلام أمرهم أن يخرجوا لعيدهم من الغد، فدل ذلك على ما يدعيه أهل المقالة الأولى.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(3/ 316 رقم 6077).

ص: 156

وتقرير الجواب أن يقال: إن أمره عليه السلام إياهم بالخروج من الغد لأجل عيدهم قد يجوز أن يكون لأحد المعنيين:

الأول: أن يجتمعوا ويدعوا الله تعالى؛ لأنه يوم مجاور ليوم شريف وفيه مظنة الإجابة، ولا يلزم من الاجتماع هذا فعل الصلاة.

الثاني: أن يكون المراد من ذلك اجتماعهم في ذلك اليوم لتظهر كثرتهم وقوتهم ويبلغ ذلك إلى أعداء الدين فيعظم أمرهم عندهم ويقع رعبهم في قلوبهم، لا لأن يصلوا كما تُصلّى صلاة العيد، والله أعلم.

قوله: "أغمي عليه" على صيغة المجهول، يقال: أغمي علينا الهلال، وغمّي فهو مُغمّى ومُغمّى إذا حال دون رؤيته غيم أو قترة كما يقال: غم علينا يقال: صُمنا للغُمّى والغَمّى -بالضم والفتح- أي: صمنا عن غير رؤية وأصل التغمية الستر والتغطية ومنه أغمي على المريض إذا غشي عليه كأن المرض ستر عقله وغطاه.

قوله: "فأصبحنا صيامًا" أي صائمين وهو جمع صائم كالقيام جمع قائم والنيام جمع نائم.

قوله: "فجاء ركب" أي جماعة، وهو جمع راكب، ويقال: الركب اسم من أسماء الجمع كالنفر والرهط.

ص: وقد رأينا المصلي في يوم العيد قد كان أُمر بحضور من لا يصلّي.

حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد، قال: أنا هشيم، قال: أنا منصور، عن ابن سيرين، عن أم عطية.

وهشام، عن حفصة، عن أم عطية قالت:"كان رسول الله عليه السلام يُخرِج الحُيّض وذوات الخدور يوم العيد، فأما الحُيّض فيعتزلن ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين".

وقال هشيم: فقالت امرأةٌ: "يا رسول الله إن لم يكن لإحدانا جلبابٌ؟ قال: فلْتُعِرها أختُها جلبابها".

ص: 157

فلما كنّ الحُيَّض يخرجن لا لأجل الصلاة، ولكن لأن تصِيَبهُنّ دعوةُ المسلمين احتمل أن يكون النبي عليه السلام أمر الناس بالخروج من غد العيد لأن يجتمعوا فيَدْعوا فتُصيبهم دعوتهم لا للصلاة.

ش: أشار بهذا الكلام إلى تأييد ما ذكره من قوله: "قد يجوز أن يكون أراد بذلك أن يجتمعوا فيدعو لا لأن يصلوا كما يصلى العيد"، بيان ذلك أن الخروج إلى المصلى في غد العيد لا يلزم منه أن يصلوا كما يصلون يوم العيد، ألا ترى أنه عليه السلام كان يُخرج الحُيّض وذوات الخدور يوم العيد مع أنهن لم يكنّ يصلّين! وإنما كان القصد من ذلك أن يشهدن الخير وتصيبهن دعوة المسلمين.

فعلم أن ذلك أنه لا يلزم من الخروج ولا من الأمر به فعل الصلاة؛ فدلّ ذلك أن أمره عليه السلام بالخروج من غد العيد للمعنى الذي أمر به الحُيَّضَ وذوات الخدور لا لفعل الصلاة، والله أعلم.

ثم إسناد الحديث المذكور صحيح ورجاله رجال "الصحيح" ما خلا صالحًا.

وحفصة هي ابنة سيرين أخت محمَّد بن سيرين روي لها الجماعة.

وأم عطية اسمها نُسَيْبَة بنت كعب -ويقال: بنت الحارث- الأنصارية الصحابية.

وأخرجه الجماعة، فقال البخاري (1): ثنا أبو معمر، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا أيوب، عن حفصة بنت سيرين قالت: "كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد، فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف فأتيتها فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي عليه السلام ثنتي عشرة غزوة فكانت أختها معه في ست غزوات فقالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكَلْمى، فقالت: يا رسول الله، على إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ فقال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين. قالت حفصة: فلما قدمَتْ أمُّ عطية أتيتها

(1)"صحيح البخاري"(1/ 333 رقم 937).

ص: 158

فسألتها: أسمعت في كذا وكذا؟ قالت: نعم، بأبي -وقلّ ما ذكرت النبي عليه السلام إلا قالت: بأبي- قال: ليخرج العواتق ذوات الخدور. أو قال: العواتق وذوات الخدور -شك أيوب- والحُيَّض، وتعتزل الحُيَّض المصلى وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين. قالت: فقلت لها: الحُيَّض؟ قالت: نعم، أليس الحائض تشهد عرفات وتشهد كذا وكذا.

وأخرجه مسلم (1): ثنا عمرو الناقد، قال: نا عيسى بن يونس، قال: ثنا هشام، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت:"أمرنا رسول الله عليه السلام أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحُيَّض، وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيَعْتزلن الصلاة ويَشْهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتُلْبسها أختُها من جلبابها".

وقال أبو داود (2): ثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن أيوب ويونس وحبيب ويحيى بن عتيق وهشام في آخرين، عن محمَّد، أن أم عطية قالت:"أمرنا رسول الله عليه السلام أن نخرِج ذوات الخدور يوم العيد، قيل: فالحُيَّض؟ قال: ليشهدن الخير ودعوة المسلمين. قال: فقالت امرأة: يا رسول الله، إن لم يكن لإحداهن ثوب كيف تصنع؟ قال: تلبسها صاحبتها طائفةً من ثوبها".

وقال الترمذي (3): نا أحمد بن منيع، قال: نا هشيم، قال: أنا منصور -وهو ابن زاذان- عن ابن سيرين، عن أم عطية:"أن رسول الله عليه السلام كان يخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور والحيّض في العيدين، فأما الحيض فيَعْتزلن المصلى ويشهدن دعوة المسلمين، قالت إحداهن: يا رسول الله، إن لم يكن لها جلباب؟ قال: فلتعرها أختُها من جلابيبها".

(1)"صحيح مسلم"(2/ 606 رقم 890).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 296 رقم 1136).

(3)

"جامع الترمذي"(2/ 419 رقم 539).

ص: 159

وقال (1): نا أحمد بن منيع، قال: ثنا هشيم، عن هشام بن حسّان، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية بنحوه.

وقال النسائي (2): أنا عمرو بن زرارة، قال: أبنا إسماعيل، عن أيوب، عن حفصة قالت:"كانت أم عطية لا تذكر رسول الله عليه السلام إلا قالت: يا أباه فقلت: أَسَمِعْتِ رسول الله عليه السلام يذكر كذا وكذا؟ فقالت: نعم بأباه قال: قالت: لتخرج العواتق وذوات الخدود والحُيَّض ويشهدن العيد ودعوة المسلمين ولتعتزل الحُيَّض المصلى".

وقال ابن ماجه (3): نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو أسامة، عن هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت:"أمرنا رسول الله عليه السلام أن نخرجهن في يوم الفطر والنحر، قال: قالت أم عطية: فقلنا: أرأيت إحداهن لا يكون لها جلبابٌ؟ قال: فتُلْبُسها أختها من جلبابها".

قوله: "الحُيَّض" بضم الحاء وتشديد الياء جمع حائض.

قوله: "وذوات الخدور" الخدور جمع خِدْر، قال ابن سيده: هو ستر يُمدّ للجارية في ناحية البيت، ثم صار كل ما واراك من بيت ونحوه خِدْرًا، والجمع خدُور وأخدار، وأخادير جمع الجمع، والخدر خشبات تُنصب فوق فقر البعير مستورة بثوب، وهودج مخدور ومخدر ذو خدر، وقد أخدر الجارية وخدّرها وتخدرت هي واختدرت.

وفي "المخصص": الخدر: ثوب يمد في عرض الخباء فتكون فيه الجارية.

وفي "المغيث" عن الأصمعي: الخدر: ناحية البيت تقطع للستر فتكون فيه الجارية البكر.

(1)"جامع الترمذي"(2/ 420 رقم 540).

(2)

"المجتبى"(1/ 193 رقم 390).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 414 رقم 1307).

ص: 160

وقال غيره: هو ستر يُمَدّ للجارية في ناحية البيت والهودج. وقال ابن قرقول: الخدر سرير عليه ستر، وقيل: الخدر البيت.

قوله: "جلباب" الجلباب بالكسر جلد واسع كالملحفة تغطي به المرأة رأسها وصَدْرها وتَجَلْبَبَتْ المرأة وجَلْبَبها غيرها، ولم يدغم لأنه ملحق.

وفي "المحكم": الجلباب القميص، وقيل: ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة، وقيل: ما تغطى به الثياب من فوق كالملحفة، وقيل: هو الخمار.

وفي "الصحاح": الجلباب الملحفة، والمصدر الجلببة ولم تدغم لأنها ملحقة بِدَحْرَجَة.

وفي "الغريبين": الجلباب: الإزار، وقيل: هو الملاءة التي يشتمل بها.

وقال عياض: هو أقصر من الخمار وأعرض وهي المقنعة، وقيل: دون الرداء تغطي به المرأة ظهرها وصدرها.

ويستفاد منه أحكام: استدلت به طائفة على جواز خروج النساء للعيدين.

قال القاضي: واختلف السلف في خروجهن للعيدين، فرأى ذلك جماعة حقًّا عليهن، منهم: أبو بكر وعلي وابن عمر رضي الله عنهم، ومنهم من منعهن ذلك منهم: عروة والقاسم ويحيى الأنصاري ومالك وأبو يوسف، وأجازه أبو حنيفة مرةً ومنعه مرةً.

وقال الترمذي: وروي عن ابن المبارك: أكره اليوم خروجهن في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فلتخرج في أطمارها بغير زينة، فإن أبت ذلك فللزوج أن يمنعها. ويروى عن الثوري أنه كره اليوم خروجهن.

قلت: وهذا كان في ذلك الزمان لأمنهن عن المفسدة بخلاف اليوم، ولهذا صح عن عائشة رضي الله عنها:"لو رأى رسول الله عليه السلام ما أحدث النساء لمنعهن عن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل"، فإذا كان الأمر قد تغير في زمن عائشة

حتى قالت هذا القول فماذا يكون اليوم الذي ظهر فيه الفساد في الصغير والكبير

ص: 161

والبر والبحر، وعندي الفتوى على المنع، وأن خروجهن حرام ولا سيما في الديار المصرية.

وفيه: منع الحُيَّض من المصلى منع تنزيه لا تحريم، وعن أبي الفرج الدارمي الشافعي عن بعض الأصحاب: تحريم المكث على الحائض في المصلى كالمسجد.

وقال النووي: والصواب الأول.

واستدل به بعضهم على وجوب صلاة العيدين.

وقال القرطبي: لا يستدل به على الأمر بوجوب صلاة العيدين؛ لأن هذا إنما توجه لمن ليس بمكلف للصلاة باتفاق، وإنما المقصود التدرب على الصلاة والمشاركة في الخير وإظهار جمال الإِسلام.

وفيه جواز استعارة الثياب للخروج إلى الطاعات، والله أعلم.

ص: وقد روى هذا الحديث شعبة، عن أبي بشر كما رواه سعيد ويحيى لا كما رواه عبد الله بن صالح.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وُهيب، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: سمعت أبا عمير بن أنس (ح).

وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر

فذكر مثله بإسناده غير أنه قال: "وأمرهم إذا أصبحوا أن يخرجوا إلى مصلاهم".

فمعنى ذلك أيضًا معنى ما روى يحيى وسعيد عن هشيم، وهذا هو أصل الحديث.

ش: أشار به إلى الحديث الذي رواه أبو عمير عن عمومته الأنصار من الصحابة، وأراد بهذا تأييد ما ذكره من أصل هذا الحديث هو الذي رواه الحافظان يحيى بن حسان وسعيد بن منصور، عن هشيم لا كما رواه عبد الله بن صالح، عن هشيم؛ وذلك أن شعبة الحافظ أيضًا الذي يُسمّى أمير المؤمنين في الحديث قد روى هذا الحديث عن أبي بشر جعفر بن إياس مثل ما رواه يحيى وسعيد لا مثل مارواه عبد الله بن صالح.

ص: 162

وأخرج ذلك بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق من طريقين:

الأول: عنه، عن وهب بن جرير، عن شعبة بن الحجاج، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن أبي عمير بن أنس

إلى آخره.

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(1): ثنا أبو بكر النَيْسابوري، ثنا أحمد بن سعيد بن صخر، ثنا النضر بن شميل.

وثنا أبو بكر، نا إبراهيم بن مرزوق، نا وهب بن جرير وروح بن عبادة.

وثنا أبو بكر، ثنا محمَّد بن إسحاق، ثنا أبو النضر، قالوا: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: سمعت أبا عمير بن أنس يحدث، عن عمومته من الأنصار، وقال أبو النضر: عن عمومة له من الأنصار: "أنهم كانوا عند رسول الله عليه السلام من آخر النهار، فجاء ركب فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم النبي عليه السلام أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم".

الثاني: عنه، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن شعبة، عن أبي بشر

إلى آخره.

وأخرجه أبو داود (2): نا حفص بن عمر، نا شعبة، عن جعفر بن أبي وحشية، عن أبي عمير بن أنس، عن عمومةٍ له من أصحاب النبي عليه السلام:"أن ركبًا جاءوا إلى النبي عليه السلام يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم".

وأخرجه النسائي (3) وابن ماجه (4) أيضًا.

وأخرج ابن حبان في "صحيحه"(5): من حديث سعيد بن عامر، ثنا سعيد،

(1)"سنن الدارقطني"(2/ 170 رقم 14).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 305 رقم 1157).

(3)

"المجتبى"(3/ 180 رقم 1557).

(4)

"سنن ابن ماجه"(1/ 529 رقم 1653).

(5)

"صحيح ابن حبان"(8/ 237 رقم 3456).

ص: 163

عن قتادة، عن أنس بن مالك:"أن عمومةً له شهدوا عند النبي عليه السلام على رؤية الهلال فأمرهم النبي عليه السلام أن يخرجوا للعيد من الغد".

ص: ولما لم يكن في الحديث ما يَدّلنا على حكم ما اختلفوا فيه من الصلاة في الغد فنظرنا في ذلك فرأينا الصلوات على ضربين:

فمنها ما الدهر كله لها وقتٌ غيرَ الأوقات التي لا تُصلّى فيها الفريضة، فكان ما فات منها في وقته فالدهر كله وقتٌ تُقْضَى فيه غير ما نهي عن قضائها فيه من الأوقات.

ومنها ما جُعل له وقت خاص ولم يُجعل لأحدٍ أن يُصليَه في غير ذلك الوقت، من ذلك الجمعة حكمها أن تُصلى يوم الجمعة من حين تزول الشمس إلى أن يدخل وقت العصر فإذا خرج ذلك الوقت فاتت ولم يجز أن تُصلّى بعد ذلك في يومها ذلك ولا فيما بعده، فكان ما لا يُقضي في بقية يومه بَعْد فوات وقته لا يُقضي بعد ذلك، وما يُقضى بعد فوات وقته في بقية يومه ذلك قضي من الغد وبعد ذلك، وكل هذا مُجمع عليه.

وكانت صلاة العيد جُعِل لها وقت خاص في يوم العيد آخره زوال الشمس، وكلٌّ قد أجمع أنها إذا لم تُصلّ يومئذٍ حتى زالت الشمس أنها لا تُصلّى في بقية يومها ذلك، فلما ثبت أن صلاة العيد لا تقضى بعد خروج وقتها في يومها ذلك؛ ثبت أنها لا تُقضى بعد ذلك في غدٍ ولا غيره؛ لأنّا رأينا ما للذي فاته أن يقضيه من غد يومه جائز له أن يقضيه في بقية اليوم الدي وقته فيه، وما ليس للذي فاته أن يقضيه في بقية يَومْه ذلك فليس له أن يقضيه من غده، فصلاة العيد كذلك لما ثبت أنها لا تقضى إذا فاتت في بقية يومها؛ ثبت أنها لا تُقْضَى في غده، فهذا هو النظر في هذا الباب.

وهو قول أبي حنيفة فيما روِى عنه بَعْضُ الناس، ولم نجده في رواية أبي يوسف عنه هكذا، والله أعلم.

ص: 164

ش: أي: لما لم يكن في حديث أبي عمير بن أنس بن مالك المذكور ما يدل على فعل الصلاة من غد يوم العيد كما ذهب إليه أهل المقالة الأولى وذلك بما ذكره من الوجوه، نظرنا في حكم ذلك فوجدنا القياس يقتضي عدم فعل الصلاة من الغد، وبيّن ذلك بقوله: "فرأينا الصلوات

" إلى آخره.

وملخص ذلك: أن الصلوات على نوعين: نوع منها الدهر كله وقت له أداء وقضاء غير الأوقات التي منع فيها فعل الفرائض، ونوع منها جعل له وقت معين لا تفعل في غيره كالجمعة فإن وقتها وقت الظهر، فإذا خرج لا تُصلى أبدًا، فالنظر على ذلك أن تكون كذلك صلاة العيد؛ لأن لها وقتًا معينا، فإذا فات لا تصلى قياسًا عليه.

قوله: "وهو قول أبي حنيفة" أي وجه النظر المذكور هو قول أبي حنيفة "فيما روى عنه بعض الناس" قيَّد به لأن منهم من روى أنها تقضى من الغد، وعلى هذه الرواية شحنت كتب الحنفية ولكن الذي يفهم من كلام الطحاوي أن مذهب أبي حنيفة هو ما ذكره أولًا فلذلك قال: ولم نجده في رواية أبي يوسف عنه.

ص: 165