الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحيض والاستحاضة
قوله: (أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها، وما نقص عن ذلك فهو استحاضة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها، وأكثره عشرة أيام". وهو حجة على الشافعي في التقدير بيوم وليلة).
لا يكون الحديث حجة إلا بعد ثبوته. ولو تناظر فقيهان [في مسألة]، لا تقوم الحجة على المناظر إلا بحديث يعلم أنه مسند إسنادًا تقوم به الحجة، أو يصححه من يرجع إليه في ذلك. أما إذل لم يعلم إسناده، ولا يثبته أئمة النقل فمن أين يعلم صحته؟ وكيف يكون حجة على المناظر. ولم يثبت في تقدير
أقل الحيض ولا أكثره، ولا أقل الطهر حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
وإنما احتج الطحاوي في تحديد أقل الحيض وأكثره بالثلاثة والعشرة بحديث أم سلمة، إذ سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي كانت تهراق الدم فقال:"لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر، ثم تغتسل وتصلي".
قال: فأجابها بذكر عدد الأيام والليالي من غير مسألة لها عن مقدار حيضها قبل ذلك، وأكثر ما يتناوله "أيام" عشرة، وأقله ثلاثة. انتهى.
قالوا: لا حجة في ذلك؛ لأن الكلام خرج مخرج الغالب، فلا يلزم أن كل امرأة لا يكون حيضها إلا أيامًا.
وأيضًا فقد قال تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر} . ولو أفطر المريض [أو المسافر] يومًا لكان عليه قضاؤه بهذا النص.
وما ذكره المصنف رواه الدارقطني وضعفه. وقد صرح بعض أهل الحديث بأن جميع ما روي في ذلك موضوع. وعلي رضي الله عنه قد جوز أن تحيض المرأة في شهر ثلاث حيض.
وقد أخذ به أحمد، ومالك وغيرهما.
وقالوا: إن الله تعالى قال: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا .. النساء في/ المحيض} الآية. وقال: {واللائي يئسن من المحيض
…
} الآية.
وهذا يبين أن المحيض هو الحيض، وهو سبحانه ذكر المحيض معرفًا باللام، فدل على أنه معروف عند المخاطبين، وأنهم يعرفون المحيض ويميزون بينه وبين ما ليس بمحيض. وهو لم يحده الشرع بحد [لا] لأقله ولا لأكثره، ولا للطهر بين الحيضتين.
ومما يبين ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح للمستحاضة: "دم الحيض أسود يعرف"، فبين أن دم الحيض معروف من غيره كما يعرف المني من المذي والبول.
وجاء في حديث آخر: "إن المستحاضة تجلس قدر ما كانت تحبسها حيضها". وفي آخر: "جعل المتحيرة تجلس غالب الحيض ستًا، أو
سبعًا".
والتفريع على هذا الأصل معروف عند القائلين به.
قال أبو عمر بن عبد البر: قال أحمد بن المعذل: واختلف قول أصحابه- يعني أبا حنيفة- في [عدد] الحيض وانقطاعه وعودته اختلافًا يدلك على أنه لم يأخذوه على أثر قوي، ولا إجماع.
قال: واختلف أيضًا قول مالك وأصحابه في عدد من عدد الحيض رجع فيها من قول إلى قول، وثبت هو وأهل بلده على أصل قولهم في الحيض أنه خمس عشرة.
قال: وإنما ذكرت لم اختلاف أمر الحيض واختلاطه على العلماء ليعلم أنه أمر أخذ أكثره بالاجتهاد؛ فلا يكون عندك سنة قول أحد من المختلفين فيضيق على الناس اختلافهم.
[قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب").
وقوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تقرأ الحائض والجنب شيئًا من القرآن"). وقوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يمس القرآن إلا طاهر").
الأحاديث الثلاثة خرجها أهل السنن وضعفها أهل الحديث.
وقد روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ناوليني الخمرة من المسجد"، فقلت: إني حائض، فقال:"حيضتك ليست في يدك".
وروى سعيد بن منصور في "سننه"، عن جابر رضي الله عنه قال:(كان أحدنا يمر في المسجد جنبًا مجتازًا). ولهذا قال الشافعي وغيره: يجوز
المرور في المسجد للحائض والجنب دون اللبث فيه.
وقد روى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن على كل حال ما لم نكن جنبًا"، وقال: حديث حسن صحيح.
ولهذا قال مالك رحمه الله: تقرأ الحائض القرآن إذا خافت النسيان، أو كان الإقراء حرفًا حرفًا.
وفي "الصحيحين" في حديث هرقل: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم"، وفيه:{يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشْهدوا بأنا مسلمون} .
ولكن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر" هو في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم، وهو كتاب مشهور عند أهل العلم، تلقوه بالقبول والعمل، وإن كان سنده ضعيفًا].
قوله: (وإن انقطع لعشرة أيام حلَّ وطؤها قبل الغسل؛ لأن الحيض لا
مزيد له على العشرة، إلا أنه لا يستحب قبل الاغتسال للنهي في القراءة بالتشديد).
في كلامه نظر؛ فإن قوله: "لا يستحب" بعد قوله: "حل وطؤها" مشكل. فإن نفي الاستحباب لا يزيد على معنى الجواز. فكأنه قال: حل وطؤها قبل الغسل، إلا أنه يحل وطؤها قبل الغسل. ولو قال: إلا أنه يستحب أن يؤخر الوطء إلى بعد الاغتسال لكان أظهر.
ومسألة "وطء الحائض إذا طهرت ولم تغتسل" الخلاف فيها معروف، والمنع منه قول زفر والأئمة الثلاثة، وأكثر أهل العلم. قال ابن المنذر: إنه كالإجماع. انتهى.
ودلالة القرآن على المنع أقوى؛ فإن قوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن} . قال مجاهد: {حتى يطهرن} حتى ينقطع الدم، {فإذا تطهرن} اغتسلن بالماء. وقد ذكر الله تعالى غاية وشرطًا؛ فإن قوله تعالى:{حتى يطهرن} غاية التحريم الحاصل بالحيض، وهو تحريم لا
يزول بالاغتسال ولا غيره، فهذا التحريم يزول بانقطاع الدم، ثم يبقى الوطء جائزًا بعد ذلك بشرط الاغتسال، لا يبقى محرمًا على الإطلاق.
وهذا كقوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} . فقوله: {حتى تنكح زوجًا غيره} غاية للتحريم الحاصل بالثلاث، فإذا نكحت زوجًا غيره زال ذلك التحريم، لكن صارت في عصمة الثاني، فحرمت لأجل حقه، لا لأجل الطلاق الثالث، فإذا طلقها جاز للأول أن يتزوجها.
وكقوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم} ، فمن بلغ النكاح من اليتامى جاز الدفع إليه بشرط إيناس الرشد منه، فالمنع من دفع المال إليه لأجل صغره ويتمه زال بالبلوغ، وبقي المنع للسفه، وبهذا حصل الجواب عن قولهم: إن قوله تعالى: {فإذا تطهرن} إباحة ثانية وابتداء كلام، وعن غيره.
قوله: (وإذا عرف حكم الصلاة عرف حكم الصوم والوطء بنتيجة الإجماع).
يعني في حق المستحاضة. أي أجمع المسلمون على وجوب الصلاة عليها، ويلزم منه وجوب الصوم وحل الوطء؛ لأنه جعل الدم عدمًا في حق الصلاة مع أنها تنافيها فيجعل عدمًا في حقهما.
وفيه نظر/ في حق الوطء. فإن جواز وطء المستحاضة فيه خلاف.
قال ابن المنذر: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "المستحاضة لا يأتيها زوجها"، وبه قال النخعي، والحكم. وكره ذلك ابن سيرين. وقال أحمد: لا يأتيها إلا أن يخاف العنت في رواية. فلم يجمعوا على التسوية بين الصلاة والصوم. وبين الوطء، فلا يصح الاستدلال بنتيجة الإجماع.
ولا يلزم من عدم اعتباره في حق الصلاة والصوم عدم اعتباره في حق الوطء؛ لأن شرط الطهارة عن الحيض في حق الصلاة والصوم عرف بالشرع. أما وطء الحائض فأمر يدرك العقل قبحه.
فالمخالف يقول: المستحاضة في حق الوطء بمنزلة الحائض، لأن الوطء في كل منهما في محل الأذى. وإن كان الصحيح قول جمهور العلماء بجواز قربانها؛ فإن من منع من قربانها لأن دم الاستحاضة أذىً كدم الحيض، يرد عليه من بها سلس البول.
ويفرق بينه وبين دم الحيض بأنه ليس من الرحم كدم الحيض، وإنما هو دم عرق خارج الرحم، كما أن مجرى البول خارج الرحم، فلم يكن وطء
المستحاضة كوطء الحائض، والوطء في الدبر.
***