الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب شروط الصلاة التي تتقدمها
قوله: (ويروى ما دون سرته حتى تجاوز ركبته).
قال السروجي: قوله: (حتى تجاوزت ركبته) لم يذكر في الحديث، وضعف أيضًا حديث:"الركبة من العورة".
ولم يثبت في كون الركبة من العورة حديث، ولا في السرة، بل قد ثبت ما يدل على خلاف ذلك في حديث أبي موسى:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدًا في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه -أو ركبته- فلما دخل عثمان غطاها"
رواه البخاري.
وقول أبي هريرة للحسن رضي الله عنه: "أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل، فقال بقميصه فقبل سرته" رواه أحمد.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم فقد غامر
…
الحديث" رواه البخاري.
قوله: (ولهما أن الربع يحكي حكاية الكمال كما في مسح الرأس
[والحلق في الإحرام. ومن رأى وجه غيره يخبر عن رؤيته. وإن لم ير إلا أحد جوانبه الأربعة]).
[في التعليل والتنظير كله نظر؛ فإن كون الربع يحكى حكاية الكل مجرد دعوى، ومسح الرأس] قد علل له فيما تقدم أن الكتاب مجمل في المقدار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بينه بالمسح على الناصية، وقد تقدم الكلام معه في ذلك.
ولا تصح هذه الدعوى إلا إذا ثبت أن الأصل في مسح الرأس في الوضوء الكل، وأن الاكتفاء بالربع لقيامه مقامه، ولم يقل به.
وأما حلق الرأس في الإحرام فأنه [في] كتاب الحج أحاله على مسح الرأس في الوضوء، وهي حوالة تاوية.
وقد قيل فيه: إن الرفق يحصل بحلق ربع الرأس كما يحصل بحلقه كله.
وفيه نظر؛ فإن كمال الرفق بحلق كله، وبحلق بعضه يحصل/ بعض الرفق.
وأما قوله: ومن رأى وجه غيره يخبر عن رؤيته وإن لم ير إلا أحد جوانبه الأربعة، فعجب؛ فإن الوجه ليس هو وحده أحد الجوانب الأربعة.
ولو نظر إنسان بوجهه من طاقة في حائط وباقية وراء الحائطـ، لأخبر من نظر إلى وجهه أنه رآه وأن لم ير باقي بدنه. ولو لم يكن منشورًا عنه حتى نظر إليه وأخبر عن رؤيته لم يكن ذلك لكونه رأى أحد جوانبه الأربعة، بل لكونه رأى شخصه كله.
فالناظر إلى الشخص لا يرى ربعه فقط، ولو قال قائل إنما رأى سدسه لأن الجهات ست، وقد يكون الرائي فوق المرئي، وتحته لكان قوله نظير هذا القول.
[وقول] أبي يوسف أقوى دليلا؛ لأن كون أكثر الشيء يقوم مقامه كله لأن ما يقابله يوصف بالقلة بالنسبة إليه أمر معقول لا ينكر، بخلاف الربع
لأنه لا ينهض على إقامته مقام الكل دليل.
قوله: (يحسن ذلك لاجتماع عزيمته). يعني يحسن ذكر نية الصلاة بلسانه، وفيه نظر.
قال في "المفيد": كره بعض مشايخنا النطق باللسان؛ لأن النية علم القلب، والله تعالى مطلع على ما في الضمائر، فلا حاجة إلى الإفصاح باللسان. وهذا هو الصحيح؛ فإن قول القائل: نويت صلاة كذا وكذا من نوع العبث من وجوه:
أحدها: أنه لم ينقل.
الثاني: أنه إما أن يريد الإنشاء أو الإخبار، وكل منهما باطل. أما الإنشاء فلأن الصلاة ليست من باب العقود التي يثبت حكمها بالإنشاء.
وأما الإخبار فكذلك أيضًا؛ لأنه إما أن يريد إخبار نفسه، أو ربه، أو الكرام الكاتبين، وكل منا لا يصح.
فإن قيل: هذا بمنزلة قوله: "وجهت وجهي" إلى آخره، فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن هذا ورد به الشرع، وهذا لم يرد به.
الثاني: أن هذا من باب التكلم بالعقيدة فيكون بمنزلة الشهادتين، وهذا من باب نية العمل وقصده فيكون بمنزلة قوله: نويت أن آكل أو أشرب ونحو ذلك.
وأيضًا فإن سائر العبادات مفتقرة إلى النية، لم يقل أحد من المسلمين أن من قرأ أو سبح وأمر بالمعروف أو أدى الزكاة أو نحو ذلك أنه يقول بلسانه شيئًا. فإن طردتم اشتراط القول باللسان في الكل قلتم يقول لا قائل به. وإن فرقتم طولبتم بالفرق المؤثر، ولن تجدوه.
وأيضًا، فما الذي بقوله بلسانه؟ أهو لفظ:"نويت الصلاة" أو يضيف إليها ذكر صفتها، وعدد ركعاتها، ووصف الإمامة أو الانفراد، أو الاقتداء واستقبال القبلة؟ فما الضابط في ذلك؟ فإن ذكرتم ضابطًا طولبتم
باعتبار الشرع له.
قوله: (ومن أم قومًا في ليلة مظلمة فتحرى القبلة وصلى إلى المشرق، وتحرى من خلفه وصلى كل واحد منهم إلى جهة، وكلهم خلفه ولا يعلمون ما صنع الإمام أجزأهم).
في تصوير المسألة نظر؛ فإنهم لا بد لهم من سماعهم صوت الإمام ليتمكنوا من الاقتداء به، وإذا سمعوا صوته علموا مقامه. وكيف يخفي مقام الإمام على من جعل ظهره إلى ظهره؟! ولا بد أن يعلم ضرورة أنه وراءه إذا سمع صوته، وكذلك من هو إلى جانبه. ويستحيل تصور المسألة والحالة هذه. والله أعلم.
* * *