الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
المؤلّف وسيرته
أما المؤلّف فهو أبو المكارم، زين الدين، عبد الباسط بن خليل بن شاهين الظاهري، الحنفي، وقد ولد بمدينة ملطية في ليلة الأحد حادي عشر رجب من سنة 844 هـ. حين كان أبوه نائبها. وأمّه أمّ ولد سريّة اسمها «شكرباي» تزوّج بها والده بعد عتقها، وكانت - حسب قوله - من خيار نساء عصرنا دينا وخيرا - ماتت بدمشق في نفاسها سنة 852 وله من العمر 8 سنين، ومات ولدها الذي وضعته بعدها بأيام (1).
وكان له أخ من أبيه يدعى «يوسف بن خليل» ، مات في سنة 848 هـ. وهو صغير حيث ولد في سنة 843 هـ وأمّه أمّ ولد أرضعته معه، وكان يحبّها، ولهذا كانت أكثر إقامتها عنده لمحبّته لها، ولتقديره لمقامها إذ كانت عنده بمقام والدته، وهي عتيقة والده، وكانت خيّرة، ديّنة، كثيرة الصيام والقيام وكثرة الذكر والأوراد، وهي ممن تنتمي لوالدته وبينهما محبّة أكيدة (2).
وفي سنة 859 هـ. انتقل مع أبيه إلى طرابلس، حيث أعطي أبوه إمرة عشرين بها، وتفرّغ للتأليف والتدريس والمطالعة، وفي أول نزولهما طرابلس نزل والده في دار عيسى التاجر الطرابلسي، أحد التجار المياسير بها، وبقي بها مدّة (3). ثم قام بعمارة أمكنة فوق الجبل المطلّ على محلّة العويراتية بأطراف المدينة (4)، وسكن في دار تحت الجبل
(1) الروض الباسم 1 / ورقة 13 أ.
(2)
الروض الباسم 1 / ورقة 31 أ.
(3)
الروض الباسم 3 / ورقة 105 أ.
(4)
محلّة العويراتية، هي المحلّة التي فيها حاليّا مقابر المسلمين بطرابلس المعروفة بمقابر باب الرمل، إلى الجنوب من المدينة، ويحدّها شرقا الجبل المطلّ عليها ويعرف الآن بأبي سمراء، ومن الغرب جامع الأمير سيف الدين طينال الأشرفي الحاجب. وهي من أقدم محلاّت طرابلس المملوكية، يرجّح أن نسبتها إلى «العويراتية» أو «الأويراتية» وهم قوم من المغول فرّوا من قائدهم غازان إلى دولة المماليك في سنة 695 هـ / 1296 م. فأنزلهم السلطان العادل كتبغا على الساحل بين عثليث وقاقول، في فلسطين. ويظهر أنّ جماعة منهم وصلوا إلى طرابلس وأقاموا في المكان الذي نسب إليهم. (نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري 31/ 299، نزهة الناظر لليوسفي ص 169 بالحاشية) وقد ظلّت المحلّة تحمل اسمهم وتعرف بالعويراتية حتى العصر العثماني، انظر: دفتر مالية لواء طرابلس، رقم 1017 من محفوظات أرشيف الوثائق العثمانية برئاسة الوزراء التركية، استانبول (المحلّة رقم 22) وكان يسكنها بين سنتي 926 - 943 هـ / 1520 - 1537 م، (18 أسرة) كلهم من المسلمين. وورد ذكرها في: دفتر مفصّل لواء طرابلس رقم 372، المحلّة ذاتها رقم 22، وكان يسكنها قبل سنة 962 هـ / 1555 م. (28 أسرة) كلّهم من المسلمين. وذكرت أيضا في: دفتر إحصاء لواء طرابلس، رقم 513 لسنة 979 هـ / 1571 م. المحلّة رقم 13 وقد انخفض سكانها إلى 13 أسرة. وهي مذكورة أيضا في سجلاّت المحكمة الشرعية بطرابلس. انظر: السجلّ رقم 3 - لسنة 1088 هـ - ص 112 وفيه: «محلّة العويراتية ظاهر طرابلس» .
المذكور بالقرب من دار معبّر الأحلام محمد بن محمد بن سليمان الأوزاعي الدمشقي، المعروف بالبابا (1). وكان والد المؤلّف «خليل» على علاقة طيبة مع الأمير سيف الدين حاج إينال اليشبكي (2)، وبينهما صحبة ومحبّة أكيدة، وكان النائب يحبّه جدّا ويعظّمه (3)، وهو الذي سعى بتولية «شاذ بك الصارمي» في إمرة عشرين وحجوبية حجّاب طرابلس (4). وكان كثير التودّد إليه أثناء إقامته بطرابلس. كما كانت لوالده صحبة ومحبّة أكيدة مع «تمراز الإينالي الأشرف» أمير طبلخاناه بطرابلس (5). وعندما تولّى نيابة السلطنة الأمير «إياس المحمدي الناصري الطويل» في سنة 863 هـ (6). نشأت صداقة بينه وبين «خليل» والد المؤلّف، فكان يجتمع به ويتحاور معه في بعض الأمور (7). وقد أقام المؤلّف مع أبيه بطرابلس نيّفا وستة أعوام، تلقّى العلوم في أثنائها على الشيوخ الطرابلسيّين، وعلى من كان ينزل بها من شيوخ دمشق وغيرها، فضلا عمّا يأخذه ويسمعه من والده، وممّا سمعه منه، عن شيخ أبيه أحمد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن أبي بكر القيسي القدسي، الديريّ (المتوفّى 867 هـ). الأبيات التالية:
هي الدنيا الدنيّة فاحذروها
…
فليس لها على أحد ثبات
وبأوّلها وأوسطها انقلاب
…
على كدر وآخرها شتات
وغايتها المما (. . . .) بهذا
…
إذا لم يكن إلاّ الممات
ولكن (بعدها) أشياء تذهل
…
لغد عن البنين الأمّهات
فويل عند ذلك أي؟
…
لعاص أو بغتة السيئات
ويا فوز العبد بالحشر
…
عن النار المسعرة النجاة (8)
ومن شيوخه بطرابلس عالمها وخطيبها ومدرّسها تاج الدين عبد الوهاب بن محمد بن زهرة الحبراضيّ الأصل، الطرابلسيّ، وكان ولد بها سنة 806 هـ، ونشأ فيها، وأقام متصدّرا للتدريس في جامعها المنصوريّ الكبير، والإفتاء، والخطابة، ذكره المؤلّف رحمه الله في كتابه «الروض الباسم» فقال: «الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن زهرة، فقيه طرابلس الآن ومفتيها وخطيبها وابن خطيبها، وهو ممن أخذت عنه بل وقرأت عليه،
(1) الروض الباسم 3 / ورقة 106 أ.
(2)
تولّى نيابة السلطنة بطرابلس في عهد السلطان الأشرف إينال، بين 859 - 863 هـ. وهو توفي سنة 866 هـ. انظر: تاريخ طرابلس 2/ 51 رقم 120.
(3)
الروض الباسم 2 / ورقة 43 أ.
(4)
الروض الباسم 2 / ورقة 69 أ.
(5)
الروض الباسم 3 / ورقة 138 أ.
(6)
تولّى النيابة بطرابلس من سنة 863 حتى سنة 866 هـ. (تاريخ طرابلس 2/ 51 رقم 121).
(7)
الروض الباسم 2 / ورقة 33 ب.
(8)
الروض الباسم 2 / ورقة 68 ب.
وحضرت دروسه بجامع طرابلس، وكان بها في سنة 862 وما بعدها إلى أن خرجنا منها في سنة 865 أو قبلها بيسير» (1).
ومن شيوخه بطرابلس أيضا: محمد بن محمد بن سليمان الأوزاعي، الدمشقي، الصالحي، الطرابلسي، المعروف بالبابا. قال المؤلّف:«وكنت قد لازمته كثيرا في الفقه والتعبير، وأخذت عنه الكثير وانتفعت به فيها» (2).
والأرجح لدينا أنه أخذ على شيوخ آخرين بطرابلس أثناء إقامته فيها مع والده، ولكنّ المؤسف أنّ الفترة التي قضّاها في المدينة ضاعت من أصل مخطوطة «الروض الباسم» ، فالجزء الأول لم يصلنا منه سوى حوادث ووفيات سنة 844 حتى سنة 850 هـ.
والجزء الثاني وصلنا منه حوادث ووفيات سنة 865 حتى سنة 868 هـ، فيكون قد سقط من الكتاب من سنة 851 إلى نهاية سنة 864 هـ. وهي تشتمل على السنوات التي عاشها بطرابلس (859 - 864 هـ)، كما ضاع إلى جانب ذلك ما كنّا نودّ معرفته عن وصف المؤلّف رحمه الله لطرابلس حين دخلها، أو أثناء الإقامة فيها كما فعل في رحلته إلى أختها طرابلس الغرب وبلاد المغرب العربيّ والأندلس. وكل الذي عرفناه من أخبار تلك الفترة أنه ولد له أخ بطرابلس الشام في سنة 863 هـ، اسمه إبراهيم وأمّه أمّ ولد اسمها «بلبل» وهي تركية، ولم يعش سوى تسع سنين، إذ مات بعد عودة أبيه من العراق إلى طرابلس في أواخر سنة 872 هـ. فصنع له تابوتا ودفنه في مدفنه الذي كان أعدّه لنفسه بطرابلس (3).
وفي شهر جمادى الآخرة من سنة 865 هـ، نراه مع والده بدمشق (4). ثم عادا معا إلى القاهرة بعد قليل فسكن والده بدار زوجته أصيل أخت يوسف الملك العزيز، فهرع إليه أصحابه للسلام عليه، فجاء البلقيني فدعا «خليل» ولده «عبد الباسط» لتقبيل أياديه ورؤيته، فساعة وقع نظر البلقيني عليه أجلّه وأعظمه، وأخذ والده يثني عليه ويصفه بالعلم والذكاء. ثم اصطحبه أبوه معه إلى مجلس قاضي القضاة الحنفية أحمد بن الديري بالمدرسة المؤيّدية، فسأله عن مسألة في الفرائض، فأجابه (5).
وفي 15 ربيع الأول سنة 866 هـ. خرج المؤلّف رحمه الله من القاهرة إلى بلاد الصعيد وبقي فيها نحو ثلاثة أشهر اشترى خلالها كتّانا برسم الإتجار به في بلاد المغرب، وأنفق في ثمنه نحو 800 دينار، وعاد إلى القاهرة، ومنها انتقل إلى الإسكندرية (6)، فصادف حلول عيد الفطر وهو بها، فحضر صلاة العيد في الجامع السعدي (7)، وركب
(1) الروض الباسم 1 / ورقة 97 أ.
(2)
الروض الباسم 3 / ورقة 39 و 44.
(3)
الروض الباسم 4 / ورقة 190 ب.
(4)
الروض الباسم 2 / ورقة 6 ب.
(5)
الروض الباسم 2 / ورقة 10 ب، 11 أ.
(6)
الروض الباسم 2 / ورقة 35 ب.
(7)
الروض الباسم 2 / ورقة 39 أ.
البحر يوم السبت في 19 من شوال (1). ووصل إلى تونس يوم الأربعاء في 22 ذي القعدة، بعد أن بقي في البحر 33 يوما، فرحّب به الشيخ أبو إسحاق إبراهيم المدرّس بجامع الزيتونة، فكان يحضر مجلسه بين الظهر والعصر أحيانا، وبين العصر إلى قرب المغرب أحيانا أخرى، وسمع الكثير من فوائده وتحقيقاته، إذ كان - حسب وصفه له - آية ورأسا في الفتوى، لا سيما الأصلين (2). وفي يوم الأربعاء 28 من ذي الحجة وصل إلى ميناء تونس مركبان للفرنج فيهما عدّة أسرى، فركب المؤلّف قاربا بقصد الفرجة فصعد إلى المركب الأكبر فوجد واحدا من الأسرى من المسلمين الأتراك يعرف التركية ولغة الفرنج، إذ بقي في أسرهم نحو 25 عاما، ولا يعرف العربية، فكلّمه بالتركية، وعرف أن اسمه «مبارك» ، فاجتمع بالخواجا التاجر أبي القاسم البنيولي أحمد ناظر الأندلس وعظيم التجار بتونس ونزيلها، وأخبره بأمر هذا الأسير، فتوسّط له مع الفرنج، فافتدى الأسير منهم بأربعين دينارا وأنزله إلى البر واستخدمه وبقي معه عدّة سنين (3).
وفي يوم الأربعاء 26 من شهر صفر سنة 867 هـ. ولدت للمؤلّف ابنة من أمته أمّ الشيخ شكرباي سمّاها «عائشة» ، فلم تلبث أن ماتت في آخر النهار، فتأسّف عليها لاشتياقه إلى الأولاد، ودفنها في مكان يقال له «الزّلاج» وهو جبّانة عظيمة بتونس (4).
وفي اليوم التالي - الخميس 27 صفر - خرج من باب الزّلاج إلى ظاهر تونس مع صديق له بقصد التنزّه والترويح عن نفسه بعد أن ضاق صدره بوفاة مولودته، ووصف صديقه بأنه الشاعر الأديب، البارع، الفاضل، الكامل، الدّين، أبو عبد الله محمد بن محمد المعروف بابن الرزين الخزرجي، الأنصاري، الأندلسيّ الأصل، التونسيّ، ورافقهما ثلاثة من الأصحاب: محمد الحديدي، وأحمد الوردوني، وشعيب البجائي، فاجتازوا بمسيرهم على زرع أخضر، فطلب المؤلّف أن ينشد كل من حضر شيئا من الشعر على البديهة في هذا الزرع، شرط الإجادة في المعنى، فابتدر ابن الرزين وأنشد ارتجالا:
يا خليليّ قفا واعتبرا
…
كيف ماس الزرع حسنا واسترد
و (. . . . . .) غدير أخضر
…
صنعت فيه يد الريح زرد
وأحجم الباقون عن الإنشاد رغم إلحاح المؤلّف عليهم (5).
وفي يوم السبت 29 من صفر بعث إليه محمد المسعود بالله بن المتوكل على الله عثمان صاحب تونس وليّ عهد أبيه يستدعيه للحضور بين يديه، فلما مثل أمامه رحّب به ورفع محلّه وأخذ يتلطّف معه بالكلام، فأنشده هذه البيتين:
ألا يا آل حفص يا ملوكا
…
ويا درّ حلى بهم نعمت سلوك
(1) الروض الباسم 2 / ورقة 40 أ.
(2)
الروض الباسم 2 / ورقة 42 أ.
(3)
الروض الباسم 2 / ورقة 42 ب.
(4)
الروض الباسم 2 / ورقة 52 أ.
(5)
الروض الباسم 2 / ورقة 52 أ.
ألا فقتم ملوك الأرض طرّا
…
فما من بعدكم أحد مليك
فأعجباه وأجازه عليهما، وكتب له ظهيرا بإعفائه عن المغارم واللوازم. وبعد ذلك كان يدخل مجلسه المرّة بعد الأخرى، واجتمع به مرة عند الشيخ العالم الفاضل الكسلي شيخ بلده فأخذ يسأله عن الشيخ يحيى العجيسي، ثم تمادى الكلام إلى مشايخه وما قاله بعضهم من المقصورة التي أولها:
أنتم بقلبي وأنا أشكو النوى
…
إنّ حديثي لم يبن في الهوى (1)
وفي الثاني من شهر رمضان نزل جزيرة جربة بالمراكب مع التجار، فأقام بساحلها ثمانية أيام. وأوسقوا منها زيتا كثيرا وأنواعا من الأكسية، وأقلعت المراكب إلى طرابلس الغرب، فنزل فيها نهار الخميس 15 من رمضان، وهيّأ له كبير التجار عبد الحميد العوّادي مكانا سكنه، وفيها التقى بقاضيها وخطيبها ومفتيها القاضي منصور البنجريري القروي، وهو من قرية بنجرير بالقرب من القيروان، وكان من أهل العلم ولديه فضيلة علمية وأدب، وله نظم حسن أنشده منه الكثير، وسمع منه الكثير من فوائده (2). وكان أثناء إقامته بطرابلس الغرب يخرج مع رفاقه من التجار للتنزّه، وشاهد الزاوية التي بناها أبو عبد الله محمد ابن السلطان أبي فارس عبد العزيز صاحب تونس (3)، وتنزّه بالبستان ورأى القصر الذي فيه.
وأصبح يوم الثلاثاء الثاني من ذي القعدة موعوكا، فجاءه من الغد قاضي طرابلس البنجريري ومعه طبيب يدعى محمد فعاداه، ودعا له القاضي بالدعاء المأثور لعيادة المريض، فكتب له المؤلّف:
لي سيّد زار وما زرته
…
فمنّي النقص ومنه التمام
إن يحمل سهوي ففقه مضى
…
لا في المأموم وهو الإمام
طالما زار الغمام الثرى
…
ولم يزر قطّ الثرى للغمام (4)
وكان قائد طرابلس الغرب «أبو النصر» يتولاّها من قبل صاحب تونس، وهو رجل ظالم، فلم يزره المؤلّف لذلك، فأراد القائد أن ينكيه فطلب منه ثوبا من الصوف السميك الأرجوان، فبعث إليه ثوبا طوله 40 ذراعا كان اشتراه من تونس بثمانية وعشرين دينارا، فأخذه ولم يدفع ثمنه، وبقي كذلك عدة أيام، فجاءه القاضي البنجريري وأغلظ له في القول، وأخذ الثوب منه وأعاده للمؤلّف، ممّا زاد من حنقه عليه (5).
وحدث للمؤلّف أمر مقلق وهو في طرابلس الغرب، ثم كانت له ذيول بعد ذلك،
(1) الروض الباسم 2 / ورقة 52 أ، ب.
(2)
الروض الباسم 2 / ورقة 54 أ.
(3)
الروض الباسم 2 / ورقة 55 ب.
(4)
الروض الباسم 2 / ورقة 56 أ.
(5)
الروض الباسم 2 / ورقة 56 أ.
وملخّصه أنه اشترى عشر جواري من الزنوج وسلّمهنّ لمملوك كان اشتراه بتونس أصله من سردينية كان أسيرا وأسلم، فأعتقه وركن إليه، ولكن المملوك خدعه إذ كان يتظاهر بالإسلام، وقال له إن الرقيق في غاية الرخص في هذه البلاد، وهو غال بساحل بيروت، فاشتر لي فرسا أتوجّه به إلى بيروت صحبة مراكب البنادقة مع التجار، فأبيع الرقيق وأعود إليك بمال طائل، فاشترى له ما أراد وأنزله البر مع التجار، فورد الخبر بعد مدّة أن المملوك ذهب إلى جزيرة رودس وباع الرقيق هناك، وارتدّ عن الإسلام، وخرج إلى سردينية. فجاء من أخبر قائد طرابلس بذلك، وسنحت له الفرصة أن ينتقم من المؤلّف، فبعث خلفه وسأله عن الجواري، فقال إنه بعث بهنّ إلى بيروت، فردّ القائد بأنك بعثت بهنّ إلى رودس وبعتهنّ هناك، فأقسم المؤلّف إن كان فعل ذلك فعليه ألف دينار لبيت مال المسلمين، فسكت القائد، وانفضّ المجلس، وبعد وقت قصير أحضر أمام القائد ثانية وقد وصل اثنان من الأسرى المسلمين كانا بردوس فأخبرا بما فعل المملوك ووصفاه، فالتزم بأداء الألف دينار إن صحّ الخبر، وأتى القائد بشاهدين وكتب محضرا بذلك، وأنه إن أتى آت وأخبر بالخبر نفسه كان عليه تنفيذ التزامه (1).
وفي يوم الخميس منتصف شهر محرم من سنة 868 هـ. وصل إلى طرابلس الغرب قارب فيه اثنان من الأسرى المسلمين هربا به من رودس، وأخبرا القائد بما فعله المملوك، فاتفق القائد معهما أن يرويا ذلك أمام المؤلّف، ولكن دون ذكر ارتداد المملوك عن الإسلام، وطلب منه الألف دينار، وأمر بحبسه دون أن يمهله فرصة لتدبير أمره، وبعث إلى داره بجماعة فأخذوا جميع ما وجدوه بها من المتاع، وحملوا أمّ ولده إليه، وبات المؤلّف ليلته سجينا، وعلم جماعة من أعيان طرابلس بالقضية فأتوا إلى القائد مستنكرين، وكان القاضي قد بلغه ارتداد المملوك عن الإسلام فقام بما يوجبه الشرع وقال للقائد إنّ الشرط لا يلزم أداء المبلغ لأنّ المملوك ارتدّ عن الإسلام وخدع صاحبه واحتال عليه وذهب بماله، فوعده القائد بالإفراج عنه غدا، وفي الليل أحضر المؤلّف من سجنه وتوعّده وخوّفه، وأخذ منه مالا بالمكر والخديعة، وحلّفه أن لا يذكر شيئا مما حدث لأحد من أهل طرابلس. وقد جرى كل ذلك دون أن يدري بما فعله القاضي وأعيان المدينة، كما لم يعرف بارتداد المملوك. وفي صباح اليوم التالي أطلق سراحه، وعندما وقف على حقائق الأمور ندم على دفع المال للقائد وسكت وهو على مضض كبير، وزاد من أسفه أنّ القائد داهن كبير التجار بطرابلس عبد الحميد العوّادي، فانقلب عليه ولم يراع صحبته ووقف إلى جانب القائد الظالم اتقاء لشرّه، وكان عند المؤلّف صاحب من ظرفاء سمرقند يدعى «خليل العجمي» وقد أحاط بكل ما جرى، فتأثّر من موقف كبير التجار المتنكّر لصديقه، وكان له إلمام بالنظم، فنظم أبياتا هجاه
(1) الروض الباسم 2 / ورقة 56 ب.
فيها، وكأنّها على لسان المؤلّف، وأنشدها له، فأثبت المؤلّف ما يذكره منها وهو قوله:
بني العوّادي أقوام لئام
…
حلال الشرع عندهم حرام
لهم فتن تشاع بكل ناد
…
عليهم لعنة المولى دوام
شرير مشهور
…
إذا ملو شواش
لا علموا منشور
…
بسوق الأوباش
فلا عجبا إذا افتخروا بعرضي
…
فإنّ العرض عندهم ساح
وإن قالوا قليل الدين كذبا
…
فطيم لا يريد سوى النكاح
وهي طويلة:
وبعد أيام ورد قارب من أسارى رودس الأروام المسلمين هاربين منها وهم زيادة على العشرة، فأخبروا بالقضيّة على جليّتها، وأنّ ذلك المملوك باق على نصرانيّته، وهو حكى لهم ما فعل بسيّده، وأنه باع الجواري بخمسمائة دينار، وأنّه لما دخل البنادقة بالشواني إلى رودس احتال على صاحب المركب الفرنجي الذي معه أن سيّده أمره أن ينزل بالجواري برودس، ومنها يسافر إلى بلاد الروم فيبيعهنّ لأنّ السعر هناك أغلى من ساحل الشام، وكان معه في المركب يهوديّ اتفق معه أن يشتريهنّ منه، ودفع له كراء المركب. وانخدع الفرنجي صاحب المركب بكلامه. وشاعت هذه الحكاية بطرابلس، فلما تحقّق المؤلّف منها ذهب إلى القائد وطلب منه أن يعيد إليه ما أخذه منه وخوّفه بأنّه سيعود إلى تونس، ويشكوه إلى صاحبها عثمان وولده المسعود، ولم يخرج من عنده حتى أعاد له ماله وبيته. وخسر الجواري، وامتحن بالسجن (1). ولم تمض سوى أيام قليلة حتى مات أحد أولاد قائد طرابلس في أواخر المحرم 868 هـ. فتأسّف عليه، وكتب المؤلّف معلّقا:«زاده الله أسفا على أسفه» (2).
ثم جرت للمؤلّف حكاية أخرى وهذه المرة مع شخص يهوديّ الأصل من بلاد الفرنج يدعى «عبد الرحمن» ، قدم إلى طرابلس الغرب وتزوّج بحارة اليهود امرأة واستولدها، ثم سافر إلى القاهرة ومنها إلى القدس، فوجد هناك وهو يزني بمسلمة، فأسلم على كره منه، وعاد إلى طرابلس والمؤلّف بها، وأخذ يتودّد إليه حتى قام في خلاص ولده من امرأته اليهودية وأخذه معه إلى بلاد المغرب الأقصى، وأحسن إليه غاية الإحسان. وكان ذلك في شهر صفر 868 هـ (3) فلم يقابله اليهوديّ إلاّ بالإساءة المؤدّية إلى الهلاك، كما سيأتي لا حقا.
وفي شهر جمادى الآخر قرّر السفر إلى تونس، وعرف بذلك قائد طرابلس فخشي
(1) الروض الباسم 2 / ورقة 72 ب - 73 ب.
(2)
الروض الباسم 2 / ورقة 74 أ.
(3)
الروض الباسم 2 / ورقة 74 ب.
أن يذكر أمره للسلطان، فأرسل إليه يستعطفه ويعتذر حتى حلف له، ثم بعث إليه بهدية ليضمن ودّه، فامتنع من قبولها وتوهّم منه، ولم يزل به حتى أخذ هديّته (1)، ودخل يوم الأحد 25 من جمادى الآخر مدينة قابس، ودخل بعدها القيروان يوم الأربعاء 28 منه، فأنزله عالمها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد البلدي الشهير بابن البكوش، وكان مفتيها وخطيبها، بدار إلى جانب داره، وأنس به جدا، فأخذ المؤلّف يتردّد على مجالس دروسه، وتلقّى عنه العلم الكثير في الوقت اليسير، مع الاجتهاد وكثرة الترداد ما بين قراءة عليه وسماع، واستفاد منه نبذا جيّدة في صناعة الطب، وحصّل فوائد جمّة وجليلة للغاية، وأخذ منه الإجازة (2). وزار أثناء إقامته بالقيروان جبّانتها وتجوّل بين قبور العلماء والصالحين والأولياء، ووقف على أسماء الكثير منهم، ولكنه أضاع أوراق التعليق، فلم يعد يذكر ممّن زار قبورهم سوى الإمام سحنون (3)،
(1) الروض الباسم 2 / ورقة 75 ب.
(2)
الروض الباسم 2 / ورقة 76 ب.
(3)
سحنون، ويقال: عبد السلام، بن سعيد بن حبيب التنوخي، أبو سعيد، إمام أهل إفريقية والمغرب في عصره بلا منازع. فقيه، محدّث، قاض، مفت، حمل لواء أهل السنّة والجماعة بتلك الربوع، وقاوم البدع ودوّن مذهب مالك ونشره. ولد سنة 160 وتوفّي سنة 240 هـ. انظر عنه في: طبقات علماء إفريقية وتونس لأبي العرب محمد بن أحمد تميم (ت 333 هـ) - تحقيق محمد بن أبي شنب - الجزائر 1915 - ص 101، وطبقات علماء إفريقية، للخشني، محمد بن حارث (361 هـ). تحقيق محمد بن أبي شنب - الجزائر 1915 م - ص 227 - 236، ورياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهّادهم ونساكهم وسير من أخبارهم وفضائله وأوصافهم، لأبي بكر عبد الله بن محمد المالكي (ت بعد 464) - تحقيق حسين مؤنس - مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1951 - ج 1/ 345، وطبقات الفقهاء، للشيرازي 25 و 147 و 152 و 153 و 156 - 159 و 163، وترتيب المدارك للقاضي عياض 2/ 585 - 626، والإكمال، لابن ماكولا 4/ 265، والثقات لابن حزم 335، ومعالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، للدبّاغ عبد الرحمن بن محمد الأنصاري (ت 696 هـ)، أكمله أبو القاسم بن عيسى بن ناجي (ت 839 هـ) - مكتبة الخانجي، مصر، والمكتبة العتيقة، تونس - الطبعة 2/ 1388 هـ - ج 2/ 49، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البرّ أبي عمر يوسف بن عبد الله (ت 463 هـ) تحقيق جماعة من العلماء - المغرب 1387 هـ - 1401 هـ - ج 1/ 96، 97 و 2/ 143، وقضاة قرطبة، للخشني محمد بن حارث القيرواني (ت 361 هـ) - الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 - ص 58، واللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير 1/ 79، والبيان المغرب، لابن سعيد 1/ 109، والمرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا، للنباهي علي بن عبد الله الأندلسي (كان حيا سنة 788 هـ) - طبعة المكتب التجاري، بيروت - ص 28، والمحن، لأبي العرب التميمي القيرواني (ت 333 هـ) - تحقيق يحيى الجبوري - دار الغرب الإسلامي، بيروت 1403 هـ - ص 454، وأعلام الموقّعين عن رب العالمين، لابن قيّم الجوزية أبي عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 751 هـ) - طبعة دار الجيل، بيروت 1973 - ج 1/ 27، ووفيات الأعيان، لابن خلّكان 3/ 180 - 182، والحلل السندسية في الأخبار التونسية للوزير الأندلسي السراج، محمد بن محمد (ت 1149 هـ) - طبعة الدار التونسية للنشر 1970 - ج 1 ق 1/ 285 وج 1 ق 3/ 769، والإرشاد في معرفة علماء الحديث، للخليلي =
وأبي الحسن القابسيّ (1)، وشقرون (2).
وفي العشرين من شوال 868 هـ. خرج من القيروان إلى تونس فوصل إليها يوم 23 في آخر النهار، فلم يمكث فيها إلاّ بعض أيام قلائل، ثم خرج في أواخر شوال صحبة الركب إلى تلمسان (3)،. وبعدها دخل باجة صحبة شيخ الركب محمد بن أبي إبراهيم الفيلالي، وقاسى العذاب في أثناء السفر (4)، وفي 17 من ذي القعدة دخل قسنطينة وأقام بها ثلاثة أيام ثم دخل مدينة بجايا وبادر فاجتمع بشيخها الإمام العالم أبي القاسم محمد المشدالي، وسمع الكثير من فوائده، ومن بجاية انتقل إلى الجزائر، وحضر مجلس سيدي عبد الرحمن الثعلبي، وسمع شيئا من فوائده وسأله بعض أسئلة كانت تشكل عليه فأفاده عنها، ورأى تفسيره، وقرأ عليه بعض السطور من أوله فأجازه، ورحل عن الجزائر إلى مدينة مازونا وقلعة هوّارة والبطحاء، ودخل تلمسان في أواخر ذي القعدة، وفيها عند طلوع فجر الأربعاء 14 من ذي الحجة 868 هـ. ولدت له ابنة من أمّ ولده «شكرباي» أمّ الفتح، وسمّاها «عائشة» ، واغتبط بها جدا فكان يقوم بتربيتها بنفسه، ويتولّى أكثر أمورها، ودامت معه إلى أن عاد إلى القاهرة فماتت في الطاعون الذي عمّ البلاد، وذلك ليلة النصف من رمضان سنة 873 هـ (5).
وفي يوم الجمعة الخامس من المحرم 869 هـ، خرج إلى ربض تلمسان وزار مقام الشيخ أبي مدين شعيب الإشبيليّ، ثم اجتمع بأبي عبد الله محمد ابن خطيب جامع العبّاد، وسمع خطبته وحضر كثيرا من دروسه، واستفاد من فوائده ستة أشهر، وكان أجلّ علماء تلمسان، وله نحو 80 عاما. واجتمع بأبي عبد الله محمد العقبانيّ، وأخيه أبي سالم إبراهيم خطيب جامع تلمسان الكبير وإمامه، ومحمد بن مرزوق، ومحمد بن زكريا
= القزويني - ج 1/ 269 رقم 112، ودول الإسلام، للذهبي 1/ 146، والعبر، له 2/ 34، وسير أعلام النبلاء، له 12/ 63 - 69 رقم 15، وتاريخ الإسلام، له (بتحقيقنا) - حوادث ووفيات 231 - 240 هـ - ص 247 - 249 رقم 249، ومرآة الجنان، لليافعي 2/ 131، 132، والبداية والنهاية، لابن كثير 10/ 322 و 323، والديباج المذهب، لابن فرحون 2/ 30 - 40، وشجرة النور الزكية، لمخلوف 70، والوفيات، لابن قنفذ 26، والإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ، للسخاوي 140، ولسان الميزان، لابن حجر 3/ 8، ومدرسة الحديث في القيروان، للحسين بن محمد شواط - الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الرياض 1411 هـ - ج 2/ 580 - 601 رقم 13 وفيه مصادر أخرى.
(1)
هو الإمام، أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري، القروي، القابسي، الفقيه المالكي، عالم أهل إفريقية. ولد سنة 324 وتوفي سنة 403 هـ. انظر عنه في: تاريخ الإسلام (بتحقيقنا) حوادث ووفيات 401 - 420 هـ - ص 85 - 87 رقم 110 وفيه حشدت مصادر ترجمته.
(2)
الروض الباسم 2 / ورقة 77 ب. (في شهر شعبان).
(3)
الروض الباسم 2 / ورقة 79 أ.
(4)
الروض الباسم 2 / ورقة 79 ب.
(5)
الروض الباسم 2 / ورقة 79، 80 أ.
مفتي تلمسان، ويحيى بن أبي الفرج قريب التلمسانيّ قاضي غرناطة وعالم الأندلس، ولقي جماعة آخرين من الفضلاء والأدباء والأطبّاء، ومنهم سيدي علي بن قشوش أحد أطبّاء تلمسان، وسمع من فوائدهم وحضر دروس بعضهم، ونقل عنهم أشياء وأجازوه، ولازم في الطب موسى بن سمويل بن يهودا الإسرائيلي المالقي، الأندلسي اليهودي المتطبّب المعروف بأبيه، وقال إنه لم يسمع ولم ير مثله في مهارته في الطب وعلم الوفق والميقات وبعض العلوم القديمة (1).
وفي آخر نهار 27 من ربيع الآخر دخل وهران، وزار زاوية سيدي إبراهيم التازي، المتقدّم ذكره، كما اجتمع بأبي العباس أحمد بن العباس المالكيّ مفتي وهران، وصاحب بها كبار أهل العلم والفضل فأفاد منهم الكثير (2).
وفيما كان المؤلّف يتابع رحلته في بلاد المغرب العربيّ كان والده يتردّد على السلطان خشقدم في القلعة بالقاهرة، وفي يوم الجمعة آخر جمادى الأول صعد وسأل السلطان في أمر إرث المغاربة بدمشق، وتمنّى عليه أن ينفق لفقرائهم، فأجابه إلى ذلك، ثم بادره بقوله: إنك لم تسألني شيئا لنفسك قط، وإنما تسألني حوائج الناس! فاغتنم الفرصة وسأله أن ينزل عمّا بيده من الإقطاع بدمشق باسم أولاده، فأجابه وكتب له منشورا باسم أولاده: أمير حاج، وأحمد، وعبد الباسط (المؤلّف)، ومحمد أبو الفضل (أخو المؤلّف)، ويوسف، وإبراهيم، وعبد الرحمن، والكل في قيد الحياة في سنة 869 هـ. ما عدا إبراهيم. ولما ساءت العلاقة بين والد المؤلّف والسلطان الظاهر هذا أخرج الإقطاع عن أولاده وتركهم بغير شيء، ثم قطع مرتّباتهم على الذخيرة ببيت المقدس (3).
وغادر المؤلّف وهران إلى تلمسان فدخلها في 17 من شهور رمضان 869 هـ. ونزل عند عبد الرحمن بن النجار صاحب الأشغال بها، وهو مدبّر المملكة لسلطانها ابن أبي ثابت. فأنس به هو وولداه عبد الله (الأكبر)، وعبد الواحد (الأصغر)، وسأله أن ينشده شيئا من نظمه في مدح صاحب تلمسان، فنظم قصيدة في نحو أربعين بيتا وكتب بها إليه، فلقيت صدّى طيبا عنده، فدعاه إليه ورفع من محلّه وشكره عليها، وكتب له ظهيرا بمسامحته في كل ما يتصرّف به من أنواع المتجر، ورتّب له مسكنا ينزل فيه طوال وجوده في تلمسان، مع توفير الغذاء من لحم ودقيق وغيره من غلال، ثم سأله عن مواضع في القصيدة أشكلت عليه فأجابه عنها، وأخذا يتباحثان في ذلك، ثم أمر بنسخ القصيدة بخط أحد الكتّاب الجيّدين، وأن يقرأها إنسان ذو صوت حسن بين يديه يوم عيد الفطر بحضور قاصد صاحب تونس. وعندما تصوّف المؤلّف غسل هذه القصيدة في جملة ما غسله من
(1) الروض الباسم 3 / ورقة 91 ب، 92 أ.
(2)
الروض الباسم 3 / ورقة 94 ب.
(3)
الروض الباسم 3 / ورقة 95 ب.
شعره والكثير من أوراقه وتعاليقه التي ندم عليها فيما بعد لما كانت تحويه من فوائد كثيرة، ولم يعد يذكر من تلك القصيدة سوى هذين البيتين:
أعني المليك الذي شاعت مكارمه
…
من آل زيّان أقيال أماجيد
هم الملوك وأبناء الملوك ومن
…
يقل سوى ذا فذاك القول مردود
وفي أول أيام عيد الفطر (شوال) أبلغه ابن النجار مدبّر تلمسان أنّ القصيدة قرئت بحضرة السلطان صاحب تلمسان وبحضور قاصد صاحب تونس، وسمعها الملأ العام ممن حضر في القصر عند السلطان، وأثنوا على قائلها، ووقعت لدى السلطان موقعا طيّبا، لا سيما أنّ فيها تعريضا بصاحب تونس (1).
وعزم المؤلّف عند عودته إلى تلمسان أن يتوجّه إلى فاس ويراها، فصادف أنها كانت في ذلك الوقت تشهد فتنا وخطوبا نتيجة ذبح اليهود سلطانها عبد الحق المرينيّ، فعاد إلى وهران بعد أن تسوّق من تلمسان شيئا ليبيعه في الأندلس، إذ قرّر اجتياز برّ العدوة إليها (2). وزار الصخرة التي بساحل وهران في شهر المحرم سنة 870 هـ (3). وفي نصف المحرم سافر في البحر إلى بلاد الأندلس، في مركب كبير للجنويّين مع جماعة من تجار الأندلس وتلمسان ووهران، وبقيت زوجه أمّ ولده بمنزل الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد المعروف بابن القصار التلمساني خطيب جامع البيطار بوهران، فخلفه بأهله خلفا جميلا.
ويوم الجمعة 23 محرم دخل مدينة مالقة من الأندلس، واجتمع بالشيخ أبي العباس أحمد التلمساني شيخ الأندلس وقاضي الجماعة بغرناطة، وعالم المغرب في وقته، فأنس به، وسمع الكثير من فوائده. واجتمع أيضا بأبي عبد الله محمد بن الترعة قاضي مالقة وخطيبها، فسأله عن ترجمة الشيخ خليل المالكي لأنه بصدد شرح مختصره، فأطلعه عليها وكانت عنده من طريق الحافظ ابن حجر، فسرّ قاضي مالقة بها، وحضر المؤلّف كثيرا من دروسه، وفوائده، لا سيما العربية، فإن كان آية فيها (4).
وفيما كان يوم الأحد واقفا بباب البحر إذ بشخص مريب مرّ فارّا مسرعا جدا في عدوه، وكأنه بسرعة البرق، وأعقبه أناس مسرعون خلفه مجدّين في طلبه، فلم يدركوه، ووصل في هربه إلى بلاد الكند من بلاد الفرنج، فسأل عنه فقيل إنه تشاجر مع آخر فقتله ساعتئذ، ثم سأل عنه بعد ذلك فقيل له إنّه لحق بدار الحرب ودخل تحت حماية الفرنج البرطقال (5)(البرتغال)، وعرف فيما بعد أنه هو مملوكه السابق الذي خانه.
وفي شهر صفر توجّه من مالقة نحو غرناطة على البغال، فاجتاز ببلدة تدعى يكش،
(1) الروض الباسم 3 / ورقة 97 ب، 98 أ.
(2)
الروض الباسم 3 / ورقة 100 أ.
(3)
الروض الباسم 3 / ورقة 109 أ.
(4)
الروض الباسم 3 / ورقة 111 ب.
(5)
الروض الباسم 3 / ورقة 111 ب.
ومنها إلى بلد يقال لها الجامة، وبات بها ليلة، ثم سار إلى غرناطة، ولقي بها جماعة من العلماء والفضلاء، منهم: أبو عبد الله محمد بن منظور، وحضر مجلسه أكثر من مرة، وسمع الكثير من فوائده (1).
وفي 29 من صفر 870 هـ صعد إلى دار الإمارة بعد أن بعث إليه الأمير أبو الحسن صاحب غرناطة ليسأله عن أخبار صاحب تلمسان وصاحب تونس، فأخبره، وسأله عن الشام وأحواله، وعن القاهرة وملكها، فأجابه عن كل ما سأل، وكان يبدي تعجّبه مما يسمعه، ثم أخذ ورقة وكتب عليها بخطه بإعفائه من أيّ شيء يلزم به التجار من المغارم، وأكرمه للغاية (2).
وفي عاشر ربيع الأول زار ربض غرناطة المعروف بالبيازين وشاهد الجامع الأعظم هناك، وعزم على الخروج لرؤية قرطبة، ولكن حدث له، ما لم يكن في الحسبان إذ تلقّى ضربة عنيفة بالسيف وهو في زنفة الكحيل بغرناطة، فأصيبت شفته العليا وأنفه وخدّه الأيسر، وكسر ثمانية من أسنانه، وفصلت شفته ثم أعيدت، وخيطت جراحه بعد أن مكث يعالج نحو الشهر، وقد أشرف على الموت. ولم يكن المعتدي عليه سوى اليهوديّ الذي عطف عليه وهو بطرابلس الغرب وساعده في ضمّ ابنه إليه، وهو المدعو «عبد الرحمن» ، وكان نزل غرناطة أيضا، وادّعى أنه عارف بالطبّ، وأخذ يترفّع على علمائها وأهلها حتى ضاقوا به ذرعا، وعندما نزلها المؤلّف بعد أيام سئل عنه فلم يعرفه لانقطاع أخباره عنه مدّة طويلة، ولم يتوقّع أن يكون في غرناطة، وعندما وصف له بدقّة عرف أنه هو، فحذّرهم منه، وأخبرهم بخيانته له، وأنه يهوديّ منافق يدّعي الإسلام، وعرف اليهوديّ أيضا به، فكمن له في أحد الأزقّة الضيقة وضربه بالسيف يريد قطع رقبته فأخطأها، ووقع المؤلّف أرضا من هول الصدمة، فظنّ اليهوديّ أنه مات، ففرّ هاربا، وعندما علم ببرئه بعد ذلك من جراحه تأكد أنه لن يكون آمنا بعد أن دلّ عليه، ففرّ إلى بلاد الفرنج مرتدّا عن دينه. وعلم فيما بعد أن أحد أسرى المسلمين لدى الفرنج تمكّن منه وقتله بعد أن وقف على أعماله المشينة دون أن يعرف المؤلّف أو يلتقيه، ونجا الأسير بنفسه إلى بلاد المسلمين (3).
وعاد المؤلّف من غرناطة إلى مالقة في أواخر جمادى الآخر 870 هـ. بعد أن تماثل بعض الشيء إلى الشفاء، وفي يوم الإثنين مستهلّ شهر رجب ركب البحر عائدا إلى وهران فدخلها في الرابع من رجب، وكان يريد متابعة السفر إلى تونس ولكنه كان مجهدا، فأشار عليه بعض أصحابه بالراحة والإقامة في وهران (4). ويوم الأحد 14 من رجب زاره عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بابن النجار نيابة عن أبيه عبد الرحمن مدبّر
(1) الروض الباسم 3 / ورقة 112 ب، 113 أ.
(2)
الروض الباسم 3 / ورقة 133 أ.
(3)
الروض الباسم 3 / ورقة 113 ب، 114 أ.
(4)
الروض الباسم 3 / ورقة 115 أ.
مملكة تلمسان، وقدّم له تحياته وأسفه على ما حدث له، وأوصى مشرف وهران بحسن معاملته (1).
وفي يوم 29 من شهر صفر سنة 871 هـ، ورد إلى ساحل وهران شونة كبيرة للفرنج الجنويّة برسم الاتجار بالجوخ قادمة من المحيط، فأبحر فيها يوم 11 من ربيع الأول إلى تونس، مرورا ببجاية، بعد أن أخذ زوجه وأهله، ووصل إلى ميناء تونس يوم العشرين من الشهر، وبقي في المركب ولم ينزل إلى البرّ حيث أقلعت بعد أربعة أيام إلى طرابلس الغرب (2)، ودخل ميناءها في أواخر جمادى الأول، وأقام بها مدّة (3)، إلى أن تجهّز للحج فخرج مع القافلة على طريق برقة، مجتازا بمسراته في شهر شعبان، ووصل إلى الإسكندرية ليلة الأحد عند رؤية هلال شهر رمضان (4)، ثم دخل القاهرة في 7 ذي القعدة، فوجد أنّ والده قد غادرها للحج (5)، فألغى سفره، وظلّ مقيما بها حتى وفاته.
* * *
هذه كانت سيرة المؤلّف ورحلته الحافلة بالأحداث كما سطّرها بيده في تاريخه الكبير «الروض الباسم» في مواضع متفرّقة منه، وقد ضاع منها سنوات رحلته مع والده من القاهرة إلى طرابلس الشام فيما ضاع من المخطوط. وبما توفّر لدينا من سيرته يمكن أن نذكر أسماء البلاد التي طوّف بها، سواء مع والده أو بمفرده، فبعد ولادته بملطية أخذه معه أبوه إلى القاهرة، ثم أعاده معه إلى ملطية، وانتقل معه إلى حلب، ثم إلى الخليل، وبيت المقدس، ودمشق، وحجّ معه إلى مكة المكرّمة، وعاد إلى قطيا، ودمشق، وطرابلس حيث أقام فيها أكثر من خمس سنوات، ثم عاد إلى دمشق، ومنها إلى القاهرة، وبعد ذلك انفرد بالرحلة اعتبارا من منتصف شهر ربيع الأول سنة 866 هـ. فرحل إلى صعيد مصر، ثم انتقل إلى الإسكندرية، ومنها إلى مدينة تونس، ثم جزيرة جربة، وطرابلس الغرب، وقابس، والقيروان، وعاد إلى تونس، ومنها إلى تلمسان، وباجة، وقسنطينة، وبجاية، والجزائر، ومازونا، وقلعة هوّارة، والبطحاء، وتلمسان للمرة الثانية، ووهران، ثم تلمسان ثالثة، ومنها إلى مالقة، ويكش، والجامة، وغرناطة، ومنها عاد إلى مالقة، ووهران وبجاية، وتونس وطرابلس الغرب، ومسراته، وبرقة، والإسكندرية، والقاهرة، وبها استقرّ حتى وفاته، فيما استقرّ أبوه في طرابلس إلى أن توفي ودفن فيها كما تقدّم.
وكان المؤلّف يلتقي بالعلماء والشيوخ والمدرّسين في رحلاته فيأخذ عنهم ويحضر مجالسهم كما تقدّم، فتنوّعت علومه بين اللغة، والفقه، والحديث، والمنطق، والتاريخ،
(1) الروض الباسم 3 / ورقة 115 ب.
(2)
الروض الباسم 3 / ورقة 129 ب، 130 أ.
(3)
الروض الباسم 3 / ورقة 132 أ.
(4)
الروض الباسم 3 / ورقة 132 ب - 133 ب.
(5)
الروض الباسم 3 / ورقة 135 ب.
والطبّ، مع معرفته بالتركية، وتأثّر بأبيه في التأريخ فسار على نهجه، فألّف، وصنّف، وأرّخ، ونظم الشعر، وجمع بين علوم المشرق والمغرب من خلال أخذه عن شيوخ الشام ومصر وبلاد المغرب العربيّ والأندلس وبلغ شيوخه الذين أفاد منهم العشرات، وزادوا على الأربعين شيخا في مختلف البلاد التي زارها. وأول شيوخه كان والده المؤرّخ المصنّف، الذي زرع فيه حبّ التأريخ، ووضع بين يديه مدوّناته وفوائده وتعليقاته، فنقل الكثير منها وأفرغها في كتبه، يدلّ على ذلك متابعته أخبار مصر والشام اليومية وهو في بلاد المغرب، إذ يروي عن أبيه أنه صعد إلى القلعة بالقاهرة فسأله السلطان خشقدم عن الفرق في الاصطلاح بين «ملك الأمراء» و «النائب» ، فأجابه على ذلك بالتفصيل، وقال بعد ذلك:«ونقلته من خطّه لأنّني كنت هذه الأيام في تلمسان» (1)، وفي موضع آخر ذكر أنّ السلطان سأل والده عن القول في الخطبتين يوم العيد عندما يأتي العيد في يوم الجمعة، فأفاض والده في الجواب بعدم صحّة الأقوال بالتشاؤم، وأقوال العوامّ، وأنّ ذلك حصل كثيرا للخلفاء والسلاطين ولم يحصل شيء. وقد نقل المؤلّف ذلك من خطّ والده، وقال:«نقلت هذا من خط الوالد رحمه الله لأنّني كنت غائبا ببلاد المغرب» (2). وروى مرة عن أبيه عن جدّه، فقال:«وكان الوالد يذكر لنا عن أبيه، عن بعض أخصّاء الظاهر برقوق» (3). وفي موضع آخر ذكر خبر والده مع السلطان خشقدم من جديد، وسفر والده للحج، وسفره مع الحجّاج العراقيين إلى الحلّة، وسفارته لأمير الحلّة إلى جهان شاه، ووفاة السلطان خشقدم وما أصاب أهل القاهرة من حزن عليه وغير ذلك من أخبار، وقال:«نقلت هذه الجملة من تعليق بخط الوالد - رحمه الله تعالى - وفيه من الغرائب ما قد وقفت عليه يا مخاطب، بل وفيه ما يغنينا عن إعادة ذكره مع سياق الكلام منتظما» (4). كما أخذ عنه شفاها، فقال:«ذكر لي الوالد من لفظه» (5). ونقل من كتاب والده «كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك» المفقود، خبر ضبط المتحصّل من مكس القطن الموسوق للفرنج بميناء طرابلس الشام في أيام ناظرها «أركماس الجلباني» ، وذلك في ترجمته لإبراهيم بن المراة القبطيّ (6).
وتنوّعت مصادره من غير والده، بين مدوّنة وشفاهية أيضا، فضلا عن مشاهداته الشخصية، ومعايشته لكثير من الأحداث والوقائع، وكان مشاهدا لها وفي وسطها. ولدينا نصوص كثيرة، تبدأ بقوله:«سمعت» و «رأيت» و «أخبرني» و «حضرت» و «أنشدني» ،
(1) الروض الباسم 3 / ورقة 91 ب.
(2)
الروض الباسم 3 / ورقة 116 ب.
(3)
نيل الأمل 1 / ورقة 59 ب.
(4)
الروض الباسم 3 / ورقة 134 أ - 135 ب.
(5)
الروض الباسم 1 / ورقة 3.
(6)
الروض الباسم 1 / ورقة 34، وانظر: نيل الأمل 1 / ورقة 681 (حوادث سنة 838 هـ).
و «بلغني» و «ذكر لي» ، وأكثر ما نجد ذلك في «الروض الباسم» وهو التاريخ الكبير، الذي يعتبر كتابنا هذا مختصرا منه. ففيه يقول في حوادث سنة 844 هـ. «أخبرني غير واحد ممّن اطّلع على جليّة هذه القضية، ومنهم من أثق به وبدينه» (1)، وقال قبل ذلك:«رأيت اسم الظاهر جقمق - محمد جقمق - على منبر أستاذه برقوق وغيره» (2). و «رأيت بخط الحمصيّ إجازة» (3)، و «أخبرني من أثق به ممن كان مع الحاج في سنة 887 هـ» (4)، و «ذكر لي بعض من ينسب إلى العلم والمعرفة بأحوال كثيرة ممن ذكرهم التقيّ في تواريخه» (5)، وعندما ذكر «محمد بن محمد بن أحمد بن العزّ الأوجاقي القاهريّ» (6) قال:«كنت قد سألت ولده أن يوقفني على ترجمته وترجمة نفسه وإخوته أيضا، لأنّ البدر العيني لم يذكر اسم أبيه، ونقل عنه ابن تغري بردي ذلك أيضا» . وشاهد بنفسه نقل «المؤيّد» إلى سجن الإسكندرية، وقال و «كنت أنا في هذا اليوم جالسا بمكان بالصليبية أعاين هذا الأمر وأشاهده عيانا» (7). وذكر حكاية عن نائب طرابلس الأمير «إياس المحمدي الناصري الطويل» حكاها له والده (8). وكان شاهدا وفاة السلطان «خشقدم» سنة 872 هـ. وقد أخبره عن موته من حضر عنده، وشاهد بنفسه طلوع «قايتباي» - وكان أحد مقدّمي الألوف - إلى القلعة، واضطراب الجلبان عند رؤيته، حتى إنني خشيت عليه، وتوسّمت سلطنته في هذا اليوم (9). وذكر اجتياز السلطان «يلباي» في شوارع القاهرة وقال:«وكنت أنا جالسا بمكان برأس سويقة عبد المنعم وشاهدته وقانبك أمامه» حتى نقل إلى الإسكندرية وسجن (10). وفي موضع آخر قال: «أخبرني من أثق به من أعيان الخاصكية ممن كان حاضرا مجلس السلطان قايتباي في شهر رجب سنة 872 هـ» (11). وهناك أخبار كثيرة في كتابنا هذا «نيل الأمل» مما شاهدها المؤلّف بنفسه وعايشها، أو سمعها من أصحابها، ففي ترجمة الأمير «أيدكي» مدبّر مملكة سراي ودشت قبجاق قال في آخرها:«وله أخبار تطول، كنت اجتمعت بإنسان رآه وعرف أحواله وصحبه هذا الإنسان مدّة سنين، فكان يذكر عنه غرائب وعجائب في شجاعته ومعرفته» (12). وهنا تكمن أهميّة الكتاب، والمعلومات التاريخية التي عرضها مؤرّخ معاصر للأحداث ومتفاعل
(1) الروض الباسم 1 / ورقة 13.
(2)
الروض الباسم 1 / ورقة 4.
(3)
الروض الباسم 1 / ورقة 14 أ، ومناسبة هذا القول هو تعليقه على الحافظ ابن حجر فيما قاله في كتابه «إنباء الغمر بأنباء العمر» في مسألة تصريح السلطان بعزل السراج الحمصي من القضاء لابن حجر كان كثير التنكيت عليه لخصاله السيئة، ولانتماء ابن حجر لبني البلقيني. .
(4)
الروض الباسم 1 / ورقة 42.
(5)
الروض الباسم 1 / ورقة 48.
(6)
الروض الباسم 1 / ورقة 63.
(7)
الروض الباسم 2 / ورقة 19 أ.
(8)
الروض الباسم 2 / ورقة 33 أ، ب.
(9)
الروض الباسم 3 / ورقة 148 أ.
(10)
الروض الباسم 3 / ورقة 161 ب.
(11)
الروض الباسم 4 / ورقة 177 أ.
(12)
نيل الأمل، آخر حوادث ووفيات سنة 822 هـ - 1 / ورقة 511.