المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيوع

- ‌مدخل

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ

- ‌باب الْبَيْعِ الْفَاسِدِ

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْبَيْعِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يُكْرَهُ

- ‌بَابُ الْإِقَالَةِ

- ‌بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌باب الاستحقاق

- ‌بَابُ السَّلَمِ

- ‌مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ

- ‌كِتَابُ الصَّرْفِ

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي

-

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي شَاهِدِ الزُّورِ

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

-

- ‌كِتَابُ الدَّعْوَى

- ‌بَابُ الْيَمِينِ

- ‌بَابٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ

- ‌بَابُ التَّحَالُفِ

- ‌بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ

- ‌بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ

- ‌كِتَابُ الإقرار

- ‌باب إقرار المريض

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

-

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ

-

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَاتِ

- ‌بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ

- ‌بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ

-

- ‌كِتَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزِهِ

- ‌كِتَابُ الْوَلَاءِ

- ‌كِتَابُ الْإِكْرَاهِ

-

- ‌كِتَابُ الْحَجْرِ

- ‌بَابُ الْحَجْرِ لِلْفَسَادِ

- ‌فَصْلٌ فِي حَدِّ الْبُلُوغِ

- ‌بَابُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ

- ‌كِتَابُ الْمَأْذُونِ

- ‌كِتَاب الْغَصْب

-

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ

- ‌بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ

- ‌كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

-

- ‌كِتَابُ الذَّبَائِحِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَمَا لَا يَحِلُّ

- ‌كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ

- ‌كتاب الكراهية

- ‌النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَطْءِ، وَالنَّظَرِ، وَالْمَسِّ

- ‌فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ

- ‌مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ

- ‌كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌إرسال الكلب المعلم

- ‌فَصْلٌ فِي الْجَوَارِحِ

- ‌فصل في الرمي

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌كتاب الجنايات

- ‌تحريم قتل المسلم

- ‌باب ما يوجب القصاص

- ‌باب الشهادة في القتل

- ‌كِتَابُ الديات

- ‌ما يجب فيه الدية كاملة

- ‌فَصْلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

- ‌فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ

- ‌بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ

- ‌بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا

- ‌بَابُ جنَايَةِ الْمَمْلُوكِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ

- ‌فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ

- ‌بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌كِتَابُ الْمَعَاقِلِ

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌مدخل

- ‌بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ

- ‌فصل: في الوعيد على ترك الزكاة أو الحج

- ‌بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ

- ‌كِتَابُ الخنثى

- ‌كيفية إرث الخنثى

- ‌مَسَائِلُ شَتَّى

- ‌ملاحق

- ‌مقدمة ط دار الحديث

- ‌نصب الرَّايَة" وَكلمَة عَن فقه أهل الْعرَاق

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد

- ‌الِاسْتِحْسَان

- ‌شُرُوط قبُول الْأَخْبَار

- ‌منزلَة الْكُوفَة من عُلُوم الِاجْتِهَاد

- ‌‌‌طَريقَة أبي حنيفَة فِي التفقيه

- ‌طَريقَة أبي حنيفَة فِي التفقيه

- ‌بعض الْحفاظ، وكبار الْمُحدثين من أَصْحَابه، وَأهل مذْهبه

- ‌كلمة فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل

الفصل: ‌فصل في البيع

‌فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ

الْحَدِيثُ الْحَادِي والثلاثون: قال عليه السلام: "الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ"، قُلْتُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ1 فِي التِّجَارَاتِ عَنْ عَلِيِّ بن سالم عن ثَوْبَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ"، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَأَعَلَّهُ بِعَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، وَقَالَ: لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ رُوِيَ بِغَيْرِ هَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ"، انْتَهَى. وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ هَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ2 بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَرَوَى حَدِيثَ عُمَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْجَالِبُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمِ بْنِ ثَوْبَانَ بِهِ: الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ، انْتَهَى. قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: عَلِيُّ بْنُ سَالِمِ بْنِ ثَوْبَانَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى. وَوَجَدْت الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، مِثْلُهُ سَوَاءً، ذَكَرَهُ فِي بَابِ جَلَبَ، فلينظر في ذلك، وليحر مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى، فَلَعَلَّهُ غَلَطٌ، وَلَكِنِّي عَلَّقْتُهُ لِأَتَذَكَّرَهُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ، وَعَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ،

قُلْتُ: هُمَا حَدِيثَانِ: فَالْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: "لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَاهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ"، انْتَهَى. الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ4 عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَتَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ"، انْتَهَى.

1 عند ابن ماجه في التجارات في باب الجلب والحكرة 156، وفي المستدرك في البيوع ص 11 ح 2.

2 عند مسلم في البيوع في باب تحريم الاحتكار في الأقوات ص 31 ج 2، وعند ابن ماجه في التجارات ص 156، وفي المستدرك في البيوع ص 11 ج 2، وعند أبي داود في البيوع في باب النهي عن الحكرة ص 132 ج 2.

3 عند مسلم في البيوع في باب تحريم تلقي الجلب ص 4 ج 2.

4 عند البخاري في البيوع هل يبيع حاضر لباد 2 ص 89 ج 2، وعند مسلم في البيوع في باب تحريم تلقي الجلب ص 4 ج 2.

ص: 261

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ"، قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1، والدارقطني فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، والطبراني في معجمه الوسط، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ ثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ، وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ بَاتَ فِيهِمْ امْرِئٌ جَائِعٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ"، انْتَهَى. وَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ بِهِ، إلَّا الْحَاكِمَ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَسَاقَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَقَالَ: لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ: قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُسْتَدْرَكِ: عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ تركوه، وأصبغ بن يزيد فِيهِ لِينٌ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ2: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَصْبَغَ بن يزيد بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، فَقَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَأَبُو بِشْرٍ لَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ"، قِيلَ لِسَعِيدٍ: فَإِنَّك تَحْتَكِرُ، قَالَ سَعِيدٌ: إنَّ مَعْمَرًا الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، كَانَ يَحْتَكِرُ، انْتَهَى. وَمَعْمَرٌ هَذَا هُوَ مَعْمَرُ بْنُ أَبِي مَعْمَرٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيِّ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "لَا تُسَعِّرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ"، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ.

فَحَدِيثُ أَنَسٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْبُيُوعِ، وَابْنُ مَاجَهْ3 فِي التِّجَارَاتِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ، وَحُمَيْدَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا

1 في المستدرك في البيوع ص 11 ج 2.

2 ذكره في كتاب العلل ص 392 ج 1.

3 عند أبي داود في البيوع في باب في التسعير ص 134 ج 2، وعند ابن ماجه في التجارات في باب من كره أن يسعر ص 160، وعند الترمذي في البيوع في باب بعد باب ما جاء في المخابرة والمعاومة ص 169 ج 1.

ص: 262

السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ الباسط الرزاق، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ مِنْ دَمٍ، وَلَا مَالٍ"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الْمُسَعِّرُ، هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَتَيْنِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ1 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَزِيزٍ الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ ثَنَا أَبُو إسْرَائِيلَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا، الْحَدِيثَ. إلَّا أَنَّهُ قَالَ:"فِي عَرْضٍ، وَلَا مَالٍ".

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ2 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِلَفْظِ حَدِيثِ أبي حجيفة.

وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَرَوَاهُ الطبراني في معجمه الوسط3 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ التَّمَّارُ ثَنَا أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ:"إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، إنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ أَلْقَاهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دِينٍ، وَلَا دُنْيَا"، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: حَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ، قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.

فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ4 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَافِقِيِّ، وَأَبِي عَلْقَمَةَ5 مَوْلَاهُمْ، أَنَّهُمَا سَمِعَا ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وآكل ثمنها، ومعتصرها، وجاملها، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ"، انْتَهَى.

1 قال الهيثمي في مجمع الزوائد ص 100 ج 4: رواه الطبراني في الكبير وفيه غسان بن الربيع، وهو ضعيف، انتهى.

2 عند الطبراني في الصغير ص 161.

3 قال الهيثمي في مجمع الزوائد ص 99 ج 4: رواه أحمد، والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح، انتهى.

4 عند أبي داود في الأشربة في باب العصير للخمر ص 161 ج 2: ولم أجد في نسخته عند قوله: "وآكل ثمنها".

5 أبو علقمة مولى بني أمية عن ابن عمر في لعن الخمر وشاربها وعنه عند عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز كذا في رواية اللؤلؤي، والصواب أبي طعمة، كذا هو في رواية أبي عمرو البصري، وأبي الحسين بن العبد، وغير واحد عن أبي داود، وكذا هو عند ابن ماجه، انتهى: ص 174 ج 2.

ص: 263

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: سُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْغَافِقِيِّ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ، وَأَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْأَنْدَلُسِ، قتله الرُّومُ بِالْأَنْدَلُسِ سَنَةَ خَمْسَةَ عَشْرَ وَمِائَةٍ، وَأَبُو عَلْقَمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ رَوَى عن ابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ: وَأَنَّهُ كَانَ عَلَى قَضَاءِ أَفْرِيقِيَّةَ، وَكَانَ أَحَدَ فُقَهَاءِ الْمَوَالِي، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْأَشْرِبَةِ1 مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الْمِصْرِيِّ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ، وَغَارِسَهَا، لَا يَغْرِسُهَا إلَّا لِلْخَمْرِ، وَلَعَنَ مُجْتَنِيَهَا، وَلَعَنَ حَامِلَهَا إلَى الْمَعْصَرَةِ، وَعَاصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَمُدِيرَهَا"، انْتَهَى. وَفِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ، فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا حديث أنس: فأاخرجه التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ2 عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً، فَذَكَرَهُ، إلَّا أَنَّ فِيهِ، عِوَضَ: الْخَمْرِ، وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، عَنْ مَالِكِ بْنِ سَعِيدٍ التُّجِيبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "أتاني جبرئيل، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ"، فَذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، إلَّا أن فيه عوض: آكل ثَمَنِهَا، وَالْمُسْقَاةَ لَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ3 وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ عُمَرَ، ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ عُمَرَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إساعيل بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، سَوَاءً.

1 ص 144 ج 4.

2 عند الترمذي في البيوع في باب ما جاء في بيع الخمر والنهي عن ذلك، ص 167 ج 1، وعند ابن ماجه في الأشربة في باب لعنت الخمر على عشرة أوجه ص 250.

3 في المستدرك في الأشربة ص 145 ج 4، وقوله: وشاهده حديث عمر، قلت: لم يذكر بعد هذا الحديث ولا قبله حديثاً عن عمر، يكون شاهداً له، نعم أخرج قبله حديثاَ عن ابن عمر، والله أعلم.

ص: 264

الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَكَّةُ حَرَامٌ، لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُورَثُ"،

قُلْتُ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْبُيُوعِ، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ1 عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَكَّةُ مُنَاخٌ لَا يُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا يُؤَاجَرُ بُيُوتُهَا"، انْتَهَى. قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الإسناد، ولم يخرجه وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُهَاجِرٍ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُهَاجِرٍ، قَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ، وأبيه، قالا فِي إسْمَاعِيلَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُهَاجِرٍ هَذَا هُوَ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَكَذَلِكَ أَبُوهُ ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَبُوهُ أَقْوَى مِنْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، والدارقطني أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَثَمَنِهَا"، وَقَالَ:"مَنْ أَكَلَ مِنْ أَجْرِ بُيُوتِ مَكَّةَ شَيْئًا، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ نَارًا"، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، قَالَ: مَكَّةُ حَرَامٌ، وَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَأَجْرُ بُيُوتِهَا، انْتَهَى. وَسَكَتَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَجَعَلَهُ شَاهِدًا لِحَدِيثِ ابْنِ مُهَاجِرٍ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَوَهَمَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَدَّاحُ، وَالثَّانِي فِي رَفْعِهِ، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ حَدَّثَنِي أَبُو نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر، قَالَ: الَّذِي يَأْكُلُ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ إنَّمَا يَأْكُلُ فِي بَطْنِهِ نَارًا، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ حَدِيثَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَقَالَ: عِلَّتُهُ ضَعْفُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَهَمَ فِي قَوْلِهِ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يزيد، وإنما هُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَوَهَمَ أَيْضًا فِي رَفْعِهِ، وَخَالَفَهُ النَّاسُ، فَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عن ابن عمروقوله.

وَقَدْ رَوَاهُ الْقَاسِمُ2 بْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الصَّوَابِ، وَقَالَ فِيهِ: ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، فَلَعَلَّ الْوَهَمَ مِنْ صَاحِبِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي آخِرِ الْحَجِّ3 عَنْ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَرَفَعَ الْحَدِيثَ،

1 في المستدرك في البيوع في باب مكة مناخ ص 53 ج 2، وعند الدارقطني في البيوع ص 312، وكذا الحديث الأتي عن أبي حنيفة.

2 رواية عيسى بن يونس، ومحمد بن ربيعة، والقاسم بن الحكم عند الدارقطني في البيوع ص 313.

3 عند الدارقطني في آخر الحج ص 289.

ص: 265

قَالَ: مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ أَكَلَ الرِّبَا، انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَكَّةُ حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ لَا تَحِلُّ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَلَا إجَارَةُ بُيُوتِهَا"، انْتَهَى. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ رِبَاعِ مَكَّةَ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عليه السلام: "مَنْ آجَرَ أَرْضَ مَكَّةَ، فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا"، قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عبد الله بن عمر عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ أَكَلَ مِنْ أُجُورِ بُيُوتِ مَكَّةَ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ نَارًا"، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَرَفَعَهُ، قَالَ:"مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ فَقَدْ أَكَلَ نَارًا"، انْتَهَى. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الْحَجِّ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ يَنْهَى عَنْ الْكِرَاءِ فِي الْحَرَمِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى أَنْ تُبَوَّبَ دُورُ مَكَّةَ، لَأَنْ يَنْزِلَ الْحَاجُّ فِي عَرَصَاتِهَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَوَّبَ دَارِهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَنْظَرَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي امْرُؤٌ تَاجِرٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ بَابًا يَحْبِسُ لِي ظَهْرِي، قَالَ: فَذَلِكَ إذًا، انْتَهَى. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَتَّخِذُوا لِدُورِكُمْ أَبْوَابًا، لِيَنْزِلَ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: لَقَدْ اُسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ، وَمَا لِدَارٍ بِمَكَّةَ بَابٌ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَطَاءً يَقُولُ: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} ، قَالَ: يَنْزِلُونَ حَيْثُ شَاءُوا، انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فِي الْبُيُوعِ ثَنَا الْحَاكِمُ بِسَنَدِهِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، قَالَ: كُنَّا بِمَكَّةَ، وَمَعِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ لِي أَحْمَدُ يَوْمًا: تَعَالَ أُرِيك رَجُلًا لَمْ تَرَ عَيْنَاك مِثْلَهُ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ فَذَهَبْت مَعَهُ، فَرَأَيْتُ مِنْ إعْظَامِ أَحْمَدَ لِلشَّافِعِيِّ، فَقُلْت لَهُ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، قَالَ: هَاتِ، فَقُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي أُجُورِ بُيُوتِ مَكَّةَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، قُلْتُ، وَكَيْفَ! وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَجْعَلُوا عَلَى دُورِكُمْ أَبْوَابًا، لِيَنْزِلَ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ يَنْزِلَانِ، وَيَخْرُجَانِ، وَلَا يُعْطِيَانِ أَجْرًا، فَقَالَ: السُّنَّةُ فِي هَذَا أَوْلَى بِنَا، فَقُلْتُ: أَوَ فِي هَذَا سُنَّةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا"؟ لِأَنَّ عَقِيلًا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ، وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ، وَلَا جَعْفَرٌ، لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَلَوْ كَانَتْ الْمَنَازِلُ بِمَكَّةَ لَا تُمْلَكُ، كَيْفَ كَانَ يَقُولُ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا، وَهِيَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ؟ قَالَ: فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَقَالَ: لَمْ يَقَعْ هَذَا بِقَلْبِي، فَقَالَ إسْحَاقُ لِلشَّافِعِيِّ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ

ص: 266

فِيهِ وَالْبَادِ} ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: اقْرَأْ أَوَّلَ الْآيَةِ {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ، سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} ، إذْ لَوْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُ، لَمَا جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْشُدَ فِيهَا ضَالَّةً، وَلَا يَنْحَرَ فِيهَا بَدَنَةً، وَلَا يَدَعَ فِيهَا الْأَرْوَاثَ، وَلَكِنْ هَذَا افي الْمَسْجِدِ خَاصَّةً، قَالَ: فَسَكَتَ إسْحَاقُ، انْتَهَى. وَبِحَدِيثِ:"هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا"، اسْتَدَلَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ1 مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ: أَلَا تَنْزِلُ مَنْزِلَكَ مِنْ الشِّعْبِ؟ قَالَ: "فَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا"، وَكَانَ عَقِيلٌ قَدْ بَاعَ مَنْزِلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْزِلَ إخْوَتِهِ مِنْ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ بِمَكَّةَ، فَقِيلَ لَهُ: فَانْزِلْ فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ فَأَبَى، وَقَالَ:"لَا أَدْخُلُ الْبُيُوتَ"، فَلَمْ يَزَلْ مُضْطَرِبًا بِالْحَجُونِ، لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا، وَكَانَ يَأْتِي إلَى الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَجُونِ، انْتَهَى.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: وَقَدْ اشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدُّورَ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ ضَيَّقُوا الْكَعْبَةَ، وَأَلْصَقُوا دُورَهُمْ بِهَا، ثُمَّ هَدَمَهَا، وَبَنَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ كَانَ عُثْمَانُ، فَاشْتَرَى دُورًا بِأَغْلَى ثَمَنٍ، وَزَادَ فِي سِعَةِ الْمَسْجِدِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رِبَاعَ مَكَّةَ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا بَيْعًا وَشِرَاءً، إذَا شَاءُوا، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي سِيرَتِهِ عُيُونُ الْأَثَرِ: وَهَذَا الْخِلَافُ هُنَا يُبْتَنَى عَلَى خِلَافٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَكَّةَ هَلْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، أَوْ أُخِذَتْ بِالْأَمَانِ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا مُؤَمَّنَةٌ، وَالْأَمَانُ كَالصُّلْحِ يَمْلِكُهَا أهلها، فيجوز لهم كراءها وبيعها وشراءها، لِأَنَّ الْمُؤَمَّنَ يَحْرُمُ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِيَالُهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَقَالَ:"مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ، فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ" إلَّا الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، وَإِنْ وُجِدُوا مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَّهَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا إلَى مَكَّةَ، وَقَالَ:"مَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيمٍ، فَهُوَ آمِنٌ وَهِيَ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، فَهُوَ آمن وهي بأعلا مَكَّةَ"، فَكَانَ هَذَا أَمَانًا مِنْهُ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَكْثَرُ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، لِأَنَّهَا أُخِذَتْ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ فِي مَكَّةَ، أَنَّهَا مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِيهَا قَسْمٌ، وَلَا غَنِيمَةٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ أَهْلِهَا أُخِذَ لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حُرْمَتِهَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا بَلْدَةٌ مُؤَمَّنَةٌ، آمَنَ أَهْلَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَتْ

1 عند مسلم في الحج في باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها ص 436 ج 1، وعند البخاري في الحج ص 216، وفي الجهاد ص 430 ج 1، وفي المغازي ص 14 ج 2.

ص: 267

أَمْوَالُهُمْ تَبَعًا لَهُمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا إنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، فَتَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى أَهْلِهَا فَيَجُوزُ، انْتَهَى. وَحَدِيثُ: مَكَّةُ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنَ مَاهَكَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَبْنِي لَك بَيْتًا؟ يَعْنِي بِمَكَّةَ قَالَ:"لَا، إنَّمَا هِيَ مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ"، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ1 عَقِيبَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: وَقَدْ صَحَّتْ الرِّوَايَاتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ صُلْحًا، فَمِنْهَا مَا حَدَّثَنَا وَأَسْنَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَارَ إلَى مَكَّةَ لِيَفْتَحَهَا، قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ:"اهْتِفْ بِالْأَنْصَارِ"، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءُوا، كَأَنَّمَا كَانُوا عَلَى مِيعَادٍ، ثُمَّ قَالَ:" اُسْلُكُوا هَذِهِ الطَّرِيقَ، فَسَارُوا، فَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ"، وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ الَّذِي يَلِي الصَّفَا، فَصَعِدَ الصَّفَا، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَالْأَنْصَارُ أَسْفَلُ مِنْهُ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِقَوْمِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ، قَالَ:"فَمَنْ أَنَا إذًا؟! كَلًّا وَاَللَّهِ، إنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ حَقًّا، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ"، قَالُوا: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قُلْنَا ذَلِكَ إلَّا مَخَافَةَ أن يعاودنا، قَالَ:"أَنْتُمْ صَادِقُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ"، قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا مِنْهُمْ إلَّا مَنْ بُلَّ نَحْرُهُ بِالدُّمُوعِ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَرَاضِيَ مَكَّةَ كَانَتْ تُسَمَّى السَّوَائِبَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا سَكَنَهَا، وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا أَسْكَنَ غَيْرَهُ،

قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ2 فِي الْحَجِّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ مَكَّةَ إلَّا السَّوَائِبُ، مَنْ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَمُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، والدارقطني فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْأَدَمِيّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عُثْمَانَ بِهِ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ تَارِيخِ مَكَّةَ، وَحَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ بِهِ، قَالَ: كَانَتْ الدُّورُ وَالْمَسَاكِنُ بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم مَا تُكْرَى، وَلَا تُبَاعُ،

1 في المستدرك في البيوع في باب مكة مناخ لا تباع رباعها ص 53 ج 2.

2 عند ابن ماجه في الحج في باب بيوت مكة ص 231.

ص: 268