الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألسنتهم، ويرون أنهم ما عرفوا دين الإسلام إلاّ بهم، وأنهم عسى ما كانوا هم في بركتهم، فعاد الأمر بالعكس حتى وصلوا [إلى] الوقيعة فيهم، ثم تزايد الأمر بعد ذلك لا سيما في أزماننا هذه حتى صار أقلّ الناس فضلا عن الأماثل والأكابر يتكلّمون في القضاة والعلماء وينسبونهم إلى المعايب والمثالب والمصائب، حتى أقبل الغلمان وأراذل العامّة وسفلة الناس، وما ذاك إلا عقوبة من الله تعالى لهم لامتهانهم العلم وخضوعهم لبني الدنيا في طلبها، وليتها وصلت إليهم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون» (1).
أمّا رأيه في دولة الجراكسة فكان أشدّ قسوة حين تحدّث عن «برقوق» فقال: «وكان جنديا من المماليك اليلبغاوية لا ذكر له، وهو من غير جنس العسكر الموجود لكونه جركسيّ الجنس وهم ترك، ولكن أذلّ الله تعالى به دولة الترك حتى قامت به دولة الجركس وكانت شرّ دولة قامت في الإسلام على ما سيأتي لك بيانه، وعلى ما هو ظاهر لمن له أدنى بصيرة ونظر بنور الحق والاعتبار» (2).
وقال في موضع آخر في حوادث سنة 782 هـ: «وقامت دولة الجراكسة وأمرها لم يتمّ، فإنها من أسوأ دولة وشرّها، وعلى يديها كان زوال محاسن مملكة مصر وقواعد سلطنتها، وتغيّرت الأحوال، وظهرت الأهوال. وبالله المستعان» (3).
ويعقد في حوادث سنة 839 هـ. مقارنة بين النفقة السلطانية على الأمراء والجند الذين عيّنوا للتجريدة إلى بلاد الشام في شهر شعبان، وبين ضخامة النفقة ذاتها في سنة 895 هـ. ليؤكّد على تدهور الوضع الاقتصاديّ وتضخّم الإنفاق المالي في أواخر القرن التاسع الهجري، كدليل على تردّي الأوضاع العامّة في دولة المماليك الجراكسة، فيقول:«وفي شعبان كانت النفقة السلطانية على الأمراء والجند الذين عيّنوا للتجريدة للشام، وبلغت النفقة سبعة عشر ألف دينار، حتى استكثرها البعض من الناس» . (هذا في عام 839 هـ).
اتخاذ الكتاب مصدرا للمؤرّخين
مثلما اعتمد المؤلّف في تدوين مادّة كتابه على مصادر المؤرّخين المتقدّمين، فإنّ المؤرّخين المعاصرين له والمتأخّرين عنه اعتمدوا كتابه بين مصادرهم، بل إنّ بعضهم اتخذ هذا الكتاب مصدرا أساسيا بحيث أفرغ معظمه في كتابه، ونخصّ بالذكر «ابن إياس»
(1) نيل الأمل 1 / ورقة 256.
(2)
نيل الأمل 1 / ورقة 226.
(3)
نيل الأمل 1 / ورقة 248.
(4)
نيل الأمل 1 / ورقة 691.
الذي نقل حرفيا كامل الكتاب من أوله إلى آخره ووضعه في كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور» ، واستغنى به عن «السلوك» للمقريزي، وهو اطّلع على نسخة كاملة من الكتاب حيث نجده ينقل أخبارا ذكرها المؤلّف بعد حوادث سنة 896 هـ. التي كانت آخر ما وصلنا من كتابه. ورغم الكمّ الهائل الذي نقله ونسخه، فإنه لم يصرّح بذلك إلاّ في مواضع قليلة.
ففي حوادث سنة 873 هـ. ذكر أعجوبة الحصاة التي كتب عليها، فقال:«نقل شيخنا الشيخ عبد الباسط بن خليل الحنفي في تاريخه، أنّ شخصا من الجند، يقال له يوسف السيفي يشبك الصوفي، خرج ليسيّر نحو الجبل المقطّم، فرأى حصاة مرميّة على الأرض فأخذها، فإذا عليها مكتوب بخط جيد: قد قرب الوقت اعتبروا واتقوا الله. وهي كتابة بغير نقط ولا شكل. فأحضرها بين يدي الشيخ أمين الدين الأقصرائي حتى رآها وتعجّب من ذلك، ولكن طعن فيها بعض الناس، وقال إنها مصنوعة. والله أعلم بحقيقة ذلك» (1)
وفي سنة 894 هـ. توفي الشيخ بدر الدين بن الغرس، محمد بن محمد بن محمد بن خليل القاهري الحنفيّ، فرثاه المؤلّف، فنقل «ابن إياس» رثاءه فقال: «ولما مات رثاه شيخنا عبد الباسط بن خليل الحنفيّ بقوله:
لقد أظلمت مصر وأقفرت الدنيا
…
لموت عديم المثل بل أوحد العصر
سأعجب إن ضاءت ليالي عصرنا
…
وكيف يكون الضوء مع عدم البدر (2)
وفي سنة 899 هـ. - وهي من السنوات التي ضاعت مع القسم الأخير من كتابنا - ينقل ابن إياس بيتين من الزجل في وفاء النيل: «وقال شيخنا عبد الباسط بن خليل الحنفي:
النيل وافا ووفّا
…
مبشّرا بالمنافع
وخازن القوت عي
…
نيه تقلّعت بالأصابع» (3)
وفي سنة 901 هـ. أخبر جماعة من الفلكية بأنّ زحل قد اقترن مع المرّيخ في برج الحوت، وذكروا أنّ هذا القران سيقع به فتن عظيمة عن قريب، فأجاب شيخنا عبد الباسط بن خليل الحنفي عن ذلك بقوله:
ليس القران بفاعل
…
كلاّ ولا بمؤثّر
إنّ المؤثّر فعل من
…
خلق القران تدبّر
(1) بدائع الزهور 3/ 26.
(2)
بدائع الزهور 3/ 263، نيل الأمل 2 / ورقة 383 ب.
(3)
بدائع الزهور 3/ 304.
فالفعل عنه صادر
…
كم يا منجّم تفتري (1)
وفي سنة 905 هـ. تعيّن شهاب الدين الرملي في وظيفة «ناظر الخاص» ولم يتقدّم له ولاية أية وظيفة سنية في مصر قبل ذلك، حتى عدّت ولايته من غلطات الزمان، فقال «ابن إياس»: «وفي ذلك يقول شيخنا خليل الحنفيّ، وهو قوله:
قد استوى الرملي على منصب الخا
…
صّ برأس العام يا خلّي
من عدم الدّست ومن جهل من
…
يطبخ حتى انحطّ للرملي» (2)
ونقل خبر هدم قبّة مدرسة السلطان حسن، وذكر بعد ذلك: وفي هذه الواقعة يقول شيخنا عبد الباسط بن خليل الحنفيّ، وهو قوله:
هتكت قبّة الحسن
…
وانتفى وصفها الحسن
إنّ في ذا لعبرة
…
لكن المستفيق من؟ (3)
ولما توفي العلاّمة جلال الدين السيوطي سنة 911 هـ. رثاه المؤلّف بأبيات، نقلها عنه «ابن إياس» ، وهي قوله:
مات جلال الدين غيث الورى
…
مجتهد العصر إمام الوجود
وحافظ السّنّة مهدي الهدى
…
ومرشد الضالّ بنفع يعود
فيا عيوني انهملي بعده
…
ويا قلوب انفطري بالوقود
واظلمي يا دنيا إذ حقّ ذا
…
بل حقّ أن ترعد فيك الرعود
وحقّ للضوء بأن ينطفي
…
وحق للقائم فيك القعود
وحق للنور بأن يختفي
…
ولليالي البيض أن تبق سود
وحق للناس بأن يحزنوا
…
بل حق أن كلّ بنفس يجود
وحقّ للأجبال خرّ وأن
…
تطوى السما طيّا كيوم الوعود
وأن يغور الماء والأرض أن
…
تميد إذ عمّ المصاب الوجود
مصيبة حلّت فحلّت بنا
…
وأورثت نار اشتعال الكبود
صبّرنا الله عليها وأو
…
لاه نعيما حلّ دار الخلود
وعمّه منه بوبل الرضى
…
والغيث بالرحمة بين اللحود (4)
(1) بدائع الزهور 3/ 318.
(2)
بدائع الزهور 3/ 424.
(3)
بدائع الزهور 3/ 455.
(4)
بدائع الزهور 4/ 83، 84.
ويظهر واضحا ما في الأبيات من ركاكة، ومن أغلاط نحوية، فالصواب أن يقول:«بل حق أن كلاّ بنفس يجود» ، وأن يقال:«وحقّ للأجبال خرّا» . وقد نقلها «ابن إياس» كما هي بأغلاطها.
وقد نقل «ابن طولون الدمشقي» هذا الرثاء في «مفاكهة الخلاّن» (1)، وعنه نقله «نجم الدين الغزّي» في الكواكب السائرة»، وقال:«ولم أقف إلاّ على هذه القصيدة في تاريخ ابن طولون، ذكر أنه استملاها من بعض من قدم عليهم دمشق من القادمين، فكتبها هنا من خطّه لئلاّ تخلو الترجمة من مرثيّة ما» (2).
وللدلالة على أنّ «ابن إياس» كان ينقل عن المؤلّف كلّ ما كتبه، بأخطائه، ما جاء في «نيل الأمل» في حوادث سنة 877 هـ. من أنّ ركب الحجّاج العراقيّين دخلوا المدينة المنوّرة وضيّقوا على قضاتها، وأرادوا التوجّه إلى مكة المكرّمة، فخرج إليهم أميرها الشريف محمد بن بركات فلاقاهم من بطن مرّ، فكتبها المؤلّف - أو ناسخ كتابه - في نيل الأمل:«بطن مرو» (3) بإضافة واو في مرّ، فنقل «ابن إياس» هذه الصيغة كما رسمت - غلطا - دون تمحيص وأثبتها في كتابه (4). والصواب:«بطن مرّ» ، بفتح الميم وتشديد الراء، وبين مرّ وبين مكة خمسة أميال (5).
وفي شهر رمضان من سنة 876 هـ. ذكر المؤلّف ترجمة «يحيى بن يشبك الفقيه الجركسي» وكتب: «مولده سنة 8» ، فكتبها «ابن إياس» مثله. مع أن مولده سنة 842 هـ.
وكذلك تابع المؤلّف أو الناسخ للكتاب عند ذكر الفتن في بلاد فاس بالمغرب، ووردت خطأ «فارس» ، فنقل «ابن إياس» الخطأ دون تمحيص. (انظر 237 ب). وتابعه بالغلط النحوي حين كتب:«بزيادة اثنا» (247 أ) وغيره.
وكان كتاب «نيل الأمل» أيضا، مصدرا من مصادر «السخاوي» في موسوعة «الضوء اللامع» ، ففي ترجمته لأحمد بن أبي حمو موسى بن عبد الواحد التلمساني سلطان المغرب، المتوفى سنة 865 هـ. قال:«وترجمه الزين عبد الباسط مطوّلا» (6).
وهناك الكثير من تراجم الوفيات التي ذكرها «السخاوي» في «الضوء» دون أن يذكر تاريخ وفاتهم، وأحيانا يترك مكان تاريخ وفاته بياضا، ويمكن أن يستدرك عليه من كتابنا
(1) مفاكهة الخلاّن في حوادث الزمان 1/ 302.
(2)
الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة 1/ 231، والجملة التي ذكرها عن «مفاكهة الخلاّن» ليست في المطبوع منه، وهي في نسخة أخرى اطّلع عليها.
(3)
نيل الأمل 2 / ورقة 245 أ.
(4)
بدائع الزهور 3/ 88.
(5)
معجم البلدان 5/ 104.
(6)
الضوء اللامع 1/ 292.