الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأحمد قال في كتاب العقائق في الليلة التي ولد فيها محمدا انطفأت النيران إشارة لطفئها عن أمته وفي الليلة التي ولد فيها عيسى اشتعلت النار إشارة لتوقدها على من اتخذه إلها من دون الله وكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد قدوم أصحاب الفيل بخمسين يوما قالت عائشة رأيت قائد الفيل أعمى يسأل الناس.
فصل في رضاعه صلى الله عليه وسلم
قال ابن عباس نادى منادي الرحمن معاشر الخلائق هذا محمد بن عبد الله طوبى لثدي أرضعه طوبى لعبد كفله فقالت الطير إلهنا نحن نحمله إلى أعشاشنا ونطعمه من طيبات الأرض وقال السحاب ربنا نحن نحمله إلى مشارق الأرض ومغاربها ونربيه أحسن تربية وقالت الملائكة إلهنا نحن أحق بتربيته فقال تعالى قد أجريت ذلك على يد حليمة السعدية في كتاب شرف المصطفى كانت حليمة في يضيق من فأضرها الجوع فرأت في منامها رجلا أخذ بيدها إلى نهر أبيض من اللبن وأحلى من العسل وقال اشربي يا حليمة فشربت كثيرا ثم قال تعرفيني قالت لا قال أنا الحمد الذي كنت تحمدين الله به في الشدة والرخاء يا حليمة انطلقي إلى مكة فإن لك فيها الرزق الواسع واكتمي شأنك قالت فاستيقظت وأنا أحمل النساء ولا أطيق أن أحمل ثديي من اللبن فتعجب النساء منهي ثم خرجنا يوما نطلب البنات فسمعنا قائلا يقول ألا وأن الله قد أخرج مولودا بمكة طوبى لمن أرضعه فلما سمعت النساء بذلك رجعن وأخبرن أزواجهن فخرجن إلى مكة وكانوا عشرة وخرجت معهن على أتان ضعيف فبينما أنا في بعض الطريق إذ خرج رجل من شجرة ومعه حربة فوكز الأتان وهي الأنثى من الحمير وقال أسرعي بمرضعة سيد المرسلين فسبقنا القوم ودخلنا مكة فرآني عبد المطلب فسألته عن رضيع فقال عندي غلام يتيم لم تبق إمرأة إلا وعرض عليها ولكن لعدم سعدها تأباه إذا قيل لها توفى الله أباه فقالت رضيت بجماله وليس لي رغبة في غير وصاله فقال لها ما اسمك قالت حليمة السعدية فقال حلم وسعد فيهما عز الأبد فأدخلني إلى منزل آمنة فرأيته نائما فوضعت يدي على صدره ففتح عينيه وتبسم فخرج منه نور الحق بعنان السماء والعنان بفتح العين هو السحاب فناولته ثديي الأيمن فشرب حتى روى ثم ناولته الأيسر فامتنع وذلك من عدله وإنصافه لأنه علم أن له في اللبن شريكا فلما أخذناه من أمه قالت أعيذه بالله في الحلال من شر ما مر على الجبال حتى أراه حامل الكلال. ويفعل الخير مع الموالي وغيرهم من حشوة الرجال. حشوة بكسر الحاء المهملة هم أسافل الناس قالت حليمة فخرجنا وخرجت أمه تودعه ولسان حالها ينشد ويقول: شعر:
كيف السبيل وقد شطت بنا الدار
…
أم كيف أصبر والأحباب قد ساروا
ومنزل الأنس أضحى بعد ساكنه
…
مستوحشا حين غابت عنه أقمار
ما كان أحسننا والدار تجمعنا
…
والشمل متصل والعيش مدرار
يا ساكنين بقلب أينما رحلوا
…
وراحلين بقلبي أينما ساروا
غبتم فأظلمت الدنيا لغيبتكم
…
وضاق من بعدكم رحب وأقطار
ليت الغراب الذي نادى بفرقتنا
…
عار من الريش لا تحويه أوكار
بعد النعيم بعدنا عن منازلنا
…
وبعد أحبابنا شطت بنا الدار
قالت حليمة فلما وضعته بين يدي على الأتان استقبل بوجهه الكعبة وسجد ثلاث مرات ثم مرت بنا الأتان كالجواد فقالت النساء يا حليمة أليس هذه أتانك إن لك شأنك عجيبا فقالت الأتان أنتن في غفلة عني على ظهري راكب البراق قالت حليمة فبينما أنا في أثناء الطريق وإذا أنا بأربعين نصرانيا يتذكرون محمدا ومعهم سيوف مسمومة فلما نظر إليه كبيرهم قال ويحكم دونكم هذا الغلام فاقتلوه فهو المطلوب فقلت وامحمداه ففتح عينيه ورمق بطرفه نحو السماء وإذا بنار نزلت من السماء فأحرقتهم عن آخرهم فقال زوجي أن لهذا المولود لشأنا وسوف يعلو أمره فلما دخلنا وجئنا أخصب الوادي على كل حاضر وباد وأدر الله لنا الضرع وأنبت لنا الزرع وصار محمد صلى الله عليه وسلم يكبر في اليوم كالشهر وفي الشهر كالسنة فلما بلغ عامين وقيل أكثر قدمت به حليمة على أمه آمنة زائرة فأخبرتها بما رأت من بركاته الظاهرة فقالت لها ارجعي به فإني أخاف عليه من وباء مكة في السنة الثالثة ولد أبو بكر الصديق في الرابعة قال يا أماه ما لي لا أرى إخوتي في الحي نهارا قلت أنهم يرعون الأغنام التي رزقنا الله إياها ببركتك فقال دعيني أخرج معهم إلى المرعى وأقسم علي فلما كان من الغد تحزم وأخذ عصاه وسار معهم وقيل في المعنى: شعر:
بأغنامه سار الحبيب إلى المرعى
…
فيا حسنه راع فؤادي له ترعى
فما أحسن الأغنام وهو يسوقها
…
لقد آنس الصحراء وقد أوحش الربعا
جميل على معنى محاسن وجهه
…
كأن بدور التم قد طبعت طبعا
أقول له منذ سار في البر ماشيا
…
وأغنامه من حوله تطلب المرعى
عيونك يا راعي الحمى فتكت بنا
…
فقوم بها قتلى وقوم بها صرعى
وحزت جمالا حير الخلق وصفه
…
ونبتا خفيا كنبت العشب والمرعى
فلولاك يا راعي الحمى ما تشوقت
…
قلوب إلى وادي العقيق ولا الجرعى
حبيبي طبيبي أنت راع قلوبنا
…
فلولاك يا مختار ما ذكر المسعى
قالت حليمة رضي الله عنها وغاب عني رسول الله يومه ذلك فلما قرب المساء خرجنا لملاقاته على الطريق فإذا به قد أقبل والأنوار تسبقه والأغنام تلوذ به وكان في الغنم شاة رماها أخوه حمزة فكسر ساقها فجعلت تلوذ به كالشاكية إليه فقبض بيده الكريمة على ساقها فكأن الوجع لم يقع ثم قالت لولدها حمزة كيف وجدت أخاك القرمشي قال يا أماه ما مر بحجر ولا شجر ولا سهل ولا جبل ولا وحش ولا طير إلا يقول السلام عليك يا رسول الله ولا يطأ موضعا إلا ونبت العشب فيه قال ابن أبي جمرة في شرح البخاري حتى موضع دابته التي يركبها يخضر في الحال وإذا سقينا
من بئر فار الماء إلى أعلاه ولقد دخلنا إلى واد الوحوش فيه كثيرة فإذا نحن بسبع عظيم قد جمع نفسه ليثبت علينا فلما نظر إلى أخينا محمد صلى الله عليه وسلم تقدم وخضع له ورمى نفسه على الأرض وتكلم بكلام فصيح وقال السلام عليك يا محمد وتقدم إليه وكلمه في أذنه فذهب الأسد يعدو فقالت يا بني اكتم هذا عن أهلك ثم عطفت الأغنام عليها تشخب لبنا وهي كالعرائس وكان محمد يخرج مع إخوته كعادته فما يرجعون إلا وقد رأوا له معجزات وآيات بينات ثم في بعض الأيام جاء أخوه يشتد عدوا وقال يا أماه قتل أخي القرشي فخرج القوم وأنا في أولهم فوجدناه على صخرة يتبسم فقلت ما شأنك يا بني قال جاءني ثلاثة نفر فشقوا صدري وأخرجوا منه خط الشيطان وختموا بين كتفي بخاتم النبوة قال العلائي مكتوب في باطن الخاتم الله وحده لا شريك له وفي ظاهرة توجه حيث شئت فإنك منصور وهو لحم مثل البندقة في صحيح البخاري كبيضة الحمامة في جامع الترمذي كالتفاحة وقالت عائشة كالتينة الصغيرة فلما مات صلى الله عليه وسلم التمسته فلم أجده
…
فائدة: قال السبكي خلق الله في قلوب البشر علقة قابلة لما يلقيه الشيطان فأزيلت من قلب النبي صلى الله عليه وسلم قالت حليمة فاحتملناه وقدمنا به إلى أمه في السنة الخامسة فقالت ما أقدمك به وقد كنت حريصة على مكثه عندك فقالت أديت خدمته وكتمت قصته فقالت أتخوفت عليه الشيطان قالت نعم قالت كلا والله ما للشيطان عليه سبيل دعيه عنك وانطلقي راشدة فخرجت حليمة ولسان حالها يقول:
دعوني على الأحباب أبكى وأندب
…
في القلب من نار الفراق تلهب
ولا تعتبوني إن خرجت أدمعي دما
…
فليس لصب فارق الألف متعب
لقد جرح التفريق قلبي بنبله
…
فمن دمها دمعي على الخد يسكب
أأحبابيا ما باختياي فراقكم
…
ولكن قضاء الله ما فيه مهرب
وما كان ظني الدهر يفرق بيننا
…
وسرعة هذا البين ما كنت أحسب
أجول بطرفي بعدكم في دياركم
…
فأرجع والنيران في القلب تلهب
ثم جاءت حليمة بعد النبوة فأكرمها ثم جاءت خلافة أبي بكر وخلافة عمر فأكرمها قاله في الشفاء في السنة السادسة من عمره ماتت أمه آمنة بين مكة والمدينة ودفنت بمكة وفي ثمان سنين مات جده عبد المطلب وفي اثنتي عشرة سنة رآه بحيرة الراهب لما خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام وفي خمس وعشرين خرج في تجارة خديجة إلى الشام وتزوج بها وسيأتي في مناقبه في الأربعين أرسله الله تعالى للعالمين رحمة وأطلع في أفق السعادة نجمه وشرح بالرسالة صدره ورفع في الشهادتين ذكره ورفعه إلى المحل الأسنى فكان قاب قوسين أو أدنى وكان صلى الله عليه وسلم عظيم الهامة معتدل القامة طيب الريح والشم نظيف البدن والجسم أطيب ريحا من العنبر وأزكى رائحة من المسك الأزفر يرى الشيطان والملائكة يرى في النور كما يرى في الظلمة الحالكة جوامع كلمه مأثورة وبدافع حكمه منثورة عيون معانيه منسجمة ودور ألفاظه منتظمة أنزل الله القرآن بلسانه تعظيما لأمره وشأنه يصل من قطعه ويعطي من منعه ويبذل لمن حرمه