المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل قوله: (ويستحب الإسفار بالفجر لقوله عليه الصلاة والسلام: "أسفروا بالفجر؛ - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ١

[ابن أبي العز]

الفصل: ‌ ‌فصل قوله: (ويستحب الإسفار بالفجر لقوله عليه الصلاة والسلام: "أسفروا بالفجر؛

‌فصل

قوله: (ويستحب الإسفار بالفجر لقوله عليه الصلاة والسلام: "أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر".

الحديث المذكور لو كان معارضًا لم يقاوم الأحاديث الواردة في التغليس في الصحة والشهرة والعمل؛ ف إنه هو فعله صلى الله عليه وسلم حتى مات،

ص: 459

وفعل الخلفاء الراشدين بعده.

ولهذا تأوله الطحاوي رحمه الله وغيره على الإسفار بالخروج منها. أي أطيلوا صلاة الفجر حتى تخرجوا مسفرين.

وقيل المراد بالإسفار التبين، أي صلوها إذا تبين الفجر وانكشف ووضح؛ فإن في "الصحيحين" عن ابن مسعود قال:"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير وقتها إلا صلاة الفجر بمزدلفة، وصلا ة المغرب بجمع".

ص: 460

وصلاة الفجر إنما صلوها يومئذ بعد طلوع الفجر. هكذا في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: "وصلى صلاة الفجر حين برق الفجر". وإنما مراد عبد الله بن مسعود أنه كان يؤخر عن أول طلوع الفجر حتى يتبين وينكشف ويظهر، وذلك اليوم عجلها قبل ذلك. وبهذا يتفق معاني أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما إذا أخرها بسبب يقتضي التأخير مثل المتيمم يؤخرها ليصلي آخر الوقت بوضوء، والمنفرد حتى يصلي آخر الوقت في جماعة، والعاجز عن القيام حتى يصلي آخر الوقت قائمًا، ونحو ذلك مما فيه فضيلة تزيد على

ص: 461

فضيلة الصلاة في أول الوقت، فالتأخير لذلك أفضل. ولا ينبغي تأخيرها/ لتكثر الجماعة؛ لأنهم إذا علموا أنهم لا ينتظرون سارعوا إلى الحضور، وإذا علموا أنهم ينتظرون تهاونوا.

قوله: (وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس في الشتاء والصيف، لما فيه من تكثير النوافل لكراهتها بعده).

لا يعارض هذا المعنى اللطيف النصوص الواردة والمعاني التي هي أقوى منه. أما النصوص فحديث أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة، فيذهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة" متفق عليه.

وفي رواية: "فيذهب الذاهب منا إلى قباء".

وفي أخرى: قال اسعد بن صهل بن حنيف: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس فوجدناه يصلي العصر،

ص: 462

فقلت: يا عم! ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصلي معه.

وفي أخرى لمسلم قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله! إنا نريد أن ننحر جزورًا لنا، وإنا نحب أن تحضرها. قال: "نعم". فانطلق معه فوجدنا الجزور لم تنحر، فنحرت، ثم قطعت، ثم طبخ منها، ثم أكلنا قبل أنت تغيب الشمس".

وحديث عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر والشمس في حجرتها".

ص: 463

قال البخاري: وقال أبو أسامة، عن هشام:"في قعر حجرتها".

وحديث إمامة جبريل، فإنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول العصر حين صار ظل كل شيء مثله، وفي اليوم الثاني مثليه، ثم قال بعد ذلك:"الوقت ما بين هذين".

وحديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال: فما تأمرني؟ قال: "صل الصلاة لوقتها، ثم اذهب لحاجتك، فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصل" رواه مسلم.

ومعناه يؤخرون الصلاة عن أول وقتها، فهذا هو المنقول عن أولئك

ص: 464

الأمراء، وهو التأخير عن أول الوقت لا عن الوقت كله. فمعنى صل الصلاة لوقتها. أي لأول وقتها. وهذا الحديث يشمل العصر وغيرها.

وفي مسند أبي حنيفة: عن يحيى، عن بريدة:[قال] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بكروا لصلاة العصر".

وأما المعاني فالمبادرة إلى أداء العبادة وامتثال الأمر أفضل من التواني.

قال تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم} ، وقال تعالى:{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} .

وأيضًا ففي تأخيرها تعريضها للفوات، وعروض الآفات.

وأيضًا ففي التأخير احتمال خروج وقتها الاختياري بصيرورة ظل كل

ص: 465

شيء مثليه، لحديث إمامة جبريل، كما ذهب إليه مالك، والشافعي، وغيرهما، وكمما وقع عليه الاتفاق في العشاء.

وأيضًا فإن جبريل لما صلى بالنبي-صلى الله عليه وسلم المغرب في اليومين في وقت واحد قلنا بكراهة تأخير المغرب. وكذلك لما صلى به العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل أو نصفه اتفقت الأمة على كراهة تأخيرها عن ذلك الوقت.

ص: 466

فمقتضاه أن يقول هنا بكراهة تأخير العصر إلى ما بعد صيرورة ظل كل شيء مثليه، ولا فرق بينهما أصلًا.

فإن قلتم: المغرب يكره التنقل قبلها بخلاف العصر.

قلنا: بل هو غير مكروه. وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. ولم يرد في تأخير العصر ما يصلح لمعارضة هذه النصوص والمعاني.

فما رواه أبو داود: "أن النبي-صلى الله عليه وسلم كان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية"، وما رواه الدارقطني:"أنه عليه السلام كان يأمر بتأخير هذه الصلاة، يعني العصر"، وما رواه الترمذي عن أم سلمة أنها قالت:"كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلًا للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلًا للعصر منه"،

ص: 467

ضعف أهل الحديث الأحاديث الثلاثة.

وحديث أم سلمة المذكور إنما يدل على زيادة التعجيل، وإذا ظهر الدليل فلا عذر لمن خالفه، ولا يمكن الاحتياط هنا بالخروج من الخلاف أصلًا، ولا يمكن أن يصلي العصر في وقت مجمع عليه؛ فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يقول: يدخل وقتها إذا صار ظل كل شيء مثليه. وعند مالك والشافعي يخرج وقتها الاختياري./ فيتعين النظر في الدليل، ورد

تلك الرواية الشاذة عن أبي حنيفة، والأخذ برواية الحسن عند الموافقة لقول صاحبيه، وقول سائر العلماء.

قوله: (وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء).

هذا الحديث منكر، لا عرف في كتب الحديث. والمحفوظ ما رواه

ص: 468

عقبة بن عامر أن النبي-صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤدوا المغرب حتى تشتبك النجوم"، رواه أحمد وأبو داود. والأدلة على استحباب تعجيل المغرب وتأخير العشاء من السنة مذكورة في كتب الحديث، وليس هذا اللفظ فيها.

ص: 469